المنشور

انفتاح ام انغلاق ؟

قبل عام من اليوم وعندما كان عدد اصابات “كورونا” في بلدنا لا يتجاوز ال 500 حالة، قال أحد معارفنا، وهو رجل ميسور ويمتلك شققا في لندن وإسبانيا وغيرها، إنه إذا استمرّت الحال على هذا المنوال فسوف أحزم حقائبي، وأسافر مع عائلتي ولن أعود قبل انقضاء هذا الوباء وانخفاض الحالات وتراجع الوفيات، ترى ما عساه يفعل اليوم والبحرين تسجل آلاف الحالات وعددا غير مسبوق من الوفيات يومياً، وتصنف عالمياً كبلد موبوء يحظر السفر إليه؟
البحرين ليست استثناء، وثمة دول عديدة سبقتنا إلى هذه الحال، فأقدمت على الإغلاق الجزئي أو الكامل من أجل تخفيف حدة انتشار المرض، وللتخفيف على منظومة الجهاز الصحي تحسباً ليوم لا نجد فيه سريراً شاغراً أو أنبوبة أوكسجين أو طاقماً طبياً أو تمريضياً قادراً على استيعاب كل هذه الأعداد المتزايدة من المصابين والمرضى والمتوفين.
لا شكّ أن البحرين حققت انجازاً كبيراً في بداية انطلاق المرض، ومع حملة الفحوصات ثم التطعيم لاحقاً، فالعمل الذي انجزه فريق البحرين لا يستهان به وجدير برفع القبعة إليه تحية، عدد المتطوعيين والعاطلين عن العمل الذين تقدّموا للعمل مع فريق البحرين وكانوا ضمن الصفوف الأولى وجازفوا بأراواحهم وعرضوا صحتهم وصحة عائلاتهم للخطر، فريق البحرين لا يستحق هذا الهجوم والتجني الذي يتعرض له، بل إني اعتبر كل مواطن ملتزم بالتعليمات، هو فرد عامل ومؤازر في فريق البحرين.
من كان يتصور أن نبلغ هذه الأرقام المخيفة؟ من كان يتصور أن تعرف البحرين الفيروس المتحوّر القادم من هذا البلد أو ذاك؟ ثمة جدل كبير ومتعدد طفح على السطح على مواقع التواصل الاجتماعي متسائلا ومشككا ومرتاباً في صحة هذا الإجراء أو ذاك في وقت تتصاعد فيه الأرقام، هل نفتح البلد براً وجواً ام نغلقها؟ لمن الألولوية في التوظيف، أبناء البلد أم المستقدمين من الخارج، ثم ماذا عن وضع السجناء في زمن التباعد الجسدي المطلوب والضروري؟
ألم يحن الوقت لفسحة من التفكير التشاركي بين الشعب وقيادته من زاوية نظر مختلفة آخذة في الاعتبار وضع صحي واقتصادي ضاغط وغير طبيعي وغير مألوف؟ هل فتح دور العبادة والترفيه والرياضة ملح في هذه الفترة؟ هل استقدام عمالة جديدة أو قديمة قضية امنية عالية الخطورة ولا يصح التراجع عنها او تقييمها مجددا بناء على المستجدات الجديدة لصالح عمالة بحرينية مؤهلة ومدربة؟
اخترت جزءا من الملفات التي تحظى اليوم بأكبر نقاش على سبيل المثال لا الحصر، إن كورونا طرحت تلك التساؤلات الجديرة بالطرح ليس عن واقعنا الصحي “الكوروني” بل عن أزماتنا السياسية المركونة والمعلقة، وعن كثير من انعدام الثقة في إدارة الملفات المهمة، ومن الطبيعي أن جائحة بخطورة “كورونا” لهي جديرة بأن تنعكس وتلقي بظلالها على أي وضع هشّ وضعيف ورجراج في أي بلد كان. إن الوقت مناسب لفتح وتمهيد الطريق أمام حوار سياسي اجتماعي اقتصادي شامل وجذري وحقيقي، فكلنا على مركب واحد، والغرق سيودي بنا جميعا.
يتحدث الخبراء الاستراتيجيون اليوم في كل مكان في العالم عن أن جائحة كورونا من شأنها ان تطرح الأسئلة الكبرى حول هذا الكوكب المختل بيئياً وسياسياً واقتصادياً وأخلاقياً أملاّ في الوصول إلى حياة جديرة بالحياة، الجائحة ستبقى معنا سنوات وبلدنا حققت أموراً عديدة ايجابية ومدعاة للفخر والإعجاب في التعاطي مع ملف الجائحة، وقد حان الوقت للاستدارة للمفات الأكبر والأعقد، ولفت انتباهي أن البلاغ الذي يصل إلى المواطنين على تطبيق “مجتمع واعي” يتضمن لوناً اخضراً زاهياً وجميلا وباعثاً على الأمل والتفاؤل، أما في حالة الإصابة “الإيجابي”، فيحمل اللون الأحمر المنذر بالخطر مترافقاً مع عبارة مقلقة بالتأكيد لمرسل الرسالة ولمتلقيها: “أنت مصاب”.
نحن اليوم بلد مصاب بالكوفيد وبأمراض أخرى سياسية في المقام اليوم ونتعامل معها وفق نظرية “الفيل الابيض” الذي يشغل مساحة كبيرة في المكان، لكننا لا نراه أو ندعي عدم وجوده، لننفتح على بعضنا البعض أولاً قبل أن نقرر فتح البلد أو غلقها لدواع صحية واقتصادية وغيرها.