المنشور

القُبح جمالٌ صعب

أوديب ابن الملك لايوس والملكة جوكاستا، يتزوج من والدته عن غير قصد، وينتهي به الأمر بإنجاب أربعة أطفال. في النهاية، اتضح أن أوديب قتل والده أيضاً. كل هذا، بالطبع، لم يكن على علم به.

ندماً يكتشف أوديب حقيقة أفعاله، يشعر بالرعب وكراهية الذات. أعمى نفسه بعد أن شهد انتحار زوجته، وراح يكرّس نفسه لعقوبته ويخطط للسيرعلى الأرض كمنبوذ حتى نهاية أيامه.

هكذا هو الخطاب المسرحي، فمنذ نشأته قد كان نتاجاً للمفاهيم الجمالية كالجمال والجلال والقبح ومولداً لها في الآن نفسه، إذ إن التراجيديا تمثل ذروة التسامي أو الجلال، لأنها وبحسب رأي (أرسطو) محاكاة لفعل جليل، له مدى محدد، ولغة مُزينة، وتثير الخوف والشفقة فتنتج المتعة النفسية والجمالية وتحقق التطهير، الذي ينقي النفوس، لكنها في الوقت نفسه تكون حاضنة لما هو قبيح كما أظن، وذلك هو سلوك البطل السلبي اللاواعي الذي قاده الى ارتكاب الخطأ التراجيدي الذي ارتكبه (اوديب) والمتمثل بزواجه من أمه وقتله أباه كما ورد في الاسطورة آنذاك، بوصفها من اهم مرتكزات الدراما الى جانب الطقس الديني.

ولذلك عندما شعر أوديب أنه هو سبب الرجس أو القبح، الذي عمّ طيبه، فقع عينيه نابذاً الفعل القبيح والسلبي الذي ارتكبه، ولا يحدث فعل الفقع امام الجمهور لأنه عنيف وقبيح، وبهذا تحقق التراجيديا القيم الجمالية والإنسانية والنفسية من جراء معالجة القبح كما أظن، مع يقيني أن القبح في التراجيديا قد استخدم كأداة لتحقيق الجمال الفني والإنساني على الصعيد التأويلي النابه، لكنَّ العنف هو الآخر وسيلة لتحقيق التطهير لدى المتلقي.

إن المخرج المسرحي لا يُجمل القبح أبداً، بل يتخذ منه مادة تعبيرية، يضفي عليها قدراً ملموساً من مشاعره وانفعالاته وأخيلته وخبرته، ينتج منها عملاً جميلاً مدهشاً يثير الاهتمام، فيتحقق عندئذ التواصل ومن ثم الاستجابة الجمالية لدى المتلقي.

أوديب، عطيل، هاملت، الملك لير، ماكبث هي أسماء جسدت في لحظة ولادتها المآسي والقبح، جميع هذه المآسي القبيحة نتلذذ بها كقراء وكجمهور، ولهذا فإن القبح جمال صعب.