المنشور

سنوات الإصلاح واستعراض البطولة‮!‬

تأملت مثل‮ ‬غيري‮ ‬من كافة مواطني‮ ‬البحرين الخطاب الملكي،‮ ‬فقد صارت لدينا ثقافة جديدة تشكلت خلال السنوات السبع بفضل فضاء الحريات الجديد،‮ ‬والذي‮ ‬لم نكن نتمتع به سابقا،‮ ‬واعتقد أن كل نصف أعمى‮ ‬يرى ذلك،‮ ‬وكل أصم بلغت إلى أذنه رنة الندوات والحوارات بمستوياتها المختلفة وسمعها‮. ‬تأملت كغيري‮ ‬في‮ ‬نص الخطاب الملكي،‮ ‬حيث انه هذه المرة أبحر في‮ ‬ميدان مختلف أكثر تركيزا على الرؤية الاقتصادية،‮ ‬مما جعلني‮ ‬أعود للوراء لسبع سنوات محاولا تقليب مرحلة عشتها وتلمست فيها كل الهموم والأحلام،‮ ‬وقد علمتني‮ ‬التجربة المحسوسة دروسا جديدة ومختلفة،‮ ‬وعلمتني‮ ‬أن بالإمكان الصعود بالحلم نحو الغيوم،‮ ‬ولكن لن أخطو على الأرض خطوة واحدة لحل مسألة تتعلق بلقمة العيش للشعب،‮ ‬ولن أستطيع أن أخطو خطوات صغيرة ومفيدة بدلا من الركض في‮ ‬الوهم دون فائدة‮. ‬تأملت وأنا اقرأ الخطاب متسائلاً‮: ‬أين نحن من تلك السنوات وما الذي‮ ‬ينتظرنا في‮ ‬السنوات السبع القادمة؟ هل نأمل منها المن والسلوى أم نتعلم الواقعية ونستعد للتعاطي‮ ‬مع كل مجريات الأحداث المحتملة والانتكاسات الممكنة،‮ ‬وفي‮ ‬ذات الوقت علينا أن ننظر لكل مشروع ايجابي‮ ‬بروح من التفاؤل على انه سيحقق لنا خطوات ايجابية نحو الأفضل‮. ‬كان بالإمكان أن نزعق في‮ ‬الشوارع دون فائدة،‮ ‬فقد أكسبتنا مهارة الماضي‮ ‬التعلم من تجربة الألم،‮ ‬وان نلمس الجراح ونعض عليها،‮ ‬عندما تقتضي‮ ‬المواجهة والكبرياء،‮ ‬دون الدخول في‮ ‬خطاب المزايدة،‮ ‬فمن ركضوا أكثر مما حققوا من منجزات ظلوا‮ ‬يبحثون عن ظلهم وهم‮ ‬يدورون حوله،‮ ‬فما نجحوا في‮ ‬مسك ذلك الظل،‮ ‬ومن خرجوا وأربكوا الملفات الصغيرة والكبيرة كنا نشاركهم في‮ ‬المحنة ونختلف معهم في‮ ‬المنهج،‮ ‬ولكنهم كانوا قد قرروا اختيار طريقهم ولا‮ ‬يمكنهم فرض خياراتهم على الآخرين بالقوة،‮ ‬حتى وان رغبوا امتطاء حصان البطولة في‮ ‬خطاب الاستعراض،‮ ‬فضحكنا من الحماقة كما ضحك معنا الكثيرون،‮ ‬ولكنهم واصلوا خطابهم على أساس من التعنت والعصبية التي‮ ‬تفرز وتستولد مثيلتها دائما،‮ ‬وقد أسعدهم ركض الجماعات خلفهم في‮ ‬البداية،‮ ‬وعندما اكتشفوا أن تلك الجماهير ليست ملكهم وتخلت عنهم من خطاب المقاطعة النيابية إلى المشاركة أصابهم الإحباط،‮ ‬واكتشفوا أن الرهان كان خاسرا فما قبلوا إلا المزايدة مرة أخرى،‮ ‬فعادوا‮ ‬يدقون على نفس الطبلة دقات الرقص ذاته عن أن الدستور تم انتهاكه وان الدستور ناقص وان الحياة النيابية في‮ ‬ظل وجود الغرفتين ستلجم المعارضة وتحد من قوتها،‮ ‬فقلنا لهم نحن نقرأ النصوص كما تقرأونها فما هو ذلك الاكتشاف العجيب؟،‮ ‬فلغتنا هي‮ ‬العربية ولغتكم كذلك اللهم الا ان تكون النصوص لها أوزان مختلفة،‮ ‬فلم نقل إننا لا نوافق على أن الأمور ليست مكتملة وان الظروف فرضت تلك التنازلات والخيار الأفضل هو القبول بما هو ممكن ومتاح بدلا من الرفض المطلق والنضال من خارج دائرة الرفض المطلق،‮ ‬فصار لدى الجميع خيارات مختلفة،‮ ‬فاحترمنا خياراتهم ولكنهم لم‮ ‬يحترموا خياراتنا في‮ ‬اختيار الطرق المناسبة لانجاز الأحلام وتحقيق الأهداف البعيدة‮. ‬في‮ ‬تلك اللحظة التاريخية كان علينا أن نبني‮ ‬أحجارا صغيرة في‮ ‬بيت صغير،‮ ‬فدخلت البحرين في‮ ‬مساحات من التقدم والازدهار النسبي،‮ ‬فباتت النقابات والجمعيات أصوات مسموعة في‮ ‬وسط المجتمع وتبني‮ ‬وعيا وتراكم خبرة وتعلم الأجيال معاني‮ ‬عدة خارج الاستعراضات البطولية للعمل السياسي‮. ‬كنا مع التجربة النيابية بكل الملاحظات فعلى الأقل‮ ‬يتعلم الشعب تجربة جديدة تتيح له قراءة السياسة وتعلم دروسها وثقافتها الجديدة،‮ ‬تعلمه ماذا‮ ‬يعني‮ ‬اليأس والأمل والصبر بدلا عن الهذيان،‮ ‬فوجدنا من شتموا بالأمس صاروا في‮ ‬ركب الواقع فيما البطولة الاستعراضية تواصل صراخها كيفما تريد،‮ ‬فنحن في‮ ‬وطن الاختلاف والديمقراطية،‮ ‬ومن‮ ‬يرغب ان‮ ‬يكتب ما‮ ‬يريد فهو حر ومن‮ ‬يريد أن‮ ‬يسمع كلاما مثيرا فهو حر ومن‮ ‬يرغب أن‮ ‬يرمي‮ ‬بأحجاره فهو حر ومن‮ ‬يود الانتحار فلا احد بإمكانه أن‮ ‬يوقفه‮. ‬ما‮ ‬يهمنا أن نتصفحه خلال السنوات السبع،‮ ‬هو تلك النغمات النشاز في‮ ‬وقت‮ ‬يتحاور فيه الناس كل‮ ‬يوم بطريقتهم في‮ ‬الأجور والأسعار والغلاء والسكن وغيرها من الملمات والهموم وينتقدون كل شيء بطريقتهم،‮ ‬ولكن الأمر الوحيد الذي‮ ‬اخذوا‮ ‬يحسنونه أن الهذيان والشتائم والأحقاد لا تعلم الشعب البصيرة ولا تقوده لتحقيق الانتصارات الصغيرة وهي‮ ‬مقدمات لخطوات أوسع‮. ‬ما حققته الطبقة العاملة خلال السنوات السبع لم تحققه الاستعراضات البطولية الكلامية كلها،‮ ‬فقد وجدنا حالنا أفضل حالا من الماضي‮ ‬وتعلمنا أكثر مما تعلمناه سابقا تحت الأرض،‮ ‬فكل ما كنا نسعى إليه أن نرفع رأسنا من تحت العتمة ونحاور الناس بشكل مكشوف وواضح وعلني‮ ‬فلماذا لا نرى تلك الحقيقة؟ ونحاول فقط أن نتمسك بمثل لا‮ ‬يمكننا تحقيقها الآن ولا‮ ‬يمكن تحقيقها حتى ولو زلزلت الأرض،‮ ‬فكل شيء مرتبط بالظروف وليس الرغبات،‮ ‬مرهون بالمتغيرات وليس العويل والمثل الطوباوية العمياء‮!! ‬من تسعدهم خطبة عبارتي‮ ‬تداول السلطة والمملكة الدستورية‮  »‬على‮ ‬غرار ممالك الغرب العتيد المتحرر من أشياء كثيرة بما فيها النقاب والفتاوى وتاريخ من المعارك النقابية في‮ ‬مجتمع صناعي‮ ‬متقدم،‮ ‬وشرائح وطبقات تخلت عن مكوناتها العشائرية والطائفية منذ ردح طويل‮«‬،‮ ‬فلو أتاح لنا الوقت كل هذا أو اختصر لنا التاريخ ذلك فلماذا لا نحلم بتلك المملكة البابوية،‮ ‬فالفاتيكان ليس أحسن منا‮!! ‬لهذا كنا دائما نركب عربة أخرى مختلفة،‮ ‬ولكننا نحاول أن نمضي‮ ‬بطريق أطول وأصعب وأكثر حكمة وهدوءا،‮ ‬فليس أحجار الشوارع قادرة على تحقيق المملكة الدستورية ولن تمكنها زجاجات المولوتوف من تداول السلطة،‮ ‬بما‮ ‬يدفعها لرفع ميزانية الأمن والدفاع،‮ ‬بعدها ستصرخون مرة أخرى لماذا كل ذلك الإنفاق؟‮!‬،‮ ‬وقد كان عليكم أن تقولوا إن شارعنا السياسي‮ ‬هادئ ومستقر والتنمية بحاجة لكل ذلك وجميعنا سنبحر في‮ ‬قارب واحد لكي‮ ‬ننجز التحولات المرهونة بالوقت،‮ ‬ونمنح الجيل القادم أرضية ممكنة كلما وضعنا نحن أحجارها الأولى‮. ‬الصراخ لم‮ ‬ينجز في‮ ‬التاريخ إلا الصدى،‮ ‬والهدوء كان‮ ‬يمنح التاريخ الحكمة،‮ ‬وبالحكمة تم حل اعقد الحروب واشد المشكلات تعقيدا،‮ ‬فلماذا نحن لا‮ ‬يمكننا تحقيق ذلك طالما نؤمن بالمستقبل؟،‮ ‬فلسنا من صانعي‮ ‬تاريخ الانتصار والبطولة والاستعراض الراقص‮.‬
 
صحيفة الايام
26 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

الحليبي‮ ‬يتذكر نشاط اتحاد الشباب الديمقراطي


لا تحدد هذه الحلقات تاريخاً لصلاحية الفكر الماركسي، ولا هي معنية بإصدار أحكام تقييمية نقدية له، لكنها سـ ‘تروي’ تاريخ تغلغل هذه الأفكار ومراحل عمله التنظيمي.. وبمثل ما درجنا عليه في حلقات (الإسلام الحركي في البحرين) و(مسيرة البعث) سنجتهد في توثيق ما وقفنا عليه من تاريخ تنظيم جبهة التحرير الوطني – البحرين (ج. ت. و. ب) وفق ما أمكننا جمعه من بعض الكتب والدراسات والمقابلات الصحفية مع من قدّر لهم أن يسهموا في بناء صرح هذا التيار، أو يلعبوا دوراً في تاريخه أو يقتربوا من أفكاره.. عسانا بهذه الإثارة نجدد إحياء رغبة قديمة في بناء ذاكرة وطنية بوثائقية رصينة يشارك فيها أصحاب الرأي والتجربة.
؟؟؟؟


يبدأ عضو المكتب السياسي والناطق الإعلامي بالمنبر الديمقراطي التقدمي فاضل الحليبي حديثه بقوله: ‘نشأت في بيئة وطنية، وقد انفتحت على الواقع السياسي مبكراً، فعندما كنت في صف السادس الابتدائي 1973 كانت البلاد على موعد مع الانتخابات النيابية لأول مجلس نيابي بعد الاستقلال. كان هناك نشاط واضح للشبيبة والحركة الوطنية، وكنا رغم صغرنا نمثل أصدقاء لأشقائنا وكنا ننظر بإعجاب كبير إلى المناضلين. كان فريج الحمام يعج بمناضلي جبهة التحرير الوطني البحرانية، وقد لعب الكثير منهم دوراً كبيراً في دعم مرشحي المنطقة للبرلمان مثل الأستاذ المرحوم حسن الجشي والدكتور عبدالهادي خلف، والذين نجحوا في الوصول إلى البرلمان بفضل نشاط ودور شبيبة الجبهة ومناضليها في الترويج الانتخابي لحملاتهم’.


ويقول: ‘في تلك الأجواء تأثرنا كثيراً بالأفكار التقدمية إضافة إلى ما لعبه الأدب الماركسي في عقولنا وربطنا بقضية العدالة الاجتماعية، كان للقصص والروايات والكتب الفكرية دور كبير علينا، أتذكر أنني قرأت قصة جورج حنا (عبيد الجبار) وهي أول قصة قرأتها، وحتى هذه اللحظة أحتفظ بهذه القصة التي تجمعني بها ذكريات عزيزة، تأثرت بالأجواء المحيطة بي من خلال الاطلاع على الكتب وكنا نشتري من المكتبة الوطنية التي كانت الموزع الوحيد لكتب دار الفارابي والطليعة ودار ابن خلدون، وكانت دور النشر هذه تطبع كتباً تقدمية كان الشباب متعطشين لها ويقرؤونها بشغف منقطع النظير. في تلك الفترة كانت الأفكار التقدمية سائدة رغم قسوة الظروف المحيطة بالعمل الوطني’.


ويضيف: ‘كانت نضالات وتضحيات الشخصيات التقدمية تزيد من إعجابنا بهذا الفكر رغم الاعتقالات التي كنا نشهدها لمناضليه ومستوى التضييق الذي يمارس عليهم، فقد كانت شخصيات مناضلة مثل علي دويغر (ابن خالتي وأحد مؤسسي جبهة التحرير) والأستاذ محمد حسين نصر الله وعبدعلي الخباز والنقابي عباس عواجي وشقيقي عباس الحليبي والأستاذ حسين الشيخ علي وغيرهم ذات تأثير كبير علينا، وكنا ننظر بإعجاب لنضال هؤلاء الذين قضوا سنوات طويلة في السجون، وفُصلوا من أعمالهم، وعاشوا حياة قاسية ومليئة بالمعاناة، وحرم البعض منهم من الحصول على سكن من وزارة الإسكان، فكانوا يشكلون بالنسبة لنا نموذجاً ساطعاً وقدوة في العمل الوطني’.


 ويواصل: ‘وفي أجواء المجلس الوطني تأسس ونشط اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني ‘أشدب’ الذي يمثل الرافد العمالي الشبابي والطلابي لجبهة التحرير الوطني البحرانية (ج. ت. و. ب) وكان يرفد الجبهة بالمناضلين والكوادر الحزبية النشطة والمؤهلة، فحتى يصبح المناضل مرشحاً للتنظيم في جبهة التحرير لا بد أن يمر بفترة ترشيح واختبار طويلة يتم فيها تأهيله وتثقيفه وتدريبه على ممارسة النقد والنقد الذاتي والتثقيف الذاتي والعمل في وسط الجماهير من خلال اتحاد الشباب الديمقراطي (أشدب)’.. ولم يكن بالضرورة أن ينتهي كل منتسب لـ ‘أشدب’ إلى أن يكون عضواً في جبهة التحرير؛ فقد لا تكون قدرات الرفيق وإمكانياته تسمح له بالالتحاق بالعمل الحزبي، وهنا يجري في الغالب الاحتفاظ به في إطار العمل ‘الشبابي’ في صفوف ‘أشدب’، غير أن الكثير من قيادات أشدب صارت فيما بعد من القيادات البارزة في الجبهة’.


يواصل الحليبي حديثه بقوله: ‘كان ‘أشدب’ إذن المرحلة الأولى التي على الرفيق اجتيازها في طريق الحصول على عضوية تنظيم جبهة التحرير الوطني البحرانية (ج. ت. و. ب)، وكانت المؤسسة التي يحصل فيها الرفيق على التدريب وصقل القدرات التنظيمية تمهيداً للعمل الحزبي في صفوف الجبهة، وبالتالي فإن كل عضو منظّم في الجبهة لا بد وأن يكون قد اختبر العمل في ‘أشدب’، وليس كل من يلتحق بالأخير يكون مهيأً للعمل في الجبهة’.


تأسس اتحاد الشباب الديمقراطي (أشدب) إبان فترة المجلس الوطني في 16 مارس ,1974 وقد جاء تأسيسه كنتاج طبيعي للظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تمر فيها البلاد، حيث كان المد اليساري والوطني في مرحلة المجلس الوطني على أشده، وقد لعبت الشبيبة -كما مر- دوراً كبيراً في إسناد وصول ثمانية من ‘كتلة الشعب’ (تجمع الشيوعيين وشخصيات وطنية ديمقراطية) التي شكلتها جبهة التحرير، حيث فاز ثمانية من بين 12 مرشحاً من قائمتها، ولعبت الكتلة دوراً كبيراً في إيصال القضايا التي كان يتبناها اليسار ويطرحها في أدبياته وبرامجه السياسية، وشكل وجود كتلة الشعب في البرلمان أهمية كبرى حيث سجل انتصاراً سياسياً ذا مغزى، فلأول مرة يحصل أن يتواجد الماركسيون في برلمان خليجي بهذا الوضوح.


وقد لعبت جبهة التحرير الوطني البحرانية (ج. ت. و. ب)  دوراً كبيراً في صياغة برنامج كتلة الشعب الانتخابي، ويرجع الفضل في ذلك للمناضل المعروف علي دويغر الذي لم يتمكن من المشاركة في الانتخابات بسبب القرار الصادر من مسؤول المخابرات الأول البريطاني إيان هندرسون والقاضي بترحيله خارج البلاد قبيل الانتخابات إلى المجلس الوطني في 7 ديسمبر 1973م. جاء تأسيس اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني (أشدب) بعد سنتين من انطلاق عمل الاتحاد الوطني لطلبة البحرين الذي تأسس في 25 فبراير ,1972 وقد ركز (أشدب) في عمله على مواجهة السلطة فيما يتعلق بالعمل الطلابي والدفاع عن القضايا الطلابية، ودعم ومساندة الاتحاد الوطني لطلبة البحرين (ا. و. ط. ب) وتعزيز مكانته ودوره في قيادة الحركة الطلابية، والسعي لصياغة التحالفات الطلابية وتمتينها وترسيخ مفاهيم والتقاليد الصحيحة للعمل المشترك على الصعيد الطلابي.


وقد أصدر اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني (أشدب) في العام 1984 كتيباً بعنوان ‘العمل الطلابي الديمقراطي في البحرين: تصورات ومواقف’، بمناسبة مرور الذكرى العاشرة لتأسيس (أشدب) ومرور حوالي 12 عاماً من انطلاق مسيرة الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، وقد تضمن الكتيب سلسلة من المقالات الطلابية التي صدرت في إعداد مجلة ‘طريق الشباب’.


جاء تأسيس ‘أشدب’ كمنظمة شبابية تقدمية من كلا الجنسين تضم في عضويتها الشباب الطلبة والعمال والموظفين والفنانين والمبدعين وسائر فئات الشباب، بحيث خصص في برنامجه قضية الدفاع عن قضايا الشباب في البحرين وتحقيق مطالبهم والدفاع عن مصالحهم، ومن قيادات ‘أشدب’ المعروفة الكاتب الصحفي بدر ملك ود. حسن مدن وحسن المحروس وآخرون قد لا يسمح بذكرهم حالياً لظروف خاصة.


ما يميز أشدب بأنه كان تنظيماً شبابياً وطنياً تقدمياً جامعاً للشباب لا يفرق بينهم على أسس الانتماء للعرق أو المذهب أو العقيدة، لذا كان أعضاؤه يعبرون عن النسيج الوطني لجميع أبناء هذا الشعب، مما جعل أهدافه ومطالبه لا تخص فئة أو جهة معينة، بل كانت تعبيراً صادقاً عن الوحدة الوطنية لشعب البحرين.


وقد شكل اندماج شبيبة جبهة التحرير الوطني البحرانية مع الاتحاد الوطني في الداخل انعطافة مهمة في مسيرة العمل الشبابي والطلابي المنظم في داخل وخارج البحرين وأثمر هذا الاندماج العديد من المكاسب المطلبية السياسية والثقافية والفنية منذ النصف الأول من عقد السبعينات حتى أواخر الثمانينات من القرن الماضي.
أسس ‘أشدب’ بعد انطلاق عمله عدداً من الخلايا التي توغلت بشكل كبير في كل مناطق البحرين، وأصدر ‘أشدب’ جريدته المركزية في داخل البحرين ‘الشبيبة’، وأصبح العديد من العاملين في صفوفه أعضاءً في مجالس إدارات بعض الأندية، لاسيما النادي العربي ونادي رأس رمان في المنامة وفي المحرق، نادي التقدم ونادي اتحاد الشباب وغيرها من الأندية، وكانت تضم هذه الأندية بطبيعة الحال بعضاً من عناصر التنظيمات السياسية الوطنية الناشطة، ومن المعروف أنه وبعد حل نادي النور في المنامة في الستينات واندماج نادي الفجر مع الوحدة وتشكيل نادي العربي، تصاعد دور هذه النوادي الرياضية والثقافية التي صارت مركزاً لنشاط الشبيبة وواجهة للعمل الوطني في تلك الفترة.  عمل اتحاد الشباب الديمقراطي (أشدب) على الانتشار وسط الشبيبة العمالية والطلاب والمثقفين والفنانين، وقد انخرط في عضويته المئات من الشباب، وساهم في تعزيز التوعية في صفوف الشببية البحرينية ونشر الأفكار التقدمية، وكان يشكل الواقي الأساسي لجبهة التحرير، فبعد ضربة 23 أغسطس 1975 برز دور اتحاد الشباب الديمقراطي (أشدب) في ظل الظروف الصعبة التي عاشتها الحركة الوطنية بعد اغتيال عبدالله المدني 1976م، إذ خيمت على البلاد أجواء قاسية من القمع، وأصبح قانون أمن الدولة يُطبق بشكل متعسف، وهنا نشط ‘أشدب’ كصوت معبر عن الشباب البحريني وأخذ يمارس دوراً إعلامياً وتثقيفياً واضحاً، حيث صارت نشرته المركزية ‘الشبيبة’ توزع بشكل واسع في الأحياء الفقيرة والتجمعات العمالية.
يضيف الحليبي: ‘نظراً لغياب الكوادر الحزبية لمناضلي جبهة التحرير وتغيبهم في السجون والمنافي برز دور ‘أشدب’ بشكل واضح على الساحة المحلية، وكان انتشاره في أوساط العمال والشباب واضحاً، وقد شُكّلت العديد من اللجان النقابية وكان مناضلوه منخرطين في لجنة التنسيق ما بين النقابات الأربع حينها (ألبا، الصحة، الكهرباء، ونقابة أصحاب المهن والإنشاءات) واللجان العمالية النقابية السرية.


كان لـ ‘أشدب’ دور كبير في إمداد جبهة التحرير الوطني البحرانية (ج. ت. و. ب) بالكوادر الحزبية النشطة والمؤهلة لقيادة العمل التنظيمي، إذ أصبح الكثير من أعضاء اللجنة التنفيذية في أشدب قادة وكوادر مهمة في جبهة التحرير، كما كان لـ ‘أشدب’ دورٌ بارزٌ في صفوف الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الخارج بالدول العربية والأجنبية بحيث كان ينسق فيما بينهم المجلس الطلابي لأشدب.


بروفايل

  • السيد فاضل حسن الحليبي
  •  من مواليد عام 1961
  • ترعرع في طفولته وشبابه في فريق ‘الحمّام’ بالمنامة.
  •  كان لاعباً في نادي الجزائر بمنطقة المخارقة، وبعدها في نادي الأهلي منذ بداية السبعينات حتى نهاية الثمانينات.
  •  تخرج من الجامعة عام ,1985 جامعة بونا بالهند بكالوريوس اقتصاد.
  • رئيس الاتحاد الوطني لطلبة البحرين فرع بونا – الهند عام .1982
  • شارك وفد الاتحاد الوطني لطلبة البحرين فرع بونا في المؤتمر العام الخامس للاتحاد الوطني لطلبة البحرين المنعقد في دمشق – فبراير عام .1984
  •  شارك في مؤتمرات ومهرجانات واجتماعات طلابية وشبابية.
  •  عضو نادي الخريجين، ساهم مع بعض الأعضاء في النادي بتنشيط وتفعيل اللجنة الثقافية في منتصف التسعينات كما شارك في إصدار نشرة الخريجين.
  •  عضو في جمعية الاقتصاديين البحرينية.
  •  عضو مؤسس في الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، ونائب الرئيس ومسؤول اللجنة الإعلامية فيها في الدورة الانتخابية الأولى، وأصدر مع أعضاء اللجنة الإعلامية نشرة (مقاومة ومقاطعة).
  •  شارك في المؤتمر الخليجي الشعبي الثاني لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني في مايو 2001 الكويت.
  •  رئيس اللجنة الإعلامية في المؤتمر الخليجي الشعبي الثالث لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني المنعقد في البحرين في مايو .2002
  •  عضو مؤسس في جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي.
  •  انتخب عضواً في اللجنة التحضيرية في الاجتماع التشاوري الذي أنعقد في 12 يوليو ,2001 في نادي طيران الخليج.
  •  انتخب عضواً في مجلس الإدارة في المؤتمر العام الأول للمنبر الديمقراطي التقدمي في ديسمبر .2002
  •  أنتخب عضو مجلس الإدارة في المؤتمر العام الثاني للمنبر الديمقراطي التقدمي في يناير .2004
  •  انتخب عضواً في اللجنة المركزية في المؤتمر العام الثالث للمنبر التقدمي المنعقد في 17 فبراير ,2006 وعضواً في المكتب السياسي.
  •  ساهم في إصدار نشرة أخبار المنبر في يناير ,2003 مع زملائه في اللجنة الإعلامية، وظل مسئولاً عن تحريرها حتى هذه الأيام، ومنذ مايو عام ,2007 أصبحت النشرة تصدر باسم ‘التقدمي’.
  •  طموحاته وأحلامه بأن تصدر التقدمي بشكل أسبوعي في المرحلة الأولى وبعدها تتحول إلى جريدة يومية.
  •  يكتب في الصحافة المحلية. 
     
    إعداد: وسام السبع 
    نشرت في جريدة الوطن   25 اكتوبر 2008
اقرأ المزيد

لم نناضل لأن الاتحاد السوفيتي “قائم” حتى ننسحب حين “انهار”


 
,, ذهبت الى موسكو في فترة صعبة، كنت شاهداً على لحظة الانهيار المدوي، واستوعبت المسافة الموجودة دائماً بين الحلم والواقع، المثال والتطبيق، لم تتزحزح قناعاتي في فكرة العدالة الاجتماعية وفي الاشتراكية بصفتها خياراً إنسانيا لحل مشكلة الاستغلال والتمايز الطبقي، خاصة وان الفوضى التي عمت روسيا ومحيطها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي برهنت على هذه المسألة،، 


 


 


الامين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي .. د. حسن مدن[1]
قصدت موسكو في خريف الاشتراكية.. ولم نناضل لأن الاتحاد السوفيتي “قائم” حتى ننسحب حين “انهار”..
 

 



حاوره وسام السبع
 


 


للرجل مكانة مكينة في عالم الثقافة والادب، وله قَدم وقِدم، فهو كاتب مقال صحافي معروف وتنشر مقالاته عدة صحف محلية وخليجية وعربية، أطل من شرفة الادب على جحيم السياسة، منح العمل السياسي رونقاً إنسانياً، أعطاه إحساساً أعمق بعذابات البشرية، والتفت إلى أوجاع الإنسان وأصغى بإنصات إلى أحلامه.
من قال ان المثقفون لايشعرون بآلام الناس ؟ مدن يدحض هذا الافتراء.
أمعن هذا الماركسي الجسور إدمان المنافي، وغازل العواصم العربية بقصائد عصماء حروفها من دموع المعذبين ومدادها من عرق الكادحين. هو المسافر دوماً وفي يديه الحقيبة وفي قلبه يقيم الوطن. شتم الامبريالية وخاصم الدكتاتوريات ولم يحفل بالنتائج، أعطي من وقته وجهده لمبدأ ناضل طويلاً مع “الرفاق” من أجل تحقيقه ولم يسأل عن الثمن، لانه كان قد نذر ما هو أغلى. آمن حدّ العقيدة بحتمية انتصار المحروم. أعطى للعمل الحزبي هدوءه واتزانه، ومبدئيته وثباته، وكان ولايزال، الاقدر على إنتاج الخطاب السياسي المعتدل للمنبر في التعامل مع خصوصية المرحلة واللعب على توازناتها الصعبة في ساحة عمل يسيطير عليها مزاج إسلامي صاعد، يؤجج من غلواء تداعياته تشرذم موجع لصفوف التيار اليساري..
 
هذا الحاصل على الدكتوراه في فلسفة التاريخ الحديث والمعاصر هو وصية أحمد الذوادي للتيار التقدمي قبل الرحيل.. ومنذ ديسمبر / كانون الأول 2002 يتبوأ مدن موقع الامانة العامة للمنبر الديمقراطي التقدمي والى اليوم.
 
نشط في السبعينات والثمانينات في الحركة الطلابية والشبابية داخل وخارج البحرين وله مساهمات في الصحافة الحزبية. استقر في دولة الإمارات العربية المتحدة بين 1991 – 2002، حيث عمل رئيساً لقسم الدراسات والنشر في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة وأسس مجلة “الرافد الثقافية الإماراتية وعمل مديراً لتحريرها عشر سنوات متواصلة، كما عمل مديراً لتحرير مجلة “دراسات” الصادرة عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بين 1991 و 1998، أعد برامج ثقافية وسياسية حوارية لقناة دبي الفضائية فترة إقامته في الإمارات، وخضعت بعض نصوصه للتدريس في المقررات الدراسية في المرحلتين الإعدادية والثانوية في دولة الإمارات.
 
اختارته منظمة اليونسكو عضواً في لجنة تحكيم جائرة الثقافة العربية التي تمنحها المنظمة، ويعمل حالياً مديراً لتحرير مجلة البحرين الثقافية الصادرة عن قطاع الثقافة والتراث الوطني في وزارة الإعلام. وقد صدرت له عدة مؤلفات أبرزها “خارج السرب”، “الثقافة في الخليج أسئلة برسم المستقبل”، “مزالق عالم يتغير”، “تنور الكتابة”، “لا قمر في بغداد”.
 
الدكتور حسن مدن المولود في 10 ابريل 1956 يتحدث هنا عن تجربته في صفوف التيار الديمقراطي وذكريات العمل النضالي فالى نص اللقاء. 

 
****** 
 
 
في نهاية الستينات وانا في نهاية المرحلة الابتدائية، في الصف السادس أصبح لدي تعلق بشخصية الزعيم المصري جمال عبدالناصر، اذ وقعت في يدي – في تلك الفترة – بالمصادفة نسخ من مجلات مصرية أتذكر منها مجلة “المصور” و “آخر ساعة”، لم تكن اعداداً جديدة في حينها بل كانت تعود لسنوات سابقة وقد تضمنت مواد كثيرة عن شخصية عبدالناصر والدور الوطني للرجل والثورة المصرية.
 
أثرّت قراءاتي لهذه المادة في تفتح ذهني على عوالم جديدة، ونمت لديّ الشعور الوطني ومعاداة الاستعمار، خاصة وان البحرين كانت يومها محمية بريطانية، ولم يكن في داخل العائلة من يمكن ان اتحدث معه عن هذه التوجهات والهموم التي بدأت تتشكل في ذهني الصغير وقتها.
 
في السهلة الجنوبية حيث كنا نسكن كان أحد أقاربي: “عباس البحاري” – وهو أحد أعضاء المكتب السياسي للمنبر التقدمي الآن – عضواً في جبهة التحرير الوطني، وكان معروفاً بهذه الصفة، لأن كل من كان يعمل في صفوف الحركة الوطنية وقتها كان يطلق عليه صفة “شيوعي” التي بدت يومها صفة لغالبية النشطاء السياسيين.
 
لأمر ما، وجدت نفسي أتحدث معه في محاورات مطولة عن التجربة الناصرية وجمال عبدالناصر ومن هذا المدخل وجدت نفسي رويداً رويداً اقترب من الفكر اليساري، وبعد حين، لم يطل، انضممت لجبهة التحرير من خلال المنظمة الطلابية للجبهة التي كانت تعرف باسم الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، والتي كانت قد شكلت للتو في مارس 1968.
 
بعد ذلك بشهور تعرضت الجبهة لحملة أمنية واسعة النطاق، وكان قريبي عباس البحاري أحد من اعتقلوا فيها، وكانت هذه الضربة أولى ثمار عمل ايان هندرسون بعد أن أعاد ترتيب جهاز الأمن اثر الفوضى التي عمت فيه بعد استهداف قادته بوب وأحمد محسن من قبل الجبهة في مارس 1966 وكانت  حملة هندرسون هذه ضربة موجعة في نتائجها على مجمل نشاط التنظيم.
 
لكن بعد الضربة الأمنية بوقت ليس طويل أعيد بناء بعض الخلايا الحزبية، من قبل الذين لم يطلهم الاعتقال، أو ممن خرجوا من المعتقل بعد فترة وجيزة، هنا لم أعد ناشطاً طلابياً فقط، وإنما أصبحت عضواً في خلية من خلايا الجبهة، وأُرجح إن ذلك تم في نهايات عام 1968 أو في مطالع العام الذي تلاه، وفي المرحلة الثانوية أصبحت ناشطاً بارزاً في صفوف الطلاب.
 
بسبب تعقيدات الأوضاع الأمنية والسياسية كان لعضو الجبهة أكثر من صورة من صور النشاط والعمل، لذا كنت تجد من يعمل في صفوف المنظمة الطلابية للجبهة: الاتحاد الوطني لطلبة البحرين وهو في ذات الوقت عضواً في الجبهة.
 
بعد التحرك العمالي في مارس 1972م بأشهر جرت تحركات في صفوف طلبة الثانوية وكان لمنظمتنا الطلابية دوراً مهماً في هذا التحرك فقد صغنا مذكرة مطالب رفعت لوزير التربية والتعليم المرحوم الشيخ عبدالعزيز آل خليفة طرحنا فيها مطالب تتعلق باطلاق حرية العمل النقابي بتشكيل فروع للاتحاد الوطني لطلبة البحرين الذي تشكل في الخارج بصورة علنية، إضافة إلى مطالب مهنية أخرى تتعلق بالمناهج والرعاية الطبية للتلاميذ.
 
التجربة الصحفية المبكرة
 
أصبحت في هذه الفترة أعمل محررا صحفياً بمجلة “صدى الاسبوع” التي يرأس تحريرها الاستاذ علي سيار وأنا طالب في مدرسة الحورة الثانوية. وأتذكر أنني في  1973 نشرت تحقيقاً في احد اعداد المجلة حول التحرك الطلابي الاخير، بدت وكأنها مادة صحفية ولكني  كنت أهدف مما نشر تعميم مطالب التحرك الطلابي الذي بدأنا به، واذكر ان وزير التربية والتعليم قال في حينه “اننا نتفهم ان تشجع الصحافة المحلية الاقلام الشابة، لكن ان يبلغ الامر بها ان تضع هذه المادة الصحفية  مانشيتاً على الغلاف، فهذا أمر غير محبذ”.
 
على خلفية دوري في هذا التحرك الطلابي، تم فصلي وأربعة طلاب آخرين فصلاً نهائياً من مدرسة الحورة الثانوية بقرار من وزير التربية والتعليم، وقد اضطررنا إلى تقديم الامتحانات بنظام المنازل، دفعني فصلي من المدرسة الى ان أكرس جل وقتي للعمل الصحفي في “صدى الأسبوع”، فقد كنت اكتب تحقيقات واشرف على زاوية ثقافية عنوانها “مسرح الفكر” تعنى بالنصوص والدراسات النقدية، وكان زملائي في العمل  عدد من الوجوه الصحفية البارزة مثل علي سيار رئيس التحرير، وعقيل سوار وعلي صالح وآخرين.
 
وكلفت من إدارة المجلة بالتغطية الصحافية لجلسات المجلس النيابي وقتها، وواصلت العمل في عملي الصحفي حتى عطلة المجلس الصيفية الأولى قبل أن أغادر البلاد للدراسة متجهاً للقاهرة، وهي تجربة جعلتني على تماس مباشر مع تطورات الحدث السياسي في البلاد فضلاً عن كوني منخرطا بالفعل في العمل السياسي.
 
كانت لكتب سلامة موسى الكاتب المصري الشهير وروايات الأديب اللبناني جورج حنا التي كانت متداولة في صفوف الخلايا اليسارية دور في تكوين شخصيتي الفكرية، وقرأت مبكراً روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، وأشعار السياب والبياتي وسعدي يوسف وصلاح عبد الصبور ومحمد الفيتوري، كما اطلعت على الادب الكلاسيكي الروسي من خلال رموزه الكبيرة: ديستوفسكي وتولستوي ومكسيم غوركي وأسماء أخرى.
 
الحيـاة في القـاهرة
 
ذهبت الى القاهرة في أكتوبر 1974، كانت الحياة النيابية لازالت قائمة في البلاد، وبعد عام دراسي في الجامعة عدت في الاجازة الصيفية الى البحرين والتحقت فور عودتي  بالعمل الصحفي في “صدى الاسبوع” مجدداً، وحدث ان رئيس التحرير علي سيار كان يقضي إجازته الصيفية خارج البحرين، وكان إبراهيم بشمي قد أصبح يعمل مديراً لتحرير المجلة، وقبل حل المجلس بأسابيع صدر عدد من المجلة تضمن عدة مقالات ومواد أثارت حفيظة الدولة، وكان من بينها  تحقيق عن “العمالة الاسيوية: تجارة الرقيق الجديدة” لإبراهيم بشمي، فيما كتبتُ أنا مقالاً عن “العهد الناصري محور الصراع بين اليمين واليسار في مصر”، كما تضمن العدد بياناً أصدرته كتلة الشعب البرلمانية تنتقد فيه انسحاب الحكومة من جلسات المجلس عندما رفض قانون تدابير أمن الدولة، وقد صدر العدد محملاً بشحنة معارضة لاتنسجم مع ما كان متاحاً للصحافة وقتها، اعتقلنا أنا و إبراهيم بشمي ووجهت لي تهمة كتابة مقال يعكر صفو العلاقات بين البحرين ودولة عربية شقيقة (بند من قانون المطبوعات والنشر المعمول به) وحيازة مطبوعات تحرض على كراهية النظام. ذلك انهم اثناء تفتيش منزلي تم ضبط بعض الأدبيات، وبقيت في التوقيف 3 أسابيع وتم سحب جواز سفري. قدمت بعدها الى المحاكمة وصدر حكماً ببرائتي من التهمتين، كما صدر حكماً ببراءة ابراهيم بشمي، ولكن لم يفرج عنه إنما بقي في التوقيف ليكون ضمن من طُبق عليهم قانون أمن الدولة.
 
ولابد من الإشارة هنا الى أن الأستاذ علي سيار حضر في المحكمة كشاهد وقال بأنني رئيس التحرير وانا من يتحمل كامل المسؤولية عما نشر في مطبوعتي، فأدين علي سيار بدفع غرامة مالية بصفته ناشراً.
 
كانت هذه الفترة إيذانا ببدء مرحلة “أمنية” جديدة في البحرين، من خلال تكريس العمل بقانون أمن الدولة الجائر، والذي كان أولى ضحاياه مجموعة من اعضاء وقيادات في جبهة التحرير نفسها، أحمد الذوادي ويوسف العجاجي وعباس عواجي وأحمد الشملان وعبدالهادي خلف، والذين تم اعقالهم في يوليو 1974، ومع أن قانون تدابير امن الدولة كان ينص على عدم تجاوز مدة الاحتجاز ثلاث سنوات، إلا أن ثلاثة من المجموعة (الذوادي وعجاجي وعواجي) بقوا في السجن لأكثر من خمس سنوات. فيما اطلق سراح عبدالهادي خلف وأحمد الشملان بعد اول جلسة للمحكمة نظرت في ملفاتهم.
المهم، بعد تبرئتي من المحكمة وبعد مماطلة حصلت على جواز سفري المحتجز، وغادرت إلى القاهرة مرة أخرى لمواصلة دراستي، وما هي الا شهور حتى اعتقلت هناك بطلب من السلطات البحرينية واتخذ قرار بتسليمي للبحرين، ولكن لحسن الحظ، فان جهوداً بذلتها منظمات طلابية وحقوقية عربية أسهمت في تعديل القرار من تسليمي الى البحرين إلى مغادرة القاهرة للجهة التي اختارها.
 
سافرت إلى بغداد بتوجيه جاءني من عبدالله البنعلي مسؤول تنظيم الجبهة في الخارج الذي كان وقتها في العراق بسبب اندلاع الحرب الاهلية في لبنان، كان ذلك في صيف عام 1976، بقيت في بغداد شهوراً قد تصل الى سنة، وكان حزب البعث في السلطة، برئاسة احمد حسن البكر وقتها متحالفاً مع الحزب الشيوعي وبعض الأحزاب الكردية، مما انعكس بشكل ايجابي على المناخ السياسي وكانت مطبوعات وادبيات الحزب الشيوعي وجريدته اليومية تصدر بصورة علنية.
 
بعد أن خفّت وطأة الحرب الاهلية في لبنان بعد دخول القوات العربية، طُلب مني أن أتخذ من بيروت مقراً لإقامتي وعملي الحزبي، وفي العاصمة اللبنانية أوكلت لي مهام إعلامية في الجبهة، إضافة إلى إدارة العلاقات الخارجية لـ اتحاد الشباب الديمقراطي (أشدب) والاشراف على منظماته الطلابية في الخارج.
 
انخرطت في العمل بالصحافة الحزبية بشكل كامل، وأصدرنا مجلة (النضال)  وبعدها نشرة(الفجر) الشهرية، كما حررت وأشرفت على صدور مجلة (طريق الشباب) ومن مجموع ثلاثة عشر عدداً تم إصدارها، أشرفت على إصدار عشرة أعداد منها قبل ان انتقل الى موسكو لمواصلة الدراسة العليا.
 
كنت قد أنهيت السنة الأولى في كلية الحقوق بجامعة القاهرة قبل مغادرتها، وواصلت دراستي في بيروت حيث التحقت بالسنة الثانية في كلية الحقوق إلى أن أنهيت دراستي فيها، ثم سجلت للدراسات العليا بالجامعة اللبنانية غير ان الاجتياح الاسرائيلي لبيروت دفعني الى مغادرة البلاد بعد خمس سنوات من الإقامة المتواصلة فيها، انتهى الوجود الحزبي للجبهة في بيروت بعد هذا الاجتياح.
 
موسكو : شمس الاشتراكية الغاربة
 
عند الاجتياح الإسرائيلي كنت في مؤتمر لاتحاد الشباب الديمقراطي العالمي في العاصمة التشيكية براغ، وصارت عودتي لبيروت بعد الاجتياح متعذرة فتوجهت إلى الشام، وبقيت فيها لخمس سنوات أخرى إلى نهاية العام 1987م، حيث غادرت إلى موسكو.
 
أتيت موسكو في خريف الاشتراكية، حيث كانت مؤشرات تفكك الدولة السوفيتية واضحة، وازدادت الصعوبات الاقتصادية، وعشت التوتر السياسي الذي سبق انهيار الاتحاد السوفيتي، فقد تداعى جدار برلين وانهارت الحكومات الاشتراكية في أوربا الشرقية، وانتهى الامر الى تفكك الاتحاد السوفيتي نفسه.
في موسكو ركزت جهودي على المهمة الأكاديمية، حيث كان يتعين علي تعلم اللغة الروسية أولاً ثم الدخول في برنامج الماجستير وبعده الدكتوراه، وقد اقتضى ذلك جهوداً استثنائية في وقت محدد لم يزد عن خمس سنوات.
 
خصصت السنة الأولى لدراسة اللغة بكثافة، ولعدة ساعات يومياً، في السنوات التالية يدرس الطالب المواد التخصصية دون أن تتوقف دروس اللغة نفسها، وبالطبع تيسر العلاقات الاجتماعية والتخاطب اليومي للطالب مع الناس مهمة فهم اللغة وحتى إتقانها، تبعاً لقدرات الطالب وجديته، ويمكن الإشارة إلى أن السوفيت تراكمت لديهم خبرة جيدة لتعليم اللغة للأجانب بحكم العدد الهائل الذي كان يتوافد على الاتحاد السوفيتي من الطلاب الدارسين، ومن ضمنهم مئات الطلبة البحرينيين الذين ذهبوا إلى هناك من خلال منح كانت الهيئات الأكاديمية والمنظمات الاجتماعية السوفيتية تقدمها بشكل رئيسي لجبهة التحرير الوطني – البحرين (ج. ت. و. ب) والى حدٍ ما للجبهة الشعبية في مرحلة لاحقة.
 
قصدت موسكو في نهاية العام 1987م والاتحاد السوفيتي قائم، غادرتها في ديسمبر 1991،  بعد حرب تحرير الكويت مباشرة، والاتحاد السوفيتي كان قد تفكك وانهار. كانت سنوات موسكو الخمس مؤثرة وهامة في تكويني الثقافي والإنساني. بعيداً عن الايديولوجيا  والسياسة، فان روسيا بلد عظيم خلفه حضارة عريقة وثقافة عميقة جداً، وهناك ميراث خالد في الأدب، الشعر والرواية والقصة، وفي الفنون خاصة المسرح والباليه وحتى السينما، والشعب الروسي تربى على حب القراءة وتذوق الأدب والفنون.
استفدت من ذلك كثيراً واستمتعت به سنوات إقامتي هناك، ثم أن تعيش في بلد عظيم مثل روسيا، فان ذلك يوفر لك فرصة ذهبية لا للمثاقفة فقط مع ثقافة ثانية، وإنما أيضا أن تتعلم من حضارة وسلوك شعبها. العلاقة مع ثقافة وحضارة ولغة أخرى، ومع تاريخ مختلف، أمور مهمة في تكوين الشخصية وإثرائها وتوسيع أفق الإنسان، بصرف النظر عن الجانب الأيديولوجي والسياسي، يهمني هنا الجانب الحضاري والإنساني، فما أقوله عن روسيا ينطبق على التفاعل مع ثقافات بلدان أخرى مثل بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية.
 
كنت شاهداً على لحظة الانهيار المدوي للاتحاد السوفيتي، واستوعبت المسافة الموجودة دائماً بين الحلم والواقع، المثال والتطبيق، لم تتزحزح قناعاتي في فكرة العدالة الاجتماعية وفي الاشتراكية بصفتها خياراً انسانياً لحل مشكلة الاستغلال والتمايز الطبقي، خاصة وان الفوضى التي عمت روسيا ومحيطها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي برهنت على هذه المسألة.
 
ويجب أن أقول هنا، إننا جيل تعلق بفكرة الاشتراكية والتغيير ليس حباً في الاتحاد السوفيتي وانما لاعتقادنا إن مجتمعاتنا تستحق أن تعيش حياة أفضل وهذه قناعة لايمكن ان تتزعزع أو تتغير.
 
يجب علينا أن نفتش عن الأسباب التي أدت إلى فشل التجربة لا ان نعيد النظر في القيمة التي تشربناها وناضلنا في سبيلها. لذلك أنا احيي كل انسان لازال متمسكاً بهذه الروحية وهذا الفكر، ولا أفهم أبداً أولئك الذين تراجعوا عن هذا الخيار لمجرد سقوط الاتحاد السوفيتي، وأسألهم : هل كنتم تناضلون لأن الاتحاد السوفيتي كان قائماً أم كنتم تناضلون من اجل قيمكم ومبادئكم وسعادة شعوبكم ومصلحة بلدانكم.
 
محطة الشارقة
 
غادرت موسكو للبحرين، يحدوني أمل دخول البلاد، لم أكن املك جواز سفر، جئت بنسخة مهترئة من جواز سفر قديم، لم يسمح لي بالدخول طبعاً، بقيت 20 ساعة محتجزاً في المطار، ثم رحّلت بعدها إلى دولة الإمارات، بقيت في الشارقة، عشت فيها عشر سنوات كانت بالنسبة لي ورشة عمل ثقافي حقيقية، أصبحت مديراً لإدارة الدراسات والنشر في الدائرة الثقافية هناك، وصرت كاتب مقالة يومية بجريدة الخليج ، ما زالت مستمرة حتى اليوم، وأعددت أكثر من برنامج لقناة دبي الفضائية، كانت هذه البرامج ذات طبيعة ثقافية وسياسية.
يمكنني القول أني انخرطت في النسيج الثقافي والاجتماعي لدولة الإمارات، التي أشعر بالامتنان الكبير لها لأنها وفرت لي حياة مستقرة طيلة عقد من الزمان، وفتحت لي أبواب الفرصة للإسهام ولو بشيء متواضع في التنمية الثقافية لهذا البلد الغالي على نفسي، وكانت فترة عيشي في الإمارات من أكثر الفترات خصوبة وثراء في حياتي.
 
تتميز البيئة الثقافية في الامارات بأنها مزيج من المكونات العربية المختلفة، لذا فان كتابتي اليومية في صحيفة (الخليج) موجهة لقراء من بيئات مختلفة، وهو ما جعلني انفتح على آفاق واهتمامات تعكس هذا التنوع الثقافي، وهذا خلاف الكتابة في البحرين، حيث إننا غارقون في شأننا المحلي.
 
اهتممت بأن يكون هدف كتابتي الصحافية الإسهام ولو بشيء يسير في تطوير الوعي الثقافي والمعرفي للناس، وهي مهمة لا تقل – في اعتقادي – عن العمل السياسي اليومي المباشر، بل ربما أمكن التعويل عليها كذاكرة ثقافية للقارئ وللكاتب أكثر من الكتابة المباشرة التي تنتهي مع الحدث المرحلي والآني. أصنف طبيعة مقالاتي بأنها “تنويرية”.
 
المستوى المهني لجريدة الخليج والصحافة الاماراتية بشكل عام، وضعني في تحدي تجويد الأداء والكتابة الصحفية، فأنا اكتب في جريدة تعتبر من أهم الصحف وأكثرها شهرة لا خليجيا فقط وإنما عربيا أيضا، ووضعني مكان المقال (في الصفحة الأخيرة) في تحدي دائم وأمام إحساس بمسئولية الحفاظ على المستوى وتطويره.
كما ذكرت فان تعدد الجاليات العربية في الإمارات يجعل الكاتب على تماس مع قضايا عربية عديدة ويضعه في قلب احداث مختلفة، كنت أكتب لا عن الشأن الخليجي فحسب، وإنما عن الشأن العراقي واللبناني والفلسطيني، عند انتفاضة محمد الدرة لم اكتب شيئا عدا الشأن الفلسطيني على مدى شهرين أو ثلاثة، وقد تراكمت عندي مادة صحفية عن الشأن العراقي قبل الغزو الأمريكي وبعده، وتولت  دار الخليج إصدارها في كتاب بعنوان”لا قمر في بغداد”.
 
أعتبر إسهامي ودوري الثقافي في الإمارات جزء من عملي الوطني، لانني ككاتب وانسان بقيت محتفظاً بالهم الوطني الديمقراطي ومعبراً عنه في كتاباتي، ومن جهة أخرى سعيت للمساهمة في التنمية الثقافية في دولة شقيقة، واشرفت على دورية ثقافية مهمة هي مجلة “الرافد”، وهذا الدور هو عمل وطني أيضاً حتى لو اتخذ مظهراً ثقافياً.
 
وبالمناسبة، لم تكن الإمارات في بداية الأمر هي خياري حين منعت من دخول البحرين، فقد قلت عندما سئلت أنني ارغب في الذهاب إلى الكويت ففيها معارف لي كان يمكن أن ييسروا من إقامتي فيها ويساعدوني في الحصول على عمل لترتيب أمور العيش، لكنني فوجئت بتذكرة تحدد، وبدون أي نقاش وجهتي إلى الإمارات، وأنا على كل حال ممتن لهذا القدر.
 
شخصية المثقف أقوى في داخلي من شخصية السياسي
 
 باستمرار كنت أجد نفسي في المجال الثقافي أكثر مما أجد نفسي في العمل السياسي المباشر، فشخصية المثقف في داخلي أقوى من شخصية السياسي، ولم أكن لحظة عودتي للبحرين أتوقع أن أصبح رئيساً للمنبر الديمقراطي التقدمي، ولذا حين عرض عليّ الأمر المرحوم أحمد الذوادي، وكانت حالته الصحية قد ساءت، عبرت له عن ترددي في الموافقة، ولكنه وضعني أمام واجب علي أن أؤديه.
 
جئت إلى البحرين بعد المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وحضرت أول اجتماع تمهيدي للمنبر الديمقرطي عقد في نادي طيران الخليج في 2001، وكانت وجهة نظري أنه يجب التفكير في وحدة التيار الديمقراطي بشقيه (جبهة التحرير، الجبهة الشعبية) وان هذه الوحدة ستكون أحد جسور بناء التيار الديمقراطي، ولكن الامور لا تجري دوماً كما تحب.
 
ولازلت مقتنعاً بأن لا مستقبل للعمل السياسي ولوحدة المعارضة بعيدا عن وحدة التيار الديمقراطي، ولست في ذلك ضد التنسيق مع الحركات الاسلامية، بل يجب أن نجعل من التيار الديمقراطي الموحد مكوناً رئيسيا من مكونات العمل الوطني، المفارقة أن هذا الرأي – على خلاف الانطباع السائد – موجود عند بعض الإسلاميين، وقد سمعت هذا القول من الأمين العام للوفاق الشيخ علي سلمان أكثر من مرة.
 
العلاقة مع الذوادي ورئاسة المنبر
 
ويتحدث مدن عن علاقته بالقيادي الأبرز لجبهة التحرير أحمد الذوادي فيقول عنه :”التقيت بالذوادي لأول مرة في بيروت في أوائل السبعينات عندما كان منفياً، ثم التقيت به في البحرين بعد عودته في العام 1974 قبل أن يُعتقل في يونيو من نفس العام حيث بقي في المعتقل عدة سنوات، ثم جمعتنا دمشق مرة أخرى في العام 1987 قبل مغادرتي لموسكو بشهور قليلة، ولم التق به، بعدها، إلا في البحرين بعد الانفراج السياسي وعودة المنفيين من الخارج في 2002م.
 
كان المنبر يستعد لعقد مؤتمره الاول وكان أحمد الذوادي قد اتخذ قراراً بأن لا يعيد ترشيح نفسه لرئاسته، وطلب مني ترشيح نفسي خلفاً له اعتقاداً منه – كما قال- بأنني سأكون الشخص الأنسب لرئاسة المنبر في هذا الظرف، واعقد أن لهذا الطلب أثره الكبير في قبولي لهذا الدور، وقد أبديت له، كما أسلفت، تهيباً من المهمة لكنه شدّ من عزيمتي وأقنعني في نهاية المطاف، وطوال السنوات التي عاشها معنا قبل ان يتوفى كان يلح على استمراري في قيادة المنبر.
 
أما عن علاقته بمسئول جبهة التحرير الوطني – البحرين (ج. ت. و. ب) في الخارج ومسئول العلاقات الخارجية فيها عبدالله الراشد البنعلي فيقول :علاقتي بعبدالله الراشد كانت علاقة يومية، فقد عملنا معاً لسنوات طويلة في المنفى واستفدت كثيرا من شخصية الرجل وخبرته السياسية، فهو في تقديري سياسي جيد، ولديه  ذكاء فطري ونباهة في التقاط الأمور، وكان أول من دفع بي إلى مهام قيادية في التنظيم، وأشركني معه، وكنت في مقتبل العمر، في اجتماعات الأحزاب العمالية العربية التي كان يحضرها الأمناء العامون لهذه الأحزاب مثل خالد بكداش ويوسف فيصل من سوريا وعزيز محمد من العراق وجورج حاوي من لبنان  وسواهم من بقية البلدان العربية، كما استعان بي في صياغة بعض الوثائق والمواقف السياسية. 
  

[1] لقاء صحفي جرى في المنبر الديمقراطي التقدمي مساء يوم الاثنين 19 مايو 2005م. استمر ساعتين ونصف.

نشر في جريدة الوطن 19 اكتوبر 2008

 


 
اقرأ المزيد

شخصيات خطرة‮ ‬يراد لها أن تواصل حكم أمريكا

تستحق إدارة بوش الحالية لقب الإدارة الأكثر مغامرة ومقامرة في‮ ‬تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بامتياز‮.‬
وإذا كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تنقصها أبداً‮ ‬روح المغامرة،‮ ‬حيث‮ ‬يندر أن نجد واحدة منها خلت من ركوب مغامرة عسكرية هنا وتفجير فتيل حرب هناك،‮ ‬فإن الإدارة الحالية تفوقت على جميع سابقاتها بشمولية نزعتها المغامرة لتشمل ميدان الاقتصاد إلى جانب الميدان السياسي‮ ‬،‮ ‬خصوصاً‮ ‬في‮ ‬الشق المتصل بالعلاقات الدولية‮.‬
فقد ورطت العالم بمجمله في‮ ‬حرب لا ناقة له فيها ولا جمل‮ ‬،‮ ‬أسمتها الحرب الممتدة على الإرهاب‮ ‬،‮ ‬بدأت بأفغانستان ثم العراق،‮ ‬ولو توفر لها الوقت الكافي‮ ‬لكانت باكستان لحقت بالقائمة،‮ ‬مع أن الولايات المتحدة نفسها،‮ ‬بإداراتها الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة،‮ ‬هي‮ ‬من كانت رعت هذه المجاميع ونعتتهم بالمقاتلين من أجل الحرية‮.‬
اليوم وهذه الإدارة إذ تشارف على مغادرة البيت الأبيض لم تشأ أن تودع العالم دون إغراقه في‮ ‬ورطة أعظم وأكثر جللاً‮ ‬وهي‮ ‬الأزمة المالية‮ (‬تحولت إلى أزمة اقتصادية بعد أن انتقلت من النظام المالي‮ ‬ومن بعده النظام المصرفي‮ ‬إلى الاقتصاد الحقيقي‮) ‬التي‮ ‬تعصف بالعالم منذ سبتمبر الماضي‮ (‬ويبدو أن شهر سبتمبر هو شهر شؤم للولايات المتحدة‮) ‬،‮ ‬والتي‮ ‬خلفت وراءها أضراراً‮ ‬فادحة سوف تظهر آثارها قريباً‮ ‬جداً‮ ‬على الاقتصادات العالمية‮ ‬،‮ ‬لاسيما اقتصادات البلدان النامية‮.‬
والغريب أن هذه المجموعة المتطرفة التي‮ ‬جلبت للعالم بمغامراتها ومقامراتها كل هذا الخراب لا‮ ‬يبدو أنها في‮ ‬وارد الكسوف والانزواء والتواري‮ ‬خجلاً‮ ‬مما اقترفته من أفعال بالغة الضرر على أمريكا نفسها وعلى العالم بأسره‮ ‬،‮ ‬بل إن العكس هو ما تفعله هذه المجموعة بإصرار وعناد عجيبين،‮ ‬وذلك برسم نوعية الشخصين اللذين اختارتهما لوراثة عهدها بعد الفوز في‮ ‬انتخابات الرئاسة التي‮ ‬ستُجرى في‮ ‬الرابع من نوفمبر المقبل‮ ‬،‮ ‬فمرشحها لمنصب الرئيس لم‮ ‘‬يكلف نفسه‮’ ‬من فرط اعتداده بنفسه وغروره حتى النظر لمنافسه مرشح الحزب الديمقراطي‮ ‬باراك أوباما طوال وقت المناظرة الأولى،‮ ‬ناهيك عن الأنباء التي‮ ‬ظهرت واختفت فجأة عن ارتكابه جرائم حرب أثناء مشاركته في‮ ‬الحرب الاستعمارية الأمريكية ضد فيتنام‮.‬
ليس هذا وحسب،‮ ‬بل إن مرشحة الحزب الجمهوري‮ ‬لمنصب نائب الرئيس سارة بيلين،‮ ‬متورطة،‮ ‬حسبما كشف تقرير لجنة تحقيق برلمانية ضمت ممثلين عن الحزبين الجمهوري‮ ‬والديمقراطي‮ – ‬غالبيتهم من حزبها الجمهوري‮ -‬،‮ ‬في‮ ‬قضية استغلال منصبها ونفوذها كحاكم لولاية الاسكا في‮ ‬إقالة زوج شقيقتها من وظيفته الحكومية إثر تطليقه لها،‮ ‬بل وإقالتها لمسؤول هذا الزوج المغضوب عليه فقط لأنه اعترض على قرار إقالة مرؤوسه من العمل‮.‬
إذا كان هذا ما فعلته بيلين وهي‮ ‬بعد حاكمة لولاية واحدة فقط،‮ ‬فما الذي‮ ‬ستفعله عندما تصبح نائبة رئيس للولايات الخمسين الأمريكية؟
هي‮ ‬شخصية مغمورة لا تمتلك أية خبرة في‮ ‬السياسة والعلاقات الدولية ودهاليزهما،‮ ‬فقد جيء بها من ولاية نفطية‮ – ‬مع أهمية الإسقاط على الشخصيات الحالية التي‮ ‬تحكم البيت الأبيض وعلاقاتها بالشركات النفطية الكبرى،‮ ‬من الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني‮ ‬ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس‮ – ‬لتأدية دور المُحْدِث للفارق في‮ ‬ميزان القوى مع مرشحي‮ ‬الحزب الديمقراطي‮ ‬باراك أوباما وجو بايدن،‮ ‬تماماً‮ ‬كما جيء بالرئيس الحالي‮ ‬جورج بوش لتأدية دور‮ ‘‬رئيس مَنْظَر‮’ ‬فيما‮ ‬يتولى دفة تسيير أمور الحكم عملياً‮ ‬الرجل الشبح‮ – ‬نائب الرئيس ديك تشيني‮ – ‬،‮ ‬ومجموعة النخبة التي‮ ‬توافقت على الصفقة في‮ ‬مزرعة آل بوش بولاية تكساس في‮ ‬انتخابات الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الحالي‮.‬
ومن الواضح أن هذه المجموعة لا تريد التفريط في‮ ‬السلطة‮ ‬،‮ ‬وإنما محاولة التمسك بها بأي‮ ‬ثمن،‮ ‬حتى وإن تطلب الأمر استخدام أساليب لا أخلاقية كما فعلت بيلين حين أتهمت أوباما بإقامة علاقات مع بعض الجماعات الإرهابية‮ – ‬تقصد ناشط‮ ‬يساري‮ ‬أمريكي‮ ‬متطرف‮- ‬،‮ ‬وكما فعل القائمون على الحملة الانتخابية للمرشحين الجمهوريين بوضع أسم باراك أسامة بدلاً‮ ‬من باراك أوباما على البطاقات الانتخابية‮.‬
فليس أمامهم فرصة لجسر الفجوة في‮ ‬استطلاعات الرأي‮ ‬بين مرشحيهما ومرشحي‮ ‬الحزب الديمقراطي‮ (‬10٪‮ ‬قبل ثلاثة أسابيع من موعد إجراء الانتخابات‮)‬،‮ ‬سوى نبش المزيد من‮ ‘‬الأسرار‮’ ‬الخاصة لباراك أوباما،‮ ‬وحتى فبركتها إن تطلب الأمر‮.‬
ومن‮ ‬غير المستبعد أن تقوم المجموعة الحاكمة بمفاجآت‮ ‘‬تلفزيونية‮’ ‬مثيرة على شاكلة الاتفاق المثير الذي‮ ‬أبرمته مع كوريا الشمالية في‮ ‬الأيام القليلة الماضية والذي‮ ‬خرجت على إثره ماكنة الإدارة الإعلامية لتعلن للأمريكيين أنها حصلت على كل ما تريده من كوريا الشمالية فيما‮ ‬يتعلق ببرنامجها النووي،‮ ‬بينما الواقع‮ ‬يشير إلى أن كوريا الشمالية هي‮ ‬التي‮ ‬حصلت على المقابل الذي‮ ‬طلبته من واشنطن لقاء إعادة هيكلة برنامجها النووي‮ ‬وتحويله إلى برنامج للاستخدام السلمي‮ ‬للطاقة النووية‮.‬
على أية حال،‮ ‬الأصل في‮ ‬كل ما تقدم أن تقديم الحزب الجمهوري‮ ‬الحاكم لشخصيتين إشكاليتين وغير مقنعتين كمرشحتين لانتخابات الرئاسة المقبلة،‮ ‬إن دل على شيء فإنما‮ ‬يدل على ضيق الخيارات المتاحة أمام الجمهوريين بالنسبة لشخصيات فذة ذات ثقل‮ ‬يعتد بها،‮ ‬نتيجة،‮ ‬على ما‮ ‬يبدو،‮ ‬لتساقط وانزواء العديد من قيادات الحزب التي‮ ‬تصدرت واجهته في‮ ‬الحقبة‮ ‘‬البوشية‮’ ‬بعد تشكف خطل أفكارها المتطرفة وعقم مخططاتها ومغامراتها التي‮ ‬أغرقت البلاد الأمريكية في‮ ‬أوحال مستنقعات متحركة‮.‬
 
صحيفة الوطن
25 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

رؤية جلالة الملك‮.. ‬أمل نحتاجه فأهلاً

كم نحن بحاجة إلى من‮ ‬يبعث الأمل في‮ ‬نفوسنا ويجدده ويحلق به في‮ ‬سماء مملكتنا فتيًا‮ ‬يافعًا معضدًا بالثقة والإرادة والإباء،‮ ‬وما تدشين جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله للرؤية الاقتصادية لبحرين‮ ‬2030‮ ‬إلا ذلك الأمل الذي‮ ‬انتظرناه وعهدناه من جلالته منذ دشن مشروعه الإصلاحي‮ ‬الجديد،‮ ‬إذ إن هذه الرؤية الثاقبة التي‮ ‬قام بإعدادها مجلس التنمية الاقتصادية هي‮ ‬في‮ ‬واقع الأمر رؤية في‮ ‬فضاء المستقبل الذي‮ ‬ستترتب على تحقيقه أمور مهمة تذهب بالمواطن البحريني‮ ‬نحو بحرين أفضل وأجمل ولطالما كان على أمل بتحققها‮.‬
الرؤية الاقتصادية لجلالة الملك محطة مهمة في‮ ‬تاريخ البحرين الحديثة،‮ ‬إذ على ضوئها ستمتد وتتقاطع مساحات التنمية المستدامة في‮ ‬كافة البنى والمؤسسات الحكومية والخاصة،‮ ‬لتشكل في‮ ‬قلب الأمر مسؤولية مشتركة‮ ‬يسهم كل من فيها بتعزيز هذه الرؤية وترجمتها على صعيد الواقع،‮ ‬كما أنها ستدفع بهذه المؤسسات للتفكير بعيداً‮ ‬عن الحيز الوقتي‮ ‬السائد للخطط المعتادة في‮ ‬مجتمعنا،‮ ‬بل في‮ ‬المجتمعات العربية ربما كلها،‮ ‬فنحن بصدد قراءة بحرين المستقبل إلى ما بعد‮ ‬22‮ ‬عامًا،‮ ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬أننا بصدد مضمار اقتصادي‮ ‬ماراثوني‮ ‬يحتاج إلى نفس طويل،‮ ‬مثلما‮ ‬يحتاج إلى طاقة متجددة ومتوهجة قادرة على التغير واقتراح التصور المجدي‮ ‬والخلاق في‮ ‬لحظات العمل على تجسيد هذه الرؤية على أرض الواقع بما‮ ‬يضمن رؤية أخرى تنظر إلى ضعف الرقم المستقبلي‮ ‬المقر‮.‬
هذه الرؤية اختبار حقيقي‮ ‬للعقول والطاقات التي‮ ‬ستكلف بترجمة هذه الإستراتيجية الوطنية،‮ ‬خصوصا وأننا كنا أمام تجربة تحتاج إلى زمن طويل كي‮ ‬تتجاوز الخطط القصيرة المدى،‮ ‬نحن باختصار أمام عصف ذهني‮ ‬متواصل‮ ‬يحتاج إلى جهود جبارة كي‮ ‬تكون أهلاً‮ ‬لمواكبة تحولاته النووية،‮ ‬ومتى ما وجدت مثل هذه الطاقات نكون فعلاً‮ ‬على قاب قوسين أو أدنى من الأمل الذي‮ ‬عهدناه من جلالته،‮ ‬كما أن مثل هذه الطاقات العصفية ستحتم بقدرتها الإنجازية في‮ ‬معمل العصف وجود طاقات أخرى تدرك هذه المسؤولية وتعي‮ ‬أهمية التحدي‮ ‬في‮ ‬التصدي‮ ‬لتجسيد هذه الرؤية الاقتصادية‮.‬
بمعنى آخر،‮ ‬إن هذه الرؤية إيعاز بضرورة إعداد كوادر تنتمي‮ ‬للمستقبل وتتمتع برؤية بعيدة المدى،‮ ‬وهذا‮ ‬يقتضي‮ ‬من جميع المعنيين بتكوين العنصر النامي‮ ‬في‮ ‬المجتمع،‮ ‬وزارات وحكومات وهيئات ومؤسسات مجتمع مدني،‮ ‬مواكبة هذه الرؤية وتجهيز العدة لاستثمار هذا العنصر الرئيسي‮ ‬والحيوي‮ ‬في‮ ‬المملكة،‮ ‬بجانب ضرورة إطلاقها المجال واسعا للتدريب والعمل الورشي‮ ‬لكافة أبناء الوطن بمختلف مستوياتهم العلمية والتعليمية والمهنية إلخ‮.. ‬
الرؤية الاقتصادية لجلالة الملك باختصار شديد،‮ ‬أمل نحتاج ونحتاجه كي‮ ‬نكون فعلاً‮ ‬أهلاً‮ ‬للمستقبل‮.‬
 
صحيفة الوطن
25 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

قراءةٌ نظريةُ للأزمةِ المالية

يسود الخوف والهلع في المراكز المالية في قلب العالم (أميركا) والمراكز في القارة العجوز إضافة إلى التخوم التابعة، إلى درجة أن الولايات المتحدة الأميركية المعروفة بالاستئثار بقوتها وعنجهيتها المعهودة قد رضخت أخيراً للاستنجاد بالآخرين الأصغر شأناً، وذلك بدعوتها لاجتماع عالمي يضم إضافة إلى الثمانِ الكبار، دستة من الدول المهمة في مجال الطاقة والمال، تتكون جميعها من عشرين دولة، للبتّ والتداول ومحاولة وضع آليات والتزامات والتفكير في تشكيل منظومة مالية عالمية جديدة لضبط العولمة المالية (غير معلنة رسميا في الوقت الحاضر)، الأمر الذي يجسّد بوضوح درجة الأزمة وتأثيرها، ليس فقط على مركز العالم المالي والاقتصادي بل على المنظومة الدولية برمتها، حيث بات ‘النظام الرأسمالي’ معرضا للسؤال والتساؤل!
بات السجال السياسي/ الفكري وحتى النظريّ سيد الموقف، وأصبحت عملية ترجمة الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية جارٍية على كل لسان، بدءً بالأخصائي وانتهاءً برجل الشارع. فالأزمة المالية الحالية ليست سحابة صيف ‘ستنقشع’ بعد أن ضُخّت سيولة خيالية وصلت إلى أكثر من ستة وربع تريليون دولار، حسب تمنيات الساسة الكبار والصغار، تعود بعدها ‘حليمة إلى عادتها القديمة’، أي المزيد من السطو على أموال المواطنين الأكثر ضعفاً.
لكن يبدو أن العالم مقبل على مرحلة جديدة من تشكيلة رأسمالية دولية ذي رؤوس عدة (تعدد الأقطاب) هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى لا يمكن حتى الحديث عن نهاية المنظومة الرأسمالية المعاصرة السائدة في عالم اليوم، كما يتمنى الرومانسيون الثوريون! فتحت تصرف الرأسمالية موارد وطاقات جبارة إضافة إلى حِيَلٍ لا أول لها ولا آخر، ولو أنها تُعبّر عن مصالح الأقلية الضئيلة في الوقت الحاضر، لكنها قد تكون مُجبرة لتوسيع قاعدة منتفعيها ضمن الصّفوة، القابعة في رأس الهرم الاجتماعي، لفترة قد تطول من عمر الرأسمالية عبر التاريخ البشري. لكن الأكيد وحسب علم التاريخ الحقيقي من أن أية منظومة اجتماعية/ اقتصادية لا تضمحل من تلقاء نفسها (موضوعيا) وستقاوم بعناد حتى تتشكل القاعدة المادية والمعنوية للمنظومة البديلة، وهي شروط غير متوافرة في الوقت الحاضر لأسباب عديدة لعل أهمها قانون التطور غير المتكافئ، الذي ترضخ تحت وطئه الدول النامية.
هذا على الصعيد الموضوعي. أما على الصعيد الذاتي فحدّث ولا حرج، لأن القوى المناط بها للتغيير والتجاوز لم تفلح بعد في تجميع طاقاتها، وهي ليست متشرذمة وتتصف بالخصومات فيما بينها فحسب، بل تعاني من وهنٍ وأمراضٍ عديدةٍ تتطلب علاجها سنين وعقودا طويلة. هذا إذا ما توافرت ظروف مواتية وعزيمة راسخة وصادقة من قِبَل ‘القادة’ المتنفذين. وكما جاء في ‘المانفيستو’ الأشهر أنه لا يكفي المعرفة التفصيلية والقدرة التحليلية التي بحوزتنا لحل أية مشكلة وتجاوز حال إلى حال بل المطلوب أيضاً وجود القوة المادية الضاربة التي بإمكانها تنفيذ تلك المهمة التاريخية المعقدة وإمكانية تجاوز منظومة سائدة والدخول في منظومة بديلة أرقى وأكثر عدلاً ، عبر مرحلة انتقالية لا أحد يعرف مداها من الآن. وأن نستعين بلغة الاقتصاد والاجتماع السياسيين، فإن مجموعة مركّبة من العوامل الموضوعية والذاتية يجب توافرها لقبر الرأسمالية كنظام شائخ مأزوم ولكنه ديناميكي، وهي عوامل لم تتوافر بعد على أجندة التاريخ البشري المعاصر!
وحيث إن الأزمة برمّتها مسألة إشكالية وعصيّة على الفهم المبسّط، لذلك لابد في تقديرنا أن نأخذ في اعتبارنا النقطتين البديهيتين التاليتين:
(1) معرفة ما يحدث أمامنا من الأزمة المالية العولمية الحالية، التي تعيد إلى الأذهان- تلقائيا- سنوات الكساد الكبير بين نهاية عشرينات وبداية ثلاثينات القرن الماضي (مع الفارق)، لا يفيد الاستناد فقط على علم الاقتصاد الرسمي البرجوازي ولغته الإحصائية والرقمية بل الأمر يتطلب قبل كل شيء الإلمام بدهاليز معرفة علم الاقتصاد السياسي بل وحتى علم الاجتماع للوقوف على العملية الاقتصادية بجناحيه، الإنتاج والتوزيع، وموضوعية الحاجة البشرية وعنصر النُّدرة وغيرهما.
(2) صيغة البحث النظري لعلاج أزمة الرأسمالية في إطار المنظومة نفسها لا تؤدي إلى حلٍ أو مخرجٍ من الأزمة المستفحلة. فالأرجوحة العلاجية – إن جاز التعبير- ما فتئت تنتقل من الرأسمالية الكلاسيكية (التنافسية الحرة) إلى رأسمالية الدولة (الكنزية).
ثم العودة إلى آلية السوق المتحررة (فريدمان). والآن محاولة العودة إلى تضبيط السوق المالي (كالموضة تأتي/ تغادر/ ترجع). . وهكذا دواليك في لعبة/دائرة شيطانية تدور حول نفسها وتعيد إنتاج فكرها وفلسفتها على الدوام، مادام أصحاب المصلحة الحقيقية لتجاوز المنظومة لا حول لهم ولا قوة في الوقت الحاضر!
والآن كلمة قصيرة عن تأثير الأزمة على الدول الخليجية. . هل صحيح أن الدول النفطية الخليجية لم تتأثر بالأزمة هذه، كما يُقال ويُنشر؟ من الممكن أن يكون التأثير الحالي ليس حاداً بسبب نمط التوفير المصرفي السائد وقلة المصارف الاستثمارية- نسبيا- ولا توجد معلومات إحصائية دقيقة ولا نمط من الشفافية نستند إليها، لتُمكّننا من تحليل الأرقام. ولا يمكن بالطبع الركون على تصريحات المسؤولين الأخصائيين الاقتصاديين، المكبّلين بقيود وظائفهم.
لكن هناك بعض من الأخصائيين الجادين والشجعان باتوا يحذرون من مغبّة خطورة الأزمة وتأثيراتها الحالية والمستقبلية على دول مجلس التعاون الخليجي، تحديداً إذا ما استمرت أسعار النفط في الهبوط الدراماتيكي أسوة بصعودها (ردة الفعل). وعسى أن لا يتجاوز الهبوط الحدود المعقولة من الأسعار 80 دولاراً، حتى تتمكن الدول الخليجية النفطية من الاستمرار في مشاريعها التنموية. لكن إذا ما هبطت الأسعار إلى 50 دولاراً فإن الأمور لا تساعد في توفير ضمان استمرارية المشاريع العملاقة، العقارية والإنتاجية بجانب المشاريع الرديفة للبُنية التحتية العمرانية إضافة إلى المشاريع الاجتماعية. أما إذا انكسر حاجز الـ 50 دولاراً، فحينئذٍ سنكون على مقربةٍ من وضع غير محمود.
بات جلياً الآن عاقبة سياسة المضاربات المنفلتة، المتعددة الوجوه، خاصة فيما يتعلق بالعقود الآجلة في مجاليّ الخام النفطي والعقارات/الأراضي، التي تسببت أساساً في صعود غير طبيعي لأسعار النفط ، بدءًا بالارتفاع الدراماتيكي في سنة ,2005 وتجاوز حاجز 100 دولار في السنة الحالية 2008 قبل شهور خلت والعودة القهقري السريع حالياً. . كل هذا التأرجح الحاد جاء بسب الاقتصاد المنفوخ دولياً وإقليمياً ومحلياً، حيث صارت الأسواق والاقتصادات تحت رحمة مملكة المضاربين!
 
صحيفة الوقت
25 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

أبعاد خطاب جلالة الملك

كلمة جلالة الملك في‮ ‬افتتاح دور الانعقاد الثالث للمجلس الوطني‮ ‬تضمنت مرتكزات اساسية جميعها‮ ‬يدعم مسيرة المشروع الاصلاحي‮ ‬ويحافظ على العمل الوطني‮ ‬عبر الالتزام بالثوابت الوطنية‮.‬
حقيقة ما أشار اليه جلالته‮ ‬يحمل في‮ ‬طياته حقائق هامة محورها الاساسي‮ ‬التصدي‮ ‬لجميع المعوقات التي‮ ‬تعترض المسيرة الاصلاحية‮.‬
ومن هنا نعتقد ان المسؤولية الوطنية مسؤولية ملقاة على عاتق الجميع هذا اولاً‮ ‬وثانياً‮ ‬ان مجلسنا الوطني‮ ‬الذي‮ ‬يعد كما قال جلالته المظلة الجامعة لمختلف الوان الطيف الوطني‮ ‬والعاكسة لوحدتها والتقائها في‮ ‬سبيل البناء المشترك هو في‮ ‬مقدمة من‮ ‬يحمل هذه المهمة التاريخية لان المجلس الوطني‮ ‬بجناحيه‮ ‬يمثل‮ – ‬كسلطة تشريعية وحدة الوطن والشعب وهذه مسؤوليته الكبرى‮.‬
وبالتالي‮ ‬واذا ما تأملنا دوره في‮ ‬خطاب جلالته فان هذا الدور هو أبعد ما‮ ‬يكون عن الانشغال بالامور الطائفية التي‮ ‬تحتاج الى المزيد من الجهود وتوحيد الطاقات من اجل التصدي‮ ‬لها لان البحرين كانت ولا تزال النموذج التاريخي‮ ‬للتعايش والتسامح الاهلي‮ ‬والانساني‮ ‬السمح ومن هنا فان مهمته التاريخية التي‮ ‬يطمح اليها المواطن هي‮ ‬ليست مهمة سياسية فقط بل اقتصادية واجتماعية ايضاً‮ ‬وبايجاز‮ ‬ينبغي‮ ‬منه ان‮ ‬يكون مجلساً‮ ‬فعالاً‮ ‬على صعيد الرقابة والتشريع في‮ ‬ظل التعاون الايجابي‮ ‬مع السلطة التنفيذية‮.‬
وفي‮ ‬مواجهة الصعوبات المعيشية تطرق جلالته الى الاولويات وخاصة في‮ ‬ظل ارتفاع الاسعار والتضمم ونتيجة لما‮ ‬يعانيه المواطن من هذه الصعوبات قال الملك‮: ‬لقد تابعنا ولانزال نتابع باهتمام ارتفاع الاسعار العالمية ومدى تأثيرها على الوضع المعيشي‮ ‬للمواطنين البحرينيين مؤكد انه اصبح في‮ ‬مقدمة الاولويات التي‮ ‬حظيت باهتمام كبير من الدولة في‮ ‬الآوانة الاخيرة التصدي‮ ‬للآثار السلبية الناجمة عن هذه الزيادة الملحوظة في‮ ‬معدلات التضخم نتيجة ارتفاع اسعار مختلف انواع السلع والخدمات‮.‬
ونفهم من هذه الرؤية ان الاوضاع المعيشية في‮ ‬مقدمة الاولويات جنباً‮ ‬الى جنب تحسين الاجور والعلاوات وخفض معدلات البطالة في‮ ‬ظل المساواة وفي‮ ‬ظل العدالة الاجتماعية وتوفير حقوق المواطنة من دون تمييز هذا ما اشار اليه جلالته باهتمام متزايد‮.‬
ومن المحطات والاشارات المهمة التي‮ ‬وقف عندها جلالته في‮ ‬خطابه الواضح الاهتمام بالتنمية المستدامة والشاملة ودعم سياسة الاستثمار في‮ ‬ظل الانظمة والقوانين الشفافة التي‮ ‬تتميز بها البحرين وعلى هذا الاساس لابد من رؤية اقتصادية تحقق شروط التنمية البشرية وتحقق ايضاً‮ ‬الاحتياجات المادية والاقتصادية للمواطن البحريني‮ ‬الذي‮ ‬يعد في‮ ‬رؤية جلالته الخيار الاوحد والمستفيد الاول من ازدهار التنمية الاقتصادية والاجتماعية في‮ ‬البلاد‮.‬
وفي‮ ‬ضوء هذه الرؤية التي‮ ‬ينتهجها جلالته لا شك اننا بحاجة الى برامج اصلاحية اقتصادية تساهم في‮ ‬رفع معدل النمو الاقتصادي‮ ‬وتوفر تلك الاحتياجات وتعمل على حماية نظامنا المالي‮ ‬وترسيخ مكانته وخاصة في‮ ‬ظل ازمة النظام المالي‮ ‬العالمي‮ ‬التي‮ ‬يمر بها الآن‮.‬
هذا هو جوهر كلمة جلالة الملك وهذه هي‮ ‬ابعادها وبالتالي‮ ‬ما الذي‮ ‬سيفعله مجلسنا الوطني‮ ‬يغرفتيه لترجمة كل هذه المنطلقات التي‮ ‬تطرق اليها جلالته هذا ما‮ ‬يجب ان‮ ‬يحتل اجندة مجلسي‮ ‬الشورى والنواب في‮ ‬دور الاتعقاد الثالث‮.‬
 
صحيفة الايام
25 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

جردة حساب للنواب ( 1 – 4 )


كانت دورة البرلمان الأولى بعد انتخابات 2002 أحفل بالنشاط التحويلي للمجتمع من الدورة الثانية وكان لهذا أسباب، وكان التأزيم السياسي لدورة البرلمان الأولى  يأتي من الخارج الذي لم يفلح في تغيير جعل البرلمان بغرفتيه هو مركز الحياة السياسية.


ولم تظهر النغمة الطائفية بقوة في الانتخابات الأولى، بل ظهرت صفة الصراع السياسي بين تيارات البرلمان الليبرالية والوطنية وبين المذهبيين السنة المحافظين. كان الصراعُ سياسياً بين تكوينات سياسية لم تؤججْ نزاعاً مذهبياً محورياً في تلك الدورة البرلمانية الأولى، والتي كان يُفترض بحكم الخبرة وتناميها أن تكون أقل نضجاً من ذلك، لكن العكس هو الذي حدث فقد كانت أنضج من الدورة الثانية.

 
وكان دخول كتلة الوفاق الشيعية في الانتخابات برؤية مذهبية صارمة، قد نقل الصراعَ المذهبي بقوةٍ إلى داخل البرلمان، فقد حدث تخندق من الجانب الحكومي والمذهبي السني ومن جانب الوفاق. هذا التخندق له سببياته في الجانبين، وإذا قرأنا بأن حدود التغييرات المطروحة من قبل النظام هي في نقد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتغييرها، وليس في تغيير العلاقات السياسية الأساسية المقننة تبعاً للميثاق والدستور، يكون نشاط الوفاق يتراوح بين الجانبين بدلاً من أن يُركز على الجانب الأول حتى يتحول ويتطور البرلمان المنتخب ويكون قادراً على تغيير الوثائق التي شكلته!، فالبداية المعقولة والممكنة هي أن تجعل الناس تقتنع بجدواه ويقوم بتغيير حياتها المعاشية. أما أن يقفز ليغير العلاقات السياسية فهو المنحى الثاني للوفاق المتوجه للمستحيل وما هو غير ممكن حالياً. وعلينا أن نقرأ حجم هذه المراوحة بين الجانبين وما إذا كان الجانب الثاني يأخذ نصيب الأسد أم لا؟ وما إذا كان الجانب الأول جرى فيه حفر عميق أم لا وما هي أسباب ذلك كله!


ظهر التخندقُ من مقاطعة الوفاق الجلسة الافتتاحية لهذه الدورة، ثم حدث توجه لقضايا الجمهور بعض الوقت، ثم تصاعد الصراع المذهبي السياسي على محاور بدت سياسية محضة لكنها تحمل هاجس الصراع المذهبي السياسي العميق الذي يمثل عظام الجماعات المذهبية عادة.
 في العديد من المقتطفات السياسية لمندوبي الوفاق هناك حرص على حل قضايا الوطن، كوطنٍ واحد، وعلى حلِ قضايا الشعب كشعبٍ واحد، مفترض ومتخيل في الوعي المذهبي السياسي.

تقول إحدى الصحف العربية عن كتلة الوفاق:
(طالبت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة في البحرين من الحكومة بالاستفادة من الثروة النفطية التي توجد في أرض البحرين، من أجل تحسين الظروف المعيشية للناس، وتقديم مستوى أفضل للخدمات، ملمحاً للمكاسب ستتحقق للناس لو كان أفراد الحكومة منتخبين).
(ووفقاً لما ورد بجريدة الخليج الإماراتية أوضح الشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق إن ميزانية البحرين تستفيد من 80% من إيرادات النفط منذ اكتشافه عام 1932 وأشار الشيخ سلمان إلى أن 20% أخرى توفرها الضرائب والسياحة وغيرها، محذراً بوجوب إيجاد بدائل للنفط تعوض النسبة التي يوفرها للموازنة العامة. وطالب الشيخ على سلمان بالاستفادة من ارتفاع سعر النفط في تحسين الوضع المعيشي والخدمات والرواتب.
ومن جانب آخر ألمح سلمان أهمية أن يكون أفراد الحكومة منتخبين موضحاً إن الحكومة المنتخبة تتميز بحس الإدراك لمتطلبات المجتمع لأنها لا بد أن تفكر في برنامج يقنع الناس حتى ينتخبونها، وبالتالي ستفكر كيف تستطيع أن ترفع المستوى المعيشي للناس وكيف تحل مشاكلها)، شبكة الإعلام العربية، 5 اكتوبر 2008.


تعبر الفقرة الأولى عن عموميات يمكن أن يطرحها أي كاتب أو سياسي، لكن أن تكون صادرة من رئيس كتلة كبيرة  مسئولة  داخل برلمان فهو أمر غريب، فهذه جملٌ عامة ينبغي أن تـُؤسس على خطط وجهود سياسية وبحثية واستجوابية عميقة، فكان ينبغي معرفة هذه 80% كيف تـُوزع عبر مصادر دقيقة، وكيف تتشكلُ بعدالة، وأين هي جوانب التبذير والهدر، وكيف يمكن تعديل هذه العملية الإنفاقية برمتها. أي أن يتم الحصول على إخفاقات واضحة في عملية توزيع الميزانية والثروة الوطنية لتنفيذ الخطة البديلة.
ولكن لا توجد في الكتلة جهود حول ذلك، ولم يجر أخذ هذا الهدف كهدفٍ عميق وباستقصاءات دقيقة وبخطة وطنية مقابلة لخطة الحكومة. هناك خطة واضحة أو غامضة عند الحكومة لكن لا توجد خطة بديلة عند من تـُسمى المعارضة البرلمانية.
وهذا هو الجهد النقدي التحليلي المقبول والممكن سياسياً، لكن ذلك لا يحدث، فننتقلُ إلى قفزةٍ في الفقرة الثانية من ذلك الحديث.
فالشيخ علي سلمان الذي لم تقم كتلته بالحفر في إخفاقات توزيع الثروة النفطية، ولم تعرفها إلا بشكل إنشائي يصلح في كلام عابر على الرصيف، وليس في نضال مسئول هو جزءٌ من سلطة، يقفزُ بنا إلى تبديل النظام بجملته، فيندفع هنا للضفةِ الأخرى المستحيلة من العمل السياسي البرلماني المحكوم بوثائق، فيطلب تغيير الحكومة كلياً وهو لم يستطع حتى أن يعري مسألة النفط ويكشف الاختلالات في توزيع الثروة ويطرح مشروعات قوانين ويعري، فقفز في الهواء نحو مسألة تتوجه نحو تغيير الحكومة كلياً!


وبين ضفتي النضال الممكن والنضال المستحيل هناك تبسيطٌ سياسي وعدمُ جدية في البحث والكشف عن أخطاء الميزانيات وجذورها وتوزيعها، ولأن ذلك غير ممكن في مستويين سياسي وبحثي محدودين، يجري القفز إلى جانب مضاد هو تغيير الحكومة تماماً. ولسنا معنيين بالدفاع عن هذا أو نقضه، بل لقراءة خلل التفكير السياسي وقصوره عن متطلبات النضال الحقيقي على الأرض البرلمانية.
ويهمنا كذلك هنا درس هذه الشعارات والأفكار وتحليل سبب الإخفاقات وليس توجيه التهم للأشخاص.


لقد قال الشيخ علي سلمان في يوم 16/ 11/ 2006، (إن وجود كتلة من المعارضة داخل البرلمان سيساهم في تحريك العمل السياسي في البلد من خلال القنوات الرسمية.. لقد شاركنا في التصويت على ميثاق العمل الوطني(2001)، للخروج من عنق الزجاجة والآن نشاركُ من موقعِ الإحساس بالمسئولية)، ويضيف(الوفاق تحمل ملفات اقتصادية وسياسية لمجتمع أفضل. دعونا ننجز ما يصبو إليه الشعب. لكننا لن نتسامح مع أي فساد. نعرف العوائق وبيروقراطية الآلية التشريعية وندخل بروح واقعية ونضع نصب أعييننا الملفات المعيشية)، (العربية 26/ 11/ 2006).
هل حقاً كانت نصب أعينهم الملفات المعيشية؟ وما هي هذه الملفات الاقتصادية والسياسية التي ستُطرح؟ هل تحققتْ تطوراتٌ معيشية للشعب أم ازدادت أوضاعه سوءً؟!


علينا أن نتابع.


الحلقات الثلاث الأخرى منشورة على الموقع

اقرأ المزيد

أولويات الوطن والمواطن


كائنة ما كانت تعرجات أداء معظم نواب مجلسنا النيابي، وتداعيات هذا الأداء طيلة السنتين الماضيتين من عمر الفصل التشريعي الثاني والذي بدأ دور انعقاده الثالث يوم الاثنين الماضي، إلا أن مسيرة هذا المجلس تظل رغم كل الملاحظات والمآخذ والتحفظات والتطلعات بشأن الصلاحيات أو الأداء أو المسار أو المخرجات، في حاجة إلى أن تبرهن بأنها تتطور باستمرار، وأن التصرف الديمقراطي الحقيقي هو الطبيعي للنواب والحكومة على حد سواء، وإنه لابد من تفعيل هذا التصرف والارتقاء بمستوى الممارسة النيابية والدفع بها في الاتجاه السليم والصحيح الذي لا يجعل زهو هذه التجربة وما علق عليها من آمال يذهب سدى.. !!.
ولأننا لا نعلم حقيقة ما إذا كان دور الانعقاد السابق وحصيلته وحصاده قد أخضع للتأمل والتقييم الهادفين إلى مراجعة تصحيحية ذاتية، وما إذا كان دور الانعقاد الجديد سيثمر عن مخرجات أفضل في مجال التشريع والرقابة الفعالة، فإنه من الواجب على النواب جميعهم من دون استثناء على الأقل من زاوية حقنا عليهم كمواطنين بأن يحسنوا فيما يقدموا عليه من عمل في الفترة المقبلة، وعلينا أن ننبههم وننصحهم بأن ينتصروا للجدية ضد ترف إضاعة الوقت ووقف ذلك السيرك الذي تمثل في ممارسات سابقة لكثير من النواب خلال دوريّ الانعقاد السابقين، ممارسات هيئت مناخاً بدا وكأن كل نائب يناصب للآخر العداء في خضم جدل ممقوت وابتكار كل ما كان يؤزم ويبعث على قدر كبير من القلق والإحباط والشحن الطائفي.
 ما نريده من النواب في دورة العمل الجديدة أن يحسنوا اختيار وتبني الأولويات والمطالب المشروعة التي لا يمكن الخلاف أو الاختلاف عليها أو إخضاعها لصولات وجولات ومزايدات لا تفتح آفاقاً لإنجازات تذكر، وعلى النواب أن يسترشدوا برؤى وتوجهات صاحب الجلالة الملك التي عرضها في كلمته الافتتاحية لدور الانعقاد الثالث للمجلس الوطني يوم الاثنين الماضي، فهي رؤى وتوجهات حددت ثوابت وأسس وأولويات واضحة يجب أن تكون حاضرة في أذهان السلطتين التشريعية والتنفيذية معاً، لأنها تضع الجميع أمام مسؤولياتهم التي تفرض عملاً دؤوباً لا يستهان به يتطلب الكثير من التعاون الإيجابي الحقيقي والملموس وغير المسبوق بين السلطتين دونما مناكفات أو تجاذبات أو إعاقة أو تعطيل من هذه السلطة أو تلك رغم كل شعارات التعاون.
 نعلم جيداً وبالتجربة أن ملفات كبرى ومسائل كبرى لم يمسكها أو لم يتعاط معها النواب في الفترة الماضية كما يجب، ومن هنا فإن دعوة صاحب الجلالة الملك بالنظر في الدروس والتجارب الجديرة في المسيرة البرلمانية للاستفادة، وتوجيه هذه المسيرة إلى ما يخدم مصلحة الوطن والمواطنين، هي دعوة في محلها ومتوافقة مع مستوى المهمة التاريخية ولمستوى المسؤولية الملقاة على عاتق مجلس النواب والتي شدد عليها الملك بنفس القدر الذي شدد على الدور التشريعي والرقابي الفعال.
 ومع كل التقدير للمناقشات الطويلة ومهرجان التصريحات الهادئة وغير الهادئة التي بشرتنا عن تنسيق قيل بأنه قد تم بين الكتل النيابية حول الأولويات والملفات التي سيتم تبنيها ضمن أجندة عمل الدورة الجديدة لمجلس النواب بشكل جماعي أو على مستوى كل كتلة، فإن الموازنة العامة التي هي الأولى والأخيرة التي سيناقشها البرلمان الحالي والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً برؤية البحرين الاقتصادية المستقبلية وإستراتيجيتها الوطنية التي شدد الملك على أهميتها البالغة بقوله إنها تتمحور حول الوطن والمواطن لجعله المستفيد الأوحد من ثمار التنمية الاقتصادية والاجتماعية بعد أن قيل لنا بأنه كان الخيار المفضل.. !
هذه الميزانية ترسم ملامح المستقبل وتعد أهم وثيقة اقتصادية ومالية في سياسات الحكومة خاصة بما تضمه من برامج ومشاريع تستوجب أن تكون في قمة الأولويات لأنه من خلالها تفعّل الرؤى والتوجهات التي عرضها الملك حفظه الله، ويفعل الدور الرقابي لمجلس النواب ومواجهته لمظاهر الخلل والفساد، ويفعّل الاهتمام بالقضايا المعيشية للناس لاسيما ما يتعلق منها بالصحة والتربية والتعليم، والإسكان.
 تلك هي الأولوية التي تتفرع عنها أولويات يجب أن تكون على رأس اهتمامات السلطتين التشريعية والتنفيذية معاً، وما جاء في كلمة جلالة الملك يقضي بأن تنذر كل سلطة نفسها للانصراف والتركيز على هذه الأولويات للتخفيف من اليوميات والأعباء الثقيلة للمواطن دون مزيد من التضليل والتمويه وتضييع الوقت، وطالما أن المواطن أصبح هدفاً معلناً من رأس السلطة السياسية في البلاد ليكون الخيار الأوحد المستفيد من ثمار التنمية، فإن هذا الهدف هو الذي يجب أن يستأثر بكل الاهتمام وبمنتهى الجدية.
إن التنمية التي من المصلحة أن يفهمها ويستوعبها الجميع هي التنمية بمعناها الشامل وليست تلك التي تتحقق بمجرد تشغيل المقاولين والأيدي العاملة الأجنبية لتنفيذ المشروعات العمرانية والعمارات الشاهقة والمدن الخاصة التي يصعب على المواطن البسيط أن يحلم بها، بل التنمية هي عملية حضارية شاملة لمختلف أوجه النشاط في أي مجتمع بأبعادها السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والتي تحقق رفاه المواطن وكرامته، وهي أيضاً التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي دون أن يكون ذلك على حساب احتياجات الأجيال المقبلة، ومن هنا فإن هدف جعل المواطن البحريني الخيار الأوحد المستفيد من ازدهار وخيرات التنمية، هو القضية الجوهرية والأولوية التي تتصدر كل الأولويات، ومن باب الجسارة الباهظة الثمن أن يتغافل أو ينشغل النواب عن تحقيق ذلك الهدف أو يكونوا عاجزين عن استكشاف آفاق تفعيل هذا الهدف، وإذا كان من حق النائب أن يكون له حضور في السوق السياسي بالرأي والموقف أو حتى باللافتات واليافطات والصور العملاقة، إلا أنه ليس من حقه أن يبقينا أسرى المراوحة أو تلك الصور من التأزيم والتصعيد والمناكفات والسجالات، وطأفنة قضايا الوطن والكثير من الممارسات المستفزة التي تؤخر ولا تقدم.
بقي أن نقول شيئاً عن رؤية البحرين الاقتصادية وإستراتيجيتها الوطنية، هذه الرؤية طالما هي محورية بما لا يدعم أي مجال للشك في أهميتها في رسم ملامح مستقبل البحرين، ألم يكن من منظور البناء المشترك الذي دعا إليه صاحب الجلالة الملك أن تطرح هذه الرؤية للعرض وأن يدار حولها نقاشاً وطنياً يقتسم فيه الكل المسؤولية وتحمل تبعاتها بأسلوب التشاور والحوار البنّاء الذي يهيئ لعمل وطني نوعي بات مطلوباً أكثر من أي وقت مضى.
 
الأيام 24 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

اللقاء التاريخي.. ووحدة التيار الديمقراطي التقدمي


إن اللقاء الذي جمع جمعيتي « المنبر الديمقراطي التقدمي والعمل الوطني الديمقراطي«  في 6 أكتوبر 2008م، قد جاء بنتائج ايجابية مثمرة.. بحيث ان تلك النتائج قد لاحـت في الآفـاق البعيـدة، لمبـدأ التفـاهم الروحي والنفـسي والاجتمـاعـي والانسـجـام الفكـري والمبــدئي والأيديولـوجي.. ليس هذا فحسب ولكن يظل هذا اللقاء أيضا يمثل امتداداً للقاء التاريخي ما بين الرموز والقيادات الوطنية للتنظيمين ” جبهة التحرير والجبهة الشعبية ” لدى عودتهما إلى الوطن من المنافي والفيافي في عهد المشروع الإصلاحي عام 2001م، من أجل وحدة التيار الديمقراطي التقدمي، وتناسي جميع الخلافات الثانوية، ونسف الاختلافات الشكلية، خلف الظهور ووأدها بين طيات وغياهب النسيان، التي مثلت لشديد الأسف عقبة كأداء آنذاك..
وعلى الرغم من ذلك كله فإن تلك اللقاءات الحميمية المتعاقبة ما بين ” المنبر والعمل” والدعوات الوطنية النبيلة لقيادات الجمعيتين، قد أضفت على ذلك اللقاء التاريخي الأول مسحة من الآمال الكبيرة، في إحياء المشروع الوطني للوحدة الوطنية والفكرية والمبدئية ما بين الفصيل ذاته من الإرث الوطني والتاريخي والنضالي.
إنه من الأهمية بمكان القول: إن اللقاءات والتشاورات والتنسيقات ما بين جمعيتي  ” المنبر والعمل” الدائمة والدائبة، والمتسمة بصدق الأهداف الوطنية، ومصداقية الانتماءات المبدئية، وتوكيد الإرادة الشعبية، ستؤدي بكل تأكيد إلى نجاح وحدة الجمعيتين، وترسيخ معالم هذه الوحدة في أرضية الواقع المجتمعي المعاش والملموس.. لما للجمعيتين من تاريخ نضالي ومبدئي مشترك، بمستوى حجم التضحيات الرائعة لجبهة التحرير الوطني البحرانية والجبهة الشعبية خلال عدة عقود من الزمان.. وبحسب ما ترفرف راية النجاح بوحدة التيار الديمقراطي التقدمي ما بين جمعيتي ” المنبر والعمل”.. فإن انعكاسات هذه الوحدة ستمثل الدرع الواقعية ضد الاصطفافات الطائفية والانقسامات المذهبية.. وبقدر ما ينهض هذا التيار التقدمي على الساحة المجتمعية والشعبية، فإن تماسك اللحمة الوطنية سيجد طريقه إلى تجسيد الوحدة الوطنية، ورفد الحياة الحرة الكريمة بركائزها الرغدة.. ومثلما تتم إقامة التكتل السياسي والوطني والمبدئي ما بين الجمعيتين، انطلاقا من إيمانهما بأسبقية الانتماءات المبدئية في سلم الأولويات يدعمها برنامج سياسي واضح المعالم (سياسيا وفكريا واقتصاديا واجتماعيا).. فإن باستطاعة التيار التقدمي بوحدته رسم الخريطة السياسية بواقعية المواقف السياسية، عبر التحالف مع مختلف التيارات والاتجاهات العقلانية، وشتى الأطياف والانتماءات الوطنية والديمقراطية، ضمن القواسم الوطنية المشتركة والأهداف الشعبية والجماهيرية.. بحسب ما يفوّت هذا التيار الديمقراطي بوحدته الفرصة على تيار الإسلام السياسي الذي باتت صلاحيته منتهية، بتقادم الوحدة الوطنية والنهوض بالقوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية.



وحينما أسلفنا الذكر بانتهاء صلاحية تيار الإسلام السياسي، فإن الضرورة التاريخية والوقائع السياسية، والدلائل المجتمعية والشعبية، تؤكد إفلاس هذه القوى الإسلامية لتيار الإسلام السياسي، سواء داخل البرلمان، خلال الفصلين التشريعيين (الأول والثاني) أو خارج البرلمان، وفي أوساط المجتمع المدني، الذي أعلن الكثير من كوادر وأعضاء مؤسساته، تذمرهم وامتعاضهم واستياءهم، بسبب تدني مستوى النواب الإسلاميين، بأدائهم الهش والواهن تحت قبة البرلمان، الذي لم يسفر سوى عن طرح وتقديم مشاريع ومقترحات هامشية.. بل مقترحات استعدائية ضد الثقافة والصحافة ومواجهة حرية المرأة وحرية الفكر والتعبير والكلمة.. مثلما حملت في أحشاء تلك الاقتراحات والرغبات والقوانين حملات تشهيرية وتكفيرية ضد القوى الوطنية الديمقراطية والمستنيرة.. أضف إلى ذلك تحويل السلطة التشريعية إلى برلمان إسلامي يئن تحت طائلة صراعات الاصطفافات الطائفية.
في نهاية المطاف يبقى أن نفخر قولاً: ان روافد الوحدة الوطنية والمبدئية ما بين جمعيتي ” المنبر التقدمي والعمل الوطني ” مثلما تنتصر على دعاة الطائفيين والمذهبيين والمفسدين والمتسلقين والانتهازيين.. وبقدر ما تكشف هشاشة أداء نواب تيار الإسلام السياسي خلال البرلمان والمجتمع على حد سواء، فإن هذه الوحدة ما بين التيار الديمقراطي التقدمي، ستمهد وتهيئ المناخ السياسي الملائم بظروفه الموضوعية والذاتية الناضجة، لإجراء انتخابات برلمانية وبلدية قادمة، تنسجم وأهداف القوى الوطنية والديمقراطية النبيلة، وتتماشى وتهيئة الأرضية المجتمعية والشعبية، لدعم تلك الانتخابات في صالح المرأة والقوى الديمقراطية.. لكون تداعياتها وحقائقها تنصهر في بوتقة أحلام الشعب البحريني وتطلعات المواطنين، وطموحات الناخبين، التي تتمثل في الملفات المهمة الساخنة التي تئن بين أدراج السلطتين التشريعية والتنفيذية، منها التعديلات الدستورية والبطالة والفساد والإسكان والصحة والتعليم، التي عجزت قوى تيار الإسلام السياسي نواباً تحت قبة البرلمان عن تحقيقها حتى بشكلها النسبي.
إذاً تبقى الآمال الكبيرة معلقة على مبدأ وحدة قوى وكوادر التيار الوطني الديمقراطي التقدمي ما بين جمعيتي     ” المنبر التقدمي والعمل الوطني”  بنضالاتهم ومكتسباتهم وانجازاتهم الرائدة.. مثلما نهضت بحركتهم الوطنية والمبدئية والفكرية بتضحياتهم الرائعة طوال خمسة عقود من الزمان.

أخبار الخليج 24 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد