المنشور

الكويت .. انتصار المرأة وانحسار التشدد

جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية الكويتية الأخيرة لتقدم الدليل مجددا على مدى رسوخ التجربة البرلمانية الكويتية الممتدة منذ مطلع ستينيات القرن الماضي وقدرتها على تجديد نفسها، ولتبعث الروح في زخم المسيرة البرلمانية التي اختطتها الكويت خيارا وطنيا جامعا، توافرت له رغبة الكويتيين الصادقة في بناء نموذج متفرد على مستوى الوطن العربي، وقد مثل الدستور الكويتي التوافقي القاسم المشترك في تلك المسيرة الغنية بالعديد من التجارب والعبر والنجاحات والإخفاقات أيضا، شأنها في ذلك شأن أي تجربة سياسية وطنية في عالمنا الثالث على وجه التحديد. فالتجربة الكويتية ومنذ بداياتها الأولى كانت تستند على الدوام إلى قناعات حقيقية أسس لها القادة الكويتيون الأوائل وفي مقدمتهم أبو الدستور الكويتي الراحل الشيخ عبد الله السالم. فبعد سنوات من حالات التأزيم والتوجس التي سادت الشارع الكويتي والعربي المتابع لهذه التجربة، جاءت خطوة أمير الكويت بحل الحكومة والبرلمان وإجراء الانتخابات الأخيرة دون اللجوء للحل غير الدستوري بما يعنيه من تبعات وخيمة على المسيرة ذاتها، ويصح القول إن نتائج تلك الانتخابات قد أعطت دفعة حقيقية باتت مطلوبة بشدة لمسيرة الكويت البرلمانية الرائدة، والتي لا يختلف اثنان على ما أصابها من وهن وترهل وتشويه خلال السنوات الأخيرة، نتيجة خواء الأداء السياسي العام، علاوة على الصعود السريع لقوى الإسلام السياسي ممثلا في بعض قوى التشدد المستفيدة من ارتدادات إقليمية ودولية، والتي مازلنا نعيش قسوة بعض ممارساتها على الأرض وما أحدثته من عوامل تشدد وفرز مذهبي بغيض، وهدم منهجي لقيم الدولة المدنية التي ترعرعنا نحن أبناء الخليج عليها، وكانت الكويت رائدة في التأسيس لها، نظرا لريادتها في الممارسة البرلمانية على مستوى دول المنطقة. فالكويت التي انطلقت مسيرتها البرلمانية منذ قرابة الخمسة عقود باتت تشكل حالة جديرة بالدراسة والمتابعة من قبل المعنيين، ليس لأن التجربة الكويتية تستند على دستور وتشريعات متقدمة هي السند الأساس لتقييم أي تجربة جادة، وإنما أيضا لعدة اعتبارات منها طبيعة أهل الكويت والتيارات التي أثرت وأثّرت فيهم، والتي يمكن من خلالها فهم تجربة الكويت وسر استمرارها على الرغم من فترات الانقطاع الطوعي والقسري التي مرت بها، فهناك النخب السياسية المختلفة وهناك وسائل الإعلام وحرية التعبير، وهناك القبائل بحضورها الطاغي، وهناك طبقة التجار المؤثرة جدا، السند القوي لكل ما تنعم به الكويت من حراك برلماني ودستوري، على الرغم من عوامل التداخل والتباين فيما بينها جميعا، وهناك الغياب الطويل للمرأة الكويتية عن كل المجالس التمثيلية السابقة، حيث انتزعت حقها في الترشح والانتخاب فقط منذ أربع سنوات، إلا أن ذلك لا يعني بأية حال غيابها عن العمل العام وعن الممارسة السياسية، فقد كانت المرأة الكويتية على الدوام في قلب كل الأحداث التي مرت بها الكويت، وكان حضورها اللافت في قضايا الشأن العام والحركة النسائية الخليجية والعربية، ولا غرو أن مثلت المرأة نسبة مشاركة فاقت54,3% في الانتخابات الأخيرة، في حين أن سلبيات المراحل السابقة أصابت عزيمة الرجال تجاه مدى استمرارية التجربة وقدرتها على المضي قدما بكثير من الإحباط حتى من قبل بعض من عايشوا وأسهموا فيها بإخلاص. فقد جاءت الانتخابات الأخيرة لتؤكد للكويتيين ولنا هنا في البحرين أن استمرار الحال من المحال، ويعلمنا التاريخ أن الأمر في نهاية المطاف ليس رهنا بإرادة المنتفعين أو المتسلقين أو الطارئين على مجمل المشهد السياسي أو لقوى التشدد التي وقفت ضد إعطاء المرأة الحق في التصويت وحاربت دخولها البرلمان والوزارة تحت دعاوى الولاية العامة، وعزلت المرأة في الجامعات والحياة العامة وشوهت مجمل العمل السياسي والاجتماعي والنقابي وأعاقت تطوره بفعل ما أحدثته من اختلالات واضحة في بنية وقوام العمل العام وتشريعاته، موظفة لذلك كافة إمكانياتها ونفوذها وصناديقها وخطابها وأموالها وسطوتها. وغني عن القول إن ما أفرزته انتخابات الكويت الأخيرة من صعود مفرح للمرأة الكويتية ربما شكل نقلة نوعية في طبيعة ومعطيات العمل السياسي ليس في الكويت لوحدها، وإنما على مستوى دول المنطقة بأسرها، رغم أن التفاؤل هنا يجب أن يكون موضوعيا، ليأخذ في الحسبان حجم وتعقيدات العمل السياسي والوعي المجتمعي والقدرات المتواضعة لقوى المجتمع المدني التي مازالت محاصرة بحزم من التشريعات المقيدة، حيث يتعذر تشكيل الأحزاب والنقابات والمؤسسات كملامح رئيسة لبناء مجتمعاتنا المدنية التي طال انتظار تبلورها، لتبقى ضمانة أكيدة لعدم السماح بالعودة للمربع الأول كما يراد لشعوبنا أن تكون دائماً.
 
صحيفة الايام
14 يونيو 2009

اقرأ المزيد

بين منزلتي‮ ‬الغلو والاعتدال في‮ ‬التفكير السياسي‮ ‬العربي

الغلو والاعتدال صنوان للحالة الاقتصادية السوسيولوجية السائدة في‮ ‬الزمان والمكان المحددين لأي‮ ‬مجتمع من المجتمعات الإنسانية المعاصرة‮.‬ وتحت سطح هذه الحالة الاقتصادية السوسيولوجية،‮ ‬تكمن عناصر إسناد تفريعية أخرى مثل المعتقدات والموروثات والعادات والتقاليد وخصال الناس وطباعهم‮.. ‬الخ‮.‬ وبهذا المعنى فإن من البديهي‮ ‬أن‮ ‬يتربط الغلو والتشدد بالجهل والجمود التطوري‮ ‬وبضمنه الفكري‮ (‬والسياسي‮ ‬بالتبعية‮)‬،‮ ‬والانغلاق على الذات وعدم التواصل مع الدوائر الحضارية الخارجية الواقعة خارج البوتقة المتقوقعة للجماعة البشرية الصغيرة المنعزلة‮. ‬بينما سيرتبط الاعتدال حتماً‮ ‬بالوعي‮ ‬الاجتماعي‮ ‬والمجتمعي‮ ‬العام وبمستوى التقدم والتحضر الشامل الذي‮ ‬بلغته الجماعة البشرية المقيمة في‮ ‬أية بقعة من بقاع الأرض الواسعة‮.‬ وإنه لما كانت البنى التحتية بما تحتويه من قدرات وإمكانات اقتصادية ومقومات نهضوية شاملة ومستدامة،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬تحدد عادة،‮ ‬بحسب قوانين التطور الاقتصادي‮ ‬والاجتماعي،‮ ‬مستوى تطور البنى الفوقية بما هي‮ ‬سياسة وأدوات ووسائل ممارستها،‮ ‬وقوانين،‮ ‬وثقافة وفنون ونحوها،‮ ‬فإن الكثير فيما‮ ‬يتعلق بخاصيتي‮ ‬الغلو والاعتدال الاجتماعيتين،‮ ‬سيكون مرهوناً‮ ‬بدرجة التطور الاقتصادي‮ ‬المحققة والسائدة في‮ ‬المجتمع المعني‮.‬ بيد أنه مثلما أن لكل قاعدة شواذها،‮ ‬فإن هذا‮ ‬يحق بنفس الدرجة على علاقة الارتباط الجدلية بين البنى التحتية والبنى الفوقية‮. ‬فقد‮ ‬يحدث أن تفك البنى الفوقية رابطتها مع البنى التحتية،‮ ‬فتتطور الأخيرة آخذة مسار نموها الطبيعي،‮ ‬فيما تركن الأولى إلى الجمود تحت وطأة العامل الذاتي‮ ‬الممانع لحركة تطورها اتساقاً‮ ‬مع حركة تطور البنية التحتية‮.‬ ولعل هذا ما‮ ‬يفسر إقبال البنى الفوقية في‮ ‬ديارنا العربية على نتاجات علاقات وقوى الإنتاج الرأسمالية المصدرة من مراكز الرأسماليات المتقدمة إلى الأطراف في‮ ‬صورة سلع رأسمالية واستهلاكية وتكنولوجيا وفنون إدارية وتسويقية،‮ ‬وفي‮ ‬ذات الوقت التمنع عن قبول موازياتها من مخرجات حصيلتها الفكرية الإنسانية من قبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من المبادئ والقيم التي‮ ‬أضحت كونية الطابع‮.‬ ولعلي‮ ‬أزعم هنا أن مرد ذلك إلى سيادة سطوة الاستبداد بمستوياته المختلفة،‮ ‬العقائدية،‮ ‬والسياسية،‮ ‬والاقتصادية،‮ ‬والاجتماعية،‮ ‬والتي‮ ‬تتمحور حول نفي‮ ‬الآخر وعدم الاعتراف به‮ (‬وإلغائه إن لزم الأمر‮)‬،‮ ‬مع أن هذا‮ ‬يقع على تضاد شديد مع جوهر تعاليم ديننا الإسلامي‮ ‬الحنيف التي‮ ‬تنبذ الغلو والتزمت والتشدد‮.‬ والحال أن الغلو والتشدد كانا لصيقين دائماً‮ ‬بعمليات التحول الديناميكية الكبرى في‮ ‬الحياة العربية الإسلامية منذ فجر الحضارة العربية الإسلامية وبدء نهضتها العارمة،‮ ‬وإن كانا ارتبطا أيضاً‮ ‬في‮ ‬بعض المراحل التاريخية بحالات الركود السياسي‮ ‬والجمود الفكري‮ ‬التي‮ ‬شهدتها الدولة العربية والإسلامية على مر العصور،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك عصرنا الراهن‮.‬ وقد لعبت الفرق الإسلامية،‮ ‬الدينية والعقائدية والمذهبية والطائفية،‮ ‬التي‮ ‬تعاقب ظهورها وانتشارها منذ قيام الدولة الإسلامية،‮ ‬دوراً‮ ‬في‮ ‬إخراج مظاهر الغلو والتشدد،‮ ‬بمزايداتها اللامتناهية‮. ‬فهي‮ ‬لم تشق الأمة وتُشظِّيها إلى طوائف ومذاهب وأحزاب تتصارع فيما بينها بصورة مدمرة وحسب،‮ ‬وإنما هي‮ ‬عملت على الحيلولة دون تقدمها وتطورها وتلاقحها مع كافة مكونات الحضارة العالمية،‮ ‬وذلك من خلال الحجر على قيمها الإيجابية العليا وتغييبها لصالح مخترعات هرطقاتها التي‮ ‬تبتغي‮ ‬التمييز الجاهلي‮ ‬للواحدة عن الأخرى في‮ ‬توافه الأمور‮.‬ وإنه لما كان الانغلاق على الذات والتقوقع داخل ملكوت‮ ‬يقينياتها التي‮ ‬لا‮ ‬يأتيها الباطل من أي‮ ‬حدب وصوب،‮ ‬فإن من المنطقي‮ ‬بمكان أن‮ ‬يفضي‮ ‬الانغلاق المذهبي‮ ‬إلى‮ ‬غلو مذهبي،‮ ‬والانغلاق الطائفي‮ ‬إلى‮ ‬غلو طائفي،‮ ‬والانغلاق العقائدي‮ ‬إلى‮ ‬غلو عقائدي،‮ ‬والانغلاق القومي‮ ‬إلى تعصب قومي،‮ ‬والانغلاق الفكري‮ ‬إلى تشدد وتطرف فكري،‮ ‬وهكذا دواليك‮.‬ والعكس صحيح،‮ ‬فالانفتاح العقلي‮ ‬والفكري‮ ‬لقادة حركة التنوير العربية،‮ ‬مثل الإمام محمد عبده ورفاعة الطهطاوي‮ ‬وعبدالرحمن الكواكبي‮ ‬وطه حسين وغيرهم،‮ ‬هو الذي‮ ‬جعل منهم قامات تحررية وتنويرية سامقة،‮ ‬وعطائهم الفكري‮ ‬خلاقاً‮ ‬وإبداعياً‮ ‬بحيث وضعهم في‮ ‬مصاف أعلام الفكر والتنوير العالمية ذات الإسهامات العظيمة في‮ ‬الحضارة الإنسانية‮.‬ وفي‮ ‬الإطار،‮ ‬فإن هذا الانفتاح العقلي‮ ‬والفكري‮ ‬هو بالضرورة قرين خاصية الاعتدال،‮ ‬فكلما كانت الشخصية منفتحة على الآخر كلما كانت أكثر استعداداً‮ ‬للتعاطي‮ ‬معه بأريحية واتزان نفسي‮ ‬ومعنوي‮ ‬نابعين من ثقة عالية بالنفس وبالموقف المستند إلى حصة معتبرة في‮ ‬رصيد الحضارة العالمية المتراكم عبر العصور،‮ ‬ومن إمكانات معرفية وعلمية قديرة ومقتدرة لا تتوجس ريبة أو خيفة من التعاطي‮ ‬مع أي‮ ‬مستجد أو استحقاق مهما كان مصدرهما أو عَظِم شأنهما‮.‬ فهل الشخصية العربية معتدلة بطبعها أم أنها تميل إلى الانفعال والحدة ومنهما إلى التصلب والتشدد؟ صحيح أن المنابع الرئيسية لتشكل الشخصية تكاد تكون واحدة،‮ ‬مثل الموروث الديني‮ ‬وموروث التاريخ وأحداثه،‮ ‬والموروث اللساني،‮ ‬والموروث الثقافي‮ ‬بما في‮ ‬ذلك العادات والتقاليد،‮ ‬إلا أن الصحيح أيضاً‮ ‬أن هنالك مكونات موضوعية أخرى تمارس تأثيراتها المباشرة على التكوين والتشكيل العام للشخصية العربية،‮ ‬من قبيل نوعية التضاريس التي‮ ‬تشكل جغرافية البلد المعني،‮ ‬ودرجة التطور الاقتصادي‮ ‬والاجتماعي،‮ ‬والبيئة المحيطة،‮ ‬وتفسر،‮ ‬بالتالي،‮ ‬التفاوتات في‮ ‬أمزجة الشخصية العربية ونظرتها للأشياء والحوادث المحيطة‮.‬ وهذا ما‮ ‬يدعونا للتحفظ على الزعم المقرر بوجود شخصية عربية واحدة متناسقة ومتماثلة الهوى والنزعات حتى وإن كانت مشتركاتها تجب اختلافاتها‮.‬ وهذا الاختلاف هو الذي‮ ‬يفسر ميل بعضها للاعتدال وبعضها الآخر للتزمت والتشدد‮. ‬بيد أنه وللأسف الشديد،‮ ‬تبقى السمة الغالبة على مكونات الشخصية العربية،‮ ‬هي‮ ‬التشدد‮. ‬وهذا‮ ‬ينطبق على الأنظمة السياسية وعلى الأنظمة الاجتماعية بنفس القدر‮. ‬فالأنظمة السياسية بشقيها الحاكم والمعارض تميل إلى التشدد أكثر من الاعتدال،‮ ‬والأنظمة الاجتماعية تميل بالإجمال إلى المحافظة الذي‮ ‬هو أقرب إلى التشدد منه إلى الاعتدال‮.‬ ولكن بالمقابل،‮ ‬فإن الموضوعية تقتضي‮ ‬القول بأن التردي‮ ‬المريع الذي‮ ‬تشهده الأوضاع المعيشية وأوضاع حقوق الإنسان والأوضاع السياسية على كافة الأصعدة العربية والعالمية،‮ ‬لا توفر أية فرصة للاعتدال لكي‮ ‬يأخذ مجراه الطبيعي،‮ ‬بقدر ما تغذي‮ ‬التطرف وتذكي‮ ‬العصبيات ليس في‮ ‬مجتمعاتنا العربية وحسب وإنما على مستوى العالم أجمع‮.‬
 
صحيفة الوطن
13 يونيو 2009

اقرأ المزيد

إيران .. غداً يوم آخر

توجه نحو 46 مليونا من الإيرانيين بمختلف مكوناتهم الإثنية والقومية يوم أمس الجمعة 12 يونيو/حزيران إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد في الانتخابات الرئاسية العاشرة منذ تأسيس ‘’جمهورية إيران الإسلامية’’ (على إثر ثورة بهمن الشعبية في سنة 1979)، اتسمت الانتخابات هذه بحملاتها الدعائية الملونة -غير المسبوقة- المتعلقة بمشاهد لم تكن مألوفة ومسموحا بها من قبل! تميزت الانتخابات هذه -فيما تميزت- بحماس منقطع النظير من قبل المواطنين، خاصة قطاعي الشباب والنساء وأيضا بتراشق وحِدّة وصلت حد الإهانات الشخصية والاتهامات المتبادلة لبعضهم البعض من قِبَل المترشحين الأربعة، وخاصة ‘’نجاد’’ نفسه الذي لم يتردد في استخدام موهبته الديماغوجية ‘’الغوبلزية’’ إلى أقصى حد ممكن (نسبة إلى غوبلز وزير الإعلام الهتلري)، مدركا في قرارة نفسه أنها معركته الأخيرة، فإما النجاح والبقاء -بأي ثمن- أو الاندثار السياسي وانتهاء سياساته حيث بدا مستفيدا من وضعه الرسمي المتحكم في وسائل ‘’الميديا’’ الرسمية -المرئية خاصة- التي انحازت بوضوح تام، ساعية لنجدته من ناحية الترويج والتلميع له، كونه مازال -شكليا- في منصب الرئيس المنتهية ولايته، الأمر الذي لم يرضِ بالطبع المنافسين الثلاثة الآخرين، حيث اضطروا للانسحاب من المشاركة الأخيرة في التلفزة بسبب ضيق المساحة والوقت المخصصين لهم مقارنة بحصة الأسد المخصصة لنجاد.
تبدو الانتخابات الإيرانية الحالية في الواقع انتخابات إقليمية (شرق أوسطية) بكل معنى الكلمة؛ وذلك بسبب تنامي الدور الإيراني الإقليمي والدولي. فالفصل الأول منها حُسم الأسبوع الفائت في لبنان حينما خسرت كتلة 8 آذار بقيادة حليف إيران الأكبر في المنطقة ‘’حزب الله’’ الذي تحجم دوره إلى 9% من مجمل القوى السياسية اللبنانية. أما الفصل الحالي، فسيتقرر بعد يوم غد الإثنين أو بعد أسبوعين فيما إذا كان سيعاد انتخاب نجاد (قد يُفرض كرئيس مرة أخرى حسب بعض المحللين المتشائمين) السند الأساس لحزب الله، حيث ستستمر سياسة المجابهة والتحدي. أم أن المعتدل’’ موسوي’’ سيُنتخب.. حينئذ لابد أن تقل درجة العضد الإيراني لحزب الله إلى حد ملموس (هذا ما قاله بوضوح موسوي)، الأمر الذي يعنى أن هذا الحزب قد خسر خسارة مُركبّة في أقل من عشرة أيام.
لم يحدث من قبل أن تفككت النخبة السياسية الحاكمة في إيران منذ ثلاثين عاما وانشطرت إلى هذه الدرجة من التناثر! وهذا بالطبع يدل على الأزمة المتعددة الوجوه الذي يعانيه المجتمع الإيراني المعاصر من جراء نظام فريد من نوعه في العالم، سيادة دولة ثيوقراطية في الألفية الثالثة، المتسمة بالتحولات العصرية والديمقراطية في عموم العالم، وكأن إيران تسبح عكس التيار ومتواجدة خارج العصر تماما. هل سيقول الشعب الإيراني كلمته غدا- تحديدا- بعد يوم غد الإثنين، ويحسمها من الجولة الأولى لصالح المترشح المعتدل الإصلاحي ‘’ مير’’ حسين موسوي ‘’مير’’ سابقة لفظية تعني بالفارسية (الحكيم/الرزين) بقوة رافعة عنصر الشباب والنساء وكثافة المشاركة المأمولة؟ يعتقد كثير من المراقبين أن الشعب الإيراني قد قال كلمته عندما شكل موجة بشرية امتدت لمسافة 20 كيلومتراً وهي مكسوة باللون الأخضر (الرمز الانتخابي لموسوي)، اكتسحت شارع ‘’الولي’’ القاطع للعاصمة الإيرانية من الشمال إلى الجنوب، المشهد الذي أصاب السلطات بالذعر الشديد، وجهت على إثره إنذارا شديد اللهجة لأتباع ‘’موسوي’’ من مغبّة التحضير لثورة مخملية!
لنستعرض باختصار شديد ‘’الفرسان الأربعة’’ الذين تأهلوا للتنافس على منصب رئيس الجمهورية بواسطة ‘’المشخال الإسلامي/المذهبي’’ من أصل 475 (433 رجلا و42 سيدة) مواطنين مترشحين للمنصب! فالرئيس الحالي (المنتهية ولايته) ‘’نجاد’’ الذي لقب نفسه بمحبوب الشعب (حسب موقعه الكتروني) والمتسم بالبساطة، الزهد والتقوى كان شخصا مغمورا تقريبا قبل ,2005 ولكنه أضحى الآن شخصية سياسية معروفة بتحديه للغرب وإسرائيل وبتصريحاته العجائبية، مع ‘’هالة’’ الكريزما الشعبوية التي يملكها (أو يدعيها)، لم يتوانَ من اتهام خصومه بأكثر الألفاظ غضاضة إلى درجة إلصاق صفة الهتلرية/النازية بهم، الخصلة التي إن وجدت في إيران، فإنها ستكون أقرب إليه من أية شخصية قيادية أخرى. المترشح الثاني للرئاسة، زميله المنافس والأقرب إليه فكريا وعقائديا ‘’محسن رضائي’’ وإن كان قادما من مدرسة ‘’نجاد’’ العقائدية المحافظة، فإنه يدعو إلى برنامج اقتصادي من خلال شعاره محاربة الفقر والغلاء من باب تحرير الاقتصاد، والغريب أنه لا يتحدث عن ‘’الحريات العامة’’ التي تعتبر المفتاح السري لهذه الانتخابات، خاصة للطبقات المتوسطة، بعد الحاجة المعيشية لعموم الناخب الإيراني.
أما الشيخ الإصلاحي’’ مهدي كروبي’’ فإنه كاد أن يتأهل في انتخابات ,2005 حيث كان الفارق بينه وبين ‘’نجاد’’ 2 من 10 (عُشرين 5,19 – 19 ,3)، حين قرر أن يستقيل من جميع مناصبه الرسمية في يونيو/حزيران من السنة نفسها، بعد أن اتهم السلطات بالتزوير لصالح ‘’نجاد’’. يعتبر ‘’كروبي’’ إصلاحيا حقيقيا، صريحا، مبدئيا ومخلصا، أقرب إلى المصطلح الإصلاحي من ‘’موسوي’’ الذي يعتبر معتدلا أكثر منه إصلاحيا. ولكن مما يؤسف له أن هذا الشيخ العفيف يتحرك في الوقت الضائع، فيما يتعلق بعمره المتقدم نسبيا وعمامته ‘’الرمز’’ التي لا سوق لها الآن لدى الجيل الجديد من الشعب الإيراني!
وأخيرا المرشح المفضل لدى غالبية الإيرانيين ‘’مير حسين موسوي’’ ليس بالضرورة حباً فيه، بل كرهٌ للمؤسسة الحاكمة عامة وسلطة نجاد خاصة. فالمهندس والفنان ‘’موسوي’’ البالغ 67 عاما والمتقن للغات أربع بما فيها لغته الأم ‘’الآذرية’’ (الفارسية/الآذرية/الإنجليزية/العربية) له حظوظ أكثر من غيره كونه الحصان المرهون عليه، خاصة من قبل الجيل الجديد وإن كان يشكو من مشكلتين سلبيتين، أصوله الآذرية وميله الفني وحبه للجمال الذي يعتبر في نظر المتزمتين الدينيين نقيصة، بالإضافة إلى عدم أفضليته لدى ‘’الولي الفقيه’’ (كما يبدو) .. على أن نقاط ضعفه المحدودة هذه لا تقارن بنقاط قوته العديدة، سِجلّه الحافل أيام كان رئيسا للوزراء إبان الحرب العراقية الإيرانية، دماثة خلقه وتواضعه الجم مع الناس، علاقته الطيبة مع أغلب التيارات ومزايا عديدة أخرى فطرية ومكتسبة تؤهله كلها أن يكون الرئيس القادم لإيران .. إن لم تحدث أمور لم تكن في الحسبان!
 
صحيفة الوقت
13 يونيو 2009

اقرأ المزيد

أسلمة القوانين

بعد مداولات فيما بينها اتفقت الكتل النيابية على اسلمة القوانين مما يعني ان هذه الكتل التي كان المواطن ينتظر منها الكثير من الانجازات وكذلك المجتمع ستتفرغ في الدور التشريعي القادم لهذا المشروع الذي يقتضي – حسب وجهة نظرهم – تعديل المادة الثانية من الدستور وباختصار توصل أصحاب السعادة الى اعتبار الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع بدلاً من المادة الدستورية الحالية التي تنص على «مصدر رئيس للتشريع». ومن دون مقدمات لماذا ينشغل نوابنا الآن بأسلمة القوانين طالما دستور البلاد لا يتعارض مع ذلك او بالاحرى طالما دستور البلاد يشير الى ان الاسلام هو دين الدولة وانه المصدر الرئيس للتشريع؟ سؤال ملح الاجابة عليه تنقلنا الى عدة حقائق ودلالات ومعانٍ ينبغى مناقشتها بروح نقدية و «رياضية» اساسها روح الاختلاف ويا ترى هل نواب الشعب يمتلكون هذه الروح بمنأى عن اتهام الرأي الآخر وتخوينه وتكفيره؟ هذا ما نأمله. من هنا دعونا نقولها بصراحة ان تيار الإسلام السياسي في هذه البلاد شأنها شأن اي حركة اصولية اسلامية سياسية لها أجندتها ولها مشروعها السياسي والعقائدي الذي هو وفي نهاية المطاق حتماً يتعارض مع التعددية والديمقراطية وان كان هذا التعارض يتفاوت فيما بينها الا ان المسألة الجوهرية كما يقول – المفكر محمود امين العالم – رغم تنوع التيارات الاسلامية الاصولية هناك ما يوحدها فهي جميعاً تدعو الى السلطة الدينية ولا تكتفي بالقول بتطبيق الشريعة الاسلامية واستلهامها، بل تدعو دعوة صريحة جهيرة الى اسلمة السلطة والقوانين والمجتمع.. وفي ضوء هذا الاستنتاج يبدو لنا ان انشغال نواب الاسلام السياسي باسلمة القوانين له مصالح عقائدية ورؤى ماضوية يود التيار فرض قبضتها على مجمل التشريعات والقوانين المدنية!! او بالعربي الفصيح لا مكان للسلطة المدنية، على اية حال وفي اطار الدعوة هذه من الطبيعي ان تجرنا الى اشكاليات و اول هذه الاشكاليات كما يقول امين عام جمعية المنتدى «ابراهيم علي» وهو على حق ان مشروع اسلمة القوانين يتعارض أساساً مع ميثاق العمل الوطني الذي ينص على انشاء مملكة دستورية يحكمها نظام ديمقراطي. ولا شك ان هذا الرأي يمثل الموقف المسؤول من الحريات والديمقراطية وكذلك من التشريعات التي يجب ان تنسجم مع التعددية ويجدد الحياة والرؤى والافكار والمصالح. يا سادة ان الشيء الذي نحب ان نؤكده هنا هو ان شعب البحرين المتسامح والمتعايش مع الآخر والمتعدد الذي اعتنق الاسلام منذ قرون لم تكن قضيته اسلمة القوانين طالما دستور البلاد يؤكد على هوية البحرين الاسلامية وانما القضية الملحة هي كيف توسع قاعدة الانجازات الرقابية والتشريعية بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن؟؟ نعم كيف تتفق الكتل النيابية على معالجة الاوضاع المعيشية الصعبة ومكافحة الفساد وحماية المال العام من التلاعب والهدر؟ كيف نحافظ على انجازات المشروع الاصلاحي وندافع عن الحريات؟.. اننا أيها السادة في حاجة ان نرسي قواعد الديمقراطية بالحرص عليها وليس بالعبث بها لمصالح سياسية وعقائدية!! وأخيراً اذا كان مشروع اسلمة القوانين من أهدافه التسويق للانتخابات التشريعية المقبلة عام (2010) فإن الناخب وبعد الدورات البرلمانية الثلاث الماضية أدرك تماماً مستوى الاداء البرلماني وأدرك ايضاً كم هي مؤلمة الاصطفافات الطائفية التي أججت الفرقة والانقسام بين ابناء البحرين وبالتالي كيف نفعّل هذه المؤسسات البرلمانية المنتخبة لصالح الوطن والمواطن هذا هو الاهم.
 
صحيفة الايام
13 يونيو 2009

اقرأ المزيد

لبنان ـ إيران .. «ضد ومع» واقع موجود

أسدل الستار على انتخابات لبنان بوجهيها «الداخلي والخارجي»، وكما يقال: «ذاب الثلج وبان المرج»، ضمن معادلة مفادها: «منْ يمتلك المال، يملك ثلثي القوة، إن لم يمتلك القوة كلها!!»، غير أن النتائج التي قبلها الساسة اللبنانيون المختلفون في سعيهم للتهدئة لم تغيّر من الواقع الموجود. فلبنان، المثقل بالكوارث وتأثيرات التوتر في المنطقة، هو لبنان «المنقسم بشكل هائل، المدين بحجم هائل، المستقطب من الخارج ويعتريه الفساد»، وفق أحد المرشحين الذي قال، إنه رشح نفسه «ضدّ النظام السياسي الطائفي، ضد واقع موجود في الجنوب وفي البلد، وليس ضدّ أحد»، إلا أن هذا المرشح وغيره من «حملة الأفكار الجميلة التي لا تنتج طحيناً أمام المال السياسي» خاصة عندما يتحركون بسيارات موديل «79» لم ينجح منهم أحد، لأنهم لا يملكون.. وإن كان لا يملكهم أحد.
نتيجة انتخابات لبنان بلورة جزء من الصورة المستقبلية في المنطقة، وستكون الصورة أكثر وضوحاً بعد الانتخابات الرئاسية التي تجري اليوم الجمعة في إيران، فـ«كل شيء في العالم مترابط»، وما علينا إلا التأمل باهتمام بالموجود في محيطنا..
فإذا صار التجديد للرئيس الإيراني الحالي احمدي نجاد، خاصة بعد خسارة تيار «8 آذار» والمتحالفين معه بـ«دعم إيراني» فإن إيجاد التسويات للمشكلات في المنطقة ستراوح مكانها في أحسن الأحوال على ما يبدو، إن لم تتجه نحو الفوضى وخلط الأوراق، في أسوأ حالاتها، وذلك باستمرار التجاذبات التي خبرناها لما قبل انتخابات لبنان في صراع المحاور، عندما صرح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بقوله الشهير: «انه إذا فازت المعارضة في الانتخابات المقبلة في لبنان، فإن الأوضاع ستتغير في المنطقة وستتشكل جبهات جديدة تقوم على تقوية المقاومة».
وفي مقابل ذلك، سارع مسؤولون أميركيون بالإعلان عن دعمهم لقوى «14 آذار» واستعدادهم تقديم «المساعدات الأميركية السخية»، لكنها مشروطة للبنان وربطها بنتيجة الانتخابات وفوز «الموالاة»، في حين على الجانب الآخر، لاعب ثالث (إسرائيل) يصطاد في المياه العكرة، لتخليص نفسه من استحقاقات عملية السلام الشرق أوسطية، وفق مبدأ «الأرض مقابل السلام»، أو «حل الدولتين» كأساس تسعى إليه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وسط مؤشرات ضغط أميركية لإزالة المستوطنات، كجزء من الحل في المنطقة.
في هذا الملف، «نهاية الأسبوع»، نسلط ضوءاً بـ«المشهد السياسي» على الانتخابات الرئاسية في إيران التي تجري اليوم الجمعة، وكذا الحال حول تداعيات نتائج الانتخابات اللبنانية التي فازت فيها كتلة «الموالاة» بـ71 مقعداً نيابياً، وخسر فيها تحالف «المعارضة» التي يقودها حزب الله اللبناني بحصوله على 57 مقعداً نيابياً بفارق 14 مقعداً في مجلس النواب، لتبقى «المعارضة» معارضة، و«الأكثرية» أكثرية، والأسئلة اللبنانية كثيرة، وبالمثل أسئلة الخارج ولاعبيه المؤثرين كثيرة أيضاً، قبل وبعد نتيجة الانتخابات الإيرانية.
 
صحيفة الوقت
12 يونيو 2009

اقرأ المزيد

المؤتمر الخامس للمنبر التقدمي.. حقائقه وتداعياته

جاء المؤتمر العام الخامس للمنبر الديمقراطي التقدمي المنعقد في جمعية المهندسين بتاريخ 15 مايو 2009 وبحضور 186 عضوا.. مبعث فخر الشخصيات والقوى الوطنية والنقابية والنسائية الممثلة للجمعيات السياسية والاتحاد النسائي والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين التي أشادت في كلماتها وخطاباتها من على منصة المؤتمر بإنجازات المنبر الديمقراطي التقدمي وفي مقدمتها مبادرة المنبر التقدمي التي حملت في جوهرها دعوة إلى الحوار الوطني وما يتمخض عنه بالحفاظ على ثوابت الوحدة الوطنية ومكافحة الاصطفافات الطائفية والانقسامات المذهبية وحلحلة الأوضاع السياسية والملفات المهمة الساخنة التي تئن من الانتظار الطويل الأمد في أدراج السلطتين التشريعية والتنفيذية وبالتالي إخراجها من بوتقة الجمود والمراوحة ومظاهر البيروقراطية والفساد..
ويأتي شعار المؤتمر العام الخامس للمنبر التقدمي “الحوار الوطني الشامل طريق لوقف التراجعات السياسية وصون الحريات ونبذ الطائفية”. ليؤكد دعائم مبادرة المنبر الوطنية والمبدئية في أرضية الواقع المجتمعي الملموس.
ولتجد مفاهيم ومغازي هذا الشعار طريقها إلى ذاكرة أعضاء المنبر التقدمي خاصة وذاكرة الأجيال عامة.
ولعل القول يبقى صحيحا انه بقدر ما حفل المؤتمر بالخطابات الوطنية التي أشاد أصحابها بإنجازات ومكتسبات المنبر الوطنية السياسية والاجتماعية.. فإن شخصية وتاريخ ومقومات المنبر من خلال مؤتمره العام الخامس جاءت محط اعتزاز أعضائه وكوادره ومناضليه.. لكونها تجسد بكل جلاء (الذراع للمصب الوطني) بآليات وبرنامج المنبر التقدمي بفعالياته الوطنية ونشاطاته السياسية وما يترتب عليها من المفاهيم الديمقراطية والنهضة الحداثية والواقعية السياسية.. مثلما تنمو هذه (الذراع السياسية) وتقوى ساعده من قامة (الجسد الشامخ) والمتمثل في (المنبع المبدئي) إزاء نضالات وتضحيات جبهة التحرير الوطني البحرانية طوال خمسة عقود ونيف من الزمن.. بحسب ما جاءت نتائج انتخابات المنبر التقدمي مبعث حضور الجمعية العمومية للمؤتمر العام الخامس، التي اقترنت بالإرادة العامة والحرة واتسمت بطابع المناخ الحر بإدلاء الأصوات عبر صناديق الاقتراع العام الحر والنزيه.. وبالتالي إعلان النتائج بفوز 25 عضوا منتخبا للجنة المركزية للمنبر من 29 مترشحا..
جاءت هذه النتائج مطعمة بالوجوه الجديدة والضاخة لدماء جديدة، منهم من الشباب والشابات في تميزهم بطاقاتهم الإبداعية الخلاقة وبروح من الإصرار والتحدي والرغبة الأكيدة هي وقائع ودلالات تمثل انتصارا للمرأة وانتصارا للشباب والقوى الشبابية أو بالأحرى (جيل الشباب) الذي سيواصل حمل وتأدية المهمات الوطنية والسياسية والمبدئية المنوطة به، على خطى الدرب الوطني لـ (جيل الكبار) الذين حافظ بعضهم على عضويتهم في اللجنة المركزية عامة والمكتب السياسي على وجه الخصوص.. سينهل (جيل الشباب) روافد الحكمة الإنسانية ودعائم التجربة النضالية وحصيلة الخبرة الوطنية من معين الرموز الوطنية لـ (جيل الكبار) الذين ناضلوا طوال خمسين عاما من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة ومن أجل تحقيق الشعار المبدئي “وطن وشعب سعيد” يسترشد (جيل الشباب) دربه النضالي من اشعاعات قبس (جيل الكبار) بنضجهم الفكري ووعيهم الاجتماعي وإدراكهم السياسي والتزامهم الأيديولوجي الذي يتمتعون به من خلال عملية تراكمية جدلية بمقاييسها الكيفية والنوعية. ولعل ما يفخر به المنبر الديمقراطي التقدمي وبحسب ما تعتز به جبهة التحرير الوطني البحرانية أن نتائج انتخابات المؤتمر العام الخامس للمنبر التقدمي جاءت مشرفة، بقدر تألق أعضائه بالارتقاء السياسي والالتزام المبدئي، مثلما ضربوا أنبل المواقف الوطنية بروح من الشفافية والديمقراطية اتسمت بالمشاركة الجماعية من دون تمييز ما بين (جيل الكبار) و(جيل الشباب) وبلا تفرقة ما بين (رجال ونساء) ومن دون فرض الوصايا الفوقية أو طغيان الأهواء الشخصية أو الفئوية أو الفردية.. أو محاولة إقصاء أو تهميش (جيل الشباب) أو استئثار (جيل الكبار) واحتكارهم المناصب الإدارية أو السياسية أو التنظيمية.. بل إيمان الرموز الوطنية من (جيل الكبار) بالكفاءات الجديدة الشابة لـ (جيل الشباب) والسعي إلى تهيئة المناخ الملائم أمامهم وتوفير الفرصة السانحة لهم وإعطائهم عميق الثقافة لمسئولياتهم الوطنية ورسالتهم التاريخية وفتح المجالات أمامهم واسعة لممارسة مهماتهم التوعوية والتنويرية وبالتالي تجسيد الوحدة الوطنية والفكرية والأيديولوجية والاجتماعية والسلوكية ما بين (جيل الكبار) و(جيل الشباب) عبر مبدأ الانصهار في بوتقة المفهوم السياسي والالتزام المبدئي ومبدأ التواصل المجتمعي إزاء الفعاليات والنشاطات والحراك السياسي والحراك الاجتماعي ومن أجل النهوض بالمنبر التقدمي سياسيا واجتماعيا وثقافيا وفكريا واستيعاب أعضائه وكوادره وجه المقارنة ما بين ما هو سياسي وما يتمخض عنه من الواقعية السياسية والقواسم المشتركة وبين ما هو مبدئي وما يترتب عليه من ثوابت المواقف المبدئية والفكرية.

صحيفة اخبار الخليج
12 يونيو 2009

اقرأ المزيد

ذكرى هزيمة الأيام الستة (1)


*الخطاب الذي غيّب طيف الذكرى
في ظل صمت مطبق لف الإعلام العربي برمته وبمختلف وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة، وعلى الأخص إعلام الدول العربية الثلاث التي منيت بهزيمة ماحقة على يد جيش العدو الاسرائيلي خلال 6 أيام فقط من يونيو 1967 (مصر وسوريا والأردن)، مرت يوم الجمعة الماضي الذكرى الثانية والأربعون لحرب الأيام الستة (5-9 يونيو 1967) وهي الحرب الخاطفة السريعة التي شنتها اسرائيل على تلك الدول الثلاث وخرجت منها باحتلال شبه جزيرة سيناء المصرية كاملة، واستكمال احتلالها الأراضي الفلسطينية من خلال احتلالها الضفة الغربية التي كانت في عهدة الأردن، وقطاع غزة الذي كان في عهدة مصر، علاوة على احتلال هضبة الجولان السورية.. وكل ذلك تحقق، كما ذكرنا، في خلال ستة أيام فقط.
وباستثناء استرجاع مصر سيادتها المنقوصة والمقيدة عسكريا لشبه جزيرة سيناء، بموجب اتفاقية الصلح المنفرد مع اسرائيل التي وقعها الرئيس المغدور الراحل انور السادات عام 1979، والمعروفة بمعاهدة “كامب ديفيد”، فإن آثار العدوان والاحتلال الاسرائيليين لبقية الأراضي العربية المحتلة في سوريا وفلسطين، علاوة على أراض للبنان لاحقا، مازالت باقية وجاثمة ليس على أراضي تلك البلدان فحسب بل على صدور الأمة العربية جمعاء التي لاتزال منكوبة سياسيا وحضاريا بنتائجها الكارثية المتتاليقة وغير المسبوقة في تاريخ العرب الحديث.
وإذا كان الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر هو من أطلق تعبير “ازالة آثار العدوان” خلال سنوات الاستنزاف العسكري مع اسرائيل (1967-1970) وذلك استعدادا لمعركة تحرير الأراضي المصرية المحتلة وحيث رحل عبدالناصر عشية اعداده الجيش المصري لخوض المعركة، وحيث كان يقصد أساسا بـ “الإزالة” استرداد الأراضي التي احتلتها اسرائيل خلال حرب الأيام الستة، وعلى الأخص اراضي وطنه (شبه جزيرة سيناء)، فانه بعد مرور أربعة عقود ونيف على تلك الهزيمة اضحى احتلالها عمليا اشبه بالأمر الواقع المكرس على الأرض، بما في ذلك المعاهدة التي وقعتها معها القاهرة الساداتية في ظل شروط مجحفة لإعادة سيناء بما يحقق لها أكبر مكاسب ومغانم سياسية وعسكرية ممكنة نظير انسحابها منها وتسليمها لمصر، دع عنك تمكنها من اخراج مصر من حلبة الصراع العربي الاسرائيلي.
فاتفاقية “كامب ديفيد”، ورغم فشلها الذريع في فرض التطبيع الشعبي فإنها كرست عملياً الصلح والتطبيع الرسميين بين اكبر دولة عربية واسرائيل في مختلف المجالات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وهي بذلك – الاتفاقية – تجسيد سياسي عملي لثمار ما حصدته من احتلالها لشبه جزيرة سيناء في يونيو 1967، أما هضبة الجولان فمازالت محتلة، بل لم تتوان اسرائيل عن إعلان ضمها لها في أوائل ثمانينيات القرن الماضي خلال حكومة رئيس وزرائها الإرهابي الراحل مناحيم بيجن وهو نفسه الذي وقع اتفاقية كامب ديفيد مع السادات.
أما مكاسبها على أراضي 1967 الفلسطينية المحتلة فما فتئ يتجرع أهوالها الشعب الفلسطيني طوال 42 عاما تحت الاحتلال عبر سلسلة متصلة من العذابات والمآسي المتواصلة وحروب الابادة العنصرية المتصلة التي كان آخرها العدوان على غزة والاعتقالات اليومية وفرض الحصار بمختلف اشكاله من حواجز امنية وتجويع ومنع الدواء وهدم البيوت، ومصادرة الاراضي، والتجريف للمزارع والتهويد للأراضي، وبناء المستوطنات، وبناء الجدار العازل.
والأهم من كل ذلك فان اسرائيل ما فتئت تتهرب من اعلان استعدادها للانسحاب من كل اراضي 1967 المحتلة، لا بل لا تجد أي غضاضة من إعلان رفضها تحقيق هذا الانسحاب كاملا وإقامة على الأراضي المنسحبة منها الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ناهيك عن حق العودة الذي مازالت تضرب به عرض الحائط رغم استناده إلى قرارات الشرعية الدولية.
ومع ان الاهتمام العربي باحياء ذكرى هزيمة يونيو 67 المشؤومة من خلال تجديد استخلاص الدروس والعبر، عبر تحليل اسبابها وسبل تجاوزها، قد تراجع تدريجيا خلال العقدين الماضيين تحت وطأة الاحباطات المتعاظمة حتى بلغ هذا التراجع اقصى انحداره خلال السنوات القليلة الماضية، إلا انه من الواضح جيدا هذا العام أن خطاب الرئيس الامريكي باراك أوباما التاريخي المطول الذي وجهه إلى العالم الاسلامي من جامعة القاهرة في الرابع من يونيو الحالي، أي قبل يوم واحد فقط من ذكرى عدوان الخامس من يونيو 67، كان له اثره البالغ في انشغال وسائل الاعلام العربية والاوساط العربية كافة، فغاب طيف تلك الذكرى المشؤومة هذا العام عن أذهان العرب تماما وبدت كأنها في طي السهو والنسيان.
لكن وبالرغم من انهماك الاعلام العربي من الرأس الى اخمص القدمين بخطاب الرئيس الامريكي اوباما وبكل ما يتعلق بردود فعل وصدى الخطاب عربيا وإسرائيليا وعالميا التي مازالت تتوالى رغم مرور اكثر من اسبوع على القائه، فان ثمة شهادتين جديدتين على درجة من الاهمية برزتا عشية الذكرى هذا العام وتناولت كلتاهما بعض الحقائق والخفايا المهمة المتعلقة بهزيمة يونيو 1967 التي كما نعرف مازال الكثير منها إما غامضا وإما لم يكشف النقاب عنه بعد حتى يومنا هنا، رغم مرور أربعة عقود ونيف على الحرب: الشهادة الاولى للدبلوماسي والصحفي الفرنسي الكبير المعروف ايريك رولو، والشهادة الثانية للكاتب الصحفي المصري الكبير والمقرب إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وسنتناول بالاختصار والتحليل كلتا الشهادتين في نهاية الاسبوع المقبل بإذن الله.

صحيفة اخبار الخليج
12 يونيو 2009

اقرأ المزيد

تفكيك الشفرة اللبنانية

كان مجتمعاً بلا دولة مركزية لقرون، وكان جبلاً للهاربين من عسف الدول الاستبدادية في المشرق، ثم تشكلت فيه الدولة بعمليات قيصرية.
الشيعة يهربون من عسف، والعلويون يهربون من اضطهاد، والدروز يصعدون إلى ذرى الجبال، والمسيحيون يتخفون ويحتمون به من عسف الدول التي تدعي الإسلام.
وحافظ السنة على مركزهم المتوحد بالدول المسيطرة في ومضاتٍ من التاريخ فوجدوا لهم قوة في المدن الرئيسية والعواصم.
ثم جاء الأرمن من مذابح في بلادهم عساهم يجدون الأمان في بلد الحروب.
ثم سيطر الغربيون وتلاعبوا بهذه التشكيلة الطوائفية وربطوها بعواصمهم السياسية. فاستثمروا خلافات الطوائف حتى الطوائف المسيحية شتتوها، وهم أهل الحداثة والعلمانية.
في الحرب الأهلية تصارع المعسكر الاشتراكي مع المعسكر الغربي.
لم يكن ثمة أمل في انتصار البروليتاريا على البرجوازية ولا الفلسطينيون على اللبنانيين، ولكنها عملية تجريبية في أجساد اللبنانيين، لنظرية الصراع بين الطبقة العاملة وحلفائها من المجانين الفلسطينيين والبرجوازية الكتائبية العميلة للاستعمار!
عقدٌ من المذابح وأكثر من ستين ألفا من القتلى، ثم عادت الأخوة اللبنانية.
ولو أن الجبالَ تحاربتْ لعقلت.
ثم صار لبنان الآن ساحة حرب بين المعسكرين الجديدين: معسكر الشرق الاستبدادي ومناصريه ومعسكر الشرق الليبرالي (على خفيف) ومناصريه من الغرب.
وفي كل لحظة قد ينزلق المعسكران للمحرقة ثانية من دون أن يعدا تماماً ضحايا الحروب السابقة.
الآن صارت قضية فلسطين من ضمن الاهتمام الكبير للشرق الاستبدادي لكي يحررها من براثن الصهيونية.
قضية حق أريد بها باطل، مسألة مكررة، لكن الشعوب العربية تؤيد سلاح حزب الله، لأن الأنظمة العربية غدت ذليلة وجبانة أمام الصلف الإسرائيلي، رغم أن لبنان صار ساحة الضحايا.
ولكن لماذا يتعرض لبنان وحده للخراب؟ لماذا لا يعمل اللبنانيون على أن تكون مهمة تحرير الاراضي العربية من مهمات الدول العربية الأخرى كذلك؟ لماذا لا يُنشطـّون مثل هذه السياسة؟ لماذا يكونون دائماً الصدى؟ لماذا لا يكونون الصوت؟
لعل حكومة وحدة وطنية حقيقية تحقق هذا البرنامج وبرنامج التغيير الاقتصادي لصالح أغلبية الشعب اللبناني تكون مهمة بعد هذا المخاض.
وفي حالة تخاذل الدول العربية، واستمرار الصلف الإسرائيلي، وضعف الضغط الأمريكي على إسرائيل، يغدو سلاح حزب الله مهما، فعلى الأقل لا تبدو كل هذه الأمم العريضة ساحة خالية من الشجعان.
الرابح كالخاسر فوق رقعة شطرنج متغيرة لا مبادئ فيها، وقد أوغلت جماعة 8 آذار في التحالف مع الأنظمة الشمولية التي خسرت أغلب أسهمها لدى الشعوب من دون أن تكون الجماعة الأخرى ممثلة لشيء متجاوز وديمقراطي عميق.
وإذا حدث أن تغير المعسكران المهيمنان في المنطقة فسوف يتغير الحلفاء والأعداء في توليفة جديدة تحددها مصالح جديدة لا أحد يعلمها لأنها لا تقوم على حقائق الجماعات والطبقات بل على حراك الفئات الوسطى والقوى المحافظة في استغلالها للعاملين الذين لا يعرفون مصالحهم بعد وهم أدوات لغيرهم وليس لأنفسهم.
ومن هنا فلا تراكم سياسيا ديمقراطيا، فالفئات الوسطى لا تتطور لتغدو طبقة وسطى لها مصالحها في المصانع والمتاجر، فهي شتات متجمع منخور من كل جهة، توالي أنظمة مختلفة شكلاً متحدة مضموناً ليس فيها ما هو طليعي ممثل للحداثة والديمقراطية.
فئات تتكون من مقاولات سريعة فتصير قوى قيادية.
فئات عاشت على الرشوة السياسية وظهرت فجأة ذات شعبية.
فئات كونتْ تنظيماتها عبر العقود، فمرة كانت فاشية ومرة دينية، ومرات براجماتية.
وهناك البروليتاريا الرثة مشتتة متجهة إلى كل الجماعات تصرخ وتنفعل وتتحارب لقضية ليست قضيتها.
ولو أن الكبار خارج الحدود اتفقوا لتبخر الكيان السياسي واحتاج إلى إعادة نظر بحسب الرياح الإقليمية. ولهذا يبدو اللاعبون اللبنانيون كأنهم يرقصون على سيمفونيات تـُعزف خارج الحدود، وكلما سمعوا مقطعاً تغيرت تكويناتهم.
بطبيعة الحال كانت جماعات 14 آذار أقرب إلى العقلانية السياسية وقيم الحداثة، حتى في انتصارها لم تلجأ إلى المغالاة والاستعراض، ومثلت منحى أقرب لتجذير الوطنية اللبنانية ولكن الفسيفساء الحزبية ظلتْ متحدة على أهداف سياسية وليس على رؤية سياسية فكرية مشتركة يضيفُ لها الزمان ولا يطيرها كالدخان.
إن هذا يتطلب توجهها إلى العلمانية والديمقراطية الاجتماعية والانسحاب التدريجي من عالم المذهبية السياسية والتحزب الديني لتكوين طبقة وسطى عريضة متجذرة في الأرض ومتحدة وممتدة إلى الآخرين، وأن تكرس قيم الوطنية الحديثة لا قيم البيك والباشا وحاكم الضيعة.
كما أن هذا التجييش الصاخب للعامة ولهذه الحارات السياسية المتضادة وطنيا هو أمر خطر، فتكفي بضع شرارات لتحرق بلداً كما حدث حتى في الحملات الانتخابية.
وسيكون المأزق المستقبلي هو نفسه في مثل هذه المعسكرات الحزبية الضيقة التفكير، وسوف يتعطل الحكم وتحدث مصادمات ومشكلات تجعل البلد يكرر نفسه بلا خروج حقيقي من الأزمة.

صحيفة اخبار الخليج
12 يونيو 2009

اقرأ المزيد

قارعو الأجراس.. !

لا ينبغي أن ندع إشارة سمو ولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية تلك المتصلة بدعوته وحثه « الموظفين العاملين في الشركات الحكومية النفطية وغير النفطية بأن يبادروا بالإفصاح والتبليغ عن أي تجاوزات مالية أو ادارية من أجل الحفاظ على المال العام». لا ينبغي أن تمر هذه الإشارة الصغيرة مرور الكرام، بل لا بد من قراءتها بدقة، ففيها ما يجب أن يؤخذ على محمل الجدية الكاملة لاسيما وأن الإشارات الصغيرة هي في الغالب ذات دلالات كبيرة لا تخفى على ذوي الفطنة، اذ نحسب أنها توحي عن رغبة أو توجه نأمل أن يؤسس لمرحلة جديدة وجادة على صعيد مكافحة الفساد بعد سنوات كثر فيها الحديث عن الفساد ولم يتم فيها إلا اليسير من الخطوات والقليل من النتائج لتستمر معها مسيرة البحث عن الحل للخروج من دوامة الفساد. واذا وضعنا تلك الإشارة في سياق تأكيد سمو ولي العهد « بأن ما نشهده هو بداية الطريق نحو تكريس مزيد من النزاهة والشفافية في البلاد والحفاظ على المال العام ومحاسبة المسؤولين عن أي تجاوزات» أثناء تعقيبه على التسوية التي توصلت إليهـــــا «ألبا» والتي أنهت خلافاً بينها وبين شركة جلينكور السويسرية على خلفية تورط مسؤولين في الأولى تلقوا رشاوى من الثانية. اذا فعلنا ذلك وأخذنا أيضاً في الاعتبار موافقة الحكومة على المضي قدماً في المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وما تلى ذلك من موقف آخر لسمو ولي العهد خلال ترؤسه اجتماع اللجنة التنفيذية لمجلس التنمية الاقتصادية تمثل في ما أبداه من توجيه معلن لكافة المسؤولين للقيام بواجباتهم في متابعة أداء أجهزتهم ومؤسساتهم ومكافحة كافة أشكال الفساد فيها حفاظاً على المال العام التزاماً بقسمهم أمام جلالة الملك، فإنه يمكن أن نسجل تلك الإيجابيات لنستنتج على ضوئها ونرجو أن نكون محقين في هذا الاستنتاج، بأن تطوراً ما يجب أن يحدث على طريق مواجهة الفساد أينما وجد وبكافة الأساليب الرادعة من أجل أن نضع قطار التنمية والإصلاح على السكة السليمة. ولكن…حتى نكون جادين وصادقين وتحديداً فيما يخص مسألة تفعيل دور الموظفين في الشركات الحكومية بأنواعها وتحفيزهم لتقديم الشكاوى والتبليغ عن قضايا الفساد لملاحقة الفاسدين والمساعدة في الحيلولة دون التمادي في العبث بالمال العام والوظيفة العامة، فإنه لابد أن تتبنى الدولة ضمن ما يفترض أن تتبناه من آليات وإجراءات لاسيما تلك التي تقتضيها الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، أن تتبنى الدولة ما يعرف « بقانون قارعي الأجراس» الذي يشجع على التبليغ عن قضايا الفساد، حيث عدم وجود تشريع كافٍ لحماية الشهود والمبلغين قد يعيق هدف تفعيل دور الموظفين والمواطنين في مواجهة كل من يسيء استخدام الوظيفة العامة ويستثمرها لمصالح خاصة، وباتت مثل هذه الحماية في كثير من الدول تشكل حجر الزاوية في جهود حماية المال العام والمحافظة عليه. إن ثقافة التوجه إلى القضاء لملاحقة ومساءلة منتهك أحكام القانون بشكل عام، وقضايا الفساد بشكل خاص لم تتأسس في بلادنا حتى الآن مع الأسف لأسباب واعتبارات عديدة، أهمها عدم وجود تشريع يحمي من يتقدم ببلاغ أو معلومات أو إفادة تكشف فساداً هنا وتجاوزات هناك، سيظل ذلك مبعث خشية أي موظف أو مواطن من أين يكون عرضة لردة فعل أو انتقام شخصي كفقد الوظيفة أو فرصة الترقي، أو المعاقبة بأي طريقة أثناء الخدمة من المتنفذين الذين «ارتكبوا» أو «تورطوا» أو « تمصلحوا» في أي من قضايا الفساد والتجاوزات، وتتعاظم هذه الخشية في ظل عدم ثقة الكثيرين بإمكانية المساءلة الجادة للمتنفذين خاصة وأنهم يرون بأن الوقائع المادية تثبت بأنه لم يقدم أي مسؤول أمام القضاء عن جرائم الفساد والإثراء غير المشروع واستغلال السلطة، مما يجعل المواطن يتردد في الإبلاغ عن قضايا الفساد في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وبات واضحاً أننا نفتقر الى القناعة الكافية بدور المبلغين في الكشف المبكر عن جريمة الفساد أو الوقاية منها، وبأن ذلك يمكن أن يشكل رادعاً وعقبة مهمة أمام الذين يتورطون في أعمال مشبوهة ويعطي الموظف والمواطن بشكل عام وسيلة فاعلة لمراقبة أداء أصحاب المسؤولية مما يعزز من مشاركة الأفراد بشكل خاص والمجتمع بشكل عام في التصدي للفساد بشتى صوره. إيماناً بذلك الدور وتعزيزاً للقدرات على رسم وتنفيذ وتطبيق الآليات التي من شأنها أن توفر الحماية الكافية للشهود والمبلغين، بادرت بعض الدول إلى إنشاء مراكز تتولى الإرشاد القانوني يوفر الدعم والمشورة القانونية لضحايا وشهود الفساد والمبلغين عنه بما يعزز مساءلة ومحاسبة المسؤولين المتورطين في ممارسات الفساد، وتبنت بعض الدول تشريعات تلزم كل من علم بوقوع جريمة من جرائم الفساد الإبلاغ عنها وتقديم ما لديه من معلومات حولها، بل ذهبت بعض الدول إلى تقديم مكافآت مالية لكل من يكشف حالات فساد مالي واداري، واذا ما أدى ما قدموه من معلومات إلى استعادة الأصول أو الأموال التي جرى نهبها أو التعدي عليها، وبات ذلك ركناً أساسياً من أركان منظومة مكافحة الجريمة والفساد من خلال النص على حماية الشهود والمبلغين ضمن اتفاقيات دولية عديدة أبرزها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي نعلم بأن الحكومة قد قررت أخيراً السير على طريق المصادقة عليها، فهذه الاتفاقية اعتبرت حماية الشهود والمبلغين ركناً أساسياً من أركان منظومة مكافحة الفساد والجريمة، كما اعتبرت دول عديدة حماية المبلغين عن قضايا الفساد من الحقوق الأساسية للإنسان التي كفلتها المواثيق الدولية، ووصل هذا الحق إلى مصاف الواجب الذي تنص عليه دساتير بعض الدول، لعل منها دستور مملكة البحرين، فهو ينص في المادة « 9 « فقرة «ب» على أن « للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن». وهذا أمر لابد أن يظل دوماً في اعتبار كل مواطن. نعود إلى إشارة سمو ولي العهد فهي بيت القصيد، لنؤكد ليس فقط على أهمية الحاجة لقانون يوفر الحماية الكاملة للشهود والمبلغين عن قضايا الفساد في مختلف المواقع والجهات حتى لا يكونوا ضحايا لقوى الفساد على ما اقترفوه من تبليغ وكشف حالات الفساد هنا أو هناك، وإنما نحتاج أيضاً إلى قانون يضمن حرية الجمهور للحصول على المعلومات من مؤسسات القطاع العام، وهذا في حد ذاته أمر لا يجب أن يغيب عن أي جهد وطني صادق يستهدف حقاً محاربة الفساد، ولعل ورشة العمل التي انعقدت يوم السبت الماضي بتنظيم من جمعيتي الشفافية والصحفيين أظهرت إلى أي مدى نحن في حاجة إلى كل ما يرسي حق الوصول للمعلومات. إن ما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى هو أن نجعل محاربة الفساد قضية دولة ومجتمع نترجم من خلالها الشراكة بين الطرفين كمفهوم وكمنهج وفعل لمحاصرة الفاسد والإقرار الرسمي بأهمية هذه الشراكة المجتمعية في مكافحة الفساد وتوفير الآليات التي تحقق هذا الهدف، ولعل من بينها فرض سيادة القانون وتيسير الحصول على البيانات والمعلومات بقضايا الفساد، وبناء تحالفات مجتمعية مناهضة للفساد على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي وتكثيف الوعي بمخاطر الفساد، وتعزيز دور كل مواطن في التصدي للخلل والانحراف والفساد، وإيجاد نظم للنزاهة الوطنية واعتماد مبدأ الشفافية في مكافحة الفساد دون أن ننسى تعزيز دور وحرية الصحافة لكي تقوم بواجبها في هذا المضمار.
 
صحيفة الايام
12 يونيو 2009

اقرأ المزيد

نتائج الانتخابات اللبنانية.. والمعادلة الصعبة

كيف يمكننا قراءة وتقييم نتائج الانتخابات التشريعية اللبنانية التي أسفرت عن فوز تحالف “14 آذار” بغالبية مقاعد مجلس النواب، وخسارة تكتل “8 آذار” لعدم ربحه تلك الغالبية؟ ثم هل يشكل فوز أي من التحالفين مكسبا للشعب اللبناني وللمصلحة القومية العربية وللعملية السياسية الديمقراطية في لبنان مفتوحة على آفاق رحبة لتطورها؟
في ضوء الإجابة عن هذا السؤال الأخير تحديدا يمكننا تقييم الانتخابات الأخيرة، وهي إجابة تقوم على معادلة فائقة الصعوبة لا يستطيع أي تحالف منتصر في الانتخابات الأخيرة تحقيقها وحده ما لم يستطع توفير شروط تلك المعادلة ذاتها وهي على النحو التالي:
1- أن يمثل مصالح وحقوق غالبية القوى السياسية والدينية والمذهبية للبنان على الأقل.
2- أن يكون قادرا على تحقيق الحد الأدنى من التزام لبنان بقضاياه الوطنية والقومية، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بحماية أمنه القومي وجبهته الداخلية من المؤامرات الإسرائيلية التي تتربص به، ورسم الطريق الصحيح لاسترجاع ما تبقى من أراض لبنانية محتلة (مزارع شبعا)، والحفاظ على الحد الأدنى المقبول من الالتزامات القومية بما في ذلك الممانعة في وجه الضغوط الصهيونية الدولية لفرض التطبيع على لبنان.
3- أن يكون التحالف المنتصر قادرا على بناء سياسة خارجية مسالمة تقوم على مراعاة وتوخي حماية المصلحة العليا الوطنية اللبنانية، التي لا يمكن تحقيقها إلا بمراعاة طبيعة النظام السياسي اللبناني كنظام ليبرالي ديمقراطي يقوم على الاقتصاد الحر والتعددية، بصرف النظر عن أسس المعادلة الطائفية التي يقوم عليها هذا النظام.
4- أن يمتلك هذا التحالف، أي تحالف كان، حدا أدنى من اللياقة الرياضية السياسية – إن جاز القول – تؤهله لخوض اللعبة السياسية الداخلية بشروطها وأحكامها المستقرة والمتعارف عليها منذ استقلال لبنان أيا تكن الآراء المأخوذة على تلك الشروط والأحكام، ومن ثم العمل على تطويرها بالوسائل السلمية فقط ضمن ذات شروط اللعبة وأحكامها المستقرة، أي بعيدا عن المجابهة والحسم العسكري تحت أي شعار كان.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هل يمتلك أي من التحالفين المهزوم “8 آذار” والمنتصر “14 آذار” على السواء القدرة على تحقيق عناصر المعادلة الأربعة المتقدم ذكرها؟
هنا بالتحديد يكمن مربط الفرس في رسم طريق خلاص لبنان من محنه المستديمة منذ اندلاع الحرب الأهلية المجنونة قبل 30 عاما ونيفا (1975)، فأيهما تتوافر لديه القدرة على تحقيق عناصر تلك المعادلة الصعبة؟ تكتل “14 آذار” المنتصر أم تكتل “8 آذار” المهزوم؟
إن المتفحص المتمعن جيدا ولو بقليل من التجرد والموضوعية في طبيعة القوى السياسية التي يتشكل منها كلا التحالفين وهوياتها السياسية والدينية وخبراتها في الممارسة السياسية سيخلص إلى صعوبة تزكية أي منهما وحده في القدرة على تحقيق عناصر تلك المعادلة الصعبة في ظروف لبنان الدقيقة الراهنة، ذلك أن ثمة قصورا سنجده بهذا القدر أو ذاك لدى كل منهما في القدرة على تحقيق كامل عناصر المعادلة ولو بالحدود الدنيا. فتحالف “14 آذار” يندرج في صفوفه خليط متنافر جمعته تكتيكيا قواسم مشتركة لوضع حد للهيمنة السورية والرغبة في إبعاد النفوذ الإيراني عن لبنان ووضع حد لطغيان نفوذ حزب الله الميليشيوي في القضايا السياسية المصيرية للبنان التي عادة ما يتغطى سياسيا باسم “المقاومة” لتسويغها، لكنه – تحالف 14 آذار – يفتقر إلى توافق منيع في التمسك ولو بالحد الأدنى من التزامات لبنان الوطنية والقومية، حيث تندرج ضمن تركيبته قوى عرفت تاريخيا منذ سني الحرب الأهلية بعدائها الشديد لعروبة لبنان والتزاماته الوطنية والقومية ناهيك عن تحالفها المفضوح مع إسرائيل وأمريكا، لكن تندرج ضمنه في ذات الوقت قوى وطنية وليبرالية ذات تقاليد وخبرات في الممارسة الديمقراطية.
في مقابل ذلك فإن تحالف “8 آذار” القائم على قواسم مشتركة بين حزب الله الشيعي وتكتل ميشيل عون اليميني ضد خصومه المسيحيين لديه ممانعة كافية وخبرات نضالية في المقاومة الوطنية التي يسميها حزب الله “المقاومة الإسلامية” رغم أن لبنان متعدد الطوائف ونظامه ليبرالي، ولدى هذا التحالف أيضا مواقف مبدئية ضد أمريكا وإسرائيل، إلا أنه يفتقر إلى تقاليد عريقة وخبرات في ممارسة اللعبة السياسية وفق شروطها وأحكامها المتعارف عليها وبخاصة العمود الفقري الذي يقوم عليه هذا التحالف ممثلا في حزب الله الحديث النشأة سياسيا والمعروف بذيليته الكاملة للنظام الإيراني لأسباب مذهبية ودينية معروفة، فضلا عن تحالفه المتين مع دمشق. وبالتالي فمن الصعوبة بمكان إذاً أن يحقق هذا التحالف المصلحتين الوطنية والقومية في آن واحد، وفي مطلق الظروف بعيدا عن تداخل مصالح ارتباطاته بطهران ودمشق تماما مثلما هو من الصعوبة بمكان أن يحقق تحالف “14 آذار” المصلحتين الوطنية والقومية بعيدا عن مصالح وارتباطات قوى أساسية فيه بمصالح الولايات المتحدة أو حتى الارتباطات “السرية” لبعضها بإسرائيل.
وبناء على ذلك فإن المعادلة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تطور مرحلي متدرج طويل الأمد يبدأ من إيجاد توافق وطني لقواسم مشتركة بين التحالفين يحقق تقاسما في السلطة بالتراضي، واحترام من كلا الجانبين لقواعد اللعبة السياسية الديمقراطية المستقرة المتعارف عليها في لبنان، ومن دون تحقيق هذه المعادلة يستحيل على أي من الطرفين، سواء المنتصر أو المهزوم في الانتخابات الأخيرة، أن يقود لبنان بمفرده إلى خشبة الخلاص، ومن دون تلك المعادلة فإن لبنان سيظل مرشحا إلى جولات جديدة من الصراعات التي لا يعلم سوى الله مدى اتساعها وعواقبها.

صحيفة اخبار الخليج
11 يونيو 2009

اقرأ المزيد