المنشور

الاشتراكية بين النضال والاحتيال

ورثتْ الحركاتُ الاشتراكية كل مخاض وتجارب البشر السابقين من أجل التغيير والمساواة الاجتماعية وأحلام العدل، وظهرت الاشتراكية العلمية مفرقة نفسها عن الاشتراكية الخيالية، باعتبارها باحثة موضوعية في سببيات زوال الرأسمالية وسببيات نشوء الاشتراكية.
وقد استطاعت قوى الحضارة الغربية بما فيها من مؤسسات ديمقراطية رأسمالية “شعبية” وشفافية ومن مراقبة وقوى عقول باحثة كثيرة وجمهور متعلم، أن تحد من مخاطر نشوء الاشتراكية بشكل عنيف وعبر انقلابات كارثية ووضعت حدوداً لصراع الفريقين الاجتماعيين: مالكي وسائل الإنتاج والعاملين في هذه الوسائل في ظروف قاسية ولكنها تتغير بنضالهم داخل هذه المجتمعات الصانعة للمؤسسات الوسطى المقاربة بين القوى المتصارعة.
وحين قاربت الفاشية الاشتراكية وزعمت انها جزء منها، بانت إحدى علامات الأخطار المحدقة بالدعوة الاشتراكية “النبيلة” الإنسانية، من التصاق دعواتٍ أخرى بها، وهي دعوات دكتاتورية أسسها أناس منتفخون بالعظمة الجنونية، صرخوا من أجل إنقاذ الفقراء والعمال المأزومين، لكنهم أرادوا إنشاء مستعمرات بعد أن انتهى أو كاد عصر الاستعمار.
في جنون الاشتراكيات الوطنية لدى موسوليني وهتلر نلمح ثأر الأمم المتأخرة عن النمو الديمقراطي، التي لم تشهد تاريخا ديمقراطيا عريقا، وهذا التضخم القومي الهائل المتواري، خاصة لدى ألمانيا الجريح المهزومة من حربٍ عالمية، ومن اقتطاع لأراضيها، ومن جذورٍ عسكرية دموية تشكلتْ في تاريخها التوحيدي، ومن هذه الرغبة المتأججة لديها للثأر والرفعة وسحق الآخرين.
إن أغلب الدعوات “الاشتراكية” هي دعوات قومية، لأمم ولشعوب متخلفة، أو مسحوقة، أو مهانة، تريد العزة والقفز على تخلفها، وتستغلها وتوظفها أحزاب شتى قومية واشتراكية ودينية. وتغدو في دول الشرق مرادفة للتحرر الوطني والتقدم التحديثي، ولكنها تفتقدُ في الاشتراكية ما كان مؤسسا غربيا فيها، وهي شروط الحداثة والعلمانية والديمقراطية والعقلانية. فأغلب دول الشرق وأمريكا اللاتينية تفتقد هذه الشروط، وهي حين تزعم انها سوف تقفز للاشتراكية إنما تقوم بعملية خداع ايديولوجية.
لقد كانت دعوات قومية دكتاتورية غير عقلانية وغير علمانية وغير ديمقراطية، إن تلك المضامين القومية المتوارية توضع عليها طبقات كثيفة من الشعارات الأخرى، لكن القومية السائدة المتوارية المسيطرة تظهر مع نمو البناء “الاشتراكي”. إن روح الاشتراكية في أمريكا اللاتينية هي القومية اللاتينية ذات المذهب الكاثوليكي المعادية لأمريكا الشمالية البروتستانتية الرأسمالية المتفوقة. ويغدو استخدام شعارات رفعة الكادحين من قبيل توظيف قوى الجمهور البسيط لتضحيات جسام وتشكيل رأسماليات لاتينية، مثلما حدث في روسيا والصين.
إن تداخل “الاشتراكية” هنا مع اللاعقلانية والدكتاتورية يتجسد في قيام نخبة صغيرة بتقرير مصير أمم، وهو أمر يتحقق من خلال تنامي القوى العسكرية الباطشة وأجهزة المخابرات وما تفعله من كوارث تجاه الحقوق الإنسانية وتجاه الوعي العقلاني، وتجاه العلمانية، لأنها بعمليات سحق الأديان إنما تقوي أشكالها اللاعقلانية، وتنشئ ديانة عبادة الزعماء، وهي عودة لأشكال بدائية من التدين. ثم هي أشكال تنهار ويعود الوعي الديني المحافظُ العتيق.
لكن “الاشتراكيات” القومية الشرقية خاصة الكبرى منها، المجسدة لسيرورة تطور الأمم العظيمة كروسيا والصين والهند (والأخيرة أسرعت إلى نفض الاشتراكية الوطنية سريعاً)، تؤسس مقاربة لافتة مع الرأسماليات الغربية، فتدخل الرأسمالية الحديثة من الأبواب الخلفية ومن القمع، ومن الفساد الحكومي، ولكن الصراع الاجتماعي لا ينتهي، بل يتمظهر بأشكال أخرى.
إن قيام الاشتراكية يحتاج إلى أسس موضوعية طويلة، لأن احتكار الفوائض الاقتصادية لمجموعات قليلة، ولأمم صغيرة، يفجر تطور البشرية ربما إلى الهلاك العام، وتغدو السيطرة على قوى الإنتاج واستخدامها لصالح الأغلبية مهمة، لكن من خلال أدوات المؤسسات العريقة وقوى الأغلبية وليس من خلال عمل النخب الصغيرة، أو المغامرات.

صحيفة اخبار الخليج
15 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

حتى لا تكون احتفالية سنوية باهتة


 
رفع ديوان الرقابة المالية منذ أكثر من أسبوعين تقريره السنوي لعام 2008 إلى جلالة الملك والحكومة الموقرة ومجلس النواب، وذلك ضمن سلسلة تقارير ابتدأها منذ العام 2003، تحولت معها عملية رفع التقرير تلك إلى احتفالية سنوية ترتفع معها حدة النقد الموجه للسلطة التنفيذية بمختلف وزاراتها وجهاتها الرسمية، نظرا لما تحتويه تلك التقارير في العادة من تجاوزات وقضايا فساد مالي وإداري، تظل في العادة شاهدا على حجم التسيب وانفراط عقد المحاسبة والرقابة الداخلية لدى مختلف تلك الجهات الحكومية، هذا على الأقل ما يقوله التقرير في ثناياه، التي تعج بمواضع مؤلمة حول كيفية التعامل مع المال العام والتلاعب بالقوانين والالتفاف عليها دون أدنى مسؤولية ممن يفترض أن يعنيهم الأمر، يزيدها سوءا التراجع المعيب للدور الرقابي والمحاسبي سواء على مستوى الوزارة أو على مستوى المؤسسة المعنية بالرقابة والتشريع ونعني بها تحديدا مجلس النواب.

فالتقرير أوضح أن غالبية الجهات الخاضعة لرقابة الديوان لا تكترث لملاحظاته المتواترة في العديد من القضايا التي يطرحها، وعدم استجابة الكثير من الجهات لإجراءات الرقابة ولا حتى للقوانين والمواد المحددة فيه، وهي قوانين ملزمة يتم تجاوزها دون اكتراث.

كما أننا لا نفهم ردّات الفعل التي أضحت تنتاب نواب الشعب وكتلهم في مثل هذا الوقت من كل عام، حتى باتوا مضطرين شفاهة لإظهار رفضهم التطاول على المال العام، مستسهلين اتهام السلطة التنفيذية وحتى الصحافة أحيانا! وهم الذين يحتفظون في أدراجهم ومقاعد سياراتهم الخلفية بتلك التقارير منذ اليوم الأول لهم تحت قبة البرلمان منذ العام 2006 دون أن يظهروا ما يمكن أن يشفع لهم بمجرد محاولة ملامسة تلك التقارير الثلاثة التي عادة ما توزع على جميع النواب والكتل ليتسنى لهم تمحيصها وقراءتها، بدلا من أن تترك ليعلوها غبار النسيان والإهمال الذي ميز تعاطيهم معها طيلة أكثر من ثلاث سنوات مضت.

ثلاثة تقارير فيها من التجاوزات والسرقات والتعدي على المال العام وتجاوز القوانين وعدم الانضباط الإداري والمالي، ما يشفع لنا كمعنيين بأمر المال العام مطالبة ديوان الرقابة المالية بممارسة دوره المنتظر برفع قضايا على كل من تسببوا في ضياع عشرات بل مئات الملايين طيلة سنوات من عدم المبالاة، كانت السمة السائدة فيها عدم جدية الكثير من المسؤولين في غالبية أجهزة الدولة تجاه حماية المال العام خاصة وأن تكرار تلك التجاوزات والإهمال قد تسبب ومازال في مراكمة الملايين الضائعة سنة بعد أخرى دون أمل يذكر بتوقف ذلك الهدر المريع لثروات الوطن.

أعتقد جازما أن أكثر من 95% من التجاوزات الواردة في التقرير الأخير تكررت في ما سبقها من تقارير، فإذا أصبح الدور الرقابي متراجعا بل نقول غائبا، ونحن نعرف مسببات ذلك سلفا، فلماذا يغيب دور الحكومة يا ترى وهي المعنية بحماية المال العام؟ فأين هي محاسبة الوزراء والمسؤولين في كل تلك المواقع الرسمية المؤشر عليها سنويا دون انقطاع في تقارير الديوان منذ أكثر من ست سنوات؟! وإذ هم يسكتون متدثرين بلحاف الفساد وشبكاته، فلماذا يستمر السكوت على بقائهم. وما جدوى أن يناقش مجلس النواب – هذا إن تفضل علينا – في فترة وجيزة هي المتبقية من عمره الافتراضي، ثلاثة تقارير للرقابة المالية وثلاثة تقارير أخرى للحساب الختامي، وهو المنشغل – أي المجلس – في ما تبقى له من زمن بمزايدات سوف يحين اجلها وتلميحات بتشكيل مزيد من لجان التحقيق، تحسبا لموسم انتخابي لا شك انه يتطلب صخبا وضجيجا استثنائيا من قبل البعض، فهل المسألة مجرد رفع تقارير على طريقة إبراء الذمة، أم إصلاح الأوضاع وتحقيق المحاسبة والانضباط والتشدد في حماية المال العام؟! أسئلة نطرحها برسم الإجابة عليها ممن يعنيهم الأمر، ويقينا فنحن لا يطربنا أبداً الرقص على ضياع ثروات هذا البلد، أو أن نتخذ من ذلك موسما واحتفالية نلقي فيها جام غضبنا على من يستسهلون التلاعب بالمال العام، حاشا لله، ولكنه الألم الذي يعتصرنا جميعا، فهي مسؤوليتنا كمواطنين ومعنيين بالشأن العام أولا وقبل كل شيء، حيث يصبح السكوت وتمرير تلك التجاوزات الصغيرة منها قبل الكبيرة جريمة لا تغتفر.
 
 
صحيفة الايام
15 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

أسرة الأدباء (10).. الصوت النسائي


 
بذرت فكرة تعليم المرأة الرسمي عام 1928 ، مشروعا جهنميا مناهضا لعالم التخلف والظلام ، مشروعا تنويريا سيصب في الرافد العام من نهر المجتمع البحريني المتحرك ، وبدون التعليم لا يوجد متعلمون، وبدون متعلمين لا تزدهر الثقافة وتتطور ، وأخيراً بدون التعليم والثقافة معا ، لا تتأسس المشاريع الحضارية والإنسانية العظيمة.

في هذا المجال الثقافي والتعليمي سنرى المرأة تقف على مسافة صغيرة بينها وبين الرجل ، في حقبة الخمسينات ، فبعد ما يقرب من ثلاثة عقود من حركة التعليم الرسمي ، سنلمس الصوت النسائي يخرج من صمته ويعلن مواقفه المبكرة ، حيث ازدهار صحافة الخمسينات سيهيئ المناخ لخروج المرأة من جدار البيت ، ومشاركتها في حركة التغيير التي عرفتها المرحلة.

وبذلك وضعت موزة الزائد وبدرية خلفان وشهلا خلفان وبهية الجشي ، العلامات والركائز الأولى لمسيرة انطلقت ولم تتوقف. ومن يقرأ مفردات تلك المرحلة وصحافتها الحالمة يلاحظ كم كانت الأمور متقدمة بقياس الفترة ،  فبعد مقالة روز غريب اللبنانية حول مساواة المرأة بالرجل (1951) فان مقالة بدرية خلفان تكون مكملة للمشروع النسائي النهضوي وهو في باكورة أفكاره ، حيث تركزت المقالة حول أهمية الحركة النسائية (1954) ثم عنوان شهلا خلفان في مقالة ’’ إلى الطليعة الواعية ’’ (1955) وموزة الزايد التي ركزت على الاسم في عنوان مقالتها ’’ دين الحرية ’’ (1955) وهي تحاور أطراف محافظة ومعارضة لحقوق المرأة ، خاصة وان التيار المتشدد هاجمها بتهمة التحريض على السفور!! ولكنها أصرت على مطالبها التي قالت عنها إنها ’’ مطالب عادلة تقرها ابسط قواعد حقوق الإنسان ‘‘.

وبهذه العبارة تكون موزة الزايد أول امرأة إن – لم تكن أول إنسان بحريني – يشير لعبارة حقوق الإنسان في الخمسينات ، والتي كانت غائبة عن ثقافة الشارع البحريني وصارت اليوم كالعلكة. مثلما تكون الشقيقتان خلفان هما أول من ادخل المفردات التقدمية بروحها الماركسي والاممي للصحافة المحلية من منظور الصوت النسائي يوم ذاك حين كتبت شهلا تقول: ’’ فمطالبنا نحن النساء هنا بالحرية تحدد وفق مفهومنا لتحرير مجتمعاتنا من الاستعمار والرجعية وما تخلفه هاتان القوتان من آثار في جسد المجتمع والمطالبة بالحريات وربط مصير الحركة النسائية هنا بمصير الحركات النسائية المماثلة في العالم ’’ .

صوت تجاوز زمنه ولغة كانت متقدمة على عصرها ووعي يثير التساؤل ، هل تمتلك فتيات الثانوية العامة يوم ذاك ، هذا القدر من البلاغة والموهبة والوعي؟ وفي كلا الحالات كانت الأصوات محسوسة وموجودة ومشاغبة خرجت للتظاهرات والمشاركة السياسية ، مما يعزز فكرة إن الصوت النسائي منذ بدايات خروجه من البيت ظل ملتحما بالثقافة والسياسة كمكملين للوعي النسوي.

تناثرت وتتابعت الأصوات النسائية وهي تكتب خطابها دون توقف عبر منابر صحافة الخمسينات ، من اجل حلم المرأة في المساواة والعدالة ، كلما وجدت الفضاء الثقافي والصحفي الذي يفتح لها نوافذه.

ومع عودة الحياة الصحفية في الستينات وولادة أسرة الأدباء والكتاب ، كانت المرأة  حاضرة مجددا ، ولكن هذه المرة بوعي أعمق ورؤية أوسع ومطالب وحقوق متعددة وكبيرة تتسق وروح المرحلة. ولكون المرأة البحرينية ترفض الركون لليأس والاستسلام والتبعية ، فان إعلانها المشاركة في عضوية أسرة الأدباء والكتاب دلالة لتكملة مشاركتها في انتفاضة مارس والتظاهرات الطلابية المستمرة ، وبذلك عبرت عن صوتها الإبداعي هذه المرة إلى جانب كونه صوتا ثقافيا وسياسيا معا ، لنرى الرعيل الأول مثل الشاعرة حمده خميس ، والفنانة التشكيلية والشاعرة إيمان أسيري ، والقاصة فوزية رشيد، ثم الشاعرة فوزية السندي والقاصة منيرة فاضل والشاعرة الشعبية (والفصحى) فتحية عجلان ، لتتواصل الحلقة مع أصوات نسائية شابة أخرى مثل الشاعرتين ، فاطمة التيتون ونبيلة زباري وهلم جرا ، حتى صارت المرأة الصوت المتناغم والمنسجم مع صوت الرجل ، والمختلف بتعبيراته في البنية الثقافية والإبداعية للأسرة ، دون أن تقطع المرأة الحبل السري في علاقتها بالرجل في مضمار التضامن المشترك من اجل ثقافة وكلمة حرة داخل مؤسسة الأسرة وخارجها.

اليوم الأصوات الإبداعية النسائية ، سواء كن أعضاء في أسرة الأدباء أو خارجها، والموجودة في الجامعات والمؤسسات ، قد باتت كلها مشروعا من مشاريع ثقافتنا المعاصرة وجزءاً لا يتجزأ من مسيرة البحرين الثقافية والسياسية ، فكن صوت الثقافة المعارضة منذ انطلاقة الأسرة ، حيث الحركة التعليمية الواسعة والمتطورة ستقدم لنا اصواتا نسائية مثقفة في الصحافة والإعلام والسياسة والاقتصاد والمال والأعمال ، المرأة النقابية والطبيبة والمحامية والمهندسة ، والموظفة التكنوقراطية ، التي تقف في السلالم العليا من إدارة المؤسسات ومراكز البحوث والجامعات.
غير إن نساء أسرة الأدباء وفكرها وتوجهاتها الحداثية ، هم ليسوا نساء الفكر المنقب ولا نساء الفكر الظلامي ، فساحة الثقافة المتحررة والتنويرية في مجملها طاردة من الناحية الموضوعية لمثل ذلك الفكر وذلك الإبداع الثقافي (كما تعكسه الأعمال الأدبية ومضمونها الأوسع من المظاهر الخارجية للإنسان )، مما يجعل صوت المرأة الإبداعي أمام رسالتها التاريخية في رفد حركة التنوير والنهضة ، يدا بيد مع الرجل لبناء بحرين المستقبل ، بحرين جديدة ومختلفة في إنسانها وكلمتها وشعاراتها كما هو شعار ’’ البحرين أولا ’’ كوطن يسمو ويتسامى على جراحه وفوق الطوائف والعصبيات المقيتة وضد كل أشكال النعرات المريضة.
 
 
صحيفة الايام
15 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

للفجـر مــوّال…!


 


أيام أحمد الشملان 
 



                   للفجــر مـــوّال  …!                                       



  حـيـن الـذي بـالـقـهـر غــنـّّى الـشـمـالـي وهـبّ


أثـبـت فـسـيـل الـوفـا فـي أرضـه عـرقـه وهـبّ


يـعـطـي ثـمـر شـيـمـتـه ولـلـنـاس عـمـره وهبّ


               ولـد الـوطـن بـالـوعـي فـي قـلـبـه شـايـل وطـنْ


               إشـمـا سـود كـيـد الـلـيـالـي فـوق عـزمـه وطـنْ


               مـا هـمـّه قـيـد وظـلم.. والعـدو إشيـفـعـل  وطـنْ


        لـلـجـبـهـه ..لـجـل الشعـب أحـمـد حـيـاتـه وهـبّ 
  




 

         عبد الصمد الليث 
        9 نوفمبر2009

اقرأ المزيد

وجوه أحمد الشملان المتعددة


أي وجه من وجوه أحمد الشملان علينا أن نقارب؟

وجه المناضل الصلب العنيد، وجه الشاعر والأديب المرهف، وجه الكاتب الصحافي في سجالاته الجريئة، وجه المحامي الذي يصعب أن تفصل بينه وبين داعية حقوق الإنسان الذي جعل من المهنة وسيلة دفاع عن الحرية والحق؟

أحمد الشملان هو كل ذلك وأكثر، انه ذلك التكوين الإنساني العجيب في نسيج واحد وان تعددت أوجهه. ويمكن لنا أن نتحدث عن مراحل الشملان العمرية وتحولاته السياسية والفكرية، عن أحمد الشملان الشاب اليافع وأحمد الشملان وقد أنضجته التجربة الحياتية والنضالية والإنسانية، ولكننا في كل الأحوال سنظل أمام تلك الروح النضالية المتقدة التي ظلت كما هي دائما.

طور أحمد الشملان مواقفه السياسية والفكرية تبعاً لتجربته الغنية، ولكن من موقع الالتزام النضالي العميق، وهو في هذا التطوير إنما كان يعمق خياراته السياسية والفكرية والنضالية والإنسانية، وينفتح على آفاق أرحب في الفكر وفي الحياة وفي النضال ذاته.

التجربة النضالية هي دليل الشملان الى الوعي، حين حول انحيازه الوطني الذي جبل عليه منذ صباه إلى عملٍ سياسي نضالي واع منظم، وحين أدرك أن لا حركة ثورية دون نظرية ثورية، وقرن هذا الإدراك بالفعل، فأثرى ممارسته النضالية بالوعي النظري، وحين جعل من هذا الوعي عملاً نضالياً لا ترفاً تنظيرياً. 

 لا يمكن كتابة تاريخ الحركة الوطنية الحديث دون الوقوف أمام دور أحمد الشملان الشجاع والمتفاني في نضال هذه الحركة، فعلى الدوام كان أحمد الشملان في قلب النضالات الوطنية والعمالية والنقابية، منافحاً عنيداً عن حقوق الشعب، ولم يتردد أو يتوانى لحظة في دفع ضريبة ذلك بالسجن أو النفي، دون أن يفت ذلك من عضده، ودون أن تهون إرادته أو تضعف.

سنجد أحمد الشملان،  هذا المناضل والإنسان الصلب ، حاضراً بعزيمته الفولاذية في نضالات الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات، وسنجده حاضراً في ظروف اليوم بمكانته الكفاحية والمعنوية العظيمة على رأس  المنبر التقدمي، حيث لم يمنعه مرضه من أن يكون حاضراً معنا في أنشطتنا وعملنا اليومي ملهماً ومعضدا، منه ومن سيرته نتعلم.

و إلى ذلك كله، فان أحمد الشملان هو الشاعر والأديب المهتم بالنقد والمسرح وصنوف الكتابة الإبداعية الأخرى، والكاتب اليومي في الصحافة المحلية والخليجية، الذي من خلال كتابته تصدى لمعالجة قضايا النضال من أجل الديمقراطية في البحرين وفي بلدان الخليج الأخرى، وكذلك نضال الشعوب العربية ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية، متابعاً ومُحللا أثر المستجدات الدولية والإقليمية على هذا النضال، دون أن تتزحزح قناعته في عدالة القضية التي يناضل في سبيلها، ودون أن يفقد ولو للحظة التفاؤل في المستقبل، لأنه، في نهاية المطاف، لا يصح إلا الصحيح.

وأحمد الشملان هو أيضاً الإنسان المرهف المحب للموسيقى والفن، الذي كتب كلمات الأغاني والأناشيد  الوطنية والابرويتات الغنائية التي قُدمت في الكثير من المناسبات، لذلك فان تنوع فعاليات “أيام الشملان” يبرز ما في شخصيته من تنوع إبداعي ونضالي وإنساني.

أحمد الشملان، الذي نفخر بكونه الرئيس الفخري لمنبرنا التقدمي قامة من قامات هذا الوطن، بشموخ نخيل البحرين وكبريائها، في شخصه تتلخص مآثر جيل من قادة ومناضلي الحركة الوطنية البحرينية، وفي عطائه الإبداعي نلمس ذلك الوهج الإنساني الذي أضاء عتمة الوطن في مراحله الصعبة، لذا فان الاحتفاء به هو احتفاء بكل القيم والمعاني التي يختزنها شخصه، وهو إبراز للبديل الديمقراطي الذي عليه تنعقد الآمال في المضي بوطننا نحو آفاق التغيير الحقيقي المنشودة، آفاق البناء الديمقراطي الحقيقي والمساواة والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية.

 

اقرأ المزيد

إيـــلاف أحــمــد…!




  أيام أحمـد الشـملان
 

 
إيـــلاف أحــمــد…!

تـَضــرّج بـالـهــمّ مـسـتـبـسلا.ً..
تـَلـحـّف بـالـجَـلَـَـد ِالـمُـجْـتـبـى…
تـسـلـّق سـورَ الـغـيـــومْ…
يـقـود نـجـوم َالـعـذابـات ِشَـوقـاً…
إلـى شـاطـئ الـفـجـر ِلـلأرخـبـيــلْ
يـحـرّضُ عـشـق َالـنـوارس ِلـلـسـنـبـلاتْ
فـحـيـن اعـتـلـت ســدة َالـغــاشـيــة ْ…
ثـقــوب ُالـمَـمـات.ْ..
وأطـبـق َصـمـت ُالـدُجـى واجـمـا ً
طـفـا الـخـوف ُفـوق َوجـوه ِالـذوات.ْ..
ولاذ َبـصـبـر ِالـجـذور ِرعـيــل ُالـثـقـات ْ
فـثـبـّـّت أحـمـدُ أقــدامـهُ…
عـلـى حــومــة ِالـصـدق ِوالـعـاديـات ْ
يـسافـرُ فـي حـلـمــه ِالـمُـسـتـبــاح ْ
يـفـاوت ُخـطـوَ الـبـدايـات ِنـحـو مـسـار أصـيــل ْ
فـآنس مـن جـانـب الـحـب بـشـرى ( جـتـوب ْ)
وإذ غــادر الـذات مـسـتـبـصـرا ً…
يـلـمـلـم جـرح الـنـخـيــل.ْ..
فـتـرقـص فـي نـبـضـه حــرقـةَ ٌُ…
فـصـار الـمـحـامـي …
وحـبــر الأمـانـي …
وطـعـم الأغــانـي…
وصــار الـفـتـيــلْْ
وصــار الـعـَـلامـَـــة َعـنـد الـسَـبـيــل ْ
 مـنــار الأبــاة  ْ 
لـيـسـتـشـرف الـغـد فـجـرا ً جـمـيـــل
ْ
عبدالصمدالليث
2009/11/8
  

اقرأ المزيد

ماذا بعد سقوط جدار برلين؟


عشرون عاماً على سقوط جدار برلين، منذ عام 9/11/1989، بعد أن تدفق المئات وربما الآلاف من مواطني، ما كان يعرف بألمانيا الديمقراطية أو ألمانيا الشرقية،فبعد الذي حدث بسقوط ذلك الجدار، رفعت النخب الحاكمة في بعض البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية الكؤوس، احتفالاً بالنصر، فالذي لم يتحقق من خلال الحروب المباشرة أو بالوكالة، تحقق سريعاً. 

 هل كان حلماً لهؤلاء السادة من الحكام والرؤساء ما تحقق، هل انتهت بالفعل حقبة الحرب الباردة بسقوط الجدار وتوحيد شطري برلين، وإعادة  ألمانيا الموحدة، هل انتصرت القيم والمبادئ الرأسمالية، هل بدأ عالماً جديد يتشكل، هل هي البداية، لكي تتدرج الكرة، وبهذا الشكل السريع، وتنهار وتتساقط أحزاب دول المنظومة الاشتراكية الحاكمة، في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات؟ 

 من المسئول عن ذلك السقوط المدوي، من الذي جعل المفكر الأمريكي من أصل ياباني، “فوكاياما” يصدر كتابه نهاية عصر الأيديولوجية، معلناً انتصار الرأسمالية على الاشتراكية، وبداية ما يعرف بموجة الليبرالية أو النيوليبرالية في العالم، والتبشير بإقامة أنظمة “ديمقراطية” تزعم احترام حقوق الإنسان والقانون؟ 

 وكان للقطب الأوحد في العالم، أي الولايات المتحدة الأمريكية الدور الأبرز، ولا سيما في البلدان الجديدة الناشئة، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ساعدت السادة الجدد الذين كانوا يتسابقون من أجل نيل رضا الأمريكان ودعمهم السخي، يحار المرء، هل أسباب ذلك،  هل تكون في انعدام الديمقراطية السياسية وتفشي الفساد والمحسوبية في الأحزاب الشيوعية الحاكمة سابقاً في بلدان المنظومة الاشتراكية، واحد من تلك الأسباب، أما وصول ميخائيل غورباتشوف إلى منصب السكرتير العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي في عام 1985، وتطبيق سياسته الجديدة التي نادى بها، وهي البيروستيريكا والغلاسنوست، أي المكاشفة أو المصارحة والشفافية، وما أثارته من سجال داخل الحزب الشيوعي السوفيتي، والأحزاب الشيوعية والعمالية في العديد من بلدان العالم، من رفض وتأييد، واتضحت نتائجها السلبية فيما بعد،وساهمت في وصول المافيا لسدة الحكم في روسيا في عام 1990 ؟

أم هي آثار الحرب الباردة، وما تركته على اقتصاديات الدول الاشتراكية بما فيها الاتحاد السوفيتي لتخلق لها المزيد من الأزمات والمشاكل، أو توجد أسباب أخرى لم يكشف عنها، ساهمت في ذلك الانهيار الكبير؟ 

 ربما يقول قائل، ما جدوى تلك التساؤلات، بعد عشرين عاماً على السقوط المدوي، الإجابة ببساطة، ودون تنظير، إذا كان خيار الرأسمالية أو شبه الرأسمالية لتلك النظم السياسية الجديدة في أوروبا الشرقية وبلدان الاتحاد السوفيتي سابقاً، فالبلدان الأوروبية، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية، أصابتها أزمة مالية في العام الماضي، ولا زالت تعاني منها، بعد مرور عام على تلك الأزمة، وربما تتفاقم الأوضاع إلى الأسوأ في الأعوام المقبلة، وهل توجد مؤشرات في انتعاش الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي والعالمي، أو سوف يستمر بالركود، بالرغم من ضخ مليارات من الدولارات من اجل انقاد العديد من البنوك والمؤسسات التي أعلنت إفلاسها، قبل ان تنهار بالكامل. 

 هكذا تدخلت الدولة، بمفهوم “الدولة المركزية” والتي ظلت الماكينة الإعلامية للدول الرأسمالية، تؤكد على أهمية اقتصاد السوق وان لا تتدخل “الدولة المركزية”، وهكذا تدخلت “الدولة” لتبرهن من جديد بأنها قادرة بأن تحمي الرأسمال المالي والاحتكارات الصناعية والمالية من الانهيار، اقتداءاً بما حدث في بداية القرن العشرين، وتحديد في أعوام 1929 إلى 1932، عندما حدث الركود الكبير لتلك البلدان الرأسمالية، قبل الحرب العالمية الثانية. 

 يقول البعض من مروجي الفكر الاقتصادي الرأسمالي، بأنها دورات تحدث ما بين حين وآخر وسوف تخرج منها البلدان الرأسمالية أقوى، وتعيد بناء اقتصادياتها بشكل أفضل، ولا يعترفوا بان الأزمة المالية العالمية أدت لتراجع معدلات النمو في الاقتصاد العالمي، مما أدى إلى حدوث العديد من المشاكل، ليس في البلدان الرأسمالية بل في البلدان النامية والفقيرة، ويمكن الرجوع للعديد من التقارير والإحصاءات الصادرة عن مؤسسات ومنظمات دولية تهتم بهذا الموضوع الاقتصادي والمالي الذي اثر على اقتصاديات معظم بلدان العالم.
وبالمقابل ازداد الاهتمام بكتاب كارل ماركس “الرأسمال” ودراسة منهجه الديالكتيكي في كيفية التعاطي مع الاقتصاد الرأسمالي، والبديل الذي يطرحه، مثلما قال الكثير من الكتاب، ماركس يعود من جديد.

وبكلمات نقول لا يمكن لعلم يعتمد على الديالكتيك في فهم طبيعة الأشياء، بان ينتهي، بل انه يجعل من الباحث والمهتم، بان يطور تحليلاته واستنتاجاته بناء على تلك المفاهيم والمعارف العلمية.

وتبقى أفكار ماركس وانجلز ولينين، تثير الجدل في الآلاف والملايين من الناس في أنحاء المعمورة، نحو غد أفضل.
 

اقرأ المزيد

حرب صعدة.. إلى أين؟

في أساس الفهم الحوثي للحقيقة كان البدء: »منتدى الشباب المؤمن«، وكان ذلك قبل تأسيس »حزب الحق« بعد الوحدة 1990، وكلاهما يحملان تأملات »مذهبية ودينية وسياسية«؛ فشعارهم كان ولايزال: »الله أكبر.. الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود والنصارى!«.. كرة الثلج هذه بدأت تكبر كلما تدحرجت حتى لجأت إلى الجبال، وبعد نهاية الحرب الأولى شكا الحوثيون من »مضايقات وملاحقات وفصل من وظائف قامت بها السلطة«. انتهت الحرب الثانية والشكوى ذاتها بزيادة: زُج كثير منهم في السجون، وتم اغتيال البعض، وهكذا، الحرب الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة هذه التي دخلت شهرها الخامس من دون أفق لحلحتها، بقدر تعقيداتها ليس اليمنية فحسب، بل الإقليمية أيضاً بدخول السعودية وإيران على الخط.
هدنة ثم انتكاسة.. حوارات مكثفة لإنزال »كرة الثلج من الجبال« وتذويبها، لكنها في النهاية تصطدم بـ »فحوى ضمانات عودة الحوثيين إلى مناطقهم«، وسط شحن مذهبي وطائفي وبُعد إقليمي من خلال استراتيجية »الأرض المحروقة«، ومعالجة »الخطأ بالخطأ« من دون »فرملة« تذكر من كلا الطرفين المتنازعين، حتى وصلت الأمور بأقصى درجاتها في خطاب الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الأخير بقوله: »إن الحرب مع المتمردين الحوثيين لم تبدأ إلا منذ يومين«، وإن ما كان يجري في ست سنوات من القتال ليس »سوى بروفات ومناورات«، في إشارة إلى دخول العربية السعودية الحرب لمنع المتسللين إلى أراضيها أثناء اقتحامهم جبل دخان، وما تلا ذلك من تصعيد لحرب صعدة، وما ترتب عليها من بُعد إقليمي بعد أن كان بالإمكان حل هذه الأزمة بصيغتها الوطنية الصرفة عبر الحوار بين العقلاء وأهل الحكمة الذين تشتهر بهم اليمن، ولا حاجة لأقلمتها أو تدويلها، أو دخول لاعبين جدد فيها تتقاطع مصالحهم، ويكون بالتالي اليمنيون الخاسر الأكبر فيها.
حرب صعدة بطبيعة الحال، لم تكن »بروفة أو تدريبات عسكرية بدأت منذ يومين«، وإلا لم يسقط خلالها عشرات آلاف الضحايا من القتلى والجرحى والمشردين الذين تقطعت بهم سبل الحياة المستقرة، وإهدار مليارات الدولارات من قوت الشعب اليمني الفقير (اليمن من أفقر بلدان العالم) لشراء السلاح والاقتتال به بين الإخوة اليمنيين، بدل صرفها على التنمية ورفاهية الناس وازدهارهم.
ومثلما شعار الحوثيين ينضح بالكراهية بين الأديان والأمم، حتى بتعبيراته السلمية، فإن آلة الحرب عقيمة وكريهة أيضاً، مثلها مثل شعارها: »الأرض المحروقة«، ولا يمكن أن تكون حلاً مهما اختلف أو اتفق الناس على مسبباتها.
أمام اليمن خياران: إما وقف الحرب الفوري وحقن دماء اليمنيين والحؤول دون أقلمة الحرب وتدويلها، أو معالجة الأزمة في »إطارها الوطني الطبيعي على طاولة الحوار الوطني الجاد والشامل الذي لا يستثني أحداً، وبما يفضي إلى تسوية وطنية إنقاذية شاملة، تحفظ سلامة اليمن ووحدته وأمنه واستقراره كجزء لا يتجزأ من أمن وسلامة واستقرار شعوب المنطقة«، وفق رؤية تكتل أحزاب »اللقاء المشترك« المعارض، فأية كفة ستنتصر على الأخرى؟.. فلننتظر لنرى.
 
صحيفة الوقت
13 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

الخيال والواقع في الأديان

تعتمدُ الأديانُ على الخيالِ غالباً، لأنها تشكلت منذ أكثر من أربعين ألف سنة على فكرتي الأرواح الخيرة والأرواح الشريرة، فهذا السديمُ من الصورِ والمعاني يشتبكُ غالباً بالواقعِ ومشكلاتهِ من حروبٍ وأمراضٍ وصيدٍ وزواج الخ.
بداياتُ الأديان هي بداياتُ الانتقالِ للحضارة، وهي لا تعدو أن تكون 1% من التاريخ البشري، وقبلها ملايينٌ من التاريخِ المجهول للإنسان، حسبما يقول فراس السواح.
ولهذا فإن فرزَ الجمادِ من الروح كانت ثورةً فكرية كبرى! حيث انفصل عن الإنسان عن الحجر والنهر والغابة ولكن ليس بشكل كلي، فإلى مدى طويل ستظل الأشياءُ ذات قوى روحية أو أرواحية، وسيظل الإنسانُ هذا الكائنَ الهشَ المعلقَ في خشبةِ الوجودِ السائرة في الأنهار.
وتتوجه الإراداتُ البشرية لطلب المساعدة من هذه الأرواح، مرة بالخير ومرة بالشر، وتصيرُ الآلهةُ نمطين مثلهما، آلهة تحكمُ بالخير وللخير، وأخرى للشر وبالشر.
وهذه المعاني العامة سنجدُها لدى البوذيين أو الهنود الحمر. وكلما تطورتْ الحضارةُ أخضعت الأفكارَ الدينيةَ للتقاليد والمواصفات الاجتماعية وللمؤسسات السياسية.
ونظراً لكونِ الأفكار الدينيةِ متصلةً بعالمِ الأرواح فهي تبقى غامضةً، متعددةَ الرؤى، مختلفةَ التفاسير، ويتيحُ لها ذلك النمو التاريخي، العقلاني مرة، وغير العقلاني مرة أخرى. وأن تقع في قبضاتٍ مختلفة، وإرادات متناقضة، وتصيرُ مرة للبناء ومرة للهدم.
ليس في عالم الأرواح تجريب وبرهان، ويقول صانعو الأديان إنهم يسمعون أصواتاً، وان نداءات تأتيهم، وإن رسائلَ بُعثتْ لهم، وآخرون يقولون إنهم شاهدوا أحلاماً، وكل هذا يجري في السديم الغامض، في عالم الأرواح، حتى تبدأ الكتابة الملموسة للدين من خلال الكلمات، والقوانين، سواءً كانت في ورقٍ أو حجر، ويتحولُ الغموضُ الخارجي الفوقي السماوي أو الأرضي، إلى جماعةٍ أو إلى نصوصٍ أو عبادات أو أوامر ونواهٍ اجتماعية.
عالمُ الأرواح الذي يتم التراسلُ معهُ أرضياً وبشرياً والمتسم بالغموضِ واللاتحدد من المستحيل أن يعطي رسالةً واحدةً، وكما أن الأرضَ ذاتَ خرائط وأصواتٍ مختلفة، فكذلك فإن الرسائلَ تتباين، وتتعددُ الأديان.
يعزلُ عالم الأرواح مع تصاعد المؤسسات الدينية والسياسية، إن عالم الأرواح الغامض لابد من السيطرة عليه اجتماعياً، وأن يكون الدين مؤسسةً ثم مؤسسات، حسب تنازع القوى والمؤمنين أو تآلفهم، إن الأرواحَ الخيرةَ هي التي تتجسدُ في المؤسسة الدينية، لأن الدينَ في غاياتهِ الأولى كان بهدف خير، فقد كانت الرسائل الدينية تظهر لدى قادة روحيين مضحين، يشقون طرقاً لتطور البشر. فالرسالةُ في حدِ ذاتها تضحية، وبطولة، ولكنها تصيرُ مؤسسةً، وتنحازُ لهذا الطرف الاجتماعي أو ذاك، فينقسم الدينُ ويصير مذاهب وحركات سياسية واختلافات.
الركائز الأولى للدين من ألوهية وانقسام للأرض والسماء والدنيا والآخرة وغيرها من ركائز تصورية كبرى، هي ركائز عرفتها البشريةُ كلها، حتى من دون أن تتشكلَ علاقاتٌ مباشرةٌ بين بعضِها بعضا، وهي تقومُ على أساسِ التضاداتِ الكبرى في الحياةِ البشريةِ غيرِ الممكنِ ردمها أو إزالتها. التناقضُ بين الحياة والموت، وهو أكثر التناقضاتِ رهبةً وبقاءً للجنس البشري والحيواني عامة. التناقضُ بين الوجودِ والعدمِ هو من أكثرِ المناطقِ خصوبةً لإنتاجِ الوعي الديني، والأفكار عامة، وهو الذي بدأَ تحريكَ الوعي باتجاه أن يكون الكائنُ النسبي مطلقاً، والعابرُ أبدياً.
وكذلك هناك التناقضُ بين الأرضِ والسماءِ، وهو شكلٌ آخر للتناقضِ بين الإنسانِ والوجود، ثم التناقضُ بين الحاكم والمحكوم وهو التناقضُ المولدُ للحركةِ الاجتماعية، ويتداخلُ مع التناقضين السابقين في توليدِ التصوراتِ وفي نسجِها بين الخالد والعابر، بين الفقير والغني، بين اللاموجود والموجود.
تنقشع ضبابيةُ الأرواح لدى المؤسسات، التي تحيلُ الدينَ لنصوصية قانونية وراءها العقوبات والسجون، والتقاليد، والحلال والحرام، وعلى مدى وجود العناصر العقلانية القارئة للآلام البشرية وحاجات العاملين أو عدم وجودها، تتحدد تطورات الأديان، بين ازدياد للعقلانية أو هجوم للجنون، فالحياة الاجتماعية تولد سلاسلَ من التطورات الدينية واللادينية، من الفرق المتبصرة أو (من الهلوسات)، ومن التخصصات الدينية المدققة العاكفة على التطور التدريجي، ومن النصوصية الجامدة المريضة، ومن هجوم الفرق السياسية على الدين واختطافه من حياته العبادية العادية، إلى حماية الدين بإبعاده عن التجارة والحروب السياسية.
 
صحيفة اخبار الخليج
13 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

انتخابات الغرفة والبعد عن الطائفية


انتخابات مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين للدورة 27 المزمع إجراؤها في السادس عشر من الشهر الجاري تمثل نموذجا مشرفا لما يجب أن تكون عليه عملية الانتخابات في البحرين, فقد استطاع التجار لدينا الابتعاد عن النفس الطائفي من خلال تشكيلهم لكتل انتخابية مشتركة بين الطائفتين حتى أن الكتلتين الانتخابيتين اللتين تم تشكيلهما حرصتا على أن يكون للمرأة نصيب في مجلس الإدارة المقبل للغرفة ولذلك حوت كتلة «الاقتصاديين» مرشحة في حين أشركت كتلة «بناء المستقبل» مرشحتين.
 
لا يهم إن استطاعت المرشحات أن يحصلن على العدد الكافي من أصوات أعضاء الغرفة, كما لا يهم إن كان بعض الأعضاء سيصوتون للمرشحين على أساس طائفي, ما يهم هو أن فئة من المجتمع استطاعت أن ترتقي فوق الخلافات المذهبية والتخندق الطائفي للدفاع عن مصالحها كطبقة في المجتمع البحريني.
 
إن طبقة التجار أو ما تسمى «بالطبقة البرجوازية» في الخليج تشكلت في وقت مبكر جدا قياسا بالطبقات الأخرى كالطبقة العاملة أو الطبقة المتوسطة ولذلك فإن فئة التجار «أو الطبقة البرجوازية» هي الأكثر تماسكا وتنظيما ولأنها الأكثر ثراء فكانت هي الأفضل تعليما – فغالبية أبنائها درسوا في المدارس الخاصة في البحرين وأكملوا دراستهم في أعرق الجامعات العالمية – ولذلك فإنهم الأكثر وعيا والأكثر انفتاحا على الثقافات الأخرى والأقدر على تقبل الآخر.
 
الأمر الثاني هو أن غرفة تجارة وصناعة البحرين هي من أعرق المؤسسات الديمقراطية ليس في البحرين فحسب وإنما في الخليج بشكل عام, فمنذ تأسيس جمعية التجار في البحرين في العام 1939 – أي قبل تشكيل حتى التنظيمات السياسية المعارضة – كان مجلس الإدارة ينتخب بشكل ديمقراطي تماما في حين أن غالبية الغرف التجارية في الخليج يتم تعيين مجالس إداراتها من قبل الحكومات, ولذلك فإن الممارسة الديمقراطية على مدى السنوات الماضية قد خلقت تجربة غنية لدى أعضائها.
 
الأمر الوحيد الذي يمكن أن يؤخذ على تشكيل الكتل الانتخابية في الغرفة هو طابعها الطبقي «إلا ما نذر ولأسباب موضوعية», فالكتلة الرئيسة «كتلة الاقتصاديين» اقتصرت في تشكيلتها على كبار التجار ورجال الأعمال واستبعدت ممثلي المؤسسات الصغيرة على الأقل, وكذلك فعلت كتلة بناء المستقبل في استبعادها المؤسسات الصغيرة من تشكيلتها وإن كان أغلب أعضائها يمثلون المؤسسات المتوسطة الحجم.
 
الوسط  10 نوفمبر 2009م
 

اقرأ المزيد