المنشور

تـونــــس


ثمة مدن تثير فضولك حتى قبل أن تراها. غالباً ما تحاط مثل هذه المدن بسمعة أو بحكايات وأحياناً بأساطير. أظن أن تونس واحدة من هذه المدن، فمنذ المدرسة ومنذ أغنية فريد الأطرش الشهير نحن نعرف أن تونس خضراء، وما أن يذكر اسمها حتى تلحقه الصفة تلك.

تونس، إلى ذلك، تذكرك دائماً بقرطاج، لا أعني مهرجان قرطاج الشهير، وإنما أعني تلك الحضارة المزدهرة منذ القرن الثامن قبل الميلاد، يوم فرت الأميرة المشرقية الشهيرة “أليسا” من مدينة صيدا بلبنان واجتازت مياه البحر المتوسط لتؤسس على ضاف قريبة من تونس المدينة اليوم، حضارة بلغت شأناً في الفنون والآداب والعمارة، لقد صور عبالحليم كركلا حكاية هذه الأميرة الشهيرة في عمله الجميل عنها.

وتونس أيضاً هي ابن خلدون، العلامة العربي الشهير الذي ولد في تونس في القرن الرابع عشر الميلادي، ومن هناك بدأت حياته الفكرية الثرية التي ما زالت تثير الجدل حتى اليوم، ووضع قواعد منهج متكامل في دراسة تاريخ الشعوب وتطور مجتمعاتها ما زال علم الاجتماع الحديث ممتنًا إليه في الكثير من أحكامه واستنتاجاته. وما زال تمثال ابن خلدون في وسط الشارع الرئيس في العاصمة تونس أمارة اعتزاز التونسيين بانتساب هذا الاسم المضيء إلى بلادهم.

المسافة بين المخيلة والواقع هي دائمة مسافة يعتد بها، ولكن الصورة التي في الذهن عن تونس إنما تتأكد بالمشاهدة، هذا على الأقل ما شعرت به شخصيا وأنا أقضي أياماً في تونس .. البلد الوديع الذي ينبسط طويلاً على البحر الأبيض المتوسط وتغتسل ضفافه بمياهه اللازوردية التي تزداد توهجًا وإشراقًا تحت أشعة الشمس التي تتمنى المكوث تحتها وهي تبعث شعاعها الدفيء الرحيم.

هو نفس البحر الذي اجتازته “أليسا” بقرون ثمانية قبل ميلاد المسيح لتؤسس قرطاجانة التي مجد “أرسطو” لاحقًا دستورها الديمقراطي واعتبره أرقى من دستور أثينا. وهو نفس البحر الذي اجتازه القائد الإسلامي “عقبة بن نافع” في طريقه إلى القيروان في القرن السابع الميلادي ومن هناك اجتاز أراضي المغرب العربي واصلاً حدود المحيط.

وفي القيروان مازال الجامع الكبير الذي يحمل اسم هذا القائد العربي الذي بناه جامعاً فيه التناسق البديع بين الفنون المعمارية الشرقية والغربية. والبحر المتوسط هو نفسه البحر الذي اجتازه العرب الفارون من الأندلس بعد سقوط الدولة الإسلامية هناك، فجاءوا إلى تونس وسواها من بلدان المغرب العربي حاملين معهم العناصر الحضارية المدهشة التي أثرت التكوين الحضاري والثقافي المحلي.

كانت تونس بالنسبة للعرب باباً إلى أفريقيا المزدوج الكلمة، بالمعنى الجغرافي المباشر، وبالمعنى المجازي لأن تسمية “أفريكا” التي تطلق على القارة بكاملها اليوم إنما كانت في الأساس اسم تونس.

ولكن جمال وفرادة تونس إنما يكمنان في ذلك التزاوج بين العناصر الحضارية والثقافية القادمة من أفريقيا وأوروبا ومن الحضارة العربية الإسلامية ومن حضارات فينيقية ورومانية تضرب بجذورها بعيداً.

تونس مدينة مثيرة للفضول قبل الرؤية، ومثيرة للدهشة بعدها.

اقرأ المزيد

يوم سقوط غرناطة

لا ينفصل الموقف الرسمي العربي الراهن البالغ التردي سواء تجاه القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية المصيرية المعاصرة أم تجاه مجمل القضايا الوطنية الآنية القطرية وعلى الأخص القضايا المتصلة بالاصلاحية السياسي والاقتصادي ومن ضمنهما رفع سقف الديمقراطية الآخذ في التدني ومجمل الحريات العامة وتحسين الاحوال المعيشية للسواد الاعظم من الشعوب العربية..
نقول لا ينفصل هذا الموقف عن موقف اللامبالاة من القضايا الثقافية المتصلة بتاريخ العرب وحضارتهم وثقافتهم وتراثهم، سواء على الصعيد القطري أم على الصعيد الدولي.
فمن يخذل شعبه في حقوقه وينكث بوعوده لتحقيقها ومن يخذل امته في قضاياها المصيرية القومية المشتركة كيف يتوقع منه ان يكون عاشقا او محبا لتراثه وتاريخه الوطنيين؟ وكيف يتوقع منه ان يكون مهموما ومباليا بأي قضية ثقافية او حضارية دولية تتصل بتاريخ وحضارة امته؟ لا بل من الاولى وهو كذلك ان يعتبر مثل هذه القضايا ترفيه أو “كلاما فارغا” لا معنى له، وبالمثل فمن الطبيعي أيضا ان يكون موقف الجامعة العربية مرآة وامتدادا لمثل تلك المواقف المتخاذلة لدولها كافة.
وإذ نسوق هذه المقدمة التوضيحية المطولة بمناسبة تجدد الغياب العربي رسميا وشعبيا معا من قضية الاستفزاز الاسباني السنوي المتمثل في الاحتفال بيوم الثاني من يناير من كل عام باعتباره اليوم الذي سقطت فيه آخر مملكة عربية في الاندلس عام 1492 ألا هي “مملكة غرناطة” حيث تحتفل هذه المدينة بهذا اليوم كيوم عيد وعطلة رسمية وتجرى فيه احتفالات على اوسع نطاق، ومن ذلك انطلاق موكب محاط بأفراد من رجال الجيش يطوف شوارع المدينة الرئيسية وصولا إلى الكنيسة التي دفن فيها الملكان اللذان سقطت على ايديهما مملكة غرناطة العربية: الملكة ايزابيل وزوجها فرناندو، وهناك يتم وضع اكليل من الغار والزهور على القبرين.
وكما هو حال الموقف الرسمي العربي المتخاذل من القضية الفلسطينية حيث باتت الانظمة العربية لا تجد حرجا من التفرج على وقوف الكثير من انصار القضية الفلسطينية في العالم وحدهم يذودون عنها ويطالبون برفع الحصار عن غزة، فكذلك هو الحال من وقوف جماعات ومؤسسات مدنية اسبانية شريفة مؤيدة للعرب وحدهم في معركة المطالبة بالغاء ذلك الاحتفال السنوي الاستفزازي للمدينة بسقوطها وطرد العرب منها، ومن ابرز هذه المؤسسات “جمعية غرناطة” التي نددت بذلك الاحتفال الاستفزازي باعتباره يناقض مبدأ الحوار بين الثقافات وتآخيها الذي ترفعه الحكومة الاسبانية مادام احتفال كهذا ينكأ الجروح التاريخية التي لا داعي لفتحها.
اكثر من ذلك فان الجمعية الاسبانية المذكورة طالبت بتكريم الغجر واليهود والعرب باعتبارهم ضحايا جرائم انسانية ارتكبت في حرب اسقاط المدينة من يد العرب، وطالبت بالتضامن مع كل الفئات التي راحت ضحية تلك الحملة “الاسبانية” التي شنت على المدينة “لتحريرها” من حكم العرب.
اما “جمعية الشعب” فقد اصدرت بيانا في يوم المناسبة نددت فيه بقوة ضد ذلك العيد الاستفزازي “نريد ان نعبر عن رفضنا التام لاحتفالات سقوط غرناطة.. نطالب بالغاء هذه الاحتفالات حالا، واحلال يوم 26 مايو محلها يوما لغرناطة” وهو اليوم الذي تم فيه اعدام ماريانا بينيدا عن 26 عاما (1804 -1831)، وهي احدى الشخصيات الوطنية المعروفة بموقفها الشجاع ضد الاضطهاد والحكم المطلق في مدريد حيث وقفت هذه البطلة ضد الدكتاتورية منذ صغرها ولم تتنازل عن موقفها حتى بعد القاء القبض عليها فجرت لها محاكمة صورية وتم تنفيذ حكم الاعدام فيها يوم 26 مايو 1831 بعد ان وقعه الطاغية الملك فرناندو السابع.
وانه لمن المؤسف حقا ان يخوض الشرفاء والوطنيون والديمقراطيون الاسبان المعارك الثقافية والسياسية في الدفاع عن قضايا العرب الحضارية التاريخية فضلا عن قضاياهم السياسية المعاصرة وحدهم في ظل غياب تام من أي دعم عربي او مد أي شكل من اشكال الجسور معهم، فلم نسمع بأي دور لأشكال من الاتصالات والدعم من قبل السفارات العربية في مدريد او مكتب الجامعة العربية، ان يوجد مكتب لها هناك، ولا حتى دعم او تواصل من قبل القوى السياسية العربية ومنظمات المجتمع المدني العربي.
أكثر من ذلك فلم تفكر أي جهة عربية سواء أكانت رسمية ام شعبية في استنهاض القوى والرموز اليهودية الشريفة لإقامة فعاليات مشتركة موازية للفعاليات الاسبانية الصديقة للمطالبة بالغاء ذلك الاحتفال وفضح ما ارتكبه الاسبان من جرائم ابادة وطرد لليهود والعرب بعد سقوط غرناطة، وحيث تقوم الصهيونية باستحضار كل مآسي اليهود على مر التاريخ في دعايتها الا مأساتهم المشتركة مع العرب بعد سقوط غرناطة لأن الدول العربية والاسلامية هي من أكثر الدول التي احتضنتهم بعد طردهم من الاندلس، وعاشوا فيها كما كانوا قبلا متآخين مع السكان العرب.

صحيفة اخبار الخليج
22 يناير 2010

اقرأ المزيد

غياب الجدل من تاريخ اليمن

تشكلت الجمهوريات العربية بطرق غير ديمقراطية وعبر انقلابات عسكرية، وتم تغييب التراكم الديمقراطي البسيط من الحياة العربية عبر قفزات الضباط العسكريين للاستيلاء على السلطات.
وكلما ذهبت الجمهوريات إلى المناطق المذهبية والبدوية والقروية ازدادات تخلفاً، وهي هنا تستعيدُ المواريثَ المحافظة في بناء السلطات، وفي العلاقات الدولية، إما مشاكسةً للغرب وإما تبعية وانحناءً له، وإما هتافات ورقصات واستعراضات بين الجمهور الفرح وإما فتح أبواب الزنزانات لقياداته وجمهوره المساند، فالعلاقات الجدلية بين السلطات الجمهورية ومختلف المفردات الاجتماعية العربية تتلون من خلال القبضة العسكرية.
ولهذا رأينا جمهوريتي اليمن وهما تعانيان أشد المعاناة في سبيل تكوين نظام، أي نظامٍ مستقر! ليس لأن الأنظمة الجمهورية فاسدة بشكلٍ مطلق، ولكن لأن اليمنيين وقبلهم عرب آخرون، استعاروا هياكل جمهورية ليس فيها اسم للجمهور، وهي عبارة عن سيطراتِ أقلياتٍ سياسية وعسكرية، عجزت عن إنشاء علاقات ديمقراطية مع الجمهور الذي تحكمُ باسمه.
حين يتخلى النظامُ الجمهوري الذي يظهر فجأة عن المواريث السياسية والاجتماعية السابقة ويقفز للسلطة، لا يكونُ ميراثاً تراكمياً ويلغي استقراراً ونظاماً استمرا قرونا، وكأنه يبدأ من الصفر.
بلا شك إن الأنظمة السابقة متخلفة وبعضها شديد التخلف كنظام الإمامة في اليمن، وبعضها غير مقبول تماماً كالسيطرة البريطانية في الجنوب، لكن لا يمكن القفز على هذين النظامين وإنتاج نظامين من خلال التأملات الشخصية للثوار والضباط.
لابد من مراعاة النظام السابق والعمل على تطوير منجزاته ورفض سلبياته، أي أن قفزات السياسيين والضباط على كراسي الحكم، تقود للقطع مع الماضي، وليس للجدل الديمقراطي مع الماضي.
مهما كان سوء نظام الإمامة لكن لابد من ترك الشعب هو الذي يختارُ نمطَ الحكم، وأن تتشكل من هذا الجدل مؤسسات، مهما طالت الفترة الانتقالية، بحيث تنبثق التجربة الجديدة من الناس، ومن تعلمهم ومن مستويات مناطقهم ومن الإصلاحات التي سوف تتشكل من وجودهم الشرعي في مؤسسات الحكم الجديد.
لقد عرف السياسيون والضباط بأن ثمة شكلاً سياسياً غربياً اسمه النظام الجمهوري، ولكنهم لم يدرسوه! بل استعاروا شكله الخارجي، وشبحه السياسي، وظنوا بأنهم يؤسسون حكماً جمهورياً!
جاء سياسيو الجبهة القومية التي حكمت جنوب اليمن من جمل سياسية مضطربة وتحررية وفوضوية وأنجزوا الاستقلال المهم في حياة اليمن، ثم صاروا اشتراكيين وأمموا وخلقوا طبقة بيروقراطية عسكرية مسيطرة على وسائل إنتاج فقيرة.
كان التوجه لنظام رأسمالي ديمقراطي وتحريك عجلة الاقتصاد وتوسيع نطاق الثروة الوطنية، وغيرها من المهمات الأولية لنظام وطني أولي هي المطلوبة في ذلك الحين، لكن الجملة الثورية عصفتْ بالموضوعية السياسية، وقادت اليمن لطريق مسدود، ثم ألقتْ بها في أحضان العسكرية الشمالية التي لا ترحم، والتي عنونت نظامها باسم الجمهورية وليس له علاقة بالجمهورية.
إن النمو الطائفي لنظام صنعاء، ترافق مع نمو البيروقراطية العسكرية السياسية الشمالية، فدخلتْ في تمزيق شتى مفردات النظام، فهي مَلكيةٌ فرديةٌ متضخمة، وهي مقتصرة على نشاط النخبة المهيمنة الشمالية، وبهذا فهي قادت مفردات النظام السياسي للتفكك، بدلاً من تطوير أقاليمه ومذاهبه كافة.
لم يكن التوحد اليمني قائماً على أسس موضوعية، فهي وحدة عاطفية ومضت إليها قيادة الجنوب لتتخلص من الفواتير المرتفعة لنظام قصير النظر، توجه لـ (الاشتراكية) وهي رأسمالية دولة عسكرية قبلية، ليس لها علاقة بالاشتراكية، وراحت هذه القيادات تأكل نفسها، بسبب رفض تشكيل دولة رأسمالية ديمقراطية تعددية، ثم كانت الوحدة في تصورها حلاً لكل مشكلاتها التي لم تستطع أن تقرأها وتعيدُ النظر فيها، لأن كل زعيم استغل مشكلات البلد لكي يهيمن على السلطة فدخلوا في حرب تدميرية للبلد وللتجربة.
واستغل نظام الشمال العسكري القبلي هذه العملية ليسيطر على كل شيء. فقامت قيادة الجنوب بخطأ أكبر بإعلان الانفصال!
كان من الممكن أن تتلاقى قوى الليبرالية الوطنية المحدودة الشاحبة في الشمال والجنوب على برنامج إنقاذ والعودة لأسس النظام الحديث، الذي طرحه بعض زعماء الحزب الاشتراكي حين عركتهم التجارب وأدركوا سراب التسميات السياسية الكبيرة في واقع اليمن الفقير اقتصادياً وفكرياً، لكن قيادة الشمال رفضت تشكيل نظام ديمقراطي.
ومن ذلك الحين تفكك اليمن إلى أقاليم وقبائل مسيطرة على المناطق وإرهاب مستورد وانفصال وتدخلات أجنبية خطرة.

صحيفة اخبار الخليج
22 يناير 2010

اقرأ المزيد

أشهر عن موعد الانتخابات

لم يتبق عن موعد الانتخابات النيابية سوى أشهر معدودات، تتصاعد فيها الأنفس، وتنشد الأعصاب، فكان الله في عون المترشحين، وكان الله في عون الناخبين.
ورغم ان هناك تململا من الاداء النيابي بمجمله الذي راح بعيدا في كثير من محطاته عن الجادة، إلا انني اخشى ان يرمي الناخبين أصواتهم في رقاب العلماء خوفا من حر نار سخرها جبار لغضبه.
المستجار بالله من النار والعذاب، أليست هذه العبارات التي كان البعض يرهب ويخوف الأخر بها اذا لم يلتزم بالتصويت لفلان من الناس.
لا أقصد مذهبا معينا، فكل الاسلام السياسي متشابه، وإن تعددت مشاربه، فعمر أخ زيد، وكلاهما يرهبان ويخوفان، بالحميم والزقوم، والويل والثبور وعظائم الامور، فكانت نتيجة هذا كله، نوابا لا يعرفون من البرلمان إلا اسمه، ومن القوانين إلا رسمها.
نريد ممن ينوي الترشح ان يضع مصلحة هذا الوطن فوق كل اعتبار، لا تأخذه في المواطنة لومة لائم، يدخل الى قبة البرلمان فيخلع نعل الطائفية لأنه سيدخل وادي الوطن المقدس.
والله، بملء فمي أقولها، إذا وقفنا جميعا يدا واحدة امام كل من يتفوه ببنت شفة ليملأ الارض بنتانة الطائفية، فإنهم سيتوارون وينتهون، ولن يبقى لهم مكاناً بيننا، ولا حتى في وطننا.
 
صحيفة الايام
22 يناير 2010

اقرأ المزيد

قراءة نقدية في مشروع قانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات


انتهى مجلي النواب من مناقشة مشروع قانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات وأحاله إلى مجلس الشورى. وهو مشروع مقترح من قبل مجلس النواب وقد أحاله المجلس إلى الحكومة التي إحالته إلي إدارة الشئون القانونية لصياغة أحكامه الصياغة القانونية المحكمة ثم إعادته الحكومة إلي المجلس مع مذكرة برأيها في أحكامه بتاريخ 7 نوفمبر 2007 .

والمشروع على غرار القوانين التي شرعت في الدول التي سبقتنا في سن مثل هذا القانون كان من المتعين عليه أن يضمن إتاحة المعلومات الموجودة لدى الدولة  إلي الصحافة والي الأفراد وأن ينظم عملية الحصول على هذه المعلومات انطلاقاً من أن المعلومات الموجودة لدى الحكومة هي من حق الناس، فمن الطبيعي أن يكون من حقهم الاطلاع عليها. وان الشفافية تتطلب حصول الأفراد على المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب حتى يتمكنوا من المشاركة في شئون بلدانهم وفي اتخاذ القرارت العامة وانتخاب ممثليهم ومحاسبة المسئولين ممن يتبوءون المناصب العامة .

ويتكون مشروع القانون عند إحالته الى مجلس النواب من عشرين مادة تحدد أحكامها الجهات الرسمية الخاضعة للقانون ومسئولياتها في توفير المعلومات ومن له الحق في الحصول على المعلومات ، والشروط التي يجب توافرها في من يتقدم بطلب الحصول على المعلومات والإجراءات التي يجب عليه إتباعها للحصول على المعلومات .

 كما يحدد مشروع القانون نوع المعلومات التي تعد سرية مستثناة من حق الاطلاع ويسمى الجهة المناط بها مراقبة تطبيق أحكام القانون ونفاذه على مستوى الدولة وكل جهة فيها واختصاصاتها .

وقبل مناقشة مواد المشروع نود أن نناقش رأي إدارة الشئون القانونية في مسمي القانون التي رأت حذف كلمة (ضمان) من المسمى مُرجعة ذلك إلي أن القانون لا يقتصر على ضمان حق الحصول علي المعلومات وإنما ينظم الحق في الحصول عليها بما فيه ضمان ذلك. 

وهذا الرأي  الذي لا يفرق بين تنظيم الحق وضمانته غير دقيق والدليل أن دستور البحرين تنبه الى هذه المسألة فميز بينهما في المادة 31 منه . فقد اشترط الدستور فيما يتعلق بتنظيم الحقوق والحريات أولا أن لا يتم ذلك إلا بموجب قانون آو بناء عليه، وثانياً أن لا ينال التنظيم من جوهر الحق والحرية .

لذلك فان  جميع القوانين التي شرّعت لتنظيم الحريات والحقوق العامة في فترة قانون أمن الدولة مثل حرية التجمع السلمي, حرية تكوين النقابات وغيرها قد شرعت على حساب الحريات ذاتها ، فقد قيد التنظيم ممارسة هذه الحريات وجعل حرية ممارستها رهناً بموافقة الجهات الأمنية التي تشددت في السماح بممارسة هذه الحقوق والحريات وصادرتها.

لذلك فإن  تسمية القانون ليست من الشكليات وإنما هي عنصر جوهري في تفسير القانون وتطبيقه. فإذا كانت التسمية ضمان حق الحصول علي المعلومات فإن إرادة المشرع هنا واضحة وجلية وهى أن المسألة الأساسية بالنسبة للقانون هي ضمان حق الحصول على المعلومات على أوسع مدى بحيث تكون الاستثناءات من هذا الحق أي حظر كشف المعلومات قي أضيق صورها ولا يتوسع في تفسيرها على حساب ضمان حق الأفراد والصحافة في الحصول على المعلومات التي هي الغاية الأساسية لسن هذا القانون .

وقد حددت المادة 1 من المشروع الجهة الخاضعة لأحكام القانون فسمت الوزارات والهيئات العامة والمؤسسات والدوائر الحكومية والشركات التي تتولي إدارة المرافق العامة. ونرى أن تكون الجهات الخاضعة لأحكام القانون هي ذاتها الخاضعة لرقابة ديوان الرقابة المالية وهى كل الجهاز الإداري للدولة  إضافة الى مجلسي الشورى والنواب والمجالس البلدية والمؤسسات الاعتبارية العامة التي للدولة أو للمؤسسات العامة حصة في رأسمالها تزيد على 50 %.

وبالنسبة  للشروط والآلية التي وضعها مشروع القانون للحصول على المعلومات فقد  نص على أن يتقدم طالب المعلومات بطلبه الى الشخص المسئول وهو حسب المشروع الوزير أو من يمثله وأن يحدد في طلبه ” بدقة ووضوح ” موضوع المعلومات التي يطلبها . وللجهة المقدم لها الطلب أن تطلب آية بيانات أخرى تراها ضرورية لإجابة الطلب . كما اشترط مشروع القانون أن تتوافر لدى المتقدم للحصول علي المعلومات ” المصلحة المشروعة والمباشرة ” في طلب تلك المعلومات .

وعلي الجهة المقدم لها الطلب الرد عليه خلال ثلاثين يوماً ابتداء من اليوم التالي لتقديمه وفي حالة الرفض يكون قرارها مسبباً. ويعد فوات المدة المذكورة دون رد بمثابة رفضاُ لهذا الطلب .

ويلاحظ هنا  عدم استفادة مقدم مقترح القانون  من تجارب الدول الناجحة التي سبقتنا في سن هذا القانون. فقد كان من الضروري أن ينص القانون علي  إلزام كل جهة خاضعة لأحكامه على تعيين موظف مختص بتقديم المعلومات يكون حلقة اتصال بينها وبين طالبي المعلومات.وإلزامها بحيازة نظام وبرامج لترتيب المعلومات والسجلات والأرشيف يسهل استخراج المعلومات بالوسائل التقنية. وإلزامها بعمل دورات لموظفيها تبين أهمية حق الحصول على المعلومات وكيفية حفظها والسبل الأسرع لاستخراجها .

ولم يوفق مقدمو  الاقتراح عندما ضمّنوا المشروع  النص على إلزام مقدم الطلب بتعيين  موضوع المعلومات ” بدقة ووضوح ” وأعطوا الجهة المقدم لها الطلب الحق في طلب أيه بيانات أخرى تراها ضرورية لإجابة الطلب . فقد يكون ذلك مبرراً للجهة المقدم لها الطلب في رفض الكثير من الطلبات في حين كان يتعين إلزام الجهة المقدم لها الطلب بتقديم المساعدة للراغبين في الحصول على المعلومات في تقديم طلباتهم وإكمالها كما تنصح المبادئ الدولية في هذا الشأن .

ولم يوفق كذلك مقدمو المقترح بتضمين مشروع القانون  نصاً يقضى باعتبار الطلب مرفوضاً  بانقضاء المدة المحددة دون الرد من قبل الجهة لمقدم لها الطلب. فقد ألغى هذا النص عملياً ما نص عليه المشروع من إلزام الجهة بتسبيب قرارها في حالة رفض الطلب المقدم إليها .

ولقد  أفرغ مقدمو المقترح مشروع القانون من محتواه عند ما  ضمنوه النص علي اشتراط “توافر المصلحة المشروعة والمباشرة” في طلب المعلومات لدي مقدم الطلب. لأن هذا الشرط يتعارض مع المبادئ والأسس التي سن على أساسها القانون وهي الشفافية، وأن المعلومات الموجودة لدى الحكومة هي من حق الناس فمن الطبيعي أن يكون من حقهم الاطلاع عليها ومبدأ الاجتماعات المفتوحة التي تعتبر اجتماعات الحكومة مفتوحة ومن حق الناس معرفة ما يدور فيها.

فالمصلحة  تعني المنفعة القانونية التي يحصل عليها الشخص من القيام بعمل معين. فمثلاً المصلحة في رفع الدعوى هي المنفعة القانونية التي يجنيها المدعي من الالتجاء للقضاء، سواء كانت هذه المنفعة القانونية مادية أو أدبية كبيرة أو تافهة. وتعد المصلحة هنا شرط لقبول الدعوى فلا تقبل الدعوى إذا لم يكن لدى رافعها مصلحة في رفعها، ويقال تعبيراً عن ذلك بأن لا دعوى بغير مصلحة وبأن المصلحة مناط الدعوى.

والمصلحة  تكون هنا إما قائمة وحالة وقت رفع  الدعوى وإما أن تكون مصلحة محتملة ويكون الغرض من الدعوى الاحتياط لدفع الضرر أو الاستيثاق لحق قبل زوال دليله. مثال أن يرفع شخص بيده محرر عرفي دعوى علي الشخص الذي اصدر له هذا المحرر ليقر هذا الأخير بأن المحرر بخطه أو بإمضائه أو بصمته ، وذلك قبل أن يحل الالتزام الوارد بالمحرر.  أي أن الالتزام لم يصبح بعد واجب الأداء من قبل الشخص الذي اصدر المحرر، ولذلك فأن مصلحة المحرر لصالحه المحرر لم تصبح بعد قائمة وحالة .

ولا يكفي فقط  أن يكون لذي الشخص مصلحة بل يجب  أن تكون له مصلحة شخصية مباشرة ،  بمعنى أن يكون رافع الدعوى هو نفسه صاحب الحق المراد حمايته أو من يقوم مقامه  كالوكيل بالنسبة لموكله .

إذن فبحسب  هذا الشرط فإن المتقدم بطلب الحصول على المعلومات يجب أن تكون للمتقدم للحصول عليها منفعة قانونية سواء مادية أو معنوية في الحصول عليها،  وأن تكون هذه المنفعة له شخصياً وليس لشخص آخر حتى لو كان قريباً وأن تكون هذه المنفعة مشروعة أي منفعة يقرها القانون بشكل عام وله بشكل خاص أيضاً
 لذلك يجب أن يلغى هذا النص من مشروع القانون  وإلا فأن 90 % من الطلبات التي ستقدم سترفض بناء على عدم توافر المصلحة المشروعة والمباشرة في طلب هذه المعلومات لدى المتقدمين للحصول عليها.

إن حق الحصول علي المعلومات هو حق أساسي من حقوق الإنسان مثله مثل الحق في التعليم  والحق في حرية التنقل فهذا ما أقرته الأمم المتحدة. فلا يتصور أن يسأل المرء لماذا يريد أن يتعلم أو لماذا يريد أن ينتقل من مكاناً الى آخر ولهذا السبب أيضاً لا يجب أن يسأل المرء لماذا يريد أن يحصل علي المعلومات. من الضروري أن تكون هناك شفافية في المعلومات وأن يكون من حق كل شخص الحصول علي المعلومات دون أن يذكر الأسباب. هذا هو المعمول به في الدول الديمقراطية، ففي هذه الدول تعد المعلومات الموجودة لدى الحكومة هي من حق الناس فمن الطبيعي أن يكون لهم الحق في الاطلاع عليها .

وفيما يتعلق  بالمعلومات التي يمكن الحصول عليها  نص المشروع على عدم جواز طلب  المعلومات التي تحمل طابع التمييز الديني أو العنصري أو العرقي أو بسبب الجنس  أو اللون. وفي هذا الشأن أيضاً  ميز المشروع بين نوعين من المعلومات “معلومات مصنفة” بمعني مصنفة  علي أنها سرية وأخري غير مصنفة. كما أورد مشروع القانون في المادة 10 منه قائمة من الاستثناءات من حق الاطلاع والتي لا يجوز طلب الحصول عليها فهي مستثناة من حق الاطلاع .

فبالنسبة لاشتراط عدم جواز طلب المعومات التي تحمل طابع التميز الديني أو العرقي أو بسبب الجنس أو اللون، فعوضاً علي انه يفترض وجود معلومات من هذا النوع وهو ما يتعارض مع الدستور كما تقول مذكرة الشئون القانونية، فأنه في حالة وجود مثل هذه المعلومات فأن من الضروري بل ومن الواجب الكشف عنها لمعرفة ما إذا كانت تدل علي وجود سياسة للتمييز على أساس الدين او الجنس أو العرق أو اللون من اجل معالجة وإصلاح هذه السياسات ومحاسبة المسئولين عنها والكشف عن المتورطين فيها وتقديمهم للمحاكمة إذا لزم الأمر.  وهذه هي احد الأسباب الرئيسية من وراء سن هذا القانون .

أما بالنسبة  لمسالة تصنيف المعلومات علي أنها سرية ومستثناة من حق الاطلاع فإنها يجب أن تخضع للضوابط والشروط التي ينص عليها مشروع القانون في المادة 10 منه علي سبيل الحصر وبحيث أن لا يتم التوسع في تفسير هذه الاستثناءات وان لا يتم بالإضافة إليها الإحالة على القوانين النافدة في هذا الشأن .

فإذا كان  الهدف المفترض من سن القانون هو تأمين الشفافية في المعلومات وضمان  الحق في الحصول عليها فعلياً، فمن  الضروري أن لا يحيل القانون تصنيف المعلومات إلي القوانين النافدة وان ينص علي الضوابط والشروط التي تصنف  علي أساسها الوثائق والمعلومات على إنها سرية، بحيث تكون هذه الضوابط المنصوص عليها في القانون هي الشروط الوحيدة التي تتم علي أساسها عملية التصنيف .

 فإذا كانت  المعلومات التي تتضمنها الوثيقة تدخل ضمن نطاق الضوابط التي وضعتها المادة 10 من القانون لاستثناء المعلومات من حق الاطلاع ، فإنها تعد في هذه الحالة وثيقة سرية وتصنف على أنها سرية. أما إذا لم تدخل المعلومات التي تتضمنها ضمن هذه الضوابط فإنها لا تعد وثيقة سرية ولا تصنف على أنها وثيقة سرية حتى لو كانت مصنفة كذلك بموجب القوانين النافدة.
وهذا الحكم  يتفق مع التفسير الصحيح للقوانين الجديدة التي تصدر لتنظم مسائل سبق تنظيمها بموجب القوانين النافدة. ففي هذه الحالة فأن أحكام القوانين الجديدة ان تعيد تنظيم هذه المسائل وهي بذلك إما أنها تلغي صراحة أحكام القوانين السابقة بالنص على إلغاءها وإما أنها تنسخ هذه الأحكام فتعد هذه الأحكام لاغية ضمناً.

لذلك ففي  حالة وجود تنازع وتعارض بين أحكام القوانين النافدة وبين أحكام قانون ضمان حق الحصول علي المعلومات حول تصنيف الوثائق والمعلومات ما إذا كانت سرية ومستثناة من حق الاطلاع أم لا، فإن أحكام قانون ضمان حق الحصول على المعلومات في هذه الحالة هي التي تكون نافدة .

فالمادة 10 من مشروع القانون وضعت قائمة من الاستثناءات من حق الاطلاع يجب أن تكون هي المرجع الرئيسي في مسألة تصنيف المعلومات على إنها سرية  . ومن هذه الاستثناءات المعلومات المتعلقة بالأسرار والوثائق المحمية بموجب أي تشريع آخر . ونرى إضافة [ ما لم تتعارض مع أحكام هذا القانون ] وذلك أولاً لأن الأصل هو الإباحة والحظر هو الاستثناء، وثانياً لأنه في حالة تعارض أحكام هذه القوانين مع أحكام هذا القانون فإن أحكام حق الحصول على المعلومات هي التي تكون نافدة كما سبق الإشارة .

ومن الاستثناءات أيضاً التي جاءت علي ذكرها المادة المعلومات التي يتم الحصول عليها باتفاق مع دولة أخرى. ونرى هنا إضافة [ إذا ما كان الاتفاق على إبقاءها سرية قبل منح أو تبادل هذه المعلومات ] لان تصنيفها سرية يجب أن يرجع إلي وقت منحها أو تبادلها وليس بعد ذلك لأنها في هذه الحالة تكون غير سرية فلا يجوز تصنيفها بعد ذلك علي انها سرية .

ومن الاستثناءات أيضا المعلومات المتعلقة بالأسرار الخاصة بالدفاع الوطني أو أمن الدولة  وسياستها الخارجية. والإشكالية في هذا النص أن مصطلح “أمن الدولة ” هو من المصطلحات الفضفاضة التي يسمح عند التطبيق بالتعسف في تفسيره علي هوى الجهات المعنية. لذلك لا نتفق مع جعل “أمن الدولة” ضابطاً أو شرطاً لتصنيف المعلومات على إنها سرية لأن هذا المصطلح لا يصلح أن يكون معياراً قانونياً لهذا التصنيف كونه لا يملك محتوى محدداً وثابتاً فهو مصطلح غير منضبط يصعب التوصل إلى تعريف واضح ومتماسك له بعيدا عن ما تراه الجهة المعنية بتطبيقه و تعتقده. ولذلك من الصعب إعطائه محتوى قانونياً منضبطاً فهو اقرب إلى أن يكون مصطلحاً سياسياً من أن يكون معياراً قانونياً . لذلك فإن مصطلح ” أمن الدولة ” لا يصلح معياراً لهذا التصنيف كونه يعطي للجهة المعنية حسب المحتوى الذي تمنحه للمصطلح عند تفسيره أن تتعسف في تطبيقه.

كما لا نتفق على  تصنيف المعلومات المتعلقة بالسياسة الخارجية للدولة على أطلاقاتها بالسرية . لذلك نقترح هنا إضافة [ إذا ما كانت تتعلق بالشئون الدفاعية المستثناة بموجب هذا القانون.

ومن المعلومات  المستثناة أيضا بموجب المادة 10 المعلومات المتصلة بالتحقيقات التي تجريها النيابة أو الأجهزة الأمنية بشأن أية جريمة أو قضية تدخل في اختصاصها أو يتعلق بتحقيقاتها تجريها السلطات المختصة للكشف عن مخالفات مالية أو بنكية ما لم تأذن الجهة المختصة بالكشف عنها .

ونرى إضافة  [إذا كانت هذه المعلومات متعلقة بهذه التحقيقات ومن شان الكشف عنها الأضرار بالتحقيق ] حتى يكون النص أكثر انضباطا.

وأخيراً من المعلومات  المستثناة أيضا المعلومات المتعلقة بالنظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة ولا نتفق مع هذا  الاستثناء لأنه لا يوجد إي مبرر ولا  نرى أي ضرر من أن تحصل الصحافة أو الأفراد على المعلومات المتعلقة بالصحة العامة أو الآداب العامة ما دامت تتعلق بالشأن العام للمجتمع . بل قد يكون من المفيد كذلك الكشف عنها لمعالجة أي سلبيات أو نواقص في هذا المجال. أما إذا كان المقصود حظر الكشف عن المعلومات التي تتضمن مساساً بحقوق الآخرين المادية والمعنوية أو سمعتهم وحرياتهم الشخصية فأن هذا الحظر قد نصت عليه الفقرة ( ى ) من المادة 10.

ولإيجاد جهة  مسؤولة عن الإشراف على نفاد القانون ومراقبة تنفيذ الجهات المعنية بتطبيق إحكامه على مستوى الدولة ، ولتظلم أمامها من قرارات الجهة المعنية برفض الطلبات المقدمة لها للحصول على المعلومات، نص مشروع القانون على تشكيل مجلس للمعلومات يتكون من مفوض للمعلومات وستة من الأعضاء يسمى من بينهم الرئيس ويتم تعيينهم جميعاً بقرار من مجلس الوزراء وبناء على اقتراح من وزير الاعلام . ويؤدي رئيس وأعضاء المجلس عند تعنينهم وقبل مباشرة عملهم القسم أمام رئيس الوزراء وتكون مدة عضويتهم في المجلس ثلاث سنوات قابلة للتجديد .

ولنا مآخذ كثيرة على طريقة تشكيل المجلس وتركيبته واستقلاليته خاصة عن السلطة التنفيذية . فتعيين أعضاء المجلس بقرار من مجلس الوزراء يفقد المجلس استقلاليته ومصداقيته في الوقت الذي يجب أن يتمتع المجلس باستقلالية تامة خاصة عن السلطة التنفيذية لكونها الجهة المطلوب من إداراتها وأجهزتها تنفيذ أحكام القانون . فلا يمكن أن تكون السلطة التنفيذية هي الخصم والحكم في آنٍ واحد.

لذلك نقترح أن يتبنى مشروع القانون الصيغة التي تشكل بها ديوان الرقابة المالية لتشكيل مجلس المفوض العام للمعلومات المناط به مراقبة تنفيذ الجهاز الإداري في الدولة لأحكام القانون. كما وان يكون له ذات الصلاحيات التي يتمتع بها ديوان الرقابة المالية مع الاختلاف في مجال كل منهما وان يرصد له من المخصصات المالية ضمن الموازنة العامة للميزانية حتى يتمتع بالاستقلالية المالية .

فتشكيل ديوان الرقابة المالية تم بموجب المرسوم رقم 16 لسنة 2002 بإصدار ديوان الرقابة المالية والذي نص علي إنشاء جهاز مستقل يتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة ويتبع الملك. ويتألف هذا الجهاز من إدارات وأقسام تحدد اللائحة التنفيذية عددها وتبين طريقة تشكيلها وتنظيمها واختصاصات كل منها وأسلوب سير عملها. ويرأس الديوان رئيس في رتبة وزير يعين ويعفى من منصبه بأمر ملكي المادة 23 . ويشرف الرئيس على أعمال الديوان الفنية والإدارية والمالية وعلى الموظفين به المادة 25 . ويكون لرئيس الديوان بالنسبة إلى موظفي الديوان الصلاحيات التي تخولها القوانين واللوائح للوزير بالنسبة لموظفي وزارته. وتكون له السلطة المخولة لوزير المالية والاقتصاد الوطني فيما يتعلق بوضع تقديرات نفقات الديوان في الميزانية دون أن يخضع في ذلك لرقابة مجلس الوزراء أو وزارة المالية والاقتصاد الوطني أو ديوان الخدمة المدنية المادة 26 .

 وبالمناسبة  فأن هذه الصيغة تشبه إلى  حد بعيد الصيغة المقترحة لتشكيل  مكتب المفوض العام للمعلومات  في اليمن المقترحة بموجب مشروع  قانون ضمان حق الحصول على  المعلومات اليمني.

أما بالنسبة  لصلاحيات المجلس فأن مشروع القانون نص على جملة من الصلاحيات منها تسهيل الحصول علي المعلومات دون أن يذكر ما هي سلطاته للقيام بذلك. وأيضا النظر في الشكاوي واعتماد نماذج طلب المعلومات وإصدار النشرات والقيام بالأنشطة لتعزيز ثقافة الحق في المعرفة وأخيراً اعتماد التقرير السنوي حول إعمال حق الحصول على المعلومات.

كذلك لإفراد المشروع جملة من المهام والصلاحيات لمفوض المعلومات،  منها إعداد  القواعد والإجراءات المنظمة لقبول  الشكاوي ورفعها إلي المجلس للفصل  فيها، و إعداد نمادج طلب  الحصول علي المعلومات ، واقتراح  رسوم الخدمات التي تستوفيها الجهات ، وإعداد التقرير السنوي حول إعمال  حق الحصول علي المعلومات ورفعه  للمجلس، وأخيرا القيام بالإجراءات الإدارية والمهنية اللازمة لتنفيذ المهام والصلاحيات المناطة به .

ويلاحظ وجود ازدواجية في السلطة والصلاحيات داخل المجلس بين رئيس المجلس ومفوض المعلومات وهذه  واحدة من السلبيات العديدة التي وقع فيها مشروع القانون.  ويرجع السبب في ذلك إلى تركيبة المجلس وطريقة تشكيله وتوزيع المهام والصلاحيات في  داخله . حيث نص على تشكيل مجلس للمعلومات يتكون من مفوض للمعلومات وستة أعضاء يسمى من بينهم الرئيس وأيضا إلى تقسيم الصلاحيات بين المجلس وبين مفوض المعلومات كما سبق الإشارة.

لذلك فأن  تبني صيغة تشكيل ديوان الرقابة  المالية لتشكيل مكتب المفوض العام  للمعلومات سوف يزيل هذه الازدواجية  والتداخل في المهام والصلاحيات داخل المجلس وذلك بتوحيد منصبي الرئيس والمفوض المعلومات في  منصب مفوض  المعلومات .

إما بخصوص  الصلاحيات التي يجب أن يتمتع بها  المفوض العام للمعلومات بالإضافة الى تلك التي سبق الإشارة إليها حتي يتمكن من القيام بدورة علي أكمل وجه فيجب أن يمنح القانون لمفوض المعلومات الحق في الحصول على تقارير دورية من الجهات الخاضعة للقانون، تتعلق بالمعلومات الموجودة في حيازتها، وعدد الطلبات التي تم تقديمها لها للحصول على المعلومات، وعدد الطلبات التي تم رفضها وأسباب هذا الرفض. وكذلك النص على حق مفوض المعلومات أو من يفوضه في الدخول في أية مؤسسة عامة والتفتيش في سجلاتها وأوراقها التي لها صلة بالمعلومات المطلوبة والتحقيق مع أي موظف على انفراد بغية الوصول إلى المعلومات المطلوبة وإحالته إلى النيابة العامة من أخفى أو أتلف المعلومات أو عدّل فيها بشكل مخالف لحقيقتها بقصد التهرب من تقديمها تمهيداً لتقديمه للقضاء .

وكذلك النص على حق مفوض المعلومات في الاستيضاح من كبار مسئولي الدولة كالوزراء  وغيرهم عن سبب حجب المعلومات إذا كان هذا الحجب نتيجة لأوامر صدرت عنهم مباشرة. 

    وأخيرا أن يصدر مفوض المعلومات التقرير السنوي عن كيفية إعمال حق الحصول علي المعلومات علي مستوى الدولة وما هي العراقيل التي وقفت في وجه تنفيذه وما تعترضه من العراقيل وما يقترحه من قرارات وتوصيات ويرفع هذا التقرير إلي الملك والبرلمان .

وأخيرا فلقد شابت مشروع القانون الكثير من النواقص  والسلبيات فبالإضافة الى ما سبق ذكره فأن الكثير من أحكامه ونصوصه شابها الغموض والتشويش. كما غابت عنه الكثير من الأحكام الضرورية مثل الأحكام الخاصة بحماية الموظفين الذين يدلون بمعلومات تساعد على التحقيق في المخالفات والانتهاكات التي ترتكب ضد أحكام القانون وكيفية إنصافهم وتعويضهم عن أي ضرر قد يلحق بهم بسبب ذلك .وكذلك غاب عن مشروع القانون النص علي العقوبات الجزائية التي يمكن أن تتخذ بحق المسئولين الذين يقومون بحجب المعلومات خلافاً لأحكام القانون آو ممن يقومون بإعطاء معلومات مغلوطة بغرض تضليل مقدم الطلب آو القيام بأي فعل أو ترك يهدف من وراءه عرقلة أو منع تقديم المعلومات أو تنفيذ أي حكم من أحكام القانون .


 

اقرأ المزيد

أركب الحنطور

بالطبع فإن زيادة بحجم 20% في أسعار المحروقات ستوفر على الدولة بضعة ملايين. وسنوافق على مضض أن تلك الزيادة لن تؤثر على جيب المواطن “المنهك”. وسنأخذ تلك الخطوة “الغريبة” من الحكومة على “سبعين محمل”، ولكن السؤال الذي يظل يتكرر هل هذه هي الخطوة الوحيدة التي بقيت لحفظ ميزانية الدولة حتى تتخذها الحكومة؟
في الوقت الذي كنا ننتظر فيه زيادة في الرواتب، أو زيادة سنوية أو زيادة في الدعم. تكون هدية الحكومة بمناسبة “الكريسميس” زيادة ولكنها زيادة “علينا” وليست لنا.

لسنا هنا في محل لإعطاء الحكومة درساً عما تعنيه زيادة في أسعار المحروقات، فهي تعلم جيداً بأن تلك الزيادة ولو كانت طفيفة فإن توابعها لن تكون أبداً بحجم تلك النسبة التي قد تكون للبعض غير مرئية.

عند وقوفنا في طوابير انتظار شحن خزانات الوقود كم من الناس يطلب أن تشحن سيارته بـ “خمس روبيات جيد”، إنها شريحة ليست صغيرة. وزيادة كهذه قد تجعلهم يفكرون ملياً في اقتناء السيارة، والاستعاضة عنها بحافلات النقل العام المنعمة والمرفهة، أو يمكن للذين لن يتمكنوا من استخدام السيارات بعد إقرار الزيادة أن يستخدموا القطار السريع “المترو”. لحظة فلننتظر قليلاً ليس لدينا قطار سريع ولا بطيء بل ولا حتى “حنطور”.

الحكومة لم تنفِ حتى اللحظة خبر الزيادة ولم تؤكده بعد. البعض يقول إنها مبادرة ضمن مبادرات عدة قدمها مجلس التنمية الاقتصادية لزيادة دخل ميزانية الدولة. ليس هناك دخان من غير نار و”الزيادة” لا زالت حتى الآن في طور “الإشاعة” ولكن يبدو إنها خطوة جس نبض من قبل الحكومة وإن لم ترفعها هذا العام فما الضمان ألا ترفع الأسعار العام المقبل أو الذي يليه. لا أحد يستطيع التكهن ولا أحد يستطيع إيقاف قرارات الحكومة “الفردية”.

خطوة زيادة أسعار المحروقات أحسبها قادمة لا محالة، فلذلك أنصح باقتناء حصان قوي البنية وصناعة “حنطور” مزركش وزاهي استعدادا لتلك اللحظة التي ستعلن فيها الحكومة زيادة البنزين. حينها سيصرخ المواطن المنكود ” أركب الحنطور وأتحنطر”.

اقرأ المزيد

رفيق الـدرب أحمـد الشملان


هناك حدثان تاريخيان جديدان وكبيران شهدتهما الساحة الوطنية – السياسية في مملكة البحرين في الآونة الأخيرة، الأول منهما هو قيام المنبر الديمقراطي التقدمي بالاحتفال بـ “أيـام أحمد الشملان”، وأحمد الشملان هو المناضل الوطني التقدمي والرئيس الفخري للمنبر، الذي يعيش بيننـا، أطال الله في عمره مع دوام صحته وعافيته. وهذه المبادرة التاريخية محسوبة للمنبر الديمقراطي التقدمي باعتباره الامتداد التاريخي العلني والمنطقي لجبهة التحرير الوطني البحرانية (جتوب)، أما الحدث الثاني فهو قيام الأستاذة فوزية مطر، شريكة حياة رفيق دربنا أحمد الشملان، بكتابة سيرة حياته ونشرها في كتابها الموسوعي الكبير “أحمد الشملان: سيرة مناضل وتاريخ وطن”. وهذان الحدثان الأسبقيان – بمعنى أن الأسبقية صارت لهما تاريخياً بالمقارنة مع أي حدث مثيل قد يظهر مستقبلاً – لابُد أنهما أصبحا فخراً واعتزازاً لجميع الأفراد الوطنيين والقوى الوطنية المناضلة لأجل دعم وتوطيد الديمقراطية والحريات العامة التي شهدتها البحرين في السنوات الأخيرة.

وقد كتب – وربما سيكتب – العديدون من الكُتـاب والصحفيين وغيرهم عن هذين الحدثين التاريخيين الجديدين، وخاصةً ما يتعلق برفيق دربنا المناضل أحمد الشملان، باعتباره إنسانا وطنيا ومناضلا متمرسا التزم بمبادئ وقيم حزبنا “جتوب” منذ انضمامه إليه حتى اللحظة التي داهمه المرض فيها وأعاق نشاطه السياسي والاجتماعي، هذا الحزب الذي عرف عنه تبنيه الفكر العلمي الماركسي الجدلي والتاريخي بعيداً عن الاصطفاف المذهبي أو الطائفي أو القبلي بالرغم من الكثير من الانعطافات والانتكاسات التي شهدها هذا الفكر، وخاصةً بعد الانهيار المدوي للأنظمة التي كانت تتبنى هذا الفكر، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، ذلك الفكر الذي ساد في ثلاثة أرباع الكـُرة الأرضية وزهاء ثلاثة أرباع القرن العشرين المنصرم.

ماذا نقصد بسرد ما جاء في الفقرة الآنفة؟ إننـا نقصد أن رفيقنا أحمد الشملان كان مخلصاً لمبادئ الحزب الذي ينتمي إليه، و”رابطاً رقبته بوتد” هذا الحزب “لا يتبدل عنه” فعلاً. (1) فالقول إنه “ما كان أبداً حزبيا” قول غير صحيح إطلاقاً.(2).

وقد تجلّـى إخلاص أحمد لمبادئ حزبه “جتوب” والتزامه بقراراته التزاماً في الكثير من الحالات والأحداث، نذكر منها، على سبيل المثال، واحدةً منها لأهميتها، وهي التزامه بالشعار الذي رفعته “جتوب” للطلبة الدارسين في الجامعات والمعاهد في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية وغيرها، وهو “الانتهاء من التحصيل العلمي والعودة إلى الوطن”، وذلك في الثمانينيات من القرن المنصرم. فقرّر، هو وكاتب هذه الأسطر، وبلا تردّد، الرجوع إلى أرض الوطن – البحرين – بعد التخرّج في عام 1981م، وهما يدركان جيداً أن مصيرهما كان هو السجن.

وقد حدث ذلك بالفعل، حيث تم نقل كل منهما مباشرة من مطار البحرين الدولي، إلى سجن القلعة بالمنامة وتم معهما التحقيق والاستجواب، وقد استشهد العديد من خيرة أبناء البحرين خلال تلك الفترة، ومنهم محمد بونفور، ومحمد غلوم، والشاعر سعيد العويناتي، والدكتور هاشم العلوي، وغيرهم.

أما انتقال رفيقنا المناضل أحمد الشملان من حزب إلى آخر: من حزب البعث، إلى جماعة القوميين العرب، ومنهم إلى الجبهة الشعبية، ومنها إلى جبهة التحرير التي استقر عليها في النهاية، فإن ذلك لا يعني البتة أن رفيقنا كان لا منتميا أو انتهازيا يقفز من مذهب إلى آخر، ومن جبهة إلى أخرى، لأجل مصالح شخصية، أو من دون وعي أو تفكير، كما قد يعتقد البعض، بل ان ذلك يعني أنه كان ينتقل بالتدرّج “من الحسن إلى الأحسن”، إنْ جاز التعبير، من مذهب إلى مذهب آخر أطور، ومن فكر إلى فكر أكثر تطوراً، فانتقل من الفكر القومي الضيـّق (البعث وحركة القوميين العرب) إلى الفكر الأوسع بانضمامه إلى الجبهة الشعبية، فالفكر الماركسي الأُممي الأرحب (جبهة التحرير).

أما قيام رفيقنا أحمد الشملان باللقاء بالشخصيات الدينية، ومنهم الشيخ عبدالأمير الجمري، رحمه الله، فلا يعني أبداً أن رفيقنا قد قام بذلك بصورة شخصية بحتة، بل كان ذلك ضمن الخط النضالي العام الذي تبنته “جتوب” حينها. ومن المعروف أن الأحزاب الماركسية تعي جيداً الفرق بين القوى الدينية المناضلة لأجل مصالح الطبقات المستغَـلة (بفتح الغين) الكادحة المستضعفة، والقوى الدينية الرجعية السلطوية المتواطئة مع مصالح الطبقات المستغِـلة (بكسر الغين)، مُدركةً الفرق بين التنسيق والتعاون، حتى التحالف المرحلي، مع القوى الدينية وغيرها من ناحية، وبين الانضواء تحت عباءتها وتقمّص مواقفها السياسية من ناحية أخرى. وخير مثال على ذلك هو تعاون حزب “تـوده” (حزب الشعب) الماركسي الإيراني مع القوى الإسلامية أثناء ثورة الشعب الإيراني التي قادها الإمام الخميني، ودعمه لها بكل إخلاص وتفان، بل تنظيم الكثير من المسيرات والتحركات في الشارع الإيراني، وذلك بالرغم من معرفته معرفة جيدة احتمال تنكـّر الحركة الدينية الإسلامية لموقفه الوطني والقضاء عليه بعد أن تكون شوكتها قد قويت وأصبح زمام الأمور في يدها. وهذا ما حدث فعلاً، واسألوا جماعة “مجاهدي خلق” عن ذلك وهم الذين كانوا يعايرون حزب “تـوده” وينتقدونه لمساندته ودعمه للثورة الإسلامية الخمينية، بل كانوا يتنبـّأون بما سيؤول إليه مصير هذا الحزب. وهذا ما حدث بالفعل حيث تم إعدام قياداته شنقـاً أو تعذيبهم حتى الموت من دون رحمة أو شفقة، ناهيكم عن الزج بأعضائه في السجون وتشريدهم خارج البلد.

وعندما كان أحمد الشملان يصافح شيخ الدين عبدالأمير الجمري فذلك يعني أن جبهة التحرير هي التي كانت تصافح رمزاً من رموز الحركة الدينية بكل وعي وإدراك.

ولذلك لا معنى للقول إن “الشملان لمْ يستخدم أبداً في كل مقالاته عن الحركة الدينية كلمتي “الظلامية” و”الرجعية”… لإثبات أن “بوصلته كانت إنسانية”.(3).

فعدم استخدامه لمثل هاتين الكلمتين وغيرهما لا يعني البتة أنه لـمْ يدرك طبيعة الحركة الدينية وفكرها، إلا أن التكتيك المرحلي كان يتطلب ذلك. وهذا بالطبع لا ينتقص من الميزة الإنسانية التي كان، ومازال، رفيقنا أحمد الشملان يتميز بها ويمارسها.


هوامش:
(1) العبارات الموضوعة بين الإشارات العلوية الصغيرة “…” هي العبارات الواردة في مقالة الأستاذ حافظ الشيخ صالح المنشورة في عموده “القول” بعنوان “أحمد الشملان” في جريدة “أخبار الخليج” الصادرة بتاريخ 17 نوفمبر 2009م.
(2) مقالة الأستاذ حافظ الشيخ صالح نفسها المشار إليها في الهامش السابق.
(3) مقالة الأستاذ كريم رضي المنشورة في جريدة “الوقت” الصادرة بتاريخ 23 نوفمبر 2009م.


 

اقرأ المزيد

عقود العمل المؤقتة ما بين النهضة وازدواجية المعايير


إن (عقود العمل المؤقتة) المحددة المدة، أو غير المحددة المدة، ما بين صاحب العمل والمواطن البحريني، هي بنوعيتها وأنظمتها وطبيعتها، تمثل استغلالاً للعمالة الوطنية، بمصادرة حقوقها، وإنزال الحيف بها.. بينما (عقود العمل المؤقتة) الأخرى، المبرمة مع العمالة الأجنبية وخاصة منها الكفاءات والمهارات الأجنبية، مع مختلف الإدارات الحكومية، وشتى إدارات الشركات والمؤسسات الكبرى فإن نظام هذه العقود المؤقتة، سواء فيما يتعلق بالكفاءات المستقدمة من الخارج أو الكفاءات المستقطبة من الداخل.. هي جميعها تظل حقائقها وتداعياتها راسخة وواضحة، على عكس (عقود العمل المؤقتة) الأولى.. لكون (عقود العمل المؤقتة) الثانية، قد تمثل أداة تعسفية بخضوع هذه الشركة أو تلك الوزارة لطائلة استغلال من قبل هذه الكفاءات الأجنبية العاملة لديها.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإنه يمكن القول إنه بقدر ما يسير واقع الشرائح الكبيرة من العمالة البحرينية، جراء (عقود العمل المؤقتة) لدى العديد من الوزارات، والكثير من الشركات نحو الأسوأ.. فإن المؤسسة أو صاحب العمل يظل الطرف الأقوى حول نظام هذه (العقود المؤقتة).. حينما تتضاعف المعاناة من خلال علاقة إنتاجية غير متكافئة طالما اتسمت هذه (العقود المؤقتة) بكثير من السياسات الإدارية الأوتوقراطية والمبررات التسويفية الملتوية.. التي تأتي نتائجها في نهاية المطاف فسخ (هذا العقد) في أي وقت رغبت فيه إدارة هذه الشركة، وفي أي حين شاءت تلك الإدارة الحكومية.. وبالتالي تنفيذ مسلسل الفصل التعسفي بحق هذا المواطن، ليلقى به على قارعة الطريق، ومضاعفة معاناته النفسية والأسرية.. ناهيك عن حرمانه من مظلة التأمينات الاجتماعية والصحية والإجازات السنوية والرسمية والوطنية، ومزايا الأنظمة التقاعدية.. ضاربة هذه الشركات وتلك الإدارات الحكومية المادة الـ (13) من قانون العمل، ومواد الدستور وقوانين منظمة العمل الدولية عرض الحائط.

ويبقى القول صحيحاً هو حينما استأسدت إدارات القطاعين (العام والخاص) على العمالة الوطنية العاملة لديهما، بنظام (عقود العمل المؤقتة).. فإن هذه الإدارات ذاتها، غالباً ما استقدمت من الخارج كفاءات أجنبية غير مؤهلة، وليست على مستوى من الاستحقاق التنموي أو التخصصي المنشود.. والأدهى من ذلك كله، هو استمراء هذه الإدارات التهميش الموجه إليها، من قبل هذه الكفاءات الأجنبية التي تعمل لدى الوزارات والشركات بنظام (عقود العمل المؤقتة).. يتمثل هذا في استمراء القيادات الإدارية واستسلامها للشروط والإجراءات المفروضة لتلك الكفاءات الأجنبية، خلال مساعيها إلى الابتزاز الذي تنوعت مغازيه وتعددت دلالاته.. ليأتي هذا على حساب تدهور التنمية، وتخلف الإنتاج، وانخفاض الدخل والربحية، وانهيار سمعة المؤسسة اقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا.

ولعل شواهد واقع هذه الوزارة أو تلك المؤسسة، غالباً ما أكدت أن شهادات وبحوث هذا الخبير الأجنبي غاية في التدني اقترنت في نهاية المطاف بمظاهر الفشل وخيبة الأمل، انعكاساً لفداحة الخسائر المالية التي منيت بها هذه الإدارة الحكومية أو تلك المؤسسة الخاصة، مثلما يتم تدهور المشاريع الإدارية أو التنموية أو الفنية أو الصناعية أو الخدماتية لديها.

وقد حدث ويحدث، أن هذا الخبير الأجنبي يترك موقع عمله بمحض إرادته وبالتالي مغادرته البلاد، من دون إكمال ذاك المشروع المنوط به، على الرغم من فشله أصلا.. ولكن وعلى الرغم من ذلك كله تظل القيادة الإدارية لدى هذه الوزارة أو تلك المؤسسة، مصرة بمحاولاتها الدؤوب على دعوته إلى الرجوع ثانية إلى مملكة البحرين من أجل إكمال هذا المشروع المعلق.

ولعل من العجب العجاب أن هذه الإدارات تسعى في الوقت ذاته إلى تهميش الكفاءات الوطنية العاملة لديها، من دون أن تعطيها أدنى الاهتمام أو الآذان الصاغية إلى ملاحظاتها ونصائحها حول تكديس الكفاءات الأجنبية، وإزاء تعثر مشاريعها التنموية المنوطة بها، ومن دون الاستفادة من إبداعات وإنتاجان هذه الكفاءات الوطنية أو احتضان مقترحاتها وأفكارها الناجحة.

من هذا المنطلق نستطيع القول: إن وجه المقارنة ما بين إقدام القيادات الإدارية لدى مختلف الوزارات والشركات، على تهميش عمالتها البحرينية من خلال نظام (عقود العمل المؤقتة) وما بين خضوع هذه القيادات الإدارية في الوقت ذاته لطائلة أساليب وشروط الكفاءات الأجنبية خلال (عقود العمل المؤقتة).. قد تكون تداعياتها وراء إخفاق هذه الإدارات في القطاعين (العام والخاص) الذي هو يكشف بكل جلاء عن أنه انعكاس لعقليات فصل أصحابها من المتنفذين، عملية التنمية الإدارية عن العملية التنموية الاقتصادية والتكنولوجية والفنية والمعلوماتية.. مثلما افتقد هؤلاء مقومات الشخصية الإدارية الناجحة، وافتقروا إلى الأساليب الإدارية الحديثة والديمقراطية في ظل غياب المشاركة الجماعية الفعلية.. طالما وضع هؤلاء الإداريون مصالحهم الشخصية ومآربهم الذاتية فوق كل اعتبار وتجاوزهم كل المصالح الوطنية والمجتمعية العليا.

إذاً فليس ثمة ما يثير الاستغراب بهذا الصدد في أن تنقسم آراء الأعضاء لدى معظم مجالس الإدارات مقرونة بترسيخ مظاهر البيروقراطية والواسطة والمحسوبية، وبمزيد من انفصام التفكير وازدواجية الممارسات العملية، عبر الخلافات الشخصية والأهواء الذاتية بحسب ما أسلفنا الذكر.. ولكون هؤلاء الإداريين الكبار، قد ارتأوا أن عملية استقدام الكفاءات الأجنبية من الخارج، قد تشبع نزواتهم البراجماتية، وتلبي مصالحهم الانتهازية، واستئثارهم بالثروات وتراكم الرساميل الكبيرة، تتمثل في استغلالهم علاوات السكن الكبيرة التي يحصل عليها هؤلاء المستقدمون الأجانب.. من خلال تأجير الممتلكات العقارية المتعددة والكثيرة، لكثير من أعضاء المجالس الإدارية والمديرين والمسئولين الكبار، على مختلف تلك الكفاءات الأجنبية، من فيلات نموذجية وعمارات وأبراج بلغت ارتفاعها عنان السماء، بحيث تدر على هؤلاء مئات الآلاف من الدنانير مع نهاية كل عقد للإيجار.. وبالتالي تأتي الاستنتاجات الخالصة، بأن الكثير من القيادات الإدارية لدى القطاعين (العام والخاص) بقدر ما سعت وتسعى إلى تهميش الكفاءات الوطنية لديها، وتهميش (عقود العمل المؤقتة) والمبرمة مع العمالة البحرينية.. فإن هذه القيادات قد وضعت نصب أعينها على (عقود العمل المؤقتة) المبرمة مع الكفاءات الأجنبية، ودفعت جل اهتمامها لحقائقها وشروطها.. لأن عملية استقدام هذه الكفاءات هي أسباب محورية في ازدهار عقاراتها وانتفاخ جيوبها ومضاعفة أرصدتها البنكية
 
أخبار الخليج 15 يناير 2010

اقرأ المزيد

بناء الكتلة الديمقراطية – 7

خلصنا أمس إلى أن الكتلة الديمقراطية المنشودة، حتى لو كانت واسعة، فإنها لا يجب أن تكون هلامية، فاقدة للمحتوى السياسي والاجتماعي الذي تنشأ عليه ضرروة أن تكون مكافحة، غير مهادنة، حين يتصل الأمر بضرورات البناء الديمقراطي، بما يتطلب منها اظهارالشجاعة في البرنامج السياسي وفي الأداء المترتب عليه.
ومفيد هنا التذكير بأن الفكرة الليبرالية لحظة انبثاقها الأولى كانت فكرة ثورية، تغييرية، مقارعة لكوابح التقدم على أنواعها، ويفترض في مَن يريد أن يضع نفسه في الخانة الليبرالية أن يتحلى بهذه الروح.
والتفريق واجب بين هذه الدعوة وبين نزق الجمل الثورية أو التطرف في العمل السياسي، فحجم التغييرات التي تمت في العالم وفي المنطقة وكذلك في البحرين ذاتها، والنتائج التي يمكن استخلاصها من مجمل التجارب السابقة تفرض تفكيراً سياسياً جديداً على المعارضات بصفة عامة، وعلى القوى الديمقراطية بشكل خاص، من خلال التأكيد على أهمية الأساليب السلمية في العمل السياسي ونبذ العنف، وبناء مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب سياسية ونقابات عمالية واتحادات جماهيرية للنساء والشباب والطلبة، والعمل على جبهة الثقافة والفن في اتجاه تعزيز الإبداع وحرية الفكر.
ان الدولة غيرت من بعض أوجه أدائها وتعاملها مع المجتمع، في نتيجة استيعابها للمتغيرات في العالم ومن حولها، وعلى طريق الاستجابة لبعض أهداف النضال الوطني والشعبي المديد، وعلى المعارضة أن تستوعب هذا التغير، فتدرك أن المرحلة الجديدة تتطلب أداء مختلفاً من جانبها هي الأخرى.
ولا يعني ذلك التراجع عن أهداف النضال السياسي والاجتماعي، وإنما إعادة النظر في بعض أشكاله، وفي بعض أوجه التفكير السابقة، التي لم تعد تلائم الوضع الجديد، في صورة تجمع بين صلابة الجوهر ومرونة الشكل، من أجل حمل الدولة على الانتقال في تعاملها مع المعارضة من روح الخصومة إلى روح الشراكة، التي تفترض الإقرار بدور المعارضة وحيوية وجودها وتأثيرها من أجل تقدم المجتمع وديناميكة تطوره.
هذه الفكرة تُقربنا من المفهوم الذي دعا إليه غرامشي حول ما دعاه ب«حرب المواقع”، ورغم الإيحاء العسكري الذي يشي به هذا المفهوم ظاهراً فانه أبعد ما يكون عن ذلك، فالمقصود هنا أن تُحسن القوى الديمقراطية من التأثير الذي يجب أن تمتلكه في المجتمع، من خلال اكتساب مواقع جديدة في المجتمع المدني وفي الحياة السياسية وفي المجالس المنتخبة: مجلس النواب والمجالس البلدية، وكذلك في الحياة الثقافية والفكرية والإعلامية، بحيث تشكل قوة ضاغطة في دفع تطور الأوضاع في البلاد نحو آفاق أرحب، سياسياً واجتماعياً وثقافياً.
وتتشكل ظروف موضوعية تخدم هذه الإستراتيجية فيما لو أصبحت نهجاً للحركة الديمقراطية في البلاد، فالبحرينيون يستحقون حياةً أفضل، ويتيح لهم وضع الانفراج السياسي والعمل العلني الراهن اختبار البرامج السياسية والاجتماعية لمختلف القوى، وإذ تبرهن التجربة على محدودية أفق القوى المتسيدة للساحة الآن، فان الناس تبحث عن البديل الذي لا يمكن أن يكونه أحد سوى القطب الديمقراطي القوي والموحد، إذا نجح في توسيع المساحة التي يشغلها في المجتمع، وأبرز، أكثر فأكثر، وجهه المستقل الذي تطالب به فئات متزايدة في المجتمع. ولنا مع هذا الموضوع عودة.

صحيفة الايام
21 يناير 2010

اقرأ المزيد

عن جلسة تحقير السفير التركي

كان السيناريو الذي أعده نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني ايلون لإهانة وتحقير السفير التركي في تل أبيب أحمد ارغوز والذي نفذ باتقان باهر داخل مبنى البرلمان الإسرائيلي ليس له مثيل من الفظاظة والوضاعة في تاريخ العلاقات الدبلوماسية المعاصرة، على الأقل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 وقيام النظام الدولي الثنائي القطبية السابق.
فلقد نجح نائب وزير الخارجية الإسرائيلي وطاقم مساعديه الذين حضروا جلسة تحقير السفير التركي وتعذيبه نفسيا في ضرب رقم قياسي عالمي على مدى الفظاظة والوقاحة اللتين مارسوهما لتحقير السفير سواء بصفته الشخصية أم بصفته التمثيلية كممثل لدولة مستقلة ذات سيادة وكرامة وهيبة دبلوماسية مفترضة، وكممثل أيضا لشعب الدولة ذاتها. ولا أظن أن أبرع المخرجين السينمائيين عالميا سيتمكن من بز مساعد وزير الخارجية الاسرائيلي ايلون في مستوى اخراجه “الرائع” للسيناريو الذي أعده سلفا لو أراد تقمص وتمثيل المشهد المقزز المؤلم للسفير التركي ودولته وشعبه، وهو المشهد الذي أتحفنا به الوزير الاسرائيلي، الذي لحماقته وغبائه، أمعن في طلب مصوري التلفزة المحلية والصحفيين لحضور الجلسة وليشاهد العالم كله تلفزيونيا مشهد عظمته في ممارسة العجرفة والصلافة في جلسة استدعاء السفير وتحقيره أمام مرأى العالم بأسره وبدم بارد من دون ان يرف له جفن وهو يفعل ذلك.
ويمكن أن نسجل أبرز مظاهر تحقير واهانة السفير بصفته الشخصية الانسانية وبصفته التمثيلية الدبلوماسية معا فيما يلي:
1- أُوقف السفير التركي في رواق خارج مكتب الوزير ايلون بمبنى البرلمان “الكنيست” وفرض عليه الانتظار وقوفاً طويلا بأن تأخر ايلون في استقباله متأخرا كثيرا عن الموعد المضروب ومن دون اعتذار لاحق. والغريب انه لم يحتج احد من النواب بفعله ذلك داخل مبنى مجلسهم.
2- قام نائب وزير الخارجية الإسرائيلي بمنع موظفي الخدمات والتنظيف في مبنى البرلمان – كعادتهم مع أي ضيف – من تقديم له أي كأس ماء أو مرطبات أو قهوة أو شاي، سواء في فترة انتظاره بالرواق خارج المكتب ام اثناء جلسة الاستقبال التحقيرية التاريخية.
3- تعمد بطل المسرحية ذاته نائب الوزير ايلون عدم مصافحة السفير التركي لا عند الدخول ولا عند الخروج من المكتب بعدئذ.
4- تعمّد نائب وزير الخارجية الإسرائيلي وضع علم بلاده وتغييب علم تركيا التي ينتمي إليها ويمثلها السفير الموبخ.
5- إلى جانب كل ما تقدم وفي مشهد مثير للتقزز عمد ايلون إلى جلب كرسي وضيع هابط يجلس عليه السفير بينما جلس وموظفوه على كرسي فخم مرتفع وليصوب إليه في الوقت نفسه نظراته الحادة الحاقدة من عل.
6- ظل نائب الوزير الإسرائيلي وموظفوه طوال جلسة جلد السفير التركي نفسيا متجهمي الوجوه ويتناوبون النظرات التحقيرية له شذرا مذرا.
وقد أسهم تسامح السفير مع كل تلك الإهانات المتقدم ذكرها، فضلا عما بدا عليه من بنية جسمانية نحيفة ومن ارتباك واضح، فضلا عن محياه البريء، كل ذلك أسهم في اظهاره بمظهر المتهم “المسكين” الذي يستعطف قضاته أو المحققين ويستميت لاثبات براءته امامهم، وهو ما أضفى على الاخراج والاداء اللذين برع فيهما نائب الوزير الإسرائيلي امتيازا على امتياز في نجاح مسرحيته.
ولم يكن موضوع التحقيق الذي جرى مع السفير والذي تم خلاله تقريعه أشد تقريع وتحقيره اشد تحقير سوى الاحتجاج على بث مسلسل تلفزيوني في احدى القنوات التركية المستقلة يظهر فيه رجل مافيا يهودي يخطف طفلا ويقتل عددا من أفراد عائلته، وبذل السفير التركي المهزأ كل ما يملك من وسائل وجهود اقناعية لإثبات ان المسلسل لا يمثل وجهة نظر الحكومة التركية باعتباره يبث من قناة مستقلة في دولة ديمقراطية غير شمولية، وانه عمل فني يحتمل اكثر من معنى واكثر من تفسير، وان اليهودي في المسلسل ليس وحده فقط الذي ظهر فيه بمظهر سلبي، فهناك شخصيات اخرى في المسلسل مثلوا ادوارا سلبية كرجال مافيا من ايطاليا وأمريكا وفرنسا ولم تحتج هذه الدول، ومع ذلك لم تنفع كل هذه الحجج، فأنهى ايلون اللقاء سريعا مكفهر الوجه من دون أن يتيح المزيد من الحوار حول الموضوع، ومثلما امتنع عن مصافحة السفير عند استقباله احجم عن ذلك عند مغادرته المكتب.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ماذا يا ترى سيكون رد فعل أي دولة يتعرض فيها سفيرها لمثل كل تلك الاهانات والتحقيرات المتعددة بالصفتين الشخصية والتمثيلية؟ أليس ابسط مقتضيات رد الفعل لأي دولة تحترم نفسها وشعبها، وتحترم شخصية سفيرها، ان تقدم على قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة ذلك المسؤول الإسرائيلي الجلف؟ أو على الأقل استدعاء سفيرها فورا من دون ابطاء؟
ومع ذلك فإن الخطوة التي اتخذتها انقرة بطلب اعتذار رسمي من إسرائيل في غضون 12 ساعة وإلا سحبت سفيرها المحقّر، وهو ما انصاعت له إسرائيل صاغرة وان كانت خطوة كهذه تبدو أقل من الرد المطلوب لرد الاعتبار للكرامة الوطنية والانسانية التركية المستباحة، إلا انها أثارت ارتياحا عارما لدى العرب وبضمنهم دعاة عدم اقامة أي علاقات بين الدول العربية والاسلامية مع اسرائيل.
لكن يظل السؤال المقابل أيضا:هل لو فعل ما فعله نائب وزير الخارجية الإسرائيلي ذاته مع أي سفير عربي من سفراء الدول المطبعة مع اسرائيل ستقدم دولته العربية على توجيه مثل ذلك الانذار التركي الحازم؟ نشك في ذلك وبخاصة إذا ما تذكرنا جيدا كيف قامت اسرائيل بارتكاب واحدة من أكبر وابشع مجازرها بحق الفلسطينيين في غزة على امتداد نحو 3 أسابيع متصلة من دون أن ترى أي من تلك الدول العربية المطبعة داعيا لاستدعاء سفيرها.

صحيفة اخبار الخليج
20 يناير 2010

اقرأ المزيد