المنشور

عــــن البطالـــــة

حق العمل ليس مجرد نص قانوني تتضمنه القوانين والتشريعات بل ضمانات اقتصادية واجتماعية وقانونية يجب توافرها لدعم هذا الحق حتى يتيح للمواطنين القادرين على العمل اختيار المهنة او الوظيفة بما يتفق مع ميولهم وقدراتهم وتدريبهم وتعليمهم.
ومن هنا، فإذا ما اردنا الحديث عن معدلات البطالة في البحرين فان ما يجب التطرق اليه أولاً هو ان هذه المعدلات لا تعطي صورة واضحة ودقيقة عن ظاهرة البطالة خاصة اذا ما كانت الاحصاءات الرسمية لا تضع في حسبانها اولئك الذين فقدوا اي امل في الحصول على وظيفة ثابتة، وفقدوا كل رغبة في تسجيل اسمائهم في سوق العمل، ومع ذلك يمكننا القول وبموضوعية ان معدلات البطالة لحد ما انخفضت وان اختلفنا مع الاحصاءات الرسمية التي تفيد ان هذه المعدلات لا تتعدى 4 في المائة من قوة العمل في البلاد.
وزارة العمل تؤكد ان استقرار نسبة البطالة عند 37٪ في شهر مارس الماضي دلالة واضحة على استمرار وتمتع الاقتصاد البحريني بوضع مستقر، وتؤكد ايضاً ان عدد الشواغر الوظيفية المتوافرة لدى بنك الشواغر بالوزارة ارتفع من 12256 وظيفة شاغرة في فبراير الشهر الماضي الى 12515 وظيفة شاغرة في مارس 2010 الى بزيادة 259 وظيفة شاغرة، ولكن السؤال الملح هنا .. لماذا لا تستوعب هذه الشواغر العاطلين عن العمل؟
على اية حال، هناك الكثير من الاسباب التي لا تخرج عن سياسة التوظيف المتبعة ولا عن بعض اصحاب العمل الذين لا يعيرون اهتمامًا لا بالبطالة ولا تنظيم سوق العمل ولا نعفي من ذلك ايضاً بعض الباحثين عن العمل ولكن مهما كانت الاسباب التي تقف خلف هذه الظاهرة فلا يمكن ان نلوم وزارة العمل لوحدها، وانما ايضاً ديوان الخدمة المدنية، ومجلس النواب، واصحاب العمل، وبعبارة اخرى كل تلك الجهات معينة بظاهرة البطالة.
ومن المهم ونحن نتحدث عن هذه الظاهرة ان نشير الى الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل الذين ارتفعت نسبتهم بشكل كبير، اذ تقدر لجنة “خريجون بلا عمل” اعدادهم اكثر من 5000 عاطل عن العمل اي اجمالي نسبة الخريجين العاطلين كما اشارت اليه اللجنة المذكورة 50 الى 60٪ من مجموع نسبة البطالة ككل. وهنا لماذا الاحصاءات الرسمية تصر على ان معدلات البطالة لا يتجاوز 4 في المئة؟
وطالما نحن نتحدث عن هذه اللجنة التي تسعى لحل مشكلة العاطلين الجامعيين في البحرين يتبادر الى الاذهان السؤال التالي: لماذا لا تتعاون الجهة المعنية بالتوظيف مع هذه اللجنة التي من بين مطالبها تأهيل وتطوير قدرات العاطلين الجامعيين من خلال برامج التأهيل التي تنظمها وزارة العمل لملاءمة مهاراتهم مع متطلبات سوق العمل، واضافة الى ذلك ايجاد جهة تنسيقية من اجل توجيه الطلاب لاختيار تخصصات مطلوبة في سوق العمل.
على العموم، لا نريد ان نقلل من حجم هذه الظاهرة، ولا نريد ايضاً ان نبالغ في مستواها ومعدلاتها الى حد التضخيم، ولكن ان يتلكأ صانعو القرار في علاج هذه الظاهر التي لا توجد اولوية اكثر منها فهذا بحد ذاته مشكلة عويصة.
قلنا مراراً وتكراراً لا يمكن لاحد ان يقلل من شأن الجهود التي تبذلها اطراف الانتاج لمعالجة هذه الظاهرة المرتفعة في اوساط الشباب حسب ما تشيد التقارير، ولكن ما ينبغي ان نعترف به هو ثمة خلل في تطبيق القوانين العمالية، وكذلك في سوق العمل، والاكثر من هذا او ذاك ان مجلسنا التشريعي لم يتفاعل بالشكل المطلوب من هذا الملف الذي يزداد تعقيداً في ظل الاحصاءات والبيانات والارقام الرسمية غير الدقيقة عن هذه الظاهرة، وباختصار في ظل معطيات لا تبين المستوى الفعلي والواقعي لمعدلات البطالة.
 
صحيفة الايام
24 ابريل 2010

اقرأ المزيد

الأشياء التي لم نفعلها

أحد الكتاب فكرَّ في فكرة مبتكرة هي أن يكتب مذكرات عن الأشياء التي لم يفعلها، مستوحياً ذلك من درس الإنشاء الأول الذي يطلبه معلمو اللغة من تلاميذهم الصغار في المدرسة. كان المعلمون يكلفون هؤلاء التلاميذ بواجب منزلي هو أن يكتبوا: “ماذا فعلت اليوم؟”.
هذا الكاتب واصل التداعي في فكرته بالقول إنه يفكر في الناس الذين يعرفهم ويتساءل: من منهم يعرف كيف يعيش حياة هادئة سعيدة، فإذا كان العيش فناً، فهو فن غريب، فن كل شيء، وخاصة فن البهجة والحبور، وينطوي شكله المتطور على عدد من الخصائص المتلاحمة معاً: الذكاء، الفتنة والسحر، الحظ السعيد، الاستقامة والعفة من دون إكراه، والحكمة والذوق والمعرفة والفهم والإدراك بأن الألم والنزاع ما هما إلا جزآن لا ينفصلان من الحياة، أما الثروة فليست ضرورية، لكن الذكاء لجمعها ضروري.
عودة إلى السؤال عن تلك الأشياء التي لم نفعلها. الفكرة كلها تكمن فيها، لأن الأشياء التي فعلناها معروفة في مقدماتها وفي سيرورتها وفي نتائجها. المحير والباعث على التأمل وربما الدهشة أيضاً هي تلك الأشياء التي لم نفعلها. وليس كل الناس تدرك ما هي تلك الأشياء، لأنه ليس ضرورياً أن يفلح المرء في تقييم إمكاناته الفعلية، وهي غالباً ما تكون إمكانات كامنة لم يتيسر لها أن تفصح عن نفسها.
لكن الأقرب إلى الصحة أيضاً هو أن الناس يعرفون رغباتهم، تلك الأشياء التي يودون في قرارة أنفسهم لو أنهم بلغوها أو تمكنوا من تحقيقها، ولكن الظروف حالت دون ذلك، أو لعل الأخطاء التي ارتكبها الإنسان في حياته أفضت به إلى خسارة أشياء كان يرغب لو أنه نالها.
برواية الأشياء التي لم نحققها يمكن أن نكتب لأنفسنا سيرة موازية لسيرتنا المتحققة. سيرة افتراضية، لأن الحياة كان يمكن لها أن تأخذنا نحو هذه السيرة الافتراضية وتجعل منها حقيقة لا افتراضاً أو وهما أو مجرد رغبة لأن بعض التفاصيل والملابسات الصغيرة أو الكبيرة، كان يمكن أن تغير مسار الحياة برمته، أو على الأقل في مفاصل رئيسية من هذا المسار.
فكروا في أن ترصدوا الرغبات التي لم تحققوها، الآمال التي استحوذت على أذهانكم في لحظات معينة أو في مراحل مختلفة من العمر وأخفقتم في بلوغها، وحاولوا أن تشرحوا الأسباب، ستدهشكم المقارنة، حين تجدون أن لمسارات الانسان في الحياة احتمالات متعددة، وربما متناقضة أيضاً، ولكن مصادفة واحدة، دون سواها، قد تقرر مسار الحياة كاملاً.
 
صحيفة الايام
24 ابريل 2010

اقرأ المزيد

سيد قطب (1-3)

عاش الأستاذ سيد قطب حياةً دراماتيكية مريرة، وقد كان في البداية من السائرين مع الحركةِ الليبرالية الثقافية المصرية، وأنتجَ فيها العديد من الكتب النقدية، ولكن ظلت مرجعيتهُ دينية محافظة، وفي سنواتِ الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين كانت الحركةُ الليبراليةُ في حالةِ تدفقٍ واسع، مع وجودِ تناقضاتٍ عميقةٍ في صفوفِها غيرِ قادرةٍ على حلها، خاصة بعدم قدرتها على القيام بعمليات إصلاحات للريف الغارق في ظروف الإقطاع والتردي الاقتصادي والعجز عن تطور أحوال النساء وغيرها من قضايا الجمهور، نظراً لكون الحركة الليبرالية التي غدا جسمها السياسي المركزي هو حزبُ الوفد سيطرَ عليها الباشاوات وعرقلوا حراكها الديمقراطي.
كان التناقض الرئيسي الحقيقي هو الاستعمار والشعب، لكن التناقض بين الفلاحين والبرجوازية هو الذي تصاعد، وكان ضغط الريف شديداً. فحدث الانتقالُ للصراع مع الوفد وما يمثلهُ من قيمٍ ليبراليةٍ ديمقراطيةٍ أكثر من الصراع مع الاستعمار، فحدثتْ الانتكاسةُ التاريخية.
لقد حدثت انقساماتٌ حتى في الوفد نفسه خاصة خروج الطليعة الوفدية، ولم يكن ثمة صبر سياسي من القوى الجديدة وإيجاد تراكمات اجتماعية واقتصادية وثقافية صبور، وهذه القوى من الفئات الوسطى الصغيرة تريد حل تناقضات النظام المصري الملكي الديمقراطي بمغامرات سياسية سريعة.
وأغلب أصول هذه الفئات الصغيرة (البرجوازية الصغيرة) من القرى، كحسن البنا وقادة الاخوان المسلمين، ومنهم الشهيد سيد قطب نفسه، وكذلك جمال عبدالناصر وبعض قادة الضباط الأحرار وبعض قادة الشيوعية المصرية.
لقد غلبَ على هذه القوى إنتاجُ المفرقعاتِ السياسية والدينية والفكرية، وإنشاء البيانات الجامعة المانعة القادرة على تفسير الوطن وأحوال الأمم الإسلامية كلها وبومضةٍ واحدة، وبدفع الأمور نحو هدم النظام الليبرالي البطيء الحركة، وتوجيهه نحو نظامٍ مجهول، مفتوح لكلِ المغامراتِ السياسية، فهذه الفئاتُ البرجوازيةُ الصغيرة ليس في أعماقِها نظامٌ خاص، وهي لا تُضمرُ علاقاتِ إنتاجٍ يمكن أن تشكلَ نظاماً، فحدثت عقود من التاريخ المضطرب، التي لا تخلو من تغييراتٍ مهمة كذلك.
وتداخلتْ حركاتُ تلك الفئات وضمتْ أجزاءَ بعضِها لبعض، وجذبت فسيفساءَ هذه البرجوازية الصغيرة المختلفة، وسلمتْ بؤرةَ القيادة للعسكر، في التنظيم المُسمى الضباط الأحرار، الذي نمذجَ هذه الحالةَ الفوضوية العامة، ذات التجريد السياسي، التعميمي ذي السحر (الديني) القادر في تصورهِ على حل مشكلات الأمة المصرية ثم الأمم العربية والإسلامية قاطبة!
كانت الحركة بهذا الشكل تصعيداً لدكتاتوريات متصارعة، ذات رؤى إيديولوجية متعددة، لا يجمعها جامعٌ سوى عنفوان البرجوازية الصغيرة ومراهقتها، وأحلامها الكبرى، وقربها من الجمهور الفقير المُضطهد، الذي يدفعُها بعدمِ صبره، وتضغط عليها الطبقةُ الحاكمةُ الإقطاعية – الرأسمالية المتداخلة، بمؤامراتها وتبعيتها، وباستغلالها المختلف.
في هذه الفترة المضطربة كان سيد قطب يتحولُ من كونهِ مثقفاً ليبرالياً تنويرياً إلى أن يكون دينياً مرتبطاً بحركة الاخوان المسلمين التي كانت هي الأخرى حركة مفتوحة لشتى الاحتمالات، وقد قامت على وعي سني محافظ، ظهر من الصوفية السائدة في عقود سابقة، وانفصل عنها، وقطع العلاقة معها وانجذب للسلفية القادمة من السعودية بشكلٍ خاص.
دخلَ سيد قطب السياسة في أكثرِ لحظاتِ التغييرِ دراماتيكيةً كما قلنا، أي في الوقتِ الذي قاربتْ فيه حركةُ الاخوانِ مسائلَ السلطة والتأثير في الحكم عبر تكوينِ جسمِها العضوي المنتشر وجهازها العسكري، وبدأتْ تدخلُ في صراعٍ مع المجموعات السياسية الأخرى، وكان ذروة عملها المشاركة في انقلاب يوليو 1952، مما جعل ذلك الموظف السابق المستقيل والمثقف الذي ذهبَ لأمريكا وكرهَ ثقافتها الاجتماعية التحديثية وأُعجبَ بحضارتها المادية التقنية فقط، يدخلُ في عاصفةِ التحولات، حين وصلت البرجوازية الصغيرة بتنوع مشاربها وبتلك الفئات السياسية المتصارعة إلى الحكم وحولت الصراع الايديولوجي إلى صراعات ضارية على السلطة!
مع سرعةِ تحولهِ للخطاب السياسي الاخواني المستخدم لشعارية الإسلام للوصول للحكم، وعدم وجود فترة ليبرالية طويلة له، وثقافة تحليلية للإسلام والثقافة الحديثة، أخذتْ لغتهُ الأدبيةُ والدينية الهادئةُ المتسامحةُ المتفتحةُ فيما سبق تتحول إلى لغة نارية!
ففي هذه الأثناء هيمن الضباطُ (الأحرار) كلياً على مفاتيح السلطة وأبعدوا حلفاءهم ومن مهدوا الطريق الفكري لهم، وقبضوا على الحكم كلياً، فدعا أولئك الحلفاء للطريق الديمقراطي الذي دمروه، سابقاً، وحاولوا إبعادَ جمال عبدالناصر خاصة، وتسويق محمد نجيب، لكن القابض على مفاتيح السلطة العسكرية، أفشل محاولتهم ودخل معهم في صراع مفتوح!
فأخذت رموزُ تلك الحركات تتعرض للحصار والاعتقال، فُجر سيد قطب من عالمه الفكري وأبحاثه إلى الزنزانات الرهيبة، وقضى سنوات طويلة في مقبرة الأحياء هذه، وثمة فرق بين ما تعرضت له القيادات الكبيرة الدينية وبين ما تعرض له سيد قطب الذي تم التركيز في قهره وتحطيم نفسيته، فما زاده ذلك إلا إصراراً وشموخاً، وكأن القيادة العسكرية الشمولية توجهت لتكسير الأدمغة أكثر من القيادات السياسية الدينية الهادئة المحنكة، التي لم تحصر نفسها كما فعل سيد قطب في ممرٍ ضيق، ضاقَ عليه قبل الآخرين وأنتج شراراتٌ كبيرة من الحراك السياسي الناري الذي ظهرَ من تلك الزنزانة التي كان فيها سيدُ قطب يعكفُ على درسِ القرآن الكريم!

صحيفة اخبار الخليج
23 ابريل 2010

اقرأ المزيد

خيار الزوال

تعبر أفغانستان وإيران عن خيار الزوال الذي اختارته المذاهبُ الطائفية المحافظة، أحدها تم اصطيادهُ في دولةِ الجبال، والآخر في الهضبة الواسعة.
الصراع السياسي العالمي مصائد، وتتم بذكاءٍ وفراسةٍ وبدفعِ الفريسة للمصيدة، حتى إذا فقدت الذكاء كلياً، وجهزت نفسها للذبح يتم ذبحها بدمٍ بارد.
تظهرُ هنا الآلياتُ الغائرةُ للمحافظين الذين نهبوا عامةَ المسلمين لقرونٍ طويلة، ولم يعطوا هذه العامةَ المغبونةَ فرصاً للعيش الكريم، وللتقدم، ولتطوير البناءات الوطنية فحل عليها القضاء من الخارج وبأيد أخرى مشبعة بالدهاء والاستغلال!
وليست القوى المعتدلة هي أخف خطراً من القوى المتطرفة التي تتاجر سياسياً بدين المسلمين، لكن القوى المتطرفة تعرضُ نفسَها للزوال بسرعةٍ وتنكشفُ نظراً لسذاجتها السياسية وحدتها.
وهي تسرعُ نحو المواد المتفجرة، وتتجه للسلاح، والسلاح الأكثر خطورة وهو السلاح النووي، والارهاب الدموي الشامل الذي لا يفرق بين الطفل والبالغ، بين الراشد وغير الراشد، فتعجل أكثر بزوالها!
القوى (المعتدلة) تقف على الأرضية نفسها، وهي غيرُ قادرةٍ على تجاوز موقع المحافظين وقده، وهو موقعٌ يعلنُ الارتدادَ عن الحضارةِ الحديثة بقسماتِها الإجباريةِ غير الاختيارية وهي العلمانية والديمقراطية والوطنية من دون الخروج من حضارات الأديان العريقة.
وعدم قبول المعتدلين يعني انهم ينتجون الأفكار نفسها، ويشكلون قوى التطرف نفسه، فالأرضية واحدة، وهي عدمُ قبولهم بسماتِ الحضارةِ العالمية الراهنة، التي في الكرة الأرضية أممٌ تقودُها وتفرضُها شاءوا أم أبوا!
وهذا يعني ان العمل ضمن الحيز الفقهي حتى لو كان محافظاً ولا يتفق وأسس الحضارة الحديثة ويتم فيه اضطهاد النساء والعقول الحرة والاستغلال البشع للفقراء فلا أحد يستطيع أن يجعله خطراً مباشراً على البشرية، وهو معادٍ لأسس الحضارة الحديثة التي سوف لن تتوقفَ قوانينُها عن إقناع الشعوب بها، أما أحكامها العاجلة فهي عدم استخدام الأسلحة الفتاكة وتعريض الناس للخطر.
وقد رأينا كيف استهترتْ القاعدةُ والحرسُ الإيراني بمصالح وأمن الشعوب وسلامتها، ولم تعدْ المسألةُ هنا المحافظةَ على فقهٍ متخلفٍ، معادٍ للمسلمين، بل تركيب أسلحة للهجوم وفرضه بالقوة الخطرة وتعريض البشر للموت الواسع!
برنامجهم هو العودةُ للوراء ورفض الحداثة وعدم القبول بمعايير المساواة بين الرجال والنساء، بين الحكام والمحكومين، واحترام العقول والتعددية، وعودة الأموال العامة لأصحابها، ورقابة الأمم على حقوقها.
هذا من سياساتهم الداخلية ومن أفكارهم، لكن التلاعب بالسلاح ليست مسألة داخلية، ولا هي لعبة وطنية، بل قضية عالمية.
إن الدينيين السياسيين هم مرضى اجتماعيون تم إطلاقهم في الشوارع السياسية الوطنية، نظراً لانتهازيةِ الحكوماتِ وسذاجة الشعوب الشرقية، وكان يجب معالجتهم وتغيير الحياة الاجتماعية المتخلفة التي عاشوا فيها.
لكن خروجَ هؤلاء للشوارعِ المناطقية والعالمية ممنوع، وقد تم استخدامهم فيما سبق وكانت النتائج وخيمة.
برامجُ العودةِ للوراء ورفضُ التقدم ليس لها سوى الصدام مع العالم، لكن يتم جر الشعوب الإسلامية إليه ودفعها فيه، مما يدعو إلى ضرورةِ تصاعد يقظة هذه الشعوب ونقد البرامج المحافظة المرتبطة باستراتيجية المواجهة مع العصر الحديث.

صحيفة اخبار الخليج
22 ابريل 2010

اقرأ المزيد

ليس للاحتيال من مذهب

انشغل المجتمع البحريني في الأسابيع القليلة الماضية بحزمةٍ من القضايا الكبرى ذات الطابع الاقتصادي، يكاد يجمع بينها عنوان واحد، هو الفساد. من بين تلك القضايا التقرير الذي انتهت إليه لجنة التحقيق في أملاك الدولة، والذي ما زال من المتعين التأكيد على طابعه الوطني، حين اتفقت إرادة الكتل النيابية كلها على موقف واحد في رصد أوجه المخالفات والتجاوزات في حق المال العام، ومن أجل وضع حدود فاصلة بين ملكية الدولة التي يجب أن تكون الأكبر والأكثر كما هو الحال في كل بلاد الله، وبين الملكيات الخاصة التي يجب أن يقيدها القانون.
الجميع يدرك أن هذا الملف ما كان له أن يحظى باهتمام الرأي العام في البلاد، وما كان يمكن بلوغ التقرير الذي انتهت إليه لجنة التحقيق، لولا تضافر جهود جميع الكتل في العمل من أجل ذلك، وهذا ما هو بحاجة إلى إبرازه وتوضيحه، كون ذلك يشكل مدخلاً صحيحاً لإظهار حقيقة أن أي ملف مهما كانت أوجه المشروعية والعدالة فيه معرض للاجهاض المبكر والإخفاق إذا ما أضفي الطابع الطائفي عليه.
تزامن طرح هذا الملف مع طرح قضية الأموال التي سلطت الضوء مجدداً على البيئة المُولدة للفساد في غياب الرقابة المفترضة من الأجهزة المعنية بالرقابتين المالية والإدارية، وهو الغياب الذي كشفت عنه، أيضاً، وبسطوع قضية الاستثمارات الوهمية التي راح ضحيتها بسطاء الناس الذين وظفوا مدخراتهم وتحويشاتهم التي أفنوا العمر في سبيلها، مقابل وعود كاذبة زائفة، وهي المسألة التي تطرح على بساط المناقشة والتساؤل صمت الأجهزة الحكومية ذات الصلة، في التعاطي مع الموضوع برمته، ففضلاً عن التغاضي اللافت للنظر عن استشراء هذه الظاهرة بحيث تمددت أذرعها فباتت كالإخطبوط الذي شمل مناطق مختلفة في البلاد، فان السؤال المر الآن هو عن مصير أموال من وثقوا في المستثمرين الوهميين، وأعطوهم مدخراتهم.
وليس لائقاً في مثل هذه الحال التذرع بحكاية أن القانون لا يحمي المغفلين، فهذه المقولة لا يمكن أن تؤخذ على إطلاقها في كل الأحوال والملابسات، فمسؤولية الدولة التي كانت في غفلة أو تغافل عن الموضوع، أن تنتصر لحقوق مواطنيها التي أهدرت من عصابات تعمل بدون وازع أو ضمير، وأن يجري التحقق في مصير الأموال التي سلبت بالحيلة والنصب، وتعاد لأصحابها، ناهيك عن ضرورة محاسبة المتورطين في هذا الاحتيال.
وهنا أيضاً يبدو فجاً معالجة الأمر من منظور طائفي، كما يسعى البعض لذلك، عبر تصويره كما لو كان مؤامرة ضد مناطق معينة أو أبناء طائفة بعينها، فالمتضررون من العملية هم من مختلف مناطق البحرين ومن مختلف طوائفها، وآن الأوان لكي نغادر هذا النوع من التعاطي مع المسائل، وأن نوسع بصيرتنا في التحليل، لنرى أن النصب لا دين ولا مذهب له، وأنه من يقومون به ليسوا معنيين باختيار مذهب أو طائفة ضحاياهم، فهمهم الأساس هو الاستيلاء بالطرق الحرام على أموال الناس، ومراكمة ثرواتهم.
 
صحيفة الايام
22 ابريل 2010

اقرأ المزيد

في مدارسنا… غاب المربون وبقي المعلمون


يبدو أن المدارس الحكومية لدينا أو بعضها على الأقل تتشدد في ضبط الطلبة في أمور تافهة تماما كالتأخر لبضع دقائق عن دخول الحصة أو التأخر بعد الفسحة في حين تتهاون في أمور أخطر من ذلك كثيرا.

وبالرغم من وجود لائحة الانضباط المدرسي التي تحدد 25 مخالفة قد يرتكبها الطلبة أثناء الدوام المدرسي وكيفية التعامل معها من قبل الإدارة المدرسية، وبالرغم من وجود مساحة مرنة تتركها اللائحة لتقدير مستوى العقاب الذي تتخذه الإدارة في كل حالة على حدة إلا أن الأهم من ذلك هو فهم وتطبيق روح هذه اللائحة والالتزام بمبادئ التربية من قبل المدرسين والهيئة التعليمية.

على الإدارات والمدرسين أن يعوا بأن أبناءنا أمانة لديهم يجب الحفاظ عليها وأن هؤلاء الطلبة هم مستقبل هذا الوطن وأن مهنة المعلم لا تقتصر على مجرد شرح المواد المدرسية بصورة آلية ومكررة وتصحيح الكراسات ووضع العلامات، وإنما هي مهنة أكثر تعقيدا من ذلك بكثير فهي رسالة وضمير حي لا يقبل بمفهوم «سأبذل من الجهد بقدر ما أحصل عليه من راتب».

للأسف فقد غاب المربون وبقى الأساتذة وأصبح تقويم السلوك الخاطئ للطلبة هو من مهمة المشرف الاجتماعي وليس المعلم.

في السابق كان للمعلم تقدير خاص وكان الطلبة يخافون ويحترمون أساتذتهم أكثر مما يخافون آباءهم فما الذي غير ذلك؟

إحدى الأمهات حدثتني عن تعرض ابنها في إحدى مدارسنا الحكومية للضرب من قبل مجموعة من الطلبة (شلة لا تقل عن خمسة أشخاص) في وقت الانصراف من المدرسة وعلى باب المدرسة وقد تعرض ليس فقط للضرب المبرح وإنما هي أيضا تعرضت للاعتداء بالضرب، وعندما شاهدت الباص الذي يقل المدرسين (وكان في الباص حينها ما لا يقل عن عشرة مدرسين) استنجدت بهم، لكن للأسف فقد انتهى الدوام المدرسي والمدرسون كانوا قد انتهوا لتوّهم من حصصهم المفروضة عليهم فما كان منهم إلا الاستهزاء بالأم الخائفة والمفجوعة على ابنها والطلب منها التوجه لمركز الشرطة لتقديم بلاغ عن الحادثة مع أمر سائق الباص التحرك بسرعة للحاق على موعد الغداء تاركين الأم وابنها لسيل من الحجارة التي كانت تأتيهم من أفراد «العصابة».

بوجود مدرسين كهؤلاء أصبح أبناؤنا عرضة للاعتداء من قبل «عصابات» الطلبة ولنا في قضية الطالبة التي تعرضت للضرب المبرح مؤخرا في إحدى المدارس الثانوية خير دليل على ذلك.

وبوجود مدرسين كهؤلاء أصبحت مدارسنا تحكم من قبل العصابات والشلل وأصبح الطالب مضطرا لأن ينضم إلى «شلة معينة» لتدافع عنه وتحميه وإلا أصبح عرضة للاعتداء.

فما الذي تقوله لائحة الانضباط المدرسي في ذلك؟
 

الوسط  12 أبريل 2010م

اقرأ المزيد

طواف حول ضريح العم «هوو»


بدا اليوم نصف غائم في هانوي ونحن نستمع إلى شرح الدليل السياحي عن وجهتنا إلى بعض معالم هانوي العاصمة، وكان من ضمنها جولة حول ضريح العم هوشي منه، وتحببا إلى قلب الأطفال فأنهم ينادونه العم «هوو» باعتباره ليس صانع ثورة وحركة تحرر الفيتنام المعاصرة وإنما رجلا من صناع استقلالها الوطني الجديد، حيث يحتفظ زعيمها باحترام شديد في قلب الفيتناميين، حتى أولئك الذين كانوا خدما للاستعمار في الجنوب الفيتنامي، وبالطبع هناك اختلاف ورؤية متعددة بين الجنوبيين والشماليين ونظرتهم للزعيم ولكنهم يلتقون جميعا ليس عند الأخطاء وحسب كما يشاع في البلاد ولكنهم أيضا يتفقون على نزاهة وتواضع وبساطة رجل الثورة ومن ثم بعد ذلك رجل الدولة، الذي عرف كيف يقود ثورة التحرير حتى آخر المطاف. عادة لا يحب الشعب زعيما فاسدا أثناء وبعد الثورة، خاصة وان الشعارات المزيفة هي اكبر من الواقع لدى زعيم متناقض في سلوكه وطبيعة حياته اليومية.

تذكرت وأنا واقف مع طابور طويل من الفيتناميين والسياح من اجل الوصول إلى الضريح الزجاجي المحاط بضوء خافت وعتمة صامتة، والذي ساهم في تشييده الصينيون والسوفيت، فكلاهما حتى مع الاختلاف الأيديولوجي، استطاع هوشي منه ان يوازن معهما مشروعه الوطني التحرري، فقد كان بحاجة الى الدولتين المتناطحتين في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وتحديدا عندما كانت الثورة تنطلق نحو الجنوب من اجل تحريره.

ومثل كل الأمكنة الطقوسية عليك أن تمر من بوابة الكترونية أمنية لا تشعرك بتعقيد الأمور ولكن التصوير كان ممنوعا للجثمان المستلقي في ابديته ككائن محنط أسطوري. هناك تلحظ عينيك الوجوه المختلفة، والأيادي التي بعضها تتضرع على الطريقة البوذية، غير ان امرأة من الجنس الأصفر لم أتمكن من تفحص جنسيتها الآسيوية، وقفت طويلا اكثر من حقها وزمنها المتاح، فكان على الشرطي ان يطلب منها التحرك للأمام. يبدو ان الناس عند الطقوسية والأضرحة يصابون بحالة من الخشوع المطلق. خرجنا بسرعة من داخل الضريح، حيث يستلقي المعمار الجرانيتي في باحة واسعة تقام فيها الاحتفالات والمناسبات الرسمية خاصة يوم الاستقلال الوطني لفيتنام، وهي ساحة تذكرك بالميدان الأحمر في موسكو وبضريح لينين، ولكن الدليل قال لنا فيما بعد، طبعا ضريح لينين أكثر هيبة وأضخم، فقد كان هوشي منه تلميذا الى هذين المعلمين، وهو يومئ لنا بصورة معلقة في البيت الذي سكنه هوشي منه والمجاور للضريح. كانت معلقة صورة لينين وماركس فقط في البيت، وهما بيتان تنقل بينهما هوشي منه، متجاوران، الأول أفخم من الثاني، اذ قضى آخر أيام حياته في مكان صغير للغاية ينتظر لحظاته الأخيرة. ترى لماذا غاب انجلز عن تلك الثلاثية؟

تفاجأ الدليل عندما سألته اين صورة فريدريك انجلز، التي اعتدنا على رؤيتها دائما كثلاثية في المدرسة الثورية الماركسية. ضحك ولم يهتم بالإجابة كشاب مازال يفكر في عالم مختلف، ولكنه يبقى مغايرا عن دليلنا في مدينة سايغون، الذي لم يتوقف حتى عند نقطة صغيرة مهمة في تاريخ الانجاز التحرري للحزب وقيادته وتاريخه. في تلك الغابة الصغيرة خلف الضريح وبين اعمدة البيتين الخشبيين لهوشي منه، كان هناك نفق سري قال لنا عنه الدليل، خلف هذا الجدار هناك نفق سري لا نعرفه نحن حتى الآن، فقد كان يختفي فيه هوشي منه عندما تبدأ غارات الطائرات الامريكية بقذف قنابلها وحميمها، فيتم اشعاره بقطعة حديدية معلقة لكي يتحرك بسرعة نحو المخبأ، وحالما يتوقف القصف وتختفي الغارات يعود” العم هوو” الى مكتبه الصغير وبيته، حيث ظلت موجودة فيه الغرفة الصغيرة بكراسيها لاجتماعات القيادة.
في نهاية الجولة كان علينا ان نداعب عشرات الأطفال الذين جاؤوا مثلنا لرؤية العم هوو وتقديم الاحترام له، ولكنهم ظلوا يستهوون تكرار عادته وهو يقذف قطع الخبز للاسماك في البحيرة الصغيرة المحاذية للبيت، وقد كان يصفق بيديه حينما يقذف بالخبز للاسماك فاستمعنا الى عادة جميلة، تجمع ما بين العلاقة الحميمية للصغار بلعبهم مع السمك وتعلقهم بالقائد.

ظلت مشاهد التربية الثورية موجودة في تلك المناديل الحمراء المعلقة في اعناق الطلائع، غير ان معلمات الحضانة كن يلبسن ما يحلوا لهن بما في ذلك البنطالون الجينز.
زرافات الصغار كن كالزهور بابتسامات نقية، حيث بدت المدارس الخاصة والحكومية معا في ذلك المكان، ولكن العين لا تخطأ طبيعة الفروق الاجتماعية بين الصغار في شكلهن وملابسهن، غير ان الطلائع بدت المناديل الحمراء ملمحهن المميز.

كان من حظنا ان نكون في هانوي المدينة التي تستعد لارتداء حلتها البهية في تاريخ 10 أكتوبر 2010 اذ تحتفل المدينة بألف عام من عيد ميلادها، لذا بدت الحركة والحيوية من اجل تنضيد وتشجير الطرق بالزهور والشعارات والفخر التاريخي للسكان بمدينتهم التي يعتزون بها، حيث كانت هانوي المعاصرة مقرا رئيسيا لدول الهند الصينية ومدرسة قديمة للتعاليم الكونفوشيوسية ولكن الشعار الأهم في المدينة يبقى مكتوبا على جدار الضريح هو عبارة العم «هوو» «لا يوجد أثمن من الاستقلال والحرية».

ظل هناك سر حتى الآن يجهله الكثيرون فقد مات هوشي منه في سنة 1969 بينما ضريحه دشن في 1979، اذ بقي الجثمان الميت مختفيا، وفي سرية تامة خوفا من إصابته من التدمير وويلات الحرب، ولم يكشف النقاب عنه الا بعد ان توقفت نهائيا طبول الحرب واطمأنت فيتنام لقداسة جثمان زعيمها التاريخي.


 
الأيام 20 ابريل 2010

اقرأ المزيد

بصيرة علي الـوردي


هناك كتب يتعين علينا أن نعود اليها بين الفينة والأخرى، نعود إليها مراراً، نسأل مؤلفيها النصح والمشورة في أمورنا، رغم معرفتنا بأن الكتب لا تقول كل شيء، فالحياة أكثر تعقيداً من أن تحيط الكتب بما فيها من مستجدات. ولكن الكتب المضيئة أشبه بالمصباح يمسكه أحدنا في يديه وهو يدخل مغارة معتمة.

قد لا يكشف ضوء المصباح عن كل دقائق المغارة ولكنه بالتأكيد يقود خطانا إلى الأمام. بين أصحاب هذه الكتب المضيئة يبرز اسم العلامة الكبير المرحوم علي الوردي. في كل عودةٍ إلى كتبه فائدة وإضافة. كل مرة تنبهنا كتبه إلى ما غفلنا عنه، لأن ما فيها من أحكام واستنتاجات تتخطى زمنه، وتتخطى حيز بلده العراق الذي انهمك على دراسة مجتمعه دراسة عميقة نادرة.

يعن عليّ أن أعود إلى كتب الوردي متصفحاً ما سبق أن قرأته فيها، في نوع من تنشيط الذاكرة. من ذلك أن الوردي في ختام كتابه »دراسة في طبيعة المجتمع العراقي« يدعو إلى تعويد الشعب العراقي على الحياة الديمقراطية وجعله يمارسها ممارسة فعلية بحيث يتاح له حرية إبداء الرأي والتصويت دون أن نسمح لفئة منه أن تفرض رأيها بالقوة على الفئات الأخرى.

هذا الكلام قاله الوردي في عام 1965، وكانت بصيرته ترنو للبعيد، وهو يرد على المشككين في دعوته بتساؤلهم: كيف يمكن للشعب العراقي أن يترك قيمه المحلية وعصبياته الموروثة ثم ينهمك في حياة ديمقراطية لا عنف فيها ولا اعتداء، فيجيب أن الشعب العراقي ليس في مقدوره أن ينقلب بين عشية وضحاها إلى شعب ديمقراطي رصين كالشعوب التي سبقته في مضمار الديمقراطية. انه يحتاج إلى زمن يمارس فيه النظام الديمقراطي مرةً بعد مرة، وهو في كل مرة سيكون أكثر كفاءة فيه واعتيادا عليه في المرة السابقة.

الديمقراطية، حسب علي الوردي، ليست فكرة مجردة تعلم في المدارس أو تلقى في الخطابات والهتافات بل هي اعتياد وممارسة عملية، فإذا بقينا نتظاهر بالديمقراطية قولاً ولا نمارسها فعلا فسوف نظل كما كنا يسطو بعضنا على بعض.

كلام الوردي لا يصح على العراق وحده، وإنما على بلدان عربية عديدة جرى فيها سحق إرهاصات الديمقراطية، فتفاقمت الصعوبات طبقة فوق طبقة، وما كان متيسرا حله بسهولة بات يتطلب تضحيات وآلاماً مضاعفة.
 

اقرأ المزيد

المرأة المنتخبة.. هل تمثل جنسها في البرلمان؟


أعجبني ما صرح به قبل أيام الكاتب والروائي السعودي الفائز بجائزة البوكر العربية لعام 2010 بأنه لا يوجد إنتاج أدبي خاص بالنساء وانه يرفض الفصل والتجزئة التي هي تفتيت للإنسان وارتهان للتجنيس على حد تعبيره، مضيفا انه هو نفسه امرأة لانه نتاج امرأة وانه متى تم تخطي الفصل “نستطيع ان نتواصل ونعيش ونتحول عما نحن فيه”.
ومع ان الجدل حول مسألة وجود أدب خاص بالمرأة وآخر خاص بالرجل مازال يتجدد بين الفينة والاخرى على ساحة النقد الادبي والثقافي العربية ربما منذ اكثر من خمسة عقود حتى بالرغم من كونها محسومة لصالح الفريق الرافض للفصل الأدبي بين الجنسين تصنيفا، فإنه في تقديري لا ينبغي الجزع أو الانزعاج من تجدد الحوار والجدل الفكري والنقدي الادبي حولها فهل من المسائل الحيوية الهامة القابلة لتجديد فتح الحوار حولها مثلها في ذلك مثل الجدل حول الالتزام بالشعر الحر أو الشعر العمودي أو الجدل حول ايهما افضل كتابة الشعر والرواية والقصة والمسرحية بالعامية أم بالفصحى.
لكن ما شأن كل هذا الكلام المتقدم ذكره بموضوع العنوان “المرأة المنتخبة هل تمثل جنسها في البرلمان؟”. في الواقع ان ما ذكره عبده خال بعدم وجود أدب خاص بالمرأة لا اعرف كيف ذكرني بموضوع تمثيل المرأة في البرلمان من حيث حقيقة لطالما غابت عن بالنا في الكتابات والحوارات عن تمثيل المرأة في البرلمان فمثلما لا يوجد أدب خاص مفصل على مقاس المرأة كجنس (جندر) فانه لا يوجد تمثيل نيابي للمرأة داخل البرلمان مفصل على مقاسها ولا يستطيع تحقيقه سواها.
وللدخول في صلب الموضوع لنتساءل هل كل من تصل الى المقعد البرلماني قادرة أو مستعدة حقا لتمثيل المرأة والدفاع عن حقوقها السياسية والثقافية والاجتماعية والأسرية تمثيلا صحيحا؟ وهل بإمكان الرجل بشكل أو بآخر إذا لم تستطع المرأة الوصول الى قبة البرلمان المنتخب ان يمثل المرأة تمثيلا صحيحا بالدفاع عنها في تلك الحقوق؟
في تقديري ان المسألة أو الإجابة في كلتا الحالتين سواء فازت المرأة انتخابيا ووصلت الى المجلس البرلماني المنتخب ام فاز الرجل انما تتوقف على ثقافة و وعي كليهما فلو فازت النساء حتى ولو بنصف مقاعد المجلس البرلماني المنتخب فلن يجدي ذلك المرأة مادامت تتبنى وعيا وثقافة معادية عمليا في الجوهر لحقوق بني جنسها من منطلقات مختلفة عنصرية أو قومية أو باسم الدين كما في اغلب الأحوال، ولو فاز بمعظم بمقاعد البرلمان أو كلها الرجال فلن ينفع ذلك لا المرأة ولا حتى الرجال مادام المنتخبون يحملون نفس صنف ذلك الوعي والثقافة، فالمعاداة لحقوق المرأة تفضي حتما بشكل أو بآخر لمعاداة حقوق الرجل ولاسيما المنحدر من الطبقات الدنيا المهمشة والمسحوقة ولا مجال للتوفيق بين الدفاع عن حقوق الرجال ومعاداة حقوق النساء بوعي او بدون وعي كائنة من تكون المسوغات الأيديولوجية والعقائدية لتلك المعاداة.
وبهذا المعنى يمكن لنواب رجال متجردين يتمتعون بوعي مستنير حداثي معمق الدفاع عن المرأة افضل من زميلات لهم في البرلمان أو بدون وجودهن، والعكس صحيح أي من الممكن لنساء ذوات وعي مستنير معمق الدفاع عن ابناء جنسهن وجنس الرجال معاً.
لكن هل يعني كل ذلك عدم الحاجة إلى تمثيل للمرأة اعتمادا على انتظار ذلك الصنف من الرجال الافذاذ للمجلس النيابي؟ وهل يعني عدم وجود فصل متعسف بين انتاج الادب النسائي والادب الرجالي ان الرجل قادر على التعبير في ابداعه عن المرأة بنفس قوة تعبير المرأة المبدعة؟
ينبغي الاعتراف بأن لها خصوصيتها من حيث قوة التعبير عن حقوقها برلمانيا ومن حيث قوة التعبير عن هذه الحقوق والخصوصية ابداعيا، بمعنى إذا ما نجح في الانتخابات البرلمانية شخصان احدهما رجل والآخر امرأة متضاهيان في مستوى النضج والعمق السياسي والفكري في الدفاع عن حقوق المرأة فان الاخيرة بطبيعة اكثر تعبيرا في الدفاع عن حقوق بنات جنسها ولو نسبيا على الاقل، وبالمثل في حالة إذا ما تماثل الاديبان أو تقاربا في نضج التجربة الابداعية.
 
أخبار الخليج 20 ابريل 2010


المرأة المنتخبة هل تمثل جنسها في البرلمان؟  (
2


ــ


 2

)

خلصنا يوم أمس إلى أن النساء المنتخبات لمقاعد البرلمان لسن بالضرورة مهما كان عدد مقاعدهن مستعدات أو قادرات على تمثيل حقوق المرأة في المجتمع تمثيلاً حقيقياً فكراً وثقافة وممارسة بقدر ما يتوقف استعدادهن ومقدرتهن على مدى ما يتمتعن به من ثراء في تجربتهن وخبراتهن ثقافياً وفكرياً واجتماعياً وعما إذا كان جوهر هذه الخبرات يميل ولو بالحد الأدنى نحو إعطاء المرأة حقوقها السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية المنسجمة مع روح العصر من دون تابوهات دينية أو عرقية انتقائية.
على أن افتقار أي مجتمع في مرحلة من مراحل تطوره التاريخي إلى القدرة على فرز نساء بذلك النضج والتجربة والثقافة التقدمية المتطورة أو عجزهن عن تحقيق أكبر التفاف من الناخبين حولهن بسبب قصور في وعيهم وتحكم ظروف معقدة متعددة في أصواتهم، رجالاً ونساء، كل ذلك لا يعني انتفاء الحاجة الماسة إلى تخصيص نسبة مناسبة من عدد مقاعد المجلس المنتخب للنساء حتى لو استأثر بها وصول مرشحات فائزات أفكارهن وثقافتهن هي من حيث الجوهر لا تخدم بعض حقوق المرأة الفعلية فما لا يدرك جله لا يترك كله فوصول مثل هذه النوعية من النائبات من شأنه أن يسهم بقدر ما أو بآخر في تحقيق غايتين في آن واحد:
الأولى: أن تكون النائبات المنتخبات على امتحان المحك الحقيقي في معترك الجدل حول حقوق المرأة وحقوق الفئات الاجتماعية تحت قبة البرلمان وأمام متابعة الرأي العام صحافة ومجتمعاً. وهو محك مهم قد يفضي إلى حراك سياسي في الوعي نحو الأمام لدى بعضهن وخاصة إذا ما استطاعت واحدة أو أكثر من المرشحات الديمقراطيات التقدميات اختراق الكوتا المخصصة للنساء.
الثانية: كسر الاحتكار الذكوري لكل مقاعد المجلس المنتخب كبداية تدريجية قد تسهم في تغيير الوعي الاجتماعي السائد الذي ينظر إلى المرأة نظرة دونية بعدم قدرتها على التمثيل البرلماني.
والواقع أن معظم الدول التي تجرى فيها انتخابات برلمانية وتواجه تعقيدات في تطور الوعي الاجتماعي باتجاه النكوص عن هذا الوعي وبخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة بالشكل والجوهر اللذين يعكسان تطور الفكر الانساني العالمي في إعطاء المرأة حقوقها كافة.. نقول إن معظم تلك الدول تأخذ بنظام “كوتا” كمرحلة تاريخية اجتماعية انتقالية لا مفر من تبنيها مهما كانت المآخذ عليها وإلا لظلت أصوات النساء مسخرات في “التمكين والمشاركة السياسية للمرأة”، للرجال فقط إلى أجل لا يعلم مداه سوى الله.
في الورقة البحثية القيمة التي أعدها د. عبدالغفار رشاد القصبي واصدرها معهد البحرين للتنمية السياسية ضمن كراسات سلسلة إصداراته تحت عنوان: “المنظمات الدفاعية.. قضايا النهوض بالمرأة” يسلط الباحث الضوء على الواقع المرير الذي بات عليه تمثيل النساء اليوم في برلمانات العالم من حيث تدني نسبة هذا التمثيل حتى في البرلمانات الغربية والوضع أشد سوءاً في برلمانات العالم الثالث وبضمنه الدول العربية فيقول:
“تعاني المرأة، شأنها شأن الجماعات الأكثر ضعفا في المجتمع المعاصر كالفقراء والمهمشين، من تدني مستوى تمثيلها في الحياة السياسية، بما لا يتناسب ووزنها الكمي الذي يصل إلى نصف عدد السكان في المجتمع، نتيجة عدم العدالة في توزيع الموارد السياسية في ه%D

اقرأ المزيد

ادعاء بين تجربتين منقولة وملموسة!


من بين ما يروّجه دعاة الخصخصة الشاملة لتسويق مشروع قانونهم المعيب الادعاء أنّ مشروع القانون في شأن تنظيم برامج وعمليات التخصيص مشروع قانون فريد من نوعه وليس له مثيل في العالم من حيث الضمانات والمزايا، التي يوفرها للعاملين الكويتيين في الشركات الخاصة، التي ستؤول إليها ملكية المشروعات العامة بعد خصخصتها… في حين أنّ الحقيقة خلاف ذلك، فما نصّ عليه مشروع القانون من ضمانات ومزايا للعاملين منقول بصورة شبه كاملة عن التجربة الماليزية للخصخصة منذ أواسط ثمانينيات القرن العشرين، أي قبل أكثر من ربع قرن، وهي ليست بدعة كويتية غير مسبوقة، مع ملاحظة فارق مهم وهو أنّ العاملين في القطاع الخاص في ماليزيا يتمتعون بمعدل رواتب أعلى من العاملين في القطاع العام، حيث ألزمت الحكومة الماليزية شركات القطاع الخاص بتوظيف العمالة المنتقلة إليها لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وألزمته بدفع رواتب لا تقل عن رواتبهم السابقة، مثلما منحت العاملين الماليزيين نسبة معينة من رأسمال الشركة، التي تم تخصيصها لاكتتابهم وفق شروط ميسرة، كما مكنتهم من شراء نسبة محددة من الأسهم بسعر الإصدار بعد مضي ثلاث سنوات من العمل في الشركة كحافز لاحتفاظهم بأسهمهم… وقد سبق لوفد من لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة الكويتي الأسبق أن زار ماليزيا في العام 1994 للاطلاع على تجربتها في تشريعات الخصخصة، حيث نقل الوفد الكويتي في تقريره بعض المزايا المقررة للعاملين الماليزيين في المشروعات العامة بعد خصخصتها، التي تمّ الأخذ ببعضها.

وعندما نحاول تحديد هذه الضمانات والمزايا في مشروع القانون الجديد سنجدها في الفصل الرابع منه، الذي يحمل عنوان “حماية حقوق العاملين” ويضم المواد من المادة السابعة عشرة إلى المادة الحادية والعشرين… ولكن الضمانات والمزايا المقررة للعاملين في المشروعات العامة ممَنْ يرغبون في العمل بها بعد تخصيصها، وهي الضمانات والمزايا التي ستتحمّل الشركات الخاصة عبء التزام تنفيذها سنجدها تحديدا في المادة السابعة عشرة فقط من مشروع القانون؛ لأنّ بقية المواد في هذا الفصل إما أنّها تتصل بالعاملين، الذين لا يرغبون في الانتقال إلى الشركات الخاصة، أو أنّها تتعلق بمزايا في قانون التأمينات الاجتماعية ستتحمّل الخزانة العامة الأعباء المالية المترتبة عليها، ولا تتحمّل الشركات الخاصة أي عبء أو التزام فيها…

أما المادة الحادية والعشرون فمتعلقة بوضع المجلس الأعلى للتخصيص القواعد، التي تلتزم بموجبها الشركات بوضع وتنفيذ برامج تدريبية تكفل الاستفادة من العاملين المنقولين إليها، ولا يمكن وصف إعادة التدريب بأنّها مزية، وإنما هي ضرورة تقتضيها حاجة الشركات الخاصة قبل أن تقتضيها حاجة العاملين المنقولين من أصحاب الخبرة السابقة، وذلك بهدف استغلال جهودهم وقوة عملهم إلى أقصى مدى ممكن!

إذن فالمزايا المقررة في مشروع القانون للعاملين الكويتيين المنقولين تنحصر في التزام الشركات الخاصة بضمان أن تكون مدة عقود عملهم خمس سنوات يحصلون خلالها على مرتباتهم ومزاياهم المالية والعينية، أما تجديد العقود بالمرتبات والمزايا ذاتها بعد انقضاء السنوات الخمس فيعود وفقا لهذه المادة من مشروع القانون إلى رغبة الشركات الخاصة في استخدام هؤلاء العاملين الكويتيين المنقولين، مثلما يعود أمر تسريحهم من العمل فيها إلى عدم رغبة هذا الشركات بذلك… إلى جانب تحديد نسبة لا تجاوز 5 في المئة من أسهم الشركات المساهمة، التي تؤول إليها ملكية المشروعات العامة، يكتتب بها العاملون الكويتيون المنقولون الراغبون في الاكتتاب بالشروط التفضيلية.

ولدينا تجربة ملموسة ومؤلمة في الكويت فقد انقضت أخيرا مدة السنوات الخمس على خصخصة نحو 80 محطة وقود كان يعمل فيها أكثر من 360 مشرفا كويتيا، حيث تناقص عددهم وأصبح الآن في حدود 35 مشرفا كويتيا فقط، والآن ومع انتهاء مدة السنوات الخمس تتجّه الشركات إلى تسريح هذه البقية الباقية المحدودة العدد منهم… وهذا ما سيحدث في الغالب في حال صدور مشروع القانون الحالي بعد انقضاء السنوات الخمس للعديد من العاملين الكويتيين، الذين سينتقلون إلى الشركات الخاصة بعد خصخصة المشروعات العامة، التي يعملون بها حاليا..!

جريدة عالم اليوم 18 أبريل 2010
 

اقرأ المزيد