المنشور

إعادة الجمال المفتقد لبيئة البحرين

في غمرة انشغالات الحركة السياسية في البحرين بتفاصيل الحراك اليومي، وما أكثرها وما أكثر تشعباتها، لا يجد نشطاؤها والعاملون في صفوفها الوقت الكافي ليولوا عنايتهم بقضايا مهمة، إن بدت في الظاهر غير ذات طابع سياسي، فإنها على صلة وثيقة بأكثر القضايا أهمية، تنموية واجتماعية وحتى سياسية أيضاً، ومن ذلك ملف البيئة في البحرين.
والقضية البيئية باتت اليوم قضية ذات طابع كوني، تستقطب حولها قوى اجتماعية ومجموعات ضغط هائلة التأثير تضاهي في القوة والفاعلية تأثير الكثير من القوى السياسية التقليدية التي يتضاءل تأثيرها أكثر فأكثر كلما غفلت عن مستجدات التطورات الجديدة في البنى الاجتماعية والاقتصادية وفي التحولات الجارية في الكوكب برمته.
في بلادنا البحرين تكتسب هذه القضية أهمية مضاعفة بالنظر إلى حجم الخطر الذي يلحق بالبيئة من الأوجه المختلفة، إن على صعيد وضع الزراعة والمناطق الخضراء التي كانت تملأ أراضي البحرين أو على صعيد البيئة البحرية من شواطئ وخلجان وجزر وما إلى ذلك.
في مساهمةٍ من المنبر التقدمي في الجهود الخيرة التي تبذلها الهيئات المدافعة عن البيئة والنشطاء البيئيين في بلادنا أقامت لجنة البيئة في «التقدمي» حلقة حوارية عن ردم السواحل وآثاره المدمرة على البيئة، وبجهدٍ مشكور من رئيسة اللجنة نادية حنين وزملائها من أعضاء اللجنة اجتمع في مقر «التقدمي» نواب وناشطون بيئيون وناطقون باسم البحارة والصيادين وقانونيون وأكاديميون وإعلاميون وممثلون للجمعيات السياسية لمناقشة آثار ردم الشواطئ على البيئة وعلى وضع ومستقبل الثروة السمكية والبيئة البحرية في البحرين، والأبعاد التنموية والاجتماعية للموضوع.
قُدمت في الحلقة الحوارية أوراق ومواد فلمية وعروض تفصيلية للموضوع، بما في ذلك النتائج التي خلصت إليها لجنة التحقيق في الدفان، ودارت على اثر ذلك مناقشات ثرية، في نتيجتها خلصت الحلقة الحوارية إلى مجموعة من التوصيات الجديرة بالاهتمام من الجهات المعنية بالشأن البيئي سواء كانت رسمية أم أهلية.
ومن أهم تلك التوصيات: إعادة هيكلة الثروة السمكية وإدراجها تحت وزارة البلديات بصفة مباشرة وتحت قراراتها، حتى يصبح صاحب القرار هو المسؤول أمام مجلس النواب والحكومة، الاشتراط على السفن الحربية عدم التخلص من نفاياتها وبخاصة الخطرة والمشعة في البحر، إنشاء مركز متخصص بالدراسات البحرية يتبع مركز الدراسات والبحوث ومهامه إجراء المسوحات الميدانية وجمع البيانات البيئية وتوفير ميزانية خاصة لها.
كما أوصت الحلقة بضرورة تطبيق القوانين المنظمة لعمليات الصيد دون استثناءات، تشديد الرقابة على عمليات الحفر والدفان، التزام الحكومة بتنفيذ أحكام القانون رقم 20 لسنة 2006 بشأن حماية الشواطئ والسواحل والمنافذ البحرية، تكاتف جهود النواب وأعضاء المجالس البلدية والجمعيات السياسية وجمعية ونقابة الصيادين والتركيز على هذا الملف البيئي، كما جرى التأكيد على أهمية التوصيات والمقررات التي خلصت إليها لجنة التحقيق البرلمانية في الدفان، وضرورة السعي إلى تنفيذها بالسرعة الضرورية.
إزاء الملف البيئي فان الوقت لا يجري لصالح حمايتها وإنقاذها من المخاطر التي أحاقت بها، والمطلوب خطوات سريعة وفعالة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من أجل أن نعيد للبحرين بعض ما كانت عليه بيئتها العذراء من جمال وألفة، فقدناهما جراء الجشع الذي أعمى العيون.
 
صحيفة الايام
27 مايو 2010

اقرأ المزيد

جياع العالم.. والمقتدرون المقترون (2-2)

لئن عبرت النداءات التي وجهها الدالي بلقاسم (المدير الاقليمي لبرنامج الاغذية العالمي) إلى أغنياء العالم والتي يستصرخ فيها ضمائرهم لانقاذ مليار انسان من الهلاك جوعاً عن المرارة والألم اللذين يشعر بهما الرجل من تجاهل مليارديرية العالم – دولاً وشخصيات – لتلك المأساة الانسانية الجماعية، فإن نداءات جاك ضيوف المدير العام لمنظمة الاغذية والزراعة ومن موقع مسؤوليته الدولية والانسانية باعتباره الرجل الأول في هذه المنظمة المعنية باغاثة جياع العالم، ومن موقع أيضاً خبرته المديدة في المنظمة ذاتها، ومن ثم المامه الدقيق الشامل والمعمق ليس بخريطة الجوع في مختلف أصقاع العالم فحسب، بل بالمتسببين الفعليين في خلق معظم حالات وأوضاع الجوع في المعمورة.. لكل هذه الاسباب مجتمعة فإن نداءاته التي استصرخ فيها “ضمائر” هؤلاء الميتة جاءت اكثر غضباً وسخطاً لما يبدونه من لا مبالاة وتفرج متواصل وعدم اكتراث بهذه المأساة الجماعية.
واذا كان ضيوف بحكم مسؤوليته الدولية في تلك المنظمة لم يسم بالاسم المسؤولين عن الكارثة، دولاً وانظمة وشركات، سواء على الصعيد الداخلي لكل دولة ام على الصعيد العالمي بوجه عام، إلا أنه يحسب له جرأته في تعرية نفاق الدول الغنية الصناعية (الرأسمالية الكبرى على الأدق) لمماطلاتها الدؤوب في الاضطلاع بمسؤولياتها الانسانية، ناهيك عما تبدده من أموال طائلة في صناعة التسلح وتجارة الاسلحة (تريليون دولار) في حين ينام مليار انسان جائع كل ليلة، بل في كل 6 ثوان – على حد تعبير ضيوف – يموت طفل في مكان ما من هذا العالم نتيجة الاصابة بمرض من الأمراض ذات الصلة بالجوع، مما يعني ان اكثر من خمسة ملايين طفل يموتون جوعاً في كل سنة.
وهو يضيف ساخرا بمرارة من نفاق وتسويف تلك الدول الغنية الكبرى: “انهم يصدرون بين حين وآخر تصريحات رنانة يتعهدون فيها بأن ثمة اجراءات مبكرة وحاسمة لكن دعوني الآن أصرخ مرة أخرى بالصافرة”.
وعلى سبيل المثال لا الحصر يشير ضيوف إلى انه بالرغم من مرور ما يقرب من سنة على تعهد زعماء الدول الثماني الصناعية الكبرى باستثمار 22 مليار دولار في 3 سنوات لانتاج الغذاء لصالح البلدان الفقيرة فإنه لم يكد يصل شيء إلى تلك البلدان.
ويرجع ضيوف استرخاص هؤلاء الزعماء المماطلة تجاه مليار جائع في العالم لان الكلمات ارخص من الفلوس، فالكلمات لا تسد رمق اصحاب البطون الخاوية، وإذا كنا في حلقة الأمس وصفنا بأن مظاهر البطالة والفقر والجوع في العالم تشكل معاً اخطر قنبلة موقوتة آنية تهدد السلم الأهلي في كل دولة والسلم العالمي عامة فإن “ضيوف” لا يتوانى عن تعليل القلاقل والاضطرابات التي شهدها 32 بلداً في العالم خلال عامي 2007 و2008م فقط بالجوع وكل المشكلات المرتبطة به.
ولعل ما جعل ويجعل نداءات جاك ضيوف العديدة التي ما فتئ يوجهها بين الفينة والاخرى تتصف بالحرارة الصادقة صادرة عن ضمير انساني حي ليس كونه يمثل الشخصية الدولية الأولى المسؤولة عن متابعة مأساة مليار جائع في العالم فحسب بل ينتمي إلى القارة الأكثر فقراً ومنكوبية بالكوارث البشرية المتعددة في العالم.
نداءات مدير عام منظمة الاغذية والزراعة جاءت في متن مقالة له بالشرق الاوسط 10/5/2010م تحت عنوان “الرجل الجائع رجل غاضب” ولربما لو كان على المام كاف بالتراث الاسلامي لوجد في مخزونه جملة من الحكم والاقوال المأثورة اكثر تعبيراً عن مأساة مليار جائع الراهنة ومن يقفون وراءها في عصر الرأسمالية العالمية المتوحشة فعنوان مثل “الرجل الجائع.. رجل كافر” اكثر تعبيراً يليق بمقاله الرائع اقتباساً من المقولة المأثورة “الجوع كافر” ولو علم بها مقدماً لما تردد عن تعليل الاضطرابات الاجتماعية التي حدثت في 32 دولة عامي 2007 و2008م بها ولكانت مقولات مأثورة للامام علي “عليه السلام” من قبيل “لو كان الفقر رجلاً لقتلته”، أو “ما نعمة موفورة إلا وراءها حق مضيع”، أو مقولة أبي ذر الغفاري ذات المنحى المجازي في المبالغة لا التطرف “عجبت لمن لا يلقى قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه!”.. لكانت كل تلك المقولات حاضرة بقوة بين سطور مقالته الضافية.
ضيوف متأثراً ربما بقرب بطولة كأس العالم التي ستقام في قارته (بجنوب افريقيا) التي ستصرف عليها مليارات الدولارات على أرض القارة التي تشكل المرتع العالمي الاكبر للجوع والفقر والأمراض استعار غير مرة في تعبيراته لتحذير العالم من هلاك مليار جائع “سأصرخ بالصافرة” من هذا الوضع لكن ليته أوضح نوع هذه الصافرة، كرة القدم لن تنفع مع من هم بكم وماتت ضمائرهم بل لن تنفع معهم حتى صافرات الانذار الخاصة بالغارات الجوية حتى حينما تأزف حرب كونية جديدة بعد أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً مع مليار جائع يقضون نحبهم تباعاً.

صحيفة اخبار الخليج
26 مايو 2010

اقرأ المزيد

صرخة ألـم ونداء استغاثة !


ليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة على ما يبدو، حين يسمع الجمهور تلك الحقائق المقلقة من قبل المختصين حول دمار البيئة البحرية وردم السواحل والتجريف البحري، ففي الحلقة الحوارية التي نظمها المنبر الديمقراطي التقدمي مطلع الأسبوع الجاري تحت عنوان” ردم الشواطيء كارثة بيئية مدمرة” تم عرض الكثير من الأرقام والاحصائيات واستعراض  الكثير من المعلومات التي لا نستطيع إلا أن نسميها صادمة ومؤرقة لكل من له ضمير حيال بحرنا وبيئتنا  البحرية وشواطئنا ومخزوننا السمكي الذي خلص المتحدثون في تلك الحلقة الحوارية إلى أنه أصبح صفرا!

شاركت شخصيا في تلك الحلقة ولم المس غير مواطن الوجع والألم الذي اعتصرنا مع المتحدثين من ذوي الاختصاص من  خبراء ونواب وبحارة وسياسيين ومهتمين، وكأن لسان حالهم جميعا كان يقول.. لماذا أوصلونا إلى كل هذا والى من نشتكي حالنا؟! وهل تستحق البحرين وبحرها  الذي كان غنيا يوما وبيئتها البحرية الجميلة كل هذا التدمير والاعتداء الذي لم يوفر شيئا يذكر من رصيد  ثروتنا السمكية، ليعلن الرئيس الفخري لجمعية الصيادين الأخ وحيد الدوسري أن الأسماك المعروضة في أسواقنا هي من مصائد دول الجوار ويرجع الفضل في تواجدها في أسواقنا إلى أولئك البحارة الذين يتعرضون اليوم  للرصاص والبهدلة والمحاكمات في سبيل بحثهم عن مصدر رزقهم الحلال، فهم من يمدون أسواقنا ببعض ما تجود به تلك السفن الهاربة دوما  والمطاردة على الدوام، لملء  جزء يسير من قاع سلتنا الغذائية التي أفرغتها نوازع الجشع والأنانية  والإستثمارات غير المدروسة، التي أتت على ما تبقى لنا من بحر وبيئة بحرية، وفي هذا أصاب النائب ناصر الفضالة احد مقدمي الأوراق حين قال أن بحارة البحرين لم يكونوا يوما قراصنة، فيما أشار رئيس نقابة الصيادين حسين المغني إلى أن الجميع قد تشاركوا في تلك الهجمة الشرسة على الحياة الطبيعة للأسماك، ولم يراعوا مساكنها أو مراعيها، فقد تعدى الجميع على الجميع، فتعدى صيادو الأسماك على بعضهم البعض، وتعدى صيادوا الربيان على صيادوا الأسماك وتعدى بعضهم على مصائد بعض دول الجوار، وصيادو الشباك على أصحاب القراقير وهؤلاء تعدو على أصحاب الحضور، في مشهد لا يمكنه إلا أن يوحي بما وصلت إليه حال ثروتنا البحرية من تردي وخسران، نتيجة كل تلك السياسات التي لا زالت قائمة حتى الآن بكل أسف دون أن نلحظ أي تحرك مسئول من قبل الدولة للتعاطي مع ثروتنا البحرية وبحارنا  المدمرة بشيء من المسئولية، وذلك ما يضع خطط التنمية برمتها على المحك طالما افتقدت الرؤية والوضوح، وطالما لم يراعي معها أي فهم حقيقي للتنمية الإستراتيجية وأهمية الحفاظ على الثروات وعلى  سلة غذاء إنسان هذه الأرض.

كل مرة أحضر فيها ندوة أو حلقة حوارية من هذا النوع أصاب بدوار وحنق أعجز معه عن فهم مغزى تلك القسوة وعدم المبالاة  بحق بيئتنا البحرية ، فكيف يستوي أمر المسئولين لدينا وهم يتقاذفون المسئولية  فيما بينهم في الوقت الذي تُصدر الجهات الرسمية تراخيص الدفان الجائر دون توقف، في مخالفات صريحة  ومتكررة للقوانين السارية وللدستور حين أكدت جميعها على أهمية حماية الثروات البرية والبحرية باعتبارها ملكا عاما لا يجوز التصرف فيه خارج الأطر القانونية المتبعة.. فهل ذلك ما يحصل فعلا؟! أجيبونا… 

أقول لا خير في تنمية  أو مدن رفاه  أو منتجعات أسطورية سيسكنها الأجانب وأصحاب الثروات إذا كانت على حساب بحرنا  وبيئتنا وسواحلنا وثروتنا السمكية، وكما ذُكر في تلك الحلقة الحوارية  المتميزة المشار إليها هنا، من أن تلك المدن الحديثة  والمرفهة هي عبارة عن مقابر  ومدافن لأحيائنا البحرية  وبيئتنا المدمرة وهي مسئولية علينا أن نستعد جيدا لتحملها أمام الأجيال القادمة بعد أن فرطنا فيها كما فرطنا بالأمس في مصادر مياهنا الجوفية ومزارعنا ومساحاتنا الخضراء وخلجاننا  وجزرنا وأراضينا ومهننا وحرفنا التقليدية!

لن نقرع الجرس ولن نلفت نظر المسئولين فليست هي المرة الأولى التي نتحدث فيها ويتحدث معنا الآخرون حول ما حصل ويحصل لبحارنا وثرواتنا من تدمير منهجي لحساب مصالح خاصة  باتت تتلاعب بمستقبل أرضنا وبحرنا دون أدنى مسئولية، يكفينا أن نقول أن من بين أكثر من 500 نوع من الأسماك أصبح لدينا  فقط 40 نوعاً، وان هناك أكثر من ثلاثمائة طراد لتهريب الروبيان الشحيح أصلا  إلى دول الجوار خلال فترات التوقف المعلنة، وأنه أصبح لدينا 1700 رخصة صيد و 1080 مالك سفينة صيد من بينهم فقط 400 من الصيادين المحترفين! وهناك أكثر من 600 رخصة لدى أصحابها مهن مزدوجة.

لقد عجز بحارتنا وهم يقرعون أجراس الخطر مرارا دون أذن تسمع أو عين ترى، حتى داهمنا عنوان انقراض ثروتنا السمكية التي أصبحت صفرا، أنها مسئولية كبرى يجب على الدولة والحكومة ومجلس التنمية الاقتصادية تحديدا أن لا ينتظروا تشريعا يأتي بشأنها أو مسائلة أو حتى  قرار، بل أن يبادروا سريعا ومن منطلق المسئولية التاريخية والوطنية لحماية ما تبقى من بحرنا لإصلاح ما تم تدميره طيلة السنوات العشر الأخيرة…إنه نداء استغاثة فهل تسمعوننا؟!
 

اقرأ المزيد

يوم القبض على زوربا


ذات مرة منذ سنوات عديدة كان الشاعر العراقي الراحل عبدالوهاب البياتي آتياً من برلين إلى بغداد مروراً بالعاصمة اليونانية أثينا. في الطائرة كان يجلس إلى جانبه رجل يقلب جريدة «اللوموند»، فاستأذن منه البياتي ليدخن، فأجاب: «تفضل، فالتدخين لا يزعجني»، ثم سأله إلى أين أنت ذاهب، فرد البياتي إنه عراقي وعائد إلى بغداد. قال الرجل مخاطباً البياتي: هل أنت مدرس؟، فأجابه: يشرفني أن أكون مدرساً ولكني شاعر. عند ذلك تنهد الرجل، ووضع الجريدة جانباً، وأخذ يُحدثه عن العذابات التي يكابدها الشعراء والكتاب والفنانون والعُمال في اليونان علي يد الانقلابيين العسكر الذين كانوا يسيطرون على البلاد يومها، وكيف أنهم يرسلون الشعراء والمثقفين إلى الجزر اليونانية النائية ولا يسمحون لذويهم أن يزوروهم.

حين هبطت الطائرة في مطار أثينا، صعد ضابط قبل نزول الركاب وتوجه تحديداً إلى الرجل الجالس بجوار البياتي، ووضع القيود في يديه، ومضى معه حتى قبل أن يتمكن جاره في الرحلة من توديعه. حين عاد البياتي إلى بغداد لمعت الفكرة في ذهنه، وكتب قصيدة «سلاماً أثينا» المنشورة في ديوانه «عشرون قصيدة من برلين»: «لعل في «الأولمب» لاتزال، آلهة الإغريق تستجدي، عقيم البرق في الجبال، طعامها الخبز وآلام الملايين من الرجال، قلت: سلاماً وبكى قلبي / وكان الفجر في الأطلال، يضيء وجه العالم الجديد، وجه شاعر يحطم الأغلال«.

بعد سنوات من هذه الواقعة، كان البياتي في باريس، فاقترح عليه أحد أصدقائه أن يذهبا إلى مطعم يوناني يقع في شارع ضيق متفرع من (السان ميشيل)، ففوجئ وهو يدخل المطعم، برجل بصحبة امرأة يتصدر إحدى الموائد، وكان ينظر إليه بين الحين والآخر، وقبل أن يغادر البياتي مع صديقه المطعم أخبره الجرسون أن الرجل الذي يجلس قبالك قد دفع الحساب فهل تعرفه؟ فأجاب البياتي بالنفي، فشرح له الجرسون أنه الموسيقار اليوناني العظيم ميكيس ثيودراكيس مؤلف موسيقى فيلم (زوربا) اليوناني.

تقدم إليه البياتي شاكراً، فرد الموسيقار الشهير: كنت أراقبك وأنت تدخن بنهم، فتذكرت أننا التقينا منذ سنوات في الطائرة المتجهة من برلين إلى بغداد مروراً بأثينا. تذكر البياتي الواقعة جيداً، وكان يعلم أن ثيودراكيس في سجون العسكر في اليونان، دون أن يعلم أنه هو ذاته الشخص الذي أقتيد مخفوراً من الطائرة أمامه وأمام جميع ركاب الطائرة، وفهم من ثيودراكيس أن السلطات العسكرية أطلقت سراحه تحت تأثير حملة التضامن العالمية الواسعة معه، وتجنباً للحرج.

سيذكر عبدالوهاب البياتي هذا الحديث المؤثر فيما بعد، ويكتب عنه: «كنا أربعة: أنا والموسيقى الأعمى، ودليلي، ومغني آلهة الأولمب الحكماء». وبعد سنوات سيعيد سردها بتفاصيلها في كتبه: «مدن ورجال ومتاهات» الذي يحكي فيه فصولاً وتفاصيل من سيرته الذاتية وحياته التي توزعت على المدن، مذكراً إيانا بالمذاق المختلف لتلك الأيام.
 
صحيفة الايام
26 مايو 2010

اقرأ المزيد

السياحة في مجتمع إسلامي!

ترك المجتمع الماليزي بين الزيارتين المتباعدتين 1996 – 2010 انطباعا مختلفا عما كان هو مفترض توقعه في ثقافة بلد إسلامي يهمه ارتفاع وزيادة دخله السياحي، وفي ذات الوقت يهمه الحفاظ على هويته الثقافية والدينية، دون ان ترتبك الحسابات الحقوقية والدستورية داخليا لمجتمع تعددي ومفتوح في منطقة تتصادم وتتصارع فيها مصالح البلدان الأسيوية والعالمية. بإمكان الزائر اليوم تحسس الجوانب الدينية في المجتمع الماليزي وطباعه وثقافته بل وزيه المحافظ المتعدد بالوان جميلة لا تشعرك بسوداوية الاشياء ومظاهرها، فالحجاب هناك مريح والملابس ايضا لا تجعلك تشعر بانك في مجتمع مرتبك واستفزازي وضاغط سواء من سلوك المجتمع والافراد انفسهم ام من العلاقات الاجتماعية السائدة التي تتلامس مع شتى أشكال الاحتكاكات الأجنبية، والمثير انك لن تجد النقاب ظاهرة ماليزية نجح الاخرون في اختراقها. لا ترى في المحلات غضبا دينيا من ملابس الآخرين بالشورت، فالفتاة المسلمة المتحجبة اعتادت حرية الاختلاف، واعتادت تعدد الخطاب اليومي بين اطياف المجتمع الماليزي واطياف زوار المجتمع الغرباء، الذين جاؤوا لكي يقضوا إجازات ممتعة من شتى بلدان العالم ولكنهم لم يرتطموا بصخور التزمت ولا بسلوكيات انسان محافظ يحمل لهم من الضغينة والكراهية لمجرد انهم مختلفون.
 
لم اشعر من تزمت الماليزي الذي يعمل بجانب مواطنه من اصل هندي وصيني في مواقع مختلفة من الفنادق، اذ بامكانك ان تجده يعمل في المطعم والاستقبال والخدمات المختلفة بما فيها حانات فندق متعدد المشارب، حيث بامكانك أن تجد ظاهرة حداثية للجيل الماليزي المسلم، الذي يؤدي طقوسه الدينية بفهمه وتربيته، ولكنه قد لا يمانع العمل في امكنة نحن في البحرين نجدها محرمة وممنوعة من المصادر الدينية.
 

بامكانك ان تتحدث لهن في كل مكان بكل انفتاح ومرونة وعلاقات انسانية، عندما يشعرن بانك تحترمهن كنساء وفتايات ماليزيات لهن ثقافة وديانة مختلفة عن ابن وطنهن الاخر، ويتحركن في مواقع مهنية عديدة بحجابهن دون ان يشعرنك بانهن خجلات او مرتبكات من زبون رجل جاء للشراء وسيكون من ثقافة مختلفة وقد يجد في التجربة هناك ينبوعا جديدا ربما لن يراه في حجاب اوروبا السياسي، اذ تحولت الحالة الاوربية الى موضوع سياسي بينما ظل الحجاب والتدين في ماليزيا الاقرب للحالة التركية والابعد عن الحالة الباكستانية، مسألة روحية ودينية واخلاقية لها وضع مختلف.

وتحتاج العين الى رصد الاشياء والامكنة للمقارنة بين الحالة الماليزية التي تتمدد نحو الانفتاح العالمي والسياحي يوما بعد يوم، والحالة العربية عندنا التي تتقلص يوما بعد يوم باشكال عديدة من التزمت والقيود دون معنى او حسابات دقيقة للانتكاسات الاقتصادية والسياسية. وجدت الشوارع والمقاهي النشطة بجاليات عربية واسلامية من ايران والعراق وتركيا وباكستان وحتى الهند جنبا الى جنب مع الجنسيات الغربية والاسيوية في مجتمع كوزموبوليتاني داخل مقهى واحد يقدم لك كل انواع الاطعمة والشراب وعليك ان تختار ما تحدده ثقافتك وتحدده سلوكياتك وقناعاتك كسائح جاء لبلد مسلم الهوية والاطباع، ولكنه في الوقت ذاته ترك مساحة من المرونة والاستجابة لكل ما هو مختلف ومغاير وغريب دون اي تدمير لنسيج هويته الاساسية.
 
التعددية المجتمعية بدت منسجمة هذه المرة اكثر من السابق، والانفتاح الاجتماعي الماليزي صار اكثر تقدما في الفهم للمحيط الاقليمي والداخلي والعالمي في عالم سياحي يتنافس على رفع رصيده من الدخل الوطني القادم من هذا القطاع الحيوي. كنت سعيدا في داخلي وانا أرى الفتيات المتحجبات يتحركن داخل إطار اجتماعي اوسع دون أي ارتباك وخجل او اهتزاز في الشخصية، اذ لم تكن تلك الظاهرة السبب الوحيد المدمر لرجعية أي مجتمع وانما السلوك الاجتماعي والعدائية هو وحده الذي يضع العراقيل بين الثقافات المتعددة، ليس بين الاجانب والمواطنين وحسب بل وبين المواطنين انفسهم ايضا، عندما لا يتم فهم المختلف وتعايشه مع المشترك جنبا الى جنب بشكل متـناغم.



في مجتمعاتنا مازالت الحالة السياحية في نمطها الاسلامي تخلط بين الاشياء وتتداخل فيها الحالات المسموحة والممنوعة وتفرض الواحدة نفسها على الاخرى بل وتحاول التسيد والسيطرة الى حد الاستبداد. اليوم البحرين تمر في منعطف تاريخي لاقتصادها وتجربتها السياسية بسبب الرؤية الضيقة لمسألة المسكرات، والتدخل السافر باسم الدين في قضايا دستورية تمس الحريات الشخصية، ولا يمكن فهم الحريات بشكل ساذج ويترجم وفق الرغبات الدينية والاخلاقية، فلكل انسان حق في العيش الحر والاختيار الحر الذي يمنحه القانون والدستور والحقوق، تلك الحقوق التي باتت يوميا تنتهك تحت حجج دينية مستترة ومعلنة، فهل سنتعلم من تجارب اسلامية متقدمة ام نسقط في شراك تجارب اسلامية برهنت فشلها الذريع؟
ما نحتاجه في البحرين الخروج من تناقض الازدواجية المجتمعية والدخول في حلها بتجاوزها انسانيا لكوننا نعيش واقعا حياتيا قبل ان نعيش في الماضي وفي المجهول، وفي نصوص لم يحسم امرها داخل البيت الاسلامي المتعدد المذاهب والملل، بل ولا يمكن تقدم أي حالة انسانية بعلومها المختلفة عبر نافذة التفسيرات الدينية للحياة المتحركة الفياضة بالمعطيات والتجارب الحداثية، والتي كثيرا ما وضعتنا في وضع ملتبس بالاسئلة وملتبس في الاجابات الاكثر ضيقا من اتساع الحياة نفسها وحركتها وتجديداتها.

السياحة منبت لا يمكن تدجينه بطريقتنا الحالية ولا سجنه في قفص التزمت بالمنع والتهديد والبكائيات الزائفة على هوية المجتمع، الذي في شكله اسلامي ولكنه في المضمون يظل مرتبكا ومضطربا، حيث العلن مختلف عن السر كخيانة زوج واب متزمت في البيت غير انه يعود اخر الليل بعباءة الشيطان، فيسبح في ملكوت مملكة التناقضات بين حالة الخوف من النار والرغبة المحمومة بالفردوس.
 
الأيام 25 مايو 2010

اقرأ المزيد

جياع العالم.. والمقتدرون المقتّرون (1-2)

بحسب تقديرات المدير الاقليمي لبرنامج الاغذية العالمي في منطقة الشرق الاوسط ووسط آسيا واوروبا الشرقية التابع للأمم المتحدة الدالي بلقاسمي (الحياة 22/8/2009) فإن عدد الجياع في العالم سيقفز قريبا الى اكثر من مليار انسان.. نكرر “مليار انسان جائع”.. وهذا يعني طبقا لبلقاسم نفسه ان واحدا من كل سبعة اشخاص ينضم يوميا الى صفوف الجياع، او ان جاز لنا القول “نادي الجياع” يكفي ان نعرف لتأكيد دقة الرقم ان العام الماضي وحده 2009 سجل انضمام 100 مليون عضو جديد الى هذا النادي العتيد الذي لم يعرف هذا التضخم في عدد اعضائه طوال تاريخ البشرية قياسا بسكان العالم خلال كل مرحلة من مراحلها.
ولقد كان للأزمة المالية والاقتصادية الرأسمالية العالمية الراهنة دور مباشر في مضاعفة اعداد الفقراء والجياع ممن قذفتهم الازمة على ارصفة الفاقة، ولاسيما بعد ان عمد الرأسماليون المتضررون “ربحيا” من الازمة، اي المتضررون من تدني نسبة الارباح وليس افلاس مؤسساتهم بالضرورة، الى رفع اسعار السلع الغذائية الاساسية بمعدلات صاروخية مخيفة لم يسبق لها مثيل تاريخيا من حيث النسب مقارنة بأسعارها الاصلية حتى اصبح معها تلك السلع بعيدة عن متناول ملايين الفقراء والمعدمين.
ولأن الازمة تتأثر بها في المقام الاول بلدان الشعوب الافقر في العالم ولاسيما في ضوء ارتباطات اقتصاداتها بالاقتصاد الرأسمالي العالمي فمن الطبيعي ان تكون الشرائح والطبقات الدنيا في هذه البلدان الاكثر تضررا من الازمة ولاسيما اذا ما اخذنا بعين الاعتبار مع اضطرار ذويهم في بلدان المهجر الغربية المتقدمة الى خفض تحويلاتهم المالية الى بلدانهم تحت تأثير تدني دخولهم او فقدان وظائفهم.
ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي العام الماضي فمن المتوقع هبوط الاستثمارات الرأسمالية في البلدان النامية بنسبة 32%، وهذا يعني عمليا قذف 53 مليون انسان جديد في هذه البلدان الى مستنقع الفقر.
اكثر من ذلك وتبعا للمصدر الآنف الذكر نفسه فإن الدول الرأسمالية التي تتحمل مسئولية اخلاقية دولية وانسانية لما تسببته ازمتها من انعكاسات سلبية مباشرة مدمرة على السواد الاعظم من البشرية لا يخفي صندوق النقد الدولي توقعه بأن تعمد الدول الصناعية الرأسمالية الغربية الكبرى الى تخصيص مساعداتها الى افقر 71 بلدا وهي ما تشكل اكثر من ثلث بلدان العالم بنحو 25%.
يطالب الدالي بلقاسمي من موقعه التنفيذي الدولي المسئول كمدير اقليمي لبرنامج الاغذية العالمي بأن يقدم الاغنياء يد العون للفقراء ليس على سبيل الاحسان، بل ما للبطالة والجوع في تلك البلدان النامية من تأثيرات في الانتعاش العالمي. ولو شاء بلقاسمي معنا لقلنا ان البطالة والفقر والجوع تشكل معا اخطر قنبلة موقوتة راهنة تهدد السلام الاجتماعي، ان على الصعيد الداخلي وان على الصعيد العالمي، في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة من تاريخ البشرية.
وفي الوقت الذي يحتاج برنامج الغذاء العالمي الى 7،6 مليارات دولار لتوفير الغذاء لنحو 108 ملايين جائع في الـ 74 بلدا الاكثر فقرا فإنه لا يتوقع حصوله على ما يزيد على 7،3 مليار دولار فقط. يحدث ذلك في الوقت الذي خصصت فيه تريليونات الدولارات لانقاذ الدول الرأسمالية من الازمة المالية. يختتم بلقاسمي مقاله بهذا النداء المفعم بالدلالات الطبقية العالمية: “دعونا نمنح البشرية الاهتمام نفسه الذي نمنحه للبنوك وقطاعات الاعمال وصناع السيارات.. او حتى القليل من الاهتمام”.
ولعل ما لا يقل اهمية عن هذا النداء العالمي الذي وجهه المدير الاقليمي لبرنامج الغذاء العالمي ان يوجه نداء بالأهمية نفسها على الصعيد المحلي لكل دولة من الدول الاكثر تأثرا بالازمة بما فيها دولنا الخليجية، حيث لايزال مليارديريتها ومليونيريتها محجمين للأسف عن الاضطلاع بواجباتهم ومسئولياتهم الوطنية والاخلاقية والدينية تجاه جياع وفقراء اوطانهم، لعل النداءات تنفع في ظل شريعة الاستغلال العالمي.
 
صحيفة اخبار الخليج
25 مايو 2010

اقرأ المزيد

التدريب على الديمقراطية

الثقافة بطبيعتها ديمقراطية. ولكن ذلك لا يتحقق تلقائياً، ثمة جهود يجب أن تبذل من أجل ترسيخ القيم الديمقراطية في الثقافة، بنبذ أشكال التزمت والتعصب والتطرف وتكريس الانحياز العميق لقيم العقلانية والعلم والتسامح والانفتاح الحر والشجاع والنقدي في آن على تيارات العصر، سواء في ثقافتنا أو في الثقافات الأخرى دون خوف أو عقد.
وينبني على ذلك ضرورة النظر إلى الهوية الثقافية للشعب والأمة بوصفها حالة متحركة ومنفتحة، لا حالة جامدة أو منغلقة.
كما أن الانحياز للحداثة في الفكر وفي الإبداع هو من صميم ترسيخ الهوية الوطنية والقومية، التي تجد جذورها العميقة في الانتماء العربي – الإسلامي ، وليس نقيضاً له أو متعارضاً معه. فالحداثة نفسها قائمة كفكرة في التراث العربي الإسلامي نفسه.
ومادمنا في صدد الحديث عن ديمقراطية الثقافة، فعلينا أن نتوقف أمام ما ندعوه ثقافة الديمقراطية، لأن أسوأ أمرٍ ممكن أن نقع فيه أن نجد ديمقراطية بلا ديمقراطيين.
الديمقراطية هي ممارسة في المقام الأول يجب أن نتدرب عليها كي نتقنها، تماماً كما يتقن الرياضي أداء التمارين الرياضية، ويكتسب اللياقة بانتظام التدريب.
نحن جميعاً نحتاج مجتمعات غير ديمقراطية، وجزء كبير منا قادم من تنظيمات. وأخشى ما يخشاه المرء أن نأتي على الممارسة الجديدة بالذهنية السابقة غير الديمقراطية المعشعشة في ذهنية رفض الآخر.
على صلة بذلك نشير إلى ضرورة استقلالية المثقف، وللتدقيق فإننا لا نتحدث عن انعزال المثقف أو حياده أو تحصنه في برجه العاجي. وإنما ندعو إلى إقامة تلك المسافة الضرورية بين الثقافة والسياسة اليومية، بين المثقف والسياسي اليومي.
الثقافة معنية بصياغة المفاهيم التي تتطلب قدراً كافياً من التجريد، دون أن تنقطع عن الحياة. والمثقف المنخرط في الحياة وفي المجتمع معني في المقام الأول بأن يخلق ثقافة وإبداعاً، فهذا مجاله الحيوي الذي به يتحول هو نفسه إلى وجدان الناس ويعبر عنه في الآن ذاته.
ومثل هذا الفهم جدير بأن يؤمن للمؤسسات الأهلية المعنية بالشأن الثقافي والإبداعي فاعلية اكبر في دعم التحول الديمقراطي وتوطيده في أي مجتمع، ويجنبها مزالق الصراعات والمنافسات ذات الطبيعة السياسية لا الثقافية، بما يتسق والحاجة لبلورة مجتمع مدني فاعل ومستقل.
ومثل هذا المجتمع المدني لن يكون جديراً بالبقاء والتطور إن غاب عنه البعد الثقافي، في المعنى الشامل والمتكامل للثقافة، الذي هو لازمة من لوازمه.
 
صحيفة الايام
25 مايو 2010

اقرأ المزيد

لنتشارك في الدفاع عن المصالح الوطنية


أجمعت جمعيات التحالف السداسي (وعد، الوفاق، المنبر التقدمي، أمل، التجمع القومي، الإخاء) في مهرجانٍ تضامنيٍ حاشد مع «أملاك الدولة» أقامته على ساحل كرباباد عصر يوم أمس الأول، على ضرورة إبقاء ملف التعديات على الأراضي في البحرين مفتوحاً لحين استرجاع هذه الأملاك العامة.

وأكدت الجمعيات في كلماتٍ قدمها ممثلوها، أن ملف «أملاك الدولة» سيظل الملف الوطني الأول، مشددة على أنه لا مجال لليأس أو السكوت حتى عودة الأراضي للمواطنين.
وقال رئيس لجنة أملاك الدولة النيابية النائب عبدالجليل خليل: «إن ما جرى من تعديات على الأراضي في البحرين وأثبتت لجنة التحقيق النيابية في أملاك الدولة حدوثه على 65 كيلومتراً مربعاً يمثل أكبر عملية نهب وسرقة في تاريخ البحرين».

كلام رئيس لجنة الأملاك مؤثر لأنه يشير إلى أننا أمام قضية بحرينية وطنية لا يمكن التهاون معها، كما لا يمكن تجاهلها وخاصة أن سواحل وأراضي وطننا مهددة بالبيع إن لم تكن قد بيعت أصلاً، وأصبح لا ارض ولا ساحل للمواطن البحريني الذي يضرب اليوم بيديه كفاً على كف على ضياع أراضيه، وحسرة على وضع نعتقد أنه صار بحاجة إلى تدخل رسمي سريع يعيد الأمل للمواطن البحريني.

لقد عملت اللجنة البرلمانية 29 شهراً، ووثقت كل التعديات، ومن البداية قالت إن الحكومة لن تستطيع أن تقدم إجابات في أربعة أسابيع على ما عجزت عنه طيلة الـ 29 شهراً، وخصوصا أن الموضوع صار وطنياً بامتياز بعد أن أجمع كل أطراف المجتمع البحريني، الذي بات ينتظر إجابات واضحة بشأن أراضيه الضائعة.
مهما اختلفت الجمعيات السياسية فيما بينها، فإنه لا يجب أن تختلف في ملف الأراضي، لان السكوت قد يفتح المجال أمام المواطن البحريني للتشكيك فيما يمكن أن تحققه، وربما التشكيك في هدف تجمع هذه الجمعيات بما تمثله من جماهير.

ما يبدو في المشهد السياسي أن هناك نوعاً من التجاهل لدى أطراف حكومية في إخفاء المعلومات عن لجان التحقيق النيابية وهذا أمرٌ يخالف القانون ويؤدي إلى فقد الثقة بين جميع الأطراف السياسية وهو نفس الكلام الذي صرحت به جمعية الشفافية البحرينية وهذا قد يدفعنا إلى القول إننا على أعتاب مرحلة فقدان القدرة على المصارحة أمام قضايا جوهرية تمس الشارع البحريني.

كما أن عدم حضور الجمعيات السياسية الثلاث (المنبر الإسلامي، الأصالة، المستقبل) قد يفسر بطرق مختلفة. برغم كل ما حصل مازلنا نعتقد أن ثروات البلد هي ملك للجميع، ومن الضروري أن نكون أمناء عليها لأن المبدأ والدين أوصى أن نكون أمناء مع رسالتنا في تأمين حقوق الناس، وحقوق الناس اليوم تقع مسئوليتها على كل نائب ومن لا يلتزم في الحفاظ على هذه الحقوق فإن ذلك معناه أننا شركاء في التفريط في قضايا وطنية نأمل أن يسعى الجميع للحفاظ عليها والدفاع عنها .
 
الوسط الأحد 23 مايو 2010م

اقرأ المزيد

حال أول بلد اشتراكي في العالم اليوم (1)

لربما لا يختلف مؤرخان بأن نجاح ثورة اكتوبر البلشفية الروسية عام 1917 في اسقاط النظام القيصري وإقامة أول دولة “اشتراكية” في تاريخنا الحديث بزعامة لينين ثم انهيار هذا النظام الجديد بعد ثلاثة ارباع القرن هما من اكبر الاحداث التاريخية إثارة وأهمية في تغيير مجرى الأوضاع السياسية في روسيا والعالم جذريا من حال الى حال نقيض مختلف تماما.. فاذا كانت الثورة البلشفية عام 1917 التي نجحت في اقامة دولة اشتراكية للعمال والفلاحين بمثابة الزلزال الصاعق الذي هز روسيا والعالم حيث ادى ذلك الانتصار الى سلسلة من الاحداث التي أسهمت ليس في تغيير وجه روسيا والجمهوريات المنضوية في دولتها السوفيتية الاتحادية فحسب، بل ما لعبته هذه الدولة من ادوار مهمة خطيرة على الساحة الدولية والخريطة السياسية العالمية تحت تأثير تنامي نفوذها ونفوذ حزبها الشيوعي الحاكم، وبخاصة بعد تمكنها من دحر النازية في الحرب العالمية الثانية ودورها في اقامة أنظمة “اشتراكية” موالية لها في بلدان اوروبا الشرقية عرفت لاحقا تحت قيادة الاتحاد السوفيتي بـ “المعسكر الاشتراكي”، او “المعسكر الشرقي”، أو دول “المنظومة الاشتراكية” التي دخلت معه هذه الدول في حلف مشترك عام 1955م عرف باسم حلف “وارسو” وذلك ردا على اقامة الغرب بزعامة الولايات المتحدة حلفا عرف باسم “حلف الناتو” أو “حلف الأطلسي”، الذي كان موجها ضد الاتحاد السوفيتي وحلفائه في اوروبا الشرقية فضلا عن حركات التحرر الوطني في العالم الثالث وذلك إبان استعار الحرب الباردة بين المعسكرين التي انعكست ظلالها وتأثيراتها على السياسة العالمية والعلاقات الدولية على امتداد نحو نصف قرن.
اما الحدث التاريخي الكبير الذي لا يقل خطورة في اهميته وتداعياته وتأثيراته محليا وعالميا عن الحدث الاول والذي وقع في روسيا ذاتها ألا هو انهيار الاتحاد السوفيتي نفسه اول دولة اشتراكية في التاريخ والقوة العظمى الثانية المهيمنة مع القوة العظمى الاولى: الولايات المتحدة، على النظام الدولي على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين.
وهكذا فمثلما كان انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية بزعامة لينين قائد البلاشفة والحزب الشيوعي الروسي عام 1917 زلزالا صاعقا مدويا هز العالم وادى بقيام الدولة الجديدة وتنامي قوتها الى سلسلة من التغييرات في الخريطة السياسية لأوروبا والعالم وبخاصة بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية مكللة بالانتصار على المانيا النازية كقوة عظمى جديدة مهابة متعاظمة النفوذ على الساحة الدولية وندة للقوة العظمى الاخرى الولايات المتحدة.. فإن انهيار هذه الدولة ذاتها في مطلع تسعينيات القرن الماضي يعد الزلزال المدوي والنقيض الذي غير وجه روسيا والاوضاع السياسية الدولية الى نقيض ما كانت عليه إبان وجود الاتحاد السوفيتي.
لقد ظل الاتحاد السوفيتي كأول دولة اشتراكية في تاريخ العالم الحديث بمثابة الدولة الملهمة والمثال لكل الأنظمة والدول والحركات السياسية في العالم التي تطمح إلى اقامة انظمة تقتدي بها في ارساء العدالة الاجتماعية من خلال التحولات الاشتراكية القائمة على تأميم الملكيات الخاصة الكبرى وبناء قطاع عام تملكه الدولة واقتصاد مخطط، ويقود كل هذه التحولات ويفرضها حزب حاكم شمولي وحيد يحكم باسم الطبقة العاملة، اي في ظل غياب التعددية السياسية ومبدأ التداول على السلطة وفي ظل غياب مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية وذيليتها مجتمعة للحزب الحاكم وغياب حرية الصحافة والحريات العامة فحدث ما حدث من سلسلة من الاخطاء والانحرافات القاتلة المتراكمة داخل الدولة والحزب الحاكم مما افضى الى السقوط المدوي لهذه الدولة السوفيتية الجبارة عام 1991 التي سبقتها الانهيارات المتتالية في فترة زمنية قياسية لحلفائها دول اوروبا الشرقية خلال عامين فقط (1989، و1990م)، كل ذلك ألقى بظلاله الكئيبة القاتمة، كما نعلم، على اوضاع حركات التحرر العالمية من انظمة واحزاب وحركات معارضة واليسار العالمي بوجه عام الذي شهد انحسارا وتضعضعا غير مسبوقين منذ عصر كارل ماركس المنظر الأول للاشتراكية المعاصرة في اواسط القرن الـ 19م حتى يومنا هذا..
فكيف هو حال المجتمع الروسي اليوم في ظل النظام الجديد بعد 20 عاما من انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان – المجتمع الروسي – مضرب المثل والقدوة للحالمين في كل العالم بغد افضل من المساواة والعدالة الاجتماعية ترفرف عليه الراية الحمراء، راية الاشتراكية التي يتبدد في ظلها كل اشكال الظلم والاستغلال والتناحرات الطبقية ويتحقق في ظلها ايضا الحلم الكبير باقامة مجتمع شيوعي خال من الطبقات؟

صحيفة اخبار الخليج
23 مايو 2010

اقرأ المزيد

التــعليم النوعي‮ ‬يخــــرجنـــا مـــن مـــأزقنـــا الحضــــاري

في‮ ‬أبريل الماضي،‮ ‬وفي‮ ‬إحدى ابتداعاتها الفكرية التنموية المتجددة لتنويع قاعدتها الاقتصادية،‮ ‬افتتحت سنغافورة ثلاثة أبراج مهيبة تضم كازينوهات عالمية المستوى تريد من خلالها محاكاة مدينة لاس فيغاس وجزيرة مكاو المجاورة‮. ‬وكانت من قبل قد أضافت قطاعات اقتصادية جديدة إلى سلسلة القطاعات التي‮ ‬تشكل صرحها الاقتصادي‮ ‬الناهض ومنها قطاع الهندسة الحيوية وقطاع صناديق التحوط الإقليمية‮.‬
إلا أن التعليم‮ ‬يبقى هو الأولوية رقم واحد والذي‮ ‬تفوقت في‮ ‬مناهجه لحد تحولها إلى تجربة نموذجية صارت تستوردها بعض الدول المهتمة بتطوير مناهجها التعليمية‮.‬
روسيا أيضاً‮ ‬اختارت أن‮ ‬يكون التعليم أولوية تنموية وطنية،‮ ‬إلى جانب تحديث جيشها‮.‬
ماليزيا التي‮ ‬كانت حتى وقت قريب‮ (‬إلى ما قبل مطلع ثمانينيات القرن العشرين الماضي‮)‬،‮ ‬دولة فقيرة‮ ‬يبلغ‮ ‬متوسط دخل الفرد فيها أقل من ألف دولار،‮ ‬جُل سكانها الذي‮ ‬كان‮ ‬يبلغ‮ ‬آنذاك‮ ‬14‮ ‬مليوناً‮ (‬اليوم‮ ‬27‮ ‬مليون نسمة‮) ‬يعملون في‮ ‬زراعة المطاط والموز والأناناس وصيد الأسماك،‮ ‬فإنها تقف اليوم في‮ ‬مصاف كبرى القوى الاقتصادية الصاعدة في‮ ‬آسيا‮ ‬يُتوقع لها بموجب خطة‮ ‬2020‮ ‬التي‮ ‬وضعها مهاتير محمد قبل مغادرته السلطة طواعية في‮ ‬عام‮ ‬‭,‬2003‮ ‬أن تصبح رابع قوة اقتصادية في‮ ‬آسيا بعد الصين واليابان والهند‮.‬
والفضل كل الفضل في‮ ‬ذلك‮ ‬يعود للتعليم أولاً‮ ‬وأخيراً،‮ ‬حيث قرر مهاتير منذ البدء،‮ ‬منذ أن أصبح رئيساً‮ ‬للوزراء في‮ ‬عام‮ ‬1981‮ ‬أن‮ ‬يكون التعليم والبحث العلمي‮ ‬على رأس الأولويات التنموية لحكومته،‮ ‬حيث اختص التعليم وتدريب وتأهيل الحرفيين بحصة وفيرة من ميزانية الدولة،‮ ‬وركز على البحث العلمي‮ ‬وتعليم الإنجليزية‮. ‬كما ابتعث عشرات الآلاف من الماليزيين دون تفريق بين انتماءاتهم الدينية‮ (‬حوالي‮ ‬18‮ ‬ديانة‮) ‬للدراسة في‮ ‬أعرق الجامعات العالمية‮.‬
الهنـد كما نعلم من الدول الرائـدة في‮ ‬مجال التعليم الأوَّلي‮ ‬والثانوي‮ ‬والفني‮ ‬‭(‬Primary‭, ‬Secondary and Vocational Education‭)‬،‮ ‬ويعود الكثير من الفضل في‮ ‬نهضتها الاقتصادية إلى التعليم ومناهجها التعليمية الموازية لمناهج التعليم في‮ ‬البلدان المتقدمة سواء في‮ ‬فروع علم اللسانيات أو العلوم التطبيقية والإنسانية‮.‬
الهند هذه بالذات،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬مازالت محسوبة على منظومة البلدان النامية شأنها شأن الصين،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬تسترعي‮ ‬الانتباه هذه الأيام باتجاهها نحو فتح آفاق جديدة أمام قطاعها التعليمي،‮ ‬غير مكتفية على ما هو ظاهر بما حققته من منجزات تعليمية أهلتها لأن تكون إحدى القوى الكبرى في‮ ‬العالم في‮ ‬إعداد وتأهيل وتخريج آلاف الكوادر العلمية والفنية،‮ ‬وتزود بها سوق العمل الهندي‮ ‬وأسواق العمل العالمية،‮ ‬لاسيما العمالة التقنية التي‮ ‬تسجل طلباً‮ ‬متزايداً‮ ‬من جانب الدول الرائدة في‮ ‬تكنولوجيا المعلومات‮.‬
اعتمدت الهند على إمكاناتها وطاقاتها الذاتية في‮ ‬إطلاق مشروعها النهضوي‮ ‬وفي‮ ‬القلب منه التعليم والتدريب،‮ ‬ومع ذلك فقد شجعت لاحقاً‮ ‬المؤسسات التعليمية العالمية الرائدة والمستثمرين الدوليين على الاستثمار في‮ ‬قطاع التعليم الهندي‮ ‬ذي‮ ‬العائد العالي‮ ‬على الاستثمار،‮ ‬إلا أنها لم تكن لتسمح لهذه المؤسسات التعليمية العالمية بإنشاء حرم جامعي‮ (‬أرض الجامعة ومبانيها التابعة‮) ‬كما هو الحال بالنسبة للجامعات الهندية‮. ‬فلقد كان مسموحاً‮ ‬للجامعات والمعاهد والكليات الجامعية الأجنبية بتبادل البرامج والمواد التعليمية وإنشاء الشراكات مع المؤسسات التعليمية الهندية‮. ‬وكانت القيود على التدريس وعلى أجور الطاقم التعليمي‮ ‬سبباً‮ ‬في‮ ‬تحديد حجم الاستثمار الأجنبي‮ ‬المباشر في‮ ‬التعليم العالي‮. ‬في‮ ‬شهر مارس الماضي‮ ‬اتخذ مجلس الوزراء الهندي‮ ‬قراراً‮ ‬يسمح لمؤسسات التعليم العالي‮ ‬العالمية بإنشاء حرمها ومبانيها الجامعية،‮ ‬وأحيل القرار في‮ ‬صورة مشروع قانون إلى البرلمان الهندي‮ ‬للمصادقة عليه‮. ‬ويتوقع الكثيرون أن‮ ‬يسهم هذا القانون في‮ ‬إحداث نقلة نوعية أخرى جديدة في‮ ‬قطاع التعليم الهندي‮.‬
هذا القانون الجديد‮ ‬يستجيب لحاجة الهند المتزايدة لمواكبة ومقابلة متطلبات الزيادة السنوية في‮ ‬عدد المقاعد الدراسية للتعليم العالي‮ ‬التي‮ ‬تزداد سنوياً‮ ‬والتي‮ ‬تتراوح حالياً‮ ‬ما بين‮ ‬5‭,‬1‮-‬2‮ ‬مليون مقعد مقابل‮ ‬1‭,‬1‮ ‬مليون مقعد في‮ ‬السنوات الثلاث الأخيرة‮. ‬وبحسب مصادر مؤسسات التعليم العالي‮ ‬العالمية فإن الهند بقطاعها التعليمي‮ ‬المتنامي‮ ‬تعتبر أكثر إغراءً‮ ‬للمستثمرين التعليميين من جارتها الصين‮. ‬وما‮ ‬يميز الهند عن الصين في‮ ‬هذا المجال إجادة مخرجاتها التعليمية للغة الإنجليزية ووجود كتلة بشرية شابة هائلة،‮ ‬حيث إن نصف سكانها هم دون الخامسة والعشرين‮.‬
ماذا‮ ‬يعني‮ ‬هذا؟
إنه‮ ‬يعني‮ ‬ببساطة أن النخبة السياسية الهندية،‮ ‬الحاكمة والمعارضة،‮ ‬وأوساط قطاعات المال والأعمال الهندية،‮ ‬ومعهما كافة أطياف منظمات المجتمع المدني‮ ‬التي‮ ‬تتميز بالديناميكية والحيوية،‮ ‬تدرك أن قصب السبق في‮ ‘‬المباراة‮’ ‬التنموية الحضارية العالمية،‮ ‬سيكون من نصيب الدول صاحبة الامتياز والميزات التنافسية الراجحة في‮ ‬مجال المورد البشري،‮ ‬المعجون و‮’‬المصقول‮’ ‬في‮ ‬نظام تعليمي‮ ‬بالغ‮ ‬الكفاءة وعالي‮ ‬النوعية‮.‬
فماذا نحن فاعلون في‮ ‬العالم العربي‮ ‬إزاء تحدي‮ ‬التنافسية التعليمية؟ القراءة الأولية للمعطيات تقول إن الدولة العربية الحديثة‮ ‘‬تطوعت‮’ ‬للقيام بدور الراعي‮ ‬للمجتمع في‮ ‬كل شؤونه،‮ ‬وإنها،‮ ‬بالمنطق،‮ ‬لم توفر،‮ ‬خلال‮ ‘‬رعايتها الكاسحة‮’ ‬هذه،‮ ‬قطاعاً‮ ‬حيوياً‮ ‬بالغ‮ ‬الأهمية في‮ ‬ديناميكيات الإدارة الكلية الشاملة كقطاع التعليم‮. ‬فكان الحصاد على مدى العقود الخمسة الأخيرة حتى نهاية الألفية الثانية معقولاً،‮ ‬كي‮ ‬لا نقول متواضعاً،‮ ‬بحسبان نوعية مخرجات العملية التعليمية المتواضعة وغلبة العلوم الإنسانية على العلوم التطبيقية‮. ‬وبعد اندفاعة العولمة وتمددها وتغلغلها جغرافياً‮ ‬وحضارياً‮ ‬على مستوى الكرة الأرضية،‮ ‬اندفع القطاع التعليمي‮ ‬العربي‮ ‬المُوَجَّه،‮ ‬لتلقف ومحاكاة البعد الاستثماري‮ ‬التوسعي‮ ‬للعملية التعليمية المعولمة،‮ ‬وبصورة شابتها العشوائية والتكالبية،‮ ‬حيث شهد العالم العربي‮ ‬موجة اندفاع للاستثمار الخاص في‮ ‬التعليم والتدريب من دون أن‮ ‬يُمهد لهذه الاندفاعة بوضع ضوابط ومعايير تحول دون سيطرة العقلية‮ ‘‬الميركنتلية‮’ (‬التجارية الصرفة‮) ‬على الغايات الاستراتيجية من‮ ‘‬استدعاء‮’ ‬التعليم لتصدر المشهد التنموي‮ ‬العربي‮. ‬العالم العربي‮ ‬اليوم‮ ‬يمتلك فرصة تاريخية تتيحها ثورة الاتصالات والمعلوماتية و‮’‬الهبّة‮’ ‬الاستثمارية الوطنية والدولية ناحية قطاع التعليم،‮ ‬لإحداث الفارق التنموي‮ ‬ومقابلة تحدينا الحضاري‮ ‬الشامل،‮ ‬بشرط وجود الرقابة الشفافة والضوابط الحاكمة لنشاط القطاع.
 
صحيفة الوطن
22 مايو 2010

اقرأ المزيد