المنشور

عن حرائق المدارس


لا يمكن إلا النظر بمنتهى القلق والريبة في أمر الحرائق التي جرت في الفترة الأخيرة في عددٍ من مدارس وزارة التربية والتعليم، ومبدئياً فان العنف على أنواعه مدان، خاصة حين يصبح وسيلة متبعة يومياً، والخلط بين المطالبة بالحقوق وبين العنف، في ظروفنا المحددة الراهنة في البحرين، أمر ملتبس يجب أن يصار إلى توضيحه، فنبذ العنف لا يعني نفي المطالبة بالحقوق، والعكس صحيح أيضاً فالمطالبة بالحقوق وتحسين الأوضاع لا يعني تحبيذ العنف أو تبريره أو التماس الأعذار له.

ومن حيث الجوهر لا فرق بين حرق عمود إنارة وتحطيم مصابيح الإضاءة في الشوارع وبين الحرائق في المدارس، فكل ما من شأنه الإضرار بمنافع الناس والممتلكات العامة والخاصة أمر مدان، ولكننا لا نتسرع هنا، لأن التحقيق المستقل والمحايد والشفاف وحده هو الذي يكشف عن دوافع الحرق في المدارس، والتي أعلنت وزارة الداخلية أن بواعثها في مدرسة الحد الإعدادية الثانوية للبنات على الأقل تعود إلى خلاف بين المتهمين وبين إحدى العاملات في الجهاز الإداري في المدرسة المذكورة، وهو أمر يبعد الاحتمالات الأخرى التي قد ترد إلى الأذهان.

ولكن الأمر كان يمكن أن يكون كذلك، لو أن حوادث الحرق انحصرت في هذه المدرسة وحدها، أما وأنها تكررت في مدارس أخرى وفي مناطق أخرى من البلاد، فإننا إزاء مظاهر جديدة في ممارسة العنف الذي لم يعد يقيم حرمة لمؤسسات تعليمية معنية بإعداد أبناء وبنات المستقبل وتعليمهم، وفي كلمات يعني المساس بمرافق الخدمة التي تقدمها الدولة، وهذا واجبها بطبيعة الحال، لأبنائها وبناتها، مما يطرح على بساط النقاش أمر الإجابة على السؤال الذي طرحه زملاء وزميلات آخرون في صحفنا المحلية، ومثلهم طرحته فعاليات سياسية واجتماعية ودينية وهو السؤال القائل: من المستفيد من هذا التخريب؟

مرةً أخرى، من المهم التنبيه هنا إلى مخاطر التجيير الطائفي والمذهبي لمثل هذه الظاهرة، وبالتالي إطلاق حملات تحشيد من هنا أو من هناك في اتجاه إضفاء طابع من هذا القبيل عليها وهو أمر يمكن تلمسه من خلال ردود الفعل والتعليقات في المنتديات الاليكترونية وفي التعليقات الواردة على مقالات كتاب الرأي في الصحف المحلية.

نأمل صادقين أن تكون هذه الأعمال غير المسؤولة والمدانة آتية من شباب طائش، وبالتالي يجب التعامل معها في هذا الإطار، ويترك للجهات المعنية معالجة الأمر بما تمتلكه من إمكانيات، شريطة إعمال مبادئ الشفافية والصراحة والتقيد بأحكام القانون في مثل هذه المعالجة، وأن تضطلع الفعاليات المختلفة ذات التأثير في الرأي العام بدورها في التوعية بمغبات ومخاطر ما يجري.

أما إذا اتضح أن الأمر خلاف ذلك، على غير ما نتمنى، فان اقتراب كرة النار من المرافق التعليمية والتربوية يعني أننا بتنا بصدد توسيع متعمد لنطاق العنف في البلد، يجب أن يعرف من يقف وراءه كائناً من كان، ونحن هنا لا نتهم جهة بعينها، ولكنا نقول إن لذلك من الآثار الخطيرة الشيء الكثير الذي يتعدى حدود هز الثقة في مناخ الطمأنينة العام، ليصل مشارف غير محمودة العواقب.
 

اقرأ المزيد

« أنا مـو طائفي »


«أنا مو طائفي» عبارة جميلة تتردد على مسامعنا في هذه المرحلة التي تعيشها البحرين إذ يتسم المشهد السياسي والاجتماعي بكثير من الشد والجذب الطائفي. هذا الشعار بدأ يتكرر في أوساط شبابية ساعية لنيل حقوقها المدنية، وتحقيق العدالة الاجتماعية التي لا تفرق بين المواطنين من خلال معايير عرقية أو قبلية أو طائفية بغيضة.

«أنا مو طائفي» هو شعار حملة شبابية موجودة على موقع الشبكة الاجتماعية «الفايس بوك»، وهي حملة تحفز وتدعو كل شاب وشابة بحرينية لاختيار ممثليهم في مجلس الطلبة بجامعة البحرين بعيداً عن الانتماءات الطائفية التي باتت تغلب على معيار الكفاءة كأساس للاختيار والانتخاب، رغم أنها لا تخدم مصالح الوطن.
أصحاب هذه الفكرة قرروا عدم المشاركة هذا العام في انتخابات مجلس الطلبة بجامعة البحرين وذلك احتجاجاً على ما يرون أنها تمثل تجاوزات وممارسات طائفية. وتمثل الاحتجاج أيضاً في المشي على مضمار الاستقلال يوم الأربعاء المقبل واستخدام هذا الأسلوب الحضاري للتعبير عن واقع يمقته البحرينيون.

مهما يكن الأمر، فإن ما يحدث في انتخابات مجلس الطلبة ما هو إلا صورة مصغرة للمجتمع و لما يحدث في الانتخابات النيابية والبلدية، إذ إن اختيار الأشخاص يعتمد على الانتماء الطائفي أولاً ومن ثم الانتماء للاتجاه السياسي أو القبلي، وهذا ليس مناسباً لأي بلد ينشد المساواة بين مواطنيه. وهناك من يرى أن الأفضل المشاركة في الانتخابات الطلابية بدلاً من مقاطعتها، ومهما يكن الرأي، فإن شعار «أنا مو طائفي» يعبر عن إرادة حضارية ينبغي أن نتجه نحوها من خلال الممارسات الحكومية والشعبية، وفي كل المجالات.

هناك من يقول إن مكافحة الطائفية تحتاج إلى هيئة رسمية، وهناك من يقول إن مكافحتها تحتاج إلى محاصصة عادلة، ولكن مكافحة الطائفية لا تأتي إلا بتغيير التفكير والثقافة والممارسات اليومية، ويمكن من خلال ذلك أن نحاسب الحكومة إذا مارست الطائفية كما يمكن أن نحاسب القوى السياسية والاجتماعية إذا مارستها، فكلنا بحرينيون نحب بلدنا ويهمنا أن يتربى الجيل الجديد في الجامعات على مبادئ سامية يصدّرونها بعد ذلك إلى المجتمع، وهذا يحتاج إلى مساندة الذين يؤمنون بمستقبل أفضل.
 
الوسط  9 مايو 2010
 

اقرأ المزيد

السحرية والعقلانية

ارتبطتْ التحولاتُ الدينيةُ الأولى بالأشكال السحرية الثقافية المختلفة للشعوب، فكان لا يمكن أن تتشكلَ عملياتُ تحولٍ من دون الاعتمادِ على السحر كأكبرِ قوةٍ ثقافية في التاريخ القديم، وجاءت الأديانُ لترتفع عن هذا المستوى من دون قطع العلاقة معها.
لقد جعلت الأديانُ عملياتِ التحولِ الاجتماعية والسياسية مرتبطةً بالآلهة والسماء وانتزعتْ السلطات من السحرة، المعبرين عن فسيفساءِ الأرضِ الاجتماعية السياسية الممزقة، وعن موادِ الخبرة البشرية المحدودة، وعن الغموض الفكري واللغات الرمزية الإحيائية غير الدقيقة.
مثلتْ الأديانُ ثورات، وتشكلت في إثرها الدولُ الكبيرة والامبراطوريات، وتنامت العلوم الطبيعية خاصة.
وواجهت الدول الدينية إشكاليات الاعتماد على الزراعة والحرف وهي قوى إنتاج محدودة تظلُ مرتبطة بغيب، ولم تستطع العلوم أن تصل إلى فهم السببيات العميقة للمادة، أما السببيات المفككة لتطور المجتمعات فكانت أكثر غياباً. اليونانيون شكلوا أقصى تطور للعقلانية في العالم القديم، بسبب هذه المدن التجارية الحِرفية غيرِ الاستبدادية لكن أرجلهم كانت في عالم العبيد الضيق الذي خنقهم فيما بعد.
في الدول – المدن كان يمكن للتجارة أن تتطور بشكل كبير، وبالتالي فإن الحرفَ ازدهرت، وازدهارُ الحرفِ يعني ازدهار العلوم الطبيعية، حيث تُخضع السلعُ والموادُ المختلفة للفحص ولمعرفةِ كياناتها ولإمكانيات السيطرة عليها وإخضاعها لقوى العمل والعلم البشرية.
هذا يعني ازدهار المعامل والتجارب وظهور العلماء، ويمكننا أن نرى المدنَ العربيةَ الإسلامية التي ازدهرتْ بالتجارة والحرف والزراعة، وهي تشكلُ فئاتٍ من العلماء الدينيين العقلانيين، ويمكنُ معرفة حرفِهم من اسمائِهم: النظام والخراز والاسكافي الخ.
إن الفئات الوسطى الصغيرة وهي تعملُ في الحرف تشتغلُ في المعرفةِ كذلك، وتنأى بالدينِ عن السحرية، وعن الغيبياتِ، وتروحُ تكتشفُ السببيات القريبة، وتتوغلُ في فهمِ جسد الإنسان والحيوانات والطبيعة، عبرَ الإمكانياتِ التي أتاحتها قوى العمل والفحص، لكن المنظارَ المكبر والتلسكوب وغيرهما من الأدوات لم يُكتشفا، فنأت الموادُ المجهريةُ والكواكب والنجوم عن الانكشاف للعقل.
إن سد هذه الثغرات المعرفية كان يعني بقاءَ الطبيعةِ مصنوعة، وعدم رؤية الكون كعملياتٍ تحوليةٍ مستمرة، فظلت الطبيعةُ مخلوقةً، وتقوم القوى الغيبيةُ بتشكيلها. وقد تجاوز أرسطو هذه المسألة بقرون عبر رؤية العالم ما تحت القمر وهو خاضعٌ كليا للسببية، وهو ما تبناه ابن رشد، وصارت “الرشدية” من القوى المغيرة لأوروبا العصور الوسطى ثم عادت إلينا على شكلٍ أكثر تطوراً باسم العقلانية الأوروبية.
إن إمكانية المتكلمين الإسلاميين، وهم المتفلسفون الدينيون، للوصول إلى هذا المستوى اليوناني كانت محدودة. وكان العالمُ الإسلامي يطرحُ مسائلَ أكثر خطورةً من الماضي، من أجل مقاربة ثورة صناعية – علمية، لكن عجزَ المتكلمين والفلاسفةِ فيما بعد عن القيام بذلك يرجعُ إلى بقاء أسس التفكير السحري، الذي كان يمخرُ عالمَ الوعي الديني. فتقود مفرداتُ الصورِ الإلهيةِ لديهم إلى التوقف عن القيام بتحليلات عميقة للواقع وللطبيعة، فهم يجعلونها أدوات للهيمنة ولإيقاف العقول عن النقد والتحليل ولتجميد حراك الطوائف عن التمدن والديمقراطية والذوبان في أممٍ موحدة. وكان هذا يتعلقُ بفئاتٍ وسطى ارتبطت بالقصور وبالخلفاء وإعطياتهم، فلم يوسعوا دوائرَ التحليل نحو كشف اضطهاد الجمهور، واختناق الزراعة وجمود الحرف، وهذا من الناحية الفكرية كان يعني جعل النجوم والسماء هي التي تحددُ المصائرَ البشرية، وبترديدِ هذه العبارات المسكونة بالسحر يتوقف الفعلُ والتخطيط البشريان، وكلما ازدادَ التمزقُ كثُرتْ تلك النجوم حتى صارت الآن في الجرائد اليومية تحدد اليوم البشري.
إن وضع العقيدة الإسلامية في الدساتير جزءٌ من ذلك، فتكفي الصور الإلهية لتحفظ الأمة من القدر الشرير، ويمكن للأنظمة أن تفعل ما تشاء وهي بهذه الحماية السماوية، وأن تجلبَ من العمالة ومن الأموال ما تشاء أو تهربَ كلَ ذلك وهي في حماية القدر الكوني، وليس أن الأمور مرتبطة بالتخطيط والتنفيذ البرلمانيين اللذين يحددان حركة الواقع المراقبة لمصلحة الناس.
لم يقم العقلانيون الإسلاميون في الزمن السابق بالارتباط بالحركات الاجتماعية، ولا بتطوير العلوم الاجتماعية، أي بتحليلِ الموادِ التابعة لهذا العالم، واكتشاف قوانينها الطبيعية والاجتماعية، فيعاونون المنتجين على تغيير علاقات إنتاج متخلفة، ويخلقون الديمقراطية، ويصلون إلى قوانين المادة العميقة، في الذرةِ والكون، وما الذرةُ إلا كونٌ وما الكونُ إلا ذرةٌ، واللانهائيةُ تسودُهما.
إن مستوى السلف يعني الاستفادة من التجربة وليس سحقها، فيتعين الآن درس موادنا، وعقبات تطور الإنتاج، وإقامة علاقات بين حركات التغيير وركائز الواقع، وتغيير المستوى المتخلف من العلوم العربية، والسحر يدل دائماً على الثغرات الكبيرة التي يجب تجاوزها، ومن سماته القدرية، ورفض التجريب والقوننة للظواهر، والأفكار الحظوظية، وغياب التخطيط، وغياب المسئولية البشرية الصارمة، وعبادة الرموز البشرية، والعداء للعلوم.

صحيفة اخبار الخليج
9 مايو 2010

اقرأ المزيد

الضجة على كمال الدين والدرازي

سمعت من قبل، ان ابسط أمر تفعله المعارضة ان تجلس خارج اللعبة وتعارض وتنتقد؟ ولم أكنُ حينها مقتنعا تمام الاقتناع بكل ما جاءت به هذه العبارة، خصوصا انني سمعتها في 2002، إبان جدلية المشاركة في الانتخابات النيابية.
ولكن يبدو انها لها من المدلولات والصحة الشيء الكبير، بعد ان قرأت وسمعت الهجوم الذي تعرض له الحقوقيان البارزان عبدالله الدرازي وسلمان كمال الدين، على خلفية قبولهما الدخول في المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان.
فقد تجلى حينها أمر يتواءم مع عبارة مبتدأ المقال، ولعل ما يريده الاخوة المعارضون، ان يشنوا هجوما على هذه المؤسسة، إلا ان الحال سيكون مختلفا، إذ ان كمال الدين شخصية وطنية معروفة، مارست العمل الحقوقي، ولها من التجارب ما لها، بما لا يدع مجالا لهم بتوجيه انتقاداتهم الحادة لعمل المؤسسة الحقوقي، وكذلك الحال ينطبق على الاخ الدرازي الذي كانت محاولاته واضحة بنقل العمل الحقوقي الذي مارسته الجمعية البحرينية لحقوق الانسان الى المهنية المرجوة.
وليست هذه الحادثة الأولى التي يشار اليها، فقد مر قبل ذلك الحديث عن عدد من المؤسسات التي ترفض من اجل المعارضة على الرغم انها كانت مطالب نصبح ونمسي عليها، من بينها على سبيل المثال إصلاح الاوقاف الجعفرية، والدعوة الى اختيار الكفاءات الادارية والمالية والاستثمارية والشرعية وغيرها مما نسمع عنه، وحين يدعون للدخول في إدارة الاوقاف يكون الجواب: ليس هو الوقت المناسب للدخول فيها، وللعلم هذا ما سمعته من احد كبار رجال الدين حين تحاورت معه عن الاوقاف وعن المجلس الاعلى الاسلامي.
لماذا ننزوي جانبا، ونرفض الدخول، ولا نقبل ان نعمل، هل لأننا نخاف ان يوجه لنا الانتقاد الذي نوجهه يوميا لمن يعمل في هذه المؤسسات، سواء كانت حقوقية أو غيرها؟
لماذا لا نحاول الدخول ونشعل الشموع بدلا من لعن الظلام، أليست هذه الكلمات التي تردد علينا، و(يتفشخر) علينا أصحاب الثقافة والعلم؟
من يريد ان يعمل فليعمل، ونشد على يده، ونقول لمن لا يريد ذلك، ان يكف عن تكسير مجاديف الاخرين.
إذا كانت هناك اشكالات على اي مؤسسة فإن الانتظار ووضع يد على يد ليس خيارا حصيفا؟

صحيفة الايام
9 مايو 2010

اقرأ المزيد

من وحي اعتصام المصرفيين الأخير!

في الوقت الذي نحيي فيه جهود نقاباتنا العمالية من خلال الجهود الفردية والجماعية التي تقوم بها قياداتها المخلصة، يمكن القول ان تلك الجهود رغم المكابدة والعناء وعدم الاكتراث يراد لها أن تكون معزولة عن محيطها العمالي بكل أسف، ليس لأمر يشوب طرائق عمل تلك النقابات وهي المؤسسات المدافعة بصلابة على الدوام عن القضايا العمالية، وإنما لخلل يبدو انه قد أضحى متأصلا في مضامين الوعي لدى شرائح لاشك أنها أصبحت واسعة من مجتمعنا البحريني حيال مختلف قضايا الشأن العام، وليس الشأن العمالي سوى احد ابرز وجوهه تلك.
مؤخرا استجابت قيادات الحركة العمالية وعلى رأسها الاتحاد العام لعمال البحرين وبعض النقابات لدعوة وجهتها نقابة المصرفيين البحرينية لإقامة اعتصام عمالي كان عنوانه الأبرز رفض التسريحات العمالية في القطاع المصرفي، واعلم جيدا أن نقابة المصرفيين ممثلة في رئيسها النقابي خليل زينل وبقية أعضاء مجلس إدارته كانوا عند مسؤولياتهم بدعوة مختلف القطاعات العمالية للتضامن مع موظفي وموظفات المصارف والبنوك المحلية، إلا أن الأمر الذي كثيرا ما يتكرر في معظم فعاليات بعض النقابات ومن بينها نقابة المصرفيين هو العزوف شبه التام من قبل من يعنيهم الأمر من الموظفين سواء المسرحين منهم أو ممن يتهددهم قرار التسريح مستقبلا! كما أن إدارات بعض الشركات والبنوك أضحت وكما هو واضح من تصرفاتها تجاه النقابات والنقابيين، أنها لا تطيق مجرد ذكر اسم نقابة! فها هو القطاع المالي والمصرفي الذي يسهم اليوم بأكثر من 28% في الناتج المحلي لمملكة البحرين، تبقى قياداته تعيش في عالمها الآخر بعيدة كل البعد عن مجرد القبول بفكرة أن تقوم النقابات بالدفاع عن مصالح شغيلة وموظفي هذا القطاع الحيوي، على الرغم مما أتاحه عهد الإصلاح من حريات نقابية نطمح لترسيخها ومراكمة مكتسباتها! ، وعلى الرغم من ذلك يبقى غير مبرر بالمرة عزوف تلك الفئات المستهدفة من موظفي وموظفات المصارف عن مجرد التضامن فيما بينهم للدفاع عن مصالحهم، حيث بقي الجزء الأعظم من تلك الشريحة ولفترات طويلة بعيدا عن مجرد التفكير في أي حركة مطلبية، بالرغم من أن تسريحات البنوك والصارف هي الأشهر في سلسلة التسريحات التي عادة ما تحدث إبان الأزمات المالية والاقتصادية نتيجة لطبيعة هذا القطاع وحساسيته تجاه المتغيرات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
في الاعتصام الأخير شاهدنا أعدادا غفيرة من عمال شركة المونيوم البحرين (البا) وزملاء لهم في نقابات التأمين وطيران الخليج والكهرباء والماء وآخرين يلتئمون في اعتصام سلمي منظم، وهو ذات الاعتصام الذي شهد وفاة المناضل النقابي عبدالجليل الحوري، النقابي المخضرم الذي أسهم بفاعلية في اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال البحرين، وشهدت الساحة النقابية الكثير من صولاته إلى جانب رفاقه من القادة النقابيين، ممن يفترض أنهم قد تقاعدوا منذ زمن، لكنهم مازالوا مصرين على حمل مشعل المطالب العمالية، على الرغم من أن المسرحين من موظفي البنوك أنفسهم كانوا آخر من يعنيه الحدث، فلم نجد لهم وجودا يذكر في الاعتصام الذي رفعت فيه مطالبهم التي كانوا عنها بعيدين!
أمر محزن أن يغيب أصحاب القضية عن قضيتهم، وهم المعرضون على الدوام لموجات الفصل التعسفي، ومحزن أيضا أن يبقوا بعيدين عن الهم العمالي المطلبي الذي تضطلع به نقابتهم بكل مثابرة ومسؤولية، وكأن سمة التواكل باتت سلوكا متبعا استشرت آثاره لتطال الجميع.
باعتقادي ان المهمة ليست مستحيلة في استعادة تلك الشريحة الواسعة من العمال والموظفين وفي مختلف القطاعات لثقتهم في قدرة الجسد العمالي برمته على أن يكون مدافعا عن قضاياهم العادلة، ولكنها بكل تأكيد مهمة تحتاج لجهود استثنائية من حركتنا العمالية واتحاد عمال البحرين على وجه التحديد، لإعادة النظر والتفكير في كيفية إعادة بناء حركة عمالية حقيقة قوية وغير منقسمة وجاذبة لمجاميع أوسع من القطاعات العمالية المختلفة، بحيث تكون قادرة على الاستفادة مما يوفره المناخ الإصلاحي من أجواء حرة نسبيا أمام العمل النقابي، والذي لاشك انه أعطى للحركة النقابية زخما وقوة دفع يجب أن يستفاد منها في تأطير حركة عمالية تضطلع بمهماتها في الدفاع عن القضايا العمالية والإسهام بشكل أكبر في مسيرة التنمية، حتى تكون في مقدمة الصفوف من اجل بناء نظام ديمقراطي حقيقي، لاشك انه سيظل قاصرا طالما ارتضت حركتنا العمالية أن تكون بعيدة عنه أو ارتضت أن تستطيب العيش متمترسة في مواقعها المتباعدة المتنافرة كما يحصل الآن.
 
صحيفة الايام
9 مايو 2010

اقرأ المزيد

ذاكرة سايغون ورائحتها

يحمل الانسان دائما قيمة وصورة معينة عن مدينة يقرأ عنها او بلد يبحر في تاريخه ويمتزج بعجينه السياسي والنضالي. تكون فيتنام البلد العظيم الذي هز العالم في خميسنيات العصر المنصرم وكنا نحن الجيل المتحمس لتلك الثورة وما انجزته من مشاريع كبرى من اهمها تركيع العملاق الامبريالي الامريكي بعد ان طرد قبله الاستعمار الفرنسي. كانت فيتنام لنا تجربة ثورية ووطنية متميزة ’ فقد استلهم منها شعوب شتى كثورة الجزائر وانغولا وموزمبيق وغانا والثورة الفلسطينية ’ فكلهم كانوا ينظرون لهذه البلاد على انها تجربة مهمة جعلت الشعوب تقتنع بأن اعتى القوى العالمية قابلة للهزيمة متى ما توفرت الارادة السياسية والقيادة المنظمة والقادرة على تحقيق النصر حتى اخر جولة من النزال. لقد قدم الفتيناميون من خلال تجربتهم النضالية والانسانية على ان طريق الانتصار امر ممكن شريطة ان لا تحدث تنازلات وتراجعات في برنامج الثورة. لتلك البلد حملت حقيبتي بقلب ينبض بالاضطراب والتساؤل كيف ستكون هذه البلاد؟ ومن بوابة كوالالمبور كان علينا ان نركب طائرتنا اولا نحو هوشي منه وبعض قضاء ثلاثة ايام وصلنا عبر الفضاء الى هانوي عاصمة جمهورية فيتنام الشعبية الاشتراكية حسب تسميتها الرسمية ولكن الحقيقة كانت مختلفة’ حيث يكتشف المرء تلك المتغيرات الاقتصادية والرؤية السياسية والشعارات الجديدة المرنة مع متغيرات العولمة. تبدو الدهشة الاولى من الفضاء فهناك احساس زجاجي يأتي عبر تلك النافذة الصغيرة ’ فتشعر بنبضك مختلفا اذ زيارة دولة كفيتنام ولاول مرة’ وقد كنت أتمنى زيارتها قبل ربع قرن’ يبدو الوضع مختلفاً. حركة المطار كانت تعكس حيوية المكان وزخم المسافرين ونظافة ودقة المطار وموظفيه لولا ذلك الموظف الذي اربكه جواز سفر من دولتين خليجيتين ’ اذ ارتبك في كيفية التعامل مع الفيزا التي رتبنا وضعها من ابوظبي.
ومع ذلك احالنا الى المسؤول للمراجعة ’ غير اننا لم نستمع الى ارتباكه وذهبنا الى موظف جوازات مجاور في تلك «الكونترات» الكثيرة في مطار هادئ ونظيف وواسع ’ فلم نجد الا سهولة في الاجراء مما جعلنا نكتشف بيروقراطية موظف لا غير. بعد الانتهاء السهل من الجمارك وجدت نفسي مع صاحبي نحجز سيارة للفندق كلفتنا سبعة دولارات. في بهو الانتركوننتال في مدينة هوشي منه ستجد هناك العالم الامريكي القديم قابعا في مدينة سايغون يجتر النوستالجيا والحنين القديم، فيما ان هناك اخرين جاؤوا من باريس لعلهم يشاطرون صديقهم اليانكي رائحة الهزائم والمواقف اللا إنسانية المرعبة لذلك الزمن.
كان علينا ان نسترق السمع للغة ولتلك الوجوه والملامح المختلفة عن دول الجوار’ ومراقبة تلك الكياسة والتهذيب من موظفي الاستقبال في قاعة الفندق الهادئة جدا كجزء من ثقافة الفيتناميين مع تلك الابتسامة الرقيقة’ والجاذبية المتميزة لنساء فيتنام ورجالهم’ الذين يهتمون بأوزانهم ونحافتهم فنتذكر كيف استطاع الفيتنامي يتحرك في الانفاق الضيقة تحت الارض في سنوات الحرب، فيما عجز الامريكي الضخم المرور من تلك الانفاق والخنادق. ظلت مفردات عجيبة سمعناها من صاحبنا الدليل فلم تتح لنا الايام القصيرة امتحانها عمليا’ حيث قال بأن الناس هنا لا يفضلون تسمية مدينة هوشي منه كبديل عن مدينتهم القديمة سايغون’ كما فعل أهالي بطرسبورغ الذين ازاحوا تسمية ليننغراد من ذاكرتهم’ يماثلهم اليوم اهالي سايغون’ الذين يرون في كارثة الحرب وتجربتها ليست الا وبالا على جيل قادم من ضمنهم جيل دليلنا الشاب’ الذي أمتعنا بنكاته ولطفه لولا تلك المفردات السياسية المسيئة والسلبية’ ولكنها في ذات الوقت عبرت عن اتساع مساحة التعبير السياسي في البلاد’ والذي ينتقل سياحيا مع حالة الى حالة جديدة اذ بدأ الفيتناميون عالم السياحة بشكل مبكر للغاية في العام 2002 ولكنهم استطاعوا في العام الفائت استقبال اكثر من اربعة ملايين سائح’ ما يؤكد على انها دولة تمتلك مواصفات الدخول الى النادي السياحي في دول شرق اسيا الاقدم بخطوات واسعة ولكن هادئة دون ارباك توازنها السياسي ونموها الاقتصادي.
لكل مدينة مشاكلها ومن اول مشاكل سايغون الازدحام العجيب والتلوث بتلك الدراجات النارية فلكل اثنين من سكان المدينة هناك دراجة نارية’ حيث تتحرك في المدينة خمسة ملايين دراجة نارية داخل مدينة عدد سكانها 8 ملايين يزداد عددهم من خارجها نهارا بمليونين ما يعني ان المدينة تستمع الى صخب عشرة ملايين انسان مع خمسة ملايين دراجة دفعة واحدة في جميع طرقاتها. من طبيعة اهالي سايغون ان يتحفوك بدعابة مفادها ان كنت تريد بصحبتك فتاة من سايغون فانك لابد وان تمتلك دراجة نارية فهي طريق الوصول الى قلب الفتاة.
كان واضحا منقبات راكبات الدراجة النارية من الفيتناميات’ اللاتي كن يغطين وجوههن واياديهن تحاشيا من حموة الشمس’ وسواء كانت هي التي تقود بمفردها وصديقتها او ان تكون هي مع صديقها تحتضن خصره’ فان المميز في المدينة ان الناس كانوا متسامحين مع بعضهم ولا تشهد عيناك الا بشرا يتحركون في طريقهم بعجالة بعد انتهاء العمل او اثناء الذهاب اليه. المدينة هادئة ليلا دون ان تفقد ملامحها الخاصة فهناك امكنة للطبقة الجديدة والمجتمع المخملي وهناك احياء مكتظة لابناء الكادحين ’ وهناك عالم الماركات والمقاهي العالمية الشهيرة ولكن دون الانبهار بالاضواء والنيون. في كل شوارع سايغون ايقاع خاص عليك ان تتحسسه في جولاتك وتقرأ كيف يعيش الناس يومهم ونهارهم وليلهم. ومثلما تغطي الاعلام الحمراء والنجمة الصفراء بعض الامكنة كمؤشر على وجود حياة الحزب’ فان بقية الصور والعبارات لا تخفي حقيقة ان غالبية سكان سايغون يحبونها ان تبقى دائما سايغون’ فالاسماء الرسمية لا تغير عندهم تلك الحقيقة التي ظلت متناقلة جيلا بعد جيل’ فالاوراق الرسمية تقول شيئا ونبض الشارع يعيش شيئا آخر في سايغون’ التي تبقي دائما روح الفيتناميين في منطقة الجنوب’ الذي شهد اقتتال الاخوة الاعداء عندما انقسم الناس بين الشمال والجنوب بعضهم مع اليانكي وبعضهم ضده من اجل تحرر فيتنام الجديدة’ التي تصارع وحدها بعد انهيار عالم المعسكرات والتكتلات’ من يزور هذه المدينة يكتشف عظمة دلتا نهر الميكونغ ويعيش حالة الزمن المنهار’ حيث لم تترك قنابل النابالم صورة جميلة في ذاكرة اهالي سايغون بل واهالي كل شعب فيتنام الطيب والصبور والحالم بعالم جديد ومختلف.
 
صحيفة الايام
9 مايو 2010

اقرأ المزيد

لماذا سرقوا أموال الفقراء ؟


كيف أستطاع النصابون الاحتيال على الناس الطيبين وسرقوا أموالهم، عندما أوهموهم بأن هناك شركات استثمارية تدر عليهم أرباحاً طائلة، ما عليكم إلا أن تدفعوا بعض الآلاف من الدنانير وسوف تتضاعف أموالكم شهرياً، وبالفعل حدث ذلك منذ العام الأول مثلما ذكر العديد من المواطنين الذين سرقت أموالهم، بأن العام الأول للبعض منهم كان جيداً وآخرون شهور وآخرون شهرين أو أقل.


ثم ماذا بعد ؟

ضاعت من العديد منهم “تحويشة العمر” سواء من خلال المشاركة بأموال التقاعد، مثلما ذكر مواطن بأنه دفع مبلغ عشرين ألف ديناراً، مبلغ التقاعد الذي حصل عليه، والآن يندب حظه العاثر، لم يبقَ معه مال، وآخرون لازالوا يدفعون شهرياً أقساط القروض للبنوك، كانت الخطة مبيتة من قبل النصابين، رفعوا شعار الثقة والالتزام الديني ليضللوا الناس، كانوا موضع ثقة في تلك المناطق التي سرقت أموال أبنائها وبناتها، ولكن تبقى الأسئلة، أين ذهبت الأموال؟ ولماذا أفرج عن المتهمين الرئيسين في تلك الشبكات الاستثمارية والمالية الوهمية، والبعض غادر البلاد.
فهل الأجهزة المعنية غير قادرة على الوصول إلى الرؤساء الرئيسين في تلك الشبكات الوهمية، وبالأخص في بلد مثل بلادنا صغيرة المساحة وقليلة في عدد السكان ، كيف لا يستطيع الوصول إليها وتفكيك تلك الجماعات السارقة وفتح الخطوط المترابطة ، ستبقى تلك التساؤلات قائمة ومشروعة، ولماذا الكرة تتدحرج الآن وبسرعة بعد أن تم كشف قضية الوزير السابق في غسيل الأموال، ولا يعرف الناس إلى أين وصل التحقيق في القضية، التي شغلت الرأي العام لأكثر من أسبوعين.
 
وإذا كان هناك من دروس وعبر على الناس وتحديداً بسطاء شعبنا، بأن لا يخدعهم مظهر الإنسان الخارجي، فالظاهر غير الباطن، لا يثقوا بكل إنسان، ويسلموا أموالهم المتواضعة أو تحويشة العمر على أساس الثقة العمياء، السارقون والنصابون والمحتالون يبدعون في برامجهم ومخططاتهما اللصوصية ويستغلون البساطة والالتزام الديني ليحققوا أهدافهم المغرضة، والضحية بسطاء وفقراء شعبنا.

اقرأ المزيد

مبادرات السلام الأمريكية كالعربية‮ .. ‬بلا أنياب


 
ألم يعد لدى الولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها الحالية ما تقدمه لعملية التسوية الهزيلة والظالمة للصراع العربي الإسرائيلي، سوى التصريح من آن لآخر ‘أن واشنطن مازالت ملتزمة بحل الدولتين’ على نحو ما فعلت قبل أيام هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية وغيرها من المسؤولين الأمريكيين؟.

كم تحتاج الولايات المتحدة، ونظامها السياسي الحاكم تحديداً، من المندوبين المعيَّنين خصيصاً لمتابعة قضية الشرق الأوسط، كي تتمكن في نهاية المطاف (الذي لم ولن يأتي أصلاً) من إنجاز تلك التسوية البائسة؟.
من وليم روجرز وزير خارجية أمريكا في عهد الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون الذي أطلق مبادرته المعروفة بمبادرة روجرز في 9 ديسمبر 1969 لإعلان فترة لوقف إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية والقوات المصرية التي كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قد جهزها لشن حرب استنزاف ضد إسرائيل توطئة لتحرير ما احتلته إسرائيل في حرب يونيو 1967 من أراض مصرية وعربية. يومها قال روجرز’سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تهدف إلى تشجيع العرب على قبول سلام دائم وفي الوقت نفسه تشجيع إسرائيل على قبول الانسحاب من أراضٍ محتلة (لاحظ ‘من أراضٍ محتلة’ وليس من الأراضي المحتلة) بعد توفير ضمانات الأمن اللازمة، وإن ذلك يتطلب اتخاذ خطوات تحت إشراف كونار يارنك (السفير الذي عينته الأمم المتحدة مندوباً لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242) وبنفس الترتيبات التي اتخذت في اتفاقية الهدنة برودس عام ,1948 وكمبدأ عام فإنه عند بحث موضوعي السلام والأمن فإنه مطلوب من إسرائيل الانسحاب من الأراضي المصرية بعد اتخاذ ترتيبات للأمن في شرم الشيخ، وترتيبات خاصة في قطاع غزة مع وجود مناطق منزوعة السلاح في سيناء’.

… من روجرز إلى هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي أولاً ووزير الخارجية تالياً، الذي جاء بما تسمى سياسة الخطوة خطوة.. إلى.. إلى.. وصولاً إلى المندوب الأحدث جورج ميتشل.. وأمريكا ‘مازالت’ تحاول ‘إقناع’ (!) أطراف ‘التسوية’ إياها ‘وتشجيعها’ (!) على القبول بإطار التسويق المُقتَرَح من قبلها والمتحرك من محطة إلى أخرى، من كامب ديفيد إلى أنابوليس (ولاية ماريلاند الأمريكية) في نوفمبر 2007 وهي جولة من المفاوضات استهدفت التوصل إلى حل نهائي بحلول عام .2008 وقبل ذلك كانت هنالك محطات أخرى نسردها، للذكر فحسب، على النحو التالي: اتفاقات أوسلو (1993)، وقمة كامب ديفيد (2000)، وقمة طابا (2001). كما تتقافز (التسوية إياها) من صيغة إلى أخرى وصولاً إلى ما يُعرف اليوم بخطة خارطة الطريق.
كلنا يعلم أن مؤسسة النظام الرسمي العربي قد جنحت للسلم مع إسرائيل، ليس قولاً فقط، وإنما هي طرحت عدة مبادرات سلمية آخرها المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل التي وافق عليها القادة العرب في قمة بيروت عام .2002
ولمَّا لم تُرفد هذه المبادرات وتُدَعَّم بأوراق ضاغطة، فإنها بقيت مجرد حبر على ورق، حيث رفضتها إسرائيل بل ازدرتها ولم تُعرها أدنى اهتمام يذكر.
الغريب والطريف في آن، أن ‘البضاعة’ العربية مازالت معروضة للبيع على ‘المشتري’ الإسرائيلي، وذلك على الرغم من أن المشتري قد أبدى سلفاً عدم اهتمامه حتى بالسؤال عن هذه البضاعة ومواصفاتها وميزاتها، ناهيك عن عدم رغبته الواضحة في ‘شرائها’.

ولكن المفارقة الغريبة هنا أن هذه المقاربة العربية الخاصة بكيفية تعاطي مؤسسة النظام الرسمي العربي مع قضية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية واستمرار استعمارها واضطهادها للسكان العرب الواقعين تحت احتلالها، تكاد تتكرر بنفس المواصفات والمضمون في طريقة تعاطي الولايات المتحدة الأمريكية مع قضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، والتي تحتكر الجهود الدولية المبذولة منذ أكثر من ستة عقود لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، ولكأنهما وجهان لعملة واحدة.

فالولايات المتحدة، كما مؤسسة النظام الرسمي العربي، قد اختصت نفسها بكامل الجهود الدولية الرامية إنفاذ التسويق السلمية للصراع العربي الإسرائيلي واحتكرتها لنفسها -(لا يغرنك وجود اللجنة الرباعية الدولية التي أنشأتها واشنطن في مدريد في عام 1992 إثر تأزم الوضع في الشرق الأوسط، حيث أوعزت إلى رجلها رئيس الوزراء الإسباني آنذاك خوسيه ماريا اثنار للتقدم باقتراح تشكيلها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة وأوكلت لرجلها الآخر رئيس الوزراء البريطاني السابق، العاطل حالياً، توني بلير للقيام بأعمال المندوب التنفيذي للجنة. فهذه اللجنة شكلية أنشأتها واشنطن لأغراض دبلوماسية وسياسية تكتيكية ليس إلا)- نقول الولايات المتحدة كما المؤسسة الرسمية العربية، تطرح المبادرات، الواحدة تلو الأخرى لتسوية القضية، وتتزعم التحركات الدبلوماسية على هذا الصعيد، إلا أنها تمتنع امتناعاً كلياً عن رفد هذه المبادرات والتحركات بأية أوراق ضاغطة على الطرف الإسرائيلي الرافض بشدة لهذه المبادرات انطلاقاً من رفضه القاطع إعادة الأراضي والحقوق العربية التي نهبها إلى أصحابها.

فالذي يحدث أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، تطرح مبادرات جديدة بزعم تسوية القضية (الشرق أوسطية)، فتشرع إسرائيل في مراوغتها والتحايل عليها باستخدام عامل الوقت الذي تُقدِم خلاله على أعمال منسقة ومبرمجة لاستهلاك المبادرات وتبديد زخمها قبل الإجهاز عليها نهائياً .. بما يمكنها من التملص من استحقاقاتها. تساعدها في ذلك بطبيعة الحال واشنطن التي تسايرها تماماً في تكتيكاتها الاحتيالية المفضية لمآل التملص إياه.

في يوم الجمعة 30 أبريل 2010 أعلنت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية أن مفاوضات التسوية بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية ستستأنف الأسبوع المقبل وأنها لذلك تطالب الحكومات العربية بإبداء المرونة والتعاطي الإيجابي مع إسرائيل من خلال ‘اتخاذ خطوات بناءة’ تجاه الدولة العبرية. بمعنى أن المنطق الأمريكي الأعوج هو هو لا يتغير بتغير الزمن والأفراد، فالضحية هي المطالبة بتقديم المزيد من القرابين لجلادها علَّ ذلك يشفع لها عنده وعند سيده. وما قالته هيلاري كلينتون ما هو في الواقع سوى تأكيد لذلك الالتزام بالنهج الأمريكي الثابت المتمثل في إطلاق بالونات المبادرات ولكن من دون تعضيدها بأدوات الضغط حال عرقلتها من قبل إسرائيل فتطويها الأيام والسنون.
وكل ذلك بقصد إخضاع الحقوق الفلسطينية والعربية المغتصبة في الأرض والمياه والمشردين من ديارهم، للتآكل والتلاشي والضياع.

وكما قلنا مراراً وتكراراً، ونعيد تأكيده من جديد، فإن العلة في كل ذلك لا تكمن في إسرائيل وحاميتها الولايات المتحدة بقدر ما تكمن في مؤسسة النظام الرسمي العربي التي سمحت لهذه المهزلة الاستمرار كل هذا الوقت.
 
الوطن 8 مايو 2010

اقرأ المزيد

العودة إلى البيت العـود


منذ سنوات قال الباحث الاقتصادي محمد الصياد في ندوة أقامها في المنبر التقدمي أن زبائن مجمع رامز وسوق واقف، هم أضعاف زبائن مجمع السيف وسواه من المجمعات الكبيرة والحديثة في البحرين .

جاء ذلك في سياق حديث الصياد عن تناقص القدرات الشرائية للغالبية الساحقة من البحرينيين أمام ارتفاع الأسعار وثبات الأجور ونسب التضخم العالية، خاصة أمام ارتباط الدينار البحريني بالدولار الأمريكي، مما يجعل من الغلاء هو الآخر بضاعة مستوردة .
 
جرى ذلك في إطار عرض ما وصفه الباحث : «تحولات الطبقة الوسطى تحت تأثير التحولات الاقتصادية في البحرين « ، رغم أن من توصف بالطبقة الوسطى هي اقرب إلى الشرائح المختلفة، والمتفاوتة في مستويات الدخل، والتي يتصف وضعها الاجتماعي والاقتصادي بالتذبذب والسيولة، مما يجعلها حينا في حالة صعود وحينا آخر في حالة تدهور تبعا لمسار الحراك الاقتصادي في المجتمع، لتصبح بعيدة عن مفهوم الطبقة بالمعنى الذي تحدثت عنه المرجعيات العلمية الكلاسيكية .

ما تعانيه الشرائح الوسطى في المجتمع البحريني حاليا هو أحد المظاهر التي يمكن أن يستدل بها على صواب هذه الفكرة، والتي تعني في إيجاز أو في تعبيرات أكثر مباشرة اتساع القاعدة الاجتماعية الأقرب إلى الفقر منها الحال المتوسط . وهذا يعني ارتباك السياسات الاقتصادية المتبعة في البلد عن استثمار الطفرة الثالثة في عائدات النفط في العقود الأخيرة، وهي طفرة غير مسبوقة في مداها ومستوياتها، في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، بحيث أن الفئات الفقيرة تزداد فقرا، فيما تنضم إليها أو تقترب منها شرائح كانت حتى حين قريب تعد في قوام الشرائح الوسطى .

يعطي محمد الصياد مثلا على ذلك تلك العودة مجددا إلى ما كنا نعرفه بالبيت العود، أو في تعبيرات علم الاجتماع «العائلة الممتدة «، حيث يضم بيت واحد الأبوين، وأحيانا حتى الجدين، ومجموعة من الأحفاد المتزوجين مع عائلاتهم، بعد أن شهدنا خلال العقود الماضية ميلا واسعا في اتجاه «العائلة النووية « ، بفعل تحسن مداخيل شرائح مهمة استطاعت، بفضل مقدرتها على سداد قروض الإسكان والبنوك وأرباحها، أن تبتاع قطعة أرض وتبني عليها سكنا مستقلا .

وقد مثلت هذه الظاهرة تحولاً اجتماعياً مهما ً ترتبت عليه أشكال حديثة من الوعي ومن نمط المعيشة وشكل الاستهلاك وطرق تدبر الحياة، فإذا بنا نعود مجددا تحت ضغط السياسات الاقتصادية الخاطئة إلى حال بات فيه الأبناء يكبرون وينهون دراستهم ويدخلون سوق العمل، أو يظلون عاطلين، ويتزوجون وهم غير قادرين عن الاستقلال عن أهاليهم في سكن مستقل، حيث يتدبرون أمورهم ببناء غرف أو شقق صغيرة ملحقة ببيوت الأهالي .

ليس هذا سوى مظهر من مظاهر تحولات اجتماعية باعثة على القلق، يفترض أنها تشكل حافزاً لصانعي السياسات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد على التبصر في مسار ومآل هذه السياسات.
 

 
 

اقرأ المزيد

إشكالات الفكر العربي المعاصر


إشكالات الفكر العربي المعاصر محاضرة ألقاها الدكتور محمد جابر الأنصاري بجامعة البحرين، والإشكالات التي تطرق إليها الأنصاري هي في الواقع إشكالات شغلت منذ عقود بال الكثير من المفكرين، البعض منهم ناقش هذه الإشكاليات مستخدمًا المنهج العلمي وبالتالي كانت استنتاجاته عقلانية ومنطقية، في حين البعض الآخر تناولها وعالجها بمنهج لم يتجاوز حدود النص والنقل، ومن هنا كان تغيب العقل وتزيف الوعي اخطر استنتاجات هذا النهج وهنا جوهر المشكلة.

على أية حال الإشكالات التي طرحها الأنصاري هي طبيعة العقل العربي المتمسك بالموروث من جانب، والباحث عن المعرفة الحديثة من جانب آخر، علاقة العقل بالإيمان، الدين والدولة، النظرة إلى الغرب القومية واللاقومية.

يستطرد الأنصاري في إعطاء خلفية واضحة عن طبيعة هذه الإشكالات التي كانت ولا تزال موضع جدل بين فكر الاستنارة وفكر السلف الذي يتخذ من الموروثات قياسا ومنهجا له ما هي التحديات والانزلاقات التي تفرضها هذه الإشكالات؟ هذه هي المسألة التي ينبغي مناقشتها.

حول الإشكالية الأولى المتمثلة في طبيعة العقل العربي المتمسك بالموروث والباحث عن المعرفة الحديثة في ذات الوقت اختزل الأنصاري هذه المشكلة في تشبيه للمفكر زكي نجيب محمود والتشبيه هذا لا يخرج بأية حال عن التناقض الشديد الذي يعيشه العقل العربي الذي تعثر عقودا من الزمان ولماذا لا يتعثر وإحدى نواقصه التي لم يتفادها انه رهن الازدواجية والتبرير، ويتضح التشبيه في ان دماغ المتعلم العربي عبارة عن غرفتين متجاورتين وبينهما جدار سميك بحيث لا ينفذ شيء لشيء آخر، يعني في جانب هناك المعلومات العلمية الحديثة جدا والمتقدمة، وفي جانب آخر هناك الاحباطات والغرائز الشعبية والموروث غير المدقق فيه. والمشكلة هنا كما يوضحها الأنصاري ان الحجرتين المفصولتين بالجدار السميك ولا يوجد أي نوع من التفاعل بينهما تكشفان عن طبيعة هذه الإشكالية.
 أما عن الإشكالية الثانية وهي العلاقة بين العقل والإيمان يقول وبإيجاز ان القول بان العقل يماشي الأيمان في كل شيء هو قول خاطئ، وهنا يدلل بما توصل إليه الفيلسوف الألماني «كانت» وهو لابد من وجود عقل أخلاقي، أي وجود عقل يستند إلى مبررات أخلاقية، وبالتالي فلابد من ان يكون لهذا العقل دوره.
 
أما بخصوص الإشكالية الثالثة إشكالية الدين والدولة في الفكر العربي يتساءل الأنصاري .. لماذا لم يؤسس المسلمون للفكر السياسي في الإسلام على أساس صحيفة المدينة التي وضعها الرسول؟ ويقصد من وراء هذا السؤال ان الرسول عندما أقام الدولة السياسية في المدينة المنورة وكتب صحيفة المدينة ميز بين المجتمع الديني والمجتمع السياسي، فالمجتمع الديني هو مجتمع المؤمنين من المهاجرين والأنصار. أما المجتمع السياسي فهو يضم المؤمنين ويضم عربًا ووثنيين لم يدخلوا الإسلام بعد، ويضم قبائل يهودية كانت تعيش في المدينة المنورة. ومن هنا يقول لابد من إعادة دراسة الفكر السياسي خاصة بعد ان تركنا صحيفة المدنية وذهبنا الى تأسيس الفكر السياسي إلى الأحكام السلطانية للماوردي المتوفى في منتصف القرن الخامس للجهرة، وهو يشمل توصيفًا للوضع السلطاني القائم في ذلك الوقت وليس في فكر الدولة في الدين.

والإشكالية الرابعة كما يراها الأنصاري النظرة الى الغرب، الغرب الحديث الذي لا يزال ينظر اليه الفكر العربي المعاصر كظاهرة استعمار، وبهذا يغفل الجانب الحضاري للغرب، ومن جانب آخر يرى ان هذه الحضارة ليست جمعيات خيرية تساعدك وإنما هي ذات مصالح، وبالتالي المطلوب هنا ان نفهم هذه المصالح ونفهم الحضارة الغربية مثل ما فعل اليابانيون الذين حاربوا الاستعمار بيد واستفادوا منه كقوة حضارية بيد آخرى.

وآخر هذه الإشكاليات مسألة القومية التي عبّر عنها الأنصاري بقوله «كان التيار القومي غالبًا في فترة من الزمن ولكنه هزم وخصوصا في معركة 67 والسؤال الذي يطرحه الأنصاري هنا .. هل لأننا هزمنا نتخلى عن الفكر الأساسي وعن المبدأ الرئيسي؟ والآن اذا نظرت الى خارطة العالم كله تجد انه مقسم الى قوميات، والاوروبيون كانوا قوميات متصارعة ولكنهم عرفوا بعدها ان من مصلحتهم ان يخلقوا بينهم الكتل الكبيرة لان العالم هو عالم الكتل الكبيرة ولا قيمة أبدا للكيانات الصغيرة، ودول مجلس التعاون تسعى إلى ان تكون كيانًا مؤثرًا، وأيضا الجامعة العربية والكتل العربية مازالت تحاول ولكنها مترددة في تقريرنا المتواضع، فالمشكلة هنا لا تنحصر فقط في التردد والتراجع وإنما أيضا في مساحة الديمقراطية المحدودة والضيقة وكذلك التعصب القومي والتطرف الذي أصبح من سمات الفكر القومي في الوطن العربي.
وأخيرا يمكن القول – بعد هذا كله – ان كل هذه الإشكاليات التي جاءت في محاضرة الأنصاري لا تقبل الشك، ولكن كيف تعالج هذه الإشكالات في ظل هامش الديمقراطية الضيق؟ هذه أيضا إشكالية أخرى.
 
الأيام 8 مايو 2010

اقرأ المزيد