المنشور

«سيف المراجل حِكَمْ»

في إحدى مسرحيات الرحابنة ينشد نصري شمس الدين: «سيف المراجل حِكَمْ/ شيلوا الدوا والقلم/ فَردك ع خصرك شاعر/ يمحي ويكتب حكم».
هذا التمجيد الساخر لمنطق المسدس، يومئ إلى رغبة ملحوظة في الذهنية العربية، في التماهي مع القوة، وهي لم تقف عند حدود الأناشيد والأغاني ورقصات الدبكة وحسب. إنها إذ تتكئ على ميراثٍ حافلٍ من الاعتزاز بالفروسية والشجاعة، تتقدم لتحيل كل ما هو غير قوة إلى هامش: ف «السيف أصدق أنباء من الكتب»، و«سيف المراجل حكم».
لكن هذا الأمر في وجهيه: التمجيد للقوة من جهة، وتهميش غيرها من جهة أخرى، لم ينتج عنه سوى تهميش القوة ذاتها، التي لم نعد نملكها إلا على شكل عنف داخلي مُدمر، كثيراً ما اتخذ شكل الحروب الأهلية أو شكل عنف يمارس على الذات. إنها القوة الغاشمة، لا القوة البناءة الهادفة إلى انتزاع الحق المستلب.
ليس هذا النوع الزائف من التماهي هو وحده ما نعانيه، فهناك أيضاً التماهي مع الآخر المتفوق، الغرب في حالنا الراهنة، وهو تماه انطلق في البدء على شكل رغبة مشروعة عبّر عنها رواد النهضة العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر في اللحاق بالعالم المتقدم.
لكنه اكتسب مع الوقت صورةً من صور الاستلاب أمام النموذج المتفوق، الذي ينسى أسراهُ الظروف والملابسات التاريخية التي صنعت تفوقه، ويسعون إلى إقحام هذا النموذج في بيئة مختلفة في ظروفها وسياقاتها وخصوصية تطورها، وكأني بابن خلدون في «المقدمة» قد عبّر عن ذلك حين قال: «المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده».
وليست رغبة التماهي مع الماضي بأقل خطراً من رغبة التماهي مع الآخر المتفوق، فإذا كان هذا الأخير غربة في المكان، فإن الأول غربة في الزمان، على ما ذهب أحد مفكرينا، لعله فؤاد زكريا. وكلاهما يقومان على منطق متعسف يُجَير للنفس شروط النجاح التي حققها الآخرون، في مكان آخر، أو في زمان آخر، حتى لو كان هؤلاء الآخرون هم أسلافنا أنفسهم، الذين بنوا حضارة قوية لأنهم استوعبوا شروط الزمن الذي عاشوه.
إن لم نستوفِ شروط ما نرغب في التماهي معه، ستظل رغباتنا عند حدود الأغاني التي تمجد القوة، على شكل فولكلور لا يفعل أكثر من إثارة البهجة والطرب في النفس ليس إلا.
 
صحيفة الايام
21 يوليو 2010

اقرأ المزيد

من يجيب على أسئلة مجلس الدوي؟!

ترى لماذا تظل أسئلة الناس أو تساؤلاتهم والتي كثيرا ما تطرح في المنتديات والمجالس الأهلية وبعض الندوات التي تقيمها الجمعيات السياسية، تبقى من دون إجابات شافية في كثير من الأحيان؟ ولماذا تبقى تلك التساؤلات معلقة أو أن تترك هكذا ليطالها التقادم وربما النسيان أحيانا كثيرة، لتحل محلها أسئلة وأسئلة تظل تتوالد دون إجابات شافية؟ لتغيب الحلول المطلوبة ويتعطل الفعل والانجاز المنتظر من قبل الناس تجاه قضية ما، ربما شغلت يوما حيزا كبيرا من اهتماماتهم، فعلى الرغم من طبيعة تلك القضايا المتروكة والمعلقة من دون إجابات وما ينتج عنها من ارتدادات اجتماعية وعلى أكثر من اتجاه، إلا أن الذاكرة الشعبية عادة ما تسمح بتغييبها ولو إلى حين، حتى يكتب لها أن تعاود الظهور مرات ومرات ولو بثوب وطرح مختلف بعض الشيء وربما بشخوص وتفاعلات مغايرة، ليختزل معها الزمن والقضية ومراميها وبالتالي زخم الحدث ومغزاه.
يوم السبت الماضي دعيت مرة أخرى كمتحدث لندوة أقامها مجلس الدوي العامر بحيوية أهله والقائمين عليه في مدينة المحرق العتيدة، وكعادة هذا المجلس ونوعية حضوره ورجالاته وأحاديثهم، فان المتحدث باعتقادي لا يجد صعوبة تذكر في سرعة التفاعل وحتى الانسجام مع ما تطرحه مداخلات الحضور من رؤى وأفكار، وبحسب نوعية القضية المطروحة للنقاش وعنوان الندوة، فبرغم أن الندوة التي شاب موعد انعقادها نوع بسيط من الإرباك من حيث توقيت موعد إقامتها، إلا أنني وجدت في حضور المجلس وتداخلاتهم ما أعانني لكي اطرح كل ما أردت من أراء وأفكار وهواجس. لكن ما لفت نظري في نوعية المداخلات وسياق ومجرى الحديث أن التساؤلات هي ذات التساؤلات والحيرة هي ذات الحيرة واستمرار سيطرة الشعور بالخذلان وانعدام الثقة لدى الناس تجاه التجربة ومن يمسكون بتلابيبها في الإتيان بجديد هو ديدن الحديث، وذلك ما أجمعت عليه معظم المداخلات، فقد كان عنوان الندوة «قراءة في الانتخابات النيابية والبلدية القادمة» ومن العنوان يمكن فهم طبيعة الحديث المراد الوصول إليه من قبل القائمين على الندوة، من استنتاجات أثق أنهم أرادوا بها إثراء ما يدور من حوارات مجتمعية ونحن نتجه صوب الانتخابات القادمة، وكان لافتا أيضا غياب ممثلين عن الكتل السياسية والبرلمانية المهيمنة حاليا على ساحة المحرق تحديدا، رغم أن عنوان الندوة ربما يعنيهم كثيرا ولو من باب الدفاع عن مواقفهم التي كانت محل نقد وتمحيص من خلال الحديث والمداخلات.. أرجو أن لا يكون ذلك نوعا من الهروب وعدم الاستعداد لمواجهة الشارع وتساؤلات الناس؟!
أستطيع أن أقول أن معظم مداخلات حضور «مجلس الدوي» في تلك الأمسية كان عنوانها الحيرة والتساؤل الضمني الذي مفاده وكما فهمته على الأقل «لماذا لا يوجد لدينا برلمان وبرلمانيون يستطيعون حمل هموم وقضايا الناس بصدق كما يطرحونها في برامجهم وشعاراتهم الانتخابية وهل سيستمر ذلك في الفصل التشريعي القادم؟».
وحول تلك النقاط يتشعب الحديث وتتداخل المسميات، ورغم أنني بمعية غالبية الحضور كنا واعون لضرورة النأي بالحديث بعيدا عن أي انحيازات ربما تفهم أنها طائفية، تأصيلا على ما سبق الندوة من بعض المداخلات التي ربما كانت ستصل بنا لو استمرت إلى الدخول في متاهة الطرح الطائفي الذي ربما يصفق له مريدوه وهم كثر في بعض مجالسنا الشعبية، لكنه في نهاية المطاف يظل طرحا مرفوضا سببا ونتيجة، باختصار لأن أهل البحرين بمختلف مللهم لم يعودوا في حاجة لمزيد من تأجيج الفتن والانقسامات، فلدينا ما يكفينا من قضايا نحتاج أن ننشغل ونشتغل عليها بوحدة وانسجام، فقضايا الإسكان والتعليم والصحة والفساد والبيئة، والمحسوبية والأملاك العامة للدولة والموازنات العامة وما تعج به تقارير الرقابة المالية السنوية والأوضاع المعيشية بشكل عام والرواتب والأجور والفقر، هي بعض من قضايانا التي لا زالت تطرح باستمرار من قبل الناس والقوى السياسية، باحثين لها عن حلول كثيرا ما نخفق في الإجابة عليها، ببساطة لأننا ربما لم نعرف بعد ما هي أولوياتنا، وإن عرفنا فإننا لا نعرف من أين نبدأ، وإن بدأنا فإننا لا نعرف كيف نتقن أو ندير اللعبة لمصالح الناس والوطن، ولأننا كثيرا ما نتشعب في الهوامش على حساب الأولويات، أولأننا لا نعرف أحيانا كثيرة كيف نستطيع توظيف ما لدينا من أدوات ومصادر قوة، وأحيانا وهذا هو الأهم ربما لأننا نجهل أن حجم الإعاقات وأسبابها ومسبباتها هي جزء من عملية الصراع الذي علينا أن نتقن إدارته بأدوات تقبل التجدد والتطوير وترفض التخندق في محيط الطائفة والحزب أو الجمعية أو حتى المرجعية أو الايديولوجيا، لذلك تبقى الأسئلة من دون إجابات وتبقى الأحاديث تجتر بعضها وتبقى حيرة الناس وقلة حيلتهم بانتظار ما هو قادم عله يكون خيرا!.. فهل بمقدورنا الإجابة على أسئلة مجلس الدوي التي هي أسئلتنا جميعا؟!

صحيفة الايام
21 يوليو 2010

اقرأ المزيد

العقوبات والتحولات في إيران (1)

كانت السوق الإيرانية واعدة بنظام اقتصادي رأسمالي (حر) خاصة أيام مصدق الذي ضربته وضربت تجربته الحكومات الأمريكية، لكن كأغلبية الدول الشرقية يغدو تشكل السوق الحرة من الطرق الصعبة، فكان الاختيار الديني ذاته تصويتاً ضد هذ المسار. والطائفية هي شكل الاقتصاد الحر المخنوق اقطاعياً. وقد تنامى خيار الرأسمالية الحكومية مع الحرب الإيرانية – العراقية، حيث برزت الدولةُ كأكبر قوة اقتصادية – عسكرية، وظهر الخيار الشعبوي (الاشتراكي) عبر موسوي، وما يسمى باليسار الإسلامي، فتفاقمت قوى الدولة الحكومية الرأسمالية العسكرية.
الخنق الاقطاعي للسوقِ الحرة يتشكل اجتماعياً بعدم تحول الأسرة إلى خلية رأسمالية، وبعدم ازدهار قوى العمل في النساء والعقول، وجمود الأرياف وتحولها إلى قنابل ضد الحداثة، وهيمنة المؤسسات العسكرية والطفيلية على خلايا الإنتاج، وهروب رأس المال الوطني وقوى التقنية والمهارات للخارج.
إن أي معركة عسكرية يدخلها النظام الإيراني هي محسومة مسبقاً، ولكن الغرب يلجأ للعقوبات الاقتصادية لكي يتفكك النظام من الداخل، فيما يصعد الحرس ليكون هو المؤسسات الكبرى الاقتصادية والعسكرية، بتقليد معين لنظام صدام حسين وجعل الحرس الجمهوري هو المتصدي لنظام العقوبات.
إن نظام العقوبات هو نظام فاشل لكنه يمثل شكل التحضير للضربات العسكرية والهجوم.
والنظام الراهن المتخلخل لنظام آخر عسكري، يتألف من تحالف رجال الدين وتجار البازار، وفيما تعملقت الدولة وأجهزتها العسكرية بقي تجار البازار في مواقعهم، يعارضون التغلغل البضائعي الأجنبي لأسواقهم، وفيما عدا ذلك فهم مع من يحكم.
وقد تجنبت السلطة التعرض لهم، خاصة وهم خارج الصراع من أجل الديمقراطية.
ولهذا فإن نظام العقوبات يتجنب المساس بمصالحهم، ويوجه ضرباته نحو الطبقة الحاكمة الجديدة، وتغدو مصالح الحرس هي التي تحدد مسار النظام، وتتوجه العقوبات لضرب سيطرته، وعزله عن حلفائه في الدول المؤثرة كروسيا والصين وسوريا وتركيا والبرازيل.
إن مسألة العقوبات غير ناجعة بسبب الاقتصاد البترولي الإيراني:
(ويعود ذلك لأن النفط يشكل سلعةَ التصديرِ الأولى فى إيران، ويمثل ما بين 80 بالمائة إلى 90 بالمائة من الصادرات الإيرانية، كما يمول تصدير النفط ما بين 40 بالمائة إلى خمسين بالمائة من إيرادات الدولة الإيرانية)،.
إن منعَ تصدير النفط غير ممكن، وبالتالي فإن الاقتصاد الإيراني يمضي في دروب الحياة. ولهذا فإن نظام العقوبات الأمريكي السابق طوال (عقود) لم يفلح في تغييرِ شيء كبير:
(وتقلص تأثير الحصار الاقتصادي الأمريكي، طبقاً لتقديرات واقعية، في حدودِ خسارة إيرانية تقدر بما بين 1 بالمائة إلى 6،3 بالمائة فقط من إجمالى الناتج المحلي الإجمالي الإيراني خلال الفترة من 1998 وحتى .2001).
أما فرض حصار بحري فهو يثير حرباً غير ممكنة الحدوث بسبب الخسائر الجسيمة التي سوف لا تقدر على تحملها مختلف الأطراف التي تقوم بها، وتعريضه الاقتصاد العالمي لأخطار فادحة وإشعاله المنطقة.
إذاً العملية السياسية تستهدف تغييرات على الصعيد الداخلي الإيراني، وما يرتبطُ بها من تحولات سياسية في الأنظمة والتنظيمات المساندة لإيران، بحيث يتم التركيز في الخصم الرئيسي وهو الحرس وهزيمته ومنع نمو مشروعاته العسكرية الخطرة وخاصة المشروع النووي.
ومن هنا تتضخم لغة العقوبات وتحاول أن توحي بأنها قادرة على شل الخصم وهزيمته، وهو أمر محل شك.
لكن علينا أن نرى خريطةَ لعبة الشطرنج العسكرية السياسية الخطرة هذه، ومدى قدرتها على فعل شيء حقيقي، ودوافعها العميقة والظاهرة، وكيف يترتب المسرح الإقليمي الدولي للقيادة الأمريكية، التي تترأس النظام الرأسمالي العالمي الراهن في العقود الأخيرة بشقيه الغربي الديمقراطي والشرقي الشمولي.
إن الدول الشرقية الشمولية التي لا تنصاع لإرادة القائد الأمريكي تتعرض آجلاً أم عاجلاً للهزيمة كما أثبتت التجارب إلا في حالتين هما تجربة فيتنام وتجربة كوبا، فهل سوف تنضم إيران إلى هاتين التجربتين؟
وهل هي مشابهة لتينك التجربتين؟
إن الشعب الإيراني مع المشروع النووي، ولكنه ليس مع الهيمنة الحكومية العسكرية التي أهدرت موارده في أعمال لا تعود عليه بالرفاهية، وهو يملك قدرات احتجاجية مشهودة فلم يخنق مثل بقية شعوب المنطقة رغم ضخامة أجهزة القهر والعنف.
فهل ستقوم حكومة أحمدي نجاد بالتحايل بين هذا وذاك، وإلى متى؟ وهل ستصل العقوبات الدولية إلى هذا التحايل وتقطع دابره وكيف؟

صحيفة اخبار الخليج
20 يوليو 2010

اقرأ المزيد

نحتاج «خثاك بحريني»!!

تميز مونديال كأس العالم في جنوب افريقيا 2010 بسمة غريبة، كادت تتغلب فيه نزعة الشعوذة على نزعة الصدفة والمنطق والظروف بشقيها الذاتية والموضوعية، التي تحدد دائما عناصر الهزيمة أو الفوز، اما الرجم بالغيب مع وضد، فتلك نظرية شعبية قديمة لدينا عندما كانت تحمل المرأة فيقولون اذا مو ولد بنت، وطبعا هناك خيارات أخرى، غير ان الاخطبوط بول في دورة مونديال جنوب افريقيا، تملك صحافة العالم، وجعل بعض العقول تعيد حساباتها «الفلكية» طالما هناك في الغرب ظاهرة «بول الاخطبوطية» بل والبابا بولس ربما كاد ان يباركه لكون الاسماء متشابهة، وحسب تقاليدنا كان «سميه» في هذه الدورة مشهورا اكثر من أي نجم سينمائي او ثقافي ورياضي، فالاخطبوط لعب بعقل ونفوس من اصيب بلوثة الميتافيزيك الجديد الرياضي، لمجرد ان الاخطبوط قال ان الفريق الفلاني سينتقل وسيذهب الى هناك، وطبعا لم يخلق لنا الاخطبوط معجزة كما هي تقديرات المعجبين بالمعجزات، بحيث يرسل الاخطبوط او يمضي في اتجاه بلدان خرجت من الدورة منذ الاسبوع الاول.
في البحرين انقسم الناس مؤيدين ومندهشين من توقعات بول التي «ما تخرش الميه» فيما حّول البعض الاخطبوط الى حالة تندر وضحك وتعليق، وان كان بعضهم بات مؤمنا بجذوره القدرية في لحظة انشداد الحواس الانسانية للعبة مثيرة بالانفعال مثل كرة القدم. لهذا نحن بحاجة الى «خثاك» بحريني يصبح في دورة الخليج والدورات العربية والاسيوية مشروعا سياحيا، مثيرا بحيث يتحرك الخثاك في اتجاهات كثيرة منطلقا من مياه الخليج حتى المحيط الهندي، في طريقه للمحيط الباسيفيكي، وهناك بإمكانه قراءة «الكف» على طريقة اخطبوطية بثماني ارجل (وللمعلومة كلمة اكتوبوس هي كلمة اغريقية معناها ثماني ارجل) وبامكان الاخطبوط ان يمر من باب المندب عبر البحر الاحمر داخلا الى قناة السويس نحو البحر الابيض المتوسط، وبذلك يكون على تماس بكل جغرافية العالم العربي في حالة قيام دورة رياضية عربية بجدارة.
بامكان الخثاك البحريني في تلك الرحلة ان يتجنب نفث «الحبر الاسود» في مياه الخليج، باعتبار ان مياهنا والحمدلله مشبعة بسواد ناقلات النفط فلا يحتاج بحرنا حبر خثاكنا «المبارك» وانما العكس هو الصحيح، ان يتجنب الخثاك تلوث ناقلات النفط لكي نستطيع التمتع بخثاك طازج خال من الاورام السرطانية او غيرها من امراض بيئية لا تحصى.
لنبارك نحن خثاكنا، بشتى السبل وننفق عليه اموالاً طائلة للاعلان، اذ نجاحات الخثاك هي جزء من نجاحاتنا في ابداع افكار «خثاكية» لا يشاطرنا فيها بول الاخطبوط، وان كنا في النهاية ننتمي لعائلة واحدة من تلك الاسماك البحرية.
في غمرة حماس الناس للدورة في بلد نجح في الغاء النظام العنصري، الاهتمام بهموم ذلك الشعب والبلد، والذي صرف على اعداد هذه الدورة 2.8 بليون جنيه استرليني كجرد اولي، في بلد تحدياته كثيرة في مسائل الجريمة والتعليم والاسكان والفقر، فنسبة الواقعين تحت خط الفقر تمس نصف سكان جنوب افريقيا والبالغ عددهم اكثر من 48 مليون نسمة، حيث شكلت 47% وبمعدل بطالة عالية تصل الى 24%، واذا ما كانت الجريمة اليوم في جنوب افريقيا، تعتبر من اعلى معدلات الجريمة في العالم، فانها كانت اعلى بكثير قبل عام 1994، اذ من خلال تلك المفارقة نلمس مديات تلك الجرائم وسط سكان سويتو وضواحي جوهانسبيرج وغيرها من المدن البعيدة عن دائرة ومركز العاصمة. ومع ذلك وجدنا ان كأس العالم من جوانب اخرى حقق نتائج عدة في توحيد الشعور العام لدى سكان البلاد بانهم امة واحدة وفي مجتمع جديد انتقلت فيه الديمقراطية السلمية بكل هدوء، فدفنت الظاهرة الاستيطانية الكولونيالية القديمة، والتي حكمت البلاد ما يقرب من 400 عام.
كان للدورة أثرياء وفقراء تحلقوا في زمن العولمة في مكان واحد كقرية كونية، حيث برهنت العولمة على ان الانسانية في لحظة ما بامكانها ان تلتقي حول مائدة كبيرة مختلفة ومتنوعة، حيث في لحظة مباريات كأس العالم، صارت العقول والاعين ممحورة في ملعب واحد، فيما اختلفت البلدان والثقافات والاعراق، ولكن بيت الانسانية المتعدد الطوابق جعل من تلك الحالة معولمة بامتياز نحو مونديال متعاظم في تأثيره وحضوره.
كانت الفيفا السلطان المالي والرياضي الجديد المحتكر لصناعة الاعلان في هذه اللحظة، ومع ذلك حاولت بعض الشركات الهروب من هيمنتها الاعلانية عندما فرضت الفيفا شروطا بأن لا تستخدم عبارة «كأس العالم» بل ولا حتى 2010 من جهة اي شركات اخرى، ولكن احدى شركة الخطوط الجوية في جنوب افريقيا «كولولا كوم» التفت على تلك الهيمنة عن طريق اعلان كتب بالطريقة التالية «الخطوط الجوية الرسمية للشيء الذي تعرفونه» فاصرت الفيفا على ازالة تلك الاعلانات. ولم ترتدع كولولا كوم، فوضعت اعلانات تشير الى «الشيء الذي يحدث في الوقت الراهن». بعض محرري صحافة جنوب افريقيا انتقدت الفيفا «التي كسبت الكثير من الاموال، وكان ينبغي ان تذهب هذه النقود للمحرومين، للمساعدة في خلق وظائف». ان اجمل من وصف هيمنة الفيفا هي صحيفة نيويورك تايمز بنعتهم «بالاسياد المفروضين» لكرة القدم الدولية، والمتوقع ان تحصل على بليوني جنيه استرليني من كأس العالم.
 
صحيفة الايام
20 يوليو 2010

اقرأ المزيد

«الديجتال» الخادع

لوهلةٍ يبدو شعار «موت الايديولوجيا» جذاباً ومبهجاً، كأنه احتفاء بسقوط الجمود العقائدي والدوغما الفكرية على أنواعها، لكن بقليل من التمحيص سنجد أن من يرددون هذا القول يريدون إزالة الحدود بين القيم والأفكار، فبعض من عرفوا في أزمنة سابقة بأنهم من غلاة الأيديولوجيين، الذين اختاروا لأنفسهم موقعاً قصياً، لا بل الموقع الأقصى الذي لا بعده سوى السقوط في الهاوية، باتوا اليوم من غلاة المنظرين بموت الأيديولوجيا.
وباتت مفردة الأيديولوجيا، التي لا يعدو المقصود بها في أكثر الترجمات مباشرة وحرفية: «علم الأفكار» حين ترد على ألسنتهم أشبه بالشتيمة توجه لمن لايزالون يرون أن الأفكار تتصارع، وأن الحوار ذاته شكل من أشكال السجال الجدي بحثاً عن الحقيقة، وأن بين الفكرة ونقيضها توجد فواصل وحدود لا يمكن محوها بممحاة من يريد إقناع نفسه، والآخرين معه، أن كل الأفكار كلها واحدة، لا يوجد بينها ما يفرق.
على ضفة أخرى فان بعض المناضلين السابقين المبتهجين بالتحاقهم بالعربة الأخيرة في قطار العولمة، إذا ما استعرنا التعبير الوارد في الصفحات الأخيرة من كتاب فرنسيس فوكوياما: «نهاية التاريخ وخاتم البشر» يرددون قولاً مشابهاً ليثبتوا لنا أنهم الآن في خانة «الديجتال» بالقياس لرفاقهم الذين باتوا، في نظرهم، «دقة قديمة»، لأنهم مازالوا على ثوابتهم.
الحدود بين الحق والباطل لن تزول أبداً مهما سعى هؤلاء لإيهامنا بالوهم الذي تلبسهم، بعد انتقالهم للموقع المريح، لأن هذه الحدود مرتبطة بموضوع العدالة الاجتماعية، التي ستظل تلهم أفئدة وأذهان وضمائر الساعين من أجل التغيير.
وفكرة التغيير لن تفقد وهجها ومشروعيتها طالما كانت هناك أراض يحتلها غزاة ومستوطنون، وطالما كانت لقمة العيش الكريمة عصية على ملايين البشر الذين يصنعون الخيرات المادية لتنعم بها القلة وتحرم منها الأغلبية.
لن تنتفي الحاجة إلى التغيير، القائم على برنامج اجتماعي سياسي تاريخي ينطلق من الإيمان بمبدأ المساواة، يعول على دور الدولة في تنظيم الحياة الاقتصادية والخدمات العامة وخلق فرص عمل، والوقوف إزاء سياسة السوق المتطرفة، ونقد الأفكار البالية والتقاليد المتحجرة وتبني موقف إيجابي من النقلات التي يمر بها المجتمع الإنساني في زمن العولمة، ولكن من موقع الانحياز لفكرة الحق، ورفض هيمنة ثقافة الإمتاع الرخيصة والاستهلاك والتحكم الضار لمنطق السوق في مصير الثقافة الجادة.
في العملية المعقدة التي نمر بها يحدث فرز بين اتجاهات محافظة فكرياً وثقافياً، وأخرى تنزع إلى التجديد والتغيير، وبالتأكيد فإن المثقفين ينتمون إلى القوى الأكثر إدراكاً لقيمة المعرفة في التحرر الإنساني، ولأهمية حرية التفكير والتعبير ورفض الطائفية والمذهبية والتعصب والتطرف الاقصائي التكفيري.
مهما بدا الوضع معقداً وسوداوياً وحاملاً للبعض على تغيير جلده، على جري الحرباءة، فإن التطورات التي تختمر في ثنايا مجتمعاتنا العربية تدفع، في الأفق التاريخي المنظور نحو تبلور مواقف أكثر وضوحاً من قضية الحقوق والحريات، ومن الدور المناط بمؤسسات المجتمع المدني.
سيحمل المستقبل فرزاً فكرياً وسياسياً بين قوى التغيير الديمقراطي والقوى المراهنة على الأمر الواقع، وفي هذا هناك من الأدوات ما يمكن التعويل عليه: المعرفة ومستوى التعليم، الخبرة السياسية والمصالح الحيوية للناس.
 
صحيفة الايام
20 يوليو 2010

اقرأ المزيد

القادم أسوأ

أتفق تماماً مع ما طرحه الأمين العام لجمعية العمل الإسلامي الشيخ محمد علي المحفوظ من أن الانتخابات المقبلة ستكون من أسوأ الانتخابات التي مرت أو ستمر على البحرين.
ومنشأ هذا الرأي هو القراءة الواقعية للساحة المحلية ومدى ما أفرزته الدورتان الانتخابيتان السابقتان للمجلس النيابي من وعي لدى الناخب البحريني يستطيع من خلاله اختيار المرشح الأفضل والأكفأ حسب قناعاته.
ورغم أن درجة الإحباط لدى الناخبين – نتيجة الأداء المتعثر لمجموعة كبيرة من النواب وخصوصاً خلال الدورة السابقة – قد وصلت لمراحل متقدمة إلا أنها لم تصل بعد إلى الحد الذي يمكن للناخب أن يتخلى عن جميع القناعات التي أريد لها أن تترسخ لديه خلال الفترة الماضية.
فمن ناحية مازال الاصطفاف الطائفي هو الغالب والمسيطر على مجمل العملية الانتخابية, ومهما يكن من أمر فحتى الآن لا يمكن للناخبين أن يصوتوا لمرشحين من غير طائفتهم مهما كان هؤلاء المرشحون على درجة عالية من الكفاءة والوطنية.
ومن ناحية أخرى مازالت القوى المسيطرة على الشارع هي المهيمنة ولذلك وإن تغيرت بعض الوجوه إلا أن هذه القوى ستبقى هي أيضاً المسيطرة على المشهد الانتخابي, وإن حدثت اختراقات بسيطة لبعض القوى الأخرى أو المستقلين إلا أن الغالب سيكون تكراراً لتركيبة المجلس النيابي السابق.
كل ذلك يضاف طبعاً إلى آليات التحكم المسبق بمخرجات العملية الانتخابية ومن أهمها توزيع الدوائر الانتخابية والمراكز العامة وأصوات المجنسين, ليكون لدينا في الدورة المقبلة مجلس نيابي لا يرقى لطموح المواطنين ولا يمثل مختلف شرائح ومكونات الشعب البحريني.
صحيح أن عدداً من المآخذ على أداء المجلس النيابي السابق وخصوصاً إقرار تقاعد النواب وفرض اقتطاع الواحد في المئة من رواتب المواطنين لتغطية برنامج التأمين ضد التعطل والاصطفاف الطائفي للنواب خلال استجواب الوزيرين عطية الله وبن رجب بالإضافة إلى إحساس المواطنين بعدم تحقيق المجلس النيابي السابق أي مكاسب مادية أو معيشية ملموسة لهم من الممكن أن يؤثر في مستوى الإقبال على صناديق الإقتراع, إلا أن التحشيد الذي يمكن أن تمارسه القوى المسيطرة في اللحظات الأخيرة يمكن أن يقلل من أهمية ذلك.
إن حالة التذمر من أداء المجلس النيابي السابق وانتقاد المواطنين لعدد من النواب الذين استغلوا الكرسي النيابي لمصالح شخصية, «لم تنضج» بعد بالمستوى الكافي وتحتاج إلى أربع سنوات أخرى تمارس فيها اللعبة من قبل اللاعبين أنفسهم لكي يتأكد المواطنون من أن هناك عدداً من المقاييس يجب أن يؤخذ بها عند التصويت وليس مجرد «مقياس واحد».
 
صحيفة الوسط
19 يوليو 2010

اقرأ المزيد

اليمن في رواية

حاولتْ أعمالٌ أدبيةٌ عديدة أن تتغلغلَ في التجربة اليمنية الاجتماعية ذات الجذور العريقة، والجراحات الكبيرة، لكنها لم تقاربها إلا من خلالِ سطوح الأشياء، ولعل حبيب عبدالرب سروري الوحيد من الكتاب اليمنيين الذين قيل عنهم إنهم غاصوا في التجربة الوطنية لبلده بعمق كبير، وبفرادة أسلوبية تعبيرية.
ورغم انه دكتور في علوم الكومبيوتر ويعيش في فرنسا استاذاً في المعهد القومي للعلوم التطبيقية في إحدى المدن الفرنسية فإنه كتب عدة روايات منها(الملكة المغدورة) وصدرت بالفرنسية، و(طائر الخراب) و(دملان) وأعمال اخرى.
تقول عنه موسوعة(ويكيبيديا):
“تظهر مدينة عدن بكلِ تجلياتِها في روايات حبيب، وتكون مدخلاً لليمن، فعلى الرغم من غربتهِ الطويلة، فانه لم يفقدْ ارتباطه ببلاده، فلاتزالُ اليمنُ تشكلُ عالم حبيب الروائي.
ثيمتهُ الأساسيةُ هي العشق، ومن هذه الثيمةِ يتفرعُ عالمُ حبيب الروائي ليرصد تحولات اليمن في ربع القرن الماضي. وفي روايته الأخيرة طائر الخراب، يطرق حبيب المحرم والمسكوت عنه بقوة، فيتحدث عن زنا المحارم، والمفاهيم القبلية للشرف والبكارة.
أحدثت روايتهُ الأخيرة دوياً فائقاً، فكانت حجراً حرك ركود الساحة الأدبية اليمنية بشكل خاص، والعربية عموماً بكم الجرأة في طرق المواضيع المسكوت عنها في الواقع.
في رواية الملكة المغدورة تحدث حبيب عن واقع اليمن الجنوبي إبان الفترة الشيوعية. أما في ثلاثيته دملان فيرصد حبيب اليمن كلها عبر مساحة العمل الروائي الشاسعة، وعبرَ اختلاقِ مملكةٍ خيالية هي دملان الواقعة عند سفوح الهملايا. ورصد رحلة الراوي منذ بداياته في عدن مروراً بمكوثه في فرنسا وحتى عودته إلى اليمن الجديد، مستوحياً التراث الشعبي اليمني، والقصص الخرافية التي يحفل بها وعيه الجمعي كقصص الجان، ومستعيداً ممالك وعيه الجمعي مثل تنكا بلاد النامس الشهيرة”. انتهى.
إن روايته (دملان) كبيرة فقد بلغ عدد صفحاتها577، وصدرت عن دار الآداب سنة 2009، ويملأ الكاتبُ الروايةَ بالسخريةِ من عالم اليمن الاجتماعي، ورغم انه يوهمُ القارئ في البداية انه مسافر للنيبال، فإن هذا القناع بسيط وواضح، ويشكل الراوي السارد عالماً قصصياً حول ذاته، فهو المحور، أما الواقع فهو شظايا تدورُ حوله وحول مغامراته الغرامية الفاشلة، ومن البداية نلمحُ هذا التضادَ بين روايةٍ تريدُ أن تقدمَ تجربةَ بلدٍ لكنها تقدم تجربة شخص وعالمه الدراسي وتخيلاته الواسعة ومنولوجاته الطويلة، والشخوص التي تظهر في حياته بشكل وميض.
إنه يسخر ويثرثر عن اليمن واليمنيين: كيفية عيشهم البسيط، وأطعمتهم، ومقاهيهم، والتخلف الذي يلم المؤسسات كافة، لكنه لا يطرح ذلك من خلال تجسيدات فنية موضوعية، بل من خلال رويه الحر، الذي يتضخمُ حول ذاته، ويضمحل حين يأتي للوطن والناس.
حين يتكلم عن نفسه نعرف أنه ابن أحد شيوخ الدين المحدودين في فهم الدين الذي يتصارع مع شيخ دين آخر للسيطرة على المسجد والخطبة فيه، ويتمكن السارد الراوي وهو الفتى من أن يحل محل والده في هذه الخطب وبجدارة، مما يجعل والده مهيمناً على هذا المسجد، وبعد هذا فإن الراوي السارد ينضم للحزب الاشتراكي من دون أن يقدم أي تجربة شخصية ملموسة لهذا الانضمام، لكنه يملأ الكتاب سخريةً من الاشتراكية والحزب والمعسكر الاشتراكي.
ورغم حضوره الشبابي في هذا الحزب لكن ليس ثمة تغلغل في التحليل للتجربة من الداخل، وعرض نماذج ومحاور في ذلك، ويعوض عن هذا بصفحات سياسية تقريرية ضد التجربة، خاصة في صفحة 312 وما بعدها؛(عرّتْ بينهما الوجهَ القبلي القبيح لنظامٍ سياسي تشدق بأحدثِ وأنبل الأفكار التقدمية والمبادئ السامية قبل أن يغتال إلى الأبد أحلامَ كثيرٍ من الأبرياء والمخلصين).
إنه في الوقت الذي يدير الرواية كلها حول ذاته داخل وخارج اليمن، ويسرد حول الشخصيات التي تلتصقُ به، فإنه لم يحلل لماذا حدث ما حدث من كوارث كبرى؟ وهل القارئ مهتم بعلاقات حب وهمية تتكرر بأشكال مختلفة؟
الروائي يمتلك أسوباً عفوياً مرحاً ساخراً متفجراً بالصور، لكن لا يشكل تنامياً قصصياً متصاعداً يجمع بين الأنا والواقع، بين السارد والعالم العميق من حوله. ففي الوقت الذي يضع عنوان الرواية باسم البلد(دملان) يجري كل شيء حول غرامياته الواقعية البسيطة وغرامه الخيالي بامرأة يتصورها ويوجدها ويدخلها ويدخلُ عالمَ الكتابة في عالم الكمبيوتر.
فعلى الرغم من ثراء الواقع وبروق الشخوص التي تمر على هذا المسرح الذاتي، فإنها كلها تومضُ هاربةً من ترك أثر لشيء عميق باق.
فحين يدرس في فرنسا ويعشق واحدة يعشقها زميلهُ أيضاً وتُحل العلاقة بقرعةٍ تجرى بينهما! ونرى أعمال الطلبة السياسية الكثيفة من توزيع المنشورات واللقاءات والاحتفال بالجريدة اليسارية الفرنسية وعبر مشاهد كثيرة، لكنها كلها لا تصب في محور الرواية الضائع.
وكل هذه الفصول عن الدراسة والشعارات السياسية التي يسخر منها سابقاً ولاحقاً، تبدو مثل عمليات التلصيق في جسمٍ غير روائي، حيث يتحول العمل إلى اعترافاتٍ ذاتية ومقالاتٍ ساخرة صحفية عابرة.
عندما تقرأ مثل هذا العمل الكبير الحجم تريدُ أن تدخلَ جذورَ اليمن، لماذا يحدث فيه ما يحدث من مذابح وحروبٍ وصراعات لا تنتهي، لكن الكاتب لا يتغلغلُ في ذلك، رغم الكم من المتع الفنية التي يبثها في سردهِ من سخريةٍ ومن نماذج مضحكة ومن لهجاتٍ يمنية وسرد شعري فصيح وعرض أمثال وفكاهات، لكن ثمة غربة كبيرة بين المؤلف – الراوي وبين اليمن، إنه يتكلم عن ذكرياتٍ شخصية، ولم ينتجْ عملاً حفرياً روائياً في هذا البلد المنكوب. لقد عرفنا صعوده الدراسي الكبير، ولم نعرفْ سقوطَ اليمن في الحضيض العسكري وعالم الحرب الأهلية!
الكتاب يقدم مادة خاماً وكياناً لامعقولاً ساخراً، لكن الكاتب يتكلم عن نفسه ولا يتكلم عن موضوعه.

صحيفة اخبار الخليج
19 يوليو 2010

اقرأ المزيد

الرقيب الـــذي صنعنـــاه

الرقيب هو نحن، حتى وإن كان الرقيب في الأصل خارج ذواتنا إلا أنه مع الوقت احتلنا، سكننا، حتى بتنا هو وبات هو نحن. منذ أصغر وأبسط تفصيل في حياتنا اليومية، منذ أن نصحو حتى ننام، وربما حتى حين ننام يحضر الرقيب الذي هو في جزء منه صنعة ما هو خارجنا، لكنه في جزء آخر، لا يقل أهمية في النصف الآخر من الأمر صنعتنا نحن.
نكرر القول: لسنا من افتعل الرقيب ومن أوجده. ولكننا شركاء في صنعه، حتى وإن كنا ضحاياه، أسمعتم كيف تتماهى الضحية مع جلادها، ذلك هو حالنا مع الرقيب. قد يغفو الرقيب الخارجي، قد تأخذه سِنة من نوم، لكن قرينه في داخلنا يقظ وحاضر ونشط.
لا أعرف كيف يميز القاموس اللغوي بين المراقب والرقيب، لعلهما يعطيان في اللغة الدلالة ذاتها، ولكني لأمر ما أظن أن المراقب هو الشخص المتأمل، الشخص الذي يراقب الظواهر والناس في رغبة منه، عميقة، للمعرفة، وللاكتشاف وللمقارنة ولاكتساب الخبرة.
أما الرقيب فإنه يحمل في اسمه الدلالة السلبية، هو الذي يضعك تحت المجهر لا رغبة في التعرف على ذاتك، في الاقتراب المرهف من أحاسيسك ومشاعرك والبواعث العميقة لسلوكك كما حال المراقب، وإنما لإرباكك، لعد أنفاسك وحصر خطواتك، فما ان يسكنك الشعور ذاك حتى لا تبارح مطرحك.
أن تكون مكشوفاً أمام الآخر الذي هو نصفك، الذي هو أنت في صيغة من الصيغ فإن مساحة حريتك، عفويتك، انطلاقك تبقى مشدودة لأغلال ثقيلة، ما أكثر ما تنوء بحملها.
كي نبحر بعيداً، كي نكتشف مرافئ وعوالم جديدة، علينا أولاً أن نحاصر رقيبنا الداخلي، الرقيب الذي صنعناه بأنفسنا تماهياً مع الرقيب الخارجي، والحرية تبدأ من تحررنا الداخلي، من حريتنا كذوات، من رغبتنا في المغامرة والاكتشاف وولوج المجهول.
الرقيب الداخلي هو قيدنا الأقوى، هو أسرنا الذي ما أكثر ما اخترناه بإرادتنا، ولكي نحرر هذه الإرادة، علينا فك هذا الأسر، تحرير المعاصم من آلام قيوده والذهاب بعيداً إلى المتاهات المفضية إلى الفضاء الحر، إلى حيث النفس في فطرتها، في البراءة التي جبلت عليها، إلى الحرية التي ولدتنا أمهاتنا عليها قبل أن يستعبدنا الرقباء الذين صنعوا أنفسهم أو الرقباء الذين صنعناهم نحن أنفسنا وجعلنا من دواخلنا سكناً لهم.
 
صحيفة الايام
19 يوليو 2010

اقرأ المزيد

دعوة إلى مجلس منتخب أكثر تمثيلاً …مقترح التقدمي لإصلاح النظام الانتخابي: تقليص الدوائر الأربعين الى خمس دوائر كبرى


في شهر مايو الماضي نظمت الجمعيات السياسية الست بمقر جمعية وعد في أم الحصم، حلقة حوارية حول النظام الانتخابي والدوائر الانتخابية، حيث استعرض ممثلو الجمعيات السياسية الست، مقترحات جمعياتهم بشأن تعديل النظام الانتخابي والتي تباينت رؤاهم حوله.

وقد تداخل كثير من الحضور في الموضوع وتركزت مداخلاتهم على ضرورة بلورة الجمعيات السياسية الست لمقترح واحد لتعديل النظام الانتخابي  وتبنيها له والعمل على خلق توافق مجتمعي حول هذا المقترح وبلورة حركة ضاغطة على الحكم من أجل تعديل النظام الانتخابي في البحرين .
وقد شارك ممثل “التقدمي” في هذه  الحلقة الحوارية واستعرض النظام الانتخابي الذي  جاء في الوثيقة التي أعدها  التقدمي والتي سميت بوثيقة إصلاح النظام الانتخابي في البحرين – مقترح النظام الانتخابي البديل.

و مقترح “التقدمي” لتعديل النظام الانتخابي تبلور في خضم العمل الذي قام به تنظيمنا مند عام 2006 والذي سعى من خلاله للوصول إلى توافق مجتمعي على هذا التعديل. وكان “التقدمي” قد طرح على أثر انتخابات 2006 مقترحاً بتعديل  النظام الانتخابي إلى جميع القوى و الجمعيات السياسية، ومن خلال النقاشات المستفيضة مع تلك القوى، توصلنا إلى تطوير مقترحنا بجعل البحرين خمس دوائر انتخابية بدلاً من أربعين دائرة، عن طريق دمج مجموعة من الدوائر القريبة من بعضها دون النظر إلى حدود المحافظات .

ويقوم مقترح التقدمي على أساس تعديل نص المادة  (17) من المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية،  وتتكون الأسس التي يقوم عليها التعديل من الآتي:-

1- تقليص الدوائر الانتخابية إلى خمس دوائر بدلا من أربعين دائرة، وذلك عن طريق دمج مجموعة من الدوائر الحالية القريبة من بعضها دون النظر إلى حدود المحافظات.

2- تمثل كل دائرة انتخابية بثمانية نواب، أي تخصيص لكل دائرة ثمانية مقاعد من مقاعد المجلس النيابي. ويكون لكل ناخب الحق في انتخاب ثلاثة من المرشحين في الدائرة فقط، بحيث يكون باطلاً أي تصويت لأكثر من ثلاثة مرشحين.

3- يتم تحديد الدوائر الانتخابية وحدودها بموجب قانون، على أن لا يتجاوز الفرق في عدد الناخبين بين دائرة وغيرها من الدوائر نسبة 15 .%
وحسب وثيقة مقترح التقدمي فأن عدد الناخبين في الدوائر الخمس الجديدة المقترحة هي كالتالي:-

الدائرة الأولي) : تشمل جميع الدوائر الحالية في المحرق) 53.425 ناخباً في انتخابات 2006 وستكون  57.931 ناخباً المتوقع في انتخابات 2010 .
الدائرة الثانية) : تشمل جميع دوائر العاصمة إضافة إلى خامسة والسادسة من الوسطى) 64.511 ناخباً في  انتخابات 2006 وستكون 70.731 ناخباً المتوقع في انتخابات   2010 .
الدائرة الثالثة : (تشمل الأولى والثالثة والرابعة والسابعة والثامنة والتاسعة من الوسطى والثانية من الجنوبية) 61.268 ناخباً في انتخابات 2006 وستكون 68.362 ناخباً المتوقع في انتخابات   .2010
الدائرة الرابعة) : تشمل الثانية من الوسطى والأولى والثانية والخامسة والسادسة من الشمالية) 45.352 ناخباً في انتخابات 2006 وستكون 61.529 ناخباً المتوقع في انتخابات 2010 .
الدائرة الخامسة) : تشمل الثالثة والرابعة والسابعة والثامنة والتاسعة من الشمالية والأولى والخامسة والسادسة من الجنوبية) 62.130 ناخباً في انتخابات 2006 وستكون 69.812 ناخباً المتوقع في انتخابات .2010

4-  يكون لكل دائرة انتخابية لجنة لإدارة العملية الانتخابية ولجان فرعية للاقتراع والفرز .  على أن تشكل كل لجنه من قاض ٍ وعضوين على الأقل ، ويكون مقر كل لجنه اقتراع مستقل عن لجان الدوائر الأخرى .

5- يكون  من حق كل مرشح أن يختار له وكيلاً من بين المقيدين في جداول الدائرة التي يرشح فيها لدى كل لجنة فرعية.
و المسالة الأساسية في مقترح التقدمي هي تلك المتعلقة بحق الناخب  في انتخاب ثلاثة فقط من المرشحين الذين يتنافسون على ثمانية مقاعد هي مجموع المقاعد المخصصة للدائرة.

و تقوم فكرة هذا المقترح على  أن الناخب يحق له أن ينتخب عدداً من المرشحين يقل عن نصف عدد المقاعد المخصصة للدائرة. فإذا كان ثمانية هم المرشحون الذين سيفوزون بالمقاعد المخصصة للدائرة، فإن الناخب يحق له أن ينتخب ثلاثة مرشحين فقط.

و يرمي المقترح من وراء ذلك إلى تقليل نسبة الأصوات المهدرة التي لا تترجم إلى مقاعد في المجلس النيابي، وبالتالي لا يتمكن أصحابها من الحصول على تمثيل لهم في المجلس المنتخب. وهي نسبة مرتفعة بلغت أصغرها في الشمالية بنحو  32.2 % من مجموع الأصوات وأكبرها في المحرق بنحو 48.6 % من مجموع الأصوات .
 لذلك فإن المقترح يهدف إلى إيجاد نظام انتخابي أكثر عدالة وأكثر تمثيلاً يعطي من جهة فرصة أكبر لأصحاب هذه الأصوات لتتمكن من إيصال ممثليها إلى المجلس النيابي وهي أصوات لناخبين عادة ما يصوتون إلى الجمعيات السياسية الصغيرة أو إلى المستقلين .

ومن جهة أخرى فإن المقترح يهدف إلى الحد من فرصة الجمعيات السياسية التي تمتلك قوة انتخابية أكبر نسبياً في الدائرة من أن تستحوذ على كامل المقاعد المخصصة للدائرة من دون وجه حق .

ففي حالة الأخذ بمقترح “التقدمي” فإن المرجح أن كل جمعية سياسية من الجمعيات التي لها قوة انتخابية في الدائرة أكبر نسبياً من غيرها من الجمعيات أو المرشحين المستقلين، سوف ترشح لها ثلاثة مرشحين في الدائرة . في حين أن الجمعيات الأصغر والمستقلين سوف تركز على ترشيح مرشح واحد لكل منها في الدائرة .
و هذا يعني أنه إذا كان هناك مثلاً جمعيتان سياسيتان لهما قوة  انتخابية أكبر نسبياً من غيرها في الدائرة، فإنها سوف تفوز بستة من مقاعد الدائرة الثمانية المخصصة للدائرة. أما المقعدين الباقيين فأنهما من المرجح أن يكونا من نصيب الجمعيات الأصغر ومن نصيب المستقلين.

أما في حالة السماح للناخب بأن ينتخب مرشحين بعدد نصف عدد المقاعد المخصصة للدائرة، أي بانتخاب 4 نواب من أصل 8 نواب المخصصين لهذه الدائرة. فإن ذلك يعني بأن الجمعيات المذكورة سوف ترشح أربعة مرشحين في الدائرة وبذلك فإننا سوف نسمح لمرشحي الجمعيات التي لها قوة انتخابية أكبر نسبياً  في الدائرة من أن تستأثر بالمقاعد المخصصة لهذه الدائرة وتهميش القوى الأصغر.

فمثلاً إذا كانت جمعيتان سياسيتان تمتلكان معاً 55  أو 60 % من أصوات الدائرة . فأن أعطاء الناخب حق انتخاب أربعة مرشحين ، يعني السماح إلى هاتين الجمعيتين من ان تتقاسمان المقاعد الثمانية المخصصة للدائرة على الرغم من ان أصواتها لا تتجاوز معاً ال60 % من مجموع أصوات الدائرة .

في حين إن 40 % من من أصوات الدائرة ستكون مهدرة ولن تترجم إلى مقاعد في المجلس النيابي ، وأن أصحابها لن يحصلوا على  تمثيل لهم في المجلس مع انها تشكل نسبة كبيرة من أصوات الدائرة . في الوقت التي سيكون بإمكان أيا من تلك الجمعيتين ب 30 % فقط من أصوات  الدائرة حصد أربعة مقاعد من أصل الثمانية مقاعد .
أي إنها ستحصل على نصف المقاعد المخصصة للدائرة مع إنها في الحقيقة لا تمثل سوى 30 % من مجموع أصوات الدائرة !! .  فأين هي العدالة في هذا النظام الانتخابي ؟ .

ولذلك فان من ينتقدون مقترح التقدمي ويتهمونه بأنه يحد من حرية وإرادة الناخب في اختيار مرشحيه  ويطالبون بأن يترك للناخب حق انتخاب مرشحين بعدد  المقاعد المخصصة للدائرة ، يضعون أنفسهم في تعارض تام مع المعايير الأساسية  الدولية للانتخابات .

وإنهم على وجه الخصوص يضعون أنفسهم في تعارض مع مبدأ الاقتراع العام المتساوي. والذي يقصد به أن تضمن العملية الانتخابية إعطاء صوت واحد للناخب الواحد لدى جميع الناخبين.

فكون أن 30 % من الأصوات تستولي على 50 % من المقاعد في حين أن 40 % من الأصوات تعجز عن الحصول على تمثيل لها بمقعد واحد في المجلس. فأن ذلك  يعني ان صوت الناخب ليس واحداً لجميع الناخبين ، وان إرادة نسبة كبيرة من الناخبين قد غيبت ، وأن الاقتراع ليس عاماً ولا متساوياً.

أما إذا سايرنا منتقدو مقترح التقدمي فيما يطالبون به من إعطاء الناخب حرية انتخاب عدد من المرشحين بعدد جميع المقاعد المخصصة للدائرة. فأن ذلك يعني أن تعطى الجمعية السياسية التي تمتلك 55% أو حتى أقل من القوة الانتخابية في الدائرة ، الحرية في أن تستولي على جميع المقاعد المخصصة للدائرة .

أما الجمعيات الأخرى فإنها لن يكون بمقدورها أيا منها في ظل هذا الوضع من أن توصل مرشح واحد من مرشحيها ، حتى لو كانت إحداها تمتلك نسبة الـ 45% الباقية من أصوات الناخبين في الدائرة .

لذلك فأن من ينتقدون مقترح التقدمي ويطالبون بعدم تقيد حرية وإرادة الناخب في انتخاب مرشحيه ، يتغاضون عن أن ما يطلبون به يجعل من مخرجات العملية الانتخابية تزيفاً إلى حداً بعيد لإرادة الناخبين .
فلا يكفي لإصلاح النظام الانتخابي أن تنادي بالعدالة في توزيع الدوائر الانتخابية في حين تبقى طريقة تحويل الأصوات إلى مقاعد غير عادلة .

فكما أن توزيع الدوائر الانتخابية تكون غير عادلة إذا ما كان هناك فارق كبير في أعداد الناخبين بين دائرة وأخرى كونه يتعارض مع مبدأ الصوت واحد للناخب الواحد. فانه أيضاً تكون طريقة تحويل الأصوات إلى مقاعد طريقة غير عادلة إذا ما  كانت مبنية على عدم  تساوي أصوت الناخبين في تحقيق النتائج لذات المبدأ.

 فإذا كانت 30% من أصوات الدائرة تستطيعان توصل 4 مرشحين من أصل 8 مرشحين، في حين تعجز 40 % من أصوات الدائرة من إيصال مرشح واحد . فهذا يعني أن النظام الانتخابي أيضاً غير عادل  وأنه غير مبني على مبدأ صوت واحد للناخب الواحد .

لذلك لا يمكن أن تكون متسقاً في مطالبك، إذا ما نادت بتحقيق العدالة في توزيع الدوائر الانتخابية من جهة، في حين وقفت من جهة أخرى ضد هذه العدالة عندما يتعلق الأمر بالطريقة التي تحول بها الأصوات إلى مقاعد. 
 

اقرأ المزيد

الإسكان أزمة إلى أين؟ حلول ترقيعية واختلاسات بالجملة وشح في الأراضي


 
لاشك أن من أولويات حقوق الإنسان أن يجد له في وطنه وأرضه التي ترعرع عليها منزلاً يؤويه مع أسرته وسكناً لائقاً يحقق له الاستقرار والسكينة مع أطفاله وهذا ما يفتقده اليوم العديد من الأسر ويبحث عنه آلاف المواطنين ونرى مشكلة الإسكان آخذة في الاستفحال والاتساع وهذا أمر لم يعد مقتصراً على الطلبات الإسكانية الجديدة أو طلبات من شملتهم التغيرات الديمغرافية،  بل شملت من اعتبرت وزارة الإسكان قبل سنوات أنها قامت بحل مشكلتهم الإسكانية عبر مشاريعها المتواضعة والشحيحة.
 
 بمعنى آخر إذا كانت مدينة عيسى أو مدينة حمد كمشروعين إسكانيين يعتبران قياساً من أكبر المشاريع الإسكانية وقد استوعبا آلافاً مؤلفة من الطلبات الإسكانية ولكن في ذات الوقت كانت تلك الحلول مؤقتة وترقيعية بدليل أن من استفاد من تلك المشاريع يضيق ذرعاً اليوم من منزله المحدود المساحة وبعد أن أنفق عليه آلاف من الدنانير ليطوع ذاك المنزل لحاجياته من المرافق وليتدارك تآكل المنزل و إهترائه. ليس هذا فحسب بل أصبح بداخل كل منزل هناك طلب إسكان ينتظر الفرج……!!
 
 وإذا كانت وزارة الإسكان تواجه في السابق من الأعوام 15 ألف طلب إسكان وتراكم ليصل الى 30 ألف طلب فاليوم تواجه الوزارة 50 ألف طلباً وهو آخذ في الزيادة ليصل إلى 60 ألف طلباً، هذا إذا ما علمنا أن طلبات المواطنين في الإسكان تتدفق بحوالي 7 آلاف طلب سنوياً وعلى الجانب الآخر لازالت الوزارة تراوح مكانها في تلبية طلبات 1993.
 
ورغم جهود المسئولين بوزارة الإسكان لتدارك الأزمة الإسكانية والتخفيف منها عبر تقليص فترة الانتظار وتقديم علاوة السكن والبحث عن مخارج بمشاريع إسكانية إلا أن الواقع أصبح أكبر بكثير من مراوحات الوزارة التي تشكو من قلة الموارد والإمكانيات وشح الأراضي ولازالت تحمل في أحشاؤها عن مفاسد الماضي فلا زال هناك حوالي 6 ملايين قروض متعثرة السداد واختلاسات تفوق المليون في بنك الإسكان، البنك الذي كان من المفترض أن يكون قناة ضخ ورافعة للمشاريع الإسكانية.
 
 إن ويلات المفاسد والفساد التي عشعشت لسنوات في الوزارة تقع تبعاتها اليوم على رأس المواطن الذي لا يعلم متى سيتحقق له حلم الفرج بعد سنوات الانتظار، وقد باتت قضيته ومشكلته في بورصة مزايدات النواب الأفاضل واستعراضات الوزارة العقيمة والتي كان آخرها مشروع البيوت الذكية الذي مات  حيث ما وُلِد ودُفن قبل أن يرى النور وأصبح ملفاً في طي الكتمان بعد أن تعددت مصادر القرار فيه ولا نعلم كم متنفذ كان على أبوابه ينتظرون عمولتهم منه..!!
 
 ومع احترامنا لإخلاص بعض المسئولين بوزارة الإسكان وسعيهم لمعالجة الأزمة الإسكانية إلا أن المواطن لا يرى عملياً في الأفق القريب أو البعيد حتى مخرجاً لمشكلته في الوقت الذي يرى هناك مشاريع تـُنجز وبلمح البصر وأبراج تناطح السحاب وأموال بالملايين تـُنفق وتـُوظف لإقامة منتجعات سكنية على مساحات من الأرض بآلاف الكيلومترات وهي بعيدة كل البعد عن علاج مشكلة الإسكان كهم وطني وقضية معيشية يعاني منها أبناء البلد كل ذلك في الوقت الذي نرى ان وزارة الإسكان تبحث عن مساحات من الأراضي وتـُفتش عن شراء عقارات لتنفيذ مشاريعها السكنية.
 
فالدولة أصبحت تبحث عن أراضي ومساحات لإقامة مشاريعها الإسكانية أليس أمراً مضحكاً  إننا نعيش في وطن قد نـُهبت خيراته وأراضيه لتصبح في حكم قلة متنفذة أليس تلك المعطيات تـُبرهن على أن علاج الأزمة الإسكانية في مهب الريح ولا توجد هناك إستراتيجية وطنية واضحة في علاجها ومواجهتها، الوزارة في الوقت الحاضر تريد أن تخرج من عنق الزجاجة لفتح الأبواب لمشاركة القطاع الخاص.
 
 وهذا أمر قد يـسهم في جزء من حل المشكلة ولكن هذه الشراكة يخشى أن تكون بدايات لتنصل الدولة من مسؤولياتها وترك الحبل على الغارب وتحويل المشاريع الإسكانية لبقرة حلوب لمن هو قادر على الاستثمار والمتاجرة فتلك ستكون الطامة الكبرى والتي ستغرق قارب النجاة وستتحول القضية من أزمة إسكان على المستوى الوطني إلى أزمة سكن فردية يواجه تبعاتها المواطن البسيط بإمكانياته المحدودة وليدور في حلقة مفرغة، ولتضيع البوصلة في ظل تجنيس عشوائي ونمو مضطرد للتعداد السكاني وطلبات إسكانية متزايدة متراكمة.
 
 فعلى سبيل المثال في المحافظة الوسطى فقط هناك حوالي 14 ألف طلب إسكاني ومشاريع الوزارة اليوم بمقابل ذلك بالكاد تصل إلى بضع مئات، ومشروع كمشروع توبلي مثلاً المزمع الشروع في تنفيذه لازال غير ممكن التحقيق بسبب عدم توفر مساحات من الأراضي لإقامة المشروع عليها ناهيك عن شكوى الوزارة من ارتفاع سعر القسائم وأسعار الأراضي مما يقف كعقبة أمام تنفيذ المشروع وتلك وضعية تعكس مدى مأساوية الأزمة الإسكانية وظلام النفق الذي تاهت فيه.
 

اقرأ المزيد