المنشور

إعادة الاعتبار لليسار



أكتب من بيروت، حيث أشارك في ندوة اللقاء اليساري العربي، التي اختتمت أعمالها أمس، وجاء التئام هذا اللقاء، الذي ضم قادة سياسيين ومفكرين وكتّابا يساريين وتقدميين من عشر بلدان عربية ليمثّل محاولة مستحقة للتداول الحر والنقاش الموضوعي في إمكانات استعادة اليسار العربي وقواه التقدمية دوره المفترض ومحاولة تجاوز حالة التراجع والتردد، التي عاناها خلال ربع القرن الماضي، خصوصا بعدما تفاقمت أزمة النظام الرأسمالي، وبدأت تتشكّل في العالم حالة نهوض جديدة للتيار اليساري.
 
وبالطبع كان لابد في مثل هذا اللقاء أن يجري التيار اليساري العربي مراجعات لتحديد طبيعة أزمته؛ والعوامل الموضوعية والذاتية التي أدّت إلى تراجع تأثيره، بعدما كان في طليعة النضال من أجل التحرر والديمقراطية في العديد من البلدان العربية… وفي الوقت نفسه لا بد من التفكير في كيفية تجديد قوى التيار اليساري العربي من حيث خطابها وتنظيماتها، واستكشاف الآفاق الواقعية لاحتمالات إعادة الاعتبار إلى دورها المفتقد مؤقتا، والعائد بالضرورة، كقوى تقدمية فاعلة.
 
وفي ظني أنّ هناك مجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية المتشابكة، التي تسببت في أزمة اليسار العربي، وأستطيع تلخيص العوامل الموضوعية في العناوين التالية: الهجمة الإمبريالية الصهيونية، التي تعرضت لها حركة التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي العربية واتخذت أشكالا متنوعة من التآمر والضغوط والحروب والغزو والاحتلال…. والانهيار الكبير، الذي أصاب الأنظمة الاشتراكية السابقة في الاتحاد السوفياتي وبلدان شرق ووسط أوروبا وانعكاساته الزلزالية على اليسار في العالم أجمع، وبينه اليسار العربي، وما تبع ذلك من شيوع التوجهات الليبرالية في صفوف اليسار، وتخلي بعض أطرافه عن الفكر الاشتراكي، وتوهمها بأبدية النظام الرأسمالي… وسطوة أنظمة الحكم الاستبدادية الفاسدة في معظم بلداننا العربية، والتحولات السلبية، التي شهدتها ما يسمى “أنظمة الحكم الوطنية” السابقة والباقي منها، بحكم تركيبتها الطبقية، وانفرادها بالسلطة… وحالة التخلف الاجتماعي والثقافي، التي تعانيها مجتمعاتنا العربية، وانتشار الأوهام والخرافات والمفاهيم الرجعية… والطبيعة المشوهة لاقتصادات بلداننا العربية، من حيث هي اقتصادات ريعية تابعة، أو من حيث تخلف بناها الاقتصادية… والانقسامات الطائفية والفئوية والقبلية والمناطقية والعرقية، التي تشهدها مجتمعاتنا العربية، وطغيان الهويات الصغرى على الهوية الوطنية الكبرى.
 
أما العوامل الذاتية، التي تقف وراء أزمة اليسار العربي، فتتمثّل في أخطاء بعض قوى هذا اليسار من حيث التحاقها التبعي “بالأنظمة العربية الوطنية”، وقبولها بالتعارض المفتعل بين الديمقراطية السياسية وقضايا التحرر الوطني أو التحولات الاجتماعية… وانخداع بعض قوى اليسار بالشعارات القومية الرنانة وانجرارها وراء حروب غير مبررة ومشروعات عدوانية وأطماع، مثلما هي الحال مع صدام حسين، الذي رفع شعارات خادعة قادت شعبه والمنطقة عموما إلى دمار، وشقت الصف الشعبي العربي، وكانت المبرر لعودة الوجود العسكري الإمبريالي في العراق والخليج… وتجاهل قوى اليسار الارتباط الجدلي بين نضالها السياسي ونضالها الاجتماعي، حيث انشغلت بالتركيز على النضال السياسي، ونسيت هموم الجماهير… وأخيرا، ذلك التناحر المؤسف بين الفصائل والقوى التقدمية والوطنية والديمقراطية في البلد الواحد، ونسيان العدو المشترك والمهمات الأساسية.
 
وبالطبع فإنّ اليسار العربي مطالب بالبحث عن أساليب وطرائق جديدة للتعامل مع الواقع الموضوعي المعقد في بلداننا العربية، وفي الوقت نفسه لابد من الإقرار الصريح بالأخطاء الذاتية والعمل على تصحيحها… والأهم بعد ذلك هي الحاجة إلى تقديم بدائل تقدمية ملموسة للأوضاع البائسة في عالمنا العربي… وللحديث صلة.
 
جريدة عالم اليوم: الأحد 24 أكتوبر 2010
 
 
إعادة الاعتبار لليسار (2 من 2)



 
في ندوة اللقاء اليساري العربي في بيروت قدّم العديد من المشاركين تصوراتهم لما يفترض أن يكون برنامجا للتيار التقدمي أو اليساري في عالمنا العربي، ومن بينها ما تضمّنته الورقة، التي كنت قد تقدّمت بها في الندوة، وأعرض هنا جانبا منها، وتحديدا الجزء المعنون منها بـ “نحو بديل تقدمي عربي”، الذي شمل عددا من العناوين العامة:
 
– أول عناوين هذا البديل التقدمي هو عنوان استعادة اليسار العربي لدوره الكفاحي في مقاومة الإمبريالية والصهيونية ومخططاتهما لإحكام السيطرة على منطقتنا وإخضاعها ونهب ثرواتها وتفتيت بلداننا وتمزيق مجتمعاتنا وتسيّد المشروع الصهيوني.
 
– أما العنوان الآخر للبديل التقدمي العربي المنشود، فهو استعادة اليسار العربي والقوى التقدمية للدور المبادر في قضية المطالبة بالديمقراطية وبلورة أجندات وطنية واضحة لإصلاحات سياسية عميقة وتغييرات ديمقراطية ملموسة لا تكتفي بالهامش الجزئي المحدود، الذي تحاول بعض الأنظمة العربية إفساحه أمام شعوبنا من باب المناورة وحصرها في حدوده الضيقة.
 
– العنوان الثالث للبديل التقدمي العربي هو عنوان التحديث، إذ أنّ اليسار والقوى التقدمية هي التي يفترض أن تحمل قضية التحديث، ولا يصح أن نسلّم بأنّ التحديث هي مهمة الليبراليين وحدهم… فاليسار والتقدميون جزء أساسي بل طليعي من تيار التحديث، ويمكنهم أن يضعوا الأساس لبرامج تحديث متكاملة ومنسجمة لا تقتصر على التحديث الثقافي أو الاجتماعي، وإنما تشمل تحديث الدولة، أي بناء الدولة الوطنية الحديثة، وتحديث الاقتصاد، وتحديث المجتمع، وتحديث القوانين، وتحديث الإدارة، وتحديث الثقافة، وتحديث التعليم، وذلك من دون أن يعني هذا التحديث المستحق التنكر غير المبرر للهوية الحضارية لمجتمعاتنا وتبني توجهات تغريبية.
 
– العنوان الرابع في البديل التقدمي العربي المقترح هو العدالة الاجتماعية، التي تمثّل اللبّ الأساس لليسار والقوى التقدمية، حيث يفترض أن نكون في مقدمة المطالبين بتحقيق العدالة الاجتماعية؛ والدفاع عن الحقوق والمطالب الاقتصادية الاجتماعية للطبقة العاملة والفئات الشعبية والمهمشين، واقتراح نظم وآليات تسهم في التخفيف من التضخم النقدي وربط سلم الأجور بتكاليف المعيشة، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي وتحسين نوعية الحياة، إذ لا يجوز أن نترك مثل هذه المهمة بأيدي قوى شعبوية أخذت تتصدر التحركات المطلبية والاجتماعية والشعبية في بلداننا.
 
– أما العنوان الخامس في البديل التقدمي العربي، فهو التنمية، التي لا يفترض أن ننظر إليها على أنّها تنمية اقتصادية فحسب، وإنما هي تنمية إنسانية، محورها الإنسان وهدفها الإنسان، يكون من شأنها تحقيق الرفاه على نحو عادل اجتماعيا، مع تأكيد الدور الاقتصادي للدولة أو القطاع العام في تحقيق التنمية، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص الوطني للمساهمة فيها، مع تحميله مسؤولية وتبعات خياراته الاستثمارية، وإلزامه بالوظائف الاجتماعية لرأس المال.
 
– والعنوان السادس للبديل التقدمي العربي هو مكافحة الفساد، الذي استشرى في بلداننا، مع تركيز خاص على الفساد السياسي.
 
– والعنوان السابع في البديل التقدمي العربي هو الوحدة الوطنية والمواطنة الدستورية، بحيث يتصدي اليسار العربي للمحاولات المحمومة الهادفة إلى تفتيت مجتمعاتنا وتمزيقها فئويا وطائفيا وقبليا ومناطقيا واستثارة نعراتها البغيضة وتحويل الهويات الصغرى إلى بديل عن الهوية الوطنية الكبرى، وهذا ما يتطلب فضح مثل هذه المحاولات ودعاتها، والدفاع عن الوحدة الوطنية، ورفع شعار المواطنة الدستورية.
 
ولكن الأهم من صياغة مثل هذا البديل التقدمي العربي أو غيره هي العودة المستحقة لليسار والقوى التقدمية إلى العمل بين الناس وحمل همومهم والدفاع عن قضاياهم، والعمل على رفع مستوى وعيهم، وتنظيم تحركاتهم من أجل الإصلاح الحقيقي ومن أجل التغيير الديمقراطي… فباختصار شديد لا يمكن إعادة الاعتبار مجددا إلى اليسار العربي إلا بعودته إلى العمل بين الناس ومن أجل الناس… ومن دون ذلك سيكون هذا اليسار يسارا معزولا، يسار مكاتب ومقاهٍ وصالونات مترفة لا صلة له بالواقع الملموس… ولا خيار ثالثا!
 
جريدة عالم اليوم: 25  أكتوبر 2010
 
 

اقرأ المزيد

متى يعلنون وفاة التحالف السداسي؟


بشيء من التبسيط يمكننا القول إنّ ما أسفر عن الاستحقاق الانتخابي في أحد وجوهه هو حالة الفزع الشديد من إقدام مترشحين من التيارات الديمقراطية في قبال آخرين منتمين لتيارات إسلامية متحصنة في (دوائرها المغلقة)، لكنّ المفاجأة التي أذهلت الرأي العام ولم تخطر ببال أحد من المحللين والمراقبين هو الصعود الكاسح والنسبة المرتفعة المتحصلة للجمعيات الليبرالية والوطنيّة مما جعلها توشك على الفوز، اذ ناهزت النسبة 44 %، وهي بكل المقاييس تعد نجاحاً غير متوقع في دوائر يسيطر عليها مترشحون ذوو توجهات إسلامية.

مبعث الفزع المشار إليه من منافسة وطنيين للإسلاميين على الأرجح ما تتبناه الشخصيات الوطنية من رؤى تنتمي للفكر اليساري. هذا الفكر لم يزل مصدرا لإثارة موجات الرعب رغم ما يبديه الديمقراطيون من مرونة وتسامح في كثير من الأحيان. إنه وطبقا للرؤية السالفة يشكل خطرا داهما إذا ما قدّر له الوصول للبرلمان نظرا لما تنطوي عليه رؤيتهم من نزعة تحرر تجاه العديد من القضايا. لكنّ السؤال هنا ما مقدار ما تحمله هذه الرؤية من صواب وحقيقة؟ وهل هو – فعلا – بهذه الخطورة المتصورة من جانب البعض؟ أم إنها رؤية تتستر تحت أهداف ونوايا مغايرة؟ وهل أفرزت الحملات المحمومة بين التيارين عن أزمة مستحكمة؟ والسؤال الأشد هل يمكن القول على خلفيات المواجهات بكل ما رافقها من عنف وإشاعات طالت مترشحين  ليبراليين الإعلان عن وفاة التحالف السداسي؟
 
لا بد من الإشارة في البداية إلى حقيقة ساطعة كالشمس في رابعة النهار، وهي أن حجم التيار الليبرالي في البحرين ليس بالصورة التي يروجها مناوئه فكريا وعقائديا، إذ إنّ حجمه عدديا قياسا بما تمثله تيارات الإسلام السياسي ضئيل للغاية ونسبة لا تكاد تذكر.
ومن هنا يغدو الفزع مصطنعاً ولا أساس له. ولو قدّر لبعضهم الفوز، فإنّ الخطورة من وصولهم بعيدة عن الواقع ولا قرابة لها بالحقيقة. إنّ أبرز نقاط الخلاف بين التيارين الديمقراطي والإسلامي يكمن في أنّ العضو الديمقراطي سيقف ضد التوجهات الإسلامية كقانون الأحوال الشخصية.

وإزاء هذا الجدل، فإنّ الرؤية الموضوعية تقتضي القول إن ليس ثمة دليل منطقي ناهض على مثل هذا الزعم ذلك أنّ تواجد أحد الأعضاء الليبراليين بات يمثل ضرورة لإثراء العمل البرلماني. وبالعودة لمسألة التحالف السياسية كتلك القائمة بين التيارات الوطنية من جهة والوفاق الإسلامية من جهة ثانية، فالملاحظ أنه رغم التباين الشاسع بينهما إلاّ أنّ التحالف كان مستمرا ومنسجماً، بل متوافق في ملفات سياسية ووطنية عدة. الاستحقاق الانتخابي كشف المسكوت عنه والأهداف المخفية لدى كل فريق وتطورت إلى حدّ المواجهات الساخنة عندما اتهم رئيس جمعية المنبر الديمقراطيّ حسن مدن حليفه الوفاق بالسعي إلى إسقاطه عبر إطلاق الإشاعات. لكنّ ما يصرّح به قادة الوفاق هو أنّ مفهوم التحالف المتعارف عليه دولياً لا يعني التنازل عن أيّ مقعد لدى الطرف الحليف، ويؤكدون هذا بما يجري في بلدان ديمقراطية عريقة. بينما الرؤية المترسخة لدى الديمقراطيين هي إتاحة الفرصة لمترشحيهم وتمكينها من الوصول للبرلمان. إننا نعتقد أن كلا الرؤيتين لم تبحثا أثناء جلسات الحوار، بل ما كان يحكم عملهم هو الرؤية البرجماتية بما يعني أنّ كل فريق يحاول كسب أقصى ما يستطيع من مكاسب؛ لتحقيق أجندته الخاصة، وكان من الطبيعي أن تحدث الشروخ بينهما، وهو أمر يصعب ترميمه في السنوات القادمة.

كان أحد قادة التيار الديمقراطي قد أجاب في أحد اللقاءات حول التحالفات بأنها يجب أن يكون التيار الديمقراطي واضحا وصريحا في مواقفه، ويبني تحالفاته على قاعدة الوضوح.
ومن المفترض أن يكون هناك  برنامج اجتماعي وفكري للتيار الديمقراطي يختلف عما تطرحه التيارات الأخرى حتى المعارضة، إذ من الثابت أنّ التيارات الإسلامية والوطنية تلتقي في قضايا مشتركة كالإصلاح السياسي، ولكن البرامج مختلفة. ليس هناك من يختلف حول الكفاءات السياسية والاقتصادية والثقافية، ولكن المعضلة فيما تتبناه من رؤى فكرية مناقضة لما تطرحه التيارات الإسلامية.
 
صحيفة البلاد   الأحد 14 نوفمبر 2010

اقرأ المزيد

العروبة والعقلانية

تجتاحُ الجزيرة العربية وخاصة قلبها النجدي الصخري عاصفة التيارات والتحولات ، فأطرافُ الجزيرةِ لعقودٍ سبقتْ واجهت مثل هذه العواصف، وهدأتها وامتصتْ بعضاً منها.
وجرى ذلك خاصة في المدن الصغيرة – البلدان، لكنها بعد لم تهضمها كليةً، بل ان رياحَ الهضابِ تهب قويةً مدمدمة.
وقد تحولتْ قوى الداخل خلال القرنين الأخيرين ولعبت الهجرات البدوية إلى المدن دورها في الاستقبال العربي الداخلي لمؤثرات الحداثة والاصطدام بها معاً.
لكن عواصف التغيير غدتْ عالميةً ولم يعد من الممكن السكون.
لقد أقيمتْ الأفكارُ الدينيةُ على علاقةِ الإلهِ الملموس المتحول مع الكون الطيع الذي هو مادةٌ هشةٌ متحولةٌ بيد الإله المتدخل في كل شيء والمسيطر على الزمان والمكان.
هذه هي الصورةُ الكليةُ المبثوثة في النصوص الدينية، وثمة صور أخرى رمزت للإله المنشئ للحرية.
هاتان الصورتان الكبريان تبثان من خلال مواد أرضية محضة؛ كألفاظ الأشياء والمظاهر الطبيعية المختلفة.
وخلالهما يدورُ الفعلُ الإنساني بين أن يصنعَ الحياةَ السياسية والاجتماعية وبين أن تصنعهُ السماء. بين أن يكون من إنتاج البشر وأن يكون من فعل النصوص القائدة.
وتعبر صورُ الدين عن تكوين وتقدم الحياة السياسية الاجتماعية، والطبيعة المطلوبة من الحكام، بأن يكونوا ديمقراطيين وليسوا استبداديين.
وكان الإسلامُ التأسيسي في عملية النضال التحولي يطرح هذه الأبعاد، ويوجه نحو إنتاجِ العلاقةِ الديمقراطية بين الإله والبشر، وبين الحاكم والناس فأشاعَ صوراً إنسانية للحاكم والعلاقة مع المحكومين. وكان لابد كذلك من سيادة مركزية وحاكم واحد مسيطر ومراعاة “الشعب” في أحواله وتطوراته.
وفي نمو الأمةِ العربية داخلَ الأممِ الإسلامية قائدةً لها، وقعَ هذا التناقض غير المحلول، بين إرادةِ الهيمنة الحكومية وحقوق الشعوب. وكانت تلك الإرادة هي المسيطرة، بينما ضاعتْ حقوقُ الناس وذابت إراداتُهم النضالية الديمقراطية.
ولم تستطع الفئاتُ الوسطى إنتاجَ مفاهيم ديمقراطية واسعة منتشرة ومؤسساتها السياسية بل تبعت القوى السائدة وأهم ما لديها هو العنف واستبدال حاكم مهيمن كلي بآخر. ولهذا لم تستطع أن توسعَ الثقافةَ الديمقراطية وفهمها للنصوص الدينية وللعلاقات الاجتماعية بين الحاكم والمحكوم، بين الأمةِ العربيةِ المسيطرة والأمم التابعة لها، بين هيمنة الخراج وغياب الاهتمام بالأحوال العامة، بين العلوم كمكتشفةٍ للسببيات الطبيعية والاجتماعية، وبين الانتشار المتواصل للخرافات.
ومن هنا فقدتْ الأمةُ العربية هيمنتَها وقيادتها على الأمم الإسلامية ثم راحتْ تتفتت إلى دويلاتٍ أصغر فأصغر. وإذا تمت الاستعادات الحديثة شبه العقلانية في الدول المركزية العربية بعض الشيء فإن ذلك تأخر في الجزيرة العربية.
لهذا فإن الإسقاطات المباشرة للعلوم على النصوص الدينية، خاصة في مناطق التفتح الأولي والمناطق الريفية والصحراوية الواسعة، تغدو حادة ومفجرة لصراعات مخيفة.
وتحتاج الأمة إلى انهمار هذه العلوم بشكل واسع، وهي تحمل مفرداتها الفكرية كمفردةِ الكون المتمدد اللانهائي فأين منه تعبير السماوات السبع وآلاف المصطلحات الأخرى التي تنهمر على الطلبة والمثقفين والعامة عموما؟
وهناك حل سهل يتلخص في رفض كل مفردات ومصطلحات العلوم والمدارس الفلسفية المنبثقة منها والاكتفاء بما جاء لدى الأقدمين.
لابد أن تأخذ النصوص الدينية والاكتشافات العلمية حيزين مختلفين ومدارين متباينين، وهذا يتطلب من العلماء والباحثين والمفكرين عدم الزج بمصطلحاتهم العلمية النسبية في المصطلحات والعالم الديني ذي السيرورة الخاصة، بل أن ينشروا العلوم ويجعلوها شعبية من دون المساس بمقدسات الناس.
كما يتطلب من علماء الدين عدم تقصيص أجنحة المبتكرات والمصطلحات العلمية الجديدة وإدخالها في العالم الديني.
هذان سياقان مختلفان.
في التراث توجه مفكرون أو مثقفون نحو الزج بمعلوماتهم الجديدة المأخوذة من الفكر اليوناني في النصوص الدينية بشكل مباشر حاد، عبر قطع سياقات وجمل وقصص ووضعها في السياقات “العلمية”، فيبدو الاختلاف عبر هذه العروض حادا، ويدعو الناس والحكام إلى قطع العلاقة بين العلوم والمخترعات والمجتمع.
والعلمية هذه ليست مطلقة بل تصورات نسبية خاضعة للتعديلات المستمرة ومقاربة الوجود بشكلٍ لا تحدث فيها المطابقة الكلية.
“في صلاة عيد الأضحى المبارك خطبَ الأميرُ خالد بن عبدالله القسري بالمصلين فقال “أيها المسلمون اذهبوا فضحوا أضحيتكم فإني مضحٍ بالجعد بن درهم الذي يزعم أن اللهَ لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلمْ موسى تكليماً” ثم نزلَ على الجعد وقطعَ رأسه”.
هذه الحكاية التراثية تبين أن المثقفَ والحاكمَ اختارا موقفين حادين، فالجعد دخلَ في التراث الديني برؤيةٍ آلية وبإسقاط فج، بينما تحول الحاكم إلى جلاد.
سياق الدين وسياق العلم، مختلفان، ونحن بحاجةٍ إليهما، الأول يؤسسُ القواعدَ الاجتماعية ويكونُ وجودَ الأمم الإسلامية المفارق لوجودِ الأمم الأخرى، مثلما نحتاجُ إلى العلوم لنكون في طليعة هذه الأمم العالمية.
استطاع الأوائلُ القيامَ ببعض ذلك، وصعدوا المسرح العالمي بجدارة، وأصلحتْ الدولُ الأولى من شأنِ التطور لكنها لم تكمله، وبقيتْ الهيمناتُ على الاقتصاد والمال العام، مُقيدةً لفضاءِ الحريات الفكرية، ولانتشار العقلانية والعلوم في الثقافة. ويجب ألا نكرر أخطاءهم وندخل في صراعات جانبية تالفةٍ للجهود والقوى.

صحيفة اخبار الخليج
17 نوفمبر 2010

اقرأ المزيد

فاطمة سلمان.. رسائل لمن يهمهم الأمر!

 
تحدثت وكأنها تريد أن تبلغنا جميعا رسالة بل رسائل واضحة المعاني لا تحتمل أي تأويل، وبعفوية «محرقاوية» طاغية وبساطة وجرأة لم نعهدها منذ زمن، استطاعت أن تشدنا إليها وهي تتحدث بغصة ظاهرة ومرارة تأبى إلا أن تفصح عن نفسها، حين ابتدأت حديثها بسرد آخر تجاربها حتى تلك اللحظة وما تعرفت عليه للتو من مكائد ربما لم تصادفها من قبل في تجربتها الحياتية، وقد تحدثت بمرارة لا ينقصها التحدي قبيل وأثناء حفل الاحتفاء بفوزها التاريخي بقاعة المنبر التقدمي منتصف الأسبوع الماضي، حول ما دار في أولى جلسات مجلس بلدي محافظة المحرق ، وهو الأمر الذي تناقلته الصحف فيما بعد واتسع لاحقا لتبريرات وتوضيحات من قبل أكثر من طرف.

 
لقد جاء حديث فاطمة سلمان العضو البلدي عن الدائرة الثانية بمحافظة المحرق، وأول امرأة تحظى بشرف الفوز والوصول للمجالس البلدية عبر الاقتراع الحر المباشر متفوقة على عدد من منافسيها من الرجال في دائرة صعبة ومنافسة غير متكافئة، وهي المرأة التي تقول سيرتها الذاتية أنها أعطت من عمرها أكثر من ثلاثة عقود من العمل التطوعي والخيري في داخل البحرين وخارجها، وعاصرت تجارب حياتية وعملية جديرة بالاهتمام والمتابعة، خاصة وان مجال عملها التطوعي هذا لم تحده حدود مناطقية أو تحاصره خصومات الطوائف وسياجات المدن والدوائر المغلقة، كما يحلو للبعض أن يوهم الناس بتلك التقسيمات المشينة التي أضرت كثيرا بوحدتنا وضربت نسيجنا الوطني، ولم تزدنا سوى تشرذما وعبثا من قبل من يدعون الدفاع عن مصالح الوطن والناس وهم ابعد ما يكونون عن ذلك في حقيقة الأمر.

فبرغم تواضع حملتها الإنتخابية وتربص الشائعات التي نالت منها كونها امرأة في مجتمع ذكوري تؤطره مقاسات ومعايير أوصياء الطوائف ورسل التفرقة ودعاة الإيمان الواهم، وهي التي لم تحظ بدعم ومؤازرة جمعيات أو مؤسسات أو حتى صناديق خيرية أو فتاوى أو خُطب تتناقلها الرسائل النصية متوعدة الناس بالويل والثبور وعذاب القبور، إلا أنها استطاعت أن تتفوق وبصبر وجلد يستحق الاحترام والوقوف أمام تجربة نعتقد أنها تحتمل المزيد من الدراسة والتمحيص، فالعمل التطوعي الذي انخرطت فيه تلك المرأة الشجاعة ومارسته في أحياء مدينة المحرق كما مارسته في قرى بعيدة في مختلف مناطق البحرين، كما ذكرت في معرض حديثها، لم يكن كما تبين لنا موسوما بتحقيق وجاهات ومواقع تبتغي الصدارة المجتمعية الزائفة كما يفعل غالبية من يقحمون أنفسهم عنوة في صدارة المشهد والعمل التطوعي، بل كان قائما على مضامين من المحبة للأرض والإخلاص للناس ونكران الذات، بعيدا عن أي انحيازات مذهبية أو طائفية أو مناطقية، ذلك ما لمسناه بوضوح من خلال سردها للعديد من الحكايات المليئة بالمرارة والمكابدة والصبر الذي لا يحتمله أكثر الرجال.

فاطمة سلمان وهي إذ تقدم لنا خلاصة تجربتها مع العمل التطوعي وفي سبيل خدمة الناس، تذهب بنا بعيدا عبر تفصيلات حميمة مع قضايا الناس وهمومهم في معايشة صبورة منقطعة النظير امتدت لأكثر من ثلاثين عاما، ولقد تشرفنا بالفعل في المنبر التقدمي بالاحتفاء بهذه السيدة البحرينية النموذج والمثال، والتي تمثل عن حق وجه البحرين الحقيقي الذي يراد له أن يكون مسخا، ذلك الوجه الذي نفتقده بشدة في زمن تكالبت فيه علينا إرادات ملل وزعماء طوائف بغية انتزاع روحنا وتلويث هويتنا وضرب وحدتنا وتفكيك لحمتنا الوطنية. وبالمثل امتدت تجربتها الغنية رغم ما شابها من مرارات وتعب وكفاح لتصل بعيدا الى حيث يوجد ضحايا الكوارث الطبيعية والسياسية لتعطي لتجربتها بعدا إنسانيا يتجاوز حدود واقعها لتختبر مجددا قدرتها على العطاء في مختلف الظروف وقساوتها.

تجربة فاطمة سلمان تخبرنا بالكثير وتعدنا بما يمكن أن تقدمه امرأة تسلحت بصحوة الضمير ومحبة الناس والوطن لنتعلم منها دروسا وتجارب، وتتعلم من خلاصاتها نساء بلادنا وجمعياتنا النسائية وحركتنا السياسية، فما أحوجنا إليها نحن الذين لا زلنا نبحث عن ضالتنا في بيئة أضحت موبوءة بالمكائد والبحث عن السقطات والضرب بسبب أو بغير سبب من تحت الحزام دون توقف، واختلاق الأعذار للابتعاد عن العمل المشترك البناء والمثمر عبر والسعي نحو الفرقة التي لا تنتج سوى مزيد من العدم والتقهقر والانسحاب .. انها تجربة تستدعي منا جميعا أن نعمل العقل ونهتدي بصحوة الضمير ومحبة الأرض لنعيد للناس شيئا من أملهم المصادر ومحبتهم المفتقدة على مذبح الطوائف.
 
صحيفة الايام
17 نوفمبر 2010
اقرأ المزيد

التوفيق بين النقائض

هل من الأجدى أن يحتكم الأمر إلى فكرة أو نظرة محورية واحدة، عبرها يرى الظواهر الأخرى، وأن يرى أن هناك ناظماً للأشياء والظواهر، أم أنه ينظر إليها فرادى، جزئيات مبعثرة مختلفة.

حتى تفسير التاريخ نفسه عانى من هذا اللبس، ومثله السلوك العام للبشر، وفي هذا السياق يمكن صوغ عدة أسئلة عمن كان على حق: كارل ماركس مثلاً في اعتماده التفسير الاقتصادي لتطور مجتمعات وسلوك الأفراد، أم فرويد في اعتماده التحليل النفسي منهجاً لفهم النسق العام للسلوك البشري؟ ويمكن سوق أمثلة أخرى عن مزاعم صراع الحضارات والأديان والثقافات وهلم جرى..

أيهما أجدى للمرء: أن تكون بصيرته مفتوحة على الظواهر المختلفة، وهو يسعى لتأويلها مستعيناً بأكثر من منهج وأكثر من رؤية، فيرى الاقتصادي والثقافي والنفسي وسواه في الظاهرة الواحدة، أم يقصر ميدان بحثه ورؤيته على عاملٍ دون سواه؟.

أمن الأجدى أن يتمترس المرء وراء رؤية فلسفية بعينها يخضع الظواهر شتى لها محاولاً، طوعاً أو قسراً، تأويلها عبر هذه الرؤية، أم أنه يوسع زاوية نظره فيرى تعدد الأبعاد في الظاهرة الواحدة، فيقاربها من الزوايا المختلفة كي يستوي في نهاية المطاف إلى خلاصة أقرب إلى الحقيقة من سواها.

ثم: ألا يؤدي ذلك إلى نوع من التوفيق الذي يبلغ حد التلفيق بين نقائض مختلفة، متعددة، متناقضة، ولو تأملنا في الكثير من الأطروحات التي تجد لها سوقاً رائجة من حوالينا لوجدنا فيها نماذج لا تحصى على هذا التلفيق، الذي لا يمكن أن ينتج معرفة جديدة، أو يولد مفاهيم خلاقة.

والمعرفة بمقدار ما هي تواصل واستمرارية، فانها كذلك تتطلب الجرأة على القطيعة مع مفاهيم بلت، حتى لو كان لها من سطوة الحضور ما يتطلب المقارعة الجسورة، حتى تشق المعرفة الجديدة لنفسها درباً للأمام.

نحن الآن في عصر يجري التبشير فيه بسقوط الفلسفات الكبرى، النظريات الكبرى والمشاريع الكبرى التي كانت تزعم لنفسها امتياز الإحاطة بكل شيء، وتفسير كل شيء وتعليله، ويؤدي تفرغ العلوم والمعارف والاختصاصات وتشظيها إلى شظايا صغيرة، دقيقة، متخصـصة، إلى إنعــاش الـرأي القائل أنه لم يعد بوسع شيء واحد كبير بأن يحيط بكل شيء.

ولكن معرفة أشياء كثيرة، وإن كانت مكسباً للمرء، فإنها أشبه بحبات السبحة التي انفرط عقدها فتناثرت على الأرض كل واحدة في جهة، إن لم يجمعها خيط واحد تلتئم فيه.
 
صحيفة الأيام
17 نوفمبر 2010
 
 

اقرأ المزيد

انشطارات الطبقة الوسطى

بعض الباحثين يتحدث عما يصفونه بانشطارات الطبقة الوسطى في بلداننا العربية في اشارة إلى أن هذه الطبقة ليست كتلة واحدة، وإنما هي فئات متنوعة.
ويمكن أن نستطرد هنا فنقول إن المنابت الاجتماعية لهذه الفئات متنوعة ومتعددة، وهو الأمر الذي ينعكس على مزاجها السياسي والفكري، الذي يبدو هو الآخر متنوعا ومتعدداً.
وهذا الحكم يصح على حال هذه الفئات في المجتمعات المختلفة، ولكنه يصح بشكل خاص على مجتمعات فريدة في خصائص تطورها الاجتماعي وبنيتها الاقتصادية كما هو حال مجتمعات الخليج ذات الاقتصاد الريعي القائم بشكل أساسي على عائدات النفط.
ثمة صدقية للرأي الذي يقول بأن تحديد المقصود بالفئات الوسطى هو مسألة مجتمعية، بمعنى أن ما يتوافق عليه المجتمع من تحديد يشكل قاعدة مقبولة بصورة اكبر.
لا يمكن إلا الوقوف بجدية أمام الآراء التي يلحظ أصحابها أن استمرار ارتفاع الأسعار والتضخم المتزايد وثبات الأجور عند حالها يؤدي موضوعيا إلى تآكل الفئات الوسطى، وتعرض أجزاء منها للإفقار، وهو أمر يمكن أن يزداد في الفترة المقبلة أيضا.
طبيعي انه يترتب على ذلك مفاعيل اجتماعية واقتصادية عدة، خاصة إذا ما تذكرنا القاعدة القائلة بأن الفئات الوسطى بالذات هي الحافظة للتوازنات الاجتماعية، وكلما اتسعت قاعتها وازدادت رسوخا وثباتا كلما أمكن تأمين درجة من الاستقرار وسلاسة التطور الاجتماعي والسياسي.
أحد الباحثين دعا، مرةً، الى وضع خطة عشرية لتعزيز الطبقة الوسطى، ومع ان هذا يثير أسئلة عن مدى واقعية مثل هذه الفكرة وآلياتها، لكن الأمر لا يمكن أن يأتي منبتا عن مجمل الأوضاع في بلداننا، وهي أوضاع تحمل في طياتها الكثير من الظواهر المقلقة أو غير الباعثة على الاطمئنان.
فالحديث عن الإصلاح الاقتصادي مازال يعتمد على خطط تضعها مؤسسات بحثية أجنبية تقدم ما يشبه الوصفات الجاهزة التي تعطى لمختلف البلدان دون التمعن في خصوصية كل بلد على حدة، وهي وصفات تذكر بتلك التي يقدمها صندوق النقد الدولي أو شقيقه البنك الدولي.
ونحن شهود عيان على ما أدت إليه مثل هذه الوصفات من توترات اجتماعية، حين تشعر الفئات محدودة الدخل أنها هي بالذات من يتعين عليها دفع الأثمان الباهظة للخطط التي لا تُقدم سوى الحلول المعهودة من تقليص أو حتى رفع الدعم عن أسعار مواد غذائية حيوية.
 
صحيفة الايام
15 نوفمبر 2010

اقرأ المزيد

البرلمان الديمقراطيون والليبراليون

البرلمان من دون ديمقراطيين ولييبراليين يظل قاصرا، هكذا قال وهو متأثرا لخسارة التيار الديمقراطي في الانتخابات النيابية، نعم هكذا عبر عن حزنه لهذه الخسارة ونحن نلعب الكيرم اللعبة التي كانت قبل عقود من الالعاب الشعبية في البحرين، وكما يقال السبب لانتشارها في المقاهي والحارات والاندية، يعود الى الجالية الهندية التي عرفت هذه المنطقة منذ بدايات القرن الماضي، في حينها كانت البحرين بلاد النخيل واللؤل‍و اكثر دول المنطقة تعبيرا عن التسامح والانفتاح والتعدد والتنوير، ومنذ ذلك الوقت كانت المرأة البحرينية تشد من ازر الرجل وتسانده في اعمال الزراعة وصيد اللؤلؤ، في حينها لم تشهد البحرين فتاوى العتمة والتشدد والتوصيات الطائفية والاصوات الداعية الى الانغلاق والتحريم والتكفير.
صاحبنا المتألق في هذه اللعبة كلما لامست نظارته الطبية ارنبة انفه ثبتها بحركة سريعة الى مستوى بصره كي يسد بوضوح واتقان حطب الكيرم ليفوز على خصمه، وفجأة التفت الي يخاطبي بصوت مرتفع، لقد جربنا الجمعيات السياسية الدينية فتبين لنا ان هذه الجمعيات لاتمتلك القدرة السياسية والاقتصاية الكافية كالتي يمتلكها التيار الديمقراطي، في التعامل مع مختلف قضايا المجتمع البحريني وتبين لنا ايضا ان هذه الجمعيات بصناديقها الخيرية تتبع خطابها الطائفي، ومن دون امثلة، يكفي ما نشاهده اليوم من شحن طائفي لم يكن موجودا قبل سنوات والشىء الآخر الاكثر اهمية ان هذه الجمعيات التي تدعو الى حقوق المرأة اثبتت وبشكل سافر انها ضذ هذه الحقوق وهنا في وسعنا ان نقول ان عدم وصول المرأة الى قبة البرلمان احد اسبابه تلك الجمعيات.
اذا ما ارادنا ان نقرأ ماقاله صاحبنا، البرلمان من دون وطنيين ديمقراطيين يظل قاصرا، ينبغي ان نتوقف عند امرين مهمين الاول: ان هذا القول يعد نموذجا لردود فعل الشارع البحريني الذي بدأ يضيق ذرعا من الاسلام السياسي الذي باستثناء الوفاق التي تعاملت مع الناخبين في دوائرها المغلقة بوصاية دينية لم تنجح كما كان متوقعا في شارع الاسلام السياسي الاخر، بل شهد تراجعا كبيرا واخفاقا يرجع الى وعي الناخب الذي بالفعل بدأ يعيد حساباته من جديد، وباختصار ان الناخبين الذين انقادوا وراء اللحي والعمائم في التجربتين البرلمانيتين السابقتين، تجاوزا الشعارات الدينية التي دأبت على دغدغة العواطف، وان العمل والبناء قاعدته الاساسية القائمة على التحولات المتعلقة بنهج التنمية ومعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية تتطلب اطلاق مبادرات وعقول وتشريعات وتحديث ولذا فان الاصلاح والتنمية تحتاج اليوم الى استراتجيات علمية خلاقة، هذا هو رهان التغيير والتقدم والتطور اما الدعاة بشعاراتها المستهلكة، التي لاتعترف بالآخر ولا بالحريات وتمكين المرأة من المشاركة السياسية، من الطبيعي ان يتراجع هؤلاء طالما ان الرهان اساسه التغيير والتقدم. والامر الثاني: ان التيار الديمقراطي بحاجة الى وقفة نقدية ومراجعة لكشف مواطن الضعف والاستفادة من الاخطاء، وبالتالي لوتوقفنا عند هذا لنجد انه بالرغم من خسارته في الانتخابات البرلمانية الا انه استطاع وبشرف ومصداقية ونزاهة، ان يعيد عافيته من خلال برامجه السياسية وعلى اثر ماتبناه من مطالب اقتصادية واجتماعية وعمالية وشبابية وبيئية وثقافية وحقوق المرأة، كسب الجماهير وحصد اصواتا لايستهان بها وقد عبرت وبعقلانية الاخت عصمت الموسوي في مقالها الاخير، عن ذلك قائلة ان على التيار الليبرالي الا يستهين بادواره ومسؤولياته، سواء داخل البرلمان او خارجه، فالاصوات التي حصدها ليست قليلة وهي تشير الى قوة موقعه على عكس مايشاع عنه، فالشارع يحبه وقد منحه الاصوات الخالصة الصحيحة الواعية غير المشفوعة بثواب الدنيا او اجر الاخرة، ثم انه احدث حراكا سياسيا كبيرا في الدوائر التي ترشح فيها طوال فترة الانتخابات، واجرى نقلة نوعية في مسار العملية السياسية والديمقراطية وعمق وعي الناخبين سياسيا وقانونيا واجتماعيا واقتصاديا، وواصل رسائله ودافع عن مواقعه وذكر بنضالاته وتاريخه، واستفز خصومه وكسب الكثير من الشباب وصغار السن الى صفوفه واجبر الخصوم والمناوئين على مقارعته والنزول الى الجماهيروالخضوع لمنطق الانتخابات، حيث التنافس في الميدان بشرف ونزاهة، بالفعل كانت الموسوي صائبة فيما اشارت اليه من تحليل وتوصيف ومع ذلك فالاجدى ان ينظر هذا التيار الى لملمة بيته دون تبعية لقوى الاسلام السياسي التي ستظل في نهاية المطاف قوى تعمل وفق مرجعياته المنعلة المناوئة للحداثة والتحديث والديمقراطية، والكل يعلم ماذا فعلت الوفاق الحليف القريب في الانتخابات النيابية عندما استهدفت حملاتها الانتخابية التيار الديمقراطي في اكثر من دائرة، اذن فالمطلوب اعادة النظر في هذا التحالف، واخيرا ان البرلمان في رأي صاحبنا بو احمد وغيره من الذين يشاطرونه هذا الرأي مالم تمثل فيه المرأة والديمقراطيون والليبراليون يظل قاصرا، او بالاحرى غير متوازن.
 
صحيفة الايام
13 نوفمبر 2010
اقرأ المزيد

فاطمة سلمان في «التقدمي»


قبل أن يكرمها الشخصية الوطنية المرموقة المحامي والأديب أحمد الشملان، الرئيس الفخري للمنبر التقدمي، في اللقاء الودي المفعم بالأمل، الذي أقامه لها المنبر التقدمي، احتفاء بفوزها، تحدثت فاطمة سلمان للحضور بكلمات شديدة العفوية والبساطة لكنها عميقة التعبير.

قالت إن إذاعة مونتي كارلو اتصلت بها بعيد فوزها لإجراء حوار معها، فسألها المذيع بداية: هل أنت سنية أو شيعية، فردت عليه بحزم: أنا بحرينية، قبل أن تضيف: إذا كانت بقية أسئلتك على هذا المنوال فلننهي المقابلة.

بهذه الكلمات البسيطة، المعبرة تقدم السيدة فاطمة سلمان الفائزة بعضوية المجلس البلدي في المحرق درساً بليغاً لجميع الطائفيين في البحرين من مختلف الملل، كأنها تعيد لنا ولذاكرتنا صورة البحرين الجميلة الأليفة التي فقدناها، بعد أن طغى زعماء الطوائف على المشهد السياسي في البلاد، فصار شغلهم الشاغل هو التحشيد الطائفي، والتباهي بتمثيل الطائفة، لا تمثيل الوطن، والشعب كاملاً.

فاطمة سلمان ابنة المحرق التي تحمل في حديثها وعقلها وسلوكها العام روح المحرق، على نحو ما تحدثنا في هذه الزاوية منذ أيام قليلة، بدت، بعفويتها، أنضج فكراً وأبعد نظراً، من جمعيات بكاملها نصبت نفسها وصية على أفكار الناس وضمائرهم.

ومن حديثها المعبر أمام حشد من أعضاء وعضوات المنبر التقدمي، وأصدقائه وصديقاته، فهمنا انه نالها أثناء حملتها الانتخابية ما نال كل المرشحين الوطنيين الغيورين على هذا الوطن، والمنحازين لمصالح جميع أبنائه، من تشويه وتعريض شخصي ومحاصرة، لكن ذلك لم يثن هذه المرأة المثابرة والجريئة عن المضي في طريقها حتى نالت الفوز معتمدة على محبة الناس البسطاء وثقتهم الكبيرة في صدقها وإخلاصها.

قالت إنها خاضت حملتها الانتخابية بإمكانيات مالية متواضعة، وتحدثت عن امرأة، فقيرة كبيرة في السن تبرعت لها بحصيلة عمرها، التي لا تزيد عن المائة دينار بحريني إلا قليلا وهي تقول لها: «هذا المبلغ تبرع عشان عكوسك»، وقصدها بذلك ملصقات وصور فاطمة في الحملة الانتخابية.

كما تحدثت عن كيف صدّ الناس، والنساء خاصة، حملة التعريض التي خاضتها بعض الجمعيات والفئات ضدها، بهدف تحطيم صورتها، ومنع فوزها، لأن لدى هؤلاء عداوة مع المرأة، ويغيظهم أن يروها في موقع قرار أو مسؤولية، مع أن ما أظهرته فاطمة سلمان، وهي تتحدث مساء أمس الأول في المنبر التقدمي، يؤكد ان هذه المرأة قادرة على أن تقدم ما عجز الرجال عن تقديمه.

في لقاء مع إذاعة البحرين حول ما كتبته هنا بعنوان:« من المحرق أتى التغيير»، قلت إن مسؤولية المجتمع والدولة إظهار كافة أشكال الدعم والمؤازرة لهذه المرأة الدءوبة لتنجح في مهمتها القادمة، كما نجحت في ميادين العمل التطوعي التي انخرطت فيها في الفترات السابقة.

نقول ذلك لأننا نعرف أن هناك من سيسعى لإعاقتها في انجاز ما ترمي إليه، وهي تحدثت في لقائها بالمنبر التقدمي بمرارة، عن المكائد التي جرت في أولى جلسات المجلس البلدي بالمحرق لاختيار رئيس ونائب رئيس المجلس، معبرة عن صدمتها مما جرى، ولكنها، بالمقابل، أكدت أن ما من شيء سيضعف همتها وعزمها في تحقيق ما وعدت به ناخبيها.
 
صحيفة الايام
13 نوفمبر 2010

اقرأ المزيد

هَم الناس وهَم النواب

ويستمر الخلاف غير المجدي بين الكتل والنواب على توزيع الكعكات والمناصب النيابية.
ماذا يهدف كل هذا الجدل والتنسيقات والتحالفات بشأن توزيع الرئاسات؟
وهل فعلا هذا الذي يبحث عنه المواطن الذي شارك في الحملات الانتخابية وشارك في يوم التصويت؟
لنرجع قليلا الى ما قيل في «الخيام الانتخابية»: لم اترشح من اجل الكراسي.. لم اترشح إلا لأجلكم.. لم أترشح إلا …، وغيرها من الكلام الإنشائي الذي سطره مرشحونا الكرام خلال الحملات الانتخابية.
وبعد إنجلاء غبرة الانتخابات، سقطت الشعارات الزائفة، وأصبحت المناصب هي الاهم، والاجتماعات بين الكتل لا تتحدث إلا عن الكعكة.
ما أسرع تلك الشعارات حين تتهاوى، والأغرب حين تضرب الغشاوة على الأبصار والافئدة.
المواطن في هم غير هم نوابه، فهم يتحدثون عن التوزيع وهو يتحدث عن رفع الدعم عن بعض السلع.
هو يتحدث عن استمرار علاوة الغلاء وهم شغلهم الشاغل، من سيكون رئيسا للجنة المالية؟!.
نعلم ان اللجان هي مطابخ، ولكن الموقف الذي يبصم عليه في الجلسة هو الاهم، حين يضع النائب ايا كان اصبعه على زر التصويت خلال الجلسة فهذا الذي يعتبره المواطن، حين ترفع الموازنة امام المجلس ويتم مناقشتها، ويضغط هذا النائب بيده على زر الموافقة بزيادة مشاريع الاسكان فهذا ما يهمه، ليس من سيكون رئيسا للجنة المالية، وفاقيا او مستقلا او منتميا الى اي كتلة.
ابدا، ليس مجديا بالنسبة للمواطن ولا بالنسبة لي كمواطن بالدرجة الاولى ومتابع بالدرجة الثانية من سيكون في رئاسات اللجنة، بل نريد توافقا بين الجميع حتى نحقق للمواطن تطلعاته التي تتوافق مع تصويته لميثاق العمل الوطني، وما تحقق على ضوئه من مكاسب التي يجب ان نحافظ عليها ونعمل على تطويرها، لأن هناك من لا يروق له ان تستمر المكاسب لغايات في نفسه، وهذه الشخصيات موجودة في العديد من الاطراف، التي لا تحب ان يعم الامن والامان، وتبحث عن ثغرات لتتخلل منها وتعيث في الارض فسادا بيد غير مقيدة.
المسؤولية جمة على النواب، والهواجس التي هي عند المراقبين ما زالت موجودة، والكرة الآن في ملعب اللاعبين الرئيسيين فعليهم ان يروضوا اللعبة ويجعلوها اكثر هدوءا وفي ذات الوقت أسرع في الاهداف.
دامت توافقاتكم ايها النواب.
 
صحيفة الايام
12 نوفمبر 2010
اقرأ المزيد

المقاومة الناقصة

بينت حربُ أكتوبر 1973 محدوديةَ دولِ المواجهةِ في تأسيس جبهاتِ تحريرٍ ومقاومة، رغم البطولات الكبيرة على الجبهتين المصرية والسورية، وخلقت لغة مساومات متعددة الأشكال، معبرة عن توجه الفئات الغنية الحاكمة إلى الابتعاد عن الحرب الوطنية المستمرة حتى انتزاع الحقوق وتحرير الأرض والسكان، والدخول في كواليس المساومات وتجزئة القضايا المصيرية، والحصول على مكاسب مادية وفيرة، وتقطيع الجبهة العربية القومية لمصالح تلك الفئات ورؤاها السياسية المختلفة.
وفيما دخلت الفئاتُ المصريةُ الحاكمة في عمليات الاستثمار المباشرة الكثيفة مع الاحتلال الإسرائيلي، لجأت الفئاتُ الغنيةُ الحاكمة في سوريا إلى المقاولاتِ النضالية عن طريق أطراف أخرى.
أي أنها تقوم بتوكيل أطراف أخرى للنضال عنها في جبهات محتلة غير الجبهة السورية المحتلة.
كلا الفئات الحاكمة في مصر وسوريا عبرتْ عن مشروعِ الدولةِ الوطنيةِ الشمولية العاجزة عن استنفار قوى المقاومة في الشعوب العربية، نظراً إلى عجزِها عن تطوير الديمقراطية داخل مجتمعيها: المصرية دخلتْ في علاقات المساومة والاستغلال، وتراكم الأرباح، وألغت مشروعَ النضال القومي الريادي الذي كانت تقوده، وجمدت حال الشعب الذي يعاني سيطرتها.
والفئاتُ السوريةُ الحاكمةُ وجدتْ نفسَها في ورطةٍ من غيابِ شريكِ النضال القومي الكبير، وهي من جهتها كانت في وضعِ الفئاتِ المصرية الغنية الحاكمة نفسه: وضع الاستبداد، وعدم تطوير أوضاع الناس ونشر الديمقراطية.
المقاومة لديهم هو الاحتفاظ بوضع الشعب الخاضع ومهاجمة العدو بتكتيكات انتهازية.
لكن القوى الحاكمة السورية لم تترك خيار المقاومة تماماً، ونظرا إلى وضعها الطبقي المميز، المسترخي فوق رقاب الشعب العامل الفقير، فقد وجدتْ قوى أخرى مستعدة للمقاومة عنها، في جبهة أخرى، وبأثمان تدفعها تلك القوى نفسها مالاً ودماً وخراباً فوق مدنها وسكانها.
فيما المقاولُ المقاومُ يحتفظُ بشركاتهِ وفنادقهِ شغالةً في تكديس الأرباح ويحتفظُ برصاصاتهِ صدئةً في رشاشه.
البديلُ الإيراني كان هو الآخر بحاجة إلى واجهة مقاومة اصطنعها ليغطي على العيوب المحورية نفسها في النظامين المصري والسوري، لكن عيوبه جاءته سريعاً والشعبُ الإيراني مازال في حالة الثورة لم ينزل عن صهوات جياده ولم ير تحولا جوهريا في تخلفه وجوعه وحريته، ويريدُ تغييرَ الشمولية التي عجز الشعبان السابقا الذكر عن تغييرها.

وجد النظامُ السوري أن مقاولة المقاومة هي خياره الأكثر فائدة ونجاعة ولحلِ تناقضاته كافة غير القادر على حلها، فالطائفية السياسية غدتْ هي الرافعةُ للنظام من مشكلات الديمقراطية والوطنية والعلمانية، هي حبلُ الإنقاذ القوي في تصوره لمجمل المشكلات التي وقعَ فيها النظامُ السوري نظراً إلى رفضهِ مسلك النظام المصري في القضية الوطنية – القومية، وهي في تصوره متشابكة بين الوطني والقومي أشد التشابك، ومن هنا غدت المقاومة في لبنان طائفية ومرتبطة بسياق النظامين السوري والإيراني، فمن غير الممكن طرح مقاومة وطنية شعبية واسعة في لبنان، وتوسيع جبهتها، أو جعل الدولة مسئولة عن المقاومة، كان هذا يمثل ضربة لمقاولة المقاومة، وتحويلها إلى قضية نضال شعبية وطنية قومية، ووجود قوى شعبية مسلحة ضد الصهيونية معناها ارتدادها على الفئات الغنية الشمولية غير الديمقراطية والخائفة من الشعب.
كما يمكن لمقاولة المقاومة أن ترتد على الشعب نفسه وتقمعه لصالح الدكتاتورية في سوريا وإيران أو في لبنان نفسه إذا توافرت عناصر الهيمنة الطائفية المحافظة الواسعة.
أما أن تغدو تحريراً للأرض الفلسطينية وشعلة للقضية العربية الخالدة، وتكون بديلاً عن الانتهازية السائدة، فهو خطابٌ حماسي لا مصداقية له للأسف.
وتمزيق صفوف البلدان العربية والإسلامية كان من ثماره المرة كذلك.
كان البديل للأنظمة المتراجعة عن حرب أكتوبر ونضالها الكبير هو التوحيد العربي الإسلامي وعدم الدخول في اتفاقيات جزئية، وتوسيع القوى العربية الإسلامية للتصدي للهيمنة الإسرائيلية أو أي هيمنات أخرى ببناء جبهة الحد الأدنى من التضامن والتوحد.

صحيفة اخبار الخليج
11 نوفمبر 2010

اقرأ المزيد