المنشور

التعداد السكاني وخياراتنا القادمة!

باعتقادي أن النتائج الأولية التي اظهرها الاعلان الرسمي الأخير حول التعداد السكاني التاسع في البحرين، والذي أظهر بدوره تفاصيل مثيرة الى حد كبير في العديد من جوانبه، خاصة فيما يتعلق بالقفزة الهائلة في عدد السكان وتباين نسب نموه والتوزيع المناطقي والحضري للمملكة، على الرغم من انها لم تكن قفزة مفاجئة لغالبية أهل البحرين، حيث اضحت معالم التغييرالديموغرافي واضحة ومنذ سنوات، وقد انعكست على ما قامت وتقوم به الدولة من برامج ومشاريع لمسايرة تلك الزيادة المطردة في عدد السكان.
لكن من الخطأ أن تمر نتائج التعداد السكاني مرور الكرام على صانعي القرار والمهتمين في بلادنا أو ان تعتبر عملا دوريا يدخل ضمن التزامات البحرين المحلية والاقليمية وبالتحديد التزامها بقرارات مجلس التعاون الخليجي في دورته الثانية والعشرين التي عقدت بمسقط العام 2001 وتزامنا مع بدء بقية دول مجلس التعاون في إجراء التعداد السكاني لديها.
وبغض النظر عن التفاصيل الفنية والأجرائية التي أجري على اساسها التعداد والمتوافقة بحسب ما ذكره محمد العامر رئيس الجهاز المركزي للمعلومات مع الإشتراطات والمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة، الا ان المتتبع للتزايد المضطرد في عدد السكان ونسبه المعلنة تنتابه جملة من الأسئلة التي ربما يعجز عن الاجابة عليها، وهي اسئلة مرتبطة اساسا بمستقبل ومفهوم ما أصبح متعارفا عليه بالتنمية الشاملة، وهو مفهوم يتجاوز كما هو معروف المفهوم الضيق المحصور في التنمية الاقتصادية لوحدها، ليذهب بنا بعيدا للتساؤل حول حاضر ومستقبل ما يطرح راهنا من مشاريع ورؤى لعل ابرزها واهمها رؤية البحرين 2030 وكيف ستتعاطى مع هكذا مستجدات، فقدات بات تحقيق تلك الرؤية بالفعل على المحك أمام تزايد التحديات التنموية أمام صانعي القرار والجهات المعنية بتحقيقها على ارض الواقع وخلال اقل من عشرين عاما من الآن، فعندما يخبرنا التعداد السكاني مثلا ان عدد سكان البحرين اصبح مليون و 234 الفا نسبة البحرينيين فيهم 46% مقابل 54 % للاجانب فهذا تحد كبير وله مؤشرات ودلالات، وليت الأمر يقتصر فقط على النسبة ولكن الأبعد منه ما تعنيه النسبة من زيادة مضطردة وضغط عل الكثير من الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها وغيرهم! والى اي مدى يمكن مقارنتها بما تقدمه بالمقابل تلك النسبة العالية من الأجانب للتنمية والاقتصاد من عوائد وقيمة مضافة، والمؤشر الآخر الذي يجب ان نستعد لنتائجه سريعا هو نسبة البحرينيين للفئة العمرية الأقل من 15 سنة والتي بلغت 8و31% وماذا يوجد في جعبة الدولة لتقدمه لهم من خدمات واحتياجات ضخمة بالفعل خاصة ما يتعلق بالخدمات التعليمية والصحية والمعيشية، فهل ستكون الدولة بمواردها المحدودة قادرة على ان تفي باحتياجات هذه الفئة بالاضافة الى بقية الفئات، خاصة وأن من هم بين سن 15-64 سنة يمثلون ما نسبته 64%، ونحن نعلم جيدا حجم الخدمات المطلوبة لهذه الشريحة الواسعة من السكان، حيث الحاجة للوظائف والتعليم الجامعي والأجور ومن بعدها يأتي الاستحقاق التقاعدي والتطبيب، حيث تصبح الحاجة لنظام تقاعدي متين وراسخ ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل أبدا نظر لما يرتبط بتلك الجوانب المهمة من تبعات اجتماعية واقتصادية وأمنية وحتى صحية هي في النهئية عبء مضاعف على الدولة عليها الاستعداد له جيدا قبل فوات الأوان! اضف الى ذلك أن النتائج اظهرت نسب نموعالية للسكان الأجانب تحديدا والبحرينيين ايضا بمعدل مرتفع جدا يكاد يصل الى 5،7% وهي نسبة تبتعد كثيرا عن معدلات النمو الاقتصادي المعلنة رسميا والتي لا تتجاوز الأربعة في المائة في الوقت الراهن!
ارقام وحقائق بالفعل مخيفة، وما يجعلها كذلك هو عدم وضوح رؤية تجاه التعاطي معها، مما يعني أن الاسترخاء في التعاطي الرسمي والمجتمعي مع مقتضياتها وتداعياتها القادمة حتما سيضاعف من فاتورة اصلاحها، فهل لنا من وقفة جادة ومسؤلة تجاه كل ما عرض من ارقام وحقائق؟ فلم تعد زيادة أعداد الأجانب هي مجرد عامل نفسي أو تنافسي في سوق العمل، فمؤشرات التنمية لدينا لا تقبل ان تصدق بضرورة الحاجة لهذا الحجم المهول والمتزايد للاجانب عاما بعد آخر، علاوة على أن حجم الاستثمارات والأعمال التي من الممكن تبرر بسببها تلك الزيادة ليست بهذه الدرجة بالإضافة إلى أنه لم تحسم الكثير من خياراتها المستقبلية بعد فيما يتعلق باستحداث انظمة للتقاعد وللضرائب وللتوظيف والإحلال ولحجم العمالة الوافدة ولنسب النمو المنتظرة وكيفية بلوغها وللتحديات القادمة في سوق العمل ولجودة التعليم والخدمات الصحية ومشاريع البنية التحتية ونظام المواصلات وخدمات الكهرباء والماء، واستيراد الغاز المطلوب للتنمية المنتظرة، وتنويع الموارد الإقتصادية.. وكل ذلك يحتاج ألى أكثر من مساهمة وأكثر من التخطيط ليدخل في طبيعة وهوية الدولة ومستقبلها وخياراتها القادمة وطبيعة الاقتصاد وعناصر التنمية فيها!!
 
صحيفة الايام
8 ديسمبر 2010
اقرأ المزيد

البديل (1)… فك التحالف السداسي


رغم طلبها ألا انشر سجالاتنا على صفحة الرأي إلا إني لا أجد مفرا يحجم هذه الرغبة لما فيها من منفس يعبر عن هواجس أمثالنا…
تقول: “مقالك الأسبوع الماضي أثار استياء الوفاقيين، لأن حصولهم على 18 مقعدا كان بجدارة ولا تنكري ذلك، ثم ان الوفاق تيار له هويته وأيديولوجيته التي ينطلق منها، حاله حال أي جمعية سياسية تنطلق من ايديولوجيتها وهويتها وهي ترى في مرجعيتها الدينية جزءا من تكوينها، ولكن الأهم هو انها مازالت قادرة على التعبير عن مصالح قواعدها”.

أقول: “ولماذا هي بحاجة إلى غطاء شرعي للتعبير عن مصالح قواعدها!! سيدتي دخول التكليف الشرعي في خياراتنا السياسية وخارج منظومته الطبيعية، اعتداء على ثقافتنا واستنساخ لثقافة لا تتواءم مع تصوراتنا امتدادا من كوننا جزيرة تمثل ميناء عبور للحضارات إلى البحرين الحضارية التعددية التقدمية، وهذا الأمر ليس مقتصرا على الوفاق وإنما على جميع تيارات الاسلام السياسي التي تضع ضمائرنا على طاولة المداولات، على غرار: “لا أعتقد أنّ جمهورًا يملك من الوعي، كما يملكه الجمهور الذي يستجيب لنداء العلماء الواعين”، وهل الجمهور لا يملك وعيا إلا لأنه يستجيب لنداء العلماء!!”.

تعلق: “التيارات الديمقراطية ذات الامتداد التاريخي تعيش حالة رثة من الضعف، وهل تتوقعين صعودها في مرحلة تعيش التيارات الدينية عصرها الذهبي!!”، أقول: “التيارات الديمقراطية وعلى رأسها “وعد” و”المنبر التقدمي”، تملك تاريخا يجعل منها قوى حاضرة فاعلة ليست بحاجة إلى أن تتحول إلى ذيل لتيارات دينية لتثبت وجودها، هي تمتلك ثقافة بحرينية متجذرة وهوية موائمة مع صورة البحرين المدنية وهي بحاجة إلى أن تجمع قواعدها التي شتتها تحالف سياسي لم يضع للهوية الاجتماعية والإيديولوجية بعدا، وإذا كان لتيار الإسلام السياسي هويته التي لا تجامل على حسابها أحد، فالأحرى بالتيارات الديمقراطية أن تتمسك بتاريخها وهويتها وتمثيل قواعدها المبعثرة”.

تقاطعني: “وأين هي هذه القواعد!!”.

أكمل: “للأسف التيارات الديمقراطية أضاعت قواعدها من نخب ومثقفين وفنانين ومفكرين قادرين على لعب دور اجتماعي في مفاصل لا تقل أهمية عن المأتم والمسجد وأخذت تبحث عن قواعد لها في أوساط التيارات الدينية”.

تقاطعني مجددا: “لو كانت القواعد التي تتحدثين عنها موجودة لما رأيت هذه الحظوظ في الانتخابات”.

أقول: “ولماذا الحل في قواعد الوفاق!! لتبحث هذه التيارات في ذاكرة ابراهيم كمال الدين لتعرف كيف النزول للناس وإقناعهم، فالنخب قادرة على قلب المعادلة”.
تتساءل: “إذا انت مع انفصال المنبر التقدمي عن السداسي، ألا ترين أن في ذلك إضعاف لعمل المعارضة، إذ يكفينا تشرذما على حساب الملفات الوطنية”.
أجيب: “فما الفائدة من تحالف تتصدره جمعية واحدة والطرف السياسي والوحيد المستفيد من هذا التحالف، تتحصل منه على غطاء وطني يبرر تبنيها للكثير من الملفات السياسية، من ثم تصرخ “فلتسقط العلمانية”، فهل يستوي الأمران!!، ثم ان التحالف السداسي لا يخرج عن كونه تنسيقا، لأن التحالف الاستراتيجي يعني كيانا متماسكا في جميع مواقفه وتحركاته… وهل تجدين ذلك على أرض الواقع!!”.

تقول: “استمرار التحالف السداسي وإن اسميا من شأنه أن يشكل قوة ضغط لحل الملفات السياسية وهي الأهم وعلى رأس الأولويات”.

أقول: “من طالب التيار الديمقراطي بالتوقف عن مطالبه، ما أقوله هو ضرورة أن يكف هذا التيار عن لعب دور تكنوقراط التيارات الدينية أو لاعب ظل، إذ يمكنه التنسيق معها في الملفات المشتركة، دون التفريط في هويته الديمقراطية والعلمانية”.

بعد صمت، تقول: “الوفاق بهذه الخطوة ستعتبر ذلك تمردا، وبالتالي سيكون التيار الديمقراطي بمثابة ند”.

أجيب: “طبعا، هذا ما حدث إثر دخول الدكتور حسن مدن كمنافس للنائب جواد فيروز في الانتخابات، والسيناريو كان سيكرر نفسه فيما لو رشح ابراهيم شريف نفسه في سترة لأنه منافس شرس ولديه قدرة على الإقناع وحضور قوي، ولكن “وعد” إلى اليوم لم تتعثر بحجر الوفاق”.
تستدرك: “ابراهيم شريف في سترة! لا… المزاج البحريني مازال مرتبطا بالتيارات الدينية”، أجيب: “غير صحيح لتنظري إلى الأصوات التي حصل عليها ابراهيم شريف في المحرق، وستعرفين المزاج البحريني”.

تسأل: “ولكن المزاج العام في المحرق يختلف عنه في سترة”، فأجيب: “نعم، ولكنها مسؤولية الدولة”.
 
 
 
البديل (2) التيار الديمقراطي ..

تستدرك حديثها: “تتحدثين عن دخول إبراهيم شريف كمرشح منافس للوفاق في سترة!! فيما تنقضين ذلك بقولك إن المزاج البحريني في سترة يختلف عنه في المحرق هذا من جانب، من جانب آخر إبراهيم كمال الدين دخل في 2006 كمنافس للوفاق ولم ينته التحالف بين الطرفين كما تزعمين، فهل لك أن تخرجيني من دائرة التناقضات التي تقحميني فيها؟!”

أقول: “عبدالنبي سلمان دخل كمنافس للوفاق في 2006 أيضًا، ولكن السؤال لماذا خاضت الوفاق حربًا ما زالت مستمرة ضد المنبر التقدمي ابتداء من التلميح بالمطبخ السري إلى استخدام الفتاوى والاستمرار في حملة التشويه إلى ما بعد الانتخابات؟ السبب بسيط هو أن الوفاق تعلم أنه بدخول مدن أو شريف في دوائرها من شأنه أن يقلب المعادلة”.

تقول: “الوفاق اعترفت بأن المطبخ السري مجرد هواجس، ثم أن هناك شائعات عن جلوس وعد مع السلطة على طاولة واحدة، وما جرى مع وعد بالتأكيد جرى مع المنبر التقدمي، إذا ما صحة المعلومة، فمن حق الوفاق حينها أن تدافع عن وجودها”.

أقول: “سمعت كما سمعتِ ولكن أملك دليلا، ولكن من قال إن التفاوض مع السلطة في حدود ما خطأ! أليست هذه سياسية، كم مطبخا سريا دخلته الوفاق مع السلطة! سيدتي جميع التيارات لها أن تجلس مع السلطة في حدود ما دون المساس بمبادئ الطرفين، ولكن ليس من حق أي طرف تسقيط الآخر، وأعود لسؤالي ما الذي يمنع وعد من دخول مرشحيها في إحدى الدوائر الوفاقية المغلقة!”

تصمت:”..”

أجيب: “لأنها تعلم أن المزاج البحريني في المحرق هو مزاج أكثر انسجامًا مع الحالة الديمقراطية، ولكن ألم يستثيرها السؤال لماذا؟

وأضيف: “إذا كانت وعد تعلم بأنها ستخسر أمام الإرادة السياسية، فإنها تعلم أيضًا بأنها ستخسر أمام الإرادة الدينية ولكن خسارتها أمام الوفاق ستكون أشد وطأة من خسارتها أمام السلطة، ولنحسبها.. إبراهيم شريف معارض ديمقراطي وطني – غير طائفي – يملك حضورًا قويًا في أوساط الشارع الوفاقي، صاحب كفاءة علمية وسياسية ومناور ممتاز، يحمل تاريخًا سياسيًا، ويتبنى جميع الملفات التي تتبناها الوفاق، وبصراحة هو اليوم من أقوى الأصوات المعارضة في البحرين، لأن لديه ملكة الإقناع من جهة ومقارعة الحجة بالأرقام من جهة أخرى، كل هذه الصفات ماذا تأتي أمام النائب الحالي لسترة مع كل الاحترام والتقدير له، ثانيًا: يوجد في سترة قاعدة وعوائل تحمل امتدادًا للجبهة الشعبية ولكنهم صامتون، ولك أن تتخيلي ماذا سيشكل دخول إبراهيم في هذه المنطقة من حراك، وبالتالي وصول إبراهيم شريف للبرلمان وارد بشدة إذا افتراضنا وجود إرادة حرة للناخبين”.

تقول: “حيرتيني! ما أعرفه أن وعد لا تريد الدخول على خط الوفاق”.

أجيب: “طبعا، ولكن ما المانع إذا كانت المنافسة شريفة بين التيارين! عزيزتي إذا كانت الصفحات الأولى في إحدى الصحف الصفراء قد حاولت إسقاط وعد عبثا، فإن الوفاق ستحرق آخر أوراق شجرة التوت، وسيجري عليها ما جرى على المنبر التقدمي الذي سيدفع ثمن منافسته ومناكفته لهذا التيار من تاريخه ونضاله ولن تتوقف حملة التشويه إلى أن يتم تهميشه، ولكن تعثر وعد بحجر الوفاق سيكون أكثر دويّا من المنبر”.

تعتب: “أفهم من كلامك بأنك تلومين وعد”.

أجيب: “لا ألوم وعد فهي تيار سياسي من حقه أن يقرر تحالفاته وتكتيكاته، ولكن من حقي كديمقراطية أيضًا أن أعتب على هذا التيار لمجاملته تيارًا يحمل سمة طائفية كباقي التيارات الإسلامية الأخرى التي تصادر وتستخف بإرادة الناس، من حقي أن أطالبها بأن تحفاظ على المدنية والتقدمية التي ناضلت من أجلها وترفض مثل هذه الممارسات كما ترفضها من السلطة، وأن تعبر عن شارعها كمعارض يحمل هوية ديمقراطية ويتطلع لقيام دولة ديمقراطية مؤسساتية ليست قائمة على مزاج ديني أيا كان عنوانه”.

 تقول: “وعد ترى في الملفات الوطنية أولوية وأن المشتركات السياسية أهم مما تذكرين”.

أقول: “ما زلت أكرر من طالبها بالتخلي عن ملفاتها، ما نطالبها به هو عدم مجاملة التيار الديني، والعمل معه كطرف سياسي مع الحفاظ على ثوابتها، ما نطالبها به هو أن تحيي مشروع وحدة التيار الديمقراطي وتجمع ما تبقى من نخب هاربين قادريين على الدفع بنا نحو التحول المدني بعيدًا عن سيطرة الجماعات الثيوقراطية، ولها بعدها أن تنسق كما تشاء مع أي طرف في حدود ما”.

تقول: “تقولين إن ما نعانيه هو مسؤولية الدولة! ولكنك الآن تلقينها على وعد”.
أجيب: “لا.. ما زالت مصرة بأنها مسؤولية الدولة”.
 
 
البديل (3) استفاقة الدولة

تقول: “تتحدثين عن مسؤولية الدولة، هل لك أن تقولي ما لها أن تفعل! عزيزتي التيار الديني يملك شارعه وهذا واقع وكان على الدولة أن تتعامل معه في هذا الإطار، وتغير المزاج العام عما كان عليه في 2006 لا يعني تراجع تأثير هذا التيار على الناس”.

أقول: “أولا: الدولة ساهمت في نقل صورة غير حقيقة عن المزاج العام صورة تصب في صالح التيار الديني عندما لعبت كطرف سياسي أضفى الشرعية لعمل تيار الإسلام السياسي بما يحمله من أيديولوجيات لا تتواءم مع المجتمع المدني، ثانيا: إذا اعتبرنا أن الدولة لاعب رئيسي في العملية السياسية بالتالي كان من المفترض أن تكون اللاعب القادر على صياغة هوية العمل السياسي منذ انطلاق المشروع الإصلاحي”.

تقول: “صحيح انها اللاعب الرئيسي ولكن هذا لا يعني أنها تملك جميع خيوط اللعبة السياسية، ففي كثير من الأحيان تضطر للمناورة وللتنازل كأي طرف سياسي آخر! ثم لا تنسى أن الوضع الإقليمي في المنطقة آنذاك كان يعبر عن صعود تيار الإسلام السياسي وبالتالي لا يمكن التغاضي عن هذه المتغيرات وتأثيرها على البحرين كجزء من هذا الإقليم”.

أقول: “الدولة التي تحمل على عاتقها التأسيس للمدنية عليها أن تعي متطلباتها، وإذا كان الحراك الإقليمي يفرض متغيراته، فإن البحرين أيضا تملك بنية ثقافية كان بالإمكان لها أن تكون العامل المضاد لهذه المتغيرات وإن جزئيا، ولي أن أضرب مثالا بقانون الجمعيات السياسية الذي لا يسمح بتأسيس جمعيات على أساس ديني أو مذهبي، فيما سمحت الدولة منذ البداية بقيام جمعية الوفاق الإسلامية التي حملت “نهج آل البيت شعارا لها” حسب ما قاله عبدالوهاب حسين آنذاك، وليس ذلك فحسب بل سمحت بأن يكون للجمعية مرجعية دينية على غرار ما قاله الشيخ علي سلمان: “إذا قال علي سلمان أمرا وقال الشيخ عيسى قاسم أمرا فالأمر لقاسم”، بل أوجدت كيانات سياسية في الشارع السني وعلى رأسها الأصالة الإسلامية والمنبر الإسلامي لتلعب دورين، ممثل للطيف الآخر – الطائفة الأخرى – والدور الثاني يتمثل بلعب دور الحليف”.

تقول: “ولكن هذه تقديرات سياسية يمكن أن تتغير وتغيرت الآن”.

أستدرك: “هذا خطأ استراتيجي دفعنا ثمنه من عجلة التنمية في كثير من الأحيان، عشر سنوات من الانغلاق الطائفي، عشر سنوات من الانقسام الطائفي، عشر سنوات من محاولات يقودها التيار الديني لتغيير التركيبة الثقافية والتسامحية والتعددية لهذا البلد، جاء نتيجتها أن رسخ في ابنائنا الانتماء للطائفة والمذهب والمرجعية، وإذا ما جاء دور القانون ليأخذ مكانه قالوا “سامحونا عندنا تكليف شرعي”، سؤالي: في أي دولة في العالم يعتبر المجتمع الانصياع للقانون أو التمرد عليه مزاجا يحدده أفراد أو تقديرات تحددها الطائفة!!”.

تقول: “بصراحة أرى أن الدولة تحرج أحيانا وتضطر للتراجع عندما تطرح بعض الموضوعات مثل تصحيح وضع المجلس العلمائي أو حتى سن بعض القوانين أو إصدار بعض القرارات مثل منع مكبرات الصوت، قانون أحكام الأسرة وغيرها، هناك من هو قادر على إخراج مئات الآلاف تمردا”.
أجيب: “الدولة هي من سمح بتأسيس كيانات دينية تتدخل في السياسية عرفا، وإذا علمنا ان الأعراف تتحول مع مرور الوقت لحق مكتسب، ندرك المعضلة، فالاختراق الديني لقانون الجمعيات السياسية ألقى بظلاله على الحراك الاجتماعي والثقافي، وما صدور بعض ردود الأفعال التي لم تكن لتنسجم مع من يتطلع إلى التأسيس لدولة تنافس نظيراتها على الصعيد الاقتصادي والانفتاح الثقافي والاجتماعي والحضاري، إلا نتيجة لهذا الاختراق”.

تقول: “ولكن ألا ترين أن علماء الدين يمثلون صمام أمان لكثير من القضايا”.

أقول: “لو أسسنا لحراك سياسي مدني لاختلفت صمامات الأمان كما ستختلف عناصر التأزيم، لما استغلت دور العبادة في التحشيد والتجييش والتسقيط والتشهير، ولما استغلت عواطف الناس وضمائرهم وفطرتهم في تحقيق مكاسب سياسية، ثم إننا لم نطلب من علماء الدين الانعزال عن المجتمع بل على العكس يقع على عاتقهم مسؤولية لا تقل أهمية عن بقية عناصر المجتمع في حدود ما يحتمه دورهم كعلماء دين، ولكن دون أن يتحولوا إلى سلطة مقدسة فوق القانون”.

تقول: “ما المطلوب من الدولة الآن!”

أقول: “لا أعرف، ربما عليها التخلي عن مخاوفها في إدارتها لبعض مفاصل المجتمع بما فيها السياسية بأن تمنح المزيد من حرية العمل السياسي ولكن شريطة تعديل أوضاع الجمعيات السياسية الدينية وتحويلها إلى مؤسسات مدنية وليست ذارعا للتربية الإسلامية أو الإصلاح أو للمجلس العلمائي أو غيره، بالتالي إعادة بلورة العمل السياسي جله على هذا الأساس، ولكن هل هي قادرة على اتخاذ هذه الخطوة!! وهل الوقت مناسب؟ لا اعرف”.

تقول: “أشك أن المعضلة ستحل بحل هذه الإشكالية فقط”،

أقول: “بالتأكيد لا، هناك العديد من العوامل الأخرى أكثر أهمية من السياسية”.
 
للحديث بقية..

صحيفة البلاد -  البحرين

اقرأ المزيد

اقرأ المزيد

مقاربةُ الغربِ للشرق

في العصر الماضي كانت مقاربةُ الغربِ للشرق هي التظاهرُ بالتدين والإسلام مثلما بدأت الحملةُ الفرنسيةُ حين لبس نابليون عمامةَ الأزهر وكتبَ بياناً عربياً بليغاً يعلنُ فيه إسلامَهُ وإنه جاءَ لتأديب الأتراك العثمانيين المحتلين!
رغم مُثُل الثورةِ الفرنسية وادعائها إنشاء علاقات جديدة بين الشعوب فإن الرأسماليةَ الوليد اعتمدتْ سياسات الغزو والبحث عن المواد الأولية لمصانعها أكثر من اهتمامِها بالقيم.
كانت الرأسمالياتُ الغربيةُ وقتذاك في حالةِ نهمٍ شديدةٍ للمواد الاقتصادية الرخيصة وحتى للحمِ الشعوبِ السوداء الطازج الصالح للأفران والمزارع الكبيرة.
انتشرتْ مقاربةٌ غربيةٌ واسعة سائدة نحو الإسلام والأديان الشرقية عموماً هي البحثُ في تواريخها بأساليب تحليليةٍ جزئيةٍ مفتوحة للتأثير المتعدد الأشكال، ورغم غائيتها التأثيرية التوسعية، كانت مفيدةً ومهمة نظراً للجهود الجبارة التي بذلها الباحثون والمستشرقون لقراءات الوثائق والكتب القديمة وعرضها بشكل جماهيري، رغم الأخطاء والمقاصد الخاصة، وهو أمرٌ طبيعي لمثقفين يشتغلون في توجهات دول وتحت صرفها وتصرفها.
كانت المقاربةُ الاجتماعية السياسية الناشئة في ذلك الحين والشرقُ بيد الغرب هي القيام بالتحكم السياسي العسكري الفظيع مع بعض التحولات المفيدة الليبرالية الجزئية، وهي لا تصل إلى تكوين التماثل بين النظامين الغربي الديمقراطي لأهله والنظام الشرقي الاستبدادي نحو شعوبه.
فالنظام الغربي تهيمنُ فيه القوى التي تستثمرُ وتستولي على المواد الأولية وتريدُ سلاماً وأمناً في العالم المُستَعمر، والإصلاحاتُ التي تجرى هي لإنشاء هذا التبادل وهذه التغذية للمصانع والبنوك الغربية، ومن هنا كانت الإصلاحاتُ جزئيةً والليبراليةُ والعلمانيةُ محدودتين فيما يضمن السيطرة ولا يغذي التمرد.
وهذه العلاقةُ الاحتلاليةُ الإصلاحيةُ الجزئية شكلتْ ثقافةَ التحرر الوطني و(الاشتراكية) غير المؤمنتين بالديمقراطية والعلمانية في مساريهما الغربي، وكوّنت قوى الاستبدادِ الشرقية والجمود الفكري القاري الذي سيعتبرُ طريقَ الغرب الديمقراطي نقيضهُ وعدوه، وهي مرحلةٌ تمهيديةٌ ضروريةٌ لتحولِها التالي نحو الغرب، فهكذا التاريخُ يسيرُ عبر التضاد.
وحين تفككتْ علاقاتُ التبعية المباشرة، وارتفع الاقتصادُ الأمريكي الأكثر تطوراً واتساعاً، وغدت الأسواقُ حجرَ الزاوية في تطور الرأسمالية الغربية رغم الاستحواذ على المواد الأولية الثمينة كالنفط والغاز والذهب، تبدلتْ المقاربةُ الغربيةُ للشرق، فضختْ المزيدَ من دعواتِ الحرية وهُوجم الاستبداد، وعمل الغرب على تحطيم الرأسماليات الحكومة الأشد انغلاقاً وقوة خاصةً الاتحاد السوفيتي حيث لا تُشملا رائحةَ الملكية الخاصة، والبشريةُ هنا في إيجادها للنظامِ الرأسمالي الكوني المتداخل المشترك تتصارع، تبني بعضَها بعضاً بالهدم والإضافة والتجاوز، وقوةُ الإنتاجِ وتطورُ تقنياته هما المضمونُ الحاسمُ المستمر، المدمرُ لعلاقاتِ الإنتاج المتخلفة، أي لهذه الأشكال التاريخية المحدودة التي تُستبدلُ بأخرى.
فهنا الغربُ بحاجةٍ إلى الأسواق، وإلى كسرِ الحمايات الوطنية للدول الشرقية، لتقزيمِ إن لم يكن تحطيم القطاعات العامة، لكن القطاعات العامة هي أساسُ النمو الاقتصادي في عالم كاسح من المنافسة الاقتصادية، ولهذا فإن دعوات الحرية الغربية مرتبطة بذلك، وتأتي حيثياتها على قدرِ الدولِ ومصالحها وأهدافها من الاختراقات والتأثير.
إن ظهورَ رأسمالياتٍ غربية كبرى متطورة ثم شرقية تلحقُ بها، تجعلها تستخدمُ معاييرَ سياسيةً وفكرية لتحجيمِ الرأسماليات الشرقية الصاعدة بقوةٍ مثل: مسائل حقوق الإنسان، ومعايير الفساد، وعمليات التقليد، وغياب الديمقراطية، وغياب الحريات الدينية الخ.
إنها انتقاداتٌ حقيقيةُ لكنها مؤدلجة مُسيَّسة في ظل الصراعات التنافسية، فهي تُوضع بحساب، وبأشكالٍ جزئية، وتستهدفُ أهدافاً اقتصادية، لا أن تظهرَ بشكلٍ سياسي موضوعي عام كلي نقدي. وتتحجمُ هذه الأشكال وتتضخم حسب المواقع ومدى وجود قوى الضغط، تحركُها دوافعُ فتحِ الأسواقِ وانتشارِ الرساميل والحصول على قواعد في مناطقِ الثروات، وبهذا فإن النموذجَ الغربي الديمقراطي العلماني الذي لم يُطبقْ في زمنِ الهيمنة وكان ممكناً، يغدو نموذجياً انتقائياً حسب المصالح للشركات وقوى النفوذ، وهذا ما يصيرُ نموذجياً للقوى الرأسمالية الحكومية الشرقية كذلك، المقاربةِ للديمقراطية، التي بدأتْ تستوعبُ هذا النموذجَ وتطبقهُ بانتقائيةٍ سياسية وتوظفهُ لنمو رأسماليتها الوطنية الخاصة أو لقوى النفوذ فيها.
تنتقلُ إيجابياتُ الغربِ للشرق وتنتقلُ سلبياتُ الشرق للغرب، الحداثة والصناعة والديمقراطية تتغلغل في كيان الدول الشرقية فيما يمضي المهاجرون للغرب بدياناتهم ومشاكلهم وأمراضهم، ويصحو الشرق بجذوره العريقه وإمكانياته الهائلة، ويقفز سلم الحضارة الحديثة بخطوات سريعة.
مشكلات الفساد والتلوث وهروب الأموال والأرباح تنتشر شرقاً وغرباً، وعولمة الأمراض والمخدرات والاستغلال تعم، وتتصاعد كذلك قوى النضال ضد كل هذه المشكلات غرباً وشرقاً، وإنسانية جديدة تتشكل تأخذ زمناً مديداً لتظهر كيانها المختلف.

صحيفة اخبار الخليج
6 ديسمبر 2010

اقرأ المزيد

الغبار وقد انجلى

نتائج الانتخابات النيابية والبلدية، وقد انجلى غبار المعركة الانتخابية حامية الوطيس التي عشناها طوال أسابيع، بحاجة إلى تقييم مطول، لعل أكثر المعنيين به هو التيار الديمقراطي الذي أخفق هذه المرة أيضاً، كما في المرة السابقة في الحصول على مقعد نيابي أو حتى بلدي.
وعلينا الاستدراك هنا بالقول إن هذا التيار لم يكن يعلق آمالا كبيرة على نجاحات باهرة، وإنما كان يطمح في أن يحدث بعض الاختراقات المحدودة في عدد من الدوائر، معولا على تراثه النضالي وبرامجه الانتخابية القوية، وفي حالة جمعية «وعد» يمكن أن نضيف التعويل على الدعم المتوقع من جمعية الوفاق، ولكن فقط في الدوائر التي عدتها دوائر غير وفاقية، أي ذات أغلبية شيعية حاسمة.
على التيار الديمقراطي أن يقيم أدءه هو كتيار، وأن يحسب قوته منفردا ليراها كما هي فعلا في الواقع ودون رتوش أو زوائد، وإذا كانت أطراف التيار الديمقراطي قد تعرضت للتعريض والتشهير والتشويه من قبل قوى الإسلام السياسي السني في الدوائر التي تنافسوا معه فيها، فان تشويهاً وتعريضا مشابها تعرض له مرشحو هذا التيار في الدوائر التي نافسوا فيها الوفاق، وبعبارات تكاد تكون متشابهة، وعلى التيار الديمقراطي أن يواجه نفسه بدلالات ذلك، فالمسألة في جوهرها واحدة، حتى وان اختلفت التفاصيل.
رب ضارة نافعة، كما تذهب إلى ذلك الحكمة العربية البليغة، فلعل أطراف التيار الديمقراطي ترى في الإخفاق الذي انتهت إليه في الانتخابات النيابية والبلدية على حد سواء، فرصة لوقفة طويلة وعميقة وجادة لمراجعة أدائها السياسي والفكري خلال الفترة الماضية، حيث ستستمر أربع سنوات أخرى خارج المشهد البرلماني والنيابي، وتأثيرها عليه سيكون من خارجه، عبر المؤسسات والأدوات الجماهيرية الأخرى التي يملك التيار الديمقراطي نفوذا أو تأثيرا فيها، هذا طبعاً في حال أحسن هذا التيار ممارسة هذا التأثير.
لكن على ممثلي هذا التيار، وهم يقيمون أداءه، أن تكون أبصارهم موجهة نحو المستقبل، ذلك أن هذا التيار، رغم تراجعه المؤلم اليوم، يظل تيارا منغرسا في تربة البحرين وفي وجدان شعبها، وهو ليس تياراً طارئا أو مستجدا على العمل السياسي، وبوسعه، إن قيم بجرأة ووضوح تجاربه السابقة، بما يقتضيه ذلك من ممارسة شجاعة للنقد الذاتي، مهما كان مؤلماً، أن يعد العدة لتحسين فرصه في المستقبل، وأن ينهض بما هو منتظر منه من مهام.
ونحن ندرك أن هذه المهمة ليست بالتبسيط الذي قد تبدو فيه من الظاهر، ولكن تعقيدها أو صعوبتها يجب ألا يحملنا على أن نجفل منها، وأن نواجهها بما تستحقه من اهتمام وعناية.
 
صحيفة الايام
6 ديسمبر 2010

اقرأ المزيد

بطل ويكيليكس

العديد من التداعيات العربية على انفجار (ويكيليكس) الملعوماتي تأخذه إلى عوالمها الخاصة، عوالم الدول المتخلفة وثقافتها، حيث كل شيء مؤامرة، وأمر موجه لزعزعة عوالمها، فالثقافة البيروقراطية العربية تتشكك في أي شيء يصدر عن غير عوالم الدواوين المُعتمدة، وأن يكون عن مصدر عالي المقام، وإلا كان مؤامراة إسرائيلية أو أمريكية.
لكن لابد أن نضعَ بطلَ(ويكيليكس) في تاريخهِ الغربي الخاص، تاريخِ المغامراتِ والبحث في المجهول وكشف الخفاء والظلام، منذ أن بدأ ماجلان الدوران حول كوكب الأرض، واكتشف كولمبس أمريكا، وأطاح غاليلو التراتبية الكونية ومركزية الأرض، والعالم الحديث يتكون من أبطال العلوم والثقافة والاقتصاد يصنعون القفزات في التاريخ.
بطبيعة حال الثقافة المتخلفة يغدو (البطل) شاذاً، عديم الأخلاق، ناكراً للجميل، مسبباً للإزعاج والفوضى، والعالم المتخلف وعالم الغرب اليميني التآمري يحبّ الاستقرارَ والبقاءَ كما هو وأن تبقى الكواكب في أمكنتِها المعتمدة في اللوحِ المحفوظ، وأن يبقى الساسةُ يتآمرون ما شاء لهم التآمر، وأن تبقى الشعوبُ خارجَ مطبخ السياسة بقشورِ موزهِ الصفراء وآثار الأحذية المريبة الصانعةِ للطبخاتِ المسمومة.
لكن منذ أن تدفق عالمُ الحداثة وأخذتْ الشعوبُ مصائرَها وتوسعتْ عيونُها داخل الأروقة وجاءتْ الصحافةُ والأجهزةُ الإعلامية الكونية وثورة المعلومات حتى بقي الشأن السياسي الشللي مستحيلاً، وتبدلت غرفُ التنصت على الثوريين وصارت من نصيب الحكام والنخب التي تتكلم همساً في اليخوت وطائرات الشبح.
الرجل الاسترالي عملَ لكسر جدران النخب الارستقراطية وجعل أعمالها بين يدي الجمهور باتساع الأرض، والرؤساء ووزراء الخارجية والدفاع الذين يظهرون كأنهم بأيديهم مقادير الحياة والموت، وعمل على الدخول إلى الوثائق التي يصدرونها عبر همساتهم وتقاريرهم، فلم يعد ثمة فرق في التوقيت بين التآمر وإذاعته، وما يكاد حبرُ الطبخة المسمومة أو الشهية يجفّ حتى يكون متداولاً في ورش الأحزاب والدول.
ولهذا لابد لرجلٍ ناضلَ في ميدانٍ غيرِ مسبوق أن يتعرضَ لمحاكماتٍ عديدة على اختراقاتهِ للأجهزة، فهل سوف يحضرُ هذه الوثائق من دون أن يُسفك دمهُ عند الأسلاك الشائكة التي يزحف بينها؟ أم أنه يظل كالشخصية العربية البيروقراطية ينتظرُ الهواتفَ الغيبية والبرق اليماني؟ وهل ستتركهُ هذه الأجهزةُ العالمية المقتدرة يعمي عيون النواطير الواقفين على قلاع معلوماتها التي تصرفُ عليها الكثير من قوتِ الناس ودمهم، ثم ينشرُ اجتماعاتها وقراراتها وفضائحها على الملأ من دون عقاب؟
هنا هي الخبرة النضالية المعلوماتية والديمقراطية الثقافية، ومسار التضحيات التي قام بها كولمبس وغاليلو في إشاعة المعرفة وتكسير الجدران بين القارات، وأنسنة الكرة الأرضية، في حين ان البيروقراطي العربي المثقف والصحفي ورجل الفضاء المحنط ينتظرون أوامرَ رؤسائهم والقرارات موقعاً عليها من قبل تدرجاتهم الوظيفية الطويلة حتى يفتح كل منهم فمه ويبدأ البرنامج ويطرح الأسئلة المعلبة.
لهذا فإن مثل هذه الانفجارات المعرفية التي يقوم بها شخصٌ مثل جوليان اسانج تُقابل في العالم الثالث بالدهشة الممزوجة بالشكوك المتعالية، فهو لا شك أن يكون متآمراً، موجهاً من قبل قوة ما متنفذة، لأن الفرد ذا الشخصية الفاعلة لا وجود له.
أما إنه إنسانٌ عادي له إرادةٌ وعملَ في سبيل هدفه، وله (أخطاؤه) الجنسية والبشرية حسب الادعاءات المبثوثة ضده، واستطاعَ أن يحققَ شيئاً فريداً في عالم اليوم فهو الأمرُ الذي لا يُستوعب، بينما هو الأمرُ (البسيط) الذي تقومُ عليه حضارةُ الغرب التي يسبحُ في أجهزتِها واكتشافاتها البيروقراطي العربي ويذمها.
ولم تتكون هذه الحضارة إلا من خلال هذه المغامرات والاختراقات للكتب الصفراء والغرفِ المغلقةِ وعالم الاسرار السلطاني، وكسر احتكار الثقافة النخبوية وسياسة الأسرار المبثوثة في الكهوف المعتمة والمؤامرات وسياسات الشلل ذوات المصالح الضيقة، وتغييب الأخلاقَ والوضوح والصراحة.
فلابد أن يحدث صراخٌ من هذه الضربة، والعالم يمشي في هذا الطريق، ويعري كلَّ شيء، ولا مجال أكثر وأكثر للتآمر وسياسات الأقنعة والوجوه الألف.
إن موقع عربة الأسرار المتجولة بين ذوي النفوذ والعظمة يوزعُ مجردَ أوراق، فلماذا الخوف؟

صحيفة اخبار الخليج
5 ديسمبر 2010

اقرأ المزيد

ثلاثة أعداء للفلسفة

احتفلت اليونسكو في شهر نوفمبر باليوم العالمي للفلسفة، حيث لاحتفال هذه السنة طعم المرارة والحزن على مستوى حقل الفلسفة ورجالاتها العرب، إذ غيّب الموت في هذا العام ثلاثة عمالقة عرب أضافوا للفلسفة الإسلامية والعربية مجالا خصبا للاشتغال بها دون خوف أو تردد، بل وواجهوا العقل العربي والإسلامي المتزمت دون توجس، رغم كل أشكال العسف والفتاوى والملاحقة والترهيب، إلا أنهم لم يستسلموا للفكر الظلامي، الذي حاول تقييدهم وسجنهم في بوتقة الخوف والتردد والنكوص، لقد كان الجابري «المغربي» وحامد أبو زيد «المصري» ومحمد أركون «الجزائري» سفر عربي طويل في الفلسفة وثرائها وغناها المستمر، فقد رفدوا لنا مكتبتنا العربية بزاخر نتاجهم وقوة وعمق بحوثهم وأسئلتهم الاستفزازية نحو الحياة والكون والفكر والمجتمع.
غادرونا ونحن نشعر بمدى فداحة الخسارة لمن تابعوا أعمال هؤلاء مثل غيرهم من العرب، الذين أعطوا الفلسفة العربية والإسلامية الجديد من الدراسات والبحوث، محاولين تخطي كل أشكال الجمود الفكري والقهر العقلي والروحي للإنسان.
فمن يا ترى فعلا ظل ومازال العدو اللدود والدائم للفلسفة ورجالاتها وأسئلتها التي تشبه أحيانا قوة الزلزال حينما تعترض أسئلة البداهة والمسلمات؟ فيبرز حسب وجهة نظرنا ثلاثة أعداء، ظلوا خصوما الداء للفلسفة لكونها تهز عروشهم وهيمنتهم وتحرك المياه الراكدة في بيئتهم ومحيطهم الساكن بالخنوع الفكري والفلسفي، فهناك خطوط رسمها هؤلاء الثلاثة كالتابو، أولهم المؤسسة الدينية المتمثلة في رجال الدين والكهنوت وثانيهم السلطة السياسية والمتمثلة أحيانا في نظام الحكم وسلطة المال، بشكل مختلف ومؤتلف أحيانا راح العدو الثالث المتمثل في رداء الجهل والجهالة، إذ اعترض العدو الثالث بسبب وعيه وعقله وقلة حيلته، تجسدت في معشر الجموع الواسعة من العامة على وجه الخصوص فيما ظل جزء من الخاصة يراوحون في رفض الفلسفة كمجال مثير ومربك للعقل، فقد لاحظ الجاحظ في مسألة سكون نفس الجاهل «أن صدر الجاهل قلما يضيق بجهله ليطلب إزالته بالعلم فهو يجهل أنه يجهل أصلا» وإذا ما كان هناك اعتراض بين سكون نفس الجاهل والعالم، وعلاقتها بمعيار اليقين، كمنت في محور أسئلة الإغريق القدماء في مقولة «اتاراكسيا الشكاك» فإنها بالضرورة لا تفسح مجالا لأسئلة العقل عند العدو الأول للفلسفة كسلطة تمنع وتحجر بعض الأسئلة بالمطلق، مما يجعل من مساحة وحدود العقل مقيدة، فكان مصير رجال العلم والفلسفة محاكمات تاريخية بشعة كالحرق والخازوق كما حدث للعالم الفلكي والرياضي الايطالي غاليليو ومن قبله دفع ثمنا باهظا كوبرنيك، وتوماس كامبانيللا «سجن» والأب جوردانو برونو «حرق حيا» فقد كانت الأسئلة وتجاربها تمس تعاليم الكتب المقدسة، التي منعت محاكم التفتيش، الاقتراب منها بأي نوع من الأسئلة التي تمس اليقين.
مثل هذه البيئة عرفتها الشعوب العربية والإسلامية منذ وقت طويل حتى يومنا هذا، كحالة الخلاف بين الجبرية والقدرية والتي لم تخل من أبعاد سياسية، فقد روى القاضي عبد الجبار عن شيخه أبي علي الجبائي من قوله «إن أول من قال بالجبر وأظهره معاوية، وأنه اظهر أن ما يأتيه بقضاء الله ومن خلقه، ليجعله عذرا فيما يأتيه ويوهم أنه مصيب فيه، وأن الله جعله إماما وولاه الأمر، وفشي ذلك في ملوك بني أمية» في سياق ذلك التاريخ والظروف الاقتصادية والسياسية بإمكاننا معرفة دواعي وفهم معاوية لترويج الجبرية، هذه العلاقة الثنائية في المصالح بين سلطة رجال الدين والسلطة السياسية، «ستمنح معاوية مسألة تركيز السلطة نهائيا وجعلها في أمراء الأمويين، ولعقائدية الجبر التي تبرر الاستبداد والظلم الاجتماعي» كصوت القدرية رغم إن هذه الفرقة لم تتخل عن نقد الطبقة الحاكمة عند انحرافها عن جادة الدين. نستحضر رواية عن عطاء بن جسار القاص ومعبد الجهني إنهما اقبلا على الحسن البصري ذات يوم وسألاه عن أولئك الأمراء، الذين يسفكون دماء المؤمنين ويتذرعون بأن ذلك من قضاء الله وقدره فأجابهم: إن أعداء الله يكذبون’’ وكان على أشخاص مثل البصري أن يتكلم في القدر ولكن الخشية أرجعته ملتحفا بالتقية، فكانت التقية بذاتها فلسفة الخوف واحتماء من جبروت الموت ونكران الحقيقة، كما فعل بطرس مع المسيح خوفا من بطش الجنود الرومان.
فهل نبيح لأنفسنا حق سؤال مشروع وكوني حول متى بدأ الإنسان سؤاله الفلسفي الأول وعن ماذا كان في البداية؟ يكلفنا ذلك السؤال إبحار عميق في مسيرة الإنسان الطويلة وعلاقته بكل العلوم بما فيها الفلسفة، ذلك الأب الروحي الدائم للإنسان وصراعه ضد الأعداء الثلاثة منذ النشوء والتطور!
 
صحيفة الايام
5 ديسمبر 2010
اقرأ المزيد

قيادة الرأسمالية الحكومية

بعد تجارب طويلة مريرة ومكاسب نهضوية ومشكلات اجتماعية أثبتتْ أغلبيةُ الحكومات في آسيا وافريقيا هيمنة نمط الإنتاج الحكومي المسيطر على الأنظمة الاقتصادية الاجتماعية.
حاول الدينيون مناطحةَ هذا النمط لكنهم في البلدان المستقرة والقوية اقتصاديا فشلوا فشلاً ذريعاً وفي البلدان المفككة زادوها تفككاً وخراباً.
وهم لايزالون في خطاباتِهم الحماسيةِ الشديدة القوة، فيحصلون على مكاسب مادية وفيرة من هذه الحكومات إذا تماشوا معها أو يقبعون في الظلمات إذا عاندوها، ويظل طرح النموذج الديني الإيماني “الخرافي” من قبلهم كحل لا يقبل الجدل لديهم.
لا يتعظون من إنجازات ومآسي غيرهم، فأين الحزب الشيوعي السوفيتي أو الروسي؟ كيف توارى بين غمضةِ حكومةٍ وانتباهتها؟ لماذا لا يحصل على مقاعد في الانتخابات متناسبة مع تاريخه العريض؟
هل المسألة تعود للشيوعية أو الماركسية أم لهيمنةِ الحكومة الشرقية التي تهيمن على الخبز وصناعة الحديد؟
الحكوماتُ الآسيوية والافريقية خاصةً في العالم الثالث هي من يشكلُ الأفكارَ السياسية المسيطرة، ومن يؤثث البرلمانات ومقاعدها، ومن يسمح ولا يسمح بنمو الأحزاب.
هل الحزب الشيوعي الصيني سوف يستمر في السلطة أم سيظهر حزبٌ صيني حكومي يلائمُ التحولات الرأسمالية؟ هذا يعتمد على نمو الفئات الوسطى المهيمنة على الحكم والصناعة والتجارة وعلاقاتها الجيدة مع العمال.
ليس الأمر مؤامرة غربية بل هو التطور الطبيعي لدول الشرق.
إذًا ماذا نفعل؟ هل سنترك الرأسماليات تتحكم بنا؟ أم نقيم اشتراكية نضالية تزيل هذا “التعفن”؟
ولماذا لا نقيمُ نظاما إسلاميا تسودهُ الرحمة والمثل الأخلاقية العليا؟!
حتى الآن لا يريد بعض النخب المتصحرة عقليا والانتهازية سياسيا أن تفهمَ مسار الرأسماليات الحكومية السائدة في الشرق، وأن المذاهب والأديان صيغٌ فكريةٌ قديمة لها.
إن تاريخَ الحكومات الشرقية هو أغلب عمر الحضارة البشرية.
هل تتحول الرأسماليات الحكومية إلى قدر أبدي؟
الرأسمالية الحكومية الشرقية والرأسمالية الحرة الغربية مستويان لتطور قوى الإنتاج، ولا يمكن للرأسمالية الحكومية الشرقية أن تتطور سوى بمقاربة الرأسمالية الحرة، أي أن الحلقة القادمة للشرق الحكومي الاقتصادي – الاجتماعي هي في مقاربة الرأسمالية الغربية الديمقراطية. حلقةٌ رأسمالية حكومية تعقبها حلقةٌ رأسمالية تخفف وتلغي الهيمنة الحكومية، حين تتشكل طبقةٌ رأسماليةٌ خاصة.
هذه تحتاج إلى عقود عديدة.
لماذا لا نختصر الطريق الطويل هذا ونقفز للاشتراكية أو للرأسمالية الإسلامية أو الرأسمالية القومية؟
القومية والشيوعية والبعثية والدينية الإيرانية والسلفية هي كلها تعبيراتٌ عن رأسماليات حكومية ثم تُبث أفكارُها في دول أخرى وتقطعها عن مسارها، فهي تستبدلُ رأسماليةً حكومية بأخرى، ولا تجذر الأفكار الديمقراطية الحرة في بلدانها.
وهذا كله في العصر الراهن كلامٌ فارغ. لا يمكن حل تناقضات أي بلد بمفرده، وأن يقفز وحده إلى الجنة السماوية، نحن كلنا في نظام رأسمالي عالمي تكون قبل بضعة قرون، وهو ذروةٌ لتطور البشرية الاقتصادي الاجتماعي بعد آلاف من السنين وله سيرورته وقوانين تطوره.
الصراعُ في إيران هو صراعٌ بين جناحين للرأسمالية الحكومية: عسكري ومدني.
الصراعُ في روسيا هو أن تخففَ الرأسماليةُ الحكومية الهائلة من هيمنتها على القطاع الخاص.
الصراعُ في الصين هو نتاج قطاع عام يفرضُ هيمنته الكلية على المجتمع ويحدد الثيمات الاقتصادية في كل القطاعات.
التطور الممكن هو تطوير الرأسماليات الحكومية نحو الرأسماليات الحرة، نحو التعددية، ودور البرلمان كمشرع وأداة توازن وحوار بين القوتين الاقتصاديتين الكبريين العامة والخاصة.
الذين بدأوا بالصراع الإلغائي للدور الحكومي المركزي تعرضوا باستمرار للتحجيم والذوبان.
بطبيعة الحال تجب المسايرة والنقد، مساندة الدور الحكومي المركزي البنائي، ونقد التجاوزات، والسلبيات، ونشر ثقافة الحرية والتعددية، وهي العملية التي ستؤدي بعد فترة طويلة بلا شك إلى نشوء تلك الرأسمالية الحرة.
الذين ناطحوا الدورَ الرأسمالي البشري الكوني الذي هو ضرورة موضوعية تتعلق بمسائل تاريخ البشرية ونمو التشكيلات فيها، وتطورها من خلال موادها الحقيقية، وليس من قبيل أحلام الأحزاب والقادة، أين ذهبت أدوارُهم وأفكارهم؟
أغلب عمليات التجاهل للقوانين الموضوعية للتطور التاريخ هي من قبيل الانتهازية وتؤدي إلى كوارث كبيرة للشعوب والأحزاب اليسارية خاصة.
لابد من تثمين وتطوير وتغيير تاريخ هذه الرأسمالية، عبر تأثيث القواعد من قوى إنتاجية خاصة واسعة، ومن ثقافة ديمقراطية علمانية.
تصطدم سياساتُ الرأسماليةِ الشرقية بالغرب خاصة، لأن هناك مستوى آخر من الاقتصاد والسياسة والثقافة، والإنسانيةُ الراهنةُ مكونةٌ من هذا التناقض في تشكيلتها، نحو وحدةٍ سوف يحدثُ فيها تناقضٌ آخر، وترتفعُ لمستوى جديد من التطور والتباين، والقوى المالكة والعاملة ترتفع لتطور أعلى في كل المنظومة، وهكذا فلا استقرار سكونيا كليا، لأن الرأسمالية الكونية ذاتها قفزة ومشكلة ولابد من تجاوزها عبر زمنها الخاص.

صحيفة اخبار الخليج
4 ديسمبر 2010

اقرأ المزيد

السياسة بين الحلال والحرام

هذا العنوان لكتاب فكري تقدي للدكتور تركي الحمد محتوياته رؤى حداثية محقة في كل محطاتها وتفاصيلها التي تطرق اليها بأسلوب الباحث المجتهد المستنير يعتبر هذا الكتاب اضافة ايجابية فعالة على صعيد دور العقل لا النص في تحديد مسار المستقبل وشروط الحياة والقيم الحديثة والعصرية كالحرية والمساواة والديمقراطية في ظل الحياة المدنية وفي ظل ثقافة الانفتاح والتقدم الحضاري.
الاصدار غني بالموضوعات الحساسة التي تهم القارئ المعاصر اهمها دين ام ايديولوجيا، السياسة بين الحرام والحلال، واشكالية الدولة الاسلامية نظرات في خطاب متصدع.
اذا كانت السياسة هي فن الممكن فان هذا الفن الذي يؤكد عليه «الحمد» ينبغي ان ينظر له من زاوية الممارسة والتفصيلات التي تحتويها هذه الممارسة بمعنى اذا كان هناك هدف واضح محدد فيكفيه الوصول اليه يتم عبر هذه الممارسة التي تحتوى على العديد من البدائل والخيارات العملية التي يجب على صانع القرار التعامل معها واختيار البديل المناسب في الوقت المناسب والمكان المناسب وبطبيعة الحال في الممارسة السياسية ليس هناك بديل واحد او خيار واحد بل هناك خيارات عديدة يتحدد السليم منها من غير السليم وفقاً للظروف والملابسات المحيطة أي هي معادلة من البدائل والخيارات والظروف التي تحدد هذه النتيجة أو تلك.
اما الوسائل المتبعة لدى بعض الجماعات والاحزاب ذات الاتجاه الايديولوجي الإسلاموي فهي كما يقول انها تمارس السياسة لا من خلال كونها فنا للممكن ولكن من خلال إعطائها صبغة دينية مدعاة فهذه الممارسة او ذلك البديل حرام لا يجوز وهذه السياسة كفر لا يجوز اما السياسة الحلال فهي هذه او تلك من الاراء التي يرفعونها اجتهاداً او ممارسة عملية للسياسة ولا حلال غيرها ويقول ايضا هم يفعلون ذلك لاسباب هي بدورها سياسية بحتة ولا علاقة لها بذات الدين انها اسباب تتعلق بالبحث عن شرعية معينة يستند اليها، ومن اجل تعبئة جماهيرية واعلامية كفيلة بتحقيق الهدف الذي تسعى اليه هذه الجماعات الا وهو السلطة.
ما الفرق بين هذه الجماعات الاصولية وغيرها؟
الاجابة على هذا السؤال كما يرى الحمد ان هذه الجماعات لا تعترف بانها تمارس السياسة وتسعى الى السلطة ولكنها تغلف ذلك بستار او حجاب من المثل والقيم الرفيعة التي تقول انها تدعو اليها دون ان تكون السلطة جزءًا من الغاية والاهداف المبتغاة بعبارة آخرى.
ان هذه الجماعات تمارس فن الممكن ايضا من خلال تبنى الخيار الديني وهذا افضل خيار ممكن بالنسبة لهذه الجماعات في مثل هذه الظروف انه خيار عملي في المقام الاول قبل ان يكون خياراً مبدئياً كما تقول اللافتة الايديولوجية اذ انه وبا دخال مسألة الحلال والحرام في الممارسة السياسية فان هذه الجماعات تحاول ان تجعل من كافة البدائل السياسية نوعاً من «التابو» المحرم ولابديلها او خيارها فهو الحلال البين ومن هنا وعلى حد تعبير الحمد لا حق لها في جعل الدين العوبة سياسية او مجرد وسيلة من وسائل فن الممكن ولا حق لها من جانب آخر في ان تكون صاحبة الوصاية على الدين ومالكة مفاتيح الحلال والحرام والكفر والايمان في امور لا علاقة لها بذات الدين.
واستناداً الى ذلك يتساءل الحمد هل يعني حديثنا عن خطأ «المكفرة» و«المحرمة» اننا قطعنا الطريق على «المعارضة السياسية» حين حاولنا ان نبطل الاساس الشرعي الذي يستندون اليه من خلال الباس هذه المعارضة لباسا دينيا مقدسا لا يمكن نقده او الاقتراب منه؟ يقول و بكلام واضح و صريح بطبيعة الحال ليس هذا القصود ، ان القصد متصرف لا الى نقد المعارضة ولكن نقد اللباس الايديولوجي الديني الذي تحاول هذه المعارضة ان تكسو ذاتها به اما المعارضة بحد ذاتها او عدم الاتفاق مع هذه السياسة او تلك فهو حق مشروع لأي احد أي لك ان تعارض هذا النظام او ذاك اما غير الحق فهو ان تضفي على هذه المعارضة او ذاك الاتفاق صبغة دينية مقدسة بحيث تجعلها مجال حلال او حرام، كفر او ايمان فتكون بذلك قد جنيت على ذات الدين الذي لاعلاقة واضحة او صريحة له بكل ذلك.
الخلاصة الذي توصل اليها الحمد هي ان الخلل كل الخلل يكمن ليس في معارضة هذا النظام او ذاك وفقاً للمعيار او المرجع او المبدأ الذي وضعته فيصلا للصلاح والفساد وانما في ان تجعل هذا الفيصل ذا صبغة دينية قاطعة، ومن اجل مجتمع عقلاني لابد من عقلنة السياسة لان هذه العقلنة تعني التعايش والتفاعل ومن ثم التعدد الرافعة من شأن المجتمع حضاريا اما سياسات التحريم والتكفير لن تودي الا الى انهيار المجتمع.

صحيفة الايام
4 ديسمبر 2010

اقرأ المزيد

تناسل الأسئلة اليائسة

ما زلت اذكر وقائع ندوة علمية عقدت في المغرب كان عنوانها: «أسئلة المغرب المعاصر»، وهو عنوان جاذب لكل معني أو مهتم بقضايا التحول السياسي – الاجتماعي والثقافي في البلدان العربية جميعها.
والمغرب وان كان بعيدا عنا جغرافيا، فانه قريب إلينا في كونه مجتمعا عربيا متحولاً، شأنه في ذلك شأن أي بلد عربي آخر في المشرق أو المغرب. وتدعو للاهتمام المحاور التي ناقشتها الندوة المذكورة والمشاركون فيها، وهي محاور تلامس قضايا من نوع: «الهوية والمواطنة والديمقراطية والحداثة» ، وهي كما نرى أشبه بالمظلة الواسعة التي تطرح أكثر القضايا إشكالية وإلحاحا في واقعنا العربي على إطلاقه.
وفي مجتمع يتمتع بهامش معقول من حرية التعبير، كما هو حال المغرب اليوم، فان مناقشة تذهب بهذه المسائل نحو العمق يمكن أن تفضي إلى نتائج تستحق الدراسة والتمحيص، بل أن مناقشة مثل هذه يمكن أن تسفر عن توصيات ونتائج وخلاصات تمثل قدرا من التعميم على بلدان أخرى، أوعلى الأقل تتيح إمكانية الاسترشاد بها أو استيحاء أفكار منها، خاصة حين نقرأ أن الندوة طالبت الحكومة بالنظر في عمق إلى القضايا المطروحة وسن مشاريع قوانين إصلاحية بعيدة المدى وفق إستراتيجية واضحة وإرادة ممنهجة وذلك بغية الحد من تناسل الأسئلة اليائسة من قبيل: «ما جدوى الثقافة وما جدوى التعليم».
ومثل هذه الأسئلة اليائسة تخصنا جميعا، وتخصنا هنا في بلدان الخليج العربية بصورة عميقة، أخذا بعين الاعتبار إننا ما زلنا نعد مجتمعات فتية في انفتاحها على العصر وعلى العالم، وهي بالكاد تؤسس لتقاليد ثقافية وتربوية متينة وراسخة، فإذا بنا نداهم بطوفان الثقافة الاستهلاكية التي»تحتفل بالمظاهر وتفصل بين الوسيلة والهدف، وبين الذات وموضوعها، وتعيد إنتاج الأزمات وتعمقها، وتشجع ثقافة التهميش والاقصاء».
نود في هذا السياق أن نشير إلى بعض عناوين الأبحاث التي قدمت في الندوة المذكورة : «نحو ميثاق للإصلاح الثقافي»، «أبعاد ورهانات الإصلاح التربوي بالمغرب»، «الثقافة المغربية في أفق القرن الحادي والعشرين».
والأمر هنا ليس مقتصراً على العناوين التي غالباً ما تكون كبيرة وجذابة، فيما المعالجة سطحية وعجلى، إنما هو تحديدا في تلك الومضات الجريئة واللافتة واللماحة التي تضمنتها تلك الأوراق حكماً من العرض الموجز الذي أشرنا إليه في بداية الحديث.
مثل هذا النوع من المناقشات، في صورة مؤتمرات وطنية موسعة ومُعمقة، وفي صورة مناقشات في الصحافة ووسائل الإعلام، هو حاجة لمجتمعات الخليج عامة حين تنطرح أمامنا قضايا قد تكون أكثر دقة وحساسية في أشكال تجليها عندنا منها في البلدان العربية الأخرى.
إن جزءا كبيرا من هذه القضايا مغيب أو مسكوت عنه، وليس مطروحا حتى على شكل أسئلة. وطرح الأمور والظواهر للنقاش لا يعني بالضرورة إمكانية حلها الفوري، لأن قضايا من هذا النوع هي أكثر عمقا وتعقيدا وتشابكا من أن تحل بين عشية وضحاها، ولكن مجرد إثارة الأسئلة، وجعلها مدار بحث دائم، مما يفضي إلى تفريعات جديدة ومعالجات متنوعة، هو المدخل السليم لوعي المجتمع بمشاكله. والوعي بالمشكلة هو نصف حلها.
 
صحيفة الايام
4 ديسمبر 2010
اقرأ المزيد