المنشور

الدولة الدينية الطائفية لا مكان لها والقوى الدينية تحاول عرقلة التغيير الشبابي


إيران دولة جارة، وهي كذلك دولة مهمة ولها تاريخ حضاري معروف، وساهم كثيرون من علمائها في الحضارة الإسلامية التي نفتخر بها، واستفدنا، نحن في الكويت، كثيرا من علاقتنا التجارية النشطة معها في فترات سابقة، ويهمنا أن تكون علاقتنا بها جيدة.

ولا ننسى، كذلك، انه عندما نجحت الثورة الخمينية في إيران استبشرنا خيراً عندما قطعت علاقتها الحميمة مع العدو الصهيوني، وسلمت سفارته في طهران الى منظمة التحرير الفلسطينية، ونحن لم نؤيد صدام حسين في احتلاله الأراضي الإيرانية لأننا نعتقد أن الخلافات بين دول الجوار يجب ان تحل سلمياً لا بالقوة. وهذه عقيدة متجذرة لدينا لسبب بسيط جداً، هو أننا الدولة الأضعف في المنطقة، وتأييد استعمال القوة سيرتد علينا بصورة عكسية، عاجلا أو آجلا، ولهذا تحملنا، برحابة صدر، كل الانتقادات التي وجهت إلينا. وقد تأكدت صحة موقفنا بشكل واضح عندما وجدنا أن صدام حسين قد استعمل القوة لحل مشاكله، كما يدّعي، مع الكويت باحتلالها.
لهذا كله، كنا نتوقع من إيران موقفا عاقلا بالنسبة لما يجري في المنطقة العربية.

لم يكن مقبولاً أو معقولا اعتبار الثورة الشبابية في مصر حركة دينية كالثورة الإيرانية، لأنها، بكل بساطة، ليست كذلك. فشباب مصر مثلوا كل الأديان في رفضهم شتى أنواع الوصاية، وكل الأحزاب والأيديولوجيات الأثنية أو الدينية، وهم بطبيعة الحال ضد قيام دولة دينية في مصر..

وإيران، في المقابل، اتهمت الشباب الإيراني الذي بث صوراً عن حقيقة تعامل الأجهزة الأمنية الإيرانية مع احتجاجاتهم على مشاهد رأوها أثناء الانتخابات، بالخيانة والعمالة، مع ان ما قاموا به هو ما قام به نفسه شباب مصر وتونس. فالحكم في إيران ديني متشدد لا مكان فيه للرأي الآخر. والرأي الآخر ليس ممنوعاً فقط، بل يعدم من يتهم بذلك، حتى لو كان من المؤسسة الدينية نفسها.

لقد احتلت إيران المرتبة الأولى في عدد الأحكام بالإعدامات في العالم أجمع، ويحزننا أيضاً ان دولة مثل ايران، الغنية بمواردها الطبيعية، يضطر سكانها الى الهجرة نحو الدول المجاورة وتحمّل الغربة للحصول على لقمة العيش لعائلاتهم.

ان الدول الدينية في منطقتنا هي في المؤخرة بالنسبة للدول المتقدمة في العالم، لانها تخالف التطور المستمر في العالم الذي يهدف الى التسامح والاخوة الإنسانية وسعادة البشرية جمعاء من دون أي تمييز.

وهنا نأتي الى ما يجري في الشقيقة البحرين، فهناك حقائق يجب ان يعرفها الجميع، الشعب البحريني بأغلبيته ينتمي الى المذهب الشيعي، والذي أكدت الأمم المتحدة تمسكه بعروبته وإخلاصه لبلده البحرين، وقد رفض بأغلبية ساحقة ادعاءات الشاه بأنه جزء من إيران.

كذلك، فإن الحركة الإصلاحية البحرينية، منذ خمسينات القرن الماضي، لم تكن طائفية، فقد شاركت فيها قيادات سنية وشيعية، وهي كذلك الآن، حيث بدأت تطالب بإصلاحات مستحقة تحدث عنها الملك في بداية توليه الحكم، وكان لنا شرف حضور نقاش مطول معه وبمشاركة بعض القيادات البحرينية الشعبية. بالطبع، هذه الأمنيات لم تتحقق، والكل يعرف السبب، ولا نريد الدخول في التفاصيل، بل يكفي القول إن الحاكم المصلح أول ما يواجه به هو معارضة من العائلة الحاكمة، كما حصل للراحل عبدالله السالم الصباح عندما وقع على دستور 62.

فالعنف الحاصل بدأت به قوات الأمن الرسمية، ولم يكن مبرراً، إلا إن العنف، كعادته، يقابله عنف مضاد. وهنا تكمن المصيبة، التي تطغى فيها صيحات المتعصبين على فصاحة الإصلاحيين.
ولهذا، رأينا عنفا مضاداً تتصدره قوى دخيلة ترفع شعارات ومطالب هي بعيدة تماماً عن الواقع البحريني، وعما تريده الأغلبية الساحقة من الشعب البحريني التي تريد إصلاحاً حقيقياً لا انقلاباً.

وللأسف الشديد، فقد نجحت هذه القوى الدخيلة، ذات الأجندات الخاصة، في تحويل التحركات الإصلاحية الى صراع طائفي بغيض أخذ يلف المنطقة كلها، وأتاح للتطرف المضاد الفرصة لتمزيق المجتمع، ليس في البحرين فقط، بل وفي المنطقة كلها، ليفرض نظريته الخاصة بالدولة الدينية على الجميع. وهذا ما نعيشه الآن.
لماذا؟ لأن الحركة الشبابية العربية، الممتدة من المحيط الى الخليج، قد اثبتت أنها، بما تمثل وتطرح من أفكار، تعبر عن مطالب الأغلبية الساحقة من الشعب العربي، وهذا الأمر يشكل خطراً على كل ما هو موجود، بما فيه الحركات الدينية التي أحست بالخطر وأخذت على عاتقها تدمير هذه الحركة الشبابية الطاهرة بإثارة الفتنة الطائفية، مثلها مثل باقي القوى المتضررة. ولعلنا الآن نستشف مبرر التحالف بين العسكر والاخوان المسلمين في مصر.

نحن نستطيع ان نفشل هذا المخطط بفضحه، بدل الانخراط فيه من دون وعي والإسهام في إنجاحه، وهذه هي مهمة العقلاء الذين يدركون خطورة ما يجري.
فالنار لا نسكب عليها زيتاً بل نحاول إطفاءها.
 

الطليعة الكويتية 23 مارس 2011

اقرأ المزيد

جرح البحرين كبـير جـداً


في يوم الاثنين (14 فبراير/ شباط 2011)، أصبح «دوار اللؤلؤة» محوراً للأحداث المتتالية. وحاولت الدولة منع المحتجين من الوصول إليه، ولكنهم انتصروا في 15 فبراير، ودخلوه معتصمين ومخيمين، لتعود القوات وتقتحم الدوار في 17 فبراير (يوم الخميس الدامي) وليقوم ولي العهد بعد ذلك بأمر الجيش بالانسحاب، وذلك بعد أن اكتسب المحتجون تعاطفاً دولياً بسبب اعتدال المطالب ومشروعيتها وسلمية الأساليب.
 
ولكن حدث تطور مفاجئ، إذ قامت جهات نافذة بتحشيد الطائفة السنية ضد الطائفة الشيعية… واستشعر بعض المتحركين في الساحة العامة أن عليهم توحيد صفوفهم (وهذا من حقهم) وتم تأسيس “تجمّع” في مركز الفاتح في مقابل المحتجين المعتصمين في الدوار.
 
مقاربة الحوار لمبادرة ولي العهد طرحت فكرة لقاء يشمل «تجمّع الفاتح» مع المعارضة التي تتصدرها جمعية الوفاق، وأن يطرح كل طرف ما لديه، وبعد ذلك يمكن الوصول إلى «ما يرضي الطرفين». غير أن هذا الطرح رفض من قبل رموز المعارضة، على اعتبار أنهم ليست لديهم مشكلة مع من يود التجمع في أي مكان، وأن المشكلة أساساً مع من لديه مطالب من جانب، ومع من يمثل الحكم من جانب آخر. وإلى هذا الحد كانت المعارضة متماسكة، ونسقت سبع جمعيات سياسية فيما بينها للمطالبة بإصلاحات جذرية تحت سقف الملكية الدستورية.
 
في هذه الأثناء، ازدادت النشاطات في دوار اللؤلؤة، وأطلق سراح المعتقلين في عدة قضايا، ومن ثم نشطت حركة شباب 14 فبراير التي تطورت بصورة سريعة، وبدا أن الجمعيات السبع ليست هي اللاعب الوحيد في ساحة المعارضة… وتحركت أجندة المطالب، وتوسعت حركة الاحتجاجات لتشمل خروج مسيرات يومية، ومن ثم الانتقال للتخييم أمام مرفأ البحرين المالي، وبعد ذلك تعطيل الشارع العام.
 
في هذه الأثناء أيضاً، تم تنفيذ خطة جر الساحة إلى الطائفية عبر تحشيد شباب بعض المناطق، وتشجيعهم على إقامة نقاط تفتيش، وحمل ملثمين السلاح الأبيض، والاعتداء على الناس والمحلات بهدف إشعال فتيل الطائفية بشكل وصل إلى قناعة الشيخ يوسف القرضاوي بأن هذه الانتفاضة طائفية وليست وطنية. وانعكس هذا على مجمل التحركات الإقليمية مع دخول الفضائيات التي أثارت الجانبين، وأصبح هناك الكثير من الهرج والمرج والاتهامات.
 
أجندة المعارضة السلمية والمشروعة والتي اجتذبت تعاطف الرأي العام العالمي لم تستطع منع توريطها في مشاحنات وفتنة طائفية لا علاقة لها بها من الأساس. ولكن السياسة تبقى هي السياسة، وهناك من شعر (من هذا الطرف وذاك) بأنه سيخسر فيما لو تناغمت البيئة المتحركة مع التعاطف الدولي ومع الاستجابة الرسمية (حتى لو لم تكن كاملة كما سعى إلى ذلك المحتجون).
 
في 12 مارس/ آذار 2011 استقبل كلٌ من جلالة الملك وسمو ولي العهد وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس الذي أكد ما قالته القيادة الاميركية بشأن ضرورة التوصل الى اتفاق مع المعارضة عبر خطوات ذات معنى وأكبر مما كان مطروحاً حينها. وفي 13 مارس طرح ولي العهد 7 مبادئ للحوار، ولكن قبيل ذلك حدثت نكبة أمنية – سياسية بعد أن حاولت قوات الأمن تفريق المحتجين أمام مرفأ البحرين المالي… وفي مساء 13 مارس، بدأت مجموعات مسلحة تجوب المناطق السكنية المحسوبة على المعارضة وتطلق النار الحي، وبعد ذلك يخرج الأهالي وتحدث صدامات، وكانت ليلة تمهيدية لإعلان دخول «طلائع قوات درع الجزيرة المشتركة» إلى البحرين في 14مارس، ومن ثم إعلان حالة الطوارئ في 15 مارس، ومن ثم اقتحام دوار اللؤلؤة في 16 مارس وفرض حصار أمني على مستشفى السلمانية، واعتقال أمين عام إحدى الجمعيات السبع إبراهيم شريف، بالإضافة إلى رموز «حق» و «وفاء» وطبيبين من أفضل جراحي البحرين. وفي يوم الجمعة 18 مارس 2011، دمرت السلطات «دوار اللؤلؤة» في محاولة لمحو ذكرى ما حدث، ولكن محو الذاكرة ليس ممكناً سواء بقي الدوار أم دُمِّر.
 
وهكذا نصل اليوم إلى «بحرين الأشباح» المحاصرة بنقاط التفتيش العسكرية، والمملوءة بالأوساخ بسبب عدم توافر الخدمات البلدية، وبسقوط نحو 20 قتيلاً من المواطنين والمقيمين ورجال الأمن، ونحو ألفين من الجرحى والمصابين، واحتشاد وتحشيد طائفي.
 
جرح البحرين كبير جداً… ولم تعد المشكلة تتعلق بهذا أو ذاك، وإنما تتعلق بالناس الذين يتعذبون، وبالوطن الذي يتمزق، وبالتناحر على نتائج يُعتبر الرابح فيها خاسراً مهما علت قوته المادية. لقد تحولت البحرين من«لؤلؤة الخليج العربي» إلى جزيرة أشباح، وأصبحنا جميعاً مسئولين عن إعادتها إلى مجدها، عبر تماسك مجتمعها، ورفع شأن أهلها من دون إذلال، وتحقيق المطالب التي تلبي طموحنا نحو تحقيق حياة حرة كريمة تتناسب مع القرن الحادي والعشرين.
 
 
صحيفة الوسط – الأحد 20 مارس 2011م
 

اقرأ المزيد

الثورة الحضارية والإنسانية


باستثناء حوادث الأيام الأولى التي راح ضحيتها حوالي 300 قتيل وبضع مئات من الجرحى، نتيجة لمحاولات الأجهزة الأمنية والحزب الوطني الحاكم إحباط الحركة الاحتجاجية الشعبية، ووأدها في مهدها قبل أن تتمدد إلى بقية المناطق والأقاليم وتتحول إلى حالة شعبية ثورية مستعصية على كافة الحلول الأمنية التي احترفتها الدولة البوليسية، دون سواها من الحلول، في تعاطيها الدائم مع الإفرازات الاجتماعية المختلفة لحالات الاختناق الطافح بالفساد والتخلف الإداري الكلي المريع – باستثناء تلك الحوادث المحزنة وأشهرها غزوة الجمل لميدان التحرير، فإن الثورة الشعبية المصرية قد دخلت التاريخ العالمي كإحدى أعظم الثورات التي شهدها العالم في العصر الحديث، وأكثرها رقياً وحضارةً .
 
إلى ما قبل الحركة الشعبية التي أطلق شرارتها الأولى الشباب المصري الجديد المتعلم، كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما يعتمد المقاربة التدرجية في دعم التحولات الديمقراطية في المنطقة العربية، وذلك تأثراً بالحصاد المر الذي لقيته سياسة الرئيس السابق جورج بوش في نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط والتي اعتمدت أسلوب العلاج بالصدمة، ومن نتائجها التي صدمت واشنطن فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية التي أجريت في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 2006 .
 
ولكن، وعلى حد تعبير مارتن أنديك السياسي الأمريكي المعروف والخبير بالشرق الأوسط، ونائب رئيس ومدير برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكنجز، فإن ثورة شباب مصر السلمية قد أدت إلى إحداث تغيير جذري في مقاربة الرئيس أوباما بوضعه الولايات المتحدة على الجانب الصحيح من التاريخ، فإنه لا عودة بعد هذا إلى الوراء (مارتن أنديك، صحيفة “فاينانشال تايمز”، 14 فبراير/ شباط 2011) . ولاشك أن كثيرين من كبار الكتاب والمحللين في جميع أنحاء العالم قد كتبوا بإعجاب منقطع النظير عن الثورة المصرية وعن سلميتها، وأطنبوا في مديحها والإشادة بقيمها التآلفية والتسامحية والتكافلية التي تجسدت على أرض الواقع، وشهد العالم بأسره تجلياتها الملموسة بالصورة قبل الصوت، متمثلة في العلاقات الإنسانية الغاية في الرقي التي نسجتها أجواء الثورة بين أبناء الوطن الواحد، من دون النظر إلى معتنقهم الديني أو جنسهم أو شكل هندامهم .
 
ولعل هذا بالضبط ما اضطر حتى أولئك الذين ناصبوا الثورة العداء في بدايتها وسخروا من شبابها، ونعتوهم بشتى النعوت الجارحة والخادشة للحياء أحياناً، ما اضطرهم فيما بعد للاعتذار عن سقطاتهم بأشكال اعتذارية مختلفة، ومعبرة عن قوة ومتانة المحتوى الإنساني العميق الذي يجسده الضمير الإنساني الحي الذي يجمع بني البشر على اختلاف أجناسهم وأديانهم ومشاربهم .
 
وعلى ذلك فإن جميع المنادين بإعلاء صروح الحرية والكرامة والعدالة والإخاء الإنساني في العالم أجمع، الذين افتتنوا بعظمة الثورة الشعبية المصرية وبمحتواها الإنساني الرفيع، سوف يصرون بإخلاص شديد على أن يستمر هذا الطابع الحضاري والإنساني الناصع لهذه الثورة الشبابية والشعبية المصرية، وأن لا يخدش طابعها الإنساني الجميل أي خدش لا إنساني ولا تسامحي يمكن أن يخدش ويشوه صورتها .
 
نقول هذا الكلام لمناسبة قيام بعض جماعات شباب الثورة المصرية بإصدار ما أسمته بقائمة العار، والتي أدرجت فيها أسماء وصور عدد من الفنانين من مطربين وممثلين ومخرجين، مبررةً ذلك بأن هؤلاء اتخذوا مواقف مناوئة لثورتهم، ومهاجمة شبابها وتخوينهم، وإلصاق أبشع النعوت والأوصاف بهم .
 
نعم قد يكون بعض هؤلاء الفنانين اتخذ مواقف سلبية، متفاوتة الحدة، من الثورة المصرية ومن الشباب الذين أطلقوا شرارتها الأولى وصعدوا بها إلى الذروة، وذلك في خضم عملية الاصطفاف المصلحي واسعة النطاق (باتساع نطاق الثورة وشمولها كافة المحافظات المصرية)، والسريعة التي فرضت نفسها فجأة على كافة فئات وشرائح المجتمع المصري من مختلف ميادين العمل والإنتاج، وبضمنها الأوساط الفنية والأدبية، في ظل إحماء شديد للماكينة الإعلامية الحكومية التي شكلت ضغطاً ابتزازياً هائلاً على كافة أوساط الرأي العام المصري .
 
إنما هذا لا يمكن أن ينهض مبررا بالمطلق، لأن يتم شطب هؤلاء الفنانين بمحاولة اغتيالهم فنياً وتمييزهم بقوائم سوداء بقصد تنفير الرأي العام منهم وعزلهم اجتماعياً، وبما يفضي إلى إنهاء حياتهم الفنية .
 
حرر في 19 مارس 2011

اقرأ المزيد

مبادرة كويتية لحلّ أزمة البحرين


المنعطف الخطر الذي دخلته الأزمة السياسية في البحرين، والتعقيدات الأخيرة التي نقلت الأزمة من مستواها السياسي إلى مستواها الوطني، بل قد تفتح الباب أمام انتقالها إلى المستوى الإقليمي، تتطلب تحركا سريعا وجادا لمعالجة الأزمة والتوصل إلى حلّ سياسي وطني متفق عليه… وأحسب أنّ صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد بحكم حنكته الدبلوماسية ومكانته وتاريخه المشهود في مصالحات خليجية وعربية عديدة هو الطرف المؤهل لإطلاق مبادرة كويتية لحلّ الأزمة في البحرين على أساس سياسي وليس أمنيا، وعلى أساس الحلّ الوطني الشامل وليس التسوية أو المحاصصة الطائفية.
 
ولعلّ عناصر حلّ الأزمة في البحرين متوافرة عندما يتمّ الاستناد إلى المنطلقات والأسس التي سبق التوافق الوطني البحريني عليها… وأول هذه المنطلقات الذي لا يتطلب إعادة تأكيد ولا يمكن التشكيك فيه هو عروبة البحرين، وهو العنوان الأساسي المتوافق عليه تاريخيا بين البحرينيين جميعهم؛ والمثبّت دوليا بصورة رسمية في تقرير بعثة الدبلوماسي الإيطالي وينسبير مندوب الأمين العام للأمم المتحدة إلى البحرين حول خيارات الشعب البحريني قبل الاستقلال وهو التقرير المعتمد من مجلس الأمن الدولي في 11 مايو 1970، وذلك بما ينهي المخاوف المستثارة حول وضع البحرين ومستقبلها السياسي وبما يقطع الطريق أمام التدخل الخارجي المرفوض.
 
وثاني المنطلقات تثبيت ما سبق أن جرى التوافق عليه في الاستفتاء الشعبي على ميثاق العمل الوطني في العام 2001 الحائز على تأييد 98.4 في المئة من ناخبي البحرين بأنّ “نظام الحكم في دولة البحرين ملكي وراثي دستوري” وما جاء في الميثاق ذاته حول شكل الدولة الدستوري بأنّه “صار من المناسب أن تحتل البحرين مكانتها بين الممالك الدستورية ذات النظام الديمقراطي الذي يحقق للشعب تطلعاته نحو التقدم”… فالملكية الدستورية ليست مجرد تغيير في لقب رئيس الدولة الذي كان أميرا قبل أن يصبح ملكا، وإنما الملكية الدستورية تعني التقييد الدستوري لسلطات الملك، وهذا هو الفارق الأساسي بين الملكيات المطلقة والملكيات الدستورية، حيث سبق أن توافق الملك والشعب على خيار الملكية الدستورية ذات النظام الديمقراطي، وهذا ما يفترض أن يتحقق على أرض الواقع على نحو مقارب لما هو عليه حال المملكة المغربية أو على نحو أقل مثلما هو الحال في المملكة الأردنية الهاشمية ذات النظام الملكي الدستوري.
 
وثالث منطلقات الحلّ، تصحيح الوضع الحالي والمثير للخلاف لمجلسي النواب والشورى، بحيث لا يمتلك مجلس الشورى المعيّن صلاحيات التشريع التي يفترض أن تنحصر في مجلس النواب المنتخب، وذلك بتطبيق صحيح لما تمّ الاتفاق عليه في ميثاق العمل الوطني بشأن وجود “مجلسين، مجلس منتخب انتخابا حرا مباشرا يتولى المهام التشريعية إلى جانب مجلس معيّن يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة”.
 
وأما المنطلق الرابع فهو القبول ببدء الحوار وفق مبادرة ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد، الذي سبق للجمعيات السياسية السبع المعارضة: الوفاق، وعد، التقدمي، القومي، أمل، الإخاء، والتجمع الوطني أن قبلته من حيث المبدأ، وطلبت توفير الأرضية المناسبة لبدئه بحيث لا يكون حوارا من أجل الحوار… وهنا لا بد من التفريق بين هذا الموقف الواقعي والمسؤول وبين الموقف المتطرف وغير الواقعي لما يُسمى “التحالف من أجل الجمهورية” الذي لا صلة له بهذه الجمعيات السياسية السبع… مع الأخذ بعين الاعتبار التوضيح الهام الصادر على لسان سمو ولي عهد البحرين نفسه مساء يوم الأحد 13 مارس الجاري، قبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، بأن يشمل الحوار قيام “مجلس نواب كامل الصلاحيات وحكومة تمثل إرادة الشعب ودوائر انتخابية عادلة”، وفتح ملفات “التجنيس والفساد المالي والإداري وقضية أملاك الدولة ومعالجة الاحتقان الطائفي” وإمكان عرض ما يتم التوافق عليه في الحوار الوطني في استفتاء خاص.
 
وعلى أرضية القبول بهذه المنطلقات فإنّ الأمل كبير بمبادرة كويتية لحلّ للأزمة في البحرين يطلقها ويرعاها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد… فالبحرين شأن كويتي مثلما هي شأن بحريني.
 

اقرأ المزيد

حذار من الانحدار نحو الحل الأمني


هدت الجرافات، بأعصاب باردة أمس الجمعة (18 مارس ظ آذار 2011) دوار اللؤلؤة، علا هدير محركاتها، فغطى على تلك الأصوات الشابة التي كانت تملؤه ضجيجاً منذ 14 فبراير/ شباط 2011، حتى إخلائه، وأغمضت أبصارها عما كان يموج به الدوار من أحداث منذ ذلك التاريخ. ربما لا يزال الوقت مبكراً لكتابة أحداث «دوار اللؤلؤة» بشكل موضوعي، والتداعيات التي تمخضت عنها، إذ سيتطلب الأمر انقضاء بعض سنوات قبل أن ينبري من يدون يوميات «الدوار» بشكل موضوعي بعيداً عن أي انفعال عاطفي، أو انحياز «طائفي»، لصالح «شباب الدوار»، أو ضدهم. لكن الأمر الأهم من كل ذلك، والأكثر إلحاحاً منه هو التحذير، وبصوت عال، نأمل أن يسمعه جميع المسئولين، هو القفز فوق كل السيناريوهات السياسية المطلوب الأخذ بها اليوم، والمسارعة، بوعي أو بدون وعي، لاختيار السيناريو «الأمني». من هنا ليس الوقت مبكرا كي ترتفع أصواتنا جميعاً من أجل التحذير من الأخذ بهذا السيناريو المحتمل، والمخيف، والمتربص بالبحرين كمجتمع، والمشروع الإصلاحي كمبادرة استراتيجية قادها صاحب الجلالة في مطلع هذا القرن.
 
لابد من التحذير، وبأعلى صوت بأن المخرج الأمني من الأزمة، عوضاً عن الحل السياسي لها، هو مثل الطبيب الذي يعالج الأعراض بدلاً من أن يجهد نفسه تفتيشاً عن الأسباب. ما يدفعنا إلى التحذير من “الحل الأمني”، هو تعالي نبرة الدعوات الأمنية كملجأ وحيد متاح لانتشال البحرين مما وصلت إليه خلال الأيام القليلة الماضية، والعبور بها، إلى، ما يطلق عليه دعاة الحل الأمني، شاطئ الأمان.
 
من يخالف المواطن البحريني – في الرأي – الباحث اليوم عن حل سياسي جذري وستراتيجي، بدلاً عن المدخل “الأمني” المؤقت، نعيده إلى أجواء منتصف السبعينات من القرن الماضي. حينها لم تعصف بالبحرين أية أحداث كتلك التي شهدناها مؤخراً، لكن كان في صفوف السلطة التنفيذية في ذلك الوقت من التقت مصالحه مع الحل الأمني، وتمكن من الفوز باتخاذ قرار حل المجلس الوطني. لم تنتظر تلك القوى طويلاً، فكشرت عن أنيابها، ونجح الحل الأمني، الذي فرضته تلك القوى، التي كانت حينها، تسيطر كلية على سياسات الدولة وقراراتها، في إصدار “قانون أمن الدولة” البغيض، الذي أدخل البلاد، برمتها وكل طوائفها في نفق مظلم طويل، حول البحرين، ولما يزيد على ربع القرن، إلى سجن كبير تنتشر فيه غرف التعذيب، وتسير مرافق الحياة فيها أجهزة الشرطة، ولم ينقذها من كل ذلك سوى مشروع الإصلاح السياسي الذي هندس جوهره جلالة الملك. تلبدت أجواء البحرين إبان تطبيق مواد “قانون أمن الدولة”، بسحب القمع، وتراجعت حينها، وبفضل التجييش الذي ساد تلك الأجواء، كل الجهود من أجل الحلول السياسية لصالح الإجراءات الأمنية. الأمر الملفت للنظر هنا هو سقوط أوهام من وقفوا وراء الحلول الأمنية، في قدرة تلك الحلول على إنقاذ البحرين، مما روجوا له بأنه خطر داخلي معزز بدعم خارجي، ووجداو البحرين تنفجر، مرة كل عشر سنوات رغم سريان مواد ذلك القانون القمعية، كان آخرها تلك الاضطرابات التي عمت نسبة عالية من قرى البحرين وأحيائها، وتحولت البحرين إلى برميل بارود اجتماعي/ سياسي هدد السلم الوطني، ومعه النظام الاقتصادي.
 
القصد من التحذير من مغبة الحلول الأمنية، هو خشيتنا من قصر نفسها، وضيق أفقها، ومن ثم، فهي وإن نجحت في إعادة الهدوء إلى البلاد لفترة معينة، لكنها، ليس في وسعها أن تضع الحلول للمشاكل التي تعاني منها البحرين بشكل جذري، والتي من الخطأ حصرها في إطار اجتماعي ضيق مثل ذلك الذي تروج له بعض القوى. تعاني البحرين اليوم من مشكلات معقدة تتداخل فيها الجوانب السياسية، مع تلك الاإقتصادية وتتمظهر في أشكال اجتماعية، ليست الطائفية سوى أسوأ تعبيراتها المباشرة.
 
ينصح المواطن، من يحاول أن ينتشل البحرين مما هي فيه، أن يكون مدخله سياسياً يضع في الحسبان مجموعة من العوامل، ليس السلم الاجتماعي سوى أحد أهم صمامات الأمان التي هي في أمسّ الحاجة لها. ولكي يكون الحل السلمي ناجحاً وشمولياً، لابد له من مراعاة القضايا التالية:
 
1 – الابتعاد عن ذهنية البحث عن طرف منتصر ينعم بالمغانم، وطرف آخر منهزم عليه أن يتكبد الخسائر. على من يضع هذه الحلول أن ينظر إلى شعب البحرين كوحدة واحدة، مكون من قوى اجتماعية متعددة، تتطلع جميعها كي يأتي هذا الحل بما يحقق النصر لها على نحو مشترك. من الطبيعي أن يكون هذا الحل معقداً، ومتعدد الأوجه، ومن ثم فهو بحاجة إلى بعض الوقت كي يكون جذرياً، ويمتلك كل مقومات النجاح والاستمرار.
 
2 – غض الطرف عن كل القضايا الصغيرة، والتركيز على القضايا الاستراتيجية الكبرى، التي بوسعها أن تجتث من الجذور أسباب الصدام، وعناصر الاحتقان، وتضع مكانها مقومات السلم الاجتماعي، والتطور الاقتصادي، التي بوسعها أن تضمن تعايش الفئات المختلفة في وئام، قادر على حل أي شكل من أشكال الصراعات التي يحتمل أن تندلع فيما بينها اليوم، أو في المستقبل.
 
3 – فهم متطلبات السير على طريق المملكة الدستورية، بما في ذلك الجوانب السياسية والاجتماعية، دون الاستهانة بتلك الاقتصادية، والعمل على بناء المنصة التي تضمن تضافرها جميعاً، دونما تضاد، لقطع ذلك الطريق والوصول إلى نهاياته.
 
في كلمة مختصرة، علينا أن ندفن جميعاً الحلول الأمنية، وتتضافر جهودنا بحثاً عن الحلول السياسية، وإلا فسوف، نأخذ البحرين، وبمحض إرادتنا، شئنا أم أبينا نحو الجحيم، الذي نتوقع أن لا يوجد بيننا من يتمناه لها
 
صحيفة الوسط  19 مارس 2011م
 
 
 

اقرأ المزيد

سنبقى خارج الزمن طالما سنّنّا وشيّعنا قضايا الوطن – ضياء الشكرجي


كن يا أخي سنيا، وكن يا أخي شيعيا، كن أنت إن شئت شيعيا في حياتك الخاصة، وكن أنت إن شئت سنيا في حياتك الخاصة، لكن نرجوكما لا تسننا قضايا الوطن ولا تشيعاها، لا تسننا ولا تشيعا السياسة والدولة والدستور. كن ما تشاء، كن شيعيا متدينا، أو شيعيا فاسقا – بحسب مصطلح المتشرعة -، وكن سنيا متدينا، أو كن سنيا فاسقا. ولكن لا تبثا رجاءً التسنن المكفِّر للشيعة، ولا التشيع المكفِّر للسنة، لا تبثا التسنن المشحون كرها للشيعة، ولا التشيع المشحون كرها للسنة.

استبشرنا خيرا عندما انتفض الشعب التونسي، واستحال جسد البوعزيزي مشعلا للحرية في تونس، واستحال ميدان التحرير تحررا من الديكتاتورية المباركية. تضامنّا مع شعب ليبيا، وشعب اليمن، وشعب الجزائر، وشعب سوريا، وشعب إيران، وشعب البحرين.

لكني وبصراحة، ما أن انطلقت الاحتجاجات الشعبية في البحرين، توجست خيفة من أن تنقلب القضية من قضية حرية شعب، إلى قضية شيعة وسنة، لأن للبحرين خصوصيتها، فهي ذات أكثرية 70% شيعية مهمشة ومحكومة من فئة حاكمة تنتمي لأقلية الـ30%، ولا أقول محكومة من السنة.

فكرت هل سيخرج شيعة وسنة البحرين من أجل الحرية وإصلاح النظام السياسي، دون أن يعرف المتظاهرون كم شيعي وكم سني بينهم، أم ستتحول القضية إلى قضية حقوق مهدورة للأكثرية الشيعية، يقابله قمع يتخذ طابعا طائفيا؟ الذي نحبه للبحرينيين، وانطلاقا من مبدأ (لا يرقى شعب في إنسانيته ما لم يحب لغيره من الشعوب ما يحب لنفسه)، هو أن تكون حركتهم وطنية بحرينية، شعبية، ديمقراطية، علمانية، لا أن تكون شيعية أو سنية.
فهناك إيران، التي أدانت حركة الاحتجاج الشعبية في العراق، وباركت – مباركة كاذبة منافقة طائفية – حركة الاحتجاج البحرينية، ومن الجهة الثانية هناك السعودية، إذ انتفضت الطائفية التكفيرية الوهابية هناك لتحشر – لا أقول أنفها – بل آلتها العسكرية في القضية البحرينية، لتقمع (روافض) البحرين قمعا دمويا، نرجو ألا يُصعَّد كما هو الحال مع القمع الدموي للدموي المجنون القذافي. وسارع دعاة الطائفية من الشيعة في العراق وإيران ولبنان ليحشدوا جماهيرهم استنكارا لقمع إخوانهم شيعة البحرين، بينما تراق دماء الجماهير الليبية منذ أسابيع، ولم يتحرك هؤلاء القادة الشيعويون لإعلان تضامنهم مع الثوار والمدنيين الليبيين. الذي نتمناه ألا يقف أحرار سنة البحرين متفرجين وغير مكترثين بما يجري من قمع دموي طائفي سعودي وهابي تكفيري ضد إخوتهم الشيعة، وإلا فإن موقف اللامبالاة سيعمق الجرح، وسيدق الإسفين الطائفي، وهذا ما لا يخدم الشعب البحريني، ولا حركة التغيير من أجل الديمقراطية.

أما كان خيرا لهذه الشعوب ألا تكون سنية، وألا تكون شيعية؟ إني أكتب هذه الأسطر من موقع التخلي الكلي عن التمذهب الذي تحوّل إلى مرض عضال، فإني عندما أتكلم عن الفريقين، فليس من موقع الانتماء إلى أي منهما. فإنه ليزعجني كلما اضطررت في المعاملات الرسمية إلى كتابة اسمي الثلاثي، لأن اسم جدي ذو صبغة مذهبية. وأقول شكرا لأبي وأمي ورحمهما الله، لأنهم اختاروا لي اسما، لا هو شيعي ولا هو سني، فالحمد لله الذي لم يصادف أن صحابيا أو خليفة أو تابعيا أو إماما معصوما أو غير معصوم اسمه (ضياء)، فإني سعيد باسمي، لأن التاريخ السني والتاريخ الشيعي على حد سواء يخلوان من شخصية مذهبية أو متمذهبة اسمها (ضياء). وإني أعتبر تسمية الأبوين لابنهما أو ابنتهما اسما صارخا في شيعيته أو في سنيته انتهاكا مسبقا لحقوق أبنائهما وبناتهما، بختمهما بختم التسنن أو ختم التشيع، دون أن يسألانهم عما إذا كانا يوافقان على أن يُطمغا بطمغة شيعية أو سنية. وإني عندما أتضامن مع شيعة البحرين، فمن موقع أني لست شيعيا، كما تضامنت مع مسيحيي العراق وصابئتهم، ومع أقباط مصر، ومع شعب جنوب السودان.

وليس الإسلام السياسي بأفضل من التمذهب السياسي أو تسييس المذهب سنيا أو شيعيا، بل هو الأشد خطورة، وهو الرحم الذي يفرّخ طائفية سنية، وأخرى شيعية. فعندما أرى احتجاجات الشعب الأردني على سبيل المثال أتضامن مع شعب الأردن، ولكني في نفس الوقت أعيش القلق والهلع، عندما أرى اللحا الإخوانية هي التي تتصدى للاحتجاجات والتظاهرات. وكما استبشرت خيرا عندما رأيت المتظاهرين غير المتأسلمين في غزة يهتفون (الشعب يريد إنهاء الانقسام)، مما جعل السلطة الديكتاتورية لحماس تعمل على تفريق التظاهرة بالقوة والعنف، لأن الشعار يتضمن رفض السلطة الإسلاموية الحماسوية برفضه لسلطة التقسيم.

الديمقراطية في المنطقة قادمة لا محال، لكنها محفوفة بمخاطر الإسلام السياسي، ومخاطر التسنن والتشيع، عندما يتركان حيزهما الشخصيين، ليقحما نفسيهما في شؤون السياسة والدولة والوطن. فالوطن يكون جميلا عندما يكون بحرينيا، عراقيا، لبنانيا، مصريا، تونسيا، أردنيا، فلسطينيا، يمنيا، ولا يكون متأسلما أو متسننا أو متشيعا، لتعيش الشعوب متآخية في إطار أخوة المواطنة وأخوة الإنسانية، غير متوزعة في خنادق طائفية، بل يعيش سنيّوها وشيعيّوها، مسلموها ومسيحيّوها وصابئتها وإيزيديّوها وزردشتيّوها وبهائيّوها ودرزيّوها ويهوديّوها، إلاهيّوها وملحدوها، دينيّوها ولادينيّوها أو لاأدريّوها، عندما يعيش الجميع في إطاري الهوية الوطنية والهوية الإنسانية.

إن الطائفية الموسعة منها والمضيقة، الدينية والمذهبية، لطالما فرقت بين أطياف شعب، وأوقعت بينها العداوة والبغضاء، ولطالما فرقت بين حبيبين، بينما الإنسانية والعقلانية، بينما الديمقراطية والعلمانية، هي عوامل تقارب وتلاقي وتحابب على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الجماعات والشعوب والأمم، ومن هنا فإن قيم الإنسانية والعقلانية، وقيم الديمقراطية والعلمانية والليبرالية، هي الأقرب إلى التقوى، بمعنى إنها الأقرب إلى القيم الإلهية، فرُبّ كافر إنساني وعقلاني أحب إلى الله من مؤمن متعصب أو متطرف أو تكفيري أو عنفي، أو ناءٍ على أي نحو عن إنسانيته أو عقلانيته، وبالتالي مُعرِضٍ عن قيم الله، بوعي أو بغير وعي.

فهل سنشهد في شعوبنا العربية والشعوب ذات الأكثرية المسلمة تمذهبا إنسانيا، وآخر حداثويا، وثالثا ديمقراطيا، ورابعا عقلانيا، وخامسا ليبراليا، بدلا من التمذهب الشيعي والسني، والتأسلم السياسي؟
 
عندها سنقول: ها نحن قد طوينا ملف الماضي، وفتحنا ملف المستقبل، وإن غدا لآت.
 
الكاتب : ضياء الشكرجي
كاتب عراقي
الحوار المتمدن
16/03/2011

اقرأ المزيد

عن ماذا نتحـدث؟


عن ماذا نتحدث؟ وعن أي شيء نقلق؟ وعن أي هواجس نتناول؟.. عن بذور الفتنة التي أطلت برأسها علينا سواء المتمثلة في بعض مظاهر الخلاف والاختلاف والشحن والتوتر الطائفي في بعض مناطق السكن والتعليم والعمل، أم في ماكينة الشائعات النشطة والخبيثة أم في تلك الخطابات والتصريحات والمواقف والكتابات والدعوات المنغمسة في المهاترات والمزعجات أم عن حالة التربص ومحاولات جر الشارع لبعضه البعض كمن ينتظر جولات إضافية من المنزلقات الطائفية.

هل نتحدث عن ذوي الغرض المشبوه وأصحاب الحسابات الخاطئة الذين يرفضون تسمية الأسماء والأفعال بأسمائها والساعين إلى جعلنا أسرى ومسكونين بمفاعيل الطرح والشحن اللذين يقسمان ويفرقان ويقزمان المطالب الوطنية، أم عن الحقائق والمفاهيم والمطالب التي زيفت وتلونت وتشوهت من جانب هؤلاء الذين لا نعرف ما إذا كانوا حقيقة ضد الطائفية أو أنهم من أربابها وحلفاء معها، أم عن تلك المبالغات والإثارات والتفسيرات والتأويلات التي تضخمت لتعبث بالعقول والنفوس وتزيد الفتنة، أم نتحدث عن أولئك الحالمين والواهمين وأصحاب المصالح والغايات والمقاصد المضمرة التي تتخطى اللحظة الراهنة، أم عن أولئك الذين لم يحسنوا الظن برشد البحرينيين وقدرتهم على التمييز بين الصدق والمراوغة، والحقيقة من الوهم والحسن من الرديء، والرديء من الأردأ وجعلوا واقعنا صاخب الضجيج مليئاً بالعواصف المأساوية من الكراهية والعداء والإحباط والشعور بالعجز، أم نتحدث ونتوجس من انتهازية البعض للظرف الراهن ممن لم يتعبوا من كثرة الركض والقفز والتلون وواتتهم الفرصة ليركبوا الموجة ويلعبوا على عواطف الناس وجراحاتهم ويؤججون مشاعرهم بحثا عن دور أو بطولة أو زعامة والظهور بمظهر أنهم أجمل وأرقى وأفضل وأنبل من في هذا البلد وأكثر وطنية وان هناك من اختارهم لمهمة وطنية جليلة متدثرين بغطاء هذه الطائفة أو تلك شاءت أم أبت ارتكبوا الحماقات تلو الحماقات، وأغرقونا في سيل من التصريحات والمواقف المستفزة التي لا ترأف بالبلاد والعباد، ولا تراعي العقل والمنطق والمسؤولية، وأدخلونا في دوامة الكيدية والأحقاد واللعب بالنار وسوّقوا لنا بأن كل طائفة مستهدفة من الطائفة الأخرى.

هل نتحدث عن هؤلاء الطارئين الذين تتناقض أقوالهم بين يوم وآخر أو ساعة وأخرى ممن أعطوا لأنفسهم الحق كل الحق ومن دون تردد أو حياء التحدث باسم الشعب البحريني لا تهمهم سوى الأضواء والضوضاء والبهرجة، أم عن أولئك الذين يـظنون بأنهم وطنيون أكثر من غيرهم تمادوا في تخوين الآخرين واتهامهم بعدم الوطنية.

هل نتحدث عن أصحاب الورش السياسية الذين مارسوا الألاعيب وبرهنوا أنهم غير «راكدين» كما كان يسوق عنهم وانقلبوا من النقيض إلى النقيض، أم عن أولئك الذين في بالنا وفي بالكم يتبخترون كأنهم القضاء والقدر يريدون إقناعنا أنهم حصانتنا وحماتنا فيما هم يقلقوننا من ممارساتهم التي عبرها يريدوننا أن ننزلق إلى خلافات واختلافات بين جناحي الوطن وعلى كل شيء وجعلها أكثر فائدة لمصالحهم، وأكثر احترافا لتأمين تلك المصالح على حساب المصلحة العامة، أم نتحدث عن أولئك الذين افترضنا فيهم الوعي والنضج والفهم والثقافة والحس الوطني بما يكفي جعلهم خصوما طبيعيين للطائفية وأسوارا منيعة في وجه الفتن وتطاير شررها وسدًا يحول دون استعمالها طعما يسيء لبلدنا وشعبنا وثوابتنا، فإذا هم منغمسون ومتورطون في العلن والخفاء في حفر خندق العداء في الوعي البحريني العام عبر ترسيخ الطائفية ومساهمين في المسار الانحداري المرعب.

عن ماذا نتحدث ونتوجس ونقلق؟ هل من أسماء أثيرت حولها أقاويل وشبهات حول قيامها بدسائس ومكائد أو بشيء من هذا المعنى لطخت العلاقات المواطنية مرات ومرات..؟ أسماء مثيرة لكثير من المماحكات واللغط والتضليل أينما ظهرت، وعرفناها من ضمن عناصر التأزيم في واقعنا، وقد ظهرت لنا هذه المرة وبقدرة قادر في صورة غلب عليها الطابع الكاريكاتوري بلبوس المدافع عن اللحمة الوطنية والحريص على أن لا نندفع نحو المجهول بدون حساب، كما ظهر بعضهم واقفا وراء كيان هنا، أو تيار هناك يتبنى الانفتاح على أفكار وطنية عامة..!!

هل نتحدث عن هذا الإفراط في تشكيل الأطر والكيانات والتيارات واللجان التي تشكلت وتلك التي في طور التشكيل بمسميات مختلفة استظلت بمظلة «الوطنية» وبالدعوة للحوار الوطني، بعضها جاء في خلطة عجيبة منها ما ضم أصحاب النيات الحسنة وأرباب النوايا المبيتة في آن واحد وكأنما أريد بهذا تشتيت الجهود أو تشويهها أو تعطيلها أو طأفنتها سعيا وراء زعامة أو مغنم أو ترضيات أو حضور في المشهد وتصدر الواجهة.

هل نتحدث عن هؤلاء النواب الذي يفترض أنهم يمثلون شعب البحرين بكل طوائفه وأطيافه ومكوناته والذين لم يكتفوا بعجزهم عن القيام بدور ايجابي فاعل حيال مجريات الوضع الراهن، أو ان يكونوا طرفا يخفف من الاحتقانات والشحن ولكنهم أبوا ألا أن يفاجئونا بالظهور بمظهر طائفي بامتياز..!

هل علينا أن نتحدث عن بعض من يعتلون المنابر الدينية والإعلامية وهم يطرحون ويثيرون ما يجعل «القلوب ملآنة» وما يثير في قلوبنا «غصة» أم نتحدث عن من يريد أن نعيش تحت وطأة وتجاذبات وأهواء طائفيين يجروننا إلى منزلقات تقود إلى الخيبات والفشل، أم نتحدث عن بؤر العنف التي ظهرت في بعض المناطق وتداعياتها، أم نتحدث عن هؤلاء المحرضين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ليشعلوا الفتنة فيما هم يتحدثون عن الوحدة الوطنية. أم علينا أن ننوه بجهود صادقة مبذولة من قوى وطنية حية ونظيفة لم تلوث بالنفس الطائفي، ولم تؤجر إرادتها لآخرين تحت أي ظرف أو ضغط أو مصلحة، مقابل أطراف وقوى اكتفت بنهج سياسة النعامة حيال كل ما يجري ويقلق، واكتفت بدور المتفرج العاجز عن فهم إننا بلغنا منعطفات الخطأ والخطر.

هل نتحدث عن المشكلات والهموم المتراكمة التي باتت تستولي على الناس بالقلق والأرق والخوف لتنخر في حيوية مجتمعنا، أم نتحدث عن هذا الاستغلال البشع لأحداث وأعمال عادية يجهد البعض في إثارة جدل حام حولها ويعرفون إلى أي حد يمكنهم التمادي. أم نتحدث عن القيود والكوابح التي افتعلت هنا وهناك وهنالك حول الكثير من أمور حياة المواطن الملسوع بالخيبات أم عن المطالبات السياسية والإصلاحات السياسية النوعية المنشودة، وتحديات الحراك السياسي وشعارات كثر من السياسيين والطارئين ومصالحهم وأنانيتهم وطائفياتهم ومذهبياتهم وذهنياتهم وانتهازيتهم، أم عن الحوار الوطني الذي بات مطلوبا على وجه السرعة، وموضوعات الحوار، وأفقه، وآلياته وسقفه وحسم خلافاته، وأطراف الحوار وأحقية شروط ما قبل الحوار، وكيفية الابتعاد به عن الآفات التي تعطل مضامينه، لينعقد في أجواء من الصفاء والتعقل وبكثير من الترفع ومن دون أن يشعر أي طرف بأنه يأتي للحوار مسايرا، أو خوفا، أو قهرا، أو انه في مبارزة بين فارض ورافض.

سواء تحدثنا عن هذا الموضوع أو ذاك، أو هذه القضية أو تلك، النتيجة كلها واحدة، قلق، توتر، توجس، مخاوف تشويش واضطراب وتساؤلات حائرة، ويصبح منتهى الخفة والطيش أن نقلل من شأن هذا الذي يجري وتداعياته الراهنة والمرتقبة واعتباره مجرد سحابة صيف، هذه أمور يجب أن تكون مفهومة ومدركة في عقول كل المواطنين وفي يقظة ضمائرهم لتحقيق ما هو أفضل أو بالأصح تجنب ما هو أسوأ..!

وكي لا يُدفع بنا إلى هاوية لا قعر لها فإن الوضع قد يستدعي تطبيق ما يمكن أن نجاري في تسميته بخطة وطنية لإعادة تأهيل النفوس وتطهيرها لتجاوز الطائفية بكل وجوهها، في السياسة، وفي المجتمع، وفي وعي الناس، وتذكروا أن الطائفية آفة كبرى أينما حلت تأكل الدين والوطن، المطلوب سريعا الحوار.. وقبله النوايا الحسنة، فهيّا عجلوا قبل فوات الأوان..!
 
الأيام 16 مارس 2011

اقرأ المزيد

البحرين والتدارك المستحق!


بألم يعتصر القلب؛ وبقلق يعصف بالذهن ويستثير المشاعر أتابع مأساة البحرين… مأساة الدماء المسالة والقمع الدموي… مأساة الشرخ الطائفي الخطير في صفوف الشعب الواحد الذي عمّقه المتطرفون في السلطة وأججه بعض مَنْ هم في مواقع المعارضة… ومأساة الاستعانة بقوات درع الجزيرة لغير هدف الدفاع عن بلد خليجي تجاه عدوان خارجي، بما يفتح الباب أمام سابقة خطرة لتكرار استخدام هذه القوات ضد الشعب الخليجي عندما يعترض ويطالب بحقوقه في بقية البلدان الستة أعضاء مجلس التعاون… ومأساة إعلان الأحكام العرفية والإفراط في استخدام القوة العنيفة لقمع المحتجين العزّل… ومأساة انحراف البعض بالمطالب العادلة نحو أجندة التطرف غير الواقعي والتعنت غير المسؤول.

والأسوأ أنّ البحرين دخلت نفقا مسدود الأفق، إذ تحوّلت الأزمة السياسية إلى أزمة وطنية عميقة لا يعلم أحد مساراتها الوعرة ومنزلقاتها المحفوفة بالمخاطر وهاويتها السحيقة، ولم يعد ممكنا أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل أن تصل إلى ما وصلته صباح أمس… فأي حوار يمكن الحديث عنه؟…وأي منطق يحكم ما يجري وما يمكن أن يجري؟… وأي صوت عقل يمكن سماعه مع قصف الرصاص وصرخات الألم وعويل الثكالى؟!

وغير هذا، فإنّه بغض النظر عن الجدل الدائر حول مدى سلامة قرار الاستعانة بقوات درع الجزيرة من الجانب القانوني، فإنّ الباب الآن أصبح مفتوحا أمام ما هو أخطر لتوسيع دائرة التدخل العسكري الأجنبي في البحرين، بما في ذلك من الجانب الإيراني تحت مبررات أخرى، وما يمكن أن يؤدي إليه من انتقال مستوى الصراع من حدوده المحلية إلى نطاقه الإقليمي الخليجي الذي لا يستطيع أحد أن يقدّر أبعاده.

وحسنا فعل صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حفظه اللّه ورعاه عندما اتخذ قراره الحكيم بتجنّب مشاركة الكويت في إجراء غير مسبوق قد تنجم عنه تداعيات بالغة السوء والخطورة.

وإن كان لابد من كلمة تُقال، فإنّ القمع مهما استشرس فإنّه لا يمكن أن يكون حلا للأزمة السياسية المحتدمة في البحرين، فما بالك بالأزمة الوطنية، بل إنّ القمع مثلما كشفت التجارب الملموسة يفاقم الأزمة ويعقّدها ويحول دون إمكانية التوصل إلى حلها… ومن هنا فإنّ السلطة في البحرين قبل المعارضة معنية بالإسراع إلى تدارك الخطأ والبحث عن مخرج وطني, وكذلك فإنّ المعارضة مطالبة بأن تتصرف على نحو مسؤول كمعارضة وطنية وليست معارضة طائفية، وذلك من دون أن تتخلى عن المطالب الشعبية العادلة…
ولا أحسب أنّ هناك طريقا غير ذلك، فمهما طال الوقت أو قصر فإنّ البحرين هي وطن البحرينيين جميعهم، وهي ليست وطن السنّة أو الشيعة، ولا هي وطن آل الخليفة وحدهم أو وطن المعارضة وحدها، وهي بلد صغير، بل متناه الصغر لا يمكن أن يحتمل ما قد يتداعى نحوه الصراع المفتوح وحوار الدم، وإذا لم يتحقق مثل هذا التدارك المستحق للأخطاء فإنّ الجميع سيخسر ولن يكون هناك رابح أو منتصر.
 
عالم اليوم   16 مارس 2011

اقرأ المزيد

هـــنــا الآن يـُمْـتـَحـَن ُالـعـِـشـق…!

 

 

 

 

 



هـــنــا الآن يـُمْـتـَحـَن ُالـعـِـشـق…!




 


فـي هــذا الـلـيــل ِالـقـبـلــي…
تـعـيــد الـفـجــاءة ُآثــامـَهـا…
فـتـغـشـى…
بـأيــامـِهـا الـمــزدراة…
عـيــون َالــثــُـريـــّا…
وأحـلام َشوق ِالعشيــّات…
تــوق َشـبـيــبـة ِإشــراقـِهـا…
بـبـحـر ِقـصــائـِدهـا الـواثـبــة ْ
فـتـعـدو ثــقــوبُ الـمَـنــايـــا…
عـلـى نـفـثــات ِالــصـــدور…
وعــطــر الــمــرايـــــــا
وتـطـلـق فـي نـفــق ِالـمـسـتـريــب…
دهـالـيــز َغـيـمـتـِهـا الـكـاذبــــة ْ
وتـمـلأ سـمـع َفــضــاءاتـِـنــا…
بـأضـغــان ِغـربـانـِهـا الـنــاعـبـة ْ
وحـيــن إصـطـكــاك الـمـناكــب…
حــيـــن إصـطـفــاف الـقـلــوب…
دعـا هـاتـف ُفـي سـمــاواتـنــا :
–الــبــدارُ .. الــبــدارْ…
هـنـا الآن يـُمـتـحـَن الـعــشـقُ
تـبــدو وجــوه ُالــزوايـــا…
لـتـفـضـح حـَمــّالـة َحــاطـبـة ْ
هـــنــــــا الآن…
تـشـدو شـفــاه ُالـبــرايـــــا…
أنـاشـيــد َأصـبــاحـِهـا الــراغــبــة ْ
فـتـسقـي أكــفُّ ضـفــاف ِالـخـلـيـــج
بـجــود ِمـواويـلـهــا السـاكــبــة ْ
فـقــومــوا ســراعـــــــاً…
هــلــمـّــوا خـِـفـــافــــــا ً…
هــلـــمــــــّوا
فـتــُـهـرع ُأجـنـحـة ٌغــاضــبــة ْ
يـغــادر سـربُ الـنـوارس ِتـنـويــمــة …
وأوكــارَ صـمــت ٍمــريــــب ْ
يـطـيــرُ إلـى ســاحـة ِالـعـنـفــوان ْ
فـيـخـتـلـط الـصــوتُ بـالـصـــوت …
الــجــُرحُ بــالــجـُـرح…
والـخـَـلـَـجــاتُ غـِـيــاث ْ
تـحـاورهـا الـنـجـمـة ُالـثـاقـبــة ْ
فـتـسـتـشـرف ُالـغـبـش َالـمـهـرجــــــــــــان ْ
 
 
عبد الصمد الليث


11 مارس 2011 
كربلاء المقدسة   
 
 

اقرأ المزيد

أسبابُ الحراكِ العربي


نظراً لتدفق الأحداث بصورةٍ رهيبةٍ بعد سكونٍ طال حتى يئس الناسُ من التغيير والأمل، فقد تسارعتْ كذلك التفسيراتُ لهذا الطوفان الذي لا يتوقف من الأحداث، وتلمستْ الأصابعُ التحليليةُ ظواهرَ الأشياء وغاصَ بعضُها للباطن، وحددت آراءٌ ستةَ أو سبعةَ أسباب لهذه الأحداث، منها: توجه الجمهوريات للتوريث، وتحللُ الفئاتِ الوسطى لمستوياتٍ دنيا، فيُقال إن ابناءَ العائلاتِ الميسورة في زمان عبدالناصر على سبيل المثال لا يجدُ أبناؤها فرصةَ عمل وهم حملة الشهادات العليا، وأن ثمة تدهوراً عاماً في الدخول، فقد وصلتْ نسبةٌ كبيرةٌ من سكان مصر تُقدر بـ40 % حسب هذه الآراء إلى أن يكون دخلها اليومي لا يتجاوز الدولارين في اليوم!
وقال أحدُ الباحثين التونسيين لأحد المواقع إن من أسباب الفيضان التونسي أن الفساد الذي كان منتشراً ومتسماً بالسرية في الزمن الماضي غدا في الوقت الراهن واضحاً جلياً صادماً لعامة الشعب، فهناك عائلات محددة رهيبة الغنى تجاوزت كل حد في المال وبغرور إعلاني، كذلك فإن انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية ونقلها صور الثراء والبؤس، ساهمت في رأيه بتفجير الموقف.
كذلك فإن تزايد معدلات المواليد في بلدان ومناطق معينة كانت من أهم الأسباب في تصورهم لهذه الانفجارات، فتُذكر مصر واليمن وتونس والمناطق الريفية العديدة في الوطن العربي المتسمة بالفقر الشديد وكثرة الانجاب، كانت من بؤرِ الحراك الكبيرة، وخاصة أن هؤلاء المواليد المتحولين لشباب لم يكونوا خارج أدوات المعرفة والاتصالات الحديثة والتأثيرات والتدخلات الأجنبية، وكانت أبوابُ المستقبل مغلقةً أمامهم.
كذلك فإن أدوات التنظيم والتحشيد القديمة تبدلت، ولم تعد الخطب والأحزاب والاجتماعات فاعلة، واستُبدلت بوسائل الاتصال الحديثة والتنظيمات الإلكترونية والخلايا الضوئية البرقية الهاتفة عبر المدن والملايين والبلدان.
ولابد أن نضيف إلى هذه الأسباب التي يعددها الكتابُ أن هذه الظاهرات الاجتماعية الثقافية جرتْ في زمنيةٍ خاصة من تدهور العلاقات الرأسمالية العالمية في مناطق السيطرة الكبرى، التي ألحقت البلدان العربية بها. فمنذ أزمة رهون العقارات في أمريكا والأزمة النقدية العالمية الواسعة تداعى العديدُ من الدول الرأسمالية المهمة في الأطراف خاصة كاليونان وإسبانيا، وتجسد ذلك في الوطن العربي عبر الانخفاض المستمر لأسعار النفط، فمن 150 دولاراً في سنوات2007 وما بعدها حتى المستوى السعري الراهن حوالي (100 دولار)، هذا أدى كله إلى انكماش الاقتصادات العربية وإلى خسائر مالية جسيمة في المدخرات العربية التي تصل إلى 2.4 تريليون دولار الموجودة في الغرب والتي تضررت كذلك بالأزمة العقارية والأزمة النقدية، مما أدى إلى انكماش في الاقتصادات المختلفة.
وقد توجهت الحكومات العربية في السنوات الأولى للأزمة المتحركة في الأجسام العربية الاجتماعية بأشكال متنوعة، إلى تحميل الجمهور هذه الخسائر والأعباء رغم هبوط الأجور المستمر عبر سنوات والتضخم المتزايد. فراحت تقلص الميزانيات وتحدث تقشفات في الانفاق العام وتضررت الصناديق العامة التي تصرف على التأمينات والخدمات المختلفة.
لكن الحراك الواسع لم يكن بغرض المطالب المعيشية الحيوية بدرجة أساسية، بل كان بسبب عجز الأنظمة عن ملاحقة مستويات الحريات في العالم، وتحول الاقتصادات في العديد من الدول إلى اقتصادات مافيا، في وقت عمت الأنظمة البرلمانية التداولية العلمانية مختلف البقاع.
ستؤدي الثورات العربية إلى مزيد من الحريات العامة والخاصة، وتغيير طابع الأنظمة الشمولية والمحافظة، فالأمة العربية وشعوبها المختلفة تستحق أفضل من هذين التخلف والعجز حتى عن مقاربة شعوب في العالم الثالث كالهند ذات الأنظمة الديمقراطية.
كذلك فإن هياكل الدول والأحزاب غدت قديمة وأغلبية العرب هم من الشباب، ولم يعودوا قابلين بهذه الأنماط القديمة من الأحزاب والهياكل، وآن لكثير من الأحزاب التي كانت مجرد وريقات صحيفة أو مقر أن تحيل نفسها للتقاعد. غدا من الصعب الآن العودة للطرق الأمنية في إدارة المجتمعات، واصبحت الأنظمة تبحث عن طرق مختلفة ذات شفافية حقيقية، وتطلق حرية تكون الأحزاب اللادينية واللامذهبية، وتبدأ وزارات جديدة في البحث عن الأسباب الحقيقية لتدهور حياة المواطنين العرب، وليبدأ زمن التداولية والديمقراطية الحقيقية في البلدان العربية الرائدة الذي سوف ينعكس على بقية الأقطار العربية.

أخبار الخليج 16 مارس 2011

اقرأ المزيد