المنشور

ما قبل المصالحة الوطنية


يبدو أن الحديث في الوقت الراهن عن مصالحة وطنية تعيد حالة الانسجام والتفاهم بين مكونات الشعب البحريني من الأمور الصعبة جداً إن لم تكن من المستحيلة، ومع ذلك لابد من التحذير من هذا الوضع الخطير الذي نعيشه الآن، في حالة الانقسام وصلت إلى أشدها وأصبحت تنبئ بما هو أخطر من مجرد تخندق طائفي، فهناك شعور متزايد من البغض والكره والحاجة للانتقام والتشفي والقضاء على الآخر.
 
لا يمكن للوضع الحالي الذي نعيشه إلا أن يزيد النار اشتعالاً ما لم تبادر الدولة بجميع مؤسساتها والمجتمع بكل تلاوينه، لوضع حد لذلك قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة ونجد أنفسنا أمام مجتمع منقسم على نفسه ويجد أبناؤنا أنفسهم يحاربون بعضهم البعض.
 
وأول ما يجب على الدولة القيام به هو إسكات جميع الأصوات والأقلام التي تسترزق من إشاعة الفتنة الطائفية وتغذيتها يومياً من خلال كتاباتها في بثّ الكره والحقد بين أبناء المجتمع، كما يجب تنبيه الصحف التي تتخذ من هذا الأسلوب الرخيص وسيلة لكسب المزيد من القرّاء.
 
هناك الآن من يدعو إلى مقاطعة التجار من الطائفة الأخرى ويهدد بتصعيد احتجاجاته كلما اتخذت الدولة أي خطوات إيجابية حتى ولو كانت بسيطة كإرجاع المفصولين إلى أعمالهم أو الإفراج عن المعتقلين بجُنح بسيطة، لمجرد أنهم من طائفة أخرى.
على الدولة إن أرادت إنهاء حالة التوتر التي تعيشها البلد أن تبدأ بإصلاحات حقيقية تدفع المجتمع باتجاه التطور للأمام، فلا يمكن حل المشاكل المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة إلا عبر المزيد من الديمقراطية والمزيد من الحرية، كل ذلك يمكن أن يكون عبر حوار وطني جادّ يضع مصلحة البحرين بجميع طوائفها فوق أي اعتبار آخر.
 
لقد أثبتت التجارب السابقة بأن الحل الأمني لا يمكن أن ينجح في تجاوز الأزمات، ولا يمكن له أن يجبر الناس على السكوت عن المطالبة بحقوقها، ولا يمكن له أن يؤسس لتنمية المجتمع، ولذلك ليس هناك بديل عن الحوار، فإن كان حوار التوافق الوطني لم يستطع أن يصل إلى التوافق بين مكونات المجتمع فما المانع من تنظيم حوار آخر ثم آخر ثم آخر إلى أن نصل إلى توافق حقيقي؟
 
ما لم تقتنع الدولة بأن حالة التمزق الطائفي التي نعيشها تشكل خطراً ليس على الطائفتين فقط وإنما على الوطن بأكمله، وتبادر بطرح حلول عملية تجنِّب البلد الانزلاق الطائفي فإن تطوُّر الأحداث يمكن أن يصل إلى مرحلة الصدام لا سمح الله.
 
كما يجب على القيادات الوطنية ورجال الدين والمثقفين من الطائفتين في هذا الوقت أن يبذلوا المزيد من الجهد من أجل التقارب وإعادة الثقة حتى ولو كان ذلك في الحدود الدنيا، وألا يتركوا البحرين نهباً للأصوات الداعية للفرقة والكره، فلا يمكن لأحد في هذه الحرب أن يكسب على حساب الآخر، وإنما سيخسر الجميع.
 

صحيفة الوسط البحرينية -  17 أغسطس 2011م

اقرأ المزيد

منظمة التجارة العالمية وقضية تغير المناخ


 
كما هو معروف فإن منظمة التجارة العالمية (World Trade Organization – WTO) التي أُنشئت على أنقاض الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية (GATT) لعام 1947، هي المؤسسة الأممية الحصرية التي تمثل النظام التجاري العالمي الجديد مثلما أن صندوق النقد الدولي الذي أنشئ في عام 1944 بموجب اتفاقية بريتون وودز، هو المؤسسة الأممية الحصرية التي تمثل النظام النقدي العالمي.

 وهذه المنظمة (منظمة التجارة العالمية) التي تم إطلاقها في مدينة مراكش المغربية في ديسمبر 1994 وتضم غالبية أعضاء الأسرة الدولية (153 دولة)، معنية أساساً بتحرير التجارة العالمية في السلع والخدمات وما يتفرع عنهما مثل الاستثمار المتصل بالتجارة وحقـوق الملكية الفكـرية والمشتريات الحكومية. ولذلك فإن موضوع تغير المناخ (Climate Change) لم يكن ضمن نطاق تفويضها (Mandate) ونطاق عملها وإن كان اتفاق مراكش لإنشاء منظمة التجارة العالمية قد أكد على أهمية الربط بين التنمية المستدامة وبين ضوابط تحرير التجارة من أجل ضمان أن يكون انفتاح الأسواق متماشياً مع الأهداف البيئية والاجتماعية.

 ولكن، وبما أن موضوع التغير المناخي قد فرض نفسه على رأس الأجندات العالمية، فقد كان لابد وأن تحاول الدول الغربية إقحامه في المفاوضات متعددة الأطراف الجارية في إطار منظمة التجارة العالمية من أجل زيادة الضغط على الدول النامية لكي تسلم بمبدأ الخفض الجماعي للانبعاثات كأمر واقع، وذلك من خلال العمل على إزالة المعوقات التي تعترض التجارة العالمية في السلع والخدمات بما ينعكس إيجاباً على البيئة، ذلك أن تسهيل الوصول إلى هذه السلع والخدمات (المصنفة على أنها منتجات بيئية) من خلال خفض أو إلغاء التعرفات الجمركية المفروضة على هذا النوع من السلع، الأمر الذي سوف يسهم – بحسب رأي الدول الأوروبية الأعضاء في المنظمة المتحمسة لهذا الربط بين التجارة وبين البيئة والتغير المناخي – في رفع كفاءة استخدام الطاقة وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتحسين نوعية الهواء والماء والأرض والمحافظة على الموارد الطبيعية، فضلاً عن تحفيز وتسريع وتيرة الابتكارات والمخترعات التكنولوجية في المجالات والأنشطة المتصلة بحماية البيئة. حتى أن البنك الدولي أعد دراسة خصيصاً لهذا الربط (بين التجارة والبيئة والتغير المناخي) خلص فيها إلى أن إلغاء القيود الكمية (التعرفات الجمركية) وغير الكمية، من شأنه أن يزيد قيمة التجارة الدولية بنسبة 14%. وتشمل المنتجات المعنية هنا المحركات الهوائية والمحركات الكهرومائية، وسخانات المياه الشمسية وخزانات إنتاج الغاز الحيوي ونحوها، إضافة إلى الخدمات البيئية مثل حماية الطبيعة والغطاء الأخضر وخدمات مراقبة الانبعاثات الناجمة عن حرق الوقود الاحفوري. وقد تقدم كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمقترحين منفصلين في ديسمبر 2007 يتضمنان قوائم للسلع والخدمات التي وصفاها بأنها صديقة للمناخ (Climate-friendly goods and services)، وهي تشكل حوالي ثلث السلع والخدمات البيئية الجاري التباحث بشأنها في أروقة المنظمة.

 ومن أجل إحداث الربط بين التجارة والبيئة، فقد نجحت الدول الغربية في إنشاء آليات تواصل واتصال بين سكرتارية منظمة التجارة العالمية وبين سكرتاريا الاتفاقيات البيئية متعددة الأطراف (Multilateral Environmental Agreements Secretariats)، وبين سكـرتارية منظمـة التجـارة العالمية وسكرتارية اتفاقيـة الأمم المتحدة الإطارية لتغير المنـاخ وذلك بدعوة ممثلـي سكرتـارية الاتفاقية لحضـور اجتماعات لجنـة منظمة التجـارة العالمية للتجـارة والبيئة (CTE)، كما أُعطيـت سـكرتارية الاتفاقية وضع العضو المراقب في اللجنة المعنية بمتابعة المفاوضات الخاصة بالتجارة والبيئة (Committee on Trade and Environment Special Session – CTESS).

وبالمقابل تشارك سكرتارية منظمة التجارة العالمية في مؤتمرات الأطراف السنوية للاتفاقية.

 أيضاً فإن محاولات جادة وقوية تبذلها الأطراف الغربية في منظمة التجارة العالمية لإدراج قطاع إنتاج واستهلاك الوقود الحيوي (Biofuels sector) في جولة الدوحة من المفاوضات الخاصة بالنفاذ إلى أسواق السلع الزراعية وغير الزراعية. كما أنها تدفع باتجاه جعل لجنة المعوقات الفنية المتصلة بالتجارة المنبثقة عن اتفاقية المعوقات الفنية المتصلة بالتجارة (Agreement on Technical Barriers to Trade)، إطاراً ملائماً لمناقشة الأنظمة والضوابط التي يمكن أن تتخذها الدول الأعضاء في المنظمة للتعامل مع قضية التغير المناخي، على اعتبار أن هذه الاتفاقية تشتمل ضمن ما تتضمنه، على ضوابط لتجنب أي معوقات غير ضرورية للتجارة وانسيابيتها.

وكانت لجنة المعوقات الفنية المتصلة بالتجارة (TBTC) قد ناقشت، بإيعاز من الدول الغربية الأعضاء، على مدى السنوات القليلة الماضية، المعايير والمقاييس المطلوبة فيما يتعلق بمنتجات كفاءة استخدام الطاقة والتحكم في مستوى الانبعاثات مثل معايير الوقود الاقتصادي للسيارة، ومتطلبات البيئة للمنتجات المستخدمة في الطاقة، وبرامج كفاءة الطاقة للمنتجات الاستهلاكية، وحدود انبعاثات محركات الديزل.
 هذا وتعتبر لجنة التجارة والبيئة (CTE) بمثابة الحاضنة للأفكار والاقتراحات لإحراز التقدم المستهدف على أجندة التجارة والبيئة وباب العبور لأي ربط محتمل بين التجارة والتغير المناخي ترغب الدول الأعضاء في المنظمة في طرقه.

في مقال الأسبوع المقبل سنسلط الضوء على الموقف التفاوضي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من التوجه الأمريكي-الأوروبي للزج بمنظمة التجارة العالمية في مواضيع تغير المناخ.

حرر في 12 أغسطس 2011

اقرأ المزيد

هل للديمقراطية من جدوى في عالمنا العربي؟ (1)


هذا السؤال طرحه د. محمد نور فرحات قبل عشر سنوات في كتابه «البحث عن العدل» هذا الكتاب يحتوي على بحوث ودراسات جميعها تبحث وتتأمل العلاقة بين السلطة السياسية من جانب والنظام القانوني من جانب آخر، ومدى انحياز هذه السلطة وذاك النظام لقيم الحرية والعدالة او لقيم الامن والاستقرار، وهي كلها كما يقول المؤلف حاكمة في امور الضبط الاجتماعي وفعالية القانون.
 
في البداية، يتوقف المؤلف عند هذا السؤال قائلا: رغم ما يبدو عليه السؤال في نظر البعض من سذاجة لكونه يطرح للتساؤل بديهيات مسلم بها، الا اننا نعتقد في اهمية طرح السؤال بهذه الصياغة النفعية البراجماتية مما يلقي الضوء على الجوانب المتعلقة بالتطبيق الديمقراطي وبالثقافة الديمقراطية في عالمنا العربي فاذا كانت «ادبيات الفكر السياسي بل والنضال الوطني التي دأبت على تناول قضية الديمقراطية في عالمنا العربي باعتبارها نوعا من الحق السياسي للشعوب مستخدمة حججا اخلاقية وسياسية لاعلاء شأن الديمقراطية والحط من شأن الاستبداد، اذا كان هذا التراث السياسي لم يفلح حتى الان في دفع الواقع السياسي العربي نحو المزيد من الانفتاح الديمقراطي فلا بديل امامنا من ان نستخدم لغة عصر العولمة وثقافة زمن الجات التي تقيم الوزن على الوزن لحسابات الارباح والخسائر والتكلفة الاقتصادية والاجتماعية لكل من الديمقراطية والاستبداد.

ما  الأسباب الحقيقية لفشل دعوات الاحياء الديمقراطية في العالم العربي؟ وما نتائج هذا الفشل؟ ثم هل من جديد تستطيع النخب السياسية والثقافة العربية وفي مقدمتها النخب المصرية ان تقدمه في هذا الشأن؟ هذه التساؤلات تمت مناقشتها قبل عقد من الزمن ومن ذاك الوقت الى اليوم حدثت تطورات أكثر من التوقعات وهناك انجازات سياسية متقدمة ومع ذلك لم تحقق هذه الانجازات الديمقراطية بمفهومها البعيد. في الوقت الذي يعتقد فيه المؤلف ان هناك حقيقة لابد وان تكون محل تسليم وهي الديمقراطية – ثقافة وفكراً وسلوكا – تحتل مكانة متأخرة في منظومة الوعي الاجتماعي والسياسي في الدول العربية سواء على مستوى النخبة السياسية والثقافية بكل شرائحها أو على مستوى القواعد الجماهيرية العربية، فان هناك ومضات في الثقافة العربية تدعو للديمقراطية وتبشر بها مثل كتابات عبدالرحمن الكواكبي ورفاعة رافع الطهطاوي ولطفي السيد وسلامة موسى وشعارات سعد زغلول، فهذه كلها دعوات كانت استثناء عن الاطار العام لثقافة الاستبداد العربي. وفي هذا السياق، يتحدث «فرحات» عن الايديولوجيات الاصولية مستشهدا على ذلك بحركات الاسلام السياسي المتعارضة مع الديمقراطية وهذا يرجع الى سبب واحد هو ان الايديولوجيات التي تبناها الساسة والمثقفون العرب منذ بدء التحديث هي ايديولوجيات تزعم بمنتهى اليقين والحسم احتكار الحقيقة المطلقة وبالتالي فان قبول الآخر فكراً ونظاماً هو امر يمس اسس الاخلاص للعقيدة الصافية. وعلى هذا الصعيد، فاذا ما انتقلنا كما يشير «فرحات» من مستوى الخطاب السياسي العام الى مستوى الثقافة السياسية الشعبية لما كان موقع قيمة الديمقراطية التعددية بأفضل من ذلك بكثير، اذ الكثير من البحوث والدراسات الواقعية تشير الى ان مسألة الديمقراطية والمشاركة السياسية تحتل مكانة متدنية في الوعي الشعبي العربي وحتى بين شرائح الصفوة المهتمة اهتماماً مباشراً بشؤون السياسة والحكم نجد قضايا التنمية والتحرر الوطني تتصدر اولويات اهتمامها بينما تتوارى مسألة الديمقراطية والحق في المشاركة السياسية من دائرة الاهتمام. فاذا انتقلنا الى القيم الحاكمة لمؤسسات المجتمع المدني العربي بدءا من الاسرة ثم المدرسة والمسجد والكنيسة وتجمعات السكن والمهنة بل وحتى الجمعيات والاحزاب وخاصة احزاب الاسلام السياسي لوجدناها قيما تقوم على ثقافة الاستبداد في مجتمع ابوي يجعل كل نقد أو نقاش بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وبعبارة اخرى، ان الاستبداد العربي ظاهرة اجتماعية ثقافية ذات جذور تاريخية وليست مجرد ظاهرة سياسية رسمية. وعلى هذا الاساسي، يستعرض الكاتب الحجج التي يرفعها الخطاب السياسي العربي لتبرير غيبة الديمقراطية أو تأجيلها ومن بين هذه الحجج التي استهدفت الديمقراطية التبرير الديني الذي يرى في الديمقراطية والتعددية أمورا لا تتسق مع تعاليمنا الدينية وهو ما يصرح به دائما العديد من ممثلي الأنظمة العربية المحافظة وهي نفس العبارات التي كانت يستخدمها القديس أوغسطين في العصور الوسطى ونحسب ان هذا التبرير هو الذي جعل الديمقراطية غريبة عن طموحات العامة في عالمنا العربي. وكذلك التبرير «التحرري» الذي يجعل من تحرير تراب الوطن اسبق واهم من تحرير المواطن والذي يجعل من الحرية الاقتصادية والاجتماعية سابقة على الحرية السياسية دون ان يعلن أصحاب هذا التبرير ان إهدار تراب الوطن وعموم الظلم السياسي هو نتيجة لغيبة الحرية السياسية والديمقراطية في كثير من المجتمعات العربية.
 
 
الأيام     13 أغسطس 2011
 

اقرأ المزيد

شعب اسـتثنائي


لكل من شعوب هذا العالم الصغير تاريخه ومنجزاته وإسهاماته في الحضارة الكلية العالمية. وكلها تتوفر على فرص وإمكانيات لأن تعانق قمم التقدم والمجد لو أحسنت توظيف وإدارة مواردها وطاقاتها بشكل حصيف ورشيد.
 
ولكن وكما يقال، الإنسان ابن بيئته، فالإنسان الذي يترعرع ويشب في بيئة صحية محفزة هو غير ذاك الذي يترعرع ويشب في بيئة طاردة للعافية العقلية والتألق المعرفي والإبداع العلمي وغزارتهما الإنتاجية المادية.
 
لما كان ذلك، فقد كان لابد لكل بيئة صانعة لإنسانها أن تشكل طبيعة وخصائص وصفات هذا الإنسان. وبهذا المعنى يمكن توصيف شعوب جنوب شرق آسيا عموما بأنها شعوب تتصف وتتميز بميزات وصفات (Qualities) لا تتوفر لدى الشعوب والأمم الأخرى، ما أكسبها ميزة تفضيلية أهلتها لاعتلاء منصات التتويج في العديد من ميادين العلم والتقدم الحضاري.
 
ويقدم لنا الشعب الياباني بهذا الصدد الدليل تلو الدليل على صحة هذه الفرضية المختبرة قراءةً وفحصا لخصائص شعوب وأمم مختلفة يستوعبها كوكبنا الأرضي. فلقد أثبت هذا الشعب الآسيوي في كل مرة يوضع فيها على محك التحدي والاختبار انه قادر على مقابلتهما وتجاوزهما مهما كانت درجة صعوبتهما وخطورتهما. انه كطائر العنقاء عند العرب (أسموها كذلك لأنه يوجد في عنقها بياض كالطوق أو لأن عنقها طويل)، أو طائر الفنيق عند الإغريق (وهي كلمة يونانية تعني نوعا معينا من النخيل)، وهو طائر أسطوري يقال انه يموت في النار ومن رمادها يخرج مخلوق جديد فائق الشبه بالقديم ويعود من فوره إلى مكانه في بلاد الشرق. وهي الأسطورة التي رواها على هذا النحو المؤرخ هيرودوت.
 
الشعب الياباني هو الشعب الوحيد في العالم الذي خبر أهوال السلاح النووي، حيث استخدمت الولايات المتحدة، لأول مرة في تاريخ البشرية، هذا السلاح ضد اليابان في الأيام الأخيرة من الحرب العالية الثانية (1939-1945)، اذ حلقت طائرة حربية أمريكية يوم الاثنين الموافق للسادس من اغسطس 1945 فوق مدينة هيروشيما وألقت قنبلة نووية على المدينة، وبعد يومين من ذلك أي في التاسع من اغسطس من العام نفسه ألقت طائرة أمريكية أخرى قنبلة ثانية على مدينة ناكازاكي. القنبلة الأولى قتلت 140 الفا من سكان مدينة هيروشيما والقنبلة الثانية قتلت 80 ألفا من سكان مدينة ناكازاكي، بخلاف من ماتوا فيما بعد تأثرا بالاشعاعات النووية للقنبلتين.
 
يومها  اعتقد الكثيرون ان هذه الكارثة النووية، ستحيل معاناة اليابانيين الى كابوس يمنعهم من النهوض على أرجلهم ثانيةً ويجعلهم مسخرة لباقي الشعوب. لكن اليابانيين خيبوا ظن هؤلاء ونهضوا بسرعة البرق كثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة، أجبرت الجميع على التحدث عن معجزتها.
 
لم تكن قنبلتا هيروشيما وناكازاكي الكارثتين الوحيدتين اللتين بحد ذاتهما يمكن ان تقصما ظهر أي أمة متراخية في مسئولياتها النهضوية، ناهيك عن مقابلة تحديات العصر وتقلبات الدهر. فلا تغرنك المساحة الكلية لليابان البالغة 380,000 كيلومترا مربعا والتي توازي مساحة ولاية كاليفورنيا الامريكية وتزيد بنحو نصف مرة عن مساحة بريطانيا. فالبلاد اليابانية التي هي عبارة عن أرخبيل من الجزر يتجاوز عددها 6800 جزيرة، فانها وبسبب الطبيعة البركانية لمعظم سلسلتها الجبلية التي يتراوح ارتفاعها ما بين 2000-3000 مترا فوق سطح الأرض، و”تَوفرها” على حوالي 150 بركانا رئيسيا – فانها كثيرا ما تتعرض لهزات أرضية خفيفة يشعر بها السكان، من دون أن نغفل الزلازل القوية التي عادةً ما تخلف وراءها دمارا وضحايا هائلين، آخرها كان الزلزال العنيف الذي ضرب المناطق الساحلية شرفي اليابان يوم الحادي عشر من مارس/آذار الماضي.. هذا الزلزال الذي تبعته موجات مد بحري عالية (تسونامي) في المحيط الهادي، اقترب كثيرا من حافة خطر هيروشيما وناكازاكي، حيث أدى الى خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات والبنية التحتية، واعتبر أعنف زلزال في تاريخ اليابان منذ بدء توثيق سجلات الزلازل قبل 140 عاما.
 
الأخطر في هذا الزلزال مطاولته للمحطات النووية اليابانية، حيث أدى الى حدوث انفجار في مفاعل فوكوشيما النووي نتج عنه انهيارات في سقف وجدران مبنى المفاعل، ما هدد بوقوع اصهار في المفاعل ودفع الحكومة لإعلان حالة الطوارئ في محطة نووية ثانية وإجلاء مئات آلاف السكان عن مناطقهم المتضررة بفعل الزلزال والتسونامي والمهددة باشعاعات فوكوشيما.
 
كل هذه الكوارث البشرية (هيروشيما وناكازاكي) والطبيعية (الزلازل والأعاصير والتسونامي) لم تنل من عزيمة اليابانيين ولم تفت في عضدهم وإرادتهم وتمنعهم عن مواصلة مسيرة تقدمهم. فوسط مأساة الزلزال الأخير المدمر وانفجار مفاعل فوكوشيما تُفاجئك هذه اليابان العصية الإرادة على الكسر، بنجاح منتخبها الوطني النسائي لكرة القدم في السابع عشر من يوليو الماضي في انتزاع بطولة كأس العالم لكرة القدم للنساء للمرة الأولى والحلول محل الولايات المتحدة الامريكية في التربع على عرش كرة القدم النسائية في العالم بعد ان هزمتها في المباراة النهائية وبعد ان كانت قد هزمت قبل ذلك أقوى المنتخبات العالمية: منتخبي المانيا (صاحبة الأرض والجمهور) والسويد.
   
فما سر كل هذا التميز والتفوق؟
 
انها الروح الوثابة والشمائل الخاصة التي يتمتع بها الياباني.. من انضباط عال واحترام للوقت واحترام وتقدير لقيمة العمل. انه شعب استثنائي يقدم الدرس تلو الدرس لكل الشعوب الجادة في ركوب قطار التقدم الحضاري العالمي.

اقرأ المزيد

أول الغيث… إرجاع المفصولين إلى أعمالهم


إصرار لجنة تقصي الحقائق على إرجاع من تم فصلهم وإيقافهم من أعمالهم وحتى قبل بدء عملها يعني أن اللجنة ترى أن هناك ظلما وانتهاكا كبيرا لحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير قد وقع على شريحة كبيرة من أبناء البحرين, ولذلك فإن رئيس اللجنة محمود شريف بسيوني أكد أنه «سيرفع مسألة استمرار فصل الموظفين المخالف للقانون إلى عاهل البلاد بصورة فورية». وقال إن جلالة الملك وافق على إعادة من فصل من عمله بسبب التعبير عن رأيه إلى مكان عمله وكذلك الطلبة الذين سحبت البعثات منهم أو فصلوا من جامعاتهم يجب أن تعاد لهم منحهم ويعودوا إلى جامعاتهم.
 
اللجنة لم تر داعيا للتحقيق في مسألة الفصل الجماعي أو الاستماع لشكاوى من تم فصلهم أو إيقافهم من قبل لجان التحقيق, ما يعني أن لديها قناعة تامة بأن ما حصل يعد انتهاكاً لقوانين العمل البحرينية وللمعايير الدولية، وخاصة تلك التي تمنع التمييز على أساس المواقف السياسية للأفراد. كما أنها تخالف الحقوق التي يكفلها الدستور البحريني والقوانين المحلية والمواثيق الدولية، حيث إن معاقبة الموظفين على آرائهم ونشاطاتهم السياسية وانتمائهم المذهبي مخالف لاتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بالتمييز في مجال الاستخدام والمهنة، والعديد من بنود العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
 
ولذلك فإن منظمة العمل الدولية بعثت بوفد منها في نهاية شهر أبريل/ نيسان الماضي للالتقاء بالمسئولين في البحرين لبحث موضوع المسرحين والطلب من الحكومة إرجاعهم لأعمالهم.
 
ما حدث في البحرين خلال الفترة الماضية يشبه لحد كبير ما حدث في الولايات المتحدة الأميركية أوائل الخمسينيات من القرن الماضي في أوج الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي, عندما ترأس السناتور الجمهوري جوزف مكارثي اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيق فيما ادعاه من وجود عدد كبير من المتعاطفين مع الشيوعية في الإدارة الأميركية فقام بتوجيه اتهاماته لعدد كبير من الأميركيين والتحقيق معهم مما أدى إلى فقدان الكثير منهم لأعمالهم وأشاع الخوف في جميع أنحاء أميركا.
 
فلجان التحقيق التي انتشرت كالفطر في جميع مؤسسات الدولة والشركات العامة والخاصة والجامعات والمدارس حققت مع الآلاف من المواطنين وأصدرت أحكامها بفصل ما يقارب من 3000 موظف، وأوقفت عن العمل الآلاف، وفصلت المئات من طلبة الجامعات، كما أوقفت بعثات المئات منهم, ليثبت بعد ذلك أن أكثر من 570 موظفا ممن أدينوا من قبل هذه اللجان بريئون تماما من أية تهمة ولم يقوموا بارتكاب أي مخالفة.
 
ولم يقتصر الأمر على لجان التحقيق, فحتى الأعضاء البلديون المنتخبون من الشعب تم إسقاط عضويتهم من المجالس البلدية وبطريقة غير قانونية عندما تم تجاوز نص المادة (16) من فصل المجالس البلدية من مرسوم القانون رقم (35) لسنة 2001 بإصدار قانون البلديات، والتي تنص على «تسقط العضوية عن عضو المجلس بقرار من المجلس البلدي بغالبية ثلثي أعضائه، وذلك في حال إخلاله بواجبات العضوية», حيث صوت خمسة أعضاء من أصل 9 أعضاء على إسقاط عضوية 4 أعضاء من كتلة الوفاق البلدية في مجلس بلدي المحافظة الوسطى خلافا لنص المادة والتي تتطلب تصويت 6 أعضاء أي ثلثي الأعضاء.
لم يكتفِ البعض بهذا العدد الهائل من المفصولين من أعمالهم وإنما طالب بمعاقبة الجميع, حتى من لم تثبت عليه أي اتهامات ولم يرصد عليه أي مستمسك أو صورة تثبت خروجه في المسيرات أو وجوده في الدوار وطالب لجان التحقيق بـ «التساهل مع من تثبت مخالفته للقوانين بشرط أن يقوم بتزويد هذه اللجان بأسماء من تواجدوا في المسيرات والدوار ولم يتم رصدهم بالصور», وكل شيء بثمن
 
صحيفة الوسط البحرينية – 27 يوليو 2011م
 

اقرأ المزيد

هيغل وماركس العربيان — بقلم يوسف مكي


في اللحظات التاريخية الفارقة يحتاج المرء، كما الناس جميعاً إلى التوقف وإمعان النظر باتجاهات ثلاثة. إمعان النظر فيما مضى، وفيما هو قائم، وفيما هو قادم.
 
ومن الطبيعي أن يختلف الأشخاص في مقاربة الأمور والأحداث، ومن الطبيعي أيضاً أن يتفق الأشخاص في مقاربة ما حدث وما يحدث، وما سيحدث. فالاتفاق المطلق بين الناس مستحيل، كما أن الاتفاق المطلق هو الآخر مستحيل.
 
أما المقاربات والتحليلات لما يحدث فلا تعد ولا تحصى، ولكن أكثر المقاربات حضوراً هي المقاربات السياسية، وهذا ما يلحظه المرء في مقاربة ما يجري على الساحة العربية منذ الثورة التونسية في مطلع هذا العام (2011) وما أعقبها من زلزال عربي وارتداداته حتى الآن.
 
ومن الطبيعي أن يكون للخطاب السياسي الحضور الكاسح، بما أن الأحداث سياسية واجتماعية، كالثورات والانتفاضات العربية، وهذا في الواقع ليس عيباً وإنما من طبيعة الأمور.
 
لكن الشيء الملفت في غمرة حضور الخطاب السياسي، ومن غير الطبيعي، هو غياب الخطاب الثقافي والمعرفي عموماً، والمقاربة الفلسفية لما جرى وما يجري وما سيحدث في المستقبل خصوصاً.
 
لذلك نجد لدينا خطاباً سياسياً عربياً في الثورة ومنذ عقود، كما أن لدينا منظرين في الشأن السياسي، لكن إزاء ذلك، لا يوجد لدينا مفكرون وفلاسفة يقومون بتحليل ما جرى وما يجري وما ستأتي به الأيام.
 
والأحداث والثورات إذا كان لها خطابها السياسي الفائض، فهي فقيرة في الخطاب المعرفي والفلسفي تحديداً. وهذه مشكلة مزمنة في الثقافة العربية عموماً.
 
نعم لا يوجد لدينا مفكر فيلسوف من عيار هيغل يقوم بمقاربة فلسفية ضخمة لماضي وحاضر ومستقبل العرب كما فعل هو نفسه بالنسبة إلى الأمة الألمانية. كما لا يوجد بين ظهراني العرب حتى الآن فيلسوف بوزن ماركس يقوم بتحليل مركب، سياسي ثقافي فكري فلسفي اقتصادي اجتماعي لما يجري في المنطقة العربية والتطلع إلى آفاق المستقبل، كما فعل ماركس بالنسبة إلى أوربا الرأسمالية.
 
إن ما جرى ويجري على الساحة العربية ليس أمراً عادياً؛ بل هو حدث تاريخي هائل بامتياز، وله دلالات ونتائج ازعم أنها ستكون كاسحة وعميقة على مختلف المستويات لأمد غير منظور.
 
وأحداث من هذا النوع المفصلي إذا كانت بحاجة إلى تحليلات سياسية آنية، فإنها في أمس الحاجة إلى المقاربات الفلسفية العميقة أكثر من أي وقت مضى.لا لشيء، إنما لعقلنة النظر إلى هذه الأحداث الضخمة، وتحليلها من منظور فلسفي أكثر عمقاً وسداداً، وطرح الأسئلة الكبرى من قبيل لماذا جرى ماجرى، ما فلسفة ذلك وما وراء ذلك وما أمامه؟ ومن ثم أخذ العبر، والنظر إلى الحاضر والمستقبل على أسس معرفية وأبعاد فلسفية، لم نزل نفتقر إليها حتى الآن في واقع العرب كما في ثقافتهم؛ إذ لم تنجب الشعوب العربية في تاريخها الحديث، لا في السلم ولا في الحرب ولا في الاستقرار ولا في الثورة مفكراً أو فيلسوفاً بوزن ماركس أو بوزن هيغل ليفلسف طبائع الأحداث، ومن ثم الخروج بنتائج ابستمولوجية.
 
ولكن من يدري، كما أن ألمانيا وأوربا القرن الثامن عشر والتاسع عشر أنجبت كلاً من هيغل وماركس في أتون الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية الهائلة التي عصفت بأوروبا، فمن المحتمل أن تكون الظروف التي يعيشها عرب هذه الأيام سبباً في ولادة هيغل عربي، أو ماركس عربي. ذلك أن الفلاسفة الكبار يولدون من أرحام شعوبهم، كما يمثلون خلاصة هذه الشعوب ورحيقها . فهل نشهد عما قريب ولادة هيغل وماركس العربيين؟ ربما
 
 
الكاتب: يوسف مكي  أستاذ علم الاجتماع في وزارة التربية- البحرين
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3253 – الخميس 04 أغسطس 2011م
 

اقرأ المزيد

بناء الثقة ولجنة تقصي الحقائق


اللجنة الملكية لتقصي الحقائق برئاسة محمود شريف بسيوني تعتبر خطوة مهمة واستراتيجية لبناء الثقة التي نحتاجها لتخطي ما تمر به البحرين حالياً، وقد دخل اسم «بسيوني» في تاريخ البحرين. ولجنة تقصي الحقائق بدأت ترتبط باسمه؛ لأنها أصبحت عنواناً لمرحلة مختلفة، وجاء تعيينها من قبل جلالة الملك كخطوة مفاجئة في نهاية يونيو/ حزيران 2011، وهي خطوة أفرحت كل من يحب لبلادنا خيراً.
 
ولعل أهم إنجاز لهذه اللجنة سيكون في مقدار ما تحققه في مجال إعادة بناء الثقة بين مختلف الأطراف… فهذه اللجنة، وبحكم الصلاحيات الملكية الممنوحة لها، يمكنها أن تطلع على مختلف القضايا والآراء، وبإمكانها أن تستشف جذور ما حدث في البحرين، ومن ثم تقدم تقريرها للقيادة السياسية من أجل تنمية وتعزيز بيئة تتحقق فيها العدالة من خلال الاستماع لكل الأطراف، وتقصي الحيثيات، والتعرف على أي تجاوزات.
اللجنة قادرة على تحقيق الكثير لأنها حائزة على ثقة معتبرة، وهي مشكّلة من شخصيات لها اعتبار دولي، وليس من مصلحتها الانحياز، والمُعوَّل عليها كثير جداً. ولكن اللجنة قد تجد نفسها مرهقة بسبب التعقيد الشديد الذي تميزت به الأحداث في البحرين منذ فبراير/ شباط الماضي، ونشوء حكايات متعددة لكل واقعة مررنا بها.
 
من المهم جداً أن نعي أن أقصى ما تستطيع تحقيقه لجنة تقصي الحقائق هو إعطاء صورة تقريبية لما حدث، وهي ستركز على التجاوزات فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ولعل اللجنة ستقدم توصيات عديدة، ولكن اللجنة ليس دورها إصلاح الشأن السياسي ولن تستطيع إجبار البحرينيين على إصلاح الأمور، فهذا يجب أن ينبع من كل الفئات التي يهمها أن تنهض البحرين من جديد وتتخذ المكانة التي تستحقها على المستويين الإقليمي والدولي.
 
البحرين قبل نحو قرن كانت أولى دول الخليج التي دخلت عصر الدولة الحديثة من ناحية الإدارة، وهو ما أطلق عليه في عشرينيات القرن الماضي بالإصلاحات الإدارية، وهي إصلاحات نقلت البحرين عالياً بحيث أصبح يشار إليها بالبنان من ناحية سبل إدارة الدولة والتعليم والتدريب والاشتغال في مختلف أنواع المهن. وقد نمت الحركة الإصلاحية البحرينية بشكل متواصل، وفي كل الفترات، فإن الجميع كان همه البحرين ومستقبلها، وإيمانه بأن المجتمع كيان متكامل يعتمد بعضه على الآخر، وأن لا غنى لأية فئة عن أخرى، وأن البحرين ليس فيها غالب ومغلوب، وإنما هي للجميع، وأن الخير الذي ينتج عن حركة ما أو مطلب من المطالب إنما يعم في نتائجه الحسنة الجميع.
 
إننا بحاجة إلى نجاح لجنة تقصي الحقائق لتأكيد ثقافة الاستماع للآخر، واحترام حقوق الإنسان، وضرورة السير على خطوات تصحيحية توصلنا في نهاية المطاف إلى استئناف حياتنا العامة بإيجابية تضع المواطن والوطن فوق كل اعتبار.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 06 أغسطس 2011م

اقرأ المزيد

المسرّحون وأشباههم: لنتعلم الدرس


قادت الأوضاع الساخنة والمضطربة الكثير من المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية إلى أن تشغّل طواقمها، في فترة ما، محاورين ومحققين مع موظفيهم، حتى إن لم يكونوا قد مارسوا مهنة التحقيق التي هي واحدة من المهن المتخصصة التي تتطلب دراسة ودراية وطرقاً علمية في وضع الأسئلة واستنباط الإجابات، والخروج بمحصلة نهائية مبنية على ملاحظات مختلفة دقيقة تتعلق بمن يجري استجوابه، والأمر هنا لا يتعلق بالمخالفات الداخلية في مجال العمل، ولكن تجاوزتها بمراحل، وإلى موضوعات تصغر مخالفات العمل أمامها، وربما تتوارى وتتلاشى، فأصبح قسم كبير من هذه اللجان تعتوره الخروقات القانونية، ويعاب عليه أنه كان “يتعلم” من حالة إلى أخرى، ويكتسب الخبرة، وفي طريق هذا الاكتساب تحدث الكثير من الأخطاء والهفوات التي ربما تودي بمستقبل البعض من الذين كانوا “فئران تجارب”، بينما الجواب السهل والسلس والمسكت لجميع الانتقادات يقول: بإمكان المتضرر اللجوء إلى القضاء… هكذا بسهولة تامة من دون الأخذ بالآثار النفسية والاجتماعية والمادية التي تحيط بمن يرى أنه ظُلم من هذا السياق، وعليه أن يبذل جهوداً مضاعفة لرفع الظلم عن نفسه ومحيطه، وبصرف النظر عن أيامه وساعاته التي قضاها في ألم تشرّب هذا الإحساس المرير، ليس وحده، ولكن مع عياله ومن يلونه.

إن الحديث هنا اليوم لا يخص عشرات، ولا مئات، بل الآلاف من الذين واجهوا وضعاً لا سابق له على المستوى الوطني، حيث يجلس زملاؤهم في العمل على الطرف الآخر للطاولة ويبدأ الطرفان في مدافعة الأمر كلٌّ يريد الوصول إلى غايته، فأنتج هذا اليوم ما يزيد عن الألفي مسرّح، ناهيك عن أضعافهم الذين لم يتم البتّ بعد في قضاياهم، أو الذين سيُرفعون إلى درجات أعلى من التعاطي في هذا الأمر، وآخرون سلموا قيادهم لله تعالى يصّرف الأمور كيف يشاء من دون أي ردّ فعل، والذين نُصحوا بألا يزيدوا الأمر سوءاً بالاحتجاج على مؤسساتهم لأن هناك ما يلوح في الأفق من أن الجميع سيعودون إلى وظائفهم، فلفهم الصمت والترقب.

إنه، في البداية والنهاية، تعطيل للكثير من الطاقات التي وجب انصرافها إلى التعمير والبذل والعطاء، من قبل الطرفين الجالسين على الطاولة، بدل من إضاعة كل هذا الوقت والجهد والانكباب على هذه الملفات، والابتعاد عن الخطط الإستراتيجية التي كلفت الكثير من الوقت والمال في العامين الماضيين، لنركنها على الرفوف، ونبدأ مشروعاً بهذا الاتساع في عملية البحث عن “المخطئين” وألقابهم المجانية التي أسبغت عليهم، وذلك لمدة شهور مضت، ولمدة شهور ستأتي.

هناك توجه على ما يبدو لعودة القسم الأكبر من الذين قيل أنهم يستحقون أشد أنواع العقاب، وما الفصل من الأعمال إلا أهونها، وقد يقرأ قرار “ممتلكات” على أنه واحد من ضمن هذه التوجهات، وبالتالي سيضعُف الطالب والمطلوب، ويشعر المتحمسون بالخذلان واللاجدوى، ويشعر العائدون بالمرارة لما حدث لهم، ويبقى مصطلح “لن نقول: عفا الله عمّا سلف” متبادل بين الطرفين، كلٌّ يقوله من منطلقه!

إن بقاء أكثر من 2000 عامل اليوم خارج نطاق العمل، مضروب في 5 أفراد يعالون من قبل كلٍّ منهم (بشكل افتراضي)، سيكون من الصعب ذوبانهم من غير أن تراهم العين المجرَّدة مجتمعياً، ومن الخطأ الاعتقاد أنهم سينكفئون على أنفسهم يبكون ما قدّمت أيديهم، وما قادتهم إليه أقدامهم عندما ذهبوا إلى “الدوّار”، أو شاركوا في المسيرات المختلفة، المرخصة منها وغير المرخصة. فلقد بدأت تتكشف لدى العديد منهم صعوبة الوضع الاقتصادي المقبلين عليه في رمضان وما يعقبه من عيد ودخول للمدارس، وهي مواسم لا يقدر على مواجهتها الكثير من الذين هم على رؤوس أعمالهم، فكيف بمن هم تحت وطأة التسريح أو التجميد؟!

فالتجمّع الذي قام به المسرّحون يوم الأحد الماضي، الأول من أغسطس، الأول من رمضان، ستكون له (على ما يبدو) تبعات أخرى إن انطوت الأيام من دون حلول، وإن تم الجلوس على “الحديدة” في الصيف اللاهب. فلنحفظ هذا التاريخ الذي قد نردده كنقطة مرجعية في أحداث 2011، إلى جانب: 14 فبراير، 17 فبراير، 16 مارس، وما بينهما من تواريخ أقل أو أكثر التماعاً. إذ أن التجمّع الأولي الذي حدث كان بالون اختبار أولي لمدى صبر ولياقة الطرفين، ولكن إن درجت الأيام واستمر الحال، فمن يمكنه ضمان ألا يعيد التاريخ نفسه مجدداً؟!

قد يرجعنا هذا الوضع 17 عاماً إلى الوراء، إلى صيف العام 1994، حيث بدأت احتجاجات العاطلين أمام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (آنذاك) بعد أن ضاق بهم الحال، ونشفت منهم العروق، ولم يبق في الوجوه ماء ليراق في طلب الوظائف. وسواء قيل أنها كانت حركة اجتماعية اقتصادية بحتة، أم أنها كانت مشوبة بأغراض سياسية لها مقاصدها، فإن وقودها هم الناس أنفسهم، إلا أنها كانت شرارة اشتعال فترة مظلمة قاسية شهدتها البحرين على كل الأصعدة، وخلفت سمعة سيئة لهذا البلد الصغير، لزم الكثير من الجهد والمبادرات حتى يزال عنها الركام العالمي السيئ الذي حاق بها، والذي يؤثر – أول ما يؤثر – على تدفق الاستثمارات إليها، وهو عصب الاقتصاد البحريني كون هذا البلد يقوم على الخدمات.

على مدى السنوات اللاحقة للعام 1994، ما عاد الكثير يذكرون شرارة الحراك العلني الجمعي، فقد استولى الملف السياسي، والمطالبات بالبرلمان والحريات وتفعيل الدستور، على بؤرة الاهتمام، وهكذا الأمور غالباً: تبدأ بشكل وتستحيل إلى شكل وتنتهي إلى شكل آخر، ولكن التاريخ يُكتب، ويُراقب لكيما نتعلم منه، أو نعتقد أننا نتعلم منه، ولا نعيد تمثيله من جديد، خصوصاً وأن الذين عاشوا تلك الفترة هم أنفسهم على الساحة اليوم، فاثنان من المشاهير على مستوى الفكر البشري يشيران بشيء من السخرية إلى أننا قليلاً ما نعي ما حدث بالأمس، ونادراً ما نستفيد منه. فيقول الروائي الإنجليزي ألدوس هكسلي “ أهم شيء في دروس التاريخ، والتي لا نعيرها عادة الكثير من الاهتمام، هي دروس التاريخ”، وكذلك الإنجليزي الساخر جورج برنارد شو إذ يقول “هيجل كان محقاً عندما قال: إننا نتعلم من التاريخ أن المرء لا يستطيع أن يتعلم أي شيء من التاريخ”!
 
صحيفة البلاد 3 أغسطس 2011

اقرأ المزيد

القنابل العمالية الموقوتة

 

 


من جديد طفت قضية العمال المفصولين على السطح، وطغت على اتجاهات الأوضاع السياسية. ودون الحاجة للعودة للأرقام، وبعيداً عن الغوص غير المبرر، في هذه المرحلة، في نسب البطالة، يمكننا القول إن مسألة «الفصل من العمل»، باتت تحتل مكانة متميزة في جدول أعمال العمل السياسي اليوم. ومحطات كثيرة في تاريخ البحرين السياسي المعاصر تشير إلى أن البطالة والقضايا العمالية كانت، كما في انتفاضة 1965 على سبيل المثال لا الحصر، من الأسباب التي فجّرت الأوضاع، وأدّت إلى توتير العلاقة بين المواطن والدولة.
 
من هنا تبرز ضرورة معالجة قضايا المفصولين من العمل من مدخل استراتيجي سياسي يأخذ في الاعتبار المسائل التالية:
1 – علاقة التأثير المتبادل بين المفصولين والأوضاع السياسية، وخاصة في هذه المرحلة بالذات، حيث تتداخل الأوراق بين ما هو معيشي أو خدماتي، وبين ما هو سياسي، وبالتالي تتحول القضايا العمالية، وفي المقدمة منها مسألة المفصولين، إلى ورقة ضغط سياسية ترجح كفة من يحسن استخدامها، وتضعف الأطراف الأخرى التي تقف في مواجهته.
 
2 – تداخل قضية المفصولين، أيضاً، مع ظاهرة التخندق الطائفي، وبداية ظهور بوادر تشير إلى إمكانية استغلالها في تأجيج النزعات الطائفية، والنفخ في أتونها، كي تنحرف من مسارها العمالي السليم، إلى طرق الطائفية المحفوفة بالمخاطر، والمكتظة بالانتهازيين والمتربصين الذين تنتعش أحلامهم في الأجواء الطائفية المريضة.
 
3 – انعكاس ذلك سلباً على الأوضاع الاقتصادية البحرينية وسوقها المالي، لما تثيره قضايا البطالة والاحتجاجات العمالية من مخاوف في نفوس المستثمرين الأجانب، بمن فيهم أصحاب الأموال الخليجيون، الأمر الذي من شأنه حرمان السوق البحرينية من «التدفق المباشر للرأس مال الخارجي». محصلة ذلك جفاف المنابع الخارجية، التي ليس من المستبعد، أيضاً، أن يجاريها الرأس مال المحلي، فيهرب إلى الخارج. والنتيجة النهائية تراجُع فرص العمل، نظراً إلى عدم وجود الرأس مال الذي يولد فرص عمل جديدة، وكل ذلك يقود، بطبيعة الحال إلى ارتفاع نسبة البطالة، وتحوُّل البطالة إلى ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة التي تزيد الأوضاع سوءاً.
 
تأسيساً على ذلك تبرز الحاجة إلى ضرورة المسارعة إلى حل مشكلة المفصولين، وإعطائها الأولوية في المعالجات التي تسعى الدولة إلى أن تستعين بها لمداواة جروح الأحداث الأخيرة. وطالما أن الشيء بالشيء يُذكر، فلا بد، ونحن في سياق الحديث عن قضية المفصولين، أن نتطرق إلى الأطباء الاستشاريين الذين لا يزال البعض منهم بانتظار العودة إلى أعمالهم بعد أن سُمح لهم فتح عياداتهم، كما أن هناك أيضاً أساتذة الجامعة الذين بحاجة إلى من ينظر في قضيتهم.
 
وما لم تسارع الدولة إلى حل مثل هذه المشكلات، يتحول المفصولون، من دون قرار مسبق منهم، إلى ما يشبه القنابل الموقوتة المهيأة للانفجار في أية لحظة، وتدمير المشروعات الإصلاحية الأخرى، حتى وإن لم يخططوا لممارسة هذا الدور الذي لا يرضاه أحد لهم، ولا يرضونه هم لأنفسهم.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 02 أغسطس 2011م
 

اقرأ المزيد

فرص تنفيس السخط الاجتماعي في المرحلة الانتقالية


طرقنا في مقال الأسبوع قبل الماضي (8 يوليو/تموز 2011) موضوع “تحديات المراحل الانتقالية”، وهو موضوع بالغ الأهمية والحيوية بالنسبة لكافة مجتمعاتنا العربية التي تجتاز، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مراحل انتقالية اضطرارية فرضها الربيع العربي بهبات نسائمه العليلة التي فتحت لأول مرة كوة في جدار الصمت والجمود اللذين خيّما على المشهد العربي العام على مدى أكثر من نصف قرن.
 
وقد عرضنا على سبيل التحديد للمرحلتين الانتقاليتين اللتين تجتازهما كل من مصر وتونس بعد نجاح ثورتيهما الشعبيتين اللتين أطاحتا النظامين الحاكمين فيهما .. نظام الرئيس السابق حسني مبارك في مصر ونظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في تونس. وأوضحنا إن المصاعب والمخاطر المحدقة بالبلدين الشقيقين جراء الفوضى التي عادة ما تنشب جراء انهيار نظام بكامل مؤسساته وأجهزته، التنفيذية خصوصا، وما يقابل ذلك من محاولات مشوبة بالإرباك والتعثر والبطء والتلكؤ من أجل إحلال نظام آخر بديل يقوم مقام النظام السابق، وان يعمل بكل جد ومثابرة من أجل إعادة تشغيل ماكينة الدولة بكامل طاقتها وفاعليتها الإنتاجية.
 
إنها لمهمة في غاية الصعوبة والتعقيد، ناهيك عن أن مرحلة إعادة البناء تستغرق وقتا وصبرا قبل أن تظهر نتائجها الملموسة على الأرض، في الوقت الذي تكون فيه جماهير الشعب تنتظر بفارغ الصبر سرعة وفورية حصادها لعملية التغيير الكبرى التي أسهمت بتضحياتها الجسيمة في انجازها.
 
فكيف السبيل لمقابلة هذا التحدي الكبير الذي تشكله هذه المعضلة العويصة؟
 
طبعا سوف يكون ضربا من المستحيل أن تتمكن أي عملية تغيير سياسية نوعية من وزن التغييرين الكبيرين اللذين حدثا في تونس ومصر، وفي ظل حال الاضطراب والتراجع الذي يكاد يعم كافة قطاعاتهما الاقتصادية – أن تتمكن من تقديم مكاسب مادية فورية للناس التي ثارت من أجل تحسين أوضاعها بصفة عامة، وخصوصا منها أوضاعها المعيشية. وهذا بحد ذاته مصدر لارتفاع حرارة مشاعر السخط والامتعاض والاستياء التي يمكن أن ترتد أعمال شغب وتمرد وفتن سوف تكون بلاشك محل ترحاب وتشجيع وتحفيز القوى المضادة لعملية التغيير التي خسرت فجأة كافة امتيازاتها والتي ستبقى متأهبة، تُمني النفس، باستعادة نفوذها وامتيازاتها.
 
 
 
 
 
 
 
 
وأمام معطيات مثل هذه التداعيات السلبية لما بعد الثورات والتغييرات النوعية للحالة السياسية التي كانت حاكمة لحركة المجتمع حتى وقت قريب، فان التغلب عليها ومعالجة ذيولها هو الآخر يبدو مستحيلا قبل أن تأخذ الفوضى مداها وتستقر عند ما يمكن تسميته بالمنفعة الحدية (في الاقتصاد) حين تتلاقى منفعة البائع والمشتري على سعر المبيع، وفي حالتنا حين يصل المجتمع والدولة أو بالأحرى بقايا مؤسسات ورموز الدولة إلى قناعة بضرورة وفق النزف المتبادل للطاقات.
 
ما من حلول سحرية بطبيعة الحال لهكذا استعصاءات اجتماعية وتنموية بوجه عام. إنما هنالك فرص وإمكانيات لتنفيس الاحتقانات ومسببات تفاقم مشاعر السخط والاستياء المفضية للتمرد والاضطراب. فإذا كان تحقيق المطالب المعيشية ليس متاحا فان في وسع الحكومات الانتقالية كسب ثقة الناس وتفهمهم بل وحتى تأييدهم لإجراءاتها إن هي نفذت على الأقل الشق السياسي المتصل بمطالب الناس في تحقيق العدالة وتقديم رؤوس الفساد والمتسببين خلال المرحلة السابقة في الكارثة الاقتصادية والمعيشية التي آلت إليها الأوضاع العامة، للعدالة.
 
في مصر،على سبيل المثال، فان المطالب التي طرحها ائتلاف شباب ثورة 25 يناير 2011 في جمعة 8 يوليو/تموز بميدان التحرير تصلح لأن تكون ورقة مرور وتعويم للمجلس العسكري الذي يدير البلاد منذ أن أطاحت الثورة بنظام حسني مبارك والذي أخذت ثقة المصريين فيه تضعف نوعا ما بسبب التباطؤ الذي يعتور الخطوات الإصلاحية للثورة المصرية التي دفع الشباب المصري فاتورة كبيرة في سبيل إنجاحها . من ذلك على سبيل المثال لا الحصر: تخصيص دوائر قضائية مختصة بسرعة البت في محاكمة المتورطين في قضايا الفساد ونهب ثروة البلاد وتبديدها؛ وضع جدول زمني ملزم لإعادة هيكلة الوزارات والهيئات التي تلوثت سمعتها في العهد السابق؛ والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين؛ والكشف عن مصير المختفين والمفقودين؛ وتعويض أسر الشهداء والجرحى الذين سقطوا ضحايا قمع النظام السابق؛ ووقف بيع الغاز المصري إلى إسرائيل وبيعه عوضا عن ذلك إلى مشترين آخرين بأسعار السوق الحقيقية.
 
ولعل هذا ينطبق بنفس القدر تقريبا على الحكومة الانتقالية في تونس، مثلما انه ينطبق على بقية البلدان العربية التي تجتاز راهنا شكلا من أشكال المراحل الانتقالية. فإذا كان التقدم على المسار الاقتصادي-الاجتماعي  صعبا خلال هذه المرحلة فان المسار السياسي يوفر فرصة مواتية لإحراز تقدم ملموس يمكن أن يعوض بعض الشيء الإخفاق المؤقت على المسار الاقتصادي-الاجتماعي.
 
 
 
 

اقرأ المزيد