المنشور

بين الأزمة العميقة ولعبة تقطيع الوقت!


لم يسبق أن اتضحت مظاهر الأزمة العميقة للنهج السلطوي المعرقل لمشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة والمعيق للتطور الديمقراطي مثلما هي عليه الآن… بدءا من احتكار القرار بالتزامن مع احتدام التنافس بين الأطراف السلطوية ذاتها، مرورا بالتخبّط والعجز والقصور وعدم الكفاءة وسوء الإدارة السياسية للدولة، وصولا إلى افتضاح نهج الإفساد والفساد، وما كشفته فضيحة الرشاوى المقدّمة للنواب من انحطاط أخلاقي غير مسبوق، وما أدى إليه ذلك كله من تدهور لصدقية السلطة وتنامٍ لمشاعر الإحباط العام وفقدان للثقة في سلامة وضع المنظومة المؤسسية للدولة ونزاهة القائمين عليها.
 
وأصبح الوضع مقرفا بكل ما يعنيه الوصف من معانٍ ودلالات، بحيث لم يعد هناك مجال للتبريرات المتهافتة والتصريحات المتحذلقة والوعود الفارغة المعتادة، بل لعلّه قد لا يفيد حتى حلّ مجلس الأمة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وإن كان هذا مطلبا مطروحا، ولن يكفي تغيير الحكومة، حتى وإن طال التغيير شخوصها الرئيسية مثلما هي المناداة بمطلب الحكومة الجديدة بالرئيس الجديد، لأنّ هناك شعورا عاما متناميا يرى الآن أنّ الخلل أصبح خللا هيكليا في البنية الأساسية للدولة وفي منظومتها السياسية، وليس مثلما كان الانطباع السائد سابقا بأنّه خلل إجرائي وقصور ذاتي في الأداء وسلبية في الممارسة!
 
ولعلّ هذا ما يفسر اتساع حجم اصطفاف القوى والأطراف الشبابية والسياسية والنيابية المعترضة على هذا الوضع البائس، وهذا ما يفسر ارتفاع نبرة الخطاب السياسي المعارض والشعارات المرفوعة من شاكلة “الإمارة الدستورية” وذلك بغض النظر عن دقّة محتوى هذا الشعار أو المطلب أو ذاك وما إذا كان محل توافق وطني حوله، هذا بالإضافة إلى تنوع أشكال الاحتجاج والتحرك، حتى وإن افتقد بعضها التنسيق المفترض وبدت تحركات متضاربة.
 
ويمكننا أن نلحظ أنّ النواب كانوا خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي هم مركز الحراك السياسي بعد تشكيل كتلة “إلا الدستور” وإقامة الندوتين المشهودتين في ديوانيتي النائبين أحمد السعدون والدكتور جمعان الحربش  وما صاحبهما من أعمال استفزازية وإجراءات قمعية… وفي النصف الأول من هذا العام حدث تحوّل ملحوظ حيث أصبحت المجموعات الشبابية، بغض النظر عن تسمياتها واتفاقها أو اختلافها ونجاحاتها وإخفاقاتها، هي مركز الحركة الاحتجاجية… والجديد الآن أنّ جبهة الحراك السياسي والحركة الاحتجاجية اتسعت وأصبحت تضم نوابا معترضين لا يزالون أقلية ضمن هذا المجلس سيئ الذكر، ومجموعات شبابية محتجة متعددة الأسماء، وقوى سياسية قائمة قررت الانخراط المباشر في التحرك على مستويات مختلفة وبدرجات متفاوتة.
 
ومثل هذا الاصطفاف الواسع للقوى النيابية والشبابية والسياسية في ظل تعمّق أزمة النهج السلطوي من شأنه أن يزيد عزلة هذا النهج… وفي الغالب فإنّه لن يكون أمام الطرف السلطوي الرئيسي من مخرج من هذا الوضع المأزوم إلا إعادة خلط الأوراق مجددا ومحاولة اللعب على عنصر الوقت، وذلك باللجوء إلى خيار حلّ مجلس الأمة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وهنا قد يتم خلط المزيد من الأوراق عبر محاولة فرض تقسيم جديد للدوائر الانتخابية، مثلما يتردد، وهذا ما سيؤدي إلى انشغال الأطراف النيابية والسياسية عبر مرشحيها، بل ربما حتى بعض الأطراف الشبابية، بلعبة الانتخابات فترة من الوقت، ينصرف خلالها التركيز على أزمة النهج السلطوي؛ وتتشتت فيها جهود الأطراف المحتجة على التنافس الانتخابي، وتتوقف خلالها التحركات والاحتجاجات وتتحوّل إلى ندوات للمرشحين وعملية تجميع أصوات للناخبين… وبعد ذلك يأتي تشكيل الحكومة الجديدة، وقد يشمل هذا تغيير الرئاسة في إطار لعبة بورصة الأسماء السلطوية، التي لن يختلف المقبل منها عن الحالي، وفي هذه الحالة يعود بقوة الحديث المكرر عن منح الحكومة الجديدة والمجلس الجديد فرصة من الوقت ضمن لعبة تقطيع الوقت المملة… ولأنّ الأساس الموضوعي للنهج السلطوي المأزوم سيبقى على ما هو عليه من دون تغيير، فإنّه من الطبيعي أن نعود مجددا إلى ما نحن عليه الآن، ولكن بأسماء جديدة!
 
 جريدة عالم اليوم  - 15 سبتمبر 2011
 

اقرأ المزيد

الشرق الأوسـط الجـديـد


في ليبيا حرب تطيح نظام العقيد معمر القذافي الذي أمسك بخناق الشعب الليبي لمدة تربو على الأربعين عاماً (منذ عام 1969)، وكان يزعم أنه لم يكن سوى نظام جماهيري ليس له أو لأنجاله أو لأفراد أسرته وحاشيته، أي دور في تسيير أموره .
 
في سوريا جماهير ثائرة تروم الحرية، وصراع دولي عنيف وسافر تلقي خلاله الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات بكامل ثقلها من أجل تسريع وتيرة سقوط النظام الذي طالما سبب صداعاً للغرب وللسياسات الغربية في منطقة الشرق الأوسط .
 
يضاف إلى ما تقدم حالة المراوحة والضبابية التي مازالت تكتنف المرحلتين الانتقاليتين اللتين تجتازهما مصر وتونس حتى بعد مرور نحو ستة أشهر على نجاح الثورتين الشعبيتين المصرية والتونسية في إسقاط النظامين، وحيث تعمل القوى الدولية التي تعدّ نفسها “مساهماً” فاعلاً في إطاحة رموز ذينك النظامين، بهمة ونشاط من أجل الإمساك “بلجام الفرس” كي تضمن ألا “يجمح” هنا أو هناك، وأن تحتوي حالة التغيير لتضعها في إطار حدود سقف “الديمقراطية الموجهة” بما يعمل على تحسين وتفعيل آليات عمل النموذج السياسي الاقتصادي السائد في البلدين، من دون الاضطرار إلى إحداِث تغييرات على مصادر السيطرة والقيادة فيهما .
 
وفي اليمن، حيث طال وامتد أمد أزمة الحراك الشبابي الذي أطلق مطلع العام الجاري حركة الاحتجاجات الشعبية الواسعة المطالبة بالتغيير قبل أن تدخل على خطها المعارضة اليمنية وتصبح جزءاً فاعلاً فيها، وذلك على ما هو ظاهر من معطيات مقروءة، ناتج عن عدم رسو القوى الدولية التي تتحرك  عبر الدبلوماسية الناعمة البعيدة عن الأضواء  على الشكل المناسب للحكم في اليمن المتوافق ومذهب “الديمقراطية الموجهة” إياه . ويبدو أن تعقيدات الوضع اليمني التي نعرِف، تَحُول حتى الآن دون الوصول إلى مقاربة حكم ملائمة تحقق “صياغة” الحكم المطلوبة . وكما يتضح من ملابسات المراوحة وعدم الحلحلة، يراهن صنّاع الحدث الشرق أوسطي السائل، على الوقت باعتباره الأداة المثلى لإفقاد حركة الاحتجاجات الشعبية اليمنية زخمها واضطرار نشطائها إلى القبول بالسقف المعروض عليهم .
 
حتى الآن تُظهر وقائع الأحداث على الأرض، نجاح خطة “إعادة هيكلة وغربلة” “وحدات” النظام الرسمي العربي الهادفة، على ما يبدو، إلى إقامة “الشرق الأوسط الجديد”، وهو المشروع الذي واجه مقاومة وممانعة شديدة من قبل بعض أركان وبنى النظام العربي القديم .
 
الإدارتان الأمريكيتان السابقتان، إدارة الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون وإدارة الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن، على مدى دورتين رئاسيتين متعاقبتين لكل منهما، جهدتا وعملتا طويلاً وبدأب من أجل إنفاذ هذا المشروع من دون أن توفقّا إلى إصابة النجاح المأمول .
 
الآن يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية قد وجدت أنّ الفرصة أصبحت أكثر من مواتية لها لكي “تعيد صياغة الشرق الأوسط” وفقاً للرؤية الأمريكية للديمقراطيات خفيضة السقوف التي تفتح الطريق أمام انسيابية أكبر لعناصر إعادة الإنتاج الموسعة: رأس المال والأرض والعمل، وتوفر مساحة أكبر لعملية السيطرة على مصادر التراكم الرأسمالي وإعادة توزيعه، بما يوفر زخماً أكبر للحركة المجتمعية ودينامياتها .
 
وكانت مراكز الأبحاث والدراسات الاستشارية الأمريكية التي تشكل مصدراً رئيساً لابتداع وابتكار الأفكار والرؤى “وتصنيعها وتخليقها” برامج وخططاً قابلة للإنفاذ، قد اهتدت إلى هذه الصيغة “التوفيقية”، المرنة، من إدارة الحكم في بلدان العالم الثالث، حيث ثبت لها بالدليل الملموس استحالة استمرار مراهنتها على أنظمة الحكم الشمولية إثر الانهيار التام لأنظمة دكتاتورية حليفة مثل نظام موبوتو سيسي سيكو في زائير، ونظام فيرديناند ماركوس في الفلبين، ونظام أحمد سوهارتو في إندونيسيا، وفقدان السيطرة على تداعيات ما بعد انهيارها .
 
إذاً، الرؤية الأمريكية الشرق أوسطية الجديدة  بالشراكة مع الحلفاء التقليديين الرئيسين في حلف شمال الأطلسي  بدأت تخطو وتسجل نجاحاتها الأولى في أكثر من موقع، وتنفيذها على الأرض يكتسب مع الوقت زخماً وتجاسراً أكبر وأوسع نطاقاً وسياقاً، بصورة تعيد إلى الأذهان التحالفات الأوسع نطاقاً التي تعمد الولايات المتحدة إلى إنشائها منذ الحرب العالمية الثانية، وليس انتهاء بالتحالف الدولي الواسع الذي أنشأته في عام 0991 لإطاحة نظام صدام حسين في العراق .
 
ولكن ما بين الشروع في تنفيذ الرؤية، وما بين إنجازها على الأرض، يوجد بون شاسع، سوف يتطلب جسره جهوداً فردية وجماعية بالغة التنسيق والمواكبة، وأموالاً طائلة، وحركة دبلوماسية دائبة ونشطة قد لا تستدعي الإقناع بقدر حاجتها المتاحة على أية حال، “إلى التمرير الفوقي” المستند إلى “القوة الناعمة” .
 
القوة المادية متوافرة، والطاقة على المواكبة التنسيقية هي الأخرى متاحة، وإن تخللها بعض التضارب المصلحي القابل للاحتواء . تبقى الأموال اللازمة لتمويل المشروع الكلي، فهي قد تشكل استعصاء في ضوء أزمة العجوزات والمديونيات التي تعانيها الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات .
 
ولكن حتى هذا الاستعصاء بالإمكان التغلب عليه عبر أقنية تمويل مختلفة، إنما سوف يتعين على الجميع الانتظار ليروا كيف ستكون ردة فعل القوى التي طالما وقفت تصدّ كل محاولات إنفاذ مشروع الشرق الأوسط الجديد . . الواحدة تلو الأخرى .
 
 

اقرأ المزيد

إتـرك الطلبة وشأنهم


شخص واحد فقط، من يردد على مواقع التواصل الاجتماعي بـ (تغريدات) تدفع الطلبة بالدعوة الى مسيرات داخل الحرم المدرسي. هو فقط من أشاع أمس وما قبله بان طلاب المدرسة الفلانية يعتزمون بالخروج في مسيرة عند الساعة التاسعة صباحا، وهو فقط من نشر بيان صادر عن طلبة إحدى المدارس يدعون الى مسيرة.
 
وللعلم فإن هذا الشخص غير مقيم على أرض الوطن، وأبناؤه لا يدرسون في مدارسنا.. لا أتهكم عليه ولا أعيبه، ولكن أقول له اتق الله في طلبتنا. لا أفهم ماذا يراد من دفع الطلبة الى الدخول في جو سياسي داخل المدرسة يستدعي الأمر أن تنفلت أمور الأمن فيها، عندها يتأثر التحصيل التعليمي للطلاب.
 
هناك إجماع عند الجمعيات السياسية والقوى السياسية الفاعلة بأهمية أبعاد المدارس عن التجاذبات السياسية، خصوصا ان هناك العديد من المدارس تضم طلابا من أطياف متعددة، فالأولى المحافظة على النسيج الذي يجمع الطلبة والمحافظة على العلاقة التي تجمعهم.
 
نعم من حق الطلاب ان يعبروا عن رأيهم وان يشكلوا وعيهم السياسي، لا مانع من ذلك، ولكن الخوف ان تتحول ساحات المدارس الى مكان صراع يأخذ منحنيات طائفية. ربما يعتبر البعض ان تاريخ البحرين السياسي كان حافلا بنشاط طلابي مليء بالسياسة إبان الحركة القومية التي اجتاحت المنطقة العربية والتي لم تكن البحرين بمعزل عنها. صحيحة هذه الاعتبارات، ولكن كان الحراك الطلابي تحده أمور مختلفة، فالحركة القومية لم تأخذ بعدا طائفيا أو مذهبيا، أما اليوم فإن الغول الطائفي مرعب جدا، وبالتالي فإن أي تحرك طلابي قد يتحول إلى أزمة طائفية تعصف بالطلبة وهذا ما لا يرتضيه عقل عاقل.
مع قناعتي التامة بالحريات العامة والحراك السياسي السلمي إلا إنني لا ارتضي ان تكون المدارس عرضة للتجاذبات الطائفية، فحذار حذار أن يأخذ أبناؤنا الحماس دون ان تكون أمورهم محسوبة. ثقوا أن التحصيل العلمي هو الأجدى والأنفع لطلابنا، إن كنتم تخافون على المستقبل فاتركوا الطلاب وشأنهم.
 
الأيام 16 سبتمبر 2011

اقرأ المزيد

التنمية وتطوير التعليم ( 2 )


هناك حلول نسبية للتناقض القائم بين العالمين المتقدم صناعياً والمتخلف او ما يسمى «بالعالم المتخلف» من بينها دراسة الواقع بمفهومه الشامل وكشف حقيقة المشاكل ومحاولة إعطاء بديل لما هو واقعي في الواقع المعاش، والأمر الآخر جعل قطاع التعليم يقوم بالأساس هذه المهمة الهامة بالمساهمة في عملية التنمية لما فيه صالح الوطن والمواطن بدون تمييز او انتقاء طبقي واجتماعي، وأخيراً الحرص على ما يجري في الواقع الإنساني الراهن على جميع المستويات حتى لا نظل في عزلة عن تاريخنا ومقومات حضارتنا الحديثة والمعاصرة.
 
وإذا صح هذا الطرح على المستوى العام للإشكالية فانه وبكل تأكيد يتفاوت على مستوى الطرح الخاص، ومن هنا يحدد «بدران» البحث في الإشكالية من حيث انه موضوع تتداخل فيه مجموعة من المشاكل ذات طابع ثقافي وفكري واقتصادي واجتماعي وسياسي.
 
ومن هذا الحديث او بالأحرى النتيجة، يطرح السؤال المحوري والأساسي: ما هو دور التعليم في التنمية؟ في البدء يقول «ان التعليم في رأينا لا يقتصر على ما هو فكري وثقافي فحسب. انه الميدان الذي يسهم مساهمة فعالة في عملية التخطيط لتنمية المجتمعات في حاضرها ومستقبلها، ومن هنا تظهر العلاقة الجدلية بين التعليم والتنمية والتي بدونها لا يمكن ان يتحقق التطوير والتقدم والتحرر»، ومن هنا يتوقف «بدران» مدافعاً عن التعليم لما يتعرض له من محاولات للتحريف والتشويه أخطرها تلك التي ترى التعليم قطاعاً غير منتج في المجتمع. واذا كان من الضروري جداً ربط التعليم بالتنمية فان هذا الربط لا يمكن ان يكون فاعلاً من دون تخطيط علمي دقيق وان عملية التخطيط هذه لا يمكن ان تتم هي الأخرى بدورها  إلا بفضل التعليم الهادف إلى حياة أفضل وذلك لان مشكلة بطالة الخريجين التي تعاني منها البلدان العربية غنية أو فقيرة لن تجد حلها الصحيح إلا في إطار تنمية مستقلة تتم على مستوى هذه البلدان. هكذا يتوصل الباحث الى هذه النتيجة، والاهم من ذلك يؤكد ان مواجهة المشاكل المتراكمة التي أصبحت واقعاً ملموساً خطيراً مثلاً: البطالة السافرة، وتدني مستوى المعيشة ومشاكل الاستيعاب وحرية التعبير… إلخ، لابد من إعادة نظر واقعية وجدية إلى الواقع المتردي والمتأزم، حيث أصبحت تأتي في مقدمة الأزمة المأساة الحقيقية التي يعيشها المواطن في الدول العربية المغلوب على أمره، وواقع «بطالة الخريجين» إنها ليست ناتجة عن كثرة الخريجين في ميدان التعليم والتكوين المهني وإنما راجعة في عمق أساسها الى تنمية اقتصادية محكمة هادفة.. هي ناتجة كما قلنا عن عدم تمكن بلدان «العالم الثالث» من التحرر والتخلص من قيود الهيمنة والتبعية والتخلف وعن عدم التمكن من ربط علاقة جدلية بين التعليم والتنمية على مستويات التخطيط والتنسيق والدراسات والأبحاث النظرية والتطبيقية الجادة.
 
واذا كان الباحث يرى ان الدول العربية و”العالم الثالث” عامة غير قادرين على مواجهة حدة المشاكل المتعددة التي أصبحت إشكالية التنمية والتخلف في رأي كثير من المفكرين لا تقتصر فقط على علماء السوسيولوجيا والباحثين والدراسيين بقدر ما أصبحت هي إشكالية الساعة بل إشكالية كل الناس المتأزمين والمهمشين فان التعليم أصبح هو الآخر الميدان الذي بإمكانه أن يحقق الحرية والتحرر من التبعية والتخلف. ومن هنا، فالتبعية والتخلف إشكالية لا تحل إلا بالتنمية المستدامة.. تنمية هدفها الإنسان.
 
وأخيراً، يمكن تلخيص هذا الرأي في ان التنمية لابد من ان تتوافر فيها شروط ذاتية وموضوعية وكذلك تطورات وتغيرات وتحولات كمية وكيفية. نجدها تقع في بلدان «العالم الثالث» تحت تأثير عوامل داخلية وأخرى خارجية، وعلى هذا الأساس يعتقد ان الاهتمام بنمو الواقع المعاش والانطلاق منه في كل المجالات يستدعي نظاماً تعليمياً وطنياً حقيقياً وواقعياً تراعى فيه المصالح الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية لبلدان «العالم الثالث» وذلك لتخطي مشاكل التخلف والتنمية وبكل تأكيد لا يتحقق هذا النظام الا في ظل الديمقراطية وحقوق الإنسان التي من الضرورة ان تسود هذه البلدان.
 
الأيام 17 سبتمبر 2011

اقرأ المزيد

صراعُ السلطةِ في الثورات


تحددت القوى الاجتماعية السياسية بثلاثٍ أساسيةٍ هي قوى الدول الحالية أو القديمة التي رحلتْ عن كراسي الحكم ومازالتْ تقاوم، وقوى الدينيين المتعددين، وقوى الليبرالية والتحديث والعلمانية.

التحول الذي أصاب الجمهوريات هو بسببِ الإرث القريب الشعبي الذي قامت عليه هذه الدول، وهو حراكٌ طويلٌ وطني مشترك تجسد في إقامة القطاعات العامة، وتجمد عبر نقصِ الدورةِ الدموية السياسية في عروقِ الأنظمة التي انسدت بالمصالح الخاصة.

العديدُ من المَلكيات العربية سارعت في تحريك دورتها الدموية السياسية قبل الحراك الشعبي للجمهوريات، للكشف عن المال العام وتغيير توزيعه بهذا القدر أو ذاك ومحاسبة الوزارات.

الجمهورياتُ هي التي تقودُ الدولَ العربية في الحراك السياسي الأكثر تقدماً الذي بدأ منذ منتصف القرن العشرين، بسبب تقدمها النسبي وإحتكاكها بالدول الغربية وتشكيل النهضة العربية الأولى، ولخبرةِ جماهيرها الشعبية النضالية الطويلة، وحين اعتمد بعضُ المَلكيات العربية على الديمقراطية وحركت دواليب الحياة السياسية بأشكال جديدة، وصعّدت الدولُ الغربيةُ من ضغوطها على بعض الجمهوريات المتكلسة في أنظمتها، حدثت التحولاتُ وبرزت القوى الاجتماعية الثلاث السابقة الذكر وبدأت تتصارع الآن لتحديد المسار القادم.

قوى الأنظمةِ الجديدةِ الراهنة والقديمة تتداخل، فالدولُ التي ظهرتْ فجأة بوجوه جديدة والوجوه القديمة التي هربت أو وُضعت في السجون، مازالت هي معبرة عن الطبقات القديمة المسيطرة على المال العام والأجهزة العسكرية والأمنية المختلفة، وهي لها رؤية مشتركة في التحكم الإداري الفوقي، ومحاولات أن تكون هي المحركة للحياة السياسية والاقتصادية والثقافية.

ويلعب القسمُ المهزومُ من هذه الطبقة دورَهُ في تفجير المعارك الجانبية وإثارة الفوضى وجر البلدان المتحولة إلى صراعات لا قدرة لها على حسمها كالهجوم على السفارة الإسرائيلية وإحداث معركة بين السلطة غير المتبلورة وقوى الخارج المتربصة، أو في تفكيك قوى الثورات، وتصعيد الصراع بين الدينيين من جهة والليبراليين والعلمانيين من جهة أخرى.

فكما أن السلطات القديمة غيرُ واضحةٍ في مستوياتها بين قديمٍ منهارٍ وقديم ارتفع للإدارة وقديم يحاولُ إصلاحَ ذاتهِ والقبول بالأجندة الديمقراطية، كذلك فإن الطبقةَ الجديدةَ الصاعدة لتسلم مهام الإدارة العامة ليستْ واضحة المعالم وغير متبلورة طبقيا وغير مبرمجة سياسيا وغير متحدة تنظيميا.

ولهذا فإن القوى القديمة تحاول افتراس الجديد وتفكيك صفوفه، وتشويه ما هو بارز عبر التفجيرات الايديولوجية والأمنية وخلط الأوراق، فهي كذلك تزايد على الشعارات وتغير الأحزاب القديمة بأسماء جديدة.
وتناقض قوى الثورات بين دينيين وليبراليين علمانيين، هو البؤرة الأساسية لعملية التفكيك، عبر جعل الدينيين يركزون فيما هو خاص بهم لدرجة التعصب، ويدفعونهم لاستعجال المعارك والانتخابات، مثلما يدفعون القوى الليبرالية وحلفاءها إلى التنديد بممارسات الدينيين وخطورتهم على الديمقراطية والحداثة.
معركة السلطات هي المعركةُ المركزية، ولا يوجد لدى القوى الحديثة والمشاركة في عمليات التغيير برنامج مشترك، يركز في القبول بالآخر، والاحتكام لصناديق الاقتراع، والتوجه للإصلاحات المشتركة في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

فهناك جوانب مشتركة كبيرة بين الدينيين والليبراليين حين تُحيد القضايا الايديولوجية ويتم التركيز فيما يهم غالبية الشعب، من تطوير الاقتصاد والمعاش والحريات.
لكن بعض القوى الدينية مستعجلة في إجراء الانتخابات للحصول على أكبر نسبة من المقاعد، مما يعني تقزيم القوى الأخرى التحديثية الليبرالية العلمانية، وتغليب قوى الأرياف على أهل المدن، وتغليب الذكور المتشددين على النساء وعلى الحريات العامة والخاصة، وبقاء المؤسسات والأجهزة القديمة المتحايلة على الجميع.
لكن لابد أن تكون الطبقات الحاكمة الجديدة غير متشبثة بحدة بالأجهزة، بل تكون متداولة، وذات شفافية عالية، بحيث تؤدي إلى تنظيف هذه الأجهزة من الجماعات غير المخلصة للدول ولعدم استمرار بيروقراطيتها المتكلسة، وهو أمر شديد الصعوبة لكنه ممكن.

وهي مصلحةٌ مشتركة بين القوى الدينية والعلمانية، التي لم يكن لها نصيب في الماضي الحكومي السياسي، وهي مصلحة قومية عربية كذلك، لأن تطور الجمهوريات ديمقراطيا وطنيا، سيكون تطورا قوميا أيضا.
وهذه مشكلة عميقة فكرية ضاربة الجذور في التنظيمات السياسية الدينية والعلمانية، لكون كل منها قد اعتمد على مصادر فكرية مختلفة، وتكونت له منهجيات ورؤى مغايرة، فهذا يريد نقل الماضي بحرفيته، وهذا يريد نقل الغرب العصري بكل شكلانيته، ومن هنا تتعدد المقاربات من تطرف في نقل الماضي كالسلفيين وبعض المرونة لدى الاخوان، وهو أمرٌ يعكس منبت هذه القوى الاجتماعية بدءًا من أعماق الريف والبوادي، أو ظهورهم في المدن، فيتم التركيز في الأحوال الشخصية بدلاً من أحوال المُلكية العامة، وقضية الأحوال الشخصية والأحكام فيها يمكن أن تُوضع وتُحل وتُدرس بشكل جانبي، لا أن تكونَ في بؤرةِ قضية الشعوب المتوجهة لحل قضايا الفقر والبطالة والتخلف الاقتصادي، مثلما أن الليبراليين والعلمانيين يركزون في الحريات بشكل يضربُ حيناً الحريات الشخصية أو لا يهتم بعضهم بالمُلكية العامة وتطوير دورها.

فلابد من أجندة عامة مشتركة واحترام لآراء الناخبين واختياراتهم ومواصلة التعاون بين القوى السياسية والاجتماعية الجديدة لمصلحة تطور البلدان العربية.
 
أخبار الخليج 17 سبتمبر 2011

اقرأ المزيد

الاحتقان الطائفي بحاجة إلى علاج هيكلي


يتطرق البعض إلى موضوع الاحتقان الطائفي بصفته نتاجاً متفرعاً من نشاطات بعض الجمعيات السياسية، أو بعض الذين يكتبون ويهيمون بتخيلاتهم حول الآخر بشكل يخرج عن نطاق المعقول. والواقع أن هذه كلها عوارض وليست أسباباً، فالسبب يعود في هيكلية السياسة وطريقة التعامل المؤسسي في الدولة، وهذا ينعكس على المجتمع والحياة العامة بالطريقة التي نراها. فلكي نحقق الاندماج بين مختلف مكونات المجتمع، ولكي تتقدم فكرة الوطن والمواطن، بدلاً عن الطائفة والانتماء إليها، فإن الدولة يجب أن تكون جامعة لكل المكونات، وتحتضن الجميع، وتبقى على مسافة واحدة من الجميع، وأن تكون الفيصل المحايد عندما تحدث مشكلة ما.
 
ولو رجعنا إلى تجارب البلدان الأخرى، مثل الهند، فسنجد أنه كان هناك اتجاهان داخل المسلمين في شبه القارة الهندية عند الاستقلال في العام 1947، أحدهما تزعمه «مولانا أبو الكلام آزاد»، والآخر تزعمه «القائد الأعظم محمد علي جناح». آزاد كان قائداً رئيسياً في حزب المؤتمر الهندي، وجناح كان زعيماً لحزب الرابطة الإسلامية. آزاد اشتغل من أجل دعم الوحدة بين الهندوس والمسلمين، وعارض تقسيم الهند على أسس دينية – طائفية، بينما جناح وجد أن التعايش مع من يعلن عداءه الظاهر والباطن للمسلمين ليس ممكناً؛ وبالتالي دعا إلى انفصال المسلمين في دولة خاصة بهم، وهي باكستان، وذلك للحصول على الأمن والحقوق والسيادة.
 
ولو راجع المرء كتابات وسيرة الرجلين فلربما يقتنع بكليهما؛ لأن كل واحد منهما ينظر إلى الأمور بشكل مختلف، ويستطيع إثبات وجهة نظره بالاعتماد على مجريات الأحداث. ولكن، ومع كل ما قيل بشأن ضرورة الانفصال، فإن قيادات مسلمة مثل «آزاد» رأت أن المسلمين يجب أن يكونوا جزءاً محورياً في تأسيس الهند الحديثة، وأن يحصلوا على كل حقوقهم ضمن نظام يعترف بهم كمواطنين من دون انتقاص.

ولو أتبعنا فكرة «آزاد» في البحرين، فإن معالجة الاحتقان الطائفي تتطلب أن تتم معاملة الشيعي والسني كما تعامل الدولة الهندية حالياً المسلم والهندوسي. فعلى الرغم من العداء بين الهند وباكستان والحروب السابقة والأحداث الإرهابية المتلاحقة، لا تجد أيّاً من المؤسسات الأمنية والاستراتيجية والخدمية تمنع الهنود المسلمين من دخولها، بل إن المسلمين الهنود يتولون مواقع حساسة جداً في هيكلية الدولة، ولا تسمع في يوم من الأيام حملة صحافية أو رسمية ضدهم تتهمهم بالعمالة إلى باكستان أو أي دولة مسلمة أخرى. إننا بحاجة إلى دراسة تجارب الآخرين لنعرف كيف نسيطر على الاحتقان الطائفي بدلاً من أن نفسح المجال لمن يود تقسيم الشعب إلى شعبين
 
 
صحيفة الوسط البحرينية – 13 سبتمبر 2011م
 
 

اقرأ المزيد

«الفتنة» بين قسوة الخطاب وشهوة الانتقام (1) – محمود القصاب


ليس هناك من يجادل في أن بلادنا تعيش مرحلة غير مسبوقة في تاريخها الوطني السياسي والاجتماعي، وأنها مرحلة بالغة الخطورة تحمل في طياتها العديد من «المكائد» و «الشرور» وتستبطن الفتنة التي قد تحرق الأخضر واليابس، لا قدر الله لو استمرت الأوضاع بهذه الوتيرة من الخصومة وغياب الألفة بين مكونات المجتمع كما كانت دائماً؟
 
ليس في هذا القول أية مبالغة، أو أي خوف مصطنع، طالما نحن نرى ونلمس «تجذر» الفتنة على أرض الواقع وفي داخل النفوس، وأنها (الفتنة) ترتدي كل يوم وجهاً جديداً، تجعل المراقب يصل إلى قناعة تامة بأن وراء ما يحصل أهدافاً خفية وأبعاداً مستورة تستحق الكشف عنها، بل وفضحها، وخاصة في ظل زحمة الاستقطابات المذهبية والطائفية، وبقاء كل الأطراف منغلقة على «مواقفها» لا تستطيع الخروج منها.
ومفهوم «الفتنة» هنا لا يحتمل سوى معنى واحد فقط هو كسر لروح الشعب، وشحن هذه الروح بالكراهية والأحقاد التي توغر الصدور؟
 
إن الظروف الراهنة، بقدر ما تستدعي الحذر واليقظة فإنها تستدعي أيضاً وقفة صادقة ومسئولة، من جميع القوى والأطراف، وخاصة «الدولة» من أجل إعادة النظر في أولويات المرحلة على قاعدة الشراكة في الوطن وانطلاقاً من المصالح الوطنية لشعبنا وبلادنا.
وأول الخطوات المطلوبة في هذا الاتجاه، القراءة الصحيحة لحقائق واقعنا الوطني والسياسي وأولوياته، فالمشكلة الأساسية والمحورية التي يكشف عنها هذا الواقع – والتي يجب أن تحتل الأولوية القصوى – هي قضية سياسية، وهذا يستوجب تخلي الدولة عن اعتماد الحلول الأمنية، التي تزيد الأمور تعقيداً والتي تجعل الخروج من «العاصفة» أمراً مستبعداً، بل ومستحيلاً، كذلك تستوجب طبيعة الأزمة وتداخلاتها القيام بعملية عاجلة لفض «ممازجة» الديني والمذهبي بالسياسي، وبالطريقة الهابطة والاستفزازية التي تتصدر المشهد السياسي عندنا، وهذه مسئولية بعض القوى السياسية والمجتمعية.
 
نحن هنا لا نطالب الناس بالخروج من جلودهم أو ترك انتماءاتهم الطائفية أو المذهبية، بل ما نطالب به وندعو إليه هو ترك العصبيات الموروثة في العمل السياسي وترك «الكيدية السياسية» التي تغرس العداوة والتشكيك بالآخر؟
فهذه «العصبيات» و«الكيدية» ليست لها علاقة بالمشاعر الوطنية الحقيقية، كما ليست لها علاقة بالانفعالات من أجل الوطن، كما يدعي البعض ويحاول إيهام الناس بذلك، بل إن الحقيقة تقول إن هناك أهدافاً تتعدى المبررات الوطنية والسياسية، وتدخل في إطار المصلحة الذاتية ومحاولة «التنفع» على حساب أوجاع ومظالم الناس، ومحاولة «التصدر» والبحث عن «وجاهة» «غارقة» في النفاق السياسي حتى الأذنين؟
 
ما نريد قوله هنا، هو أن جميع القوى والأطراف مطالبة في مثل هذه الظروف الحرجة، الإقدام على خطوات تعبر عن الرغبة في التسامح والسلم الأهلي، انطلاقاً من الشعور بأن استمرار المراوحة في هذا الواقع وبهذا الشكل من التصلب والتشدد، وبهذه الصورة المفزعة، يعني أننا جميعاً سائرون نحو «فتنة» سياسية واجتماعية، يصعب التنبؤ بنتائجها أو زمن نهايتها؟ كما أن هذه القوى عليها أن تدرك أن أكثر ما يضر القضايا العادلة هو التعبير عنها بأدوات أو وسائل سيئة، وهذا يعني أن مسئولية هذه القوى وواجبها هو الإفصاح عن أهدافها ومطالبها بشكل واضح وقاطع، بحيث لا يترك معه أي مجال للشك أو التأويل، أو يفتح مجالاً للاستغلال من أية جهة للطعن في صدقية تلك المطالب والأهداف، وهذا يستدعي ترشيد الخطاب السياسي وتهذيب الشعارات وتنقيتها من أية تجاوزات مسيئة.
فلسنا في حالة حرب أو خصومة شخصية مع أحد، وهو ما يستوجب احترام قادة البلاد ورموزها السياسية، والتعامل مع كل قضايا الوطن بصورة حضارية ومتفتحة.
 
فنحن في نهاية المطاف قوى سياسية وطنية تعمل في اتجاهين لا ثالث لهما، الأول «الشرعية والعلنية»، ورفض العنف والفوضى وكل المواجهات أو المجابهات التي لا طائل منها، وبالتالي تحركنا هو في إطار ومتاح لميدان العمل السياسي، والعمل بشكل دستوري لتطوير هذا الميدان والوصول به إلى أقصى مداه الديمقراطي والدستوري أي الوصول إلى المملكة الدستورية الحقيقية.
أما الاتجاه الثاني هو الاتجاه «الوطني الديمقراطي» الذي يمثل إرادة شعبنا بكل أطيافه ومكوناته وعدم السماح مطلقاً بوجود أية «ثغرة» أو «شبهة» يمكن أن تتسلل أو تنفذ منها أية أجندات إقليمية أو دولية تتعارض مع مصالحنا الوطنية أو تمس سيادة الوطن واستقراره ووحدة شعبه.
 
باختصار المطلوب تغليب مصلحة الوطن، على المصالح الخاصة والمصالح الفئوية، لأن الوطن هو الباقي، وما عداه كل شيء إلى زوال طال الزمن أو قصر؟ ترى أين تكمن هذه المصلحة؟
الإجابة على هذا السؤال لا تقبل المراوغة ولا تتحمل التسويف، إنها في الإحساس بالمسئولية الوطنية، واحترام حقوق المواطنين وكرامتهم! والعمل على إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، على أسس راسخة وقوية، وفي مقدمة هذه الأسس احترام حقوق الإنسان، وليس مجرد إعادة صياغات تجميلية هنا، وخطوات ترقيعية هناك؟
 
عندما تراعي الدولة هذه المبادئ، وتعمل على تطبيقها فإن الأوضاع المضطربة ستستقر، والسلم الأهلي سيترسخ، وسينصرف الجميع إلى البناء والتطور، أما الإصرار على تجاهل المطالب العادلة والمشروعة للناس ومواجهتها بالقمع وبالحلول الأمنية وحدها، واللجوء إلى العقاب الجماعي واعتماد بعض الإجراءات الإقصائية فإنها ستزيد الأمور تعقيداً، والأزمة تفاقماً، والأوضاع انهياراً؟
إن التنكر لإرادة الناس وحقوقهم المشروعة، يعني ضياع للبوصلة السياسية، التي لا يمكن لسفينة الوطن أن تبحر من دونها، وخاصة في مثل هذه الأجواء العاصفة، التي تهب فيها رياح التغيير، وتجتاح كل الساحات العربية.
 
إن للمصالحة الوطنية وجوها عديدة، ليس الصفح والعفو، وعودة المفصولين سوى بعض هذه الوجوه التي يجب أن تستتبع بالتخفيف عن أحوال الناس، وتحسين أوضاعهم الحياتية، بدل إفقارهم، أو إبقائهم في دائرة العوز والمذلة، وأن تتزامن هذه الخطوات مع التوجه إلى وضع مقومات التحول الديمقراطي الصحيح والحقيقي وتأكيد ثقافة حقوق الإنسان ودولة القانون والمشاركة السياسية.
أما أتباع سياسات تسير بعكس هذا التوجه التصالحي، فإن ذلك يعني أن هناك إصراراً على أن يدفع الوطن «أثماناً» و «تكاليف» لا مبرر لها، وإلى فترات زمنية لا يعلم سوى الخالق عز وجل كم ستدوم طالما بقي أفق الحل السياسي مسدوداً، وظل الاحتقان الطائفي متصاعداً.
 
فالمعالجات الأمنية وحدها، دون أية اعتبارات قانونية أو إنسانية ليس بوسعها إلغاء أو تغيير قناعات الناس، وواهم من يعتقد أو يتصور أن اللجوء إلى سياسة الإذلال ومحاربة الأرزاق، ستجعل الناس يتراجعون عن التمسك بحقوقهم أو يتخلوا عن مطالبهم العادلة، بل على العكس ستزيد من استعدادهم على الصبر والتضحية للوصول إلى تلك الحقوق، ومواجهة ما يرونه من ظلم وغياب للعدالة والمساواة، وكلما طال زمن المواجهة، وكلما قست عليهم الظروف وزادت عذاباتهم، عادوا واكتشفوا أنفسهم من جديد، واكتسبوا مزيداً من المناعة والإصرار؟ ونكون بذلك قد حفرنا جروحاً جديدة وعميقة في النفوس، عوضاً عن تضميد الجراح القديمة، وقمنا بتهيئة الأسباب والظروف أمام «دعاة» الفتنة ليبرزوا ويمارسوا دورهم التخريبي في كل المجالات المتاحة لهم. للحديث صلة
 
 
الكاتب محمود القصاب
صحيفة الوسط البحرينية –  13 سبتمبر 2011م

اقرأ المزيد

النفط تحت المجهر من جديـد


أصدر صندوق النقد الدولي مؤخراً تقريراً تقييمياً للاقتصاد العالمي World (Economic Outlook)  تضمن نظرتين تحليليتين للاقتصاد العالمي إحداهما مكرسة لاتجاهات سوق النفط العالمي والانعكاسات الخطرة لارتفاع أسعار النفط على الناتج العالمي، ومفادها “أن الزيادة المطردة في أسعار النفط في السنوات العشر الأخيرة تؤكد أن أسواق النفط العالمية قد دخلت مرحلة تزايد الندرة (ندرة المعروض النفطي) .
 
ومع الأخذ في الاعتبار الارتفاع المتزايد للطلب على النفط في اقتصادات الأسواق الصاعدة، وتراجع اتجاهات العرض النفطي، فإن العودة لحالة وفرة المعروض النفطي لن تحدث في الأمد القريب على الأقل . ويستطرد التقرير في القول “قد لا يشكل الارتفاع المتدرج والمعتدل في الندرة النفطية مشكلة كبيرة بالنسبة إلى نمو الاقتصاد العالمي على المديين المتوسط والبعيد، رغم أن تحويل الثروة من المستوردين (مستوردي النفط) إلى المصدرين، من شأنه زيادة تدفقات رأس المال وتوسيع رقعة عدم التوازن في موازين الحسابات الجارية . ويمكن أن تكون الآثار المعاكسة أكبر وذلك تبعاً لمدى تطور حالة ندرة العرض النفطي وقدرة الاقتصاد العالمي على التعامل مع تزايد هذه الندرة . وإن الارتفاعات الفجائية في أسعار النفط يمكن أن تتسبب في خسائر كبيرة في إجمالي الناتج العالمي وتوزيعه وتحولاته القطاعية . وهنالك مجالان للعمل على هذا الصعيد .
 
في المجال الأول ومع الأخذ في الاعتبار أي ارتفاع غير متوقع في ندرة المعروض من النفط وغيره من الموارد والمواد الخام الوسيطة، فإن على صانعي السياسات مراجعة سياساتهم وما إذا كان إطارها الحالي يسمح لهم بالتكيف والتعامل مع أي تغير فجائي في ندرة المعروض النفطي، وفي المجال الثاني يتعين التأكد من فاعلية السياسات الموجهة لخفض مخاطر ندرة المعروض .
 
وإلى ذلك يرسم تقرير صندوق النقد الدولي سالف الذكر سيناريوهين لاحتمالات تأثير انخفاض إمدادات النفط على إجمالي الناتج العالمي . في السيناريو الأول يتوقع الصندوق أن إجمالي الناتج العالمي سينخفض بواقع ثلاث نقاط مئوية منذ الآن وعلى مدى العقدين المقبلين مع كل انخفاض سنوي في الإمدادات النفطية بواقع 1% . وترتفع نسبة هذا الانخفاض في إجمالي الناتج في الولايات المتحدة (التي تستورد أكثر من 40% من حاجتها من البترول)، إلى 4% . ولكن إذا أخذنا في الاعتبار توجهات سياسات الإحلال الطقوي في الولايات المتحدة (إحلال مصادر طاقة جديدة محل النفط)، فإن نسبة الخفض في الإجمالي تبقى عند حدود الواحد في المئة في أمريكا والعالم .  وفي سيناريو ثانٍ أكثر تشاؤماً، يتوقع صندوق النقد أن يؤدي انخفاض نمو معروض إمدادات النفط بواقع 8 .3%، إلى خسارة الاقتصاد العالمي لعشر نقاط من إجمالي ناتجه، وخسارة الاقتصاد الأمريكي لنحو 13% من ناتجه .
 
جوهر القول إن هذه الأفكار وهذه الفرضيات والاجتهادات التي تتكرر بكثرة وكثافة في الآونة الأخيرة في الأدبيات والتقارير وأجهزة الميديا الغربية، هي توجهات سياسية – اقتصادية تروم بلورة إجماع في الدول الغربية المستوردة للنفط، يفضي إلى جعل التخلص مما يسمونه “كابوس النضوب غير المحسوس” للنفط، والقلق الذي تسببه ديناميكيات سوق النفط التي تتسم بمفعولها السريع نظراً للاستخدام الأبرز للنفط في قطاع النقل والمواصلات، إلى جعلهما هدفاً مترجماً في صورة خطط عمل تستبدل النفط بمصادر طاقة أخرى بحيث تشمل هذه الخطط، رفع كفاءة الاستخدام (للطاقة) والاعتماد أكبر على النقل الكهربائي والتوسع في استخدام الوقود الحيوي وبدائل النفط الأخرى .
 
وبعد اكتمال مثل هذا “التحشيد” واجتذاب الجمهور إليه سوف يتم بصورة ممنهجة ومتدرجة تنفيذ خطة الإحلال تلك من خلال فرض ضرائب متصاعدة على استهلاك النفط والمنتجات النفطية، على أن يتم استثمار هذه الأموال المتحصلة في أعمال البحث والتطوير المفضية إلى مضاعفة البدائل الأخرى للنفط .
 
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة المستهلك الأكبر لمصادر الطاقة في العالم ومنها النفط، فإن لديها خططاً ليس فقط لخفض وإرداتها من النفط من حجمها الحالي الذي يشكل 50% من استهلاكها النفطي البالغ نحو 19 مليون برميل يومياً، إلى أقل من 20% بحلول منتصف القرن الحالي، وإنما أيضاً خفض وارداتها من نفط الشرق الأوسط وتعويضها بنفوط أخرى من كندا وغيرها .
 
 بيد أن مشكلة الولايات المتحدة ليست مع النفط وحده، بل إن النفط باعتباره إحدى السلع الاستراتيجية، لا يختلف وضعه في السوق عن السلع الأخرى المماثلة مثل الذهب والمعادن واللقائم الصناعية الأخرى غير المتجددة . مشكلة الولايات المتحدة مشكلة هيكلية بالدرجة الأساس ومشكلة سياسات اقتصادية أسهمت الإدارات المتعاقبة بفداحة أخطائها، في تأزيم ليس فقط الميزان التجاري الأمريكي (بسبب ارتفاع فاتورة الواردات مقابل الصادرات) والذي لا يشكل بالمناسبة سوى جزء واحد من ميزان المدفوعات . فإذا كانت الولايات المتحدة تتكلف يومياً مليار دولار من جراء استيرادها للنفط، فإنها تتكلف 12 مليار دولار شهرياً (144 مليار دولار سنوياً) كنفقات حرب جارية في أفغانستان والعراق . والنفقات العسكرية هي مكون أساسي من مكونات تلك الهيكلية الاقتصادية غير المتوازنة للنظام الاقتصادي والاجتماعي الأمريكي الذي لا يستطيع الاستغناء عنها وبالتالي التفريط في مزاياها الكلية .
 
ولذلك، ومن أجل إعطاء صورة أشمل للحالة الاقتصادية الأمريكية المختلة الراهنة، فقد كان يُفترض في معدي التقرير والإصدارات الدولية التي على شاكلته، أن يفردوا حيزاً مناسباً يتناول استهتار الحكومة الأمريكية والحكومات الأوروبية بجبل مديونياتها وعدم جديتها في توفير الحماية لعملتها (الولايات المتحدة)، وعدم مصداقية حكومات الاتحاد الأوروبي في التزامها بمعايير وحدتها النقدية، وإنها بذلك تكون قد خدعت حكومات الدول التي وثقت بعملاتها واقتنتها اكتنازاً واستثماراً! 

 

اقرأ المزيد

ما الذي فعلته بنا يا إعلام ؟!


نهاية هذا اليوم (الخميس) يفترض أن يغلق ملف الاستماع إلى الصحافيين والمحررين والمنتجين والمدونين ومصوري الصحافة، وعموم العاملين في قطاع الصحافة الذين تعرّضوا لأي انتهاكات لحقوق الإنسان، أو تم إنهاء عملهم، و/أو تعرضوا للتحرش أو العقوبة بسبب عملهم، الذين دعتهم اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق للإدلاء بشهاداتهم في هذا الشأن، وهو أمر لن يكون خارجاً عن الكثير من الموظفين الذين “يزعمون” تعرّضهم لأنواع من المضايقات والعسف، وعلى اللجنة أن ترى رأيها في هذه الشهادات لتميز الصواب من الخطأ، والحقيقة من عدمها، والجوانب القانونية وغير القانونية التي تم من خلالها إنهاء عقود بعض الصحافيين، أو العاملين بشكل عام في هذه المهنة المتعلقة بركيزة لا تنفك من ركائز الديمقراطية، وهي: حرية التعبير.

وحرية التعبير هذه كان ولا يزال يدور حولها الجدل الذي لا ينتهي بين ما يمكن اعتباره حرية تعبير من عدمها، وذلك ارتباطاً بقانون المطبوعات والنشر رقم (47) للعام 2002، الذي لقي ما لقيه من معارضة في حينه، والتفت مؤسسات المجتمع المدني واقفة ضده لأنه بالقدر الذي يعني الصحافة والإعلام بأشكالها التقليدية المعروفة، فإنه يعنيها لأنه يطال جميع أشكال التعبير والنشر، وهو ما كان دون طموح الطامحين، والقاصر دون أحلام الذاهبين إلى تأسيس ممارسات توطن لمعاني حرية التعبير المسؤولة.

سيهمّ المتضررين أن يُجبر ضررهم، وسيهم زملاؤهم الذين بلعوا ألسنتهم أن يتنفسوا الصعداء شيئاً ما، وسيهم الإعلاميين الذي اختاروا تجاوز حدود البلاد خشية على سلامتهم، وإن قيل أنهم ليسوا مطلوبين على ذمة قضايا محددة جرت في الآونة الأخيرة، أن يعودوا إلى أحضان ذويهم بعد أن “مرمطتهم” الغربة بأشكال مختلفة، وسيكون على المؤسسات حينها أن تجد مخارجها الخاصة لتعيد من يوصى بإعادتهم إلى أعمالهم، على غرار ما حدث في المؤسسات الرسمية الأخرى، ولكن هذا أيضاً لا يحل المشكلة، ولا يعدو غير عودة جملة من العاملين لمزاولة أعمالهم في مؤسساتهم الصحافية والإعلامية بعد أشهر من الابتعاد الاختياري أو الإجباري عنها.

إن الأزمة الإعلامية التي حدثت إبّان ما جرى في شهري فبراير ومارس الماضيين بالتحديد، وما تلاهما من ذيول وتبعات لكل ما حدث على الشارع، كان وجهها الإعلامي واحداً من المواضيع الصالحة لأن تدرس، وتؤلف في شأنها الرسائل العلمية لأنها بيئة خصبة تماماً لنوعية “إعلام الأزمة” الذي كان من أبرز ما حاق بنا، وأثر فينا أيما تأثير، وكان الهراء فيه أكبر من المقولات الهادفة، والتحريض أوسع من أن يؤطر، والتحريش بين الناس، والكذب، والافتراء، وفتح الأبواب على مصراعيها لكل من هبّ ودبّ ليدلي برأيه، ويصنّف البشر، ويدّعي، و”يفبرك”، ويحاكم، ويجلد، بل وحتى ينصب المشانق ويسنّ السيوف للإطاحة برأس خصومه عن طريق بري الأقلام، أو بأزرار ألواح الكتابة، حتى تردّت الثقة العامة في الإعلام (بشكل عام) لكونه المرآة التي تعكس توجهات وطرائق تفكير المجتمع، فحتى هذه المرآة قد انشرخت، فلم يعد من الممكن إلا رؤية الوجه مشوّهاً عبر طرفين شاءا أن يركبا جوادين أهوجين وينطلقا بسرعة قصوى كلٌّ في اتجاه وقد رُبط في طرفيهما جسد هذا الوطن فتم تمزيقه شر ممزق.

كان السباق على أشده في الداخل والخارج المعسكرين، ومن دون رأفة، وكأن يوم غد هو يوم القيامة، فلن يعود الناس ليلتقوا، ولن يعودوا ليراجعوا ما قالوه، وما وصموا به بعضهم البعض، ولن تكون هناك محاسبات، أو على أقل تقدير وجوه مكفهرة تقابل الوجوه المكفهرة، في وطن من الصغر بحيث يتعرقل الواحد منا برجل الآخر، وتصطك الأكتاف معاً في أي محفل، وكأنها “أمّ المعارك” التي لن يكون بعدها أي التقاء، وأن هناك من سيقصي الطرف الآخر إلى الأبد، ولن يعود ليراه أو يتعامل معه، ولذا جرى الإسراف في نسف كل القواعد الإعلامية، والتطويح بمبادئ لا تقوم الأخبار ولا المقالات ولا البرامج ولا التصريحات، ولا الشهادات، ولا الكثير من الفنون الصحافية والإعلامية إلا عليها، ومن دونها يمكن القول أي شيء عن هذه الأشكال سوى القول أنها إعلاماً أو صحافة. فلا شفافية، ولا حيادية، ولا منح الطرف الآخر الحق في إبداء وجهة نظره، ولا مناقشة للرأي، وإطلاق المسميات المتصلة بلغة متدنية، مع ثقة عالية علواً كبيراً في سلامة موقف كل طرف بحسب ما يبيحه.

هذا الأمر منطبق على أشكال الإعلام في الداخل والخارج، وفي نوعية المعلومات التي تستخدم، والتي تُحجب، ونسي صحافيون كثر (مع الأسف الشديد) مهمتهم المقدسة في الالتزام بطرح القضايا بشفافية وصدق وإحاطة، لأن أي شيء دون ذلك هو الكذب الصراح، مهما كانت المبررات. فهناك قنوات وصحف ومواقع ومدونات ومنتديات، وقد استمرأت الكذب والفتنة والضخ الطائفي بشكل موارب أحياناً ومكشوف في أحايين كثيرة، خصوصاً وأن الحياء الأخلاقي والمهني قد زال عن موضعه، وإذ ذاك لا يمكنه العودة إلى النقطة التي كان عليها من قبل.

نعم، ربما يعود من في الخارج، وربما يعود من هم خارج مؤسساتهم، وربما توجد لهم حلول أخرى ومخارج مختلفة، ولكن هل ستمحى الإساءات والبذاءات والاتهامات من الذاكرة وخصوصاً أن كل شيء مسجل اليوم، ولا فكاك من إعادته، وسحبه من مخازنه البالغة الاتساع، الحافظة للنصوص والصور الثابتة والمتحركة، واللقاءات والبرامج والمقالات والأخبار، التلميحات والتصريحات التي كانت ترجو التحريك والتحريض الداخلي والخارجي، وتدبيج الكثير من الملفات المتعمدة القذارات التي تأبطها البعض مروراً بالبلدان والمنظمات القنوات الإعلامية الخارجية ترويجاً لوجهة نظر يتم الانتصار فيها إلى الطائفة لا إلى البلاد.

سيبقى رد الاعتبار أمراً واجباً ومهماً لكل من تعرض لتهديد أو ابتزاز أو فصل أو ما أشبه من ممارسات، ولكن هناك جوّاً قد تسببت فيه التصرفات الإعلامية المؤسسية أو الشخصية، سادته القتامة والكآبة، والخوف والتخويف، وترسخت فيه مفاهيم من الصعب إزالتها أو تعديلها لأن على الأرض لم يتبدل شيء مما يقال سوى ان الحدة قلت، والموجة تراجعت، والكمية انخفضت، ولكنها لم تزل موجودة، ومن مصلحة البعض أن تبقى موجودة لكيما يسترزقون منها بأن يقضموا من جسد هذا الوطن جوانب من لحمه وهو لا يزال حياً يصارع أقداره التي تكالبت عليه، ودوده الذي نبت على غفلة وتغافل داخل بطنه.
 
صحيفة البلاد
الخميس  8 سبتمبر 2011
 

اقرأ المزيد

ماذا أنتم فاعلون…!


بادئ ذي بدء وقبل أن نسترسل.. تلح علينا هذه التساؤلات:
– ما هي الاعتبارات التي سيضعها من هو مؤتمن اليوم على مصالح الناس في حساباته الدقيقة فيما هو قادم من الأيام..؟!
– هل ستقوم القيادات الوطنية والعقلاء ومن في حكمهم من أرباب الفطنة وبعد النظر بالبحث عن وسائل فاعلة تخرجنا من وضع لم يعد محتملا، لا نراه مسبوقا ولا نحسبه ملحوقا..؟!
– هل ثمة عمل مفترض ان يقوم به كل مواطن، وكل مؤسسة من مؤسسات مجتمعنا المدني يهدئ النفوس ويبرد القلوب، ويبعدنا عن حالة العداء والاستعداء ومداوة المرض بالمرض..؟!
–  هل استخلصنا الدروس والعبر من الأزمة التي مررنا بها لنتجنب اولاً الأحقاد والفتن وانفلات المشاعر الطائفية والتفتيتية.. ونتجنب ثانيا المصائد التي يحلو للبعض ان ينصبوها لنا حتى نحسب ان أخطاءنا انتصارات وانتحارنا بطولة..؟!
– هل يمكن ان نلتف حول برنامج، او برامج، او مبادرة، او مبادرات فكرية محددة برؤية وطنية خالصة ومستنيرة تبطل لهو البعض في خلق كل اشكال الانقسام والتباعد وكأن الوطن والناس دمى يقذفون ويتقاذفون به وبهم..؟!
– هل الخطة الوطنية لنشر التسامح لتقوية النسيج الاجتماعي وتعزيز اللحمة الوطنية التي أعلنت أخيرا وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية عن تبنيها هي خطوة جادة وهل يمكن ان نستنتج منها استنتاجا واضحا وصريحا بأنها ستمضي وفق رؤية جلالة الملك وتذهب بنا الى الآفاق المأمولة واللازمة والفاعلة والمؤثرة. وهل هذه خطة للوزارة ام خطة وطنية للدولة تتشارك فيها كل الوزارات والهيئات الرسمية، وهل هذه الخطة قادرة بان تلعب الدور اللازم الذي يدفع الى إعمال العقل، عقل الرؤية التي توقف الإمعان في الخطأ ولا تجعلنا نركز على الأمنيات والتمنيات والدعوات والكلام الطيب فقط، بل العقل الذي يطرح ويتبنى مبادرات شجاعة وقرارات صعبة ولا يهتم بالبهرجات الإعلامية الآنية التي تقول كل شيء ولا تفعل شيئا أمام الوضع الراهن بكل تعقيداته وأزماته المرضية..؟!
– هل سنبقى نظل نضيع الوقت الطويل في المناقشات والأقوال والأفعال غير المجدية التي تعطل وتعيق بث روح التوافق والتسامح وتعرقل بلورة الإرادة الجامعة الحقيقية التي ليس علينا إلا ان نضع أيدينا على مفاتيحها حتى لا يظل الكلام مجرد كلام طيب لا يجسد ولا يمثل في الواقع الحي..؟!
– هل تتوقف عمليات المتاجرة بالظرف والوضع الراهن وتنتهي محاولات من يريد لنا انعدام الوزن والخفة السياسية وعدم استعمال العقل والمنطق..؟! وتتوقف معها محاولات جوقة الردح والتأزيم الذين يصرون الى جرنا نحو ما يبدد طاقاتنا ويضاعف هموم الناس ويعاظم الاخطاء والخطايا ويزرع الاحقاد وتنال من عافته مجتمعنا وتهديد مناعته..؟!
– هل ستكون هناك جدية غير مسبوقة صارت لازمة في التعامل مع لب مشاكلنا، وجوهر تطلعاتنا وأساس توافقاتنا؟ وهل يدرك الجميع بان الجدية هي ما يهمنا وما نحتاج اليه اليوم.
 
تلك التساؤلات وغيرها كثير ليست للتشكيك وان يكن الشك في موضعه في كثير من الأحيان، الأسباب الموجبة لها وفحواها وأبعادها هي كلمة جلالة الملك في اواخر شهر رمضان والأصداء التي قوبلت بها، وهي الكلمة التي حفلت برسائل لا يستطيع المرء إلا أن يستقبلها بالحفاوة والترحيب، فهي وزعت جرعات التفاؤل التي بتنا اليوم أحوج ما نكون إليها أمام وضع من مصلحتنا، ومصلحة بلدنا ومجتمعنا.. واقتصادنا ان نضع حدا له اليوم قبل الغد، واذا كان جلالة الملك قد اختار ان يؤكد على ما يقلقه وما لابد من حسمه، فانه يصر على الذهاب بنا في الاتجاه الذي لا يمكن معه التردد لترميم البناء وتغليب لغة العقل ونبذ الفرقة والايمان بحتمية التسامح والتعايش وعودة النسيج الاجتماعي، وهي الرسائل التي اكد عليها واعتبرها المخرج الوحيد للنهوض بالوطن من جديد.
 
لا يمكن الاكتفاء هنا بتلك الاشارات او الرسائل، اذ انه من المهم، بل بالغ الاهمية ان نتوقف بتمعن امام تأكيد جلالة الملك بان «لا احد منا يريد ان يعيش وحيدا بطيفه وان نستبعد الاخرين، وان نجاحنا في إخائنا المتنوع وانه لا يجب ان لا نغفل حتمية التعايش المشترك، وانه بات من واجب الامة ان تتناسى خلافاتها وان تتوجه نحو وحدتها وخاصة في ظل جوامع ومشتركات كفيلة بتحقيق هذا الهدف..».
 
إن تلك الرسائل او الإشارات تكاد تضعنا ام هي وضعتنا وانتهينا، أمام مسؤوليات يفترض ان يستوعبها ويتجاوب معها الجميع دون إبطاء ويأخذونها بمنتهى الحسم والجدية، ولكننا امام الوضع الراهن بكل تعقيداته ومساراته، وباللغة نفسها، والمنطق نفسه، نرانا نبدي خشية من هؤلاء الذين يتأخرون عمدا او يتلكؤون في التفاعل والتجاوب مع دعوات العاهل – احيانا لأسباب انتهازية بحتة – ولا يريدون الاقلاع عن التفكير في انهاء حالة النزاعات والصراعات والانقسامات، بدل ان يكون الجميع فريقا في التخطيط للمستقبل.
 
احد أمرين أمامنا.. ان يبقى الحال على ما هو عليه لا سمح الله، فيزداد ابناء الوطن انقساما وتباعدا وفي حالة سجالات تحريضية دائمة تزيد من العلل والأخطاء والحماقات والعصبيات والأخطار التي يطول شرحها ولا حاجة للاستفاضة والتي تضرب الجميع في الصميم مجتمعا واقتصاد، والأمر الثاني ان يقتنع أبناء البلد أينما كانت مواقعهم وكيفما كانت المسؤوليات وبمزيد من الصفاء والموضوعية والوطنية بان الطائفية لم تكن في يوم من الايام حارسة للقضايا الوطنية وبان استمرار ما نحن فيه من وضع ليس من فضائل اي حكمة. وعليه لابد من ان نعود الى ما دعا اليه جلالة الملك، لا نريد قراءات ولا ممارسات لا تنسجم والفهم الصحيح لمضمون الخطاب، ولا قراءات خاطئة من قبل البعض قد تعنى كل شيء ايجابي ولا تعنى شيئا في نفس الوقت على ارض الواقع الملموس.. المطلوب الوعي والجدية وافكار خلاقة ومبادرات بناءة ومقنعة وفاعلة ومؤثرة وفيها كل عناصر المصداقية تجعلنا نجني حقا ثمار العقل وحسبنا كلمة جلالة الملك فهي تختزل المطلوب وهذه الحقيقة من السداد التذكير بها. وعليه نسأل الجميع ماذا أنتم فاعلون؟!
 

اقرأ المزيد