المنشور

ذكرى الميثاق والحوار


هناك إجماع وطني على أن ميثاق العمل الوطني الذي تمر اليوم ذكرى إقراره قد فتح الباب أمام حقبة جديدة في تاريخ البحرين، ويتمثل هذا الإجماع الوطني ليس فقط في نسبة التصويت المبهرة التي نالها الميثاق عند عرضه على الاستفتاء الشعبي، وإنما أيضاً في الاعتداد بمرجعية الميثاق نفسه، من قبل الجميع، ليكون حكماً في القضايا الخلافية، خاصة في الشقين السياسي والدستوري وهي القضايا التي كانت مدار سجال اتخذ ويتخذ أشكالاً مختلفة، بلغ لحظة الأزمة التي دخلت فيها البلاد منذ عام بالتمام والكمال، والتي تتضافر جهود عديدة اليوم في سبيل الخروج منها ومن تداعياتها السلبية، لا بل والمدمرة، على أكثر من صعيد.
 
وكما في كل مناسبة لها علاقة باحياء ذكرى الميثاق، نكرر القول بما أحدثه من حراك سياسي واجتماعي نشط، ومن تفاعل غير مسبوق مع القضايا السياسية، حيث تشكلت الجمعيات السياسية وسواها من مؤسسات المجتمع المدني والنقابات وجمعيات جديدة للنساء والشباب، وشهدت البلاد فعاليات جماهيرية كبرى، وعادت الحياة النيابية التي عطلت نحو ثلاثة عقود.
 
وهذه كلها مكتسبات يجب الحفاظ عليها والتمسك بها، والعمل الدؤوب دون أي عودة عنها في أية صورة من الصور، لكن في هذا العام يتعين الإقرار بما ترتب على الأزمة التي مرت بها البلاد من تراجعات وإشكالات، وما انفتح، بنتيجتها، من ملفات، كملفات المفصولين أو الموقوفين عن أعمالهم، وملف الموقوفين والمعتقلين والماثلين أمام القضاء، ويظل الملف الأخطر هو التصدع الكبير الذي أصاب الوحدة الوطنية للمجتمع، والسدود المنيعة من عدم الثقة التي نشأت بين فئات الشعب الواحد، ورغم الجهود التي تبذل في تسوية هذه الملفات الشائكة، ألا اننا نحتاج الى وقت وجهد أكبر بكثير، بما يمهد لمصالحة وطنية شاملة تكون محل توافق مجتمعي يؤهلها للاستمرار.
 
وهذا يتطلب إعادة الزخم لآليات المشروع الإصلاحي التي تفترض أن يكون الإصلاح عملية مستمرة، تفضي كل مهمة فيه إلى مهمة تالية، فلا يمكن الركون إلى ما تحقق، لأن كل مكسب عرضة للتآكل إذا تمت المراوحة عنده، هذا أولا. وثانيا لأن الإصلاح يجب أن يكون عملية متكاملة تغطي الأوجه المختلفة، إذ لا يمكن له أن يتقدم في وجه من الوجوه طالما كانت آليات نقيضة له تعمل في وجه آخر.
 
هناك ملفات كبرى مازالت بحاجة إلى حل والى بلوغ توافقات بشأنها بين الدولة وبين القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة، ولدينا اليوم خريطة طريق تحظى بصدقية عالية وبقبول مجتمعي عام هي توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وعلى الرغم من أن هذه التوصيات لا تغطي إلا الجوانب الحقوقية والتشريعية، ولا تشمل الشق السياسي والدستوري، لكن بات واضحاً أن التنفيذ الدقيق والصارم لهذه التوصيات يفضي بالضرورة إلى معالجة الشأنين الدستوري والسياسي، اللازمة لانجاز المصالحة الوطنية.

ثمة حديث متواتر عن جهود أولية لفتح حوار بين الدولة والمكونات السياسية في المجتمع، وأفضل إحياء لذكرى الميثاق سيكون بإطلاق مبادرة سياسية في اتجاه مثل هذا الحوار، الذي، لضمان نجاحه، يجب أن يكون حواراً وطنياً يبتعد عن التوافقات الفئوية والمحاصصات الطائفية.

اقرأ المزيد

الطـــــــــــــرق المســـــــــــــدودة ..!


يحق للناس القلقين في هذا البلد وعلى هذا البلد، الرافضون ان يصبحوا سلعة في يد من ابتلينا بهم يعتاشون من الحالة الراهنة بصور شتى عن سابق تصور وتصميم، مساندين الشطحات الانشطارية التي لا تؤدي سوى الى المزيد من المبارزات والمفاجعات التي تمضي بالناس وبالوطن الى ماهو اشد وادهى وافتك، فيما اصحاب الشطحات يظهرون لنا كالابطال عند الجهلة ينطقون باسمهم، ويجودون بما عندهم بكل ما يجعل القلوب ملآنة وافراز كل ما يؤدي الى خيبة الأمل والمضي باصرار نحو الطرق المسدودة.
 
من الطرق المسدودة ان نجد من يزعم رفضه للفوضى وهو يرعاها، ومن يدعو الى مواجهة الطائفية ولكن بالمزيد منها او بانتاج ما يكرس الطائفية ويدافع عنها، ونجد من يطالب بالواقعية السياسية فيما هو يمارس الانتهازية، ومن يطالب بالحوار ويضع العصا في دواليبه، ومن يدعو الى التلاقي ولملمة الخلافات والانشقاقات والتطلع صوب مصلحة البلاد والانحياز لخطاب التصالح والتسامح نجدهم اصحاب مقاصد مضمرة يدبرون في ليل ما يضفي على المشهد المزيد من العتمة والمزيد من التعبئة الخاطئة.
 
من الطرق المسدودة ان يجد البعض ما يتم تداوله هذه الايام من كلام عن تهيئة وتهدئة ومساع وتفاهمات قد تكون شكلا من اشكال الرسائل الايجابية غير المباشرة التي قد تمهد للمباشرة ومن ثم لحلحة الوضع الراهن، وكذلك الكلام الذي تلاه عن «نتائج مشجعة للتهيئة للحوار للم الشمل» بانه لعب على الحبال تارة، او بانه كلام معيب ومشبوه ومشين ومشكوك فيه ومرفوض ومدان ومنفلت وكأن جوقة «المغامرين» و«جماعة من بعدي الطوفان» واولئك الذين ينتظرون ادوارا، ومعهم الذين يظنون – رغم ان بعض الظن اثم- باننا في انتظار فتات رضاهم، كل هؤلاء لا يريدون لنا ان ننتظر او نترقب اخبارا عن لحلحة تمضي بنا الى ما يقرب المسافات ويحصن الدولة بالاستقرار والسلم الاهلي والعدل والاعتدال والانماء والتطوير..!
 
من الطرق المسدودة ان نجد بعض دعاة الحوار والمصالحة هم انفسهم من بين الذين انتجوا الفرقة وكرسوا الانقسام، والذين باتوا يقولون بانهم يرفضون حالة الانشطار تسلحوا بها كشر لا بد من التعامل معه، وبعض من يدعون الى الحق يحوطهم الباطل من كل جانب واللاطائفين افرادا وجمعيات ونقابات ونخب وعقائد وافكار وجدناهم اما على الهامش، او انهم اصبحوا طائفيين اكثر من الطائفيين.
 
من الطرق المسدودة ان نتوهم ان الحل قد يكون حلا اذا انطوى على ابعاد اي فئة، او الانتقاص من شأن اي فئة او اقصاء اي فئة، او الاساءة الى اي فئة او انه بمقدور كل فئة ان تدير ظهرها الى الاخرى، وان نتوهم من بعد ان غاية ذلك السلامة، وان ذلك يمكننا من بلوغ الصلاح والاصلاح والفلاح والاستقرار والسلم الاهلي.
 
من الطرق المسدودة الا نستقبل بارتياح وترحاب ودعم وتجاوب كل خطوة او جهد او محاولة او مبادرة او مشروع اهلي يجمع مواطنين هنا وهناك يراد ان يبني عليه عمل وامل، بحثا عن مخرج يعتقنا من اسر التيه والتخبط وفقدان البوصلة في كل شاردة وواردة، والا نعتبر ذلك في حده الادنى على الاقل نوعا من اشهار الاحتجاج في وجه التأزيم ومحاولات جرنا الى الفوضى الشاملة وجر اقتصادنا الى الحضيض،
 
ومن الطرق المسدودة ان تستمر اقوال وطروحات وبيانات جمعيات وفئات احترفت استثمار الخلافات واستباق الحلول باثارة المزيد منها، اججوا وحولوا محاولات الانقاذ الى اخطار، والصواب الى اخطاء، وجهود المصالحة والمصافحة الى تجاذبات واتهامات وشكوك في النوايا، ووسعوا الهوة بين كل الاطراف واضافوا الى الوضع المزيد من التأزيم والتعقيد لجعل مجريات الامور مستعصية على الحل، وان وجد الحل يراد جعله ممنوعا من الصرف..!
 
من الطرق المسدودة ان تظل مرجعيات وقيادات وزعامات وكتل وتكتلات ومن يحركون الخيوط من هذا الجانب وذاك، ومن يقفون وراء التفاصل الميدانية، ومسار الامور وتطوراتها على الارض، واصحاب المشاريع التي تحيط بها وبهم علامات استفهام وتعجب، والمنظرين من مدعى حب البحرين الذين تفتقت قرائحهم على كل ماهو سيئ وأسوأ من نزوات طائفية ومذهبية ومعهم طبقة السياسيين والانتهازيين الذين لا يعرف لهم رأي ولا موقف الا حسب العرض والطلب، وبجانبهم كثر ممن يفترض انهم يمثلون شعب البحرين من النواب، كل هؤلاء ظلوا متناسين الحال المزرية التي اوصلونا اليها وممعنين فيما يبقى هذه الحالة ويعطل استنهاض الهمم لتجاوزها.

من الطرق المسدودة ان يسود عامل الاحباط واليأس والتسليم باستحالة اصلاح الحال الراهن وتعذر ازالة حقل الالغام المستدامة التي زرعت في واقعنا، وان يكون النواب وقوى مجتمعية ومن يعدون انفسهم من النخب وقادة فكر ورأي، ومن ظهروا نشطاء في كل مجال في الحقوق والسياسة والاجتماع، جزءا من المشكلة وليسوا جزءا من الحل لتتعاظم الاخطاء والاخطار والتراكمات والكيديات واتساع طقوس القطيعة والمقاطعة وتوسيع الهوة والافتراق.
 
من الطرق المسدودة ان يرى كل طرف الازمة والحل من منظوره وزاوية نفوذه وبورصة مصالحه واهدافه القريبة والبعيدة وتهديم كل ما يؤدي الى توليد حل او حلول على الصعد كافة سياسيا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا ومعيشيا.

اخيرا من الطرق المسدودة الا تدرك كل الاطراف اننا امام خيارين او اختبارين اما المباشرة في رأب الصدع وتسريع الخطوات الى الحل، واما نبقى في مهب الريح عرضة لان تغرق السفينة بنا جميعا، والله المستعان.
 
الأيام 14 فبراير 2012

اقرأ المزيد

الحل الوطني يأتي عبر إصلاح في مصلحة الجميع


نستذكر الكثير في 14 فبراير / شباط، عندما صوت الشعب في 2001 على ميثاق العمل الوطنب بنسبة 98.4 في المئة. مرت سنوات طويلة، وجاء لنا العام الماضي بأحداث جسيمة، وتصاعد الأحداث خلال الأيام الماضية وهو ما يجعل الاحتمالات مفتوحة، فلا يمكن لأحد توقع ما قد يحدث خلال الساعات المقبلة؛ فالوضع يمرُّ بمرحلة لا يمكن التكهن بنتائجها.

التوتر الحاصل أثبت أن الحل الأمني أو حتى أنصاف الحلول، لا يمكن لها أن تضمن الاستقرار، وأن الحل الوحيد هو الحوار الجدّي بين مختلف القوى السياسية بشكل متوازن يضمن الوصول إلى اتفاق من أجل الخروج من الأزمة قبل أن تستفحل وتصل إلى طريق مسدود لا يمكن الخروج منه.

نعم مازال هناك أمل في أن يسود منطق العقل، وأن يقدم الجميع مصلحة البحرين وأبنائها قبل أيِّ اعتبار، على الجميع أن يفهم أنه ليس هناك أعداء يجب هزيمتهم وخونة يجب تطهيرهم وموالون للخارج يجب نفيهم؛ فالوطن يمكن أن يسع الجميع ويحتضن الجميع.

خلال الأيام القليلة الماضية تم الحديث عن تحركات واتصالات تجرى من أجل البدء بحوار وطني شامل، فيما يشير النائب السابق عبدالجليل خليل في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية إلى «أن اتصالات غير رسمية تجرى مع السلطة من أجل إعادة إطلاق الحوار». ويؤكد أن المعارضة مستعدة للحوار إن كان يهدف إلى تسوية جدية وشاملة.

في مقابل ذلك أصدرت أربع جمعيات سياسية بياناً أمس الأول تنتقد فيه الدعوات الصادرة من قبل بعض التكتلات السياسية والداعية لبدء الحوار، مع أن هذه التكتلات قد وضعت سبعة شروط تعجيزية للموافقة على دخولها الحوار!

إن استمرار حركة الشارع المطلبية خلال السنة الماضية على الرغم مما تعرضت له من قسوة أوردها تقرير لجنة تقصّي الحقائق، وانتهاجها الخط الوطني الجامع على الرغم من محاولة البعض لتحويلها إلى مشكلة طائفية بين أبناء الوطن الواحد، يؤكد أن على البعض أن يعيد حساباته، ويدرك بأن الحل لن يأتي من خلال القفز على المطالب، وإنما يكمن في توافق وطني على الإصلاحات التي ستكون في مصلحة الجميع.

إن إعادة الأخطاء السابقة في التعامل مع المطالب، سيبقي الأزمة مفتوحة؛ ما يعني المزيد من الخسائر للبحرين، والمزيد من الاحتقان السياسي والاجتماعي، ورجوعنا للوراء بدلاً من التقدم للأمام.

ما عاد الوضع يحتمل المهادنة مع المتمصلحين من تفاقم الأزمة، وتجّار الحرب، وغربان المصائب، ولذلك فإنّ على المخلصين من أبناء الوطن، نبذ هؤلاء وإسكات أصواتهم والدفع باتجاه المصالحة الوطنية والإصلاحات السياسية، فلا سبيل آخر غير ذلك
 

صحيفة الوسط البحرينية – 14 فبراير 2012م

اقرأ المزيد

اقتراح البدائـل


في ضوء التداعيات المستمرة للأزمة التي عصفت بالبلاد، يصبح مهماً أن يلتفت المجتمع إلى قضاياه الكبرى الحيوية التي تحتاج إلى حل، كتوسيع وتطوير المشاركة السياسية، من أجل تحقيق فصل فعلي للسلطات، يعود من خلاله للسلطة التشريعية دور غير منقوص، وأن تكون الحكومة معبرة عن الإرادة الشعبية، وإيجاد وتفعيل آليات مكافحة الفساد المالي والإداري وطرق التصرف بالمال العام.
 
ولكن ليس أقل أهمية من ذلك إدراك أن الهدف من هذا الالتفات لهذه القضايا وإثارتها ليس دفع الأمور نحو المواجهة، بقدر ما هدفه إبراز حاجة المجتمع لحل هذه القضايا أو وضعها على طريق الحل وصولاً لإيجاد مخارج لها، تؤمن للبلاد مقداراً أكبر من الاستقرار وللناس مقداراً أكبر من الطمأنينة إلى المستقبل والثقة في آفاق عملية الإصلاح السياسي المنشود.
 
ما من مجتمع حيوي، كما هو حال المجتمع البحريني، يمكن أن يتطور ويتقدم إلى الأمام في غياب المطالبات الشعبية باحراز هذا التطوير والتقدم، ومثل هذه المطالبات تنطلق من قواعد مشروعة، يجب أن تضمنها التشريعات المنظمة للممارسة السياسية وفق المعايير الدولية، وتحسن قوى المجتمع المدني والجمعيات السياسية صنعاً إذا ما أبرزت حرصها ليس فقط على تقديم البيانات والمعطيات التي تظهر حجم القضايا غير المحلولة، وإنما أيضاً عبر اقتراح الحلول والمخارج الواقعية لهذه القضايا.
 
وحين تجري مطالبة السلطة التنفيذية بالتوجه الجدي لحل القضايا غير المحلولة، فلأن تلك هي مسؤوليتها المباشرة، فالمجتمع المدني، مهما كانت قوته أو درجة وعيه أو تنظيمه ليس عليه أن يحل قضايا إشكالية ذات طبيعة اجتماعية واسعة كتلك التي أشرنا إليها، وليست تلك هي مهمته على كل حال.
 
هدف قوى المجتمع المدني أن تشكل قوة ضاغطة باتجاه البحث عن حلول لتلك القضايا، والتي لن يؤدي التلكؤ في مقاربتها بجدية في اتجاه حلها إلا إلى تفاقمها، وبالتالي زيادة صعوبة حلها فيما بعد، فضلاً عن التداعيات الاجتماعية والسياسية السلبية التي سوف تترتب عليها، ولو أخذنا ملفا أي ملف إشكالي من تلك الملفات التي تجابه البلاد اليوم، فإن من الصواب ألا تكتفي هذه القوى بممارسة حقها المشروع الذي يحميه ميثاق العمل الوطني والدستور وكثير من التشريعات النافدة في استخدام وسائل الضغط السلمية المختلفة من أجل تحقيق الرغبات الحقيقية للناس، وإنما تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بتوظيف ما لديها من وقائع ومعطيات وما تمتلكه من خبرات وكوادر في اتجاه اقتراح الحلول والمخارج لها، لنظهر في صورة القوى التي تمتلك البديل الأفضل القادر على إقناع الناس بأهليتها كقوى سياسية حية ومستقبلية، بما في ذلك نبذها لأساليب العنف.
 
 ومن يراجع أدبيات ومواقف عدد من الجمعيات السياسية سيجد أنها تقدمت بمرئيات حول الإصلاحات الدستورية المنشودة وحول تطوير النظام الانتخابي والارتقاء بالتشريعات، خاصة منها تلك المتصلة بالحريات، لكن المطلوب لايزال أكثر من أجل أن تتحول هذه الأحزاب إلى قوى حزبية برؤى برامجية متكاملة، بما يساعد على تشكيل بيئة ملائمة، بتضافر جهود كافة مكونات المجتمع من أجل التغلب على العوامل المُولدة للأزمة، واحتواء آثارها السيئة على أكثر من صعيد.



حرر في 13 فبراير 2012

اقرأ المزيد

تحبيذ الطائفية أو نفيها ؟


الانقسام الطائفي في المجتمع معطى موضوعي لا دخل للأفراد أو الجماعات فيه. لقد وجدالناس أنفسهم، سنة وشيعة، يعيشون على هذه الأرض معاً، وليس بينهم من اختار أن يكون شيعياً أو العكس فيكون سنياً، لقد أصبحوا كذلك بحكم الوراثة. «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ».
 
ثم أن الطائفية كسلوك ومنهج في التعامل في البلد لم تنشأ اليوم، لقد وُجدت دائماً، وتضافرت في ذلك عوامل عديدة وجهود مبذولة من قبل كل من لهم مصلحة في السياسة العتيدة:” فرق تسد “.
 
من حسن حظنا أننا ننتمي إلى الجيل الذي فتح عينه على الدنيا في تلك اللحظة التاريخية التي توارت فيها الطائفية إلى الوراء بعض الشيء بفعل العمل الوطني الكبير الذي اضطلع به قادة هيئة الاتحاد الوطني ومن سار على دربهم من قادة التنظيمات الوطنية ومناضليها، ومن الشخصيات العامة والمثقفين وقادة الرأي العام الذي كان ولاؤهم للوطن لا للطائفة، للمستقبل لا للماضي. وأحدث هؤلاء من التأثيرات العميقة في الوعي والسلوك ما شكل وعياً عاماً مازلنا نُعول عليه حتى اليوم في مواجهة هذا الفوران المذهبي، لو أن غير الطائفيين في البلد، من تنظيمات وجماعات وأفراد، وحدوا جهودهم واتفقوا على كلمة سواء، لكن هذا حديث يثير الألم والشجون، في كل مرة نقاربه.
 
لسان حال أصحاب الخطاب الرائج هذه الأيام كأحد أخطر مفاعيل ما مرت وتمر به البلاد من أزمة، يقول وبالفم المليان: «نعم نحن طائفيون، الكل في البلد طائفي، كل طائفة تعمل لمصلحتها، فأين هي المشكلة، على كل طائفة أن تتدبر أمورها بنفسها، فلا الشيعي سينفع السني ولا السني سينفع الشيعي، وبالتالي فعلى كل منهما أن يرتب أوضاعه، وبالتالي أوضاع الوطن كله، وفق هذا الفهم».
 
هذا قول خطير، مهما كانت مسوغاته، لأن الأمر خرج من دائرة تحبيذ الطائفية أو تبريرها أو تسويغها، كما كان الأمر سائداً، ليدخل في دائرة تمجيدها وتزويقها، فيغدو المنخرطون في لعبتها المدمرة مقتنعين بأنهم يؤدون واجباً دينياً ووطنياً كبيراً، بالانتصار لطائفتهم الذي هو، وفق هذا الفهم، انتصار للحق والواجب الذي يمليه الضمير.
 
قبل فترة قريبة لم يكن أحد يجاهر بالقول عن نفسه إنه طائفي، وإن كان حتى نخاع العظم كذلك، فمثل هؤلاء كانوا يخلعون على أنفسهم أردية من الورع أو المداراة والمواربة التي تغلف الخطاب الطائفي بعبارات منمقة، تخفف على الأذن السامعة غلواء هذا الخطاب، لكن الأمر لم يعد كذلك اليوم. وما يحز في النفس أن من يسوقون لهذا الخطاب ليسوا فقط من أصحاب الجبب الدينية هنا وهناك، الذين لا تثريب عليهم، وإنما ينخرط في هذا التسويق من يعتمرون القبعات الليبرالية أيضاً، أو على الأقل هكذا يدعون.
 
البلد لن تخرج من محنتها عبر صيغ المحاصصة الطائفية التي خبرت بلدان عربية أخرى غيرنا تجليات لها، فخلقت مشاكل بدلاً من أن تحل مشكلة، البلد بحاجة لسياسة دمج وطني لكافة مكوناتها في بنية الدولة ومؤسساتها تقوم على معايير الكفاءة ووحدة المواطنة لا الإمعان في تجزئة المجتمع.

اقرأ المزيد

تحرير الإعلام شعار ثوري أما تطهير الإعلام فهو شعار فاشي – صلاح عيسى

تحرير الإعلام «شعار ثوري».. أما تطهير الإعلام فهو «شعار فاشي»ارتفع شعار «تطهير الإعلام» في سماء الاحتفالات والاحتجاجات بالعيد الأول لثورة 25 يناير، حتى غطى على غيره من الشعارات، فزعقت به الحناجر ورفرفت به الرايات، وأصبح الموضوع المفضل للنقاش في المناظرات الفضائية التي عقدت لتقييم إيجابيات وسلبيات العام الأول للثورة، لتنتهي عادة بالحكم بأن الإعلام – وخاصة المملوك للدولة – تعمد خلال العام الذي انقضى من عمر الثورة، إذاعة أخبار كاذبة عنها، ونسبة اتهامات ملفقة إلى قادتها، بهدف تشويه سمعتها، وتنفير الجماهير منها مما يتطلب تطهيره حالاً بالاً من أعداء الثورة.
 
ولأن كل عمل بشري، سواء قام به الإعلاميون أوالثوار، لا يخلو من خطأ هنا أو هناك، فإن الهجوم الثوري الكاسح على الإعلام بشكل عام ودون تمييز بين الخطأ الذي يقع بحسن نية وبين التآمر الذي يستهدف الهدم، وبين النقد الثوري الذي يوجه للثورة من داخل معسكرها، ويسعي لتصويب مسارها، والتسفيه الذي يستهدف تخريبها ووقف تقدمها، أمر يدعو للدهشة لأنه يصدر عن المتحدثين باسم ثورة من أوائل الثورات في عصر ثورة الاتصالات، تدين بالجانب الأكبر من نجاحها إلي أجهزة الإعلام التي اعتمدت عليها في تجميع الصفوف وحشد الأنصار، وترويج الشعارات، فردت لها الجميل برفع شعار «تطهير الإعلام» لتتأكد بذلك مقولة أحد زعماء الثورة الفرنسية، بأن الثورات كالقطط تأكل أبناءها، وكالفئران بلا ذاكرة ولا تاريخ لا تستفيد من أخطاء غيرها وبذلك يسهل صيدها بالطريقة ذاتها التي قادت اسلافها للمصيدة.
 
ولأنني أنتمي للجيل الذي عاصر ثورات 23 يوليو 1952 و15 مايو 1971 و5 سبتمبر 1981 و25 يناير 2011، فإن لدي حساسية بالغة، ونفور تام، تجاه شعار «تطهير الإعلام» لأن التجربة علمتني أنه ينتهي عادة بمصادرة حرية الإعلام، ولأن ضحيته الأولى هي الثورة نفسها، فقبل أن يمر أسبوع واحد على ثورة 23 يوليو 1952، أمر مجلس قيادة الثورة بالقبض علي اثنين من ألمع الصحفيين، هما الشقيقان «علي» و«مصطفى» أمين صاحبا دار «أخبار اليوم»، بتهمة إجراء اتصالات هاتفية مريبة بالعاصمة البريطانية في إيحاء بأنهما كانا يحرضان دولة الاحتلال علي التدخل ضد الثورة. وبعد أيام اتضح أنهما لم يجريا أي اتصالات من هذا النوع، واتهم أصحاب جريدة «المصري» الذين كانوا على صلة طيبة بقادة الثورة – بأنهم وراءهذا البلاغ الكيدي لأسباب تتعلق بالمنافسة بين الصحيفتين – وأفرج عن الأخوين «أمين» واعتذر لهما مجلس قيادة الثورة في بيان رسمي ليصبحا من أكثر المتحمسين للثورة، بينما أنتقل أصحاب «المصري» – أكبر صحف حزب الوفد – إلى صف الناقدين لمجلس الثورة، بسبب الحاحهم علي إعادة العمل بدستور 1923، ووصل الخلاف إلي ذروته أثناء أزمة مارس 1954، ليسفر في أعقاب انتهاء الأزمة، بتقديم أصحاب «المصري» وصاحب جريدة «الجمهور المصري» – التي اتخذت الموقف نفسه- إلى محكمة الثورة، وعن اغلاق الجريدتين! وشملت حملة تطهير الصحافة التي أعقبت أزمة مارس، مصارع عشرات الصحف، فتوقفت كل الصحف الحزبية التي كانت تنطق بلسان الأحزاب السياسية بعد حل الأحزاب، واكتشف ثوري عبقري أن هناك نصاً في قانون المطبوعات يقضي بالغاء تراخيص الصحف التي لا تنتظم في الصدور لمدَّة ستة شهور، فأمر بإلغاء 48 صحيفة كان معظمها من الصحف اليسارية والديمقراطية، التي اضطرت لعدم الانتظام في الصدور، بسبب تعنت الرقابة واعتقال محرريها بعد أن فرضت الأحكام العرفية في أعقاب حريق القاهرة. وقرر مجلس قيادة الثورة حلّ مجلس نقابة الصحفيين، لأنه عقد جمعية عمومية في مارس 1953 نددت بتعسف الرقابة علي الصحف.. وعلى سبيل التشهير أعلن مجلس القيادة قائمة تضم أسماء 20 من كبار الصحفيين بينهم 7 من أعضاء مجلس إدارة النقابة و13 صحيفة قال إنهم تقاضوا مصاريف سرية في العهد البائد.. كانت تضم أسماء لصحفيين وصحف من التي خاضت معركة الديمقراطية، تلقوا هذه المبالغ تعويضا عما كانوا يخسرونه بسبب المصادرات التعسفية التي كانت صحفهم تتعرض لها في العهود الديكتاتورية.
 
ومنذ ذلك الحين أصبح تطهير الصحافة بمنع الصحفيين من العمل، أو نقلهم إلي أعمال غير صحفية، أحد تقاليد الحكم الثوري في مختلف أطواره وتقلباته، خاصة منذ صدور قانون تأميم الصحافة عام 1960 الذي نقل ملكية الدور الصحفية الكبيرة إلي الاتحاد القومي، وقضى بألاّ يعمل أحد بالصحافة إلاّ إذا حصل علي موافقة مسبقة من هذا الاتحاد.. فتعددت موجات نقل الصحفيين إلي أعمال غير صحفية، كما حدث عام 1964 عندما فصل معظم الكتّاب اللامعين في جريدة «الجمهورية» إلي وزارات الحكومة وشركات القطاع العام، وفي عام 1973 – وبعد عامين من ثورة 15 مايو 1971 – أصدرت لجنة النظام بالاتحاد الاشتراكي قرارا باسقاط العضوية العاملة بالاتحاد عن 120 صحفيا – كان من بينهم نصف عدد أعضاء مجلس النقابة – وحرمتهم من العمل بالصحافة ونقلتهم إلى مصلحة الاستعلامات، وفي عام 1981 أصدر الرئيس السادات قراراً بنقل 64 صحفيا إلى المصلحة ذاتها فضلا عن عشرات شملتهم حملة الاعتقالات التي واكبت ثورة 5 سبتمبر لذلك العام فضلاً عمن كانوا يستيقظون في الصباح من الصحفيين فيجدون قرارا شفهيا بحرمانهم من الكتابة أو بفصلهم من العمل.
 
ربما لهذا السبب، طالبت منذ شهور برفع شعار «تحرير الإعلام» بدلاً من شعار «تطهير الإعلام»، لأن الأول يعني تغيير القوانين والنظم ذات الصلة بالإعلام المملوكة للدولة علي نحو يحرر الإعلاميين من ضغوط السلطة، ويرفع قبضتها عن أعناقهم، ويمكنهم من اتباع تقاليد وأدبيات مهنتهم، أما الثاني فهو مجرد تغيير أشخاص بآخرين، لتظل القوانين والأوضاع التي تحكم هذا النوع من الإعلام قائمة على ما هي عليه، ولأنه في جوهره نوع من الفاشية تسعى لإرهابهم وتخويفهم.. وينتهي غالبا بأن يكون الذين يروجون له من الصحفيين والإعلاميين ضمن قوائم الذين يطالبون بتطهيرهم. باختصار ووضوح: تحرير الإعلام شعار ثوري. أما تطهير الإعلام فهو شعار فاشي!.
 

الكاتب: صلاح عيسى
كاتب مصري
 الأيام 10 فبراير 2012

اقرأ المزيد

المأجور لا يخلق فناً ومن يتلقى الأوامر لا يبدع


نقول لكل من يتهم الحراك الشعبي في البحرين بالعمالة وتنفيذ أجندات خارجية مدفوعة الثمن، إن المأجور لا يخلق فناً، وإن من يتلقى الأوامر لا يبدع، وإن من يباع ويشترى لا يمكن له أن يسمو بمشاعره ليستحوذ على مشاعر الآخرين.

في الشهور الماضية انطلقت إبداعات العديد من أبناء البحرين من شعراء ورسامين وموسيقيين ومنشدين وإعلاميين حتى فاق إنتاجهم الفني أضعاف ما كانوا يقدمونه عادةً في سنوات، ليس من ناحية الكم فقط ولكن حتى من ناحية الجودة، فدائماً ما تكون المآسي دافعاً للإبداع والتألق كما تشهد بذلك تواريخ الشعوب والأمم.
لقد ظهرت خلال هذه الفترة العديد من الأناشيد الوطنية والقصائد الشعرية واللوحات الفنية وحتى رسوم الكاريكاتير التي تحكي وتؤرخ ما حدث بشكل فني راق، لتبقى إرثاً يتغنى به الناس وتحفظه الأجيال المقبلة.

في زمن قانون «أمن الدولة»، كان الفن والأدب الوطني الصادق محاربين، فلن تجد في مكتبات البحرين دواوين سعيد العويناتي أو مظفر النواب أو حتى روايات مكسيم غوركي، كما لن تجد في محلات التسجيلات الصوتية أمسيات محمود درويش أو أغاني مارسيل خليفة.

بل أن أياً من هذه الدواوين أو الأشرطة كان يمكن أن تكون مستمسكاً يفضي بصاحبه إلى السجن لمدة ثلاث سنوات دون محاكمة، ولذلك كان يتم تبادل الكتب والأشرطة في الخفاء بين الأصدقاء، وتُدفن في الأرض أو تُحرق، في حالة المداهمات الأمنية للنشطاء السياسيين.

لقد عرف الرقيب في تلك الأيام سحر الكلمة وتأثير الفن على الناس، ولذلك قام بمنع الكتب من الدخول إلى البحرين، لكن هذا الرقيب لا يستطيع الآن في زمن الفضاء المفتوح والانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الواسعة النطاق، أن يراقب ويمنع ويجيز على هواه.

لكل فترةٍ من تاريخ الشعوب طعمها الخاص، الذي ينعكس بصورةٍ أو بأخرى على نتاجها الفني والأدبي، فإن كانت فترة رخاء وسلام، كان الفن مشرقاً وزاهياً، وإن كانت فترة ألم وحرمان أصبح حزيناً وصارخاً ومتمرداً.

كما أن لكل شعب من شعوب العالم تاريخه الخاص، بما في ذلك من أفراح وأحزان، وعمل وكفاح من أجل التنمية والعدالة الاجتماعية والعدل والحرية والمساواة.
هذا التاريخ يظهر من خلال إبداعات أبنائه المخلصين الذين يحملون هموم وطنهم وآلام مواطنيهم، ويعبّرون بصدقٍ عن آمال شعوبهم وتطلعاتهم.

ولذلك يكفي أن نقول إن أكبر دليل على وطنية أبناء البحرين وأحقية مطالبهم… هو هذه القدرة الكبيرة على إسماع صوتهم للعالم في هذا الطبق الجميل من الإبداع.


صحيفة الوسط البحرينية – 10 فبراير 2012م

اقرأ المزيد

نعم الحـل بحرينيــاً


العنوان أعلاه، هو ما نريده تماما، بان يكون الحل للأزمة بحرينيا خالصا، نابعا من قناعات اهلها، فكما يقال (أهل مكة ادرى بشعابها).
 
ان البحرين (ولاّدة)، تلد الكثير من الطاقات والعقول والكوادر البشرية التي باستطاعتها ان توجد مخرجا لما نمر به، لا على اساس (غالب ومغلوب)، بل على منطلق ان مستقبل بلدنا وتنميتها تتطلب المزيد من الاستقرار.
 
مخطىء من يعتقد ان الوضع الذي نعيشه هو طبيعي، نحن في ظروف استثنائية، وتتطلب منا ان يعود الجميع الى رشده، وينهي كل التداعيات التي حدثت، ونحدد ما نريده لتعود الامور الى نصابها الحقيقي، عبر حوار هادئ ومثمر، يجمع فيه كافة الاطياف.
 
من المهم جدا ان يتفاعل الجميع ويعلن التشجيع الكافل لمبادرات (لم الشمل)، لأننا نحتاج ان تعود تلك العلاقات الى سابق عهدها بل أكثر من ذلك، لأن البحرين (حمامة) لا تستطيع الطيران من دون جناحين يخفقان مع بعضهما.
 
ان جسد البحرين بحاجة الى تضميد جراحاته، والمضمدون هم انتم يا أبناء اوال بسنتكم وشيعتكم ومسيحييكم، انتم فخر هذا البلد، وأنتم القادرون على ايجاد الحل السياسي.
 
قد يتفق معي البعض او يختلف، لكن هي وجهة نظري بان الازمة في البحرين هي (سياسية بإمتياز)، ولكن لا بد من اقرار ان هذه الازمة السياسية خلقت تداعيات اجتماعية عديدة، ومن غير المعقول ان نركن هذه التداعيات عن ما سيدور في غرف الحوار. نحتاج الى تهيئة الظروف الملائمة وخلق اجواء مناسبة من اجل الدخول في الحوار بأجواء ايجابية.
 
لذلك، هي دعوة صادقة من مواطن يخشى على بلده من الدخول في نفق مظلم، أقولها (مصارحا ناصحا) ولكل الاطراف، أوقفوا العنف الان، أرجوكم بنية صادقة (اوقفوووه). ان التوافق بين مكونات المجتمع البحريني هو الطريق السليم حتى لا يكون هناك – وكما اسلفنا – غالب ومغلوب. (الوطني) لا يفكر في طائفته ولا في حزبه، بل يفكر في وطنه بأكمله، كيف سيعيش ابناؤه في المستقبل.
 
إن الامل يحدونا بأن الحل لهذه الازمة قريب، ولكنه يحتاج الى عقول منفتحة، وقلوب واعية، لأن خير القلوب أوعاها.
 
في الختام أقولها لجميع المعنيين بالشأن العام: لا تكسروا الامل في داخلنا وحاولوا جاهدين ان تخرجونا مما نمر به (أرجوكم). 



 
الأيام 9 فبراير 2012

اقرأ المزيد

تلازم الخبز والحرية


لا يحضرني الآن أين قرأت عن نتائج استطلاع قامت به إحدى الوسائل الإعلامية، لعلها إذاعة أو صحيفة، حول لأيهما الأولوية عند المواطن العربي: أللخبز أم للحرية؟ لكن ما أذكره أن الاستطلاع شمل مجتمعات عربية متفاوتة من حيث المستوى المعيشي، فتفاوتت الردود بين أفراد المجتمعات التي تعاني أكثر من غيرها من الضوائق الحياتية، وبين أفراد المجتمعات التي تنعم بمستوى معيشي معقول . وبينما مال أفراد الفئة الأولى للتأكيد على أهمية لقمة العيش، باعتبارها الحاجة الأكثر إلحاحاً، أظهر أفراد الفئة الثانية ميلاً أكبر للمطالبة بالحرية والمشاركة السياسية، مع أن الجميع اتفقوا على أهمية الأمرين معاً: الرغيف والحرية، بل إن بعضهم ذهب إلى القول إنهما متلازمان، فلا معنى للحرية مع الفقر، ولا معنى للغنى دون حرية .
 
الأحداث الدامية الجارية في بعض بلداننا العربية تدفع بنقاشٍ مثل هذا إلى الصدارة، فالمواطن العربي الذي رُوض طويلاً على الصبر، لا يخرج الى الشارع محتجاً إلا تحت ضغط الحاجة القاهرة، حين تعييه السُبل عن تأمين لقمة عيشه، ويشعر بأن الأبواب كافة قد سُدت في وجهه. فجذوة الرفض حتى وإن توارى لهبها، تبدو عصية على الانطفاء، لأن ما في هذا العالم الجائر من مظالم كفيل بإشعال أوارها من جديد، وربما بقوة غير مسبوقة، والاستخفاف بمصالح الناس، وأرزاقها، والامعان في الاستحواذ على الثروات، وحرمان مستحقيها منها، لا يمكن أن ينجم عنه الاستقرار والرخاء، اللذان لا يمكن تأمينهما الا عبر تكريس ثقافة وسلوك المساءلة التي يلزمها الحرية التي تصونها، فيضمن من يقوم بالمساءلة انه سيعود الى بيته سالماً ينام قرير العين.
 
وفي عالم اليوم فان المساءلة المقصودة لا تتأمن الا من خلال سلطات رقابية مسموعة الكلمة، مثل البرلمانات ذات الصلاحية ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والصحافة المستقلة، فلا يمكن النظر إلى الفقر الا بوصفه مضاداً للديمقراطية، فلا يمكن لهامش من الحريات العامة، على أهمية ذلك، أن يغني عن الديمقراطية الاجتماعية، أي ديمقراطية العدالة في توزيع الثروات.
 
والسبيل الى ذلك واضح: الإصغاء الى أصوات الناس الموجوعة وهي لا تطالب بأكثر من لقمة عيش كريمة، تأمينها ليس مستحيلاً، لو أعيد النظر في الطريقة التي توزع بها الثروات وتدار بها أمور الأوطان.
 
إن أردنا لمجتمعاتنا العربية أن تستقر وتتقدم وتتوجه نحو التنمية المستدامة التي تؤمن العيش الكريم لأبناء اليوم وأبناء المستقبل أيضاً، فلا سبيل إلا بالاستفادة من التجارب الكثيرة التي اجتزناها، وما نجم عنها من دروس كاوية، بأن نتغلب على النقص في الخبز والنقص في الحرية .
 
وثمة دراسات عدة قدمت الفقر بوصفه مضاداً للديمقراطية، فلا يمكن لهامش من الحريات العامة، على أهمية ذلك، أن يغني عن الديمقراطية الاجتماعية، أي ديمقراطية العدالة في توزيع الثروات، ويظل أن الخبز والحرية معاً يندرجان تحت عنوان واحد هو الكرامة الانسانية، فالانسان الجائع لا يمكن أن يكون حراً، والانسان الحر لا يمكن أن يرضى بالجوع أو بصور الضيم المختلفة، وتلك فيما نرى خلاصة ما نشهده من الهزات الاجتماعية والسياسية التي شهدها عالمنا العربي وما يزال.
 
حرر في 9 فبراير 2012

اقرأ المزيد

التقرير العربي الرابع للتنمية الثقافية


أصدرت مؤسسة الفكر العربي تقريرها السنوي «التقرير العربي الرابع للتنمية الثقافية» اذ نجد اهم محاوره تسلط الضوء على طاقة الشباب المتفجرة وحضورهم في الدفاع عن قضايا الحرية والديمقراطية واصرارهم القوي على عدم التنازل عن كافة الحقوق وان قيادتهم للتظاهرات المليونية التي اطاحت بالانظمة العربية الدكتاتورية – مصر وتونس خير مثال على ذلك ، فتح الباب للتغيير مما ساهم هذا التغيير ضمن عوامل داخلية وخارجية في احداث تحولات سياسية لم تكتمل بعد والسبب سيطرة او استحواذ حراس النوايا على المشهد السياسي.
 
من هنا فالاشكالية الاكثر تعقيداً هي كيف تنتصر الديمقراطية في ظل هيمنة الاسلام السياسي على السلطة؟! وهل هذا التيار نصير للحريات والديمقراطية والدولة المدنية ام عائقاً لها؟! قطعاً عائق لها!! والشواهد على ذلك كثيرة .
 
على اية حال التقرير ناقش قضايا مفصلية شملت اهم المؤثرات التي ساهمت في تعميق الوعي السياسي لدى الشباب ومن ابرز هذه القضايا الابداعات الشبابية الادبية والفنية الثقافية التي اصبحت متنفساً ترجم معاناتهم واحلامهم وطموحاتهم وطموحات الوطن والمجتمع.
 
وعن هذا التقرير البالغ الاهمية وعلى صعيد التحليلات والاستتناجات قال د. سليمان العسكري: انه يرصد لمرحلة المخاض التي سبقت الثورات العربية ويركز على حضور الشباب في القضايا الساخنة منذ اواخر 2010 وبامتداد العام المنصرم ونحن نقرأ ونحلل هذا التقرير وكأننا نستعرض مقدمة ما حدث ونفسر ما جرى، بل وعلى الاغلب نتنبأ بما سيأتي خاصة ان الشباب العربي الذي تتراوح اعمارهم ما بين 15 – 33 عاماً يشكلون نسبة 66 في المئة من اجمالي سكان العالم العربي اي ما يعادل ثلثي السكان وفي هذا الصدد قال ايضاً اذا كنا قد ألمحنا مراراً الى اهمية التعليم – مكنوناته ومخرجاته – في احاديث سابقة فإننا ننظر بعين الاعتبار الى القضية الاساسية في ملف مقدمة التقرير ويعرض لخطورة التعليم الجامعي حين نربطها بسوق العمل وكيف تتنامى الاختلالات بين الجانبين وكيف اثرت هذا الاختلالات في المشهد حتى انفجر ما رأيناه، حيث كانت البطالة محركاً اساسيا للاحتجاجات الشبابية.
 
ومن هنا وبشيء من التفصيل يتابع «العسكري» قائلاً: يستعرض التقرير في بداية ملف (التعليم الجامعي وسوق العمل) التنامي المخيف للجامعات الخاصة بمصر – نموذجاً – مقارنة بالمؤسسات التعليمية العليا ففي عقد كامل من 1999 الى 2010 ارتفع عدد الجامعات الخاصة بنسبة 375% مقارنة بارتفاع نظيرتها الحكومية بنسبة 58% فقط، كما ان التعليم الجامعي – خاصاً وحكومياً – لا يتمتع بأي استقلالية مقارنة بجامعات اوروبية وامريكية وآسيوية اي لا يوجد استقلال للجامعات المصرية لا في وضع الهياكل الاكاديمية ولا بمحتويات المقرارات ولا بتعيين الاكاديميين ولا بانفاق من الميزانية لتحقيق اهدافها ولا بتحديد المرتبات، بل ان مكافآت اعضاء هيئة التدريس لا تمثل سوى 39% من جملة المرتبات والاجور بينما تجاوزت اجور ومرتبات الجهاز الاداري والخدمات المعاونة 61%! يضاف لهذا الخلل ما تقدمه الجامعات الخاصة من فرص الالتحاق بها ممن حصلوا على درجات متدنية لا تمكنهم من الالتحاق بكليات القمة مثل الطب والهندسة والاقتصاد والحاسبات والمعلومات… الخ مما يعني اختلالاً موازياً في كفاءة الخريجين الذين سينضمون لا حقاً الي سوق العمل او ربما سوق البطالة.
 
وفضلاً عن ذلك، يشير التقرير الى اختلال كبير حدث في نسب المقيدين في الجامعات الحكومية بين التخصصات النظرية والعملية ففي مقابل 49.1% للعلوم الاجتماعية 20.1% للثقافية والادبية هناك 10.3% فقط للعلوم الهندسية و7.2% للعلوم الطبية ناهيك عن ابناء الاسر الفقيرة الذين غالباً ما تكون فرصتهم الوحيدة الالتحاق بالتعليم الفني. ولهذه الاسباب اصبح تدني جودة التعليم احد اشكال الخلل الرئيس المؤثر في علاقة هذا التعليم بسوق العمل وافرزت البطالة مشكلات عدة واسفرت عن وجهها لتكشف في الوقت نفسه عن الخلل الاقتصادي في سوق العمل. كما يسلط التقرير الضوء على كيف عبّرت الشبكات الاجتماعية عن فكر وتطلعات الشباب ومن هنا يتحدث عن القوة المعلوماتية ومستقبل الثورة وعن الشباب الذيــن اصبحوا ادوات التثوير والتغيير خاصة ان الواقع في الدول العربية التي شهدت الثوارت تعج بالازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية.
 
الأيام 11 فبراير 2012

اقرأ المزيد