المنشور

مؤشرات… القادم أسوأ


يبدو أننا متجهون خلال الفترة المقبلة نحو نفق أشد ظلمة وحلكة مما نعيشه الآن، فجميع المؤشرات تدل على ذلك مع غياب أي أفق يمكن أن يعطي ولو بصيصاً من الأمل.
 
فما نشهده الآن من تشديد القبضة الأمنية، وارتفاع وتيرة العنف والعنف المضاد، ومصادرة حق الرأي والتعبير ومعاقبة النشطاء على مجرد آرائهم يؤكد أن الحل الأمني مازال هو الحل الأوحد حتى الآن.
 
وما نشهده من إفلات مرتكبي جرائم القتل والاعتداء والتعذيب من العقاب، يؤكد أنه ليست هناك نية حقيقية لمحاسبتهم أو حتى الكشف عن هويتهم.
 
وما نشهده من التشبث بما خرج به حوار التوافق الوطني الذي لم يكن إلا حواراً بين طرف واحد، يؤكد أن هناك من يختزل الشعب في مكون واحد ويلغي المكون الآخر.
 
وما نشهده من إغفال إجراء تعديلات دستورية حقيقية وتعديل الدوائر الانتخابية بما يمثل مكونات جميع الشعب البحريني بشكل عادل ومنصف، يؤكد أن سياسة التحكم في مخرجات العملية الانتخابية وضمان الأغلبية بشكل مسبق مازالت هي سيدة الموقف.
 
ما نشهده من استمرار الهجمة الإعلامية على مكون واحد من مكونات المجتمع، واستمرار اتهامه بالعمالة والخيانة، يؤكد أن الحرب الطائفية مازالت قائمة وأن هناك من يغذيها يوميّاً بمزيد من كلمات الحقد والكراهية لتبقى الطائفية مستعرة في البحرين.
 
وما نشهده من تزوير لإرادة مؤسسات المجتمع المدني من خلال حل بعض الجمعيات الأهلية والمهنية وإلغاء انتخابات بعضها والتحايل على نظامها الأساسي بهدف السيطرة عليها سيطرة مطلقة لتكون مجرد جمعيات تابعة، يؤكد أن هناك من يعمل على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت هذه الغاية غير إنسانية وظالمة، ومهما كانت الوسائل كاذبة ودنيئة.
 
ما نشهده من تكذيب لجميع تقارير المؤسسات الحقوقية الدولية والمنظمات العالمية بشأن حقوق الإنسان في البحرين وجدية الدولة في تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصّي الحقائق، واتهامها بعدم الحيادية واستقاء معلوماتها من جهات معينة دون السماع لوجهة نظر الحكومة، وأن جميع ما جاء في هذه التقارير يفتقد المصداقية، يؤكد أن الرأي الآخر لم يعد مقبولاً.
 
ما نشاهده من عدم غلق ملف المفصولين، وعدم إرجاع ولو صحافي واحد تم فصله، ومن الاستيلاء على المناصب والوظائف العليا وحتى الدنيا منها، ومن ظهور المنتفعين والمتمصلحين على أكتاف الناس، ومن سرقات في وضح النهار، ومن استمرار الهجوم على القرى وتحطيم بيوت وممتلكات الناس، ومن تصاعد نبرة الاستقواء، ومن سقوط المزيد من الضحايا، ومن انسداد الأفق عن أي حل أو تسوية أو مصالحة وطنية؛ يؤكد أن القادم أسوأ.
 
 

صحيفة الوسط البحرينية – 08 مايو 2012م
 

اقرأ المزيد

قامة ساركوزي وهامة فرنسا


خسر نيكولا ساركوزي الاستحقاق الانتخابي الحاسم وانتصرت فرنسا، باستعادة نفسها فقامة الرئيس الخاسر قصيرة على هامة فرنسا العالية. انه أضعف رئيس عرفته فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وتبدو المقارنة صاعقة بينه وبين قامات كبرى حكمتها: الجنرال ديغول بما يمثله من ثقل في تاريخ البلاد، ومن مكانة في وجدان الفرنسيين كونه قائد المقاومة ضد الاحتلال النازي لفرنسا، ثم الرئيس التالي المقرب منه جدا جورج بومبيدو، ثم اليميني فاليري جيسكار ديستان، الذي انهزم أمام الاشتراكي فرانسوا ميتران عام 1981 الذي يعد أطول رؤساء فرنسا بقاءً في منصبه، ومن بعده عمدة باريس السابق جاك شيراك الذي التف حوله الفرنسيون كمصدٍ أمام التطرف العنصري ممثلاً في جان لوبان.
 
ومع أن لفرنسا بالذات يعود فضل اجتراح مصطلح اليسار في التعبير عن القوى الاشتراكية التي تولي قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الطبقات الكادحة والمتوسطة عناية أكبر، حين أيد عموم من كان يجلس على اليسار من النواب التغيير الذي تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، المتمثل بالتحول إلى النظام الجمهوري والعلمانية، فإن فرنسا، التي منها انطلقت كومونة باريس، لم تعرف في تاريخها سوى رئيس اشتراكي واحد هو فرانسوا ميتران، وبفوز المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند ، أمس الأول، يكون التاريخ قد منح اليسار فرصة ثانية، بعد سبعة عشر عاماً من نهاية فرصتهم السابقة.
 
وفي كل الأحوال، يبقى ساركوزي باهتاً أمام كل رجالات الدولة الكبار الذين أقاموا في القصر الاسطوري” الاليزيه “، سواء كان الرئيس ديغولياً أو يمينياً أو اشتراكيا، وفي حال هزيمته المرجحة يكون الفرنسيون قد عاقبوه، بعدم تجديد الثقة فيه لولاية ثانية، لأنه جعل صورة فرنسا، في الداخل والخارج على حدٍ سواء، أصغر بكثير من تاريخها ودورها السياسي لا في أوروبا وحدها، وانما في العالم كله.
 
لا يتسم المرشح الاشتراكي الأقرب الى الرئاسة بالكاريزما التي كانت للرئيس الاشتراكي السابق فرانسوا ميتران، ولكنه استفاد من الأداء المتعثر لخصمه ساركوزي، الذي أخفق في كبح جماح البطالة المتفشية خلال خمسة أعوام له في الرئاسة، ورغم أن الأوساط المالية المتنفذة لا يروق لها برنامج الاشتراكيين القائم على زيادة الضرائب خاصةً على أصحاب الدخول المرتفعة لتمويل الانفاق والسيطرة على العجز العام، فان قاعدة انتخابية واسعة تدعم مثل هذا التوجه.
 
ومن وجهة النظر السيكولوجية فان المرشح الاشتراكي أفاد من المزاج الشعبي السائد في فرنسا الذي يمقت في ساركوزي استعراضيته وغروره الذي يبلغ حد العنجهية، والعائد، ولو بنسبة من النسب، إلى خلفيته كوزير سابق للداخلية، كان عليه ان يتحرر من أسلوب إدارته لها، ليتصرف كرئيس يليق بفرنسا، يعرف وزنها ومكانتها على الصعيدين الثقافي والسياسي، وكقوة دولية مسموعة الكلمة. أحد شخوص الدائرة الضيقة المحيطة بساركوزي وصفه منذ أيامٍ ثلاثة بأنه أشبه بعداء لن يعتبر السباق انتهى الا بعد النهاية نفسها، ولكن الحقيقة هي أن لديه فرصة واحدة من ست فرص. ضاعت فرصة ساركوزي الوحيدة. فرانسوا هولاند رئيساً لفرنسا. الاشتراكيون في الاليزيه!
 

اقرأ المزيد

مؤتمرات الجمعيات السياسية


عقدت جمعيتان سياسيتان خلال الاسبوعين الماضيين مؤتمراتهما العامة، وسط تعقيدات واسعة تحيط بهذه الجمعيات على خلفية الاحداث التي مرت بها البلاد. ومن الطبيعي جدا ان تنعكس الاجواء التي تعيشها البلاد على هذه الجمعيات السياسية بشكل عام، وجمعيات التيار الديمقراطي بشكل خاص كونها جمعيات تضم في صفوفها مكونات متعددة، وخليط من الأعضاء الذين يحملون أفكارا مختلفة، خصوصا انه لم يعد هناك بعد اشهار هذه الجمعيات وتحولها من العمل السري الى العلني، اساس ايديولوجي بالمعنى الحقيقي للتنظيمات الحزبية المؤدلجة، بل هي خليط مركب من المنتمين الى فهم مختلف ومتعدد بين الاسلام التنويري «اليسار الجديد»، وذاك المحافظ على الفكر القديم، والليبراليين بصورهم المختلفة القديم منهم والجديد، ومختلف الشرائح والمناهج، وبالتالي فإن تفهم أوضاع البيئة الداخلية لهذه الجمعيات فيه شيء من التبرير، على الرغم من ان هذا لا يبعدنا عن توجيه اللوم والعتاب والانتقاد على بعض هذه الجمعيات التي أشعرت بعض جماهيرها واصدقائها انها تخلت عنهم خلال الفترة العصيبة.
 
كل الظروف والمواقف المختلف عليها والمتفق، يجب اعادة تقييمها وابراز الخلل منه والزلل والاعتراف به أمام الملأ، هذا ليس عيبا، بل سيعزز من مصداقية هذه الجمعيات أمام الجمهور، فيقتنع بها من يقتنع وينزوي عنها من لا يرغب في هذا النهج من التعاطي السياسي، فهناك جمعيات اخرى ربما تلبي ما يطمح اليه.
 
وكنت قد كتبت مشيدا بقرار اصدار وثيقة المراجعة النقدية للمنبر التقدمي، بغض النظر عن موقفي مما جاء فيها او ملاحظاتي عنها، إلا انها في حد ذاتها يجب ان تكون بداية لوضع رؤية مستقبلية في التعاطي مع المستجدات.
 
الظروف الآن تتطلب اعادة قراءة ايضا لوضعية التحالفات، فمع استمرار تفكك القوى الديمقراطية يجعلها ضعيفة امام اي جهة تريد التفاوض، فهب معي لو كان قرار 3 من الجمعيات السياسية بحجم المنبر التقدمي ووعد والتجمع القومي قرارا موحدا، كيف سيكون التعاطي الشعبي والرسمي مع هذا التحالف وهذا التيار تحديدا، بل كيف ستتعاطى الجمعيات الكبرى مع هذا التيار.
 
ان المؤتمرات العامة للجمعيات السياسية يجب ان لا تكون من اجل الانتخاب فقط بقدر ما يجب ان تكون محطة تغيير في الاداء والحراك والاشخاص وكل شيء من اجل استمرار الروح الحيوية في هذه الجمعيات.
 

اقرأ المزيد

العمالة السائبة


سيظل ملف العمالة السائبة في البحرين من الملفات المهمة والمؤرقة في آن واحد وعلى اكثر من صعيد، اقتصادي، واجتماعي، وقانوني، وانساني، وحقوقي. هذا الملف مطروح على بساط البحث والتداول من جانب الجهات الرسمية ذات العلاقة منذ سنوات ولكن دون معالجات حاسمة تذكر، رغم الحديث عن سلبيات ظاهرة العمالة السائبة وإفرازاتها ومخاطرها وامتداداتها الى مجالات وقطاعات عمل مختلفة، ورغم الحملات التفتيشية التي سعت الى ضبط احتواء هذه الظاهرة الا ان هذه الجهود بقيت دون اثر فاعل ودون نتائج ملموسة على الارض.
 
ان موافقة مجلس الوزراء امس الاول على الرغبة المرفوعة من مجلس النواب «بشأن ايجاد حل جذري للعمالة السائبة في البحرين بشكل عام ومحافظة العاصمة بشكل خاص، وتوحيد جهود هيئة تنظيم سوق العمل، ووزارة العمل، ووزارة الداخلية والجهات المعنية الاخرى للقضاء على هذه المشكلة»، لابد ان تكون هذه الموافقة خطوة في اتجاه تحرك يتسم بالجدية غير المسبوقة اذا اردنا حقا معالجات فاعلة ومؤثرة وحاسمة لهذه الظاهرة او المشكلة.
 
لم يعد مقبولا ان نجتر المشكلة سنة تلو سنة، ونتداول الحديث عن العمالة السائبة او غير النظامية ومخاطرها على الامن والاقتصاد والمجتمع ونبحث في الاجراءات والحلول الكفيلة بالقضاء عليها او الحد منها من دون التوصل الى نتيجة فعلية، وسيبقى هذا الحال على ما هو عليه اذا لم تكن هناك جدية كافية واذا غضضنا النظر عن مجموعة اصحاب المصلحة من الابقاء على وضع العمالة السائبة كما هو، من المتاجرين بالتأشيرات ومؤجري السجلات التجارية من الباطن، وغيرهم من الفئات «المستنفعة» من هذا الوضع.
 
اذا كان التوقع بأن حجم العمالة السائبة يدور في حدود 40 الى 50 الف عامل اجنبي، فإن من المتوقع ارتفاع هذا العدد اذا ظلت التشوهات في سوق العمل قائمة وخارجة عن سيطرة الجهات المسؤولة رغم الجهود المعلنة، واذا كنا لا نعلم حقيقة الى اي مدى استطاعت اللجنة الوطنية العليا لمعالجة ظاهرة العمالة غير النظامية التي تشكلت قبل عدة سنوات من تحقيقه من نتائج فعلية، فإن موافقة مجلس الوزراء امس الاول نرجو ان يعوّل عليها بالدفع لعمل مشترك بين الجهات الرسمية ذات الصلة، هذا ما نتمناه لانهاء ظاهرة العمالة السائبة او غير النظامية والتي هي بالنهاية شكل من اشكال المتاجرة بالبشر.
 

اقرأ المزيد

صلابة عُـــودُ المنـــــبر التقدمــــي


إن ما يميز المنبر التقدمي عن غيره من القوى السياسية في النظرية وفي التطبيق وان تعددت اراء الرفاق المنتمين إليه من مختلف الطوائف والأصول ، هو الواقعية في اتخاذ القرار وفي تحديد الموقف من القضايا الشاخصة في المجتمع ومن التحالف مع القوى السياسية المختلفة ، ويستمد التقدمي هذه الواقعية من امتداده التاريخي السياسي والفكري بما أكد عليه برنامجه السياسي الذي أقره المؤتمر العام الثاني في يناير 2005 ، وفيما أكده هذا البرنامج على أن المنبر التقدمي هو( تنظيم سياسي يتبنى الأفكار التقدمية ومنهج التحليل العلمي الثوري وفق الفهم الجدلي المادي والتاريخي في إدراك الواقع المحلي وتشخيص العوامل الفاعلة والمؤثرة في تطوره، ودراسة آليات الحراك الاجتماعي والسياسي وسبل توجيهها لإنجاز مهام بناء الديمقراطية وإقامة دولة القانون والمؤسسات، والنهوض بالأوضاع المعيشية لجماهير الشعب وتأمين متطلبات العيش الحر الكريم لها، وإشاعة العدالة الاجتماعية، ويستلهم المنبر كل منجزات العلوم والتراث العربي الإسلامي والإنساني التقدمي والأفكار التنويرية والعلمانية.)
 
     ولعل قراءة فاحصة للمواقف التي أتخذها المنبر التقدمي منذ التأسيس مرورا بالموقف من دستور 2002 ، ومشاركته في الانتخابات البلدية والنيابية التي جرت منذ المشروع الاصلاحي ، ومن الاحداث التي عصفت بالبحرين وما نتج عنها من تداعيات منذ 14 فبراير 2011 ، ومن التحالف مع القوى السياسية في البحرين ، وما سجلته وثيقة المراجعة النقدية لموقفه من هذه الأحداث ، تكشف بوضوح أن التقدمي كان واقعيا فاعلا مدركا للواقع المحلي ومشخصا للعوامل المؤثرة في الاحداث و في تحالفاته مع سائر القوى السياسية بما فيها القوى السياسية الدينية ، ولم يكن المنبر أو احدا من بين أعضاءه ذيلا في هذا التحالف لأي قوي سياسية كانت ، ولم يكن عُودُ المنبر قابلا للكسر وهو ( على ابواب المؤتمر السادس حتى تهتز له العمائم ) وليس هناك ممن حضرالمؤتمر العام السادس من الرفاق قد كان له ( جهداً طائفياً تحت الطاولة حتى تنشب الطائفية اظافرها في قيادة المنبر وتدفع به رديفاً تافهاً يهزُ ذيله خلف جمعية الوفاق الاسلامية ) .
 
ومن تصور أو يتصور على ان الطائفية واقع في التقدمي فهو يعيش في وهم صنعه الخيال المبني على خلفية الاحداث التي عصفت في البحرين وأن من حضر المؤتمر من الرفاق ، ووحده من حضر هو الحريص على وحدة المنبر قادرا قبل غيره على قراءة وتشخيص وقائع المؤتمر بما ساده من روح رفاقية عالية في مناقشة أدبيات المؤتمر، بل أن القراءة الدقيقة لنتائج انتخاب اللجنة المركزية تكشف بوضوح أن الطائفية ليس لها مكانا في منبرنا التقدمي رغم ما نتج عن أحداث فبراير من انقسام طائفي واسع لم تشهد البحرين له مثيلا ، وهي نتيجة تاريخية تحسب للمؤتمر العام السادس .
 
إن ما نخشاه ويخشاه الحريصون على نضال التقدمي وبقاءه في الحياة السياسية فاعلا متفاعلا ليست هي اتهامه بالطائفية أو أن يكون له ذيلا يهزه خلف الجمعيات التي تسير عليها  ، بل أن ما يؤرقنا هي  تلك الكتابات الآتية ممن لم يعش واقع التقدمي معايشة حقيقية ، وليس له دراية لصيقة قريبة بصلابة ومواقف الرفاق اللذين كان لهم شرف تمثيلنا في اللجنة المركزية ولهم من الخبرة التي صقلتها التربية الصلبة في العمل السري ، و شباب تجمعهم روح اممية لا طائفية ، روح متدفقة نحو العمل ، إذ لم نجد للاسف في هذه الكتابات سوى انها تشجع وتهدف إلى شق وحدة المنبر الداخلية وتنال من ايجابيات ما تمخض عنه المؤتمر العام من نتائج ، وهي تأتي في الوقت الذي يسعي فيه الحريصون على وحدة المنبر في التوافق على توزيع المسئوليات في اللجنة المركزية ، توزيعا يأخذ في الإعتبار الكفاءة في تحمل المسئولية دون أنتقاص من كفاءة هذا الرفيق أو ذاك  .
 
 نعم تعددت أراء الرفاق وتنوعت خلال المؤتمر مما اتخذته الهيئات القيادية من قرارات بشأن المشاركة في حراك 14 فبراير وتحالفاته ، وما تلاه من تداعيات ، لكنه من العيب والتجني الغير منصف أن نصور نضال التقدمي وواقعيته قيادة وقواعد بأن له ذيلا يهزه خلف القوى السياسية الطائفية . 
 
إن مواقف المنبر وتحالفاته كانت وستظل من الصلابة العصية على الكسر ، صلابة تركن في إطاره العام إلى ما رسمه البرنامج السياسي على أن التقدمي هو ( جزءاً رئيسياً من الحركة الديمقراطية والشعبية في البحرين، وامتداداً لتقاليدها الكفاحية. وهو من هذا الموقع يعد مشاركاً أساسياً في بلوغ التحولات التي شهدتها بلادنا في السنوات القليلة الماضية، منذ انطلاقة الإصلاحات التي دشنها جلالة ملك البلاد، حيث كان للنضال الدؤوب الذي خاضه مناضلو ومناضلات المنبر من مواقعهم الكفاحية في المرحلة السابقة للإصلاحات جنباً إلى جنب مع القوى الوطنية والديمقراطية الأخرى ومع مجموع الحركة الشعبية والجماهيرية في وطننا أثر حاسم في بلوغ هذه التحولات. وفي الظروف الراهنة فأن المنبر الديمقراطي التقدمي يعمل جنباً إلى جنب مع التنظيمات السياسية الوطنية الأخرى ومع الحركة الديمقراطية الواسعة في البلاد لبناء تحالف ديمقراطي عريض من أجل تعزيز عملية التحول الديمقراطي …. ) .
 
ولتعزيز مكانة المنبر في الحياة السياسية ، وفي تحالفاته مع القوى السياسية ، وفيما يمر به الوطن من محنة طائفية  يحتاج أول ما يحتاج إلى تعزيز حياته الداخلية ، إذ يحتاج التقدمي لكل رفيق مهما كان عمره أوموقعه  ، يحتاج لكل اصدقاءه ومحبيه ومؤيديه ، وقناعتنا التامة أن برنامجه السياسي ونظامه الداخلي هما المرجعية التي توحد صفوف أعضاءه وتصون خطه الكفاحي من أجل العدالة الاجتماعية وفي سبيل التحول الديمقراطي الحقيقي ، وتحقيق الملكية الدستورية .
 
إن غصن المنبر كان ( وسيبقى عوداً اخضر شامخاً في وجه رياح الطائفية وخريفها ) ، غصن سقته مياه الرفاق الاوائل النقية المتدفقة بحب العمل ، غصن زاده اخضرارأ مياه أولئك الرفاق القابضون على الجمر اللذين تحملوا المسئولية في اللجنة المركزية المنتهية ولايتها بقيادة الرفيق دكتور حسن مدن ، بنفس طويل ، لم يتخلوا فيه عن المسئولية ولا عن انشطة المنبر التقدمي رغم رياح الطائفية ، غصن سقته المناقشات الجادة والصريحة من قبل الرفاق أعضاء المؤتمر ،  ونحن على ثقة وأمل أن هذا الغصن في ظل اللجنة المركزية في دورتها السابعة لن يظل أخضرا فحسب بل سيكون غصنا طويلا حين نجعل من المياه الآسنة مياه عذبة ،  دون أن نتخلى عن هذه المياه الأخيرة العذبة مهما اعتراها من سدود ،  ونحن قادورن على ذلك بعزيمة لا تلين.
 
 
المحامي / حسن علي إسماعيل

اقرأ المزيد

متى يصدر قانون الصحافة؟


يتضمن مشروع قانون الصحافة الجديد ايجابيات كثيرة لا مراء فيها، تضمنتها مسودته الأولى التي اقترحها عضو مجلس الشورى إبراهيم بشمي واقرها المجلس منذ العام 2004، وأحالته الحكومة إلى دائرة الشؤون القانونية لصوغه كمشروع قانون، فهو يتضمن أحكاما تنص على عدم إخضاع الصحفي إلى عقوبة الحبس لممارسته عمله أو على ما يبديه من رأي، وعدم اشتراط أخذ إذن مسبق من الوزارة بالنسبة للمطبوعات الداخلية، رغم أن مخاوف جدية أثيرت من تضمين مشروع القانون موادَ تشكل جسراً بينه وبين قانون العقوبات، مما يجعل الصحافي في دائرة المساءلة عن مواقفه، استناداً على القانون الأخير.
 
كما أن مشروع القانون نص على عدم وجود رقابة على الصحافة مسبقة أو لاحقة إلا من خلال القضاء، ومنع اتخاذ أي أجراء تجاه أي صحيفة لا يكون إلا من خلال القضاء أيضاً، ومواد أخرى تنص على حرية المواطن في الاطلاع على المعلومات، وحماية سرية مصادر معلومات الصحفي، وحرية الطباعة، وتشجيع الاستثمار فيها.
 
لكن السؤال الأهم أين هو هذا القانون ومتى سيرى النور بعد مرور أكثر من ثمانية أعوام على مراوحته في المداولة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبات مؤكداً أن مجلس النواب سيرحله من جديد إلى دور الانعقاد المقبل، وليس واضحاً ما إذا كان هذا الترحيل سيكون المحطة الأخيرة لهذا القانون العتيد، الذي تعاقبت على مناقشته ثلاثة مجالس نيابية «بين 2004 وحتى 2012»، دون أن يرى النور، مع انه يشكل ركناً مهماً من أركان البنية التشريعية المنظمة للحريات العامة، والتي لحرية الصحافة موقع محوري فيها.
 
البنية التشريعية التي تنظم العمل الإعلامي والصحافي عندنا مازالت بنية محافظة ومقيدة ومثقلة بالكوابح والممنوعات، ولا تقل خطورة عن ذلك تلك «القوانين» غير المكتوبة المستقرة في الأذهان والتي يجري اعتمادها قواعد في تحديد ما هو الممكن وما هو غير الممكن في العمل الصحفي، أي ما هي الحدود التي يجب عدم الاقتراب منها. إنها حدود غير مكتوبة، ولكنها أشد صرامة من تلك المكتوبة. لم تعد أشكال الرقابة، في صورها المكتوبة: أي المنصوص عليها قانوناً، أو تلك التي تحتكم إلى الأمزجة أو إلى القوانين غير المكتوبة، قادرة على منع تدفق المعلومات، وبات ملحاً أن تتطور التشريعات المتصلة بالموضوع، وفي مقدمة ذلك سرعة إقرار القانون المذكور دون المساس بجوهره الايجابي، وتضمين مطالبات الجسم الصحافي فيه، خاصة وأن عاهل البلاد أكدَّ أكثر من مرة تطلعه لأن ينظم الصحافة في البحرين قانون مستنير، وألا يعاقب الصحفيون بالحبس جراء تعبيرهم عن رأيهم.
 
المؤمل أن تلتقط الحكومة والمجلس الوطني على حد سواء هذه الدعوة بالإسراع في إصدار هذا القانون الذي لا يزال حائرا في طريق وأروقة النواب والكتل الذين عليهم أن يدركوا إن قانونا مستنيرا للصحافة لا يمكن أن يستقيم بحال من الأحوال مع اهانة الصحفيين ومعاقبتهم، كما يصر البعض ممن لا يستطيعون العيش في مناخ مليء بأوكسجين الحرية ويريدون تنميط المجتمع كله بفكرة واحدة، ويصادرون ما في هذا المجتمع من تنوع وتعددية اجتماعية وسياسية وفكرية.
 

اقرأ المزيد

مزحة النضوب


في العام 2005 نشر ماثيو سيمونس Mathew Simmons الخبير النفطي الأمريكي والتنفيذي السابق في عدد من مؤسسات الصناعة النفطية، نشر كتابه “شفق في الصحراء” (Twilight in the Desert) جادل فيه بأن الاحتياطيات النفطية في المملكة العربية السعودية تشارف على النضوب وأن حقل الغوار السعودي الذي يعتبر أكبر حقل نفطي في العالم بإنتاج يبلغ حوالي 5 مليون برميل يومياً قد تآكل مخزونه بصورة كبيرة. وهو رأي يصر ماثيو سيمونس على تسويقه عبر محاضراته حتى من قبل نشره للكتاب المذكور. ولا يخلو هذا الرأي من ملابسات جيوسياسية خاصة بفريق المحافظين الجدد ذوي النظرات المتطرفة لعلاقة الولايات المتحدة بمصادر الطاقة التقليدية (Conventional energy sources) في العالم.
 
ومنذ أربعة عقود خلت عرض خمسة من علماء معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا تنبؤاتهم بشأن استدامة التقدم البشري الذي تصنعه وتائر النمو الاقتصادي المتصاعدة. في تلك التنبؤات الفرضية التي ضمنها العلماء تقريرهم الذي حمل عنوان “حدود النمو” (Limits of Growth) ، أكد العلماء الخمسة بأن العالم يتجه إلى انهيار اقتصادي نتيجة لنضوب الثروات الطبيعية مثل النفط والغاز والنحاس التي تشكل عصب الأنشطة الإنتاجية العالمية. وقد تنبأ التقرير حينها بنضوب الذهب في عام 2001 والنفط في عام 2022 على أبعد نطاق زمني.
 
وعلى مـدى العقود الأربعة المذكورة بقـي خطر وصول النفط إلى ذروته “Peak Oil”، أي حين يبلغ الإنتاج النفطي العالمي حده الأقصى، يلازم العالم (تحت تأثير مثل تلك الفرضيات بطبيعة الحال)، حيث يبدأ حينها الانحدار التدريجي للاحتياطيات واستنزافها. ولم يكن نضوب النفط المحدد تاريخه سلفاً، الفرضية الوحيدة آنذاك حول الثروات الطبيعية التي تعتمد عليها الآلة الإنتاجية العالمية، وإنما النفط كان المرشح الأول من بينها، فقد شملت فرضيات النضوب خامات ومعادن أخرى تشمل الفوسفور واليورانيوم والنحاس وغيرها.
 
ومع ذلك فلقد مرت العقود الأربعة من دون تحقق “نبوءة” العلماء الخمسة أصحاب تقرير “حدود النمو”. وبدلاً من نضوب الموارد الطبيعية فإن الاحتياطيات العالمية من المعادن تتعزز ببعض الاكتشافات الجديدة، حتى أن تقنيات الحفر والتنقيب سوف تحسن وضع تبعية الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها لمصادر الطاقة التقليدية.
 
فيما يتعلق بالنفط على سبيل المثال، فلقد توقع فريق علماء “حدود النمو” في عام 1971 بأن النفط سوف ينضب بعد عشر سنوات، في حين أن ما حدث مغايرٌ تماماً لهذا التوقع، حيث سمحت الانجازات التكنولوجية بالوصول إلى مكامن جديدة وإلى زيادة الاحتياطيات النفطية العالمية. فخلال الفترة من عام 2007 حتى 2009 تمت إضافة 1.6 برميل للاحتياطيات مقابل كل برميل يتم استهلاكه. وبحسب مجلس الطاقة العالمي فإن الاحتياطيات العالمية من سوائل الغاز الطبيعي (Natural gas liquids) والنفط الخام، قد وصلـت في عام 2010 إلى 1.2 تريليون برميل، وهو ما يكفـي العالم لـ 38 سنة وفقاً لمعدلات الاستهلاك الجارية. وإذا ما أضفنا المتغير الجديد وهو غاز المكامن (Shale gas) باحتياطيات تصل إلى 4.8 تريليون برميل أي ما يعادل قرن ونصف من الايقاع الحالي للاستهلاك العالمي، وكذلك الزيت الرملي الكندي الذي تقدر طاقة خزينه بحوالي 6 تريليون برميل، فإن تنبؤات علماء معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا تكون قد أضحت جزءاً مذموماً من تاريخ الفكر الطقوي والاقتصادي العالمي عموماً.
 
وفيما يتعلق بالنحاس فقد كانت دراسة بريطانية قد تنبأت في ثلاثينيات القرن الماضي بأن العالم سيواجه شحة في إنتاج النحاس خلال قرن، في الوقت الذي قدر فيه مسح جيولوجي أمريكي الخزين العالمي المحتمل للنحاس بحوالي 3 مليار طن أو أكثر، أي ما يعادل الاستهلاك العالمي من النحاس لمدة 185 ألف سنة وفقاً لمعدل الاستهلاك الحالي. وهي تقديرات تزيد بمقدار الضعف عن التقديرات لإحدى عشرة سنة خلت. وبخلاف خزين اليابسة هناك الخزين البحري الذي لم يلمس بعد.
 
الفوسفات المادة الرئيسية في مدخلات إنتاج الأسمدة، يبدو هو الآخر في وضع مريح، ذلك أنه وبالرغم من الارتفاع في أسعاره في عام 2008، إلا أن احتياطياته العالمية ارتفعت من 11 مليون طن في عام 1995 إلى 65 مليون طن في عام 2010، أي ما يوازي 369 سنة من الإنتاج العالمي الحالي. وهكذا الحال بالنسبة للمعادن الأخرى. حيث تشير التقديرات إلى أن احتياطيات غاز الهليوم (عنصر غازي خفيف عديم اللون) سوف تكفي لـ 347 سنة، ومادة البيريليوم (مادة فلزية نادرة) 890 سنة، وعدة قرون لمادة الكروم (معدن فلزي)، وأكثر من ألف سنة لمادتي الليثيوم (عنصر فلزي فضي يميل لونه للبياض) والاسترنيتوم (عنصر فلزي)، وأكثر من ألف سنة لمادة الطلق (Talc) المعدنية المستخدمة في صناعة مساحيق التجميل.
 
إزاء ذلك تبدو التوقعات المتشائمة التي يطالعنا بها الإعلام العام والمتخصص، بين الفينة والأخرى، بشأن النضوب الوشيك للثروات الطبيعية، وكأنها مزحة غير جدية.
 
4 مايو 2012

اقرأ المزيد

الاتحاد الجمركي الخليجي


لجنة التعاون المالي والاقتصادي بدول مجلس التعاون الخليجي تعقد هذه الايام اجتماعها الـ93 بالرياض وتعاود في هذه الاجتماعات استكمال بحث متطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة الى جانب موضوعات ذات صلة بمشروع سكة حديد دول المجلس، والهيئة القضائية الاقتصادية، وغير ذلك من البنود المدرجة على جدول اعمال الاجتماع.
 
ما يهم التوقف عنده هو موضوع الاتحاد الجمركي، فهو كما قال رئيس اتحاد غرف دول مجلس التعاون عصب وروح السوق الخليجية المشتركة التي هي تجسيد متطور لمفهوم المواطنة الاقتصادية وهى التي تعني بدورها تحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني المجلس في كل المجالات الاقتصادية.
 
التحديات القائمة بأشكلها المختلفة والتي لا تزال قائمة وتعرقل تفعيل هذا الاتحاد، ومنها ما يتصل بحماية الوكيل، والاجراءات الجمركية الروتينية، والمصالح المادية لبعض الدول وتعريف القيمة المضافة وتوزيع الايرادات الجمركية، ذلك وغيره يجعل الاتحاد المنشود أمام مفترق طرق، بالرغم من اعلان امانة مجلس التعاون عن بدء العمل بهذا الاتحاد في مطلع يناير 2015. تماشيا مع توجيهات القمة الاخيرة لقادة دول مجلس التعاون بتذليل كافة المعوقات التي تحول دون انشاء هذا الاتحاد المعطل منذ نحو 30 عاما.
 
العديد من اللجان والاجتماعات وفرق العمل التي بحثت مختلف أوجه التعثر والعرقلة، وسعت الى احتواء الاشكاليات المتبقية وانهاء المرحلة الانتقالية لنظام الاتحاد، سواء على مستوى وزراء المالية الخليجيين، او مدراء الجمارك وغيرهم من المستويات الادارية، لم تستطع ان تنقل مشروع الاتحاد الى خطوة متطورة نحو الأمام، وعلى ما يبدو لا زالت بعض الدول تطالب باستثناءات، او المضي في اعتبار القرارات ذات البعد التكاملي مجرد قرارات استرشادية او استراتيجيات عامة، مع الابقاء على جعل القطاع الخاص بعيدا عن مناقشة المشروعات والقوانين والتعديلات ذات الصلة بالشأن الاقتصادي. العمل الاقتصادي الخليجي المشترك لا زال في حاجة الى ان ينقل الكثير من الطموحات والامنيات وحتى القرارات الى واقع ملموس والا سنبقى في مكاننا نراوح.
 
6 مايو 2012
 
 



 

اقرأ المزيد

في الفرق بين أتاتورك وبورقيبة


منذ أسابيع كتبت مقالاً هنا بعنوان «النموذج التركي لن يصبح عربياً»، خلصتُ فيها إلى أن تعميم النموذج التركي في البلدان التي شهدت تغييرات، مثل تونس ومصر، أمر غير ممكن، وفي الدعوة لمحاكاة النموذج التركي عودة إلى استنساخ تجربة نشأت وتطورت في سياقات ثقافية وسياسية أخرى، وإسقاطها على بيئات عربية مختلفة، لم تجتز التحولات التي شهدتها تركيا قبل أن يصل الإسلاميون الجدد إلى الحكم فيها، وفي مقدمة ذلك التراث العلماني الذي أرسى قواعده أتاتورك.
 
ومن دلائل ذلك أن الإسلاميين الأتراك كيفوا خطابهم السياسي والانتخابي على هذا الأساس حين أكدوا احترامهم والتزامهم بالطابع العلماني للدولة، وهو طابع لم يتحقق في أي بلد عربي آخر، رغم ما قد تشكله الحالة التونسية من استثناء في نطاق معين، وهذا ما كان راشد الغنوشي واعياً له، حين قال عشية انتخابات المجلس التأسيسي في تونس أن حركة النهضة التي يتزعمها ستأخذ بعين الاعتبار الطابع التعددي للمجتمع التونسي، لكن التجربة تكشف أن المسافة بين القول والفعل شاسعة.
 
وعلى صلة بهذا طالعت مقالاً لباحثة تركية، هي سبنيم جوموسكو، المتخصّصة في التيارات السياسية الإسلامية في جامعة سابانجي في اسطنبول، تذهب فيه إلى أن الإسلاميين العرب الذين يتحدثون عن استنساخ النموذج التركي يسيئون فهم التحوّل في هذا البلد، فالتعايش بين الإسلام والديمقراطية لم يتحقّق في تركيا بفضل قيام حزب العدالة والتنمية بتطوير مؤسسات وهيكليات سياسية تجمع بين المبادئ الإسلامية والديمقراطية، بل لأن الإسلاميين أنفسهم قبِلوا الإطار العلماني – الديمقراطي للدولة التركية. وقد نجم هذا التحوّل في شكل أساسي عن الانتقال النيوليبرالي الذي عرفته تركيا في ثمانينيات القرن العشرين، والذي أدّى في نهاية المطاف إلى ظهور طبقة جديدة وسط الناخبين الإسلاميين تحوّلت إلى قوّة الاعتدال الأيديولوجي. باختصار، ليس هناك «نموذج تركي» عن إسلاموية مندمِجة، بل هناك مسلمون في دولة علمانية – ديمقراطية تعمل في إطار نيوليبرالي، والعوامل البنيوية والمؤسّساتية في تركيا فريدة من نوعها تاريخياً، ولذلك من المستبعد إلى حد كبير أن نشهد عملية مماثلة في مصر.
 
هذا عن مصر، أما عن تونس فتستوقفنا مطالعة مهمة لرئيس جامعة منوبة شكري المبخوت يرفض فيها اعتبار الحبيب بورقيبة باني الدولة التونسية الحديثة نسخة تونسية من كمال أتاتورك على ما يزعم بذلك خصومه الإسلاميون، فهو لم يعادِ يوماً الدين وهو في فهمه لتطبيق الشريعة الإسلامية اعتصم بالقراءة المقاصدية المتجذرة في البيئة المغاربية المتشبعة بإرث اجتهادي بعضه أندلسي وبعضه الآخر آتٍ من التراث الزيتوني الذي أسست له جامعة الزيتونة الإسلامية، فاستغل الزعيم الحداثي المجتهد بورقيبة ذلك الإرث، بقدر استغلاله للإرث الإصلاحي التونسي الحديث لخدمة مشروع التحديث الاجتماعي وبناء الدولة المدنية. على خلاف جذرية أتاتورك وقف بورقيبة في منزلة بين المنزلتين، لم تكن خالية من ذكاء سياسي وفهم براغماتي للمرحلة التاريخية، ولكنها أنشأت، من حيث تدري أو لا تدري، في سيرورتها نقيضها المكبوت والمُهمش الذي كان يترصد الفرصة ليرفع صوته، خصوصاً بعد فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية، فجاء إحراق محمد البوعزيزي لنفسه ليقذف الحمم المكبوتة إلى الشارع.
 
6 مايو 2012
 

اقرأ المزيد

غالبية «ضيّعت صيدتها بعجاجها» !


لئن كان رحيل الرئاسة السابقة للحكومة قد خفّف من حدّة احتقان الأزمة السياسية التي كانت محتدمة في البلاد طوال العامين 2010 و2011 فإنّه من الخطأ افتراض أنّ صفحة تلك الأزمة، في مضمونها العام وليس شخص رئيس الحكومة، قد طويت نهائيا إلى غير رجعة…
 
فنهج السلطة لم يختلف من حيث الجوهر عما كان عليه، وإنما اقتصر التغيير فقط على بعض أساليب التعاطي الحكومي مع المجلس مثل صعود رئيس الحكومة المنصة علنا في جلسة استجوابه؛ أو التراجع عن بعض القرارات والتوجّهات استجابة للضغوط النيابية، فيما نجد في المقابل أنّ الحكومة الحالية قد تشكّلت بمعزل تماما عن نتائج الانتخابات؛ كما تمّ رفض الاستجابة لعرض ما يسمى “كتلة الغالبية” المشاركة بعدد مؤثر من الوزراء في التشكيلة الحكومية، بل لقد جرى توزير بعض مَنْ هم محل اعتراض نيابي، وغير ذلك لم يعد خافيا على أحد عدم جدّيّة الحكومة في التعاون مع لجنتي التحقيق البرلمانيتين في فضيحتي الإيداعات والتحويلات، ما يعني عمليا استمرار نهج توفير الحماية السلطوية لقوى الفساد والتستر عليها؛ ما لم تكن رعايتها والتواطؤ معها!
 
وكذلك الأمر مع نتائج الانتخابات النيابية المبكرة التي وإن كانت قد أحدثت تغييرا في تركيبة مجلس الأمة وميزان القوى التصويتي داخله، إلا أنّه من الواضح أنّ ما يسمى “كتلة الغالبية” التي أفرزتها الانتخابات لا تشكّل كتلة نيابية متجانسة، مع ما يلاحظ من انقيادها للطرف الديني المتزمت في صفوفها وذلك على حساب ما كان يفترض أن تباشر هذه “الغالبية” في إنجازه أو تقديمه من اقتراحات دستورية أو تشريعية تتصل بشعارات الإصلاح السياسي الديمقراطي التي كانت مرفوعة خلال الحراك السياسي، فبدلا من اقتراح تنقيح مواد الدستور ذات الصلة بهذا الإصلاح المستحق قدّم نواب “الغالبية” طلبهم اقتراح تنقيح المادة التاسعة والسبعين من الدستور باشتراط توافق التشريعات التي يقرّها مجلس الأمة مع الشريعة؛ بما ينتقص من الطابع المدني للدولة ويمثّل خطوة في اتجاه فرض مشروع الدولة الدينية، ناهيك عن النيّة المعلنة لتقديم اقتراح آخر بتنقيح المادة الثانية من الدستور عندما تحين الفرصة الممكنة لذلك، والإعلان عن تقديم اقتراحات بقوانين من شأنها المساس بالحرية الشخصية والتدخّل في الحياة الخاصة للأفراد من شاكلة ما يسمى “قانون الحشمة” والتهديد بفرض ارتداء النساء الحجاب بقوة القانون؛ والتسرّع الاستعراضي في تعديل قانون الجزاء لتغليظ العقوبات، وذلك بدلا من إنجاز ما كان قد جرى التعهد به خلال الحراك الشعبي والحملات الانتخابية من تشريعات مطلوبة لمكافحة الفساد واستقلال القضاء، وهذا ما ترك أثره السلبي لدى الرأي العام الشعبي… والأسوأ من ذلك إطلاق نواب “الغالبية” و”الأقلية” كل من جانبه سلسلة من التصريحات غير المسؤولة التي تستهدف تأجيج النعرات الطائفية، والتباري في تقديم استجوابات ابتزازية غير مستحقة يفوح منها نَفَس طائفي بغيض!

وإذا أضفنا إلى ما سبق عزم السلطة على إعادة ترتيب الوضع المختل لغير صالحها إلى ما كان عليه قبل الانتخابات عندما كانت تمسك بخيوط اللعبة جميعا، وخشيتها من عواقب انكشاف حقائق فضيحة التحويلات الخارجية، وما تقوم به بعض مراكز النفوذ السابقة من تحريض استفزازي متواصل ضد مجلس الأمة الحالي ومحاولتها الدفع في اتجاه التعجيل بحلّه، فلن يكون من المستبعد أن يتداعى الوضع القائم وتعود البلاد مجددا إلى المربع الأول الذي كانت فيه، وذلك بعدما يكون الحراك الشعبي قد فَقَدَ زخمه السابق وبعد أن يتبدّل المزاج الانتخابي الذي افرز المجلس الحالي!


عالم اليوم   24 ابريل 2012 ,
 
 

اقرأ المزيد