المنشور

زيت وماء . .



لكل ثقافة نطاق توترها في العلاقة مع الآخر، أو من الثقافات الأخرى للمزيد من الدقة .  وديناميكية
أي ثقافة تتجسد في مقدرتها على تحويل هذا النطاق من “التوتر” إلى عامل
إثراء لها، عامل إكساب وتفاعل، أخذ وعطاء، وهذا يتطلب درجة قصوى من
التوازن، من آياتها التحرر من عقدة “الآخر” بالمعنى المزودج، أي ألا يجري
النظر لهذا “الآخر” من حيث هو ثقافة، بوصفه شراً مطلقاً وخصماً تجب محاربته
ومقارعته حتى في عقر داره إذا اقتضى الأمر، وبالتالي التعاطي مع ثقافته
بوصفها خطراً يجب إقامة المصدات والحواجز والسدود في وجهها كي لا تخترق
فضاءنا الثقافي .


ومن
جهة أخرى ألا يجري استصغار الذات بوجه الثقافات الأخرى، وألا يجري النظر
إلى الذات بدونية إزاء تفوق الآخر، فالثقافة الإنسانية هي في المحصلة نتاج
حضاري لكل الأمم والشعوب والثقافات المتنوعة ولدى كل أمة ما تضيف للثقافة
الإنسانية إن هي هيأت ذاتها لشروط الفعل الثقافي الذي يستجيب لشروط العصر .


خطر
في ذهني مثل هذا التداعي وأنا أطالع دراسة لمفكر من الهند يعالج قضية
الثقافة في بلاده، الثقافة الهندية، من زاوية علاقتها مع الآخر . وهي مسألة
تعنينا في الكثير من الأوجه، خاصة في البحث عن منطقة أو نطاق التوتر الذي
عنيناه أعلاه في العلاقة مع الآخر . وبين ثقافتنا العربية الإسلامية
والثقافة الهندية العديد من مناطق التشابه، فهما ثقافتان عريقتان رغم
اختلاف منابعهما ومصادر تكوينهما الأولى، وهما في ذلك ثقافتان تنتميان إلى
ما يعرف بالعالم النامي أو “الثالث” حسب تعبيرات زمان، ولذا فإنهما تواجهان
قضايا مشتركة أو متشابهة حين يدور الحديث عن العلاقة مع عولمة الثقافة
وثقافة العولمة .


إلى
ذلك ثمة أوجه تشابه مثيرة في مظاهر الحراك الاجتماعي – الثقافي في الهند
مع مظاهرها في بلداننا العربية . إن التحديث في مراحله الأساسية في الهند
لم يؤد إلى أي انهيار جدي للبنى التقليدية، وذلك بسبب خصوصيات المجتمع
البنيوية، فالنظام الثقافي يواصل استقلاله عن النظام السياسي . فالأبنية
الدقيقة مثل الطائفة والعائلة ومجتمع القرية استقت صفتها التقليدية، وأظهرت
الكثير من قيم التقاليد الطبقية أو المستقلة درجة مثيرة للدهشة من المرونة
في تكييف ذاتها مع نظام التحديث الثقافي، بل إن بعض تلك التقاليد يزدهر
حتى مع تزايد سرعة عمليات التحديث من دون خلق تناقضات كبرى .


ويشبّه
واضع الدراسة عن الهند، وهو الدكتور كوم نارالين العلاقة في الهند بين
التقاليد والتحديث (أو التنمية كما يعبر) بالزيت والماء . إن الزيت ينساب
مع الماء، لكنه يظل على سطحه، من دون أن يختلط به، وبالمثل أياً كان الزمن،
فإن البنيان الاجتماعي الهندي سوف يواصل التفاعل مع التنمية، لكنه لن
يمتزج بها البتة . والكاتب لا يتخذ موقفاً عدمياً أو انعزالياً من العولمة
الثقافية، وذلك وفق فهم خاص للأمر . إن أجندة الثقافة الواحدة يمكنها أن
تعني هلاكاً للأمة، فالتاريخ بين تكراراً أن الحضارات الكبرى ازدهرت حيث
كان هناك تبادل ثري لثقافات متنوعة . لذا فإنه بدلاً من الانخراط في
مشروعات كبرى تثيرالاضطراب وتربك المجتمعات يتعين تبني استراتيجيات للتنمية
تتضمن رؤى تجديدية للميراث الثقافي تقدم منافع أكبر للمجتمع وتحقق
الانسجام مع الذات والتسامح مع الآخر . وفي هذا ثمة ما نتعلمه .
اقرأ المزيد

لماذا كل هذه الضجة عن جلسة جنيف؟

يوم أمس الأربعاء (19 سبتمبر/ أيلول 2012) كانت البحرين على جدول أعمال
الدورة الحادية والعشرين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف،
فيما يتعلق بـ «الاستعراض الدوري الشامل». وكانت عدة بلدان قد جرى
استعراضها بين 21 مايو/ أيار و4 يونيو/ حزيران 2012، وهي: المغرب،
الإكوادور، تونس، البحرين، إندونيسيا، فنلندا، بريطانيا، الهند، البرازيل،
الفلبين، الجزائر، بولندا، هولندا، وجنوب إفريقيا. وعملاً بإجراءات
المراجعة الدورية، فإن مجلس حقوق الإنسان استعرض في دورته الحالية النتائج
النهائية للبلدان المذكورة، ويوم أمس كان دور ثلاثة بلدان، أحدها البحرين.

إذن ما هي المشكلة إذا كان استعراض الملف الحقوقي يتم بصورة دورية ولكل
البلدان، ولماذا كل هذه الضجة بشأن الملف الحقوقي البحريني؟ لماذا يصدر
بيان من أعلى مسئول في الولايات المتحدة الأميركية عن حقوق الإنسان (مايكل
بوسنر) قبل يوم من انعقاد جلسة البحرين، ويقول فيه إنه سيسافر خصيصاً
لإلقاء الكلمة الرسمية الأميركية عن الملف البحريني؟ ولماذا جلس بوسنر فقط
أثناء مناقشة البحرين، وبعدها خرج وسافر للالتقاء بنظيره الأوروبي في
بروكسل؟ لماذا كل هذا الاهتمام؟

لماذا تحدثت النمسا بلغة شديدة نوعاً ما أثناء مداخلتها وقالت إنها تمثل
في مداخلتها ثلاثة بلدان أوروبية أخرى؟ لماذا تحدثت بريطانيا في مداخلتها
بشكل مباشر وطالبت بمزيد من الإصلاحات الملموسة؟ لماذا كان الوفد الحكومي
والمرافق له أكبر وفد يحضر هذه المناقشات؟ لماذا أوفدت المعارضة وفداً شارك
في النقاشات بشكل واضح؟

لماذا تحدث وزير الخارجية بصورة أكثر انفتاحية في جنيف مما كنا سنسمعه
منه في البحرين؟ لماذا طالب بوسنر بإدماج جميع فئات المجتمع في قوات الأمن
البحرينية؟ ولماذا اقتصر الرد على أن هذه الفئات سيُقبل منها بضع مئات في
قسم يشبه قوات الأمن، ويسمى شرطة المجتمع؟ لماذا يمتلئ وفد الحكومة بلون
واحد تقريباً؟ ولماذا نرى العكس في وفد المعارضة؟ لماذا يتمكن وزير
الخارجية من أن يتحدث بهذه الطلاقة أمام جميع وفود العالم ويرد على
انتقادات المعارضة؟ ولماذا يتمكن وفد المعارضة من التحدث بهذا الشكل الصريح
فقط في محفل دولي وأمام مرأى ومسمع الجميع؟ لماذا لم نسمع مثل هذه
المداولات في البحرين؟ لماذا اختفى الحوار وأصبحنا نتحدث عن «رائحة الحوار»
التي تختفي عندما تقترب منها؟ لماذا هذه الضجة الكبيرة عن جلسة جنيف؟

هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى إجابات عميقة جداً، وهذه الإجابات يجب أن
تبدأ بأن يحدّث كل طرف نفسه بها قبل أن يسعى لتسجيل نقطة ضد خصمه…
فالإجابة على مثل هذه الأسئلة تكشف لنا عن شيء يتجنب الكثير التعرف عليه،
والأخطر من ذلك أنهم يخشون معالجته.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف – المحامي عبدالله الشملاوي

يقول المندوب الخاص للأمم المتحدة في قضايا التعذيب وعضو لجنة تقصي
الحقائق – الشهيرة بلجنة بسيوني – نايجل رودلي «إن الواقع المظلم هو أنه
رغم إجراءات المنظمات غير الحكومية والحكومية على مدى ربع قرن من الزمن،
لايزال التعذيب يعد مشكلة منتشرة وواسعة، ليس فقط ضد المعارضين السياسيين،
بل كذلك ضد المشتبه بارتكابهم جرائم محددة».

والتعذيب كظاهرة أو
مشكلة ليست جديدة، فقد عرفته كل الحضارات القديمة سواء ما كان منها قد
بُنِيَ على الأديان أو على أفكارٍ فلسفيةٍ أو غير ذلك، ولم يكن حظُ القرن
الواحد والعشرين، بالنسبة للتعذيب، رغم ما عرفه من تقدم، بأقل من حظ القرون
السابقة الأخرى، لا بل ربما قد عُرِفَ هذا القرن من الفظائع ما كان
بالجملة. ومن القتل الجماعي ما لم تعرفه القرون السابقةِ الأخرى. فأصبح
المرءُ أمام ظاهرة بدأت تتفشى، وهي ظاهرة العنف ضد المتهمين، وخصوصاً في
الجرائم السياسية، إذ غدا التنكيلُ بهم أمراً معتاداً في كثير من الدول،
حسبما يظهر من تقاريرِ منظمة العفو الدولية التي توضح أن الدول إنما تلجأ
للتعذيب، في محاولة منها للقضاء على معارضيها السياسيين. حتى أصبح التعذيب
عملاً روتينياً من أعمال جهات الأمن، بدءًا بالاعتقال الفجائي ليلاً
والتنكيل بالمعتقل وأهله، إلى الاغتصاب أو التهديد به، وتدبير الحوادث
المميتة بشكل غامض، واستخدام العقاقير الطبية من أجل التسلل إلى ذاكرة
المعتقل بما يعد انتهاكاً لحقه في الخصوصية بوصفه أحد الحقوق المتفرعة عن
حقه في المساواة مع غيره في الاحتفاظ بمكنونات نفسه.

ولقد ساعدت
التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة في جعل كثير من الناس في دائرة
الاشتباه فضلاً عن الاتهام؛ وبالتالي أمكن تعريضهم للعنف بصورٍ مختلفة.
ومرجِعُ الأصل التاريخي لإمعان المحقق في تعذيب المتهمين المعتقلين، هو
ممارسة هذا العمل من قبل المحقق على نحو التعبد للأباطرة الرومان، بوصفهم
ممثلين للآلهة، ولما كان يبذله هؤلاء الأباطرة من عطايا سخية للمحقق الذي
يتمكن من انتزاع اعتراف المعتقل، وخصوصاً إذا كانت تهمة من قبيل العيب في
الذات الملكية. وكانت أوروبا، بشكل عام، تجيز التعذيب وخصوصاً في الجرائم
الدينية بسبب سيطرة الكنيسة. ولم تكن بريطانيا تسمح بالتعذيب؛ لأنها كانت
تنتهج سياسة مستقلة عن الكنيسة، ومع ذلك فقد مُورَس التعذيبُ واقعاً في
بريطانيا في الجرائم ذات الطابع الديني وجريمة الخيانة العظمى.

ثم
هبت رياح التغيير على يد الفيلسوف فولتير في فرنسا، الذي أدان التعذيب.
وشايعه في ذلك الفيلسوف بيكاريا في إيطاليا الذي اعتبر التعذيب عقوبة توقع
على المتهم قبل الحكم عليه بما يعد تطويحاً بالنظام القضائي كله. ولقد أدى
تأثير كلام فولتير وبيكاريا إلى منع التعذيب في بروسيا سنة 1740م وفي فرنسا
سنة 1789م… وسرعان ما لحقت بلدان أوروبية أخرى بذلك بحيث منعت التعذيب.

ومع
بداية القرن التاسع عشر، يمكننا القول أو الادعاء بأن التعذيب الذي هو
طريقة غير إنسانية في التعامل مع البشر، قد انتهى، ورغم ذلك وحتى هذا اليوم
هناك الكثير من المناطق في العالم التي يحصل فيها شكل من أشكال التعذيب
رغم إدانة المجتمع الدولي للتعذيب واعتباره جرما يُرتكب في حق الكرامة
الإنسانية، لما يمثله من انتهاك أساسي لحقوق الإنسان، وأهمها حقه في الأمن
الفردي وهو حقه في سلامة جسمه. كما حرّم القانون الدولي التعذيب تحريماً
قاطعاً أياً كانت الظروف، ولقد بذلت جهود دولية جبارة لمكافحة التعذيب
تمثلت في المعاهدات الدولية ومنها اتفاقية جنيف لعام 1976 والخاصة بالحقوق
المدنية والسياسية التي حرمت التعذيب، وجميع صور المعاملة القاسية وحددت
الأمم المتحدة في مشروع اتفاقية دولية لمناهضة التعذيب المقصود به والشخص
القائم به، بشكل تفصيلي، وقد تم بالفعل اعتماد هذا المشروع كاتفاقية دولية
في ديسمبر/ كانون الأول 1984 انضمت إليها البحرين بموجب المرسوم رقم (4)
لسنة 1998 المعدل بالمرسوم رقم (34) لسنة 1999. وقد ورد تحريم التعذيب في
ميثاق منظمة الدول الأميركية لعام 59 والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان
والميثاق الافريقي لحقوق الإنسان لعام (81).

كما نصت معظم دساتير
الدول، إن لم نقل كلها، على تحريم التعذيب، ومن هذه الدساتير الدستور
البحريني الذي نص في المادة (19/د) منه على التالي: (لا يعرض أي إنسان
للتعذيب المادي أو المعنوي، أو للإغراء، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة،
ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك، كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت
وطأة التعذيب أو الإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأي منها). ثم جاءت
المادة (21/د) مؤكدة حظر التعذيب فنصت على ما يلي: (يحظر إيذاء المتهم
جسمانيا أو معنويا). وهو ما أكده ميثاق العمل الوطني البحريني لعام 2001.

ويقصد
بالتعذيب كما عرّفته المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب التي دخلت
حيز التنفيذ في 26/6/1987م بأنه (أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً
كان أو عقلياً يلحق عمداً بشخص ما، بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص
ثالث على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في
أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو
عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز
أياً كان نوعه، أو يحرض أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو شخص آخر
يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن في ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن
عقوبات قانونية، أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها).
فالتعذيب يرتبط ارتباطا وثيقا بالمتهم والجريمة والتحقيق الذي غايته اكتشاف
فاعل الجريمة وجمع الأدلة على ارتكابه الجرم وتقديمه للمحاكمة. وللتحقيق
أصول لا تعدو كونها إجراءات قانونية تخول المحقق جمع الأدلة وتحديد هوية
الفاعل، وقد وضعت تلك الإجراءات القانونية لضمان سلامة التحقيق من جهة
ولضمان سلامة المتهم من جهة ثانية، إلا أن الأخطار تحيق بكليهما من جراء
حصول بعض الممارسات الشاذة في كثير من البلدان والتي ترمي إلى اختصار الطرق
القانونية والسليمة بأن ينصب التحقيق بكل قوته على شخص المتهم لاستخلاص
الإقرار منه، وكأن الإقرار هو الغاية من التحقيق، وكأنه كاف بحد ذاته
لتأييد الاتهام والإدانة للمتهم.

ولكن إذا أمعنا النظر في طبيعة
الإقرار وجدنا أنه لا يشكل سوى دليل من بين الأدلة الكثيرة التي يجب أن
يؤيد بها الادعاء. وقد وضع العلم الحديث الوسائل الفنية الكافية التي تمكن
من اقتفاء آثار المجرمين وجمع الأدلة بحقهم دون المساس بسلامتهم وتعذيبهم
لجبرهم على الإقرار، فكم من إقرار كاذب أضاع آثار المجرم الحقيقي وقاد
القضاء إلى أخطاء قانونية وإلى الحكم على الأبرياء، إذ ان الذين يرغبون في
أن يكونوا شهداء، نادراً ما يعترفون أو يكشفون عن أي شيء من مكنوناتهم
بالإكراه، وعلى العكس من ذلك، كان آخرون قد عُرف عنهم أنهم يعترفون بأي
جريمة ويقدمون أي معلومات عندما يخضعون للتعذيب، ولذلك فعلى القاضي الجنائي
ألا يقابل اعتراف المتهم بالترحاب والقبول، بل عليه أن يقابله بغاية من
الحيطة والحذر والاحتراس، فالاعتراف بالجرم يورد صاحبه موارد الهلكة، وليس
من طبائع البشر وغرائز الإنسان السوي أن يُقبل على موارد الهلاك طائعاً
مختاراً، كما أن المتهم نادراً ما يعترف بوازع من الندم أو تأنيب الضمير.
فالإقرار ليس كل شيء، وان الأهمية التي تعطى اليوم للإقرار من قبل البعض
ليست سوى من آثار ذلك الماضي القاتم حيث كان الإقرار يشكل الطريق المثلى
لإثبات الجرم.

إن الأصل في الإنسان البراءة حتى تثبت إدانته في
محاكمة عادلة تتوافر فيها جميع الضمانات القانونية في جميع مراحل التحقيق
والمحاكمة، ومع هذه القرينة القانونية لابد من الاهتمام بالأدلة الجنائية
وتوفير الضمانات القانونية لسلامة ومشروعية تلك الأدلة، وكثيرا ما يتبع
البحث عن الأدلة مساس بالحريات الفردية للمتهم أو استباحتها، ولما كان
الهدف من الإجراءات الجنائية، كما أسلفنا، ليس هو كشف الحقيقة بعيدا عن
احترام حرية المتهم، ما يتعين معه احترام تلك الحرية وتأكيد ضماناتها، فلا
قيمة للحقيقة التي يتم الوصول إليها على مذبح الحرية، ذلك أنه من الممكن
جدا إجبار المتهم على الكلام لكنه من المتعذر بل من المستحيل إجباره على
قول الحقيقة، ولقد قضت كل من محكمة النقض المصرية ومحكمة التمييز البحرينية
بأنه يجب ألا يعول على اعتراف المتهم مهما كان صادقا، مادام وليد إكراه
مهما كان قدره لأنه وإن كان بالإمكان إجبارُ الإنسانِ على الكلام إلا أنه
من المتعذرِ بل من المُستحيل إجباره على قول الحقيقة، وهو الأمر الذي
انتظمته المادة (19/د) من الدستور البحريني التي تقدم ذكرها، كما نصت على
البطلان المادة (128/1) من قانون أصول المحكمات الجزائية والتي تنص على أنه
(لا يقبل في معرض البينة أي اعتراف يدلي به المتهم إذا تبين للمحكمة أن
الإدلاء به جاء نتيجة إغراء أو تهديد أو وعد يتعلق بالتهمة المسندة إليه
صادر من شخص ذي سلطة وكاف في رأي المحكمة لجعل المتهم يفترض لأسباب تبدو له
معقولة سيجني فائدة أو ينفي شرا من نوع دنيوي فيما يتعلق بالإجراءات ضده).

ونلاحظ
على النصين سالفي الذكر أن المشرع لم يكتفِ بتحريم تعريض أي إنسان للتعذيب
المادي أو المعنوي، بل مد ذلك التحريم إلى الإغراء أو المعاملة الحاطة
بالكرامة الإنسانية، وجرّم َهذا الفعل وأبطل كل قول أو اعتراف من قبل
المتهم يثبتُ صدوره تحت وطأة التعذيب المادي أو المعنوي أو المعاملة غير
الإنسانية للمتهم أو حتى مجرد التهديد بها، بمعنى أنه لا يشترط في وسائل
التعذيب أن تكون من الخطورة بحيث تؤدي لوفاة المتهم أو حتى أن تترك آثاراً
في جسمه، بل بدرجة الاعتداء على حرية ذاك المتهم أو المساس بكرامته، فإذا
صاحب الاعتراف شيء مما تقدم من صنوف التعذيب أو حتى مجرد التهديد بها أو
بأحدها كان البطلان حكم الاعتراف المتولد عنها. وتعليل ذلك البطلان من
الناحية القانونية أنه من شروط صحة الاعتراف أن يكون ناتجاً عن إرادة حرة
شرط الإرادة في الاعتراف شرط موضوعي يتوقف عليه وجود العمل الإجرائي ذاته،
فالإرادة هي خالقة الاعتراف كعمل إجرائي، وبدونها لا يكون له كيان قانوني،
ولقد ورد عن الخليفة عمر قوله: (ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أوجعتَه أو
ضربتَه أو أوثقتَه)، ولما كان البطلان هنا متعلقا بالنظام العام على أساس
المحافظة على المصلحة العامة وليس مصلحة خاصة، فلا يجوز التنازل عنه كما لا
يجوز افتراض صحته حتى ولو رضي صاحب الشأن؛ لأن رضاه معناه التنازل عن
التمسك بالبطلان، وهو أمر غير جائز، ويتعين على المحكمة متى استشعرت عدم
نزاهة الدليل ألا تعول عليه؛ عملا بحكم المادة 253 من قانون الاجراءات
البحرينية، ومن ثم ينبغي على المحكمة أن تقضي ببطلانه من تلقاء نفسها.
ويكون كذلك إذا عُرِض المتهم لأي صنف من العنف، عملا بقاعدة بطلان الدليل
المتولد خلافا للشرعية الإجرائية.

وعندما يقع الإخلال بمبدأ الفصل
بين السلطات، وتغدو السلطة التشريعية سائرة في ركب السلطة التنفيذية، أو
عندما يصل بها الأمر لحد اغتصابها السلطة التشريعية لنفسها، تتربص بالقضاء
للقضاء على استقلاله، فتتقهقر حريات الأفراد، وتتسع سلطة الإدارة، وتكون
أكثر تحررا من القانون، وهي بطبيعتها نزاعةٌ لذلك، فإذا وقعت أحداث تتفاجأ
سلطات الأمن بها، فتظهر بمظهر المقصر غير العالم بما يحدث، وهو أمر غير
مستحب من جانبها، في هذه الحالة، فإن سلطات الأمن، فضلا عما تقوم به من
اعتقالات عشوائية، تحاول جاهدة تدارك تقصيرها في منع وقوع الجرائم، باصطناع
الأدلة لمن تنسب إليهم ارتكاب الحوادث، وقد تصل سلطة التحقيق في سبيل
إثبات ذاتها، لحد ممارسة الاعتداءات الجسمية على المعتقلين، علها تنتزع
منهم اعترافا يقوم مقام الدليل في إثبات التهمة عليهم، وتعمَد من ثم لتأخير
عرض المتهمين على النيابة او قاضي التحقيق، مما ينطوي عليه ذلك الاحتجاز،
بلا سند، من تعدٍ على الدستور، والادارة تريد من ذلك أمرين أولهما: الإمعان
في تعذيب من صمد من المتهمين، وثانيهما زوال آثار التعذيب ممن اعترف من
المعترفين المتهمين.

ولاشك في أن هذا السلوك يكشف عن قصور وعجز عن
كشف الحقيقة، وتقديم متهم بلا تهمة للقضاء، أو بتهمة بغير دليل، أو في أحسن
الفروض بدليل فاقد للمشروعية. ولاشك أن هذا يشكل جريمة تضليل للعدالة؛ ذلك
أن إقامة العدالة تعني تحقيق دليل الاتهام بالقدر نفسه الذي يتم به تحقيق
دفاع المتهم، كما أنه تحقيق للتوازن بين خضوع الجميع للقانون وتمتعهم
بميزاته، فإذا أصبح الإنسان متهماً فإن ذلك غير كاف للحط من كرامته وإيذائه
بغية إدانته واعتبار ذلك وسيلة لإقامة العدالة بين أفراد المجتمع. ولقد
قيل بحق، إن الإجراءات الجنائية في دولة ما هي الصورة الدقيقة للحريات في
هذا البلد، وعليه فإن تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف بجرم نسب إليه،
يعتبر هدما لجانب كبير من جوانب الشرعية الإجرائية، فضلا عن كونه جريمة
معاقب عليها في سائر التشريعات الوطنية على أنها جريمةٌ مشددة عقوبتها
الحبس بموجب المادة 232 من قانون العقوبات البحريني فضلا عن الظرف المشدد
وفق المادة 75من القانون ذاته والتي تُضاعف العقوبة إذا وقعت من موظف عام
أو إذا ارتكبت الجريمة بانتهاز فرصة عجز المجني عليه عن المقاومة وفي ظروفٍ
لا تمكنُ الغير من الدفاعِ عنه، وهو حالُ من يعتقل، أو بالأحرى يختطف في
جُنحِ الليلِ ويغيّبُ لأسابيعَ وربّما لأشهر قبل أن يعرف أهلُه أنه لايزالُ
على قيد الحياة من خِلال مكالمة هاتفية مدتها دقيقةً واحدة إن طالت.

خلاصة القول؛ فإن أمر التحقيق في الجرائم دقيق جدّاً، إذ يقتضي إقامة
توازن دائم بين الوسائل الرامية إلى المحافظة على المجتمع بالكشف عن
الجرائم ومعاقبة مرتكبيها؛ وبين حقوق المواطنين في صيانة حريتهم وكرامتهم.
وضمانة هذا التوازن تتوافر في الآتي:

– سن القوانين التي تحرم
التعذيب وتجرمه، وقد ذكرنا مجموعة من تلك النصوص التي حرمت التعذيب وجرمته،
ولا ننسى أن نشير في هذا الخصوص إلى نص المادة (208) من قانون العقوبات
البحريني والتي تنص على أنه «يعاقب بالسجن كل موظف عام استعمل التعذيب أو
القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على
الاعتراف بجريمة أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها. وتكون العقوبة
السجن المؤبد إذا أفضى استعمال التعذيب أو القوة إلى الموت».

وجريمة
التعذيب، كأية جريمة يتطلب لقيامها عدد من العناصر، منها مادي وهو النشاط
الإجرامي للفاعل والنتيجة التي استهدفها، وعلاقة السببية بين النشاط
والنتيجة. وجانب معنوي، ويقصد به الصلة بين إرادة الجاني والجانب المادي
لجريمته، وهو القصد الجنائي.

ويضيف المشرع عناصر أخرى في البنيان القانوني لجريمة التعذيب، فإن تخلف أحدها امتنع قيام الجريمة.

ومن
العناصر الخاصة، كون الجاني موظفاً عموميّاً، وكون المجني عليه متهماً،
فإذا لم يكن الجاني موظفاً عموميّاً، كنا أمام جريمة اعتداء على جسم الغير،
وكذلك الحال إن لم يكن المجني عليه متهماً.

ويعتبر فاعلاً أصليّاً
من قام بالتعذيب ومن أمر به، أو أذن به على رغم عدم اتصاله بفعل التعذيب
ذاته، وخصوصاً إذا صدر الأمر والأذن أمام المجني عليه، فإن رؤيته أو سماعه
الأمر بالتعذيب أو الأذن به، أكثر ترويعاً من التعذيب نفسه وأشد إرهاباً
له، باعتبار أن التعذيب أو التهديد به إنما يقصد به حمل المتهم على
الاعتراف بما نُسبَ إليه أثناء التحقيق معه. ورجل السلطة، في عدوانه على
الأفراد، بتعذيبهم أو بتهديدهم أو إغرائهم، لحملهم على الاعتراف بما يريد،
يدرك مدى سطوته المستندة إلى سلطته ويستثمر علاقة الخضوع من الأفراد تجاه
السلطة، دون أن يملكوا حيال بطشه دفعاً؛ ولا منعاً وخصوصاً إذا كان المجتمع
يعيش ثقافة الخوف من جانب الضحية وثقافة الافلات من العقاب من جانب الجلاد
والجاني، لأن الجاني يستمد سلطة وظيفته وسطوتها أسوأ استثمار فيما ينطوي
عليه سلوكه من اعتداءات على حقوق فردية ومصالح قانونية تبدأ بمصادرة حق
الفرد في صيانة مكنوناتِ نفسه وفي سلامة جسمه وحياته، وحقه في الدفاع عن
نفسه، وتصل إلى تضليل العدالة باعتراف كاذب قد ينزله القضاء منزل صدق، ثقة
منه في حيدة الإدارة ونزاهتها.

والأمر بالتعذيب بطريق الترك أو
الامتناع، هو أكثرُ الفروض وقوعاً في العمل، فإذا وقع التعذيب على المتهم
لحمله على الاعتراف من موظف أمام رئيسه في العمل أو اتصل بعلم ذلك الرئيس،
ولم يأمُر مرؤوسيه بالكفِّ عن تعذيب المعتقل؛ فإن الرئيس يكون هنا قد عبر
عن إرادته بتعذيب المتهم لحمله على الاعتراف عُنوَةً، وذلك هو جوهر الأمر
بالتعذيب المحرم شرعاً والمنهي عنه من قبل المشرع الدستوري والمواثيق
العالمية والمعاقب عليه من قبل القوانين المحلية والدوليةِ بوصفه جناية
عقوبتها السجن مدة طويلة، فضلاً عن العقوبات التبعية.

2 – إيجاد جهاز
للشرطة القضائية واثق بمقدرته العلمية والفنية والبشرية وقادر على فرض
وجوده مع احترام حقوق المواطنين، إذ تفتقر أجهزة الشرطة في الغالب إلى
العناصر ذوي الثقافة العلمية العالية والتخصص، كما أنها – أي أجهزة الشرطة –
تفتقر إلى المختبرات العلمية وإلى أدوات الاتصال السريع، وإلى التخطيط في
مكافحة الجرائم والوقاية منها. فجهاز الشرطة الذي يعتمد على مقدرته الفنية
في وقاية المجتمع من الإجرام وملاحقة المجرم لا يرى نفسه مضطرا إلى اللجوء
سوى إلى الأساليب العلمية والقانونية للقيام بمهامه وتتبع آثار المجرم وجمع
الأدلة بحقه. وأن تهيئة جهاز الشرطة ليكون على مستوى المسئولية يتطلب رفع
ملكاته وتجهيزه بصورة فنية وتمكين العناصر الصالحة والمختصة من دخوله، فلكي
تكون للشرطة فاعليتها وتجد المساندة من قبل المواطنين يجب أن تكون محترمة
منهم، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا عن طريق الاحترام المتبادل، أي عندما يشعر
المواطن أن الشرطي يحترمه ويسهر على أمنه وسلامته بكل جد وإخلاص ويجد لديه
كل مساعدة ممكنة. عندئذ يبدأ المواطن باحترام الشرطي ومعاونته في إتمام
رسالته.

– ضمان السماح بالاتصال بالسجناء أو الموقوفين، فكثيراً ما
يقع التعذيب عندما يكونون محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي وغير قادرين على
الاتصال بمن يستطيع مساعدتهم أو معرفة ما يحدث لهم. ومن ثم يتعين الكف عن
ممارسة احتجاز السجناء أو الموقوفين بمعزلٍ عن العالم الخارجي. وينبغي أن
يضمن مثول جميع السجناء أمام هيئة قضائية مستقلة عقب احتجازهم، ودون إبطاء،
والسماح للأقارب والمحامين والأطباء بحق الاتصال بالمحتجزين فوراً وبصفة
دورية.

– عدم احتجاز المعتقلين في أماكن سرية، إذ يحدث التعذيب في
الغالب في الأماكن السرية، وفي كثير من الحالات يعقب ذلك الإعلان عن
«اختفاء الضحايا». ولذلك يجب أن يضمن عدم احتجاز السجناء أو الموقوفين إلا
في أماكن احتجاز معترف بها رسمياً، وأن تُقدم على الفور معلومات دقيقة عن
اعتقالهم وأماكن احتجازهم لأقاربهم ومحاميهم وللنيابة وللمحاكم. وينبغي
توفير وسائل قضائية فعالة في جميع الأوقات يمكن من خلالها لأقارب السجناء
ومحاميهم أن يعرفوا على الفور مكان احتجازهم والسلطة التي تحتجزهم وضمان
سلامتهم.

– توفير الضمانات الكافية أثناء الاحتجاز والاستجواب، فيجب
أن يُحاط جميعُ السجناء علماً بحقوقهم على الفور، ومنها حق التقدم بأي شكوى
من معاملتهم والحق في أن يبت قاض، دون تأخير، في قانونية احتجازهم. ويجب
أن يحقق القضاة في أي دليل على وقوع تعذيب وأن يوصوا النيابة العامة
بملاحقة من وقع منه فعل التعذيب بالمعنى الواسع لهذا المصطلح وأن يأمروا
بالإفراج عن السجين إذا كان احتجازه غير قانوني. وينبغي أن يحضر محام مع
المحتجز خلال الاستجواب وألا يقتصر حضور المحامي مع المتهم على مرحلة
المحاكمة كما يرى بعض الفقه التقليدي إذ قد تفوت على المتهم، بسبب عدم
تمكينه من إحضار محاميه الذي اختاره أو وافق عليه، أمور لا يمكن تداركها
بعد ذلك. كما ينبغي للحكومات أن تضمن توافق ظروف الاحتجاز مع المعايير
الدولية لمعاملة السجناء. ويتعين أن تكون السلطة المسئولة عن الاحتجاز
منفصلة عن السلطة المسئولة عن الاستجواب، وأن يقوم مفتشون مستقلون بزيارات
دورية غير معلن عنها مسبقاً ودون قيود، لجميع أماكن الاحتجاز.

– وإلى
جانب جهاز الشرطة القادر؛ لابد من وجود قضاة مستقلين أكفاء واثقين من
أنفسهم ومن عملهم حريصين على جعل شخصيتهم وحكمتهم ومواطنيتهم خير حامٍ
للمجتمع وللحرية الفردية.

– لابد من وجود رقابة على أداء جهاز الشرطة
لعملهم والتزامهم بالقانون، فلا تكفي القوانين وحدها لمنع التعذيب للقضاء
على ظاهرة تعذيب المتهمين. كما ينبغي، وعلى وجه السرعة، التحقيق في دعاوى
التعذيب، وذلك بإجراء تحقيق نزيه وفعال في جميع شكاوى التعذيب، تتولاه هيئة
مستقلة عن الجهات المتهمة بارتكاب التعذيب. كما ينبغي إعلان الوسائل
والخطوات المتبعة في هذا التحقيق والنتائج التي يتمخض عنها. كما يجب وقف
المسئولين المشتبه في ارتكابهم التعذيب عن القيام بواجبات عملهم خلال
التحقيق. ويتعين توفير الحماية للمتظلمين، والشهود، وغيرهم من المعرضين
للخطر، من أي ترهيب أو أعمال انتقامية قد يتعرضون لها. وإذا ما أظهرت
التحقيقات مسئولية المشتبه في ارتكابهم لأعمال التعذيب؛ فلابد من تقديمهم
إلى المحاكمة، وهذا المبدأ ينطبق أيّاً كان المكان الذي وقع فيه التعذيب
وأيّاً كان أشخاص مرتكبيه أو وضعهم، وبغض النظر عن المكان الذي ارتكبت فيه
جريمة التعذيب أو شخص الضحية، دون اعتبار للوقت الذي انقضى على ارتكاب
الجريمة، إذ لا يجوز أن تسقط بالتقادم؛ لأنها جريمة خصها المشرع الدولي
والوطني بمعالجة خاصة، نظرا لطبيعة وماهية تلك الجريمة وبعدها الإنساني
الذي شكل تهديداً للأمن الاجتماعي؛ مما اقتضى أن تكون هذه الجريمة جناية
دائماً وخارجة عن قاعدة السقوط بالتقادم لأنها. وكما صرح كوفي عنان بأن
التعذيب وصمة عار على جبين الإنسانية .

وختاما، لا يفوتني أن أنوه
إلى ما ورد بالفقرة (1230) من تقرير بسيوني التي تنص على: «توضح المعلومات
التي تم الحصول عليها من مصادر مختلفة، ولاسيما أثناء المقابلات مع الأشخاص
الذي ادعوا أنهم ضحايا لسوء المعاملة والأشكال الأخرى من الإساءة البدينة
والنفسية أثناء وجودهم في مراكز التوقيف التابعة للدولة، أنه كان هناك
أنماط معينة من السلوك التي كانت تنتهجها الأجهزة الحكومية، ولم تكن هذه
الأنماط موحدة باستثناء ما يتعلق بسوء المعاملة مع فئات معينة من الموقوفين
بما في ذلك بعض أفراد الطاقم الطبي الذين ألقي القبض عليهم بتهم مرتبطة
بأحداث مجمع السلمانية الطبي والشخصيات السياسية الأربعة عشر الذين كانوا
موقوفين في سجن القرين. وكان الغرض في الكثير من هذه الحالات هو الحصول على
إفادات أو اعترافات تجرم أولئك الأشخاص المقبوض عليهم، وفي حالات أخرى،
كان الغرض المقصود من الحصول على إفادات من بعض هؤلاء الأشخاص هو استخدامها
ضد أشخاص آخرين ينتمون إلى الجماعة نفسها».

وهو توثيق لتعذيب يحدث
بشكلٍ منهجي ولايسع أحدٌ الزعم بأنه سلوكٌ فرديٌ؛ لأن التقرير يُعتبر
مستنداً رسميّاً لكونه مُعدّاً من جهة مكلفة بخدمة عامة من قبل السلطة
المختصة قانوناً، والكلُّ يعلم أن لجنة بسيوني شُكِّلتْ بأمر ملكيٍ وقدمت
تقريرها إلى ملك البلاد الّذي قَبِله بلا تحفظٍ، بل وأمر بتنفيذ محتوياته
وشكل لجاناً عُليا من أجل ذلك؛ فإن أي أنشطة أخرى من أي نوع كانت ومن أية
جهة صدرت، وتحت أي مسمى أو مبرر تمت لا يمكن أن تكون بمنجاة من المُلاحقة
ومن ثم العقاب، وعليه؛ فإن حق كل من تضرر من إجراءات أو تصرفات جاءت
بالمخالفة للنُّصوص الدستورية والقانونية والمواثيق الدولية سالفة الذكر،
في مقاضاة من خالف الدستور والقانون والنهج العالمي الصريح، وإن لذلك
المضرور حقّاً مكفولاً قانوناً، ولا يسقُطُ بالتقادم ، ولا يشمله أي عفو
وإن أي تفسير آخر يعد ليّاً للنصوص تحت ستار التفسير وهو ما لا يملكه أحد.

والله من وراء القصد…

عبدالله الشملاوي
صحيفة الوسط البحرينية 
اقرأ المزيد

بعد انشقاق العمال… هل سنكون شعبين في دولة؟ – عيسى سيّار

لقد مرت الحركة العمالية وعبر تاريخها النضالي بمنعطفات تاريخية مهمة
ومحن كثيرة في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، خرجت منها
أكثر تماسكاً وكانت رمزاً للوحدة الوطنية على رغم المحاولات الفاشلة
والمستميتة التي بذلها الاستعمار البريطاني وأعوانه، إلا أن انشقاق الحركة
العمالية وتشرذمها والتي حصلت في الآونة الأخيرة على خلفية طائفية بحتة يعد
مؤشراً خطيراً على تحول مجتمعي لا يحمد عقباه.

إننا نؤمن بالتعددية
والاختلافات في الرؤى والتوجهات، ولكن إذا حصل ذلك الاختلاف في وضع طبيعي
وبشكل يساهم في إثراء الحراك المجتمعي، ولكن أن يأتي انشقاق الحركة
العمالية على خلفية طائفية… فهذه ظاهرة غير صحية ومؤشر خطير على وجود خلل
مجتمعي، والحركة العمالية أحد ضحاياه ويستوجب على من يحمل الوطن في قلبه
أن يتصدى له بالتوجيه والإرشاد.

إن مما لا شك فيه أن ولادة اتحاد
العمال الحر ليست ولادة طبيعية، ولم تخرج من رحم نضال عمالي، وإنما خرجت من
بوابة انشقاق وتشرذم سياسي ومذهبي غير مسبوق في تاريخ البحرين الحديث.
وهذه الولادة ليست فألاً حسناً ولا تبشر بخير. إن انشقاق الحركة العمالية
والذي يعد الأول من نوعه في تاريخ الحركة يرجع في تقديرنا إلى سببين رئيسين
وهما:

أولاً: الأخطاء التي ارتكبتها قيادة الاتحاد العام لنقابات
عمال البحرين خلال حراك 14 فبراير/ شباط، تلك الأخطاء التي أعطت أطرافاً من
داخل الاتحاد مؤشراً على أن الاتحاد مجيّر سياسياً، وأن تحركاته تتسم
بالروح الطائفية وليست بالروح المهنية.

ثانياً: في ظل الانقسام
المجتمعي الحاد لعبت أطرافٌ في النظام السياسي وجمعيات سياسية دوراً فعالاً
في حدوث الانشقاق. وقد تمثل ذلك في مباركة الحكومة السريع وغير المسبوق
لقيام الاتحاد وحتى قبل أن يتم إشهار الاتحاد الجديد، ما وضع وزارة العمل
في حرجٍ من كيفية إيجاد تخريجة أمام بعض المواد القانونية والتي كادت أن
تتسبب في أزمة حكومية!

إن السياسات التي تنفذها بعض الأطراف النافذة
والقائمة على شق صفوف منظمات المجتمع المدني كالاتحادات والجمعيات على
قاعدة مذهبية والتدخل في أنظمتها ولوائحها وانتخاباتها كما حصل في جمعية
المحامين وجمعية الأطباء، مسائل لها ما بعدها، وسيكون لها تداعيات وخيمة
على الشعب البحريني برمته. فالأطباء والمحامون وغيرهم هم جزء من النسيج
المجتمعي، وإن التدخل القسري في تدجين أو تجيير أو تسييس هذا النسيج يعد
تعدياً على الحقوق والحريات التي كفلها دستور مملكة البحرين، وستعزز مثل
هذه التدخلات الطائفية وكراهية الآخر.

إننا نعتقد كما أسلفنا أن هناك
أخطاء ارتكبتها قيادة الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، ولكنها أن تكون
سبباً لانشقاق الحركة العمالية البحرينية وعلى قاعدة مذهبية، فهذا أمرٌ
يجب تصحيحه في أقرب الآجال من عقلاء الحركة العمالية من خلال الحوار
والمناصحة والاعتراف بالأخطاء. فانشقاق الحركة العمالية على قاعدة مذهبية
يقلل من فعاليتها وقوتها ويجعلها عرضة للتجاذبات السياسية والمذهبية، ويجعل
قراراتها مرتهنة للمصالح وليس للمبادئ وحقوق العمال، ويبعدها عن دورها
الفعلي في الدفاع عن حقوق العمال المشروعة، ولا يستفيد من ذلك إلا من لا
يريد الخير للحركة العمالية.

إن انشقاق الحركة العمالية في البحرين
وتدجين عدد من الجمعيات الأهلية والمهنية لمصلحة أطراف نافذة وجمعيات
سياسية، هو انحراف خطير يهدد كيان المجتمع واستقراره، وأن استمر جمود
المشهد السياسي على ما هو عليه من دون إحداث إصلاحات سياسية دستورية جذرية
تجعل الشعب البحريني شريكاً حقيقياً في صنع القرار السياسي يصب مزيداً من
الزيت على النار، وسيجعلنا نشاهد المزيد من الظواهر السلبية التي تعمق من
التشرذم المجتمعي. وقد نسمع قريباً عن الاتحاد النسائي الحر وجمعية
المعلمين الحرة وجمعية التمريض الحرة …الخ.

وهنا نتساءل وبمشروعية:
من الذي يقف وراء تعميق الشرخ الطائفي؟ ولماذا لا يتم التصدي له قبل أن
يقع الفأس في الرأس؟ وهل يقبل أصحاب القرار وعقلاء القوم أن نكون شعبين في
دولة واحدة؟ يقول الشاعر: «حذارِ فتحت الرماد اللهيب…»، فمن يرفع
الشراع؟

عيسى سيار

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

بداية النهاية للاقتصاد المعتمد على النفط

يوم أمس تحدث الدكتور محمد الصبان (الذي كان يشغل منصب كبير المستشارين
الاقتصاديين في وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية) عن بداية النهاية
للاقتصاد الخليجي المعتمد على النفظ، وذلك في ندوة المعهد الدولي للدراسات
الاستراتيجية في المرفأ المالي، مستعرضاً صورة مغايرة لتلك الصورة
المعتمدة لدى صناع القرار في مجلس التعاون الخليجي.

الصبان أوضح أن
سوق النفط تشهد نوعاً من الاكتفاء في الإمدادات، وأن الطلب على النفط
سينخفض مستقبلاً، وأن السعر الحالي (أكثر من مئة دولار للبرميل) سببه
الحقيقي مخاوف سياسية، وأن هذا الارتفاع وضع غشاوة على الأعين حجبت حقيقة
تغيرات هيكلية في سوق النفط. ومن هذه التغيرات أن أميركا والدول المتقدمة
خفضت استهلاكها للنفط بصورة دائمة، بل إن أميركا تسعى للاكتفاء الذاتي بعد
أقل من عقدين، وإن أميركا ستتحول إلى تصدير الوقود، ولاسيما بعد الاكتشافات
الكبيرة للغاز والتطورات التكنولوجية في عملية الاستخراج.

وقال
الصبان، إنه وفي الوقت الذي تتجه الدول المتقدمة نحو تقليل استهلاك النفط
والانتقال إلى بدائل أخرى، فإنه صدر مؤخراً تقرير عن «سيتي جروب» قال إن
السعودية قد تضطر لاستيراد النفط في العام 2030 إذا استمر معدل الاستهلاك
المحلي على ما هو عليه مع المستوى الرخيص جداً للوقود. وعقب الصبان قائلاً
إنه وعلى الرغم من أن هذا التقرير ليس واقعياً، إلا أنه يشير إلى مخاطر
حقيقية ناتجة عن تغييرات هيكلية، وأن السعودية التي تنتج أكثر من عشرة
ملايين برميل يومياً في الوقت الحالي، فإن هذا المستوى من الإنتاج لم يعد
يؤثر بصورة رئيسية في سعر النفط، وإنه حتى لو شغلت السعودية كامل طاقتها
الإنتاجية (12.5 مليون برميل يومياً)، فإن أسعار النفط لم تعد بيد
المنتجين، وهذا المتغير الجديد له تبعات عديدة.

وأوضح الصبان أن
النفط يمثل حالياً القطاع الأكبر من الناتج القومي لدول الخليج، وأن
القطاعات الأخرى تعتمد عليه، وأن هذا الاعتماد الكلي على النفط يستمر وكأن
سعره سيبقى عالياً، وهذا يغفل حقيقة أن السعر سينزل، وعندما ينزل مستقبلاً
إلى مستويات دون السعر المعتمد في الموازنات الخليجية (السعودية مثلاً
اعتمدت 95 دولاراً للبرميل) فإن العجز في الموازنات سيعود بنا إلى ما حدث
في نهاية الثمانينات والتسعينات.

وقال إن الخيارات التي يجب التوجه
نحوها تتطلب اعتماد سياسة جديدة لكيفية التصرف بالصناديق الاستثمارية
السيادية، والتحول إلى اقتصاد المعرفة المعتمد على التعليم المتطور، وإزالة
الدعم الذي يمنع اعتماد سياسات قابلة للاستمرار، ومعالجة البطالة من خلال
خلق وظائف مجزية وذات قيمة عالية للاقتصاد، والتوجه نحو بدائل أخرى
لاستخدامات الطاقة، مثل تشغيل وسائل النقل العام باستخدام الغاز، إلخ.

التحذيرات
أعلاه تقول لنا إن الوضع الحالي يعتمد على أنموذج اقتصاد غير صحيح وإن هذا
الأنموذج بدأ في الانتهاء، وربما إننا غير ملتفتين إلى ذلك، وغير ملتفتين
أيضاً إلى أن التحول إلى اقتصاد متطور ستكون له متطلباته السياسية التي
نراها في كل بلدان العالم، وهذا يعني انتهاء فكرة الخصوصية الخليجية التي
تتحدث عن استثنائنا من السياق التاريخي للأمم.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

فــــــــي المسألــــــــــة «إن»

حري بنا ان نتساءل…
هل من الضروري ان يشب حريق كبير في السوق الشعبي كي يفتح ملف هذا السوق،
وننعش آمال تطويره، وهل كان من الضروري ان تحدث كل هذه الاضرار في
الممتلكات بسبب الحريق حتى نكتشف أولا بان الجهات المسؤولة مقصرة في حق هذا
السوق وحق من يعتاشون منه من تجار صغار، وان هذه الجهات المسؤولة طيلة
السنوات الماضية لم تتكرم وتلتفت الى ان هذا السوق كان في حاجة حتى الى
الحد الادنى من التنظيم والى ابسط اجراءات الامن والسلامة، ونكتشف ثانيا
بانه ليس هناك من اخضع لاي مساءلة جراء هذا التقصير؟!
هل من الضروري ان يلقى عشرة عمال آسيويين مصرعهم اختناقا اثر حريق اندلع في
مسكنهم البائس حتى نفتح ملف سكن العمال، وان يلقى مواطن وعاملان اسيويان
مصرعهم في حفرة للصرف الصحي ويلحقهم عامل اسيوي سقط من رافعة من اعلى
البناية جثة هامدة، وقبل ذلك خمسة اشخاص من أسرة واحدة ذهبوا ضحية ماعرف بـ
«فاجعة القضيبية» حتى تكتشف الجهات المسؤولة بان هناك اوجه خلل وقصور في
الوسائل والاجراءات والنظم والآليات التي تحمي الناس من هكذا حوادث ولتعلن
عن اجراءات صارمة وتدابير لازمة للحد من هذه الحوادث؟!
وهل من الضروري ان يموت اعداد من شبابنا بمرض السكلر واحدا تلو الآخر، وان
نصدم في اكثر من مرة بعدد من الوفيات دفعة واحدة، حتى يدرك المعنيون باننا
امام مشكلة، وحتى يسوقّون لنا وعودا توهمنا بانهم يتصدون للمشكلة وانهم
باتوا في اتجاه تشكيل فريق عمل لاعداد خطة متكاملة لرعاية مرضى السكلر؟!
وهل من الضروري ان تثار كل هذه الهواجس حول سلامة اللحوم في الاسواق كي
تظهر جهة الاختصاص لتعلن بكل فخر انها ستضع خطة متكاملة بشأن الاشتراطات
الصحية في مجال توزيع اللحوم وضمان سلامتها؟!
وهل من الضروري ان يثار كل هذا اللغط المقرون بكم من علامات الاستفهام
والتعجب حول مناقصة مشروع تطوير حديقة المحرق الكبرى، وحول دوافع قيام
وزارة البلديات باعتماد مناقصة المشروع بقيمة 25.5 مليون دينار لصالح
مستثمر بحريني وتجاهل مناقصة مستثمر خليجي بقيمة 5 ملايين دينار، وهو الذي
لم يتردد في زيادة مساحة اللغط واثارة الشبهات حول هذه المناقصة حين انبرى
كاشفا بان العطاء المعتمد خيالي وغير واقعي ويستحال حدوثه، وان مساحة
المشروع وطبيعته الفنية لاتحتاج الى كل هذا المبلغ ثم يظهر الى الواجهة احد
اعضاء مجلس بلدي المحرق مرددا بان شبهات فساد ومخالفات صريحة للقانون تشوب
هذه المناقصة، هل من الضروري ان يحدث كل ذلك اللغط كي نخلص الى ان في
المسألة «إن»؟!
وهل من الضروري ان يكشف بان هيئة التأمين الاجتماعي شطبت اربعة ملايين
دينار من استثماراتها في محفظة مع بنك انفستكورب بذريعة افلاس الشركتين
اللتين تم استثمار اموال المحفظة فيهما، فيما الواقع يشير الى ان هاتين
الشركتين حققتا ارباحا في العامين 2011-2012، من دون نفي او توضيح من
الهيئة لنكتشف مرة اخرى بان في المسألة «إن»؟!
هل من الضروري ان نعاود ذات السيناريو، وذات ردود الافعال الهزلية في
القادم من الايام حين يصدر تقرير جديد لديوان الرقابة المالية والادارية
يكشف مجدداً كمّاً من التجاوزات والمخالفات والتعديات على المال العام،
ستكون كالعادة مضغة في كل فم ومادة للمزايدة والاثارة وبالذات من نواب
باشروا من الان بالتلويح باستجوابات ومساءلات في نمط دعائي عفا عليه الزمن،
حتى نكتشف مجددا باننا عدنا لننفخ يائسين في قربة مقطوعة، او اننا في
مباراة من مباريات الفرص الضائعة التي نحرز فيها الميدالية الذهبية بجدارة،
ولاداعي للتذكير بمآلات التقارير السابقة؟!
وهل من الضروري حيال ملفات عدة ان تتشكل كل هذه اللجان، لجان تحقيق، ولجان
تقص ولجان متابعة، ولجان فنية، ولجان فرعية لمعالجة بعض الامور، او محاسبة
مخطئين، او مساءلة فاسدين، آخرها لجنة التحقيق البرلماني في ملف تجاوزات
مستشفى الملك حمد لنكتشف في النهاية ان المحصلة خاوية وبان في المسألة
«إن»؟!
وهل.. وهل.. وهل؟!
هل من الضروري ان يحدث كل ذلك؟ ومعه ما لايكاد تخلو منه صحفنا هذه الايام
من اخبار وحوادث وقضايا المعني الحقيقي فيها بالغ السلبية لانراه يخفى على
ذوي الفطنة، وهو ان ثمة جهات لاتتحرك ولاتقوم بواجبها كما يجب الا اذا حدثت
مشكلة، وهو نهج لاتزال «تنعم» بافضاله وإرثه حتى الساعة جهات عديدة
استسلمت لحالة من السلبية لاينبغي الاستهانة بها، جعلتها في حالة استرخاء
تمادت فيها في ظل تهوين شديد لقيمة المساءلة والمحاسبة في ساحة العمل العام
تصل الى حد الازدراء بهذه القيمة.
بقي ان نقول، لايكفي ان يظهر لنا وزير او مسؤول في اي موقع كان ليحدثنا عن
خطط، وحشد الامكانات، ورصد الميزانيات، ووعود تطلق تلو وعود، حتى نرضى
ونطمئن الى اننا نمضي بالاتجاه السليم، لسبب بسيط جدا وهو ان المواطن يريد
انجازا يلمسه، لايكفي بذل الجهد وسلامة القصد، ونبل الهدف، لان العبرة
بالنتيجة، والنتيجة تعرفونها، فهي اما شديدة التواضع، او لاشيء على الاطلاق
وكأن هناك من يستثمر في الفشل ويعيد انتاجه ويراكم المشكلات ويجعلها اكثر
تعقيدا، حقا، هناك من هم مبدعون في الفشل، والطامة الكبرى اننا جميعا ندفع
الثمن..!!
اقرأ المزيد

وسطية الدولة



عقلانية الدولة، أي دولة، تكمن في أشياء عدة أهمها وَسطيتها، بمعنى أن تكون الناظم لمكونات المجتمع وعناصره المختلفة . إن مكانها هو الوسط إذا شاءت أن تكون دولة راشدة، رشيدة، حكيمة في إدارة الأمور وتوجيهها بما يخدم استقرار المجتمع وتطوره الآمن .


لا يوجد في العالم كله مجتمع من لونٍ واحد، أو من رأي واحد، أو من مكوّن اجتماعي  ثقافي  سياسي واحد، فالمجتمعات قائمة على التعدد والتنوع تبعاً لتعدد المصالح والأفكار والمنابت الاجتماعية . والمجتمع السوي هو ذاك الذي تتعايش فيه هذه المكونات المختلفة، وهذا التعايش لا ينفي الاختلاف والتناقض أحياناً في ما بين تلك المكونات، لكنه تعايش يؤمن إدارة هذا التناقض وفق قواعد التسامح والجدال بالتي هي أحسن، وليس سوى المؤسسات التمثيلية الديمقراطية وسيلة لتأمين هذا التعايش وتلك الإدارة الرشيدة للتناقضات أو اختلاف المصالح، ففي هذه المؤسسات، من قبيل البرلمانات والمجالس البلدية والنقابات والاتحادات الجماهيرية، يعمل أصحاب الآراء المختلفة ويتعلمون بالمراس والتدريب أهمية الوصول إلى التوافقات والمشتركات، لكن يظل أن الدولة مطالبة بأن تقوم بهذا الدور الوسطي، ولا نقول المحايد بالضرورة، لأن المسألة نسبية، في أن تكون ناظماً لتعايش مختلف الآراء والأفكار وأنماط السلوك والمعيشة . وكلما نجحت الدولة في أداء هذا الدور، تعافى المجتمع وتطور بسلاسة نحو المستقبل، فتجربة الحكومات الشمولية التي فرضت رأياً واحداً وفكراً واحداً وحزباً واحداً وأسلوب معيشة واحداً، قادت وتقود، كما ترينا التجربة، إلى الخراب . ولسنا في حاجة إلى تعداد الأمثلة والنماذج،  فهي ساطعة فاقعة للأعين .


حين تميل الدولة إلى محاباة هذه القوة أو تلك، وعزل هذه القوة أو تلك لأسباب براغماتية، فإنها تضر بالوسطية المطلوبة منها، التي تعني في ما تعني، التوازن والعدالة في تقديم الخدمات الاجتماعية الملقاة على عاتقها تجاه مواطنيها قاطبة الذين لا يصح تقسيمهم، لأن الأوطان ينبغي أن تتسع للجميع الذين لهم حق على دولهم بأن تؤمن لهم الحياة الحرة الكريمة التي تتساوى فيها الفرص للجميع، والتي يراعى فيها احترام الخصوصيات الثقافية والدينية والعرقية، عبر إشاعة ثقافة التسامح وغرسها في الأذهان من خلال البرامج التعليمية والتنشئة المجتمعية، ليصبح ذلك قاعدة ينطلق منها المجتمع، وعليها ينمو ويتطور .


إذا ما اختل هذا الدور الوسطي للدولة، تغلبت الهويات الفرعية الجانبية واستفحلت وتخندقت حول نفسها باحثة عن أمان وهمي داخل صدفات هشّة، فتتعمق الانقسامات المجتمعية، وتقوم جدران العزلة بين أصحاب هذه الهويات المختلفة، وتضعف القواسم المشتركة، وتتضاءل أهمية الهوية الوطنية الجامعة التي يفترض فيها أن تستوعب في ثناياها الهويات الفرعية كافة، لتجعل منها عامل إثراء، لا عامل فرقة .


لفهم ما يجري اليوم من استفحال لدور الهويات الفرعية وصخب شعاراتها وبرامجها في عددٍ من بلداننا العربية، علينا أن نفتش عن الخلل المزمن الذي انتاب أداء الدولة لدورها الوسطي، المتوازن، وميلها إلى الاعتماد على تحالفات طارئة أو ثابتة، وبحثها عن الأمان في إطار ضيق، فئوي أو طائفي أو حزبي، وانغلاقها عن المكونات الأخرى في مجتمعاتها التي تتوطد لديها مشاعر التهميش والعزلة، حتى تحين لحظة الأزمة، لتكتشف الدولة ضيق القاعدة الاجتماعية الملتفة حولها بالقياس إلى ما في المجتمع من رحابة وتنوع، فيغدو ما اعتبر دائماً عامل قوة ونُصرة، عامل ضعف .
اقرأ المزيد

هـــــذه الظاهـــــرة المريبـــــــــــــة..!!

نريد مصارحة… وقبل ذلك توضيح وتنويه..
توضيح وتنويه باننا هنا في البحرين ننفرد بهذه الظاهرة، وربما نستحق ان
نحصل عليها براءة اختراع..!! حيث لم نجد مثل هذه الظاهرة لا في دول مجاورة
ولا في دول بعيدة عربية او غير عربية.
الحديث تحديدا عن ظاهرة استقبال الوزراء لمن انتسبوا الى الحياة
البرلمانية.. هل هي ظاهرة إيجابية ان يستقبل الوزراء نوابا، لايكاد يمر يوم
الا ونجد خبرا عن استقبال وزير لنائب او نائبة، ومهما كانت الدقائق
الصغيرة او العموميات العريضة او التصريحات الفارغة من اي مضمون له قيمة،
والتي تصدر على هامش كل لقاء، فإن السؤال يبقى مطروحا بإلحاح: هل هذه
الظاهرة إيجابية..؟
السؤال بصيغة اخرى: هل من مهام النائب الهرولة الى مكاتب الوزراء ومن في
حكمهم لكي يتوسط او يتدخل في تعيين او ترقية او تمرير معاملة او ساعيا وراء
توقيعات او وعود متجاوزا الإجراءات والنظم والأحقية، او يطلب استثناء
معينا يخرق به القانون والعدالة ومبدأ تكافؤ الفرص وإعطاء من ليس له حق ما
لا حق له فيه..!!
السؤال في صيغة ثالثة: هل هذه اللقاءات الثنائية بين وزير ونائب هي صورة
معبرة عن العلاقة المثلى للتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهل
هناك شفافية كافية تجعل الناس مطمئنين وعلى يقين بأن النائب في كواليس هذه
اللقاءات لا يساوم على دوره في الرقابة والمساءلة مقابل أمر خاص او منفعة
شخصية، او حتى تحت ضغط المطالبات الخدمية..!
السؤال في طرح آخر: الا يعد النائب الذي يجري وراء خدمة هنا، ومعاملة
هناك، معطلا او متجاهلا للدور الحقيقي للنائب في مجال المساءلة والرقابة
والتشريع، وهو الدور الذي نص عليه الدستور، او إنه يمارس مظهرا من المظاهر
غير المنزهة عن أية ممارسات فاسدة مهما حاول النائب ان يظهر حرصه على خدمة
الناس، ومهما حاول إيهامنا بأنه يسهر على مطالب أبناء دائرته الحياتية
والخدماتية في صورة تعبر عن قصور في الأداء البرلماني، وأي قصور حين يعتبر
النائب نفسه ممثلا لدائرته ويحمل الحكومة هموم دائرته، فيما الأصل هو ان
النائب يمثل الشعب، ولا يمثل دائرة إنتخابية او منطقة او فئة او طائفة.
ولا بأس من إثارة السؤال في صيغة مختلفة: هل يعي النائب بان طبيعة دوره
سياسي، وان الأساس في الخدمات العامة ان تقدمها الحكومة للمواطنين عبر
اجهزة تنفيذية بشكل له حساباته واعتباراته وأولوياته وميزانياته، ويفترض
انه يضمن التكافؤ وعدم التمييز والالتزام بالقانون، ومع هذه الأجهزة
التنفيذية هناك مجالس بلدية منتخبة معنية بإنجاز ذات الخدمات التي يزعم
اصحاب السعادة النواب بانهم يسعون اليها في لقاءاتهم مع الوزراء، وهو أمر
عده أعضاء بتلك المجالس بأنه لم يخدم مسار عمل هذه المجالس ولم يضفِ عليها
الاعتبار اللازم المطور للتجربة البلدية. بل عده آخرون تعديا على مهام
واختصاصات مجالس بلدية منتخبة.
أسوأ من ذلك وأمر، ان قيام اي نائب بالتدخل أيا كان هذا التدخل في أي شأن
من شؤون السلطة التنفيذية، هو تداخل بين المهام والسلطات، وخلط بين الأدوار
والصلاحيات، ومساس بمبدأ فصل السلطات، وكان على سعادة النائب قبل ان يهرول
الى الوزراء ان يعي ويفطن الى ان ممارسة دوره في الدفاع عن مصالح
المواطنين وخدمتهم يتم من خلال التشريع وتفعيل آليات وأدوات الرقابة
والمساءلة تحت قبة البرلمان وليس عبر المكاتب الخاصة وفي لقاءات ثنائية،
فيما كان على النائب من باب الأخذ بالأحوط وسد الذرائع الابتعاد عن مواطن
الشبهات والقيل والقال، وان يفطن كذلك الى ان الحصانة التي تعطى له تحميه
وتمكنه من القيام بدور الرقيب والمسائل في البرلمان وليس كمندوب لتخليص
المعاملات، التي ان كانت قانونية فيتوجب ان تنجز من دون تدخل او توسط نائب،
وان لم تكن قانونية فانه يفترض بالنائب ان ينأى بنفسه عنها، بل عليه ان
يكون متصديا لها، وان كان المواطن في كثير من الأحيان بحاجة الى واسطة وما
في حكمها يقابل بها الروتين والبيروقراطية والفساد، الا ان هذا ليس مبررا
يجعل النواب يتناسون دورهم البرلماني في الكشف عن هذه المظاهر السلبية عبر
استخدام أدواتهم الدستورية في المساءلة والمحاسبة والرقابة على الأداء
الحكومي.
مؤلم ومؤسف ومحبط في آن واحد أن نجد برلمانيين كثراً وهم يتخبطون ويعانون
من قصر نظر حيال دورهم الرقابي، ولم يسقط من الذاكرة كيف تعاطى هؤلاء مع
تقارير ديوان الرقابة، ومع مخرجات لجان تحقيق برلمانية عدة تشكلت على خلفية
اكثر من ملف واكثر من قضية رأي عام علاوة على ما يثار الان من مخالفات
وتجاوزات على اكثر من صعيد، فهي إجمالا خلاصتها لاشيء.. !
مؤلم ومؤسف ومحبط ان يظل هذا القصور في الأداء ويظل هؤلاء النواب مصرين على
ان يكونوا مندوبي تخليص معاملات، ولذا لم يدهشنا كثيرا ان يذهب احدهم الى
حد الاعلان عن تشكيل لجنة أهلية بذريعة حرصه على إحداث نقلة نوعية على
الصعيد الخدماتي للنائب ومتابعة تحركات معاملاته الخدمية، فيما ذهب اكثر من
نائب الى الدفاع الفج عن الدور الخدمي للنائب وتأكيدهم بالحاجة لهذا الدور
بقدر الحاجة الى الدور التشريعي والرقابي، وكأن لا ينقص هؤلاء الا
المطالبة بشهادة الجودة..!! وهؤلاء وجدناهم يهرولون للقيام بمهام الأعضاء
البلديين ويمارسون اعمال الفراش وملزمون بدفع مبالغ مالية، كل ذلك بسبب
العقلية السائدة عن النائب، وهذه شهادة من نائب نحسب انه اكثر إدراكا للدور
الحقيقي للنائب.
يبقى سؤال أخير نراه جوهريا، هل النائب الذي لا يلتزم بالدور الحقيقي
الذي من المفترض ان يقوم به والذي أقسم عليه وبات مؤتمنا عليه هل يدرك بأن
شرعيته مستمدة من أدائه لهذا الدور؟ وهل يمكن ان يعول على هذا النائب في
الدفاع عن قيم النزاهة ومحاربة الفساد في وقت بات الحديث عن الفساد على كل
لسان؟!
اقرأ المزيد

الدولة كناظم للمجتمعات



عقلانية أي دولة، تكمن في أشياء عدة أهمها وَسطيتها، بمعنى أن تكون الناظم
لمكونات المجتمع وعناصره المختلفة، ولا يوجد في العالم كله مجتمع من لونٍ واحد، أو
من رأي واحد، أو من مكوّن اجتماعي – ثقافي – سياسي واحد، فالمجتمعات قائمة على
التعدد والتنوع تبعاً لتعدد المصالح والأفكار والمنابت الاجتماعية، والمجتمع السوي
هو ذاك الذي تتعايش فيه هذه المكونات المختلفة وفق قواعد التسامح والجدال بالتي هي
أحسن، وليس سوى المؤسسات التمثيلية الديمقراطية وسيلة لتأمين هذا التعايش وتلك الإدارة
الرشيدة للتناقضات أو اختلاف المصالح، ففي هذه المؤسسات، من قبيل البرلمانات
والمجالس البلدية والنقابات والاتحادات الجماهيرية، يعمل أصحاب الآراء المختلفة
ويتعلمون بالمراس والتدريب أهمية الوصول إلى التوافقات والمشتركات، لكن يظل أن
الدولة مطالبة بأن تقوم بهذا الدور الوسطي، في أن تكون ناظماً لتعايش مختلف الآراء
والأفكار وأنماط السلوك والمعيشة، وكلما نجحت الدولة في أداء هذا الدور تعافى
المجتمع وتطور بسلاسة نحو المستقبل، فتجربة الحكومات الشمولية التي فرضت رأياً
واحداً وفكراً واحداً وحزباً واحداً وأسلوب معيشة واحداً قادت وتقود، كما ترينا
التجربة، إلى الخراب. ولسنا في حاجة لتعداد الأمثلة والنماذج  فهي ساطعة فاقعة للأعين. 


حين تميل الدولة لمحاباة هذه القوة أو تلك، وعزل هذه القوة أو تلك لأسباب
براغماتية، فإنها تضر بالوسطية المطلوبة منها، التي تعني فيما تعني التوازن
والعدالة في تقديم الخدمات الاجتماعية الملقاة على عاتقها تجاه مواطنيها قاطبة،
الذين لا يصح تقسيمهم، لأن الأوطان ينبغي أن تتسع للجميع، الذين لهم حق على دولهم
في أن تؤمن لهم الحياة الحرة الكريمة التي تتساوى فيها الفرص  للجميع. 


إذا ما اختل هذا الدور الوسطي للدولة تغلبت الهويات الفرعية الجانبية
واستفحلت وتخندقت حول نفسها باحثة عن أمان وهمي داخل صدفات هشة، فتتعمق الانقسامات
المجتمعية وتقوم جدران العزلة بين أصحاب هذه الهويات المختلفة، وتضعف القواسم
المشتركة، وتتضاءل أهمية الهوية الوطنية التي يفترض فيها أن تستوعب في ثناياها
كافة الهويات الفرعية لتجعل منها عامل إثراء، لا عامل فرقة. 


لفهم ما يجري اليوم من استفحال لدور الهويات الفرعية وصخب شعاراتها
وبرامجها في عددٍ من بلداننا العربية علينا أن نفتش عن الخلل المزمن الذي انتاب
أداء الدولة لدورها الوسطي، المتوازن، وميلها للاعتماد على تحالفات طارئة  أو ثابتة، وبحثها عن الأمان في إطار ضيق، فئوي
أو طائفي أو حزبي، وانغلاقها عن المكونات الأخرى في مجتمعاتها، التي تتوطد لديها
مشاعر التهميش والعزلة، حتى تحين لحظة الأزمة لتكتشف الدولة ضيق القاعدة
الاجتماعية الملتفة حولها بالقياس لما في المجتمع من رحابة وتنوع، فيغدو ما أعتبر
دائماً عامل قوة ونُصرة، عامل ضعف.


اقرأ المزيد

أيها الشهيد هاشم لن نفترق ” لكننا سنسير’ “

 
خاطـــــــرة 
  
 


رفيقنا الغالي أبا عادل ..


نخاطبك قبل أن تخف بنا أقدامنا لزيارتك في هذا اليوم الكبير. ومعذرة إن كنت لا تعرف كِبَرهُ كما نعرف. أنت لم تعرف من ذلك اليوم سوى آلام الشهادة التي سرعان ما انطوت مع انطواء حياة أحد أطهر من عرفنا. لم تكن تعرف أن هذا اليوم، حاملا اسمك، سيدخل تاريخ حزبك والحركة الوطنية، إذ دخلتَ قلوب آلاف ممن عرفوك أو قرأوا سيرتك مناضلا حزبيا وطنيا وأمميا جسورا، وطبيبا إنسانيا عالجت بسطاء الناس رغم عدم توظيفك لسنوات بسبب التمييز السياسي. لم تكن تعرف أن يوم 18 سبتمبر سيُحفر في ذاكرة رفاقك وأبناء شعبك المخلصين ويسكن عقولهم قبل أفئدتهم كشعلة نار متقدة غضبا على أولئك الذين غدروا بك وقابلوك بسيوفهم ورماحهم وأنت أعزلا، إلا من فكرك وإيمانك بقضيتك.

أنت الشهيد الإنسان الرفيق الجبهوي الوطني العربي الأممي الثوري الغاضب المتسامح العاصف اللطيف الشجاع المتواضع الناقم المحب الجاد المرح.. وذلك غيض من فيض أسمائك الحسنى التي نستحضرك بأحدها في كل موقف نواجهه في حياتنا.

اليوم، أكثر من كل يوم، سيذكرك كل من عرفك على مقاعد الدراسة الجامعية وفي اللقاءات الحزبية والأنشطة الاجتماعية ومؤتمرات ومهرجانات الشبيبة والطلبة العالمية .. ممن كانوا شباب ما اصطلحنا وإياك على تسميته اختصارا “ثلاثة ألف” ، أي القارات الثلاث : آسيا، أفريقيا وأميركا اللاتينية، التي نهضت شعوبها في حركة تحرر وطني عالمية ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية. وغيرهم من ممثلي شعوب العالم الذين عرفوا في نبل خلقك وأصالتك الثورية سفيرا لشعب البحرين وقضيته العادلة، ونصيرا قويا لقضاياهم العادلة أيضا.

سيدنا هاشم .. معذرة لك ولمن في حاضرتك من شهداء حزبنا والحركة التقدمية الديمقراطية والوطنية عموما. فلم يكن ولن يكون تقديم الشهداء قرابين على مذبح حرية وكرامة وتقدم إنسان البحرين هدفنا أبدا، بل ذلك قدرنا الذي ليس بيدنا رده على طريق هذا النضال الذي لم يكن سهل الوطأ يوما. 
 
أبا عادل .. اعذرنا إن لم يكن في جعبتنا أثناء زيارتنا اليوم ما يفرح في هذا الزمن الرديء، فهناك شهداء وجرحى يسقطون، وشباب معتقلون وآخرون فصلوا من أعمالهم، وغازات تخنقنا، وطائفية تقتلنا، ورَدَّات وتَرَد فكريٍ وضبابية تلف عقول الكثيرين. ها .. هنا خبر وحيد نزفه وسيفرحك بلا شك . إبنك عادل تزوج قريبا. ونأمل أن يهديك عادل وزوجته ويهديانا قريبا حفيد الشهيد أو حفيدته. أما ابنك، وحامل إسمك هاشم، فعسى أن نزف لك خبر فرحه في الزيارة القادمة.

اليوم .. ستطل علينا من علياء قصرك وسنشخص إليك من حضيض قبرنا. تقبل منا إكليلا متواضعا في مثل اليوم الذي تقبلك ربنا وشعبنا وحزبنا قربانا على الطريق الشائك الوعر العسير. سيصدح جلال صمتك بهذا النشيد عندما تجمعنا اليوم روحك الطاهرة. سنستمع ثم سنترك ورودنا نياشين متجددة على صدرك كل عام. بعدها، كما بعد اجتماع حزبي، لن نفترق، بل سنقفل عائدين مرددين : “لكننا سنسير”.
 

18 سبتمبر 2012

اقرأ المزيد