المنشور

لا مكان لآداب الاستبداد والطاعة – د.علي فخرو

أما وأن بعض الأحزاب والحركات السياسية الإسلامية العربية قد وصلت لأول
مرة إلى الحكم، وأن آخرين مرشحون للوصول أيضاً في المستقبل، فإنّ من الحكمة
أن يعرف قادتها أن الناخبين والمعارضين المنافسين سيطرحون الكثير من
الأسئلة والاستفسارات، وعلى هذه الأحزاب والحركات أن توضّح وتجيب.

فإذا
كان السّياسيون الإسلاميون يريدون أن يتحركوا في دروب الحكم والسلطة
الشائكة بسرعة وبشفافية وبفاعلية، فعليهم أن يتخلَصوا من بعض الأثقال التي
حمَّلهم إيّاها البعض، سواءً من بعض أعضائهم المتزمتين وأنصارهم أحياناً أو
من معاديهم أحياناً آخر.

من هذه الأسئلة الصعبة التي يجب أن تحسم
والأثقال التي يجب أن تزاح عن الكواهل، ما تتعلق بالموقف الواضح الصريح من
فكر وخطاب نظام الآداب السلطانية، ذاك المكوّن الخطير الملتبس من بين
مكونات التراث السياسي الإسلامي.

دعنا نذكّر أن الآداب السلطانية
كانت عبارةً عن إيديولوجية سياسية أريد بها إضفاء الشرعية على سلطات الحكم
وسلطانها الاستبدادي عبر التاريخ الإسلامي كلّه، وذلك بعد سقوط الخلافة
واستبدالها بالملك العضوض. ولقد قامت تلك الآداب السياسية على مبدئين
أساسيين هما أولاً إضفاء القداسة على الملك وبالتالي تسويغ استبداده،
وثانياً مطالبة المحكومين بالخضوع والطاعة من أجل درء الفتنة. وقد استعمل
مؤلفو وناشرو تلك الآداب السلطانية بصورة انتهازية نفعية القراءات الخاطئة
لنصوص القرآن الكريم والأحاديث النبويّة من جهة، ولبعض الفتاوى الفقهية
الممالئة للسلطان من جهة أخرى، وذلك من أجل تبرير ضرورة استبداد الحاكمين
وضرورة طاعة المحكومين.

ورغم أن الآداب السلطانية قد بدأت كتأثّرٍ
وتقليدٍ لفكر وممارسات الحكم السياسي الساساني التسلُّطي الفارسي القديم،
وهو القائم على أن مكانة الملك مقدّسة تتماثل مع مكانة الألوهية، وعلى أن
الطاعة والخضوع لذلك الملك هو مطلب ديني غير قابل للأخذ والعطاء، إلا أن
تلك الآداب المنقولة عن حقب ما قبل الإسلام ألصقت بدين الإسلام وأصبحت
جزءاً من الفكر السياسي الإسلامي.

ولو وقف الأمر عند هذا الحد لهان
الأمر وأصبح ذلك الموضوع جزءاً من التاريخ وتبريراته، لكنَّنا جميعاً نعرف
أن نظرات تلك الآداب وتحاليلها وتبريراتها ونصائحها لأصحاب السلطان لا تزال
معنا إلى يومنا هذا، أحياناً بشكل واضح وأحياناً بشكل متخفٍّ وراء أقنعة
حداثة سطحية أورثنا إياها الاستعمار واستعملتها الدولة العربية الحديثة
بخبث وانتهازية.

السؤال الذي سيطرحه الكثيرون على أنظمة الحكم
الإسلامي الجديدة هو: ما موقفها من ذلك الإرث الفكري والتنظيمي السياسي،
وهل هي على استعداد أن تتبرّأ من نواقصه الكثيرة، بل وأن تحدث قطيعة معه
وتستبدله بفكر وممارسات سياسية جديدة قائمة على مبادئ وقيم واضحة مثل
الحرية والعدالة والمساواة ودولة القانون والمواطنة والحكم الديمقراطي
الرشيد؟ بل هل هي على استعداد أن تغيّر لغة الخطاب السياسي وبعض كلماته
الغامضة التي لازال البعض يصرّ على استعمالها خدمة للاستبداد والقهر والظلم
في بلاد العرب؟ ألا نسمع بحرمة الخروج على وليّ الأمر ولو بطش، وبمكرمات
الرّاعي على الرعية؟

إن أنظمة الحكم الإسلامية الجديدة يجب أن تدرك
أن صعودها قد قلب الأزمنة السياسية رأساً على عقب، وعليه هناك حاجة أن
تنقلب أيضاً الكثير من الأفكار والممارسات السياسية رأساً على عقب.
والمأمول هو أن لا تشغلها أمور البوتاغاز وأزمات السَّير ولباس مذيعات
شاشات التلفزيون ومماحكات السّياحة عن إدراك ما أثبتته الأزمنة عبر
التاريخ، من أن السياسة لا تستقر إلا إذا قامت على أسس تفاعل حيٍ بين الفكر
العقلاني الحصيف والقيم الإنسانية السامية ومقتضيات التطوّر وتبدُّل
الأزمنة لينتج فكر سياسي عميق متكامل. وهذا مطلوب أن تساهم القوى الصاعدة
الجديدة في إحداثه مع غيرها من القوى ومن المفكرين في الحال. ذلك أن هناك
فراغاً هائلاً في حيز السياسة في بلاد العرب يتلاعب بملئه وبمصيره إرث
سياسي عربي إسلامي متخلف من مثل الآداب السلطانية والفقه السياسي المنغلق
على نفسه والمجترُّ لأقواله من جهة، وفكر سياسي مقلّد لفكر الغير بصور
عاجزة بليدة من جهة أخرى.

في حياة ومجتمعات ما بعد ثورات الربيع
العربي، يجب أن لا يوجد مكانٌ لفكر وأدب سياسي يرفع السلطان إلى منزلة
«سلطان الله في أرضه» ويعامل المواطنين كرعيًّة منقادة مطيعة على أساس أن
طاعة الإمام هي من طاعة الله، ويصدر الفتاوى لتبرير الهيمنة والظلم
والخضوع.

لقد ضحّى الألوف من شباب هذه الأمة بأرواحهم من أجل حياة
وفكر وممارسات سياسية إنسانية جديدة، وعلى أنظمة الحكم الإسلامية الجديدة
أن ترتفع إلى مستوى تضحياتهم وآمالهم وإرادتهم المبهرة.

علي محمد فخرو
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

العنف في البحرين… أين بدأ؟ – يعقوب سيادي

يأخذ العنف في المجتمعات عدة صور، ولكنها جميعاً ضارة بالوطن
والمواطنين، من سلطات وشعوب، فقد يأتي في عنف لفظي سبابي، ليطال سواد
الأفراد، أو الرموز الدينية والسياسية والاجتماعية، ولذلك إن لم يُكْفأ في
أوله، عبر المحاسبة القانونية غير المفرقة بين المواطنين، فسيتمدد ليطال
حياة الناس الشخصية، ليصل إلى الطوائف والأديان في آخر المطاف.

ومن
صوره أيضاً العنف الاجتماعي الذي يبدأ بإيقاع الضيم على أفراد ولا يلبث أن
يصل إلى التمييز، ضد أو لصالح الطوائف سواء كانت أكثرية أو أقلية. وهناك
العنف القانوني والإجرائي، الذي يميز أناساً على غيرهم حين التقاضي، وفي
احتساب الأحقية للصالح العام من الخدمات، فتتعدد المكاييل بتعدد المناطق
والجماعات، فتجد رخاءً هنا وعسراً هناك. وأيضاً من العنف النكوص بالوعود
تحت طائلة التفرد بالقوة.

وهناك العنف الجسدي، الذي يطال الأفراد
والجماعات بالتعذيب والبطش واستخدام القوة المفرطة، ليربو إلى العنف المؤدي
للإعاقة الجسدية والقتل.

لكل فعل ردة فعل تقابله في الاتجاه، وقد
تكون بقوته نفسها أو تكاد، من حيث النوع أو التأثير، فيستمر صراع الأضداد،
إلى أن يفوق أحدهما بغلبة الآخر. وهذا قانون مادي، ولكنه ينطبق أيضاً على
المجتمعات، فحين يصفع طفلٌ آخر، فربما يبكي أو يجري، فيكون الفعل أقوى من
ردة الفعل، وربما يرد الصفعة بمثلها، ويستمر الصراع إلى حين يتغلب أحدهما
على الآخر.

أما في العلاقة بين السلطات والشعوب، فإن الأصل في الدولة
المدنية الحديثة، أن لا صراع بينهما، لكون السلطات وليدة الشعوب، توجِدها
وتحاسبها لتكون في حسن خدمتها، وإلا استبدلتها بسلطة أخرى من أفراد الشعب.
ولكن في المجتمعات، عبر تطورها التاريخي، كانت العلاقة وليدة الفطرة، ثم
تطورت ليتدخل فيها الإنسان بعلومه وتجاربه، وفقاً لتطور حاجات الحياة
الطبيعية والمادية، فبدأ بوضع الأعراف غير المكتوبة، وبعدها صاغ القوانين
والدساتير، وابتدع الأنظمة السياسية المختلفة، التي مؤداها الفصل بين
السلطات، ورسم العلاقة المتكاملة بينها، إلا أن بعض الأنظمة جاءت لتجعل
لطرفٍ تفوقاً على الآخر، عبر الاستحواذ على مصادر السلطة والثروة، فكانت
المجتمعات القبلية والإقطاعية والرأسمالية، التي امتلكت فيها السلطات مصادر
القوة والثروة، والتي ولّدت مقاومات كردات فعل، وصلت لمستوى الحروب وحركات
التمرد والثورات، حتى انتهت المجتمعات البشرية إلى نظام الدولة المدنية،
التي تعيد العلاقة بين السلطات والشعوب لأصلها، وهو مبدأ «الشعب مصدر
السلطات» جميعاً، من حيث الإدارة، ومبدأ الحرية والعدالة والمساواة من حيث
توزيع الثروات، وهو ما أسس لمبدأ المواطنة في التعامل من حيث الحقوق
والواجبات، ومبدأ الانتخاب الشعبي للسلطات، ومحاسبتها من خلال ممثليه
المنتخبين.

إلا أن الطبيعة الإنسانية، التي لم يأنس لها الخالق،
فأرسل للناس أنبياءه ورسله وأولياءه، ليُقيموها في علاقة أساسها العدل، هذه
الطبيعة، جعلت من يتَسَيّدَ يستفرد بالسلطة والثروة، فكان من أولويات
أساليب الدولة المدنية، مبدأ التداول السلمي للسلطات، عبر الانتخابات
الدورية، لكيلا تتمركز السلطة والثروة بيد أحد.

وللقواعدِ شذوذ،
فبدأت بعض السلطات في بعض المجتمعات، بتسخير أجهزتها لخدمتها واستمرارها في
السلطة، وإطالة مدى استحواذها على السلطة والثروة، إما استبداداً وإما
نرجسية. وهكذا ارتسمت الصراعات بين السلطات والشعوب، في أفعال وردات فعل
تطول وتقصر، وتقود لتطورات وانتكاسات.

ونأتي لبحريننا الغالية، فنفصل
ما بين الفترتين التاريخيتين، ما قبل وبعد الاستقلال، من حيث عدم الخلط
بين الحراك الشعبي الممزوجة مطالبه الحياتية بنزعة الاستقلال السياسي عن
المستعمر البريطاني، لنتناول الحراك المطلبي السياسي الوطني، ما ولدته حالة
الاستفراد بالسلطة والثروة من صراعات وأفعال وردود فعل عبر تاريخ البحرين
قديمه وحديثه. ويأخذ ذلك طابعاً سلمياً أحياناً، وترسم حدوداً دنيا من
العنف أحياناً أخرى، تقابله ردّات فعل عنيفة عبر التصدي بالاعتقال والسجون
والنفي واستخدام السلاح.

في أواخر الستينات من القرن الماضي، بعد
انسحاب المستعمر البريطاني وفشل ترتيبات الاتحاد مع قطر وإمارات الساحل
المتصالح (الإمارات حالياً)، وبعد مخاض سياسي استمر من العام 1968 لغاية
إعلان استقلال البحرين في 15 أغسطس/ آب 1971، جاء دستور 1973 الذي أنتجه
المجلس التأسيسي، وأفرز مجلس الشعب، واستتباعاً له كانت الروابط الطلابية
في الخارج التي توجت بالاتحاد الوطني لطلبة البحرين، تمثيلاً للقطاع
الطلابي، واللجان العمالية تمثيلاً للقطاع العمالي، والجبهات والتيارات
السياسية، وليدة ما قبل هذه الفترة وما بعدها، تمثيلاً سياسياً لقطاع واسع
من الشعب، فكانت هذه الجهات وغيرها نواة لمؤسسات المجتمع المدني الحديثة،
فكيف تم التعامل مع هذه المؤسسات الشعبية؟

لقد تم الإجهاز عليها بعد
حل المجلس الوطني وإيقاف مواد الدستور المنظمة لمدد إعادة الانتخابات،
وجعلها إلى أجل غير مسمى، وسن قانون أمن الدولة سيئ الصيت في العام 1975،
الذي تم بموجبه اعتقال بعض أعضاء المجلس، وتعرض النشطاء السياسيين والعمال
والطلبة، لهجمة أمنية شرسة، حيث يتيح القانون اعتقال أي فرد وإبقاءه في
المعتقل ثلاث سنوات من دون محاكمة قابلة للتجديد. وكان الخلاف مع ممثلي
الشعب حينها، بسبب طرح إنهاء اتفاقية القاعدة الأميركية في الجفير. ولم
يشفع للشعب تصويته إجماعاً العام 1970 على عروبة البحرين، عن ممارسة العنف
ضده بأقسى صوره، وكانت ردات الفعل الشعبية حينها ضعيفة. وتم استغلال حادثة
اغتيال الشيخ عبدالله المدني في جدحفص، وأحراش سار، في 19 نوفمبر/ تشرين
الثاني 1976، جراء مسبباتٍ، لم يُفصَح عنها حتى اليوم، للانقضاض على اليسار
الشعبي، من جبهتي التحرير والشعبية في البحرين، والقوميين المتمثلين ببعض
أعضاء مجلس الشعب، باتهامهم بحادثة الاغتيال، التي انتهت بإعدام 3 أشخاص من
خارج اليسار، فيما قضى آخرون نحبهم تحت التعذيب. وهو نزاعٌ دام أكثر من 25
عاماً، من السبعينات حتى التسعينات، في أحداثٍ خلفت ثكالى وأيتاماً
ومحزونين، أورثوا غبنهم للأجيال من بعدهم.

ثم جاء الميثاق العام 2001
بآمالٍ عريضةٍ، وتبعه قانون عفا الله عما سلف الذي منح الفرصة ليفلت
المتجاوزون من العقاب، وكذلك التراجع عن بعض التعهدات في دستور 2002،
وأهمها اختصاص مجلس الشورى بجعله أساساً وبقوة تفوق النصف في التشريع من
بعد التعهد بأنه للشورى فقط، وتبع ذلك توزيع الدوائر الانتخابية بمحاصصة
طائفية، لجعل الغلبة لطائفة على حساب طائفة أخرى. ثم جاء كَشف مستشارٍ
لتقريره المشهور بكل تفاصيله، ما جعل المعارضة أمام تحدٍ ومسئولية كبرى
لحفظ الوطن. إلا أن بعض نشطاء طائفة وخصوصاً الدينيين، أعمتهم نتائج
المحاصصة الطائفية، التي جاءت لغلبتهم المصلحية الضيقة على حساب الوطن،
فوقفوا ضد المعارضة السياسية والحقوقية، التي غالبيتها من طائفة أخرى،
وتحالف معها نشطاء وجمعيات ليبرالية وعلمانية وقومية، لتلتقي الأهداف التي
تبدو من ظاهرٍ غلبة تعداد المشاركين فيها أنها طائفية، مع أنه لا غبار على
حماية مصلحة أفراد الطائفة ضد التمييز والتهميش والتشويه والتخوين،
والحرمان من حقوق المواطنة، في خضم حماية المصلحة الوطنية العليا والعامة
الحافظة لحقوق جميع المواطنين ومستقبل الوطن في التعايش السلمي، وحفظ
مستقبل الأجيال.

لقد التقت مصلحة الطائفة مع مصلحة الوطن، وهذه
معادلة صعبة ومعقدة، صعب حلها على الطائفة المقابلة، فاختارت طريقاً أسهل
وهو موالاة السلطات على حساب المصلحة الوطنية العليا، بثمن تَميزُها
إيجابياً على الطائفة الأخرى، فنهجت العداء للمعارضة وتجلى ذلك في أحداث
السنة والنصف الأخيرة بدءاً من 14 فبراير/ شباط 2011 كما سنرى.

يعقوب سيادي
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

القوة ليست مصدراً للحق

هناك وجهات نظر متناقضة حول مفهوم «الحق» و «الصح». فمن جانب هناك من
يرى بأن الحق إنما هو وليد للقوة، وهذا الفهم كان موجوداً في المجتمعات
البدائية التي كانت تعطي صاحب القوة الجسدية (أو من يمتلك القوة القاهرة أو
الغاشمة) كلمة الفصل. ولكن هذه المدرسة غير الإنسانية وجدت لها فلسفة
تدعمها في القرن التاسع عشر وذلك تأسيساً على نظرية التطور البيولوجي التي
طرحها داروين، والتي تتلخص في أن «البقاء للأقوى».

الذين نقلوا نظرية داروين من علم الأحياء إلى الفكر السياسي رأوا بأن
«القوة هي الحق»، وهذه المدرسة ترفض الطرح الذي يقول إن هناك حقوقاً طبيعية
للإنسان مستوجبة له منذ ولادته، وإن هذه الحقوق غير قابلة للنقاش. المدرسة
التي طرحت أن «القوة هي مصدر الحق» تسببت في المآسي التي تطورت إلى مذابح
وحروب إقليمية وعالمية، وأنتجت هذه الثقافة نظماً شمولية أعطت لنفسها الحق
في فرض قياس خاص للحق، معتمد على القوة المطلقة. والأسوأ في كل ذلك أن
أتباع هذه النظرية لديهم فهم خاص أيضاً للقانون، وشاهدنا كيف أن حكومات
ليست بعيدة زمنيّاً أو جغرافيّاً عنّا أصدرت قوانين نصّت على إعدام من
ينتمي إلى حزب مُعيّن، بل وإعدام أقاربه وتعذيب الآخرين القريبين منه، وكل
ذلك تأسيساً على فهم ذلك النظام بأن الأصل في العلاقة مع الآخر هو الانصياع
التام، وإلا فإن حبل المشنقة، أو السيف أو السجن مصيره.

الحجج التي يطرحها أصحاب هذه المدرسة غير الإنسانية كثيرة، منها أن ما
يقومون به أقل مما كان سيقوم به الذين يتلقون العذاب (فيما لو كان
المضطهدون هم المسيطرون)، أو أن ما ننزله من عذاب وأذى بهؤلاء (ويقصدون
المخالفين لهم في الرأي أو في الحزب أو في الدين أو المذهب) أقل بكثير مما
يفعله من يشبههم بمن يشبهنا في بلاد أخرى.

أصحاب هذه المدرسة غير الإنسانية التي تقول بأن «الحق مستمد من القوة»
ينظرون إلى ما يتوافر تحت أيديهم ليس سوى «غنيمة» يتمتع بها صاحب القوة
الذي يفرض إرادته ويسن قوانين ويصدر قرارات يفرضها بالطريقة التي يشاءها
على من يختلف معه. هذه المدرسة ليس لها مكان في عالم اليوم الذي يعتمد على
فهم آخر للحق، وهو أن القوة ليست مصدراً للحق، وهذا ما أوضحه «الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان»، وفصّلته العهود والاتفاقيات الدولية بشكل لا يقبل
التأويل.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

جولة الإنعاش الاقتصادي العالمي




هل وصل بعض الأطراف الرئيسة الفاعلة في منظمة التجارة العالمية إلى حد القناعة اليائسة بتبدد أي أمل في تحريك جولة مفاوضات الدوحة لتحرير التجارة العالمية في إطار منظمة التجارة العالمية وإنهائها بتحقيق الأهداف التي وضعت لها يوم انطلقت في الدوحة في عام 2001؟ هذا ما يبشر به حالياً بعض الأوساط لأطراف رئيسة في المنظمة مؤخراً، حيث تطالب هذه الأوساط باستبدال جولة مفاوضات الدوحة التي تعتبرها في حكم الميتة بما تسميه »جولة الانعاش الاقتصادي العالمي«، وذلك انطلاقاً من وجهة نظرها من أن التجارة والنمو مرتبطان، 




فحين وقعت الأزمة المالية/ الاقتصادية العالمية في عام 2008 انهارت التجارة العالمية والنمو معاً، وتعافيا معاً في عام 2009 حتى هذا العام حين تراجعا معاً . . 




وإن خفض التعرفات الجمركية وإزالة القيود الكمية يحفز التجارة ويعزز النمو الهش، وهو ما يعد سبباً كافياً – من وجهة نظرها – لاستبدال جولة الدوحة من مفاوضات تحرير التجارة العالمية باتفاق عالمي جديد متعدد الأطراف .




ويستمر الهجوم على جولة الدوحة لتُتهم بمحاباتها للدول الفقيرة، بتمكين مزارعيها من الوصول إلى أسواق الدول الغنية، وأنها كانت طموحة أكثر من اللازم بتغطيتها ليس فقط التجارة في السلع والمنتجات الزراعية والخدمات وإنما مواضيع لها علاقة غير مباشرة بالتجارة مثل قواعد مكافحة الاحتكار وحقوق الملكية الفكرية والقواعد المنظمة للاستثمار الأجنبي . كما أن عدد الدول الأعضاء في المنظمة يحول دون التوصل إلى إجماع على موضوع 




معين، خصوصاً إذا تعلق باللوبيات القوية الموجودة في الدول الكبرى الأعضاء مثل لوبي القطن في الولايات المتحدة على سبيل المثال .




يطالب أصحاب هذا الرأي مدير عام منظمة التجارة العالمية، باسكال لامي، بالتخلي عن قاعدة »الاتفاق على كل شيء أو لا شيء« والاستعاضة عنه بمجموعات تفاوضية صغيرة لا يخضع التقدم في موضوعاتها التفاوضية في إحداها لمدى التقدم المحرز في المجموعات التفاوضية الأخرى . على أن تكون مفتوحة لأي دولة عضو في المنظمة الانضمام لها أو الانسحاب منها، مع الإبقاء فقط على مبدأ الدولة الأولى بالرعاية، بحيث تحصل كافة الدول الأعضاء على معاملة الدولة الأولى بالرعاية في أي اتفاق تبرمه أي مجموعة تفاوضية صغيرة حتى ولو لم تنضم إلى الاتفاق . وعلى أن تركز »جولة الإنعاش الاقتصادي العالمي« على المنتجات الصناعية والخدمات بحجة أن المنتجات الصناعية تشكل 55% من إجمالي التجارة العالمية، والخدمات 20% . وبدعوى أن التجارة في المنتجات الزراعية لا تشكل سوى 7% من التجارة العالمية . 




فإن هؤلاء »الميركنتليون« الجدد يدفعون باستبعاد قطاع الزراعة من المفاوضات باعتباره سبباً في عدم تقدم مفاوضات جولة الدوحة .




ماذا يعني هذا . . إنه يعني انقلاباً على ما توافقت عليه أطراف التفاوض في الدوحة، وتحديداً الدول النامية والدول المتقدمة، على جعل الجولة التاسعة من مفاوضات تحرير التجارة العالمية جولة اتفاقاتها مكرسة لدعم التنمية في الدول النامية، وذلك تعويضاً عن الامتيازات التي خسرتها في جولة أوروغواي .




معناه أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي غير مستعدين لإبداء أي مرونة تجاه الدعم الذي يقدمانه لمزارعيهما ولمصنعيهما الذي يضعف قدرة مزارعي الدول النامية على تصريف منتجاتهم في السوقين الأمريكي والأوروبي، بما يخالف أهداف جولة الدوحة للتنمية . حيث يصر كل منهما على استمرار تقديم الدعم لقطاعيهما الزراعيين الذي يكلف الخزينة الأمريكية نحو ألف مليار دولار، ونفس الرقم تقريباً بالنسبة للاتحاد الأوروبي، مع أن إلغاء هذا الدعم يعني التخفف من عبء ثقيل في الموازنات الأوروبية والأمريكية الوطنية ومن عبء مديونياتها الضخمة .

اقرأ المزيد

رأيـك غصـباً عنـك


مساء الأحد السابع من أكتوبر الجاري، كنت في طريقي من السهلة متجها نحو السلمانية وتفاجأت بمجموعة من المحتجين تقطع الطريق أمامي بعد محطة الخميس للوقود  بقطع خشبية وإطارات وسرعان ما أضرموا النار فيها. حاولت الرجوع إلى الخلف لتفادي الإنتظار، ولكن لم يكن هناك من مفر بسبب السيارات التي كانت خلفي.

خلال دقائق وصلت سيارات الشغب من المسار الآخر من الطريق ونزل أفرادها حاملين أسلحتهم لملاحقة المحتجين والإنتقام. دقائق بعدها ووصلت سيارات أخرى في نفس مسارنا تلحقهم سيارة مدنية. وما أن توقفوا حتى ترجل من السيارة المدنية شاب يحمل كاميرا فيديو راكضا بأقصى سرعة حتى لا يفوّت توثيق الحدث.

وحتى هذه اللحظة، بدا كل شيء اعتياديا بالنسبة لي، إلى أن لاحظت المصور يتجه لإحدى السيارات ويتكلم مع سائقها وكامرته موجهة له، ثم السيارة التي بعدها وبعدها حتى وصل إليّ موجها كاميرته لي وطالبا مني إنزال نافذة السيارة. أنزلتها بوصتين وتحججت بأنها لا تعمل. فتح باب السيارة ودار بيننا الحوار التالي الذي انشره ببعض التصرف.

المصور: نريد تصوير لقاء معك حول هذا الارهاب.
– آسف لا أريد.

المصور: لماذا لا تريد؟

– وهل أنا مجبر على ذلك؟

المصور: نحن وزارة الداخلية….. !

– لا يعطيك ذلك الحق في إجباري على التصريح بأي شيء، غصب يعني؟

المصور: إيه، غصب لازم تقول رأيك.

– الرأي والغصب لا يجتمعان، آسف، لا أرغب بإجراء مقابلة.

المصور: يعني أنت تشجع الأعمال الارهابية.

– لا علاقة لهذا بذلك . على أية حال أنا اعلامي ولا تستطيع خداعي بالاسئلة الموَجِهة، ولا زلت أرفض تصويرك لي.

المصور: “جذي يعني” (تعني- هكذا إذاً بالعامية)؟

– “إي جذي”(نعم هكذا).

المصور: “خير انشاء الله (يقولها بنبرة تهديد)

أغلق الباب وذهب، دون أن أعره أي اهتمام ولمحته يجري اتصالا هاتفيا.

انتهى الموقف هنا، وأكتبه لا لألفت الانتباه الى هذه الظاهرة التي تعد متابعة لمحاكمات الإعلام التي أدانها تقرير بسيوني فحسب، بل هي فرصة لأبحث في حرية التعبير أيضا.

أعتقد أن ردي الموجز على المصور يعتبر كافيا ولكن هل يحق لموظف  في وزارة الداخلية ” كما قال فهو لم يبرز أي هوية ” أن يجبرني على التصريح برأيي، فضلا عن الطريقة التي يتكلم بها وهو يريد مني أن أدلي بالرأي الذي يريده ويود ان يوظفه من خلال البرامج الأمنية التي ينتجونها، والتي لا تعالج بقدر ما تعقد الوضع.

من خلال البحث في المواد القانونية المعنية بحرية التعبير وجدت المواد التالية:

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 19: “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.”

الميثاق العربي لحقوق الإنسان، المادة 32: “يضمن هذا الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية”

ميثاق العمل الوطني، الفصل الأول، المقومات الأساسية للمجتمع، رابعا: “لكل مواطن حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بأي طريقة أخرى من طرق التعبير عن الرأي أو الابداع الشخصي. وبمقتضى هذا المبدأ فإن حرية البحث العلمي وحرية النشر والصحافة والطباعة مكفولة في الحدود التي يبينها القانون.”

دستور 2002، المادة 23، “حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة والطائفية.”

لم أجد صراحة الكثير لأكتبه، فالمواد واضحة وضوح الشمس، ولن يستعصي فهمها إلا على من لا يفهم الحرية. فالحرية هي أن يقرر الإنسان بمحض إرادته ودون إكراه أو تأثير من أيٍ كان على قراره او اختياره. وحريتي تبدأ من حقي في تقرير اختياري سواء بإبداء رأي من عدمه فضلا عن حريتي في ما أقول.

إن قيام “مصور هذه الجهة” بإستخدام وضعه الوظيفي لإرهاب المواطنين وإرغامهم على التصريح له والتأثير عليهم لتغليب رأيه، لهو انعكاس مبسط للأساليب القمعية التي تتعامل بها هذه الأجهزة مع المواطنين والتي صرنا نلحظها في كل مفاصل الدولة من أدناها لأعلاها.

ختاما أقول، أن العقلية الأمنية لن تجدي نفعا ولن تهز شعبنا الثابت على مطالبه ولن تحول دون وصوله إليها عاجلا أم آجلا.

ملاحظة: لن أقاضي وزارة الداخلية اذا بثت التصوير كاملا دون تقطيع ومونتاج.
 

اقرأ المزيد

بعبع التهديد الخارجي

بنيت المجتمعات الخليجية على هيكلية فريدة يحكمها الولاء القبلي،
وفقاً لأعراف “شيوخنا أبخص” التي تجعل من شيخ القبيلة الآمر الناهي في
مجتمعه، وتجعل من أفراد المجتمع معتاشين وفق لأحكام المنة و العطية
والمكرمة.

حاولت حكومات الخليج عزل شعوبها عن كافة التطورات التي مر  بها العالم
مستغلة في ذلك عامل الصدفة الذي جعل من تلك الصحراء الجرداء صندوقاً لأغنى
كنوز العالم. إلا أن الهبة القومية التي قادها جمال عبدالناصر في خمسينيات
القرن الماضي، أسفرت عن أولى الاختبارات الحقيقية لمشروع حكم القبيلة، حيث
هزت انتفاضات شعبية متعددة في المنامة، وثورة ما يعرف بظفار وشبه الجزيرة
العربية التي اتخذت عمان منطلقاً لها، هزت قواعد هذا الحكم، لكنها لم تنجح
بالإطاحة به.

وكما سبق وذكرنا، لم يساهم عامل الصدفة التاريخية في خلق صراع طبقي
حقيقي يختبر متانة قواعد هذه الأنظمة، بسبب الطفرة النفطية التي ازدهرت في
السبعينات مما أعان الحكومات القبلية على التغلب على العقبات الاقتصادية
والاجتماعية التي كادت تواجهها.

ولما لاحت في الأفق ثورة ما يعرف “بالجمهورية الإسلامية الإيرانية”
 أشتد الاستقطاب المذهبي وبلغ ذروته، خصوصاً بعد أن كانت السعودية تستخدم
القوى الوهابية لخلق استقطاب مضاد.

وطيلة ثلاثة عقود أو أكثر تناما الاتجاه الأصولي الطائفي، مقابل تهالك
مشروع اليسار الأممي والقومية العربية وحركات التحرر العربي أجمالاً  وفقاً
لظروف دولية وإقليمية، ونتيجة لحملات قمع شرسة طالتهم من قمة هرمهم إلى
عمق قاعدتهم الشعبية.

كانت نتيجة تنامي الحركات الأصولية إسلام شكلي، لا يطال سوى القشور،
ومجتمعات ركيكة، خاوية من مضامين الحراك السياسي والنقابي، ووعي استهلاكي
لا يسعى لشيء سوى اللحاق بأحدث السلع والمنتجات التي يغويه بها السوق.

 لكن العولمة التي جاءت بثقافة السوق، أتت بسلاح مضاد هو الثورة
المعلوماتية التي ألغت كل الحواجز الجغرافية والزمنية، وحررت العالم من
سلطة الرقيب.

هذه الثورة المعلوماتية المتمثلة في الإعلام الالكتروني، وفي الطفرة
الفضائية شكلت وعياً جديداً لدى شريحة واسعة من الشعوب العربية. ولما أعلنت
شارة الاستحقاق التحرري من جديد بعد أن سقط البنعلي، كانت الشعوب العربية
تثور في الميادين تباعاً، مستلهمة تحررها من تجارب بعضها بعضا .

 قبل ذلك كانت البحرين تعيش استراحة قصيرة، أنتجها ميثاق العمل الوطني
الذي استفتى فيه الحكم شعبه عام 2001، معلناً قطيعة مع مرحلة دامت ثلاثة
عقود من قانون “أمن الدولة” لكن التمسك  بهذا الاستحقاق الإصلاحي ما لبث أن
تراجع إلى أدنى مستوياته بعد أن أثيرت في منتصف العقد الماضي ما عرف بـ”
فضيحة البندر” وهو تقرير مسرب يشير إلى أن بعض الأجهزة التنفيذية في الدولة
تعمل على بث مشروع طائفي بعد أن تمكنت “المعارضة الشيعية” من السيطرة على
الدولة.

بلغت النعرات الطائفية أعلى مستوياتها في المنطقة، خصوصاً بعد الاحتلال
الأمريكي للعراق وتوسع النفوذ الشيعي في دوائر الحكم العراقية. ولعل
الطريقة التي أعدم بها الرئيس السابق صدام حسين والتوقيت، شكلا عاملاً
مهماً في تصاعد هذه النعرة الطائفية، فصدام حسين الرئيس “السني” الذي اسقط
حكمه المحتل، اعدم شنقاً في صبيحة عيد الأضحى، على يد مجموعة من الملثمين
الذين هتفوا مقتدى مقتدى مقتدى – رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر – ولعل
الأسلوب والتوقيت وحدهما كفيلان بإثارة الشكوك، و إذكاء نظرية المؤامرة.

لم تكن البحرين بعيدة عن هذا السعار الطائفي فما حدث في العراق ألقى
بظلاله على البحرين، و إن كان “السلام السلبي” سائداً بين المكونات الشعبية
لكن ما في الصدور كان بركاناً ينذر بانفجار كبير.

اشتعلت شرارة الانتفاضة في البحرين إلكترونياً وسرعان ما دخلت حيز
التنفيذ شعبياً بعد ثورتي تونس ومصر، لأن الشباب البحريني الذي كان ينتظر
الأمل القادم بفجر جديد، بدء يفقد الثقة في مشروع السلطة الإصلاحي الذي لم
يستطع حل مشاكل البطالة وأزمة السكن، والغلاء المعيشي، بل والفساد الإداري
والمالي، والتمييز الطائفي في التوظيف، علاوة على المطالب السياسية الأكبر
والأعمق كتلك المتعلقة بالتعديلات الدستورية التي تحصر التشريع في الغرفة
المنتخبة، وتعديل الدوائر الانتخابية لتتناسب مع حجم التوزيع السكاني بدلا
من التوزيع الجغرافي، كما مطلب الحكومة المنتخبة.

لكن تلك الانتفاضة أريد لها أن تسقط لأن البحرين في خاصرة المملكة
العربية السعودية التي وحدت أطرافها المتنامية بحد السيف قبل 80 عاماً من
اندلاع انتفاضة 14 فبراير في البحرين، ولأن سقوط النظام البحريني أو أحداث
إصلاح جذري في تركيبته، قد يحدث تتابعاً تسلسلي من المحتمل أن يغير شكل
المنطقة.

العنصر الديموغرافي في البحرين هو الحلقة الأضعف، “أكثرية شيعية ونظام
حاكم سني” يجسدان لب الصراع في المنطقة المتمثل في المحور الإيراني مقابل
المحور الخليجي. ولأن النظام يدرك تمام أن البحرين مهيأة لهكذا تجييش سخر
إعلامه بشكل دعائية أثار هواجس وجودية لدى الطائفة السنية، حيث تناول
الإعلام الرسمي ما يحدث في الشارع على أنه مخطط إيراني لقلب نظام الحكم.

تزامن ذلك مع حوادث “ممنهجة” لهتك السلم الأهلي، حادثة مشاجرة بين أطفال
في مدينة حمد، تتحول إلى عراك طائفي بالسلاح الأبيض، وتستمر الدعاية هنا
وهناك حتى تتلاحق الأحداث بشكل متسارع لم يمكن المعارضة من إعادة تموضعها.

وكان الانفجار الأكبر بعد دخول “قوات درع الجزيرة” المدججة بسلاحها وعتادها لتنهي اللعبة، وتعطي الضوء الأخضر لمرحلة دامية من القمع.

سرعان ما تمكنت حكومات الخليج من ركب موجة الثورات وتجييرها لتعزيز
هيمنتها على الحكم، عبر افتعال أن ما يجري هو مؤامرة دولية تهدف إلى تفتيت
الخليج على أساس دويلات  طائفية، وجير الجمهور ليصدق أن الإدارة الأمريكية –
الحليف التاريخي لحكومات الخليج – هي ما يدير هذه اللعبة.

المتتبع للشأن الخليجي يدرك أن هناك تراجعاً كبيراً على مستوى المكتسبات
السياسية، وعلى مستوى سقف الحريات العامة إجمالاً، ففي البحرين أغلق
النظام باب الحوار مع المعارضة، واختار الحل الأمني، عبر سجن المحتجين في
الشوارع، وحل بعض الجمعيات السياسية، وقبلها إغلاق النشرات الحزبية لجمعيات
السياسية، فيما يستمر الإعلام الرسمي بتصوير المعارضين بالخونة والعملاء
لإيران وللمؤامرة الغربية، وفي الكويت يدور صراع سياسي كبير يبدو انه وصل
إلى لحظته التاريخية، حيث يحاول النظام جاهداً لتغيير قواعد اللعبة
السياسية التي تعطي البرلمان الكويتي صلاحيات متينة، تتعارض مع نهج
المشيخة”، وفي الإمارات وعمان وقطر والسعودية تسجن النخبة التنويرية بناء
على آرائها الفكرية والسياسية، وفق حججاً مختلفة لعل أكثرها إلتصاقاً
بموضوعنا ما ساقه مدير شرطة دبي ضاحي خلفان من روايات حول خطر حركة الإخوان
المسلمين على الخليج، مصوراً كل ما يجري في الإمارات من حراك يهدف إلى رفع
سقف حرية الرأي والتعبير والمشاركة الشعبية، على انه مؤامرة أمريكية
لتغيير المنطقة تدار بسواعد إخوانية.

وبالرغم من أن المحصلة الإجمالية للربيع الخليجي تساوي مزيداً من القمع،
إلا أن هناك عاملاً فاصلاً لا تملك الأنظمة القدرة على تغييره، وهو أن
جزءاً كبيراً من شعوب هذه المنطقة صار غير قابل للإخضاع بعد أحداث الربيع
العربي.

اقرأ المزيد

ذكرى الهيئة مرت في صمت



وسط
صمت غريب مرت في الثالث عشر من هذا الشهر الذكرى الثامنة والخمسون لانعقاد
الاجتماع التأسيسي لهيئة الاتحاد الوطني. ما من جمعية سياسية تذكرتها
وأقامت حولها ندوة لاستذكار المناسبة واستعادة دروسها، الكتاب والإعلاميون
جميعاً غفلوا عنها، ولم تخطر في ذهن أحد منا. صحافي وحيد، هو الشاب راشد
الغايب كان الاستثناء، في مقالٍ له نشر منذ يومين أو ثلاثة. ونحن له ممتنون
لأنه تذكر هذه المناسبة الوطنية المهمة، وممتنون له أيضاً بالنقد لتجاهل
دعاة الوحدة والتوافق في هذه الأيام إحياء ذكرى “هذه الحركة الخمسينية
الذهبية” التي نجحت فيما فشل الآخرون فيه، والتي وصفها عن حق “بالحركة
الوطنية العابرة للطوائف، التي مثلت درسا للوحدة الوطنية بعد فتنة كادت
تحرق الأخضر واليابس”. وحسناً فعل راشد أيضاً حين أعاد تذكير الجميع بأن “سيرة الهيئة تغيب في المناهج الدراسية وذاكرة الدولة الرسمية، ولا تحضر في أجندة المشتغلين في السياسة والمجتمع”. 


في بيان أصدره المنبر التقدمي في الخامس عشر من فبراير 2011، في اليوم التالي لبدء أحداث ذلك العام رأى فيه: “
أن الظروف التي تجتازها بلادنا في هذه الفترة الدقيقة تتطلب تداعي القوى
والفعاليات السياسية والاجتماعية في البلاد، ومن الطائفتين الكريمتين
السنية والشيعية، لتشكيل هيئة وطنية على غرار هيئة الاتحاد الوطني في
الخمسينات الماضية، تتبنى حقوق الشعب ومطالبه في الإصلاح الدستوري والسياسي
والاقتصادي، بما يحفظ نسيج الشعب ويحمي الوحدة الوطنية”. 


للأسف الشديد ضاعت هذه الدعوة وسط صخب الأحداث حينها، واندفعت الأمور في الاتجاه  المعاكس
تماماً، وحدث ما حدث من تصدع في الوحدة الوطنية، ما زال مستمراً حتى
اللحظة، وما زالت الجهود المبذولة لوقف هذا التصدع ضعيفة وضائعة وسط هذا
الجو المشحون، لكن هذا لن يُغير من حقيقة أن لا مستقبل لهذا الوطن ولا للحل
السياسي فيه خارج الوحدة الوطنية وتوافق كافة الشركاء فيه على كلمة سواء،
توقف النزيف والخسائر وتفتح طريقاً للتسوية. 


تستوقفنا
عبارة بليغة للروائي عبدالرحمن منيف فحواها “أن كل التاريخ هو تاريخ
معاصر، لأننا ننظر إلى التاريخ من منظور الحاضر لا الماضي”، لأن في العودة لتجاربنا التاريخية، ما يعين على فهم تعقيدات الحاضر، عبر رؤية جدلية لماضينا وتاريخنا، لكن كثيرا ما يغلب الشعار على التحليل، والخطابة على البحث المعمق، فنظل والحال كذلك نراوح في الدائرة نفسها، ونقع في الأخطاء ذاتها التي وقعت في الماضي، وهو أمر يتكرر حتى اللحظة. 
  
الدرس الأساسي المستقى من تجربة حركة هيئة الاتحاد الوطني هو انه لتحقيق أي مطلب  يتعين إدراك أن المواطنة لا تعني الانتماء إلى عشيرة أو فئة أو طائفة أو مذهب، لقد رحل أولئك  الذين قد بدأوا مسيرة المطالب الإصلاحية ، ولكن بقيت لنا الفكرة التي زرعوا بذرتها، ونحن مطالبون بتطويعها في وضعنا الحالي، ونحن نتعاطى مع واقعٍ شديد التعقيد بصورةٍ غير مسبوقة، لن يكون فيه أي منتصر، إن لم ينتصر الوطن كله.


اقرأ المزيد

أجل لدينا فساد… لكن لا يوجد فاسدون! – عيسى سيّار

أكدت تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية العتيدة وعلى مدار السنوات
الثماني الماضية، أن حجم الفساد في مملكة البحرين بلغ مبلغه إلى الحد الذي
بات فيه سافراً بحيث أصبح لا يزكم الأنوف فحسب بل يصيبك بالغثيان أو ربما
بالسكتة والعياذ بالله! فقد ارتكب مسئولون المخالفات والتجاوزات الإدارية
والمالية جهاراً نهاراً، أي عيني عينك، من خلال هدر المال العام أو
الاستيلاء عليه من غير وجه حق أو توظيف أو ترقية من لا يستحق أو توظيف
الشخص غير المناسب أو «تطفيش» أو إزاحة المسئولين والموظفين الشرفاء الذين
قاوموا الفساد ومغرياته، لأنهم قرّروا الانتصار لوطنهم ومبادئهم.

كل
ذلك يتم وبعد مرور عقد من الزمان على المشروع الإصلاحي، وفي ظل برلمان طُعن
في رجولته ووزراء فوق المحاسبة التشريعية والقانونية، ومع عدم تحريك دعوى
قضائية من الجهات المختصة ضد أي مسئول، على رغم الصيد الدسم الذي يقدّمه
سنويّاً ديوان الرقابة المالية على طبق من الألماس!

وهذه الأدلة
القاطعة والبراهين الساطعة؛ لم تنشرها تقارير منظمات الأمم المتحدة
المنحازة إلى المعارضة! ولا دول معادية للبحرين تضمر لها الشر! وإنما ديوان
الرقابة المستقل التابع إلى الجهات الرسمية، وكنا نتمنى من ديوان الرقابة
أن يبرز في تقاريره مسائل مهمة؛ مثل: حجم الفاقد من المال العام المهدر على
تنفيذ مشاريع البنية التحتية والمعيشية والحيوية من حيث الكم والنوع،
وبالتالي على حياة المواطن وتأثير حجم الفاقد (المهدر) على النمو الاقتصادي
السنوي وانعكاسات حجم الفاقد على الاقتصاد الوطني.

إذن إذا كان
لدينا فساد بهذا الحجم؛ بحسب ما أظهرته تقارير ديوان الرقابة العتيدة
وتقارير لجان التحقيق البرلمانية كثيرة العدد قليلة الفائدة؛ فأين
الفاسدون؟ هل هم يعيشون على كوكب آخر؟ بالله عليكم أفيدونا يا أولي
الألباب؟.

وحتى تاريخه وكما يعلم الجميع؛ فإنه لم يتم تحريك أية دعوى
قضائية واحدة ضد أي مسئول ارتكب مخالفات مالية أو إدارية، وهذا أمر غريب
ومريب ونحن نعيش في دولة القانون والمؤسسات. والمواطن يتساءل بحرقة وفي فمه
ماء: أين الدستور والقوانين والجهات الرسمية من هذا الفساد الذي أهلك
البلاد والعباد، ولسان حاله يقول الشكوى في هذا البلد لغير الله مذلة؟ وقبل
الإجابة على هذا السؤال المشروع الذي يتصدر ألسنة المواطنين ويتداولونه
يوميّاً بشكل عام وبعد صدور تقرير الديوان بشكل خاص؛ نود أن نستعرض بعض
حالات الفساد الإداري والمالي؛ بعضها قضايا رأي عام، والآخر وصلتني من
مواطنين تضرّروا من هذا الفساد العام.

أولاً – إحدى المواطنات كانت
تعمل رئيسة قسم الشئون المالية في وزارة خدمية، وهي من الكفاءات المشهود
لها علماً وخبرةً في المجال المالي والقانوني، حُوّل إليها موظفٌ من وزارة
خدمية أخرى وقامت هذه المواطنة بتدريبه، وبعد أن انتهت من تدريبه قامت
بتحديد مهامه في القيام بحسابات المشاريع، إلا أنه رفض القيام بها واكتفى
بالقيام بالحسابات البسيطة. هذا الموظف صرف عليه لتدريبه ما يقارب 27 ألف
دينار ولم يفلح في دراسته، وعندما رفعت تقارير عن أدائه السلبي وإهماله في
العمل وجاهرت بشكواها، قيل لها ان هذا الموظف تربطه علاقة رضاعة مع عائلة
المدير! ولما استمرت في الشكوى من أدائه شكلت لجنة تحقيق داخلية للتحقيق
معها لم يكن ديوان الخدمة المدنية ممثلاً فيها، وتمت محاصرتها و»تطفيشها»
وتهميشها إلا أنها قدمت استقالتها من الوزارة والتحقت بوزارة أخرى. ولم
يكتفِ مسئولو الوزارة التي كانت تعمل فيها بذلك؛ بل أرسلوا كتاباً إلى
الوزارة التي بدأت العمل فيها مصدقاً من ديوان الخدمة المدنية على أن هذه
الموظفة صدرت بحقها عقوبة إيقاف عن العمل لمدة عشرة وخصم من الراتب تم
التوقيع عليها من قبل الوكيل في شهر أغسطس/آب 2011، وقمة الفساد الإداري
هنا: إن هذا الوكيل صدّق على كتاب الإيقاف قبل صدور قرار تعيينه في منصبه
في أكتوبر/ تشرين الأول 2011! ونترك الأمر لأولي الأمر.

ثانياً –
إحدى السكرتيرات لأحد المديرين في إحدى الوزارات الخدمية؛ انتقلت مع مديرها
إلى وزارة خدمية، وبقدرة قادرٍ تم تعيينها رئيسة قسم على رغم اعتراض
ديوان الخدمة المدنية على تعيينها بسبب عدم حصولها على المؤهل الجامعي
(تحمل الشهادة الثانوية فقط) الذي يؤهلها لكي ترأس القسم، إلا أن ديوان
الخدمة المدنية تراجع عن اعتراضه وبلع لسانه بسبب ضغوط مسئولي الوزارة.

ثالثاً
– قضية فساد ألبا – الكوا التي تورّط فيها مسئولون كبار، رفعت فيها
قضيتان، واحدة في القضاء الأميركي والأخرى في القضاء البريطاني، وقد
طالعتنا الصحف المحلية مؤخراً بأن شركة الكوا وافقت على تسوية الأمر مع
حكومة البحرين من خلال دفع تعويض قدره 82 مليون دولار أميركي، ويقال إن حجم
الرشا والفساد في هذه القضية يصل إلى مليار دولار أميركي، وعلى رغم كل
هذا؛ فإن حكومة البحرين فضلت الصمت على قاعدة «إذا كان الكلام من فضة
فالسكوت من ذهب». وحتى تاريخه لم تتم إحالة أي مسئول بحريني إلى القضاء،
وكأن لسان حال الحكومة يقول: أجل لدينا فساد لكن ليس لدينا مسئولون فاسدون.

رابعاً
– قضية فساد مستشفى الملك حمد الجامعي حيث كانت كلفة المشروع حوالي 18
مليون دينار بحريني، ووصلت بقدرة قادر إلى 120 مليون دينار، والتي على
خلفيتها تم إعفاء وزير الأشغال السابق من منصبه في إجراء لايزال يلفه
الغموض. وكالعادة تناولت الصحف القضية كل بحسب مصالحه، وثارت حمية نواب
الزوابع وشكلوا لجنتهم العتيدة، وذهبت فزعتهم وتقرير لجنتهم – وكالعادة –
أدراج الرياح، حالها حال لجنة حصر الأراضي وطيرن الخليج…الخ، ولكن ما
مصير هذه القضية؟ ومن المتورط فيها؟ وأين نتائج تقرير اللجنة البرلمانية
في هذه القضية؟ ولماذا لم تحرك دعاوى قضائية حتى الآن؟ كل ذلك نتركه لأولي
الأمر.

خامساً – الاستيلاء على أكثر من ستين كيلومتراً مربعاً من
مخزون الأراضي من غير وجه حق، وهذا الفعل يتساوى في درجة الجرم مع
الاستيلاء على المال العام، فأراضي الدولة هي ملكٌ للشعب البحريني، وتوزيع
أكثر من ستين كيلومتراً مربعاً على عددٍ من المتنفذين بعدد أصابع اليد؛
أمرٌ خطيرٌ جدّاً، ويتناقض تماماً مع أبسط مبادئ الإصلاح. والتساؤل
المشروع: كيف تم توزيع تلك المساحة الكبيرة جدّاً من الأراضي والتي تقدّر
بمليارات الدنانير في ظل دولة القانون والمؤسسات؟ وما هو مصير تلك الأراضي
بعد أن شكلت الحكومة لجنة وزارية رفيعة المستوى للتحقيق في هذا الاستيلاء
الجائر والفاضح على الأراضي العامة؟ وهل أصبح هذا الملف نسياً منسيّاً،
حاله حال ملفات الفساد الأخرى؟ نترك الأمر لأولي الأمر.

إن ما ذكرناه
من قضايا فساد هو غيض من فيض، فقد نحتاج إلى مجلدات لكي تسع قضايا الفساد
في البحرين، ويكفي القول إن البحرين تسجل سنوياً التراجع تلو التراجع على
مقياس منظمة الشفافية العالمية، والذي يتكون من عشر نقاط بالنسبة إلى الدول
الأقل فساداً والدول الأكثر فساداً، وتحتل البحرين مرتبة أقل من المنتصف.
لقد وقّعت البحرين على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد العام 2010
وأنشأت إدارة لمكافحة الفساد بوزارة الداخلية، وهذا أمر محمود، لكننا
لانزال نسمع فقط جعجعة مكنة الطحان بالنسبة إلى جهود مكافحة الفساد ولا نرى
طحيناً… فمن يرفع الشراع؟

عيسى سيار
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي

تعتبر مؤسسات الاتحاد الأوروبي، نموذجاً للتكتلات الاقتصادية والسياسية
في العالم رغم الاختلافات اللغوية والثقافية، إلا أن هذا الكيان استطاع أن
يقدم مثالاً متميزاً لمفهوم الوحدة من خلال ترجمته عبر مؤسسات حقيقية تعمل
لصالح المجتمعات الأوروبية.

وبحسب موقع الاتحاد الإلكتروني فإن البيت
الأوروبي المشترك يقوم اليوم على أسس متينة؛ فالبرلمان المنتخب بالاقتراع
العام، يضمن شرعية ديمقراطية للنظام المؤسسي للاتحاد، و»اليورو» حلّ محل
العملات الوطنية في 12 من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الحالي، وحرية
حركة الأشخاص باتت الآن حقيقة واقعة وراسخة. كما أن سياسات مشتركة ومنسقة
غدت تتبع في مجالات استراتيجية عديدة، مثل السياسة الخارجية والدفاع
والقدرة على المنافسة والأمن والبيئة والزراعة والتماسك الاقتصادي
والاجتماعي.

وإلى النواة الأولى للدول الست المؤسسة (فرنسا وألمانيا
وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ) انضمت على مراحل متعاقبة 21 دولة
أخرى، ليصل بهذا عدد الدول الأعضاء في الاتحاد إلى سبع وعشرين دولة.

فالدنمارك
وايرلندا والمملكة المتحدة، انضمت إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية في
أول يناير/كانون الثاني 1973، ثم انضمت اليونان في العام 1981، ثم إسبانيا
والبرتغال في العام 1986، وبعدها السويد وفنلندا والنمسا في العام 1995.
وبعد نمو تدريجي من 6 إلى 15 عضواً، قام الاتحاد الأوروبي في 1 مايو/أيار
2004 بأكبر توسع في تاريخه، من حيث حجم التوسع وتنوعه، حيث انضمت للاتحاد
عشر دول جديدة هي: قبرص وأستونيا ولاتفيا وليتوانيا ومالطة وبولندا
والجمهورية التشيكية وسلوفاكيا وسلوفينيا والمجر (هنغاريا). ثم أضيفت إلى
البلدان السابقة بلغاريا ورومانيا، حيث غدت الدولتان عضوتين في الاتحاد
الأوروبي في 1 يناير/كانون الثاني 2007.

وعندما يأتي الحديث عن
البرلمان الأوروبي تحديداً، والمنتخب لمدة خمس سنوات من قبل مواطني البلاد
الأعضاء من خلال مشاركة شعوب الاتحاد الأوروبي في عملية اتخاذ القرار، إذ
إنه مع المجلس الأوروبي، يباشر الوظيفة التشريعية للاتحاد في العديد من
القطاعات، كما يقوم بالاعتماد النهائي للميزانية. ويشارك البرلمان الأوروبي
في إجراءات تعيين أعضاء المفوضية الأوروبية التي تتشكل لمدة خمس سنوات من
27 شخصية مقترحة من قِبل الدول الأعضاء التي تعمل باستقلال تام عن السلطات
الوطنية، وتتحمل المفوضية مسئولية الدفاع عن المصالح العامة للاتحاد
الأوروبي.

كل ما جاء ذكره يشير إلى أن التكتل الأوروبي يعمل في إطار
التكامل والتفاهم الذي يتناسب مع طموحات الأوروبيين وليس تحت إطار التنافس
والخلاف، بمعنى آخر، استطاعت دول الاتحاد أن تخلق أطراً للتعاون وآليات
فاعلة يستفيد منها مواطنو الدول الأوروبية وحكوماتها بصورة حضارية راقية،
بحيث تجد أن حرية انتقال الناس والبضائع ورؤوس الأموال متاحة وكأن جميع
الدول الأوروبية بلدٌ واحد.

صحيح، تحدث خلافات بين دول الاتحاد،
ولكنها تعالج ضمن الأطر المتفق عليها، ومع دخول الاتحاد الأوروبي ودول
العالم في كساد نشهده حالياً، فمن المتوقع أن يحدث خلاف بين الدول حول
الحصص لكل واحدة منها.

ونحن في دول الخليج نجد أن التنافس هو أساس
العلاقة، بينما المفترض أن يكون التعاون الذي يتضمنه اسم مجلس التعاون
الخليجي، هو الأساس، ويعلم الجميع أن الأمور لا يمكن تبسيطها بحيث يفسح
المجال لحدوث أي شيء، فهناك حالياً تنافس في شتى المجالات، وهذا التنافس
ليس سيئاً عندما يكون ضمن استراتيجية موحدة ضمن مجلس التعاون الخليجي.

في
الحقيقة، إن الخليجيين العاديين لايزالون بعيدين عن دوائر القرار فيما
يتعلق بمجلس التعاون، فبينما تتكون مؤسسات الاتحاد الأوروبي من آليات
فاعلة، فإن لديهم أيضاً البرلمان الأوروبي الذي يصل بآراء الأوروبيين
مباشرةً إلى صانعي القرار. أما في مجلس التعاون الخليجي فإن أكثر ما يمكن
الوصول إليه هو هيئة استشارية معينة من دول مجلس التعاون، وهي هيئة ضعيفة
ليس لها أثر، ولا تجتمع كثيراً، وإذا اجتمعت لا أحد يعلم بها وبما يدور بين
أعضائها، ولن يخيب ظني لو قلت: إنهم لا يناقشون أياً من القضايا التي
تهمنا كمواطنين خليجيين.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

البيوت الآيلة للسقوط في اليوم العالمي للقضاء على الفقر

أعلنت الأمم المتحدة في 1993 يوماً عالميّاً للقضاء على الفقر، وهو
يصادف اليوم، كما التزم قادة العالم في مؤتمر قمة الألفية في العام 2000
بتقليل عدد السكان الذين يعيشون في فقر مدقع إلى النصف، وعرّفت الأمم
المتحدة الفقر المدقع بحصول الفرد على دخل أقل من 1.25 دولار في اليوم. وفي
البحرين ليس لدينا فقر مدقع بحسب هذا التعريف، ولكن لدينا انخفاض في مستوى
المعيشة، ولدينا «فقر نسبي».

وهناك مظاهر عديدة للفقر النسبي في
البحرين، مثل «البيوت الآيلة للسقوط»، وهي مشكلة قائمة ولم يتم حلها رغم كل
التصريحات والجهود في هذا المجال. وبداية كانت مسئولية إعادة بناء البيوت
المتهالكة للعوائل الفقيرة بيد وزارة الإسكان، ومن ثم تم تحويلها إلى
البلديات، ثم إلى المؤسسة الملكية، ثم إلى البلديات، ومن ثم عادت إلى وزارة
الإسكان.

خلال السنوات الطويلة منذ الإعلان عن مشروع إعادة بناء هذه
البيوت، فإن العدد الذي أنجز أقل من النصف بكثير (أقل من 2000 منزل)،
وهناك حالياً – بحسب البلديين – أكثر من 3000 منزل آيل للسقوط. والمشكلة أن
وزارة الإسكان ليست لديها موازنة لإعادة بناء هذه البيوت، ويكلف كل واحد
منها نحو 42 ألف دينار، وأن الخيار المطروح للعوائل الفقيرة هو الحصول على
قروض.

لكن هذه العوائل الفقيرة لا تستطيع دفع مستحقات هذه القروض
فيما لو حصلت عليها، وكثير من هذه العوائل هم من الأيتام وكبار السن
والأرامل، والبعض الآخر من المعوقين ومحدودي الدخل (دخلهم يتراوح بين 200
و300 دينار شهريّاً)، وهؤلاء لا يملكون إلا قوت يومهم، وبعضهم يعيش على
المساعدات أصلاً ولا تنطبق عليهم شروط وزارة الإسكان، فضلاً عن عدم مقدرتهم
دفع أية أقساط.

مظاهر الفقر تعتبر «فضيحة»، ولاسيما عندما ترى مشكلة
مثل «البيوت الآيلة للسقوط» يتم تقاذفها بين الوزارات لتنتهي إلى الوضع
الذي نراه. ولعلنا بحاجة – بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر – إلى
أن نراجع كيف فقدنا الحماس في القضاء على واحدة من ظواهر الفقر المحبطة.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد