المنشور

المعارضة ليست من خلق الفتنة الطائفية

ما يمكن التأكيد عليه وتدعمه جميع الشواهد والأحداث هو أن قوى المعارضة
لم تختلق الصراع الطائفي أو تسعى إليه في أي مرحلة، مثلما هي لم تسعَ إلى
العنف أو تدعو إليه، وإنما هي تهمة جرت إليها غصباً وأُلصقت بها عمداً.

أول
الشواهد هو النسيج المتشابك لقوى المعارضة، من خلال تحالف جميع الجمعيات
السياسية ذات التاريخ المعارض، هذه الجمعيات مختلفة في توجهاتها الفكرية
فمنها الدينية والعلمانية، والقومية والبعثية، وبذلك لا يمكن أن تتهم
بالطائفية، حيث إن أعضاءها من مختلف الطوائف.

الأمر الآخر، هو أن
المعارضة لم تطرح يوماً مطالب ذات صبغةٍ طائفيةٍ، أو تخص طائفةً دون أخرى،
مهما علا الضجيج ومحاولات التشويش، وإنما طرحت مطالب وطنية تشمل جميع أبناء
البحرين، حتى وإن أراد البعض ليّ عنق الحقيقة وفسّر المطالب عن طريق قراءة
النوايا وبشكل مشوّه.

المعارضة وطوال الفترة الماضية، لم تعتدِ لا
بالقول ولا الفعل على أي من أبناء الوطن، بعكس الفئات التي كانت ولاتزال
تؤجّج جمر الطائفية، هذه الفئات هي من اعتدت على المحلات التجارية وكسّرتها
ونهبت وسرقت ما شاءت من هذه المحلات، لمجرد أنها ملكٌ لأشخاص من طائفة
معينة.

محاولة البعض انتهاز الفرصة للتضييق على ممارسة الشعائر
الدينية، ومنعها من بعض الأماكن الحيوية أو المناطق المختلطة بحجة «احترام
حقوق المواطنة، وشلّ الحركة العامة والحياة الطبيعية»، واستثارة الدولة لكي
تقف ضد مكوّن أساسي من مكونات المجتمع البحريني، إنما ينبئ عن نفوس جبانة،
تستغل الظرف الراهن، لتفرض أجندتها على الوطن، من خلال الاستقواء بالأجهزة
الأمنية، لفرض واقع جديد، تكون فيه الغلبة لها، دون أن تقدّم ما يؤهلها
لذلك.

إن أرادت هذه القوى الانتهازية أن تؤسّس لواقع جديد تحظى فيه
بامتيازات خاصة لنشر أفكارها وتوجهاتها و «قراءتها هي للتاريخ»، فعليها قبل
كل شيء أن تقوم بذلك من خلال قواها الخاصة وكوادرها، وليس من خلال تأليب
الحكومة على الناس، وحثّها على استخدام القوة في مواجهة مراسم دينية تُمارس
منذ قرون.

وسواءً اتفقت هذه القوى الانتهازية مع الشعائر الدينية أو
اختلفت معها، وسواءً أرادت هذه القوى أن تطرح قراءة صحيحة للتاريخ (هذه
القوى اتهمت طائفة كاملة بأن لديها قراءة خاطئة للتاريخ وتفسير خرافي
للأحداث) أو أرادت نشر أفكارها، فإن كل ذلك لا يفرض بالقوة، و «بحق الشرطة
في تفريق كل احتشاد أو تجمهر»، وإنما بالفكر والإقناع والتسامح والتواصل
بين المذاهب لا بمحاربتها واستعدائها.

يبقى أننا نتفق في شيء واحد مع
ما طرحته هذه القوى وهو ضرورة احترام ثوابت الأمة الإسلامية وعدم التعدي
بالطعن أو سب الصحابة وأمهات المؤمنين، وتحميلهم مسئولية مقتل الإمام
الحسين، ولكن هل يشمل ذلك أيضاً من قام بقتل الإمام الحسين وسبى نساءه من
آل بيت الرسول؟

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

عندما تكون القراءات والقرارات خاطئة!

عند التوقف أمام حالة التصعيد الأمني والسياسي التي تتصدر المشهد
السياسي الراهن، ستلحظ حالة عامة من الترقب والحذر والخوف من انزلاق البلد
نحو المجهول، في ظل انسداد أفق الحلول السياسية، واتساع رقعة الخلافات وحدة
الاستقطاب السياسي والطائفي، وغياب أي مؤشر حقيقي على جدية الدولة في
اتخاذ خطوات سياسية يمكن أن تساعد على اختراق الجدار المسدود للأزمة
الراهنة.

وسوف لن يصعب على أي مراقب أو متابع معرفة أسباب هذه الحالة
المشوشة والمضطربة سياسيّاً واجتماعيّاً وأمنيّاً، والتي يمكن إجمالها في
ثلاثة أسباب رئيسية، أولها تعود إلى مفهوم أو على الأصح فهم الدولة لمسألة
الحريات والديمقراطية وسلطة القانون، التي يكثر الحديث عنها نظريّاً، مع
تغليب الخيار الأمني على أرض الواقع. لذلك يبقى التأزيم سيد الموقف حيث
تتوالى قرارات المنع وتتصاعد الإجراءات التي تحدُّ من حرية وحركة الناس،
وتتعارض مع القانون وتنال من «جوهر الحق والحرية» التي يؤكدها الدستور،
وليس منع المسيرات والتجمعات السلمية، وإسقاط الجنسية عن بعض المواطنين
واستمرار ملاحقة النشطاء السياسيين والحقوقيين، ومؤخراً استدعاء عدد من
خطباء الحسينيات ورواديد المواكب الحسينية، وما تعاني منه بعض القرى من
تطويق ومداهمات لمنازلها واعتقال بعض شبابها.

كل هذه الإجراءات
وغيرها تؤكد الطبيعة الأمنية التي تطبع بها الواقع السياسي والاجتماعي،
والتي تزيد من حالة الاحتقان السياسي والطائفي.

أما ثاني الأسباب فهو
طريقة التعاطي الرسمي مع مجمل القضايا والملفات التي شكلت أبرز عناوين
الأزمة الراهنة، وأمامنا أمثلة عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، ملف
المعتقلين السياسيين والمفصولين، بالإضافة إلى الانتقائية التي تعاملت بها
الدولة مع توصيات لجنة تقصي الحقائق، وما صدر عن مؤتمر جنيف لحقوق الإنسان.
وقبل هذا وذاك طريقة معالجتها للملفات السياسية والدستورية والحقوقية التي
أدت في نهاية المطاف إلى تفجر الأزمة وتفاقمها، حتى وصلنا إلى الحالة
المزرية التي نحن فيها اليوم.

وثالث الأسباب يتعلق بطبيعة الخطاب
السياسي والإعلامي للدولة، وهو الخطاب الذي يتصف في عموميته بالغموض
والمراوغة، وحمل الشيء ونقيضه في الوقت ذاته. وينطبق هذا الوضع بشكل تام
على موقف الدولة من مسألة الحوار التي يكثر الحديث عنها سياسيّاً
وإعلاميّاً، دون أن نلمس على أرض الواقع ما يؤكّد جدية هذا التوجه.

وما
يضاعف من حالة القلق التي تطبّع الوضع السياسي الراهن، هو الدور الذي
يلعبه «إعلام الفتنة»، والازدواجية المقيتة التي يتصف بها في تعامله مع
الأزمة وتداعياتها السياسية والاجتماعية. فهو إلى جانب امتهانه أسلوب
التحريض ونشر الكراهية؛ فإنه يستبطن انتهازيةً سمجةً ومثيرةً للغثيان، بسبب
ما تحمله من مخاطر جدية وحقيقية على وحدة المجتمع البحريني، الذي بات
منقسماً على نفسه بفعل الدور السيء الذي يمارسه هذا الإعلام. ولعل أسوأ
نموذج أو مثال يساق في هذا الصدد، تلك التخرصات والأراجيف التي تطفح بها
بعض الكتابات، والتي تقارب حد الهوس والجنون في مقاربتها وقراءتها للأحداث
والتطورات في البلاد.

ولنا أن نتصور كيف يمكن للشطط أن يذهب بعيداً
عندما يتم استحضار «المعارك التأريخية» و»الفتوحات» في سياق ما حدث في قرية
العكر قبل أسابيع، والنظر إلى ما تعرّضت له هذه القرية الصغيرة من حصارٍ
باعتباره «فتحاً جديداً»، ما استوجب إطالة أمد حصارها حتى تستسلم ويحين
أوان «فتحها» لتخليصها من «الإرهاب والإرهابيين».

هذا الخطاب غير
المسئول يمثل في الحقيقة استمراراً للخطاب نفسه الغارق في الأوهام
والخيالات، الذي رأيناه منذ اليوم الأول للحراك الشعبي السلمي، وجرى ربطه
بالخارج، ووصف المشاركين فيه بالعملاء والمأجورين، ووضع الغالبية الشعبية
المطالبة بالإصلاح والتغيير في خانة الخيانة والعمالة.

ومقابل هذه
الصورة السوداوية؛ يجري الحديث من حين إلى آخر، عن «فرضية» متفائلة، أو
هكذا يُراد لها أن تكون، وفحوى هذه الفرضية تقول: إنه على رغم المواجهات
الساخنة، والتهديدات المتصاعدة؛ فإن هناك محاولات تجري خلف الستار وعلى
مستويات مختلفة، ومسارات متعددة، من أجل استكشاف بعض الأفكار والتصورات لدى
القوى السياسية المختلفة، التي يمكن من خلالها صياغة مشروع سياسي، أو رؤية
متوافق عليها، تستوعب كل وجهات النظر والرؤى، بما يمهد الطريق لحل سياسي
يخرج البلاد من المأزق السياسي والأمني الراهن.

إن مثل هذه الفرضية
ليست بدعة أو مستحيلة في الأعراف السياسية ودهاليزها، حتى وإن بدت صعبةً في
بعض الظروف، كما هو الحال في الظرف الذي يجتازه بلدنا، حيث تتمترس كل
الأطراف خلف مواقفها المعروفة والمعلنة.

لذلك، نحن لا نملك تأكيد أو
نفي صحة مثل هذا السيناريو/ الفرضية، ولكن الذي نستطيع تأكيده وبدرجةٍ
عاليةٍ من اليقين، أن الدولة هي الطرفُ المعني والمطالَبُ أكثر من غيره،
بتهيئة الأجواء والظروف لجعل مثل هذا الطريق سالكاً، مهما كثرت فيه المطبات
والتعرجات، وهذه نقطة جوهرية سنحاول التطرق إلى بعض تفاصيلها في المقالة
المقبلة بإذن الله.

محمود القصاب
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

الموضوع ليس الاقتصاد… إنه الثقافة – د.علي فخرو

دعنا نطرح الأسئلة التالية: لماذا استطاعت كوريا الجنوبية خلال ستة عقود
فقط من زيادة معدل دخل الفرد الكوري الذي كان في أواسط الخمسينيات من
القرن الماضي يراوح حول أربعة وستّين دولاراً، ليصبح الآن نحو عشرين ألف
دولار؟ لماذا استطاعت أن تنتقل في تلك الفترة الوجيزة من دولة زراعية
متخلفة لتصبح الآن احدى الدول الصناعية المتقدمة على مستوى العالم كلّه بما
فيها امتلاك عدّة شركات عملاقة عابرة للقارات في عدة مجالات صناعية تمثل
عصب الحياة العصرية، من مثل تكنولوجيا الإلكترونيات والعلوم الحياتية وكل
وسائل التواصل الإلكترونية؟ لماذا استطاع ذلك البلد بمساعدات أميركية
متواضعة، لم تزد عن ستين مليار دولار خلال ثلاثين سنة، امتدّت من عام 1946
حتى 1978، بناء أسس تلك النهضة الاقتصادية بحيث انها قلبته من بلد يستجدي
مثل تلك المساعدات الأميركية إلى بلد يقدّم المساعدات للآخرين ابتداءً من
عام 2009؟ تلك كانت أسئلة طرحتها في ندوة عقدت مؤخّراَ في مركز الإمارات
للدراسات والبحوث الاستراتيجية عن التعاون الكوري – الشرق أوسطي، عندما
دُعيت للتعليق على ما قاله عدة متحدّثين بشأن موضوع التبادل الثقافي، لبناء
الجسور بين كوريا وهذه المنطقة.

لقد لفت نظري أن المتحدثين ركّزوا
جلّ اهتمامهم على الجوانب المظهرية والتجارية للعلاقات الثقافية: تبادل
الأخبار والأفلام والصحف، تنشيط ترجمة الكتب المهمة من وإلى اللغتين
العربية والكورية، تشجيع السياحة، تبادل الزيارات من قبل الأساتذة والطلبة
والباحثين، إلخ… من المقترحات التي لا تمسُّ جوهر الموضوع الثقافي.

جوهر
الموضوع يظهر جليَّاَ عندما نقابل الأسئلة السابقة الذكر بشأن كوريا
الجنوبية بطرح أسئلة مماثلة عن منطقتنا العربية بصورة عامة ومنطقة دول
الخليج العربية بصورة خاصة.

خلال تلك العقود الستة أتيحت لدول
البترول العربية فرصة تاريخية عندما وصل الدخل الإجمالي عبر فترة وجيزة الى
عدة تريليونات من الدولارات. كان باستطاعة تلك الأموال أن تنقل على الأقل
بعضاً من أقطارنا العربية من دول زراعية متخلفة إلى دول صناعية متقدّمة،
ومن اقتصاد ريعي يوزع الثروات بحسب قوانين الولاءات الاستزلامية النفعيَة
إلى اقتصاد انتاجي – معرفي، تماماً كما فعلت كوريا الجنوبية، وفعلته
بمساعدات واستثمارات محدودة للغاية إذا قورنت بمداخيل البترول والغاز
العربيّين.

لنأخذ مثالاً آخر. الإنسان يتوقّع أنه بعد تواجد البترول
والغاز في بلاد العرب عبر سبعة عقود تقريباً، أن تكون لدينا شركات بترولية
عربية عملاقة عابرة للقارات، وأن تكون لدينا إمكانات علمية وبحثية في حقول
الطاقة بالغة التقدم وتضاهي مثيلاتها في العالم. لكن ذلك لم يحدث، بل إن
القدرات العربية في هذه الحقول تراجعت، ومحاولات الخمسينيات من القرن
الماضي لجعل الصناعة البترولية والغازية صناعةً عربيةً ذاتيةً مستقلةً عن
الحاجة للآخرين انتكست بأشكال مفجعة، ورجعنا إلى الاعتماد شبه الكامل على
الشركات الأجنبية في استخراج البترول أو الغاز وتصفيته ونقله وتوزيعه
وتطوير تكنولوجياته. هذا في الوقت الذي نجحت فيه كوريا في بناء شركاتها
العالمية العملاقة كما ذكرنا سابقاً، ونجحت في أن تكون الخامسة على مستوى
العالم بالنسبة للأبحاث التنموية والتطويرية في العلوم والتكنولوجيا.

تعاملنا
مع موضوع التبادل الثقافي إذاً يجب أن ينطلق من الإجابة على كل تلك
الأسئلة، وفي اعتقادي أن الإجابة ستشير إلى موضوع الاختلاف في ثقافة
الجهتين. عندهم وجدت ثقافة أدت إلى بناء نظام تعليمي يعتبر من بين الأفضل
في العالم، على رغم بعض نواقصه، والذي بدوره جعل مستوى تعليم الفرد هو أساس
المنافسة والفرص في داخل مجتمعهم، وهذا بدوره خلق إنساناً مالكاً لسلوكيات
العمل الجاد والانتظام واحترام الوقت والالتزام الضميري تجاه الإتقان
والجودة في ميادين العمل والنشاطات الإنسانية الأخرى.

عندهم وجدت
ثقافة سياسية جعلت من سلطات الدولة أهم محرك للنهضة الاقتصادية
والتكنولوجية والعلمية البحثية. أما الثقافة عندنا فلا حاجة لذكر الكثير من
مشاكلها والتي كتب الكثير عنها، وكان من نتائجها أنظمة سياسية فاسدة
مشغولة ببقائها في الحكم ونهب وتبديد ثروات الأمة. إنها أنظمةٌ فشلت في
بناء التنمية الاقتصادية مثلما فشلت في حقول التطوير التربوي والعلمي
والبحثي. وبعقليتها الريعية الاستزلامية قضت على إبداع وطموحات الأفراد
وإنتاجيتهم، طالما أن المستوى العلمي والجهد الفردي المنتج لا قيمة لهما
عند تلك الأنظمة.

المقارنة تحتاج إلى كتب، ولا يمكن حصرها في مقال،
لكن المهم هو أن أية مقارنة بيننا وبين الآخرين لا تعالج المسألة الثقافية
ستكون جهوداً ضائعة تنتج تبادلات مادية مؤقتة وعلاقات معنوية ضحلة، لكنها
لا تنتج تفاعلاً ثقافياً عميقاً مفيداً للجهتين، وإنّما ستظل تدور في عالم
التبادل الثقافي الذي لن يكون أكثر من تبادل تجاري سلعي تحت مسمّى الثقافة.

علي محمد فخرو

اقرأ المزيد

رحلة التغيير العربية… انتفاضات وحراكات وثورات – شفيق الغبرا

سيكتشف معظم الدول العربية أن التغيير السياسي لصالح الحريات والعدالة
الإقتصادية والشراكة في الحياة السياسية مع الشعوب لن يكون ممكناً بلا
حراكات شعبية وانتفاضات وثورات تتجاوز الممكن والمعقول.

وبينما كانت
فرص الإصلاح متوافرة في دول الثورات قبل وقوعها، وما زالت متاحة في دول
عربية لم تقع فيها الثورات، إلا أن الأوضاع العربية تؤكد لكل متابع وباحث
مدى تردد النخب العربية في ممارسة الإصلاح. لقد دخل العالم العربي عصر
الثورات والانتفاضات والحركات الشبابية والإضرابات بهدف تحقيق واقع دستوري
جديد. في هذا لا يختلف العرب عن اللاتينيين في السبعينيات والأوروبيين
الشرقيين في الثمانينيات والغرب في القرن التاسع عشر. فلا حرية بلا نزاع
وصراع، ولا حقوق وعدالة بلا سعي. إن الرسالة التي ترسلها النخب القيادية في
البلدان العربية للشعوب تزداد وضوحاً لأن لسان حالها: من أراد شيئاً
فلينتزعه بقلبه، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبيده وميدانه.

في
هذه المرحلة تبحث المجتمعات العربية عن رؤساء لا يسيطرون على كل السلطات،
وتريد قادة يحترمون إفرازات الشارع ومجالس النواب المنتخبة والقضاء المستقل
وحرية الاعلام، كما يختفون من الصورة ويستقيلون حينما تنتهي مددهم أو يطلب
منهم الشارع ذلك.

المجتمعات العربية تريد مساواة حقيقية أمام سلطة
قضاء تحترم مكانتها واستقلالها. ففي الحالة العربية الراهنة أصبحت الأوطان
أمكنة للظلم والاستئثار. إن الظلم في البلدان العربية لا يجد من يوقفه إلا
صدفةً، وذلك لأن امتهان الكرامة الانسانية تحوّل إلى مؤسسة وسلوك. وتمثل
الثورات العربية في جانب منها ردة فعل على تهميش فئات واسعة من السكان ممن
يزدادون وعياً بأنهم في دول لا شريعة لها سوى شريعة النفوذ والفساد.

وفي
هذه الظروف المهمة لم تعد الناس في العالم العربي تسأل عن الخبز وحده أو
عن رفع الأجور أو حل مشكلة الإسكان. ومن يعتقد أن الثورات العربية هي ثورات
فقر فقد قرأ الواقع بالمقلوب، فالفقر والبطالة جزء من المشكلة.

فالثورات
العربية ثورات كرامة تبحث عن أكثر من مجرد تحسين ظروف المعيشة وفتح مدرسة.
فالهدية التي تقدّم للمواطن الآن ستؤخذ منه بطريقة أخرى عند أول منعطف،
لأنها أساساً مأخوذة من المال العام. الواضح أن العرب سائرون نحو مزيد من
التعبيرات الشعبية، وأن ما يقع اليوم يمثل بداية في سيل طويل سيمتد لسنوات.

ولهذا
تكتسب مسألة الحرية في هذه المرحلة قيمةً مضافةً بصفتها تركز على حق الناس
في الحياة الكريمة والعلم الجيد والعمل المنتج الهادف والمعرفة وحق
الانتخاب والتمثيل وتحقيق الأحلام، كما أنها تركز على حق الناس في معاملةٍ
إنسانية وتداولٍ على السلطة وحرياتٍ فكرية وسياسية.

كنا إلى الأمس
القريب نتساءل: ماذا سيفعل العالم العربي أمام حقيقة أن 60 في المئة منه
تحت الخامسة والعشرين؟ كنا نتساءل قبل سنوات عشر عن خطط العالم العربي في
التعامل مع الطفرة الشبابية العربية التي تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ
العرب؟ الواضح أن الدول العربية لم تخطط ولم تدرس ولم تفكر في المستقبل، بل
استمرت باتباع ذات المناهج والأساليب التي استخدمتها منذ عقود عدة، إلى أن
وقعت المفاجأة الكبرى في الثورة التونسية. والأوضح أن الأنظمة العربية
التي ادعت معرفة شعوبها لم تكن تعرف شيئاً عن مجتمعاتها.

وما زال بعض
العرب يعتقد بأن هناك مؤامرة أميركية، وأخرى قطرية، وثالثة كونية، ورابعة
إسلامية، تحاك من أجل تثوير الجماهير وإخراجها إلى الشارع.

وبإمكان
كل فرد أن يبني إستنتاجاته من جراء بعض الممارسات وبعض الوقائع، لكن نظرية
المؤامرة لا تفسر عمق الثورات العربية وحجم الانفجار الشعبي في كل الزوايا
والمناطق. ولا تفسر المؤامرة كيف انطلقت الثورات ابان أحلك المراحل
الاقتصادية العالمية، وفي ظل أزمة أميركية اقتصادية وانسحاب الولايات
المتحدة من العراق وخسائرها في أفغانستان وضعفها أمام إيران.

إن
نظرية المؤامرة تمنعنا من رؤية مطالب شعوبنا وحالة التغيير التي تقع في قلب
الجيل العربي الجديد، وهي بالطبع تمنعنا من تحصين أنفسنا (عبر الاصلاح) في
الدول التي لم تقع فيها الثورات. لقد قامت الثورات بعد أن تراجعت الولايات
المتحدة في العالم، وبعد أن سقط مشروع بوش ورايس للتغيير في الشرق الأوسط،
وبعد أن فشلت تجربة تصدير الديمقراطية إلى كلٍّ من العراق وأفغانسان.

إن
ما يقع في المجتمعات العربية هو فعل عربي نتج عن سلوكيات القيادات
السياسية العربية طوال العقدين الماضيين، وهو أيضاً نتاج فساد الإدارة
وإضعاف الطبقات الوسطى، وهو أيضاً نتاج التجربة العربية في الصراع مع
إسرائيل.

نحن العرب مثل غيرنا نغضب ونثور ونضحّي، ولا نختلف عن بقية شعوب الأرض.

ومن
دروس التاريخ أن الشعوب التي تكتشف لغة التمرد والحرية والكرامة لا تستطيع
العودة إلى الماضي والقبول بأقل أحلامها. لهذا بالتحديد ستحتاج الشعوب
العربية لمعادلات جديدة تضمن لها ما تريد قبل أن تتسامح وتحوّل طاقاتها نحو
البناء.

شفيق الغبرا

اقرأ المزيد

الاتفاقية الأمنية… إلى أين؟

حتى هذه اللحظة، لم يُعلن نص الاتفاقية الأمنية الخليجية التي وقع عليها
وزراء داخلية الدول الست الأسبوع الماضي. اتفاقية 1994 انضمت لها 5 دول
باستثناء الكويت. وقد قيل إنه تم إجراء تعديلات عليها، ولكن الإصرار على
عدم نشرها يثير تساؤلات مشروعة بحقها، فإن كانت قد أصلحت القصور في
الاتفاقية القديمة، وهو أمر مستبعد، فإن إشكالية مواجهتها ستكون أقل بكثير.

ويبدو
أن أجواء شعبية آخذة في التشكل ضد الاتفاقية، وهي أجواء مرشحة للتصاعد لا
للتراجع. وسبب تلك الأجواء هو تصور أن هذا النوع من الاتفاقيات هو حمايةٌ
للأنظمة لا الشعوب، وأنه في الغالب لملاحقة أصحاب الرأي والإصلاحيين
والمعارضين السلميين.

ما يتم تداوله الآن من نصوص هو للاتفاقية
القديمة 1994، وفيها كثير من المثالب وتتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان. وقد
كانت الكويت هي الدولة الوحيدة التي لم تنضم إلى الاتفاقية لسببين؛ أحدهما
دستوري والآخر الحاجة إلى موافقة مجلس 1992 عليها، ولم يكن ممكناً تمريرها
من خلاله، وبالمنطق نفسه، تجنبت الحكومة عرض «الترتيبات الأمنية» مع
الولايات المتحدة المعروفة باسم «صوفا» على المجلس، مع أنه تم تجديدها
مرتين، بحجة أنها «ترتيبات» وليست «اتفاقية».

ولطالما أثرت ضرورة إبرام اتفاقية دستورية مع الولايات المتحدة، ولكن لا حياة لمن تنادي، حتى من نواب معارضين للأسف.

ولكن
إلى أين ستتجه الاتفاقية؟ وما معنى توقيع وزير الداخلية عليها؟ أي اتفاقية
لابد أن تصدر عن طريق مجلس الأمة، فتصبح لها قوة القانون بحسب المادة 70
من الدستور. فتوقيع الوزير هو بمثابة إعلان نوايا، ومن حق المجلس رفض
الاتفاقية أو تعديلها أو التحفظ على أي من بنودها، ويبقى الجانب السياسي
أكثر أهمية، فعلى رغم الانطباع السائد بأن المجلس القادم هو مجلس حكومي
مطواع، فإن الاتفاقية ستواجه معارضةً أكيدةً من بعض المؤكد فوزهم وأعلن
بعضهم موقفه الرافض مقدماً.

ومن ثم ستتحول معارضة الاتفاقية سياسياً
إلى توافق بين أطراف متناقضة، وهكذا تكون الحكومة، كعادتها، قد حفرت لنفسها
حفرة مواجهة، وقوّت من شأن معارضيها، إلا أن يكون الهدف من الاتفاقية
تعاون الحكومات ضد شعوبها، وهو هدف يتم القيام به دون اتفاقيات، ولا حول
ولا قوة إلا بالله.

غانم النجار
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

23 نوفمبر… مناسبتان قريبتان من «تقصّي الحقائق»

يوم الجمعة المقبل 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 يصادف مناسبتين
متقاربتين، الأولى هي اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب، والمناسبة
الثانية هي الذكرى الأولى لإصدار تقرير تقصّي الحقائق (تقرير بسيوني).

المناسبة
الأولى تعنى باليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب، وهو يوم اختير
لتصدي ومنع جرائم قتل الصحافيين والاعتداء عليهم بأي شكل من الأشكال إذ تم
اختيار هذا التاريخ تكريماً لذكرى الصحافيين الذين قُتلوا في العام 2009 في
«مذبحة امباتوان» في الفلبين.

ويتّحد الصحافيون ونقابتهم ومنظمات
حقوق الإنسان وحرية الصحافة ووكالات الأمم المتحدة جميعاً في إعلان موقف
عالمي رافض لإفلات القتلة من العقاب وإنهاء الحصانة التي يتمتعون بها.
ويحشد الاتحاد الدولي للصحافيين جميع أعضائه للكتابة إلى أمين عام الأمم
المتحدة، بان كي مون، وحثه على النظر في اتخاذ إجراءات جذرية نحو تنفيذ
صادق للأحكام القانونية الدولية لحماية الصحافيين من قبل الحكومات في أنحاء
العالم كافة.

وهذا التعريف والتقديم لليوم العالمي لإنهاء الإفلات
من العقاب هو ما ينشره الاتحاد الدولي للصحافيين كجزء من الحملة العالمية
التي تسعى لتنفيذ حكم القانون المعتمد على مبادئ الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان وللوقوف أمام استهتار أولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم انتهاك
الحقوق واضطهاد الناس والإفلات من العقاب في الوقت ذاته.

إن الضمير
العالمي يتجه نحو وضع حدٍّ للإفلات من العقاب؛ لأن ثقافة الإفلات من العقاب
هي التي تُمكّن بعض الجهات من ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية وانتهاك حقوق
الناس لاعتقادهم أن بإمكانهم الادعاء بخصوصيتهم أو أن لديهم مبررات لممارسة
انتهاكاتهم سواء بذريعة الحفاظ على الأمن أو لاعتقادهم بأفكار عنصرية
تدفعهم لاحتقار الآخرين واضطهادهم.

أمّا المناسبة الثانية فهي الذكرى
الأولى لإصدار تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق؛ وهو
التقرير الذي أشرف على إعداده خمسة من كبار الخبراء في القانون الدولي
برئاسة البروفيسور محمود شريف بسيوني. وكان إصدار هذا التقرير قد اعتُبر
عالميّاً بأنه خطوة متقدمة تُحسب للبحرين وأيّدها الجميع باعتبارها مدخلاً
لتنفيذ مجموعة من الخطوات التصحيحية لما حدث من انتهاكات بعد انفجار
الأحداث في البحرين في منتصف فبراير/ شباط 2011.

لقد أوصى تقرير
تقصّي الحقائق بتنفيذ 26 توصية لمعالجة ما حدث من انتهاكات في البحرينن في
العام 2011، ولفتح الطريق أمام مصالحة وطنية وإصلاحات تلمُّ شمل الجميع.
ولكن ما يؤسف له أن المراقبين المتابعين لما حدث منذ إشهار هذا التقرير
وحتى الوقت الراهن يرون أن ما تحقق على أرض الواقع قليل جداً، بل إن مشروع
الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED) يقول بأنه تم تنفيذ ثلاث توصيات فقط
من توصيات لجنة تقصّي الحقائق، وخمس عشرة توصية نُفذت بصورة جزئية وست
توصيات لم تُنفَّذ وإن هناك توصيتين ليس معلوماً فيما إذا كانتا نُفذتا
بصورة جزئية أم لم تُنفذا. والتوصيات التي نُفذت بالكامل هي تغيير صلاحيات
جهاز الأمن الوطني واقتصارها فقط على رصد المعلومات (من دون أن تكون للجهاز
صلاحيات الاعتقال والتي تختص بها وزارة الداخلية)، وأيضاً تنفيذ برامج
تدريبية لقوات الأمن العام، وتدريب القضاة ومسئولي النيابة العامة.

ولكن
تبقى بقية التوصيات من دون تنفيذ بل إن هناك عودة لممارسات أدانها التقرير
(مثل استخدام حملات منظمة ضد فئات من المجتمع ولإثارة الكراهية ضد
المعارضين)، بل وهناك انتهاكات جديدة أضيفت إلى سلسلة الانتهاكات التي
ذكرها تقرير تقصّي الحقائق، من بينها إسقاط الجنسية بصورة تعسفية عن
البحرينيين، ومنعهم من التعبير عن رأيهم من خلال المسيرات السلمية المرخصة،
وكل ذلك عبر قرارات إدارية مخالفة للقانون ومخالفة للإعلان العالمي لحقوق
الإنسان ومخالفة للاتفاقيات الدولية الملزمة مثل العهد الدولي الخاص
بالحقوق المدنية والسياسية.

إن الالتفاف على التوصيات والتحدث كما لو
كانت قد طُبِّقت بالكامل لن يغير من المشهد البحريني الحالي كثيراً، فهناك
جملة من المعوقات الأساسية التي تحول دون تطبيق هذه التوصيات بشكل مُرضٍ،
بل إن الإجراءات الأخيرة أعلنت مرحلة جديدة يغيب فيها مفهوم حكم القانون.
كما إن التشريعات في البحرين لا ترتب الأولويات بشكل جيد حيث تعطى الأولوية
للمسائل الهامشية على حساب القضايا الأساسية إضافة إلى أن الشرطة كجهاز
مهم يمس عمله حياة المواطنين إلا أن تكوينه تنقصه التعددية ولا يمثل كافة
شرائح الشعب البحريني.

لقد أنهينا العام 2011 بإصدار تقرير تقصّي
الحقائق، وهو التقرير الذي سعى إلى التوصل إلى توافق حول ما جرى وحول كيفية
الخروج من الأزمة وعدم تكرارها، وقد تم التعاقد مع كبار الشخصيات الدولية
للقيام بهذه المهمة، وقد أصدر هؤلاء تقريراً تاريخيّاً يتكون من 600 صفحة
في نسخته العربية، وكان المفترض أن تخرج البحرين من المأزق الذي دخلت فيه،
وأن يكون هذا التقرير خطة عمل للجميع، بدلاً من اعتباره أوراقاً مصفوفة على
الرف يتم التغني بها حسب الحاجة، ولكن من دون الاعتبار بما جاء فيها.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

أصوات الناس



لا
يحضرني الآن أين قرأت عن نتائج استطلاع قامت به إحدى الوسائل الإعلامية،
لعلها إذاعة أو صحيفة، محوره: لأيهما الأولوية عند المواطن العربي: أللخبز
أم للحرية؟، وشمل الاستطلاع مجتمعات عربية متفاوتة من حيث المستوى المعيشي،
فتفاوتت الردود بين أفراد المجتمعات التي تعاني أكثر من غيرها الضوائق
الحياتية، وبين افراد المجتمعات التي تنعم بمستوى معيشي معقول . 


ففيما
مال أفراد الفئة الأولى إلى تأكيد أهمية لقمة العيش، باعتبارها الحاجة
الأكثر إلحاحاً، أظهر أفراد الفئة الثانية ميلاً أكبر إلى المطالبة بالحرية
والمشاركة السياسية، مع أن الجميع اتفقوا على أهمية الأمرين معاً: الرغيف
والحرية، بل إن بعضهم ذهب إلى القول إنهما متلازمان، فلا معنى للحرية مع
الفقر، ولا معنى للغنى من دون حرية .


ما
جرى ويجري في بعض بلداننا العربية يدفع بنقاشٍ مثل هذا إلى الصدارة،
فالمواطن العربي الذي رُوّض طويلاً على الصبر، لا يخرج إلى الشارع محتجاً
إلا تحت ضغط الحاجة القاهرة، حين تعييه السُبل عن تأمين لقمة عيشه، ويشعر
بأن الأبواب كافة قد سُدت في وجهه ويبلغ مبلغ اليأس في إمكان إصلاح الحال،
فلا يجد بداً من أن يخرج إلى الشارع شاهراً قبضته، صارخاً بأعلى صوته،
مطالباً برغيف الخبز له ولأطفاله . فما الذي حمل مواطناً بسيطاً مثل الشهيد
التونسي محمد البوعزيزي على أن يُحرق نفسه احتجاجاً على الجوع والبطالة،
سوى ذلك، وهو مشهد تكرر مراراً في غير عاصمة أو مدينة عربية، فجذوة الرفض
حتى وإن توارى لهبها، تبدو عصية على الانطفاء، لأن ما في هذا العالم الجائر
من مظالم كفيل بإشعال أوارها من جديد، وربما بقوة غير مسبوقة، والاستخفاف
بمصالح الناس، وأرزاقها، والإمعان في الاستحواذ على الثروات، وحرمان
مستحقيها منها، لا يمكن أن ينجم عنه الاستقرار والرخاء اللذان لا يمكن
تأمينهما إلا عبر تكريس ثقافة وسلوك المساءلة التي يلزمها الحرية التي
تصونها، فيضمن من يقوم بالمساءلة أنه سيعود إلى بيته سالماً ينام قرير
العين . 


وفي
عالم اليوم فإن المساءلة المقصودة لا تتأمن إلا من خلال سلطات رقابية
مسموعة الكلمة، مثل البرلمانات ذات الصلاحية، ومؤسسات المجتمع المدني
الفاعلة والصحافة المستقلة، وكما لا يمكن النظر إلى الفقر إلا بوصفه مضاداً
للديمقراطية، فإنه لا يمكن لهامش من الحريات العامة، على أهمية ذلك، أن
يغني عن الديمقراطية الاجتماعية، أي ديمقراطية العدالة في توزيع الثروات . 


إن
البصيرة السديدة للأمور تقتضي النظر إلى هذه التحركات بوصفها علامة صحيّة،
ودليلاً على أن قلب المجتمع ينبض، فالناس بمطالبها وشعاراتها ترسل إشارات
التنبيه إلى الخطر التي يجب التقاطها والإصغاء إليها، والسعي للوصول إلى
توافقات حولها، بما يضمن السلم الأهلي في المجتمعات، ويرشد الأداء السياسي
للقوى المجتمعية المختلفة، والأداء الإداري لأجهزة الدولة ذاتها التي تمت
تنشئتها على روح العداء والمجابهة، لا على روح الشراكة مع المجتمع، منظوراً
إليه من خلال القوى التي تمثله، وتعبر عن تطلعاته من أحزاب ونقابات وهيئات
حقوقية وثقافية وأهلية مختلفة .


والسبيل
إلى ذلك واضح: الإصغاء إلى أصوات الناس الموجوعة وهي لا تطالب بأكثر من
لقمة عيش كريمة، تأمينها ليس مستحيلاً، لو أعيد النظر في الطريقة التي توزع
بها الثروات وتدار بها أمور الأوطان . 
اقرأ المزيد

الأمن لا يتحقق بالاتفاقيات – غانم النجار

يقال إن أنجح اجتماعات للوزراء العرب هي اجتماعات وزراء الداخلية، فمع
كل الفشل الذي تعانيه دولنا العربية في تحقيق الأمن الإنساني والتنمية
المستدامة لمواطنيها، فإنها ناجحة، كما يبدو، أمنياً في «إبقاء» مواطنيها
تحت السيطرة.

تلك المقولة داخلها شك كبير بعد سقوط «الدكتاتور
النموذج» في تونس، فهو صاحب دليل «كيف تحكم قمعياً وتبدو غير ذلك؟»،
وبتطبيق تلك المنظومة حق له أن يتربع على عرشه سنين طوالاً ويسوم شعبه سوء
العذاب، ومع ذلك كان أول من هرب لاجئاً إلى السعودية، فاتضح أنه نموذج
للفشل الأمني حتى لو بدا ظاهرياً خلاف ذلك.

في بحثها عن الأمن، قامت
دول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً بإبرام اتفاقية أمنية، لم يتم نشرها حتى
الآن، ما يجعلنا نطرح جملة تساؤلات مشروعة، تستند إلى النسخة الأولى من
الاتفاقية 1993 وانضمت لها خمس دول باستثناء الكويت لتعارضها مع الدستور
الكويتي، وبالذات بسبب موضوعي التوغل، وتسليم المطلوبين.

اتفاقية
1993، التي قيل إنها اعتمدت كأساس، لا تقيم وزناً لكرامة الإنسان، فالناس
المذكورون والمطلوب حماية أمنهم بحسب المادة 30 هم «رؤساء الدول الأعضاء
وأصولهم وفروعهم وزوجاتهم… وأولياء العهد وأفراد الأسر المالكة والحاكمة
والوزراء ومن في حكمهم».

قد نستثني من الفئات العشر المبشرة بالحماية
أعلاه رؤساء الدول، فلهم حق التوجيب والاحترام، ولكن ما بالنا بالفئات
التسع الأخرى؟ ولماذا يتم التوسع في حماية أمنهم الشخصي واعتباره أمناً
للدولة؟ بالطبع هناك الكثير من الملاحظات الفنية التي سنفصل فيها لاحقاً
ونأمل، إن كان هناك أملٌ يُرجى، أن تكون الاتفاقية الجديدة التي قيل إنه تم
تعديلها قد جرت فيها تعديلاتٌ أساسيةٌ على الديباجة الضعيفة وعلى قرابة 17
مادة أخرى.

أما إن ظلت الاتفاقية على ما هي عليه فهذا يعني أنها
مخالفة جسيمة تتحمل وزرها حكومة الكويت لمخالفتها بنوداً دستورية، وكذلك
كونها تكرّس انتهاكات حقوق الإنسان، في منطقة تعج بتلك الانتهاكات.

خلاصة
القول إن دول الخليج، إن كانت تبحث عن الأمن وهو ما نرغب فيه، فهو هم
مشترك، فإنها لن تصل إلى مبتغاها عن طريق الاتفاقيات، ولكن بتدعيم العدالة
والمساواة وتكافؤ الفرص واستقلال القضاء واحترام كرامة الإنسان وتعزيز
الحريات الخاصة والعامة على أرضها لأي جنس أو دين أو ملة أو جنسية أو معتقد
أو لون، فهذا هو الطريق السهل المعبد للأمن، عدا ذلك فهو حرث في بحر ليس
إلا.

غانم النجار
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

المساس بجوهر الحق السياسي مخالف للدستور

فجأة أصبحت السياسة ذات سمعة سيئة، وبما أن الحكومة تضع نفسها مسئولة عن
الوطن والمواطنين، فإنها تنصح الجميع بالابتعاد عن السياسة، ومن لا يقبل
النصيحة فإن هناك ألف وسيلة ووسيلة يمكن للحكومة أن تستخدمها معه لإبعاده
عن السياسة. فالسياسة أصبحت مضرة حتى للجمعيات السياسية، وهذه الجمعيات
تنصحها الحكومة بأن تأخذ عطلة مفتوحة إلى أن يتم إبلاغها بأن بإمكانها أن
تمارس السياسة مرة أخرى… كما أن المسيرات أيضاً مضرة، ولذا فإن الجمعيات
يمكنها أن تنظم «وقفات» داخل مقارها فقط، وهذه الوقفات قد يتم إلغاؤها في
أي وقت.

الحكومة قررت عدم الالتزام بالقوانين التي تضمن الحريات
العامة، لأن الحريات مطلوبة فقط في حال كانت السياسة مسموحاً بها. أما مع
الوضع الحالي الذي ينظر إلى السياسة على أنها سيئة ولا داعي لها، فإن
الحكومة قررت استبدال القوانين بقرارات إدارية تصدر من خلف الأبواب
البيروقراطية المغلقة.

القواعد التي تستخدمها هذه القرارات الإدارية
قابلة للتغيير في أي وقت، وهي غير خاضعة للمناقشة، وذلك لأن المناقشة جزء
من السياسة، والسياسة – كما قلنا – مضرة وسيئة في وقتنا الحالي (وحتى إشعار
آخر). السلطات ستمارس عملها لتنفيذ القرارات الإدارية بحسب ما تراه
مناسباً لحماية الوطن من السياسة والسياسيين، وسيتطلب الأمر عدم التسامح مع
المعارضة التي لن يفتح لها أي باب للحوار إلا بعد أن تقنع الحكومة بأنها
أصبحت من صنف خاص ومرغوب جداً.

الغرض من التطرق للموضوع بهذا الأسلوب
إنما هو للإشارة إلى أنه من الصعب على الحكومة أن تقنع الكثيرين بالحكمة
الكامنة في التشدد الذي يمس جوهر الحق السياسي، لأن هذا مخالف لدستور مملكة
البحرين المادة 31 التي تنص على أنه «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات
العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناءً
عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية».

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

عامٌ على تقرير بسيوني – سوسن دهنيم

في الفعالية الحقوقية التي أقامها المرصد البحريني لحقوق الإنسان تحت
عنوان: «عام على صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق، ماذا تحقق؟» أكد المنتدون
أن السلطة في البحرين مازالت تسوِّف وتحاول التملص من تنفيذ توصيات اللجنة،
وهو الأمر الذي يعتبر حجراً عائقاً أمام إيجاد حلٍ سياسيٍّ للأزمة التي
تمر بها البلاد.

ما ذكرته المحامية جليلة السيد عن بطلان الأحكام
التي حُكم بها كثير من المتهمين بسبب عدم وجود إذن قبض عليهم، وخصوصاً في
فترة السلامة الوطنية، كان أمراً قيل قبل هذا المؤتمر وذكرته المحامية
السيد في فعالية أخرى تخص الكادر الطبي المحكوم، ولكن لم نسمع ولا تعليقاً
واحداً من وزارتي الداخلية أو العدل على ما ذكر. إضافة إلى ما ذكرته السيد
أيضاً من نقاط تتعلق بالالتفاف على التوصيات التي تخص الجانب القضائي وجهاز
الأمن الوطني والمتمثلة في تعيين قضاة ورؤساء ممن شاركوا في محاكم السلامة
الوطنية وكانت عليهم مآخذ كثيرة.

وما ورد في ورقة الاتحاد العام
لنقابات عمال البحرين التي ألقاها كريم رضي، كانت حقائق تثبت فشل الحكومة
في حل قضية المفصولين والتي ستدخل عما قريب عامها الثاني، وخصوصاً إذا ما
عرفنا أن هنالك قطاعات مازالت نسبة إعادة مفصوليها صفر في المئة، كالصحافة
والسيارات والبنوك بحسب تقرير الاتحاد، وهو ما نراه واضحاً فيما يخص الجانب
الصحافي؛ إذ لم يعد أي من العاملين في الصحافة المحلية إلى وظائفهم منذ أن
فصلوا أو أجبروا على تقديم استقالاتهم تحت التهديد أو الوعيد.

وما
يزيد من الدهشة هو ما أورده رضي بخصوص «ترقية جميع من نفذوا الانتهاكات ضد
المفصولين في القطاع العام وشجّعوا على بخسهم حقوقهم»، في حين كان لزاماً
على السلطة أن تعاقبهم نتيجة ما اقترفوه من ظلمٍ للعمال والموظفين، ابتداءً
من قرار الفصل إلى الحرمان من الحقوق وعودة بعضهم إلى العمل في غير
وظائفهم ومناصبهم، لولا ترسيخ سياسة الإفلات من العقاب التي أكدها جميع
المنتدين. وهي سياسة حذّرت من عواقبها المعارضة والمنظمات الحقوقية المحلية
والعربية والعالمية لكن من دون جدوى.

مرّ عامٌ على تقرير اللجنة
التي عيّنها جلالة الملك ووعدت الجهات الرسمية بتنفيذ توصياتها، فيما
لاتزال كل تلك النقاط التي جاءت حصيلة تقرير من 600 صفحة، مجرد توصيات على
ورق، حتى بعد مرور هذا العام على رغم تصريحات المسئولين من وزراء ووكلاء
بأن وزاراتهم قامت باللازم ونفذت ما يخص وزاراتها في التقرير… فأين الخلل
إذاً؟ بعد عام من صدور التقرير يحق لنا أن نسأل: هل ستقيم السلطة في
البحرين احتفالاً وبهرجةً أخرى هذا العام أيضاً، احتفالاً بمرور عام على
تقرير لجنة تقصي الحقائق وهي التي لم تنفذ من توصياته ولا 50 في المئة؟ هذا
السؤال المشروع طرحته إحدى المتداخلات في المؤتمر، لكن الإجابة لاتزال في
جيوب المسئولين!

سوسن دهنيم
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد