المنشور

الطغاة يجلبون الغزاة



في
واحدة من إضاءاته المدهشة تنبه ابن خلدون إلى ذلك الترابط بين أدوار
الطغاة المحليين والغزاة الآتين من وراء الحدود . يُمهد الطغاة لتدخل
الغزاة، ففي حالات يقومون باستدعائهم لنصرتهم، أو يحدث العكس تماماً، حين
يتذرع الغزاة الطامعون في احتلال أراضي الغير ونهب ثرواتها ببطش الطغاة على
مواطنيهم، فيجعلون من تحرير هؤلاء من ذاك البطش عنواناً لغزوهم .


كان
وجود هذا العدو الغازي، الفعلي أو المحتمل، ذريعة مناسبة لاستمرار
الطغيان، على النحو الذي تنبه إليه شاعر الإسكندرية في العهد الإغريقي
قسطنطين كانافيس حين قال في إحدى قصائده: “لأن الليل قد أقبل ولم يحضر
البرابرة / ووصل البعض من الحدود / وقالوا إنه ما عاد للبرابرة وجود /ماذا
سنفعل الآن بلا برابرة؟/ لقد كان هؤلاء الناس حلاً من الحلول” .


استوحى
الشاعر النص من حكاية فحواها أنه قد شاعت في المدينة أخبار أن البرابرة
قادمون لغزو المدينة، ومنذ الصباح الباكر لبس الحاكم أفضل ثيابه ووضع
نياشينه وانطلق على رأس وجهاء المدينة نحو الحدود بانتظار قدوم البرابرة
لمقابلتهم وصدهم، لكن حل المساء من دون أن يأتي البرابرة، حينها قال الحاكم
بأسى: “واأسفاه . . لم يأتِ البرابرة، فلقد كان في مجيئهم نوع من الحل” . 


حدث
هذا مراراً في التاريخ، وحدث في تاريخنا العربي الإسلامي ذاته منذ عصر
ملوك الطوائف في الأندلس، وستبلغ هذه المفارقة الموجعة حدها الساخر في
مآلات وضعنا الراهن، كما رأينا ذلك في نماذج العراق الحديث وليبيا الحديثة
وسواهما، مما نحن، ولسوء حظنا، شهود عليه، حيث يمكن قراءة أطروحة ابن خلدون
من الزاويتين المشار إليهما من واقع تجربتنا العربية المريرة . 


فالغزاة
المتوثبون رافعو شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، زيفاً، يستمرون في ضخ
الدعاية الواسعة حول ضرورة إنقاذ الشعوب من استبداد الطغاة الذين لا يمكن
إقتلاعهم من السلطة إلا بالقوة الخارجية الضاربة، والطغاة المحدثون
يستمرون، زيفاً أيضاً، في الخلط المغرض بين التطلعات المشروعة لشعوبهم في
الحرية، والأهداف الدنيئة للغزاة، ساعين لحشد الناس حولهم بذريعة مقاومة
هذا العدو، وهم الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة تجاه العدو الذي يحتل الأراضي
طوال عقود مكوثهم في الحكم، وترؤسهم للجيوش الضاربة، فلا هم صدوا العدوان
ولا هم منحوا شعوبهم الحرية .
اقرأ المزيد

اليسار العربي وتحديات المرحلة الراهنة



عانت الشعوب العربية لعقود طويلة من القهر والاستبداد
والتخلف والتبعية بسبب تسلط أنظمة حكم استبدادية على شعوب جميع البلدان
العربية تعبر عن مصالح طبقات وفئات رأسمالية كبيرة وطفيلية وريعية وشبه
إقطاعية معادية لمصالح العمال والجماهير الشعبية، أدمجت أقتصاديات بلادها
في العولمة الرأسمالية وتخلت تماماً عن أي مشاريع تنموية، وأدت ممارساتها
وسياساتها إلى تكريس التخلف والتبعية والخضوع للهيمنة الأمريكية والاستسلام
للمخططات الإمبريالية والصهيونية الساعية إلى تقسيم المنطقة عرقياً
ومذهبياً والسيطرة على منابع النفط وتتويج إسرائيل كدولة عظمى في المنطقة
واستمرار انفرادها بامتلاك السلاح النووي .. وقفت هذه الأنظمة المستبدة
عقبة كأداء أمام أي محاولات للإصلاح والتغيير مما أوصل المجتمعات العربية
إلى حالة من التكلس والجمود والتردي لم يسبق لها مثيل.




وهذا الوضع
المتردي هو نتاج تراكم وتضافر عدد من العوامل التي أحدثت هذا الخلل الكبير
في توازنات المنطقة منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي بعد انهيار حركة
التحرر الوطني العربية وتوقيع نظام السادات اتفاقيات كامب ديڤيد والصلح
المنفرد مع إسرائيل ووضع كل أوراق اللعبة في يد أمريكا وخروج مصر بكل ما
لها ثقل من دائرة المواجهة مع إسرائيل وانتقال زمام قيادة المنطقة إلى
الدول العربية بقيادة السعودية، وتصاعد تيار الإسلام السياسي بكل أجنحته
والمدعوم من النظم الحاكمة في البلدان العربية لمواجهة القوى التقدمية
والديمقراطية، بالإضافة إلى التداعيات السلبية الناجمة عن الحرب العراقية
الإيرانية واحتلال العراق للكويت وتواطؤ الدول العربية في تسهيل الغزو
الأمريكي للعراق ثم احتلالها في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.


ودخلت
المنطقة بالكامل تحت الهيمنة الأمريكية وتخلت الدول العربية واقعياً عن
تأييدها للقضية الفلسطينية التي دخلت إلى طريق مسدود بعد اتفاقيات أوسلو
وفشل المفاوضات الثنائية برعاية الولايات المتحدة الأمريكية الحليف
الاستراتيچي لإسرائيل.


وانعكس كل ذلك في انهيار النظام العربي
الرسمي الذي كشف عن إفلاسه بوضوح بعد الاحتلال الأمريكي للعراق والعجز إزاء
العداوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان وغزة والاستسلام أمام المخطط
الأمريكي الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية وتهويد القدس، وإعلان تقسيم
السودان.


ونجحت الولايات المتحدة في نشر قواتها المسلحة في معظم
الأقطار العربية حتى أصبحت أضخم حشود لهذه القوات متواجدة في الشرق الأوسط
بعد أن كانت في أوروبا، ويطوف الأسطول السادس في البحر الأبيض والأسطول
الخامس في بحر العرب ومياه الخليج والمحيط الهندي حاملة أسلحة نووية وأسلحة
دمار شامل وتساندها قوات إسرائيل بعد أن حازت على أكثر الأسلحة الأمريكية
تطوراً واحتكارها للسلاح النووي لتهديد شعوب المنطقة حتى تذعن وتقبل هذه
الشعوب للمخططات الأمريكية الصهيونية وخاصة «مشروع الشرق الأوسط الكبير»
والذي يضم إسرائيل والبلدان العربية تحت هيمنة أمريكية إسرائيلية مشتركة …


وفي
إطار هذا المخطط تشجع الولايات المتحدة عملية تأجيج الصراعات الطائفية في
المنقطة لمحاصرة إيران وتقسيم وتجزئة البلدان العربية .. حيث يشتعل الصراع
بين السنة والشيعة في بلدان المشرق العربي وخاصة في العراق والبحرين، كما
أدى الصراع الطائفي في السودان وسياسات النظام الإسلامي الحاكم فيه إلى
انفصال جنوب السودان، ووصل الاحتقان الطائفي بين المسلمين والمسيحين في مصر
إلى حالة خطيرة باتت تهدد وحدة النسيح المصري والدولة المصرية.


ولاشك
أن تصاعد نفوذ تيار الإسلام السياسي بكل فصائله قد أدى إلى تصاعد هذه
الصراعات الطائفية مما يخدم عملياً هذا المخطط المعادي لمصالح الشعوب
العربية .. كما أنه يسعى إلى حرف مسار النضال الوطني التحرري إلى صراع ديني
وتشويه حقيقة وجوهر التناقضات الطبقية بما يخدم مصالح قوى اليمين
الرأسمالي في هذه المجتمعات.


وطوال العقود الماضية سعت قوى
الإمبريالية العالمية والصهيونية بقيادة الولايات المتحدة إلى فرض تسويات
على البلدان العربية على غرار أتفاقيتي السلام مع كل من مصر والأردن تلك
الاتفاقيات التي تعتبرهما إسرائيل «كنزاً استراتيچياً لإسرائيل» وفقاً
لتصريح «نتنياهو» أشد قادة إسرائيل رجعية وتعصباً أمام الكنيست الإسرائيلي.


على
أن تغيراً هاماً قد حدث في زمن هذه الردة الشاملة التي تعرضت لها قوى
التحرر والاشتراكية في المنطقة والعالم وكان له أبعد الأثر على الوضع
العالمي، وهو انهيار وتفكك النظام السوڤييتي وتحول بلدان شرق أوربا إلى
الرأسمالية في نفس الوقت الذي نجحت فيه الدول الرأسمالية الكبرى في تبني
نهج الثورة العلمية التكنولوچية ودخول الرأسمالية العالمية إلى مرحلة نوعية
جديدة في تطورها وهي مرحلة العولمة الرأسمالية.


ونتيجة للعولمة
أصبح العالم كله سوقاً واحدة تتحرك فيها المشروعات الرأسمالية الاحتكارية
متعدية القوميات تنتج وتوزع عناصر إنتاجها وتتاجر وتضارب وتقيم بنوكها
الدولية الجبارة وتُسخر أدواتها ومؤسساتها الاقتصادية (الصندوق والبنك
ومنظمة التجارة العالمية) والسياسة (مجموعة الدول الثمانية الكبار)
والعسكرية (حلف الناتو والقواعد العسكرية وقوات التدخل السريع) ومؤسساتها
الاحتكارية الإعلامية لفرض سيطرتها الاقتصادية وشن حروبها العدوانية وتوسيع
احتكاراتها وتعظيم أرباحها، وإدماج اقتصاديات الدول النامية والتابعة في
بيئتها الرأسمالية وتفكيك مؤسساتها وقطاعاتها الاقتصادية العامة، وتصفية
الدور الإنتاجي والخدمي لدولها، وتفكيك الروابط الإقليمية والقومية،
وخلخلجة الهويات الثقافية وإشاعة الاتجاهات اللاعقلانية والاستهلاكية
والفردية، وتسليع القيم الثقافية وعرقلة المشروعات التنميوية.


وقد
أصبحت المعلومات والمعارف والعلوم مدخلات أساسية في الإنتاج والخدمات،
الأمر الذي أدى إلى تضخم قوى الإنتاج الرأسمالية بلا حدود، فأخذت تتجاوز
حدود دولها نحو مختلف البلدان في شكل شركات متعدّية القوميات بعد أن تفوقت
العلوم وتطبيقاتها التكنولوچية على وسائل الإنتاج التقليدية في تكثيف
الإنتاجية وتزايد السلع المنتجة، وانتقلت إلى الفضاء حين حملت أقمار صناعية
أنظمة معلومات لتنظيم وتوجيه مختلف المؤسسات المنتشرة على سطح الكرة
الأرضية ونتيجة لطبيعة الرأسمالية التي لا تهتم سوى بتحقيق الأرباح على
حساب البشر زاد توحشها وأصبحت تهدد بتدمير انساق البيئة وقوى الطبيعة بل
وتهدد العالم بأسلحة الدمار الشامل ..


ولقد ساهمت العولمة
الرأسمالية والسياسات النيوليبرالية التي تم فرضها على البلدان العربية
بالتواطؤ مع النظم الحاكمة المستبدة في تعميق التبعية والتخلف التي تعاني
منها الشعوب العربية وفي اتساع الفجوة بين بلداننا وبين الدول المتقدمة حيث
تنفق مصر 0.4% من دخلها القومي على البحث والتطوير بينما يصل نصيب ما
تنفقه إسرائيل 4% من دخلها القومي أي قرابة عشرة أمثال ما تنفقه مصر ..


ولقد
كشفت الأزمة الاقتصادية والمالية الرأسمالية التي بدأت في أمريكا في خريف
2008 وامتدت إلى أوربا وكل بقاع العالم عن الكثير من الأوهام التي ملأت
الساحة الدولية طوال الربع قرن الأخير حول الرأسمالية باعتبارها الحل
الوحيد ونهاية التاريخ .. حيث تداعت الأسس الأيديولوچية المدافعة عن
الرأسمالية وسياسات الليبرالية الجديدة التي سادت وتسيدت منذ انهيار وتفكك
الاتحاد السوڤييتي وتم اعتبارها دستوراً للرأسمالية في مرحلة العولمة والتي
تقوم على السوق الحرة الطليقة وتحرير التجارة والخصخصة وعدم تدخل الدولة
في الاقتصاد وتخليها عن دورها في برامج الخدمات الاجتماعية والضمان
الاجتماعي وتغول القطاع المالي على حساب الاقتصاد الحقيقي، هذه الوصفة التي
تم تقديمها كوصفة جاهزة لحل المشاكل والأزمات الاقتصادية في كل مكان في
العالم وتم فرضها من خلال المؤسسات الرأسمالية على بلدان وشعوب العالم
الثالث ومعظم بلدان العالم أدت عملياً إلى تعميق تبعية هذه البلدان وتدمير
اقتصادها الحقيقي وتشريد عمالها وانتشار الفقر والبؤس بين سكانها وغرقها في
مستنقع الديون والفساد، بينما لم تستفد منها سوى طغم ومجموعات احتكارية
قليلة العدد وفائقة الثراء من أصحاب الشركات الاحتكارية الكبرى ورجال المال
والبنوك وأذنابهم من الطغم الحاكمة في الدول التابعة.


ونتيجة لهذه
الأزمة التي لم تتعافى منها تماماً الدول الرأسمالية، وبعد الهزيمة التي
لحقت بقوى اليمين المحافظ في الولايات المتحدة والدول الرأسمالية الكبرى
نتيجة غرقها في مستنقع العراق وأفغانستان وبسبب بروز دول بازغة وقوية مثل
الصين والهند والبرازيل وغيرها في إطار مجموعة العشرين فإن العالم يتجه إلى
توازن دولي جديد وقلق في إطار النظام الرأسمالي العالمي نفسه وإلى تراجع
دور الولايات المتحدة تدريجيًا كقطب واحد مهيمن على العالم مما يمكن أن
يخلق ظروفاً مواتية لشعوب العالم الثالث والطبقة العاملة العالمية في
نضالها ضد الإمبريالية والعولمة الرأسمالية.


وفي مواجهة هذه
العولمة الرأسمالية والهيمنة الأمريكية يشهد العالم منذ بداية الألفية
الثالثة موجة تحررية وثورية جديدة، ظهرت بوادرها في تحول العديد من دول
أمريكا اللاتينية باتجاه اليسار، وفي تصاعد الحركة الاجتماعية العالمية
المناهضة للعولمة الرأسمالية، وفي اندلاع ثورات وانتفاضات الشعوب العربية
مما يمثل تحولاً هاماً في مسار هذه العملية الثورية وما أعقبها من تصاعد
الحركات العمالية والشبابية في العالم مما يؤذن ببداية مرحلة تاريخية جديدة
في نضال الشعوب من أجل عولمة بديلة إنسانية وديمقراطية. بيد أن هذه
العولمة الجديدة لن تحقق أهدافها بشكل كامل إلاّ في إطار نظام اشتراكي
يستطيع استثمار ما حققته البشرية من ثروة بشرية واقتصادية وعلمية هائلة لحل
المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية والمعيشية ويشكل بديلاً
للنظام الرأسمالي الذي لم يقدم سوى الإفقار الوحشي للغالبية الساحقة من
العمال والكادحين والفقراء والمتعطلين مقابل الثراء الفاحش لقلة قليلة من
النخب الثرية لا تمثل سوى 1% من سكان بلادها تعيش على الريع والمضاربة
والربح السريع في مناخ يعمه الفساد المتفشي في كل أوجه الحياة.


حالة النهوض الثوري العربي

لقد
كان رد فعل العديد من شعوب البلدان العربية هادراً في مواجهة الأوضاع
المأساوية التي عانت منها لعقود طويلة، حين كسرت الملايين حاجز الخوف وزلزت
أركان هذه النظم المستبدة وآلتها القمعية الجبارة مطالبة بالحرية والعدالة
الاجتماعية والكرامية الإنسانية في ثورات وانتفاضات عمت العديد من البلدان
العربية في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا وغيرها والتي تتشابه أوضاعها
في بعض الجوانب وتختلف في جوانب أخرى.


إن الثورات لا تستنسخ ولكن
تأثيرها يؤدي إلى مد ثوري في الدول المحيطة بها والتي تتشابه ظروفها
وأوضَاعَها معها، وهذا ما حدث في العديد من البلدان العربية التي تعاني
شعوبها من نفس حكم هذه النظم الديكتاتورية المستبدة لعقود طويلة، ومن نفس
الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى التخلف والتبعية. غير أن نهج
وطريق كل ثورة يختلف من بلد لآخر حسب التطور التاريخي والاجتماعي والسياسي
لكل بلد وتبعاً لأسلوب مواجهة وقمع النظم الحاكمة لها، ووفقاً لموقف
الإمبريالية العالمية والقوى الرجعية منها.


ولقد واجهت هذه الثورات
والانتفاضات منذ البداية مؤامرات قوى الثورة المضادة في الداخل ومخططات
الولايات المتحدة وقوى الإمبريالية العالمية والصهيونية والرجعية العربية
بقيادة السعودية والتي ساندت بكل قوة حلفائها وعملائها من الحكام المستبدين
وظلت تدعمهم لعشرات السنين، ولكن حين وجدت استحالة بقاء هؤلاء الحكام أمام
زحف الجماهير الشعبية سعت بكل الوسائل لاحتواء هذه الثورات واستخدمت كل
وسائل الإغواء والترهيب وسعيها إلى التدخل العسكري والأجنبي الذي نرفضه
تماماً، وتواطؤها لوقف هذه الثورات عند حد معين من الديمقراطية الشكلية
ومنعها من الاستمرار حتى لا تتحقق أهدافها الجذرية خاصة في المجال الوطني
والسياسة الخارجية وفي المجال الاقتصادي والاجتماعي، وذلك لضمان الحفاظ على
مصالح الولايات المتحدة الاستراتيچية في المنطقة وضمان أمن إسرائيل
ولإيقاف المد الثوري الذي بات يهدد عروش الأنظمة الرجعية العربية خاصة في
منطقة الخليج والتي سارعت بتوسيع إطار مجلس التعاون الخليجي ليشمل الأردن
والمغرب.


لقد خلق هذا الوضع الثوري تحولاً نوعياً جديداً ينبغي على
قوى اليسار أن تتعامل معه وخاصة في هذه المرحلة الصعبة وفي ضوء المشاكل
الكبيرة التي تعترض هذه الثورات والانتفاضات في الفترة الانتقالية الحرجة
.. وبالرغم من هذه المصاعب إلاّ أننا نرى أن هذا المد الثوري لن يتوقف وان
المنطقة سوف تشهد تغيرات عميقة وجذرية في السنوات المقبلة رغم إدراكنا أن
هذا الطريق مازال شاقاً وطويلاً.


ويخطئ من يتصور أن الثورة المصرية
في 25 يناير هي مجرد ثورة شبابية بل هي ثورة شعبية بامتياز وجاءت نتيجة
تراكم سلسلة طويلة من النضالات شاركت فيها الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين
واحتجاجات الطلاب والشباب والمهنيين والموظفين والصيادين وسكان الأحياء
الشعبية حيث شهدت السنوات الثلاثة السابقة على الثورة أكثر من 2500 تحرك
احتجاجي، كما يخطئ أيضاً من يعتبر أن هذه الثورة هي مجرد ثورة قامت فقط من
أجل نزاهة الانتخابات وتداول السلطة بين قوى اليمين لأن الجماهير الشعبية
رفعت الشعارات الوطنية المعادية لأمريكا وإسرائيل والشعارات الاجتماعية
المطالبة بالعدالة الاجتماعية وتطهير البلاد من الفاسدين واللصوص من
الرأسماليين الكبار إلى جانب شعارات الديمقراطية والدولة المدنية وإتاحة
الحريات منذ بداية اندلاع الثورة.


ورغم هذا الزخم الثوري فإن
الثورة لم تنجح في بلورة قيادة ثورية مدنية تتولى السلطة وتقود الجماهير
لتحقيق أهداف الثورة وذلك بسبب ضعف القوى الثورية والتقدمية، وبسبب
انتهازية الكثير من الأحزاب والقوى السياسية الليبرالية التي أسرعت لتقسيم
كعكة السلطة غير عابئة بما يحيط بالثورة والوطن من أخطار جسيمة تهددهما ..
ونتيجة لذلك تولى المجلس العسكري السلطة الذي سعى إلى الحفاظ على توجهات
وسياسات النظام القديم وإلى التواطؤ مع التيار الإسلامي في ترتيب المرحلة
الانتقالية بشكل خاطئ ومتعمد لإجهاض الثورة والإسراع بالانتخابات
البرلمانية التي أدت إلى هيمنة التيار الإسلامي على غالبية مقاعد البرلمان
مع إعطاء هذا التيار الدور الفاعل والرئيسي في تشكيل الجمعية التأسيسية
لوضع دستور جديد للبلاد…


ونتيجة لذلك فأننا نعيش الآن في مصر في ظل
تناقض غريب بسبب عدم النجاح في بلورة قيادة موحدة وفاعلة للثورة طوال
الأشهر الماضية .. فمن ناحية هناك حالة ثورية ومزاج ثوري للجماهير ولكن من
جانب آخر لا يوجد لدى قطاعات واسعة من هذه الجماهير المشاركة في الثورة
وعياً ثورياً يتناسب مع هذه الحالة .. وينعكس ذلك بوضوح في نتائج
الانتخابات البرلمانية التي أدت إلى فوز كبير للتيار الإسلامي والليبرالي
ووجود هامش ومحدود لقوى اليسار وممثلي الائتلافات الشبابية رغم انها لعبت
دوراً هاماً في تفجير هذه الثورة.


ان نجاح التيار الإسلامي الذي
يضم الإخوان المسلمين (حزب الحرية والعدالة) والتيار السلفي (حزب النور)
والجماعة الإسلامية (حزب البناء والتنمية) وحزب الوسط في تحقيق أغلبية
كبيرة في الانتخابات البرلمانية في مصر، وكذلك النجاح الكبير الذي حققه حزب
النهضة في تونس والذي نتوقع أن يستمر في كل من ليبيا واليمن، يعكس تغييراً
واضحاً في طبيعة تركيب السلطة في هذه البلدان في المرحلة القادمة وهو
الوضع الذي تسعى الولايات المتحدة والدول الإمبريالية وقوى الرجعية العربية
إلى احتواؤه للحفاظ على مصالحها الحيوية وضمان أمن إسرائيل في المستقبل.


ونحن
نرى ضرورة قيام قوى اليسار بتحليل موضوعي لهذه النتائج وتقييم دقيق وعلمي
لبرنامج هذه الأحزاب ولطبيعة القوى الاجتماعية التي تستند إليها ورصد دقيق
للاختلافات فيما بينها حتى تستطيع قوى اليسار رسم استراتيچية صحيحة وتكتيك
سليم في مواجهتها .. كما يجب إجراء تحليل عميق أيضاً لمعرفة أسباب فشل
اليسار في هذه الانتخابات.


إلاّ أننا نستطيع أن نؤكد أن التصويت في
الانتخابات البرلمانية المصرية تم في معظمه على أساس طائفي ديني وليس على
أساس البرامج السياسية والتوجهات الاجتماعية، وأن هناك كم كبير من
الانتهاكات قد شاب هذه الانتخابات في توجيه الناخبين خارج اللجان وداخلها
خلافاً للقانون، وفي تجاوز سقف الإنفاق بشكل هائل وفي استخدام المساجد ودور
العبادة للدعاية للتيار الإسلامي وتكفير القوى الليبرالية واليسارية ..
وفي هذا الصدد ينبغي توضيح أن نتائج هذه الانتخابات لم تعكس الإرادة
الثورية للجماهير ولكنها كانت نتاج لحالة الردة الشاملة التي عانت منها
البلاد طوال أكثر من ثلاثين عاماً ..


كما أن تحليل البرامج
الانتخابية لمعظم أحزاب التيار الإسلامي يؤكد انها تدعم اقتصاد السوق ولا
تختلف كثيراً عن التوجهات الاقتصادية والاجتماعية للنظام السابق والتي
تتشابه أيضاً مع برامج الكثير من الأحزاب الليبرالية التي نجحت في دخول
البرلمان مثل حزب الوفد والمصريين الأحرار.


كما أن متابعة مواقف
هذه الأحزاب وتصريحات قادتها تكشف عن سعيها لإرضاء أمريكا وتطمين إسرائيل
من خلال إعلان احترامها لاتفاقيات كامب ديڤيد وكافة الاتفاقات التي وقعها
النظام السابق.


وهناك صراع حقيقي يدور الآن بين ثلاثة أطراف أساسية
في مصر والتي تمثل شرعية الثورة (ميادين التحرير) وشرعية صناديق
الانتخابات، وشرعية السلطة الفعلية (المجلس العسكري) وفي هذا السياق يسعى
المجلس العسكري والتيار الإسلامي وخاصة الإخوان المسلمين إلى عقد صفقة
لتقاسم السلطة على حساب قوى الثورة والجماهير الشعبية. ونحن نعتقد أن ما
سوف تسفر عنه الشهور القادمة من تطورات وخاصة في مصر سوف يكون له تأثيراً
كبيراً على مسار الأحداث في المنطقة خلال المرحلة المقبلة.


المهام الملحة لقوى اليسار في هذه المرحلة

تتطلب
مواجهة هذه الأوضاع الجديدة من قوى اليسار أن توحد قواها في كل قطر وعلى
مستوى العالم العربي وان تناضل معاً من أجل تحقيق أهدافها في عدد من
المجالات الأساسية:


أولاً : في المجال الديمقراطي

إذا
كانت الديمقراطية بالمفهوم البرجوازي تعني كفالة الحريات السياسية أساساً
للطبقات المالكة والمستغِلة وتداول السلطة فيما بينها، إلاّ أن الديمقراطية
في مفهومنا لها أساس اجتماعي وطبقي مختلف لأنها تستهدف توفير الحرية
أساساً للأغلبية الساحقة المضطهدة من العمال والفلاحين والكادحين وضمان
مشاركتهم في إدارة الدولة والمجتمع وتوفير الحقوق الاجتماعية والاقتصادية
لهم (الحق في التعليم والصحة والسكن والعمل). والمطلوب هو استمرار النضال
للوصول إلى صيغة جديدة للديمقراطية تتجاوز الحدود الضيقة للديمقراطية
الليبرالية. إلاّ أن هذا لا يعني الشطب بالقلم الأحمر على كل جوانب
الديمقراطية الليبرالية لأن فيها جوانب هامة يجب التشبث بها وإعطاؤها
مضموناً طبقياً جديداً يكفل الاستخدام المتكافئ للحقوق والحريات بالنسبة
لجميع المواطنين.


كما أن حقوق الإنسان التي تكفلها المواثيق
الدولية والحريات السياسية ليست أبداً منحة من البرجوازية أو من النظام
الرأٍسمالي، إنما هي حصيلة كفاح الإنسانية الطويل ضد الاستغلال والقهر
الطبقي عبر عقود من النضالات والتضحيات ويجب على الديمقراطية الاشتراكية أن
ترث كل ما له قيمة في التطور التاريخي السابق وأن تحترم القيم الديمقراطية
التي أفرزها الفكر السياسي والقانوني التقدمي عبر القرون.


وعلى
الأحزاب الشيوعية والقوى التقدمية أن تؤكد على أن الديمقراطية هي منهاج عمل
مستمر وليست مجرد أداة للوصول إلى السلطة، كما عليها التمسك بمبدأ
«علمانية الدولة» وضرورة التصدي للإرهاب الفكري وعمليات التشويه لمفهوم
العلمانية التي تعني في حقيقتها فصل الدين عن الدولة وليس انتزاع الدين
قصراً من المجتمع كما علينا أن نؤكد على التمسك بشعار «مدنية الدولة» في
مواجهة من ينادون بدولة دينية أو بحكم العسكر. ولابد أيضاً من التأكيد على
استقلال الجامعات ومعاهد البحث العلمي واستقلال القضاء.


إن
الاستمرار في اختزال المشهد الثوري في مجرد الصراع على الانتخابات وتداول
السلطة وتسليط أبواق الإعلام على ذلك يخفي حقيقة الصراع الحقيقي الذي يدور
في المجتمعات وهو صراع المصالح الطبقية الذي يشكل وقود الحركة الإضرابية
العمالية والحركات الاحتجاجية الاجتماعية التي باتت تهدد مصالح الرأسمالية
الكبيرة الحاكمة والتي سوف تؤدي إلى الفرز الحقيقي بين القوى التي تقف مع
استمرار الثورة والقوى المعادية لها كما أن استمرار هذا الصراع الاجتماعي
سوف يزيل كل المساحيق التي تتلون بها القوى السياسية التي تتمسح بالثورة
سواء كانت ليبرالية أو إسلامية أو عسكرية والتي تقف جميعاً ضد الحركة
العمالية والفلاحية والطلابية وتسعى إلى قمعها ومحاصرتها.


ولذلك
فإن النجاح في تحقيق الأهداف الاجتماعية والديمقراطية والوطنية يتطلب اتخاذ
مواقف واضحة من كبار الرأسماليين وكبار ملاك الأراضي والاحتكاريين
والفاسدين وتطهير البنوك والمؤسسات الاقتصادية منهم. كما يتطلب النضال
الديمقراطي والسياسي والاجتماعي ضرورة بناء وتطوير المنظمات الجماهيرية
للطبقات الشعبية مثل اتحادات العمال والنقابات المستقلة واتحادات الفلاحين
والطلاب والنقابات المهنية والحركات الشبابية ومجالس حقيقية للحكم المحلي
في المدن والقرى والأحياء لكي تصبح الأداة الحقيقية لتعبئة وتنظيم جهود هذه
الطبقات والفئات للدفاع عن مصالحهم الاقتصادية المباشرة وحقوقهم
الاجتماعية والارتقاء بها في اتجاه النضال السياسي والثوري باستخدام كافة
أساليب النضال الديمقراطي التي لا تتوقف فقط عند حدود النضال البرلماني رغم
أهميته ولكنها تمتد أيضاً لتشمل كافة الأساليب الديمقراطية الأخرى ابتداء
من كتابة العرائض وصولاً للإضراب العام والعصيان المدني وذلك حتى تستطيع
هذه الطبقات النضال من أجل تغيير النهج الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق تنمية
شاملة معتمدة على الذات لصالح الجماهير الشعبية.


وعلى قوى اليسار
أت تسعى لتشكيل جبهات وطنية ديمقراطية في البلدان العربية للتصدي للمخطط
الإمبريالي الصهيوني في المنطقة وللخروج من دائرة التبعية والتأكيد على
الاستقلال الاقتصادي للبلاد وفي نفس الوقت لابد من توحيد القوى المدنية
والديمقراطية للتصدي للقوى الرجعية والمتسترة بالدين وإجهاض مشروعها الخطير
لإقامة الدولة الدينية وبالتوازي مع هذين المحورين وفي القلب منهما لابد
من تفعيل جبهة القوى الاشتراكية وتركيز عملها وسط الطبقة العاملة والفلاحين
والكادحين ودعمهم لبناء منظماتهم الجماهيرية والنضال من أجل تحقيق وإنجاز
برنامج واضح لتحقيق مطالبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.


ثانياً : في مجال التحرر الوطني ومناهضة الإمبريالية والصهيونية


القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للشعوب العربية في مواجهتها مع
أعدائها وخاصة أمريكا وإسرائيل وتمثل القضية الفلسطينية واحداً من أهم
محاور النضال من أجل التحرر الوطني سواء على صعيد الشعب الفلسطيني ضد سياسة
الاحتلال والاستيطان والتوسع والقمع الإسرائيلي أو على صعيد الشعوب
العربية ضد الهيمنة الأمريكية وخضوع العديد من الأنظمة العربية الحاكمة
لها. تلك الهيمنة التي تمثل السند الحقيقي للصلف الإسرائيلي وتحديها
للقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة الذي لا يمكن استمراره بدون الدعم
العسكري والاقتصادي اللامحدود من الولايات المتحدة لإسرائيل والتي تم زرعها
في المنطقة لتكون قاعدة للإمبريالية والاستعمار.


ولابد أن تعمل
قوى اليسار الفلسطيني والعربي على إنهاء الانقسام في صفوف الشعب الفلسطيني
واستمرار مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل واستعادة الصراع العربي الصهيوني
لطابعه الوطني التحرري .. وان تواصل قوى اليسار العربي نضالها دفاعاً عن حق
الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة
السيادة وعاصمتها القدس وإزالة المستوطنات وضمان حق العودة للاجئين. وإنهاء
احتلال إسرائيل لكافة الأراضي العربية في الجولان السورية ومزارع شبعا
اللبنانية.


– النضال من أجل إزالة كافة أشكال الوجود العسكري
الأمريكي أو لحلف الناتو في البلدان العربية ورفض منح أمريكا لإية تسهيلات
عسكرية في أراضيها ومياهها ووقف أي مناورات مشتركة معها .. ورفض التدخل
العسكري الأجنبي في شئون أي دولة عربية مهما كانت المبررات.



الضغط من أجل تنفيذ مشروعات مشتركة بشأن استخدام الطاقة النووية لتحقيق
أهداف سلمية وإنهاء احتكار إسرائيل للسلاح النووي والنضال من أجل جعل منطقة
الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.



رفض المشروع الأمريكي الهادف إلى إقامة درع صاروخي على سفن في البحر
المتوسط وفوق أراضي بلدان شبه جزيرة البلقان لأنه مشروع يستهدف منطقة الشرق
الأوسط بدعوى منع أي دولة في المنطقة من استخدام أسلحة نووية فتكون
النتيجة استخدام هذا الدرع لحماية أمن إسرائيل مع ضرورة التنسيق مع الدول
الكبرى التي ترفض هذا المشروع.


– النضال ضد مخطط تقسيم الدول
العربية على أساس ديني طائفي ولابد من الانتباه لهذا المخطط خاصة في ظل
تصاعد دور التيار الإسلامي ومتابعة علاقة هذه الحركات بالولايات المتحدة
الأمريكية وخاصة ما يتصل بالصراع الشيعي السني في وقت تتصاعد فيه نذر
التهديد بالحرب ضد إيران.


– حشد الشعوب العربية والقوى
الديمقراطية والتقدمية للتضامن مع ثورات الشعوب في البلدان العربية ضد
النظم المستبدة وضد كل مؤامرات القوى الرجعية والإمبريالية العالمية لإجهاض
هذه الثورات واحتوائها.


– حشد الشعوب العربية للوقوف مع أي قطر
عربي يواجه تحديات كبيرة تواجه أمنه الوطني مثل محاولة بعض الدول المدعومة
من الإمبريالية العالمية للانتقاص من حقوق مصر في مياه النيل.



التنسيق بين الأحزاب الشيوعية وقوى اليسار العربي في المؤتمرات الدولية
للأحزاب والقوى الاشتراكية والعمالية العالمية والسعي لتقديم رؤية مشتركة
واضحة مع التخديم عليها إعلامياً خاصة في القضايا الملتبسة أو الخلافية مثل
إصرار العديد من الأحزاب اليسارية في العالم على عدم ذكر «العالم العربي»
والإصرار على الحديث فقط عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكذلك
نظرتهم الخاطئة لطبيعة الوضع الثوري في المنطقة العربية.


ثالثاً : في المجال الاقتصادي والاجتماعي

نحن
نتفق مع التوجهات الأساسية التي جاءت في ورقة الحزب الشيوعي اللبناني حول
«المسألة الاقتصادية الاجتماعية» وفي هذا الإطار نؤكد أن خبرة الأربعين
عاماً الأخيرة من تبني سياسة الانفتاح الاقتصادي عام 1974 في مصر تشهد على
عجز الرأسمالية المصرية عن تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية ورفضها لأي
مشروع وطني للتنمية للتخلص من التبعية والتخلف بل لقد أدت سياساتها
وممارستها إلى ارتباطها بالشركات الاحتكارية الدولية وميلها للأنشطة التي
تحقق أرباحاً سريعة ولا تساعد على بناء ركائز للتنمية وإرساء قواعد للتصنيع
.. وبالتالي فلا يمكن أن تقود هذه الرأسمالية التابعة والضعيفة والطفيلية
تنمية شاملة معتمدة على الذات أساساً ولذلك فإن الاستمرار في ترك الأمور
للقطاع الخاص وقوى السوق يعني الاستمرار في السير على طريق التردي وتكريس
التبعية والتخلف.


ولذلك لابد للدولة والقطاع العام في هذه المرحلة
من لعب دور قيادي في التنمية ودور أساسي في الاستثمار ليس فقط في مجال
الخدمات العامة ولكن في مجالات الإنتاج الكمي وعلى مستوى الصناعات
الاستراتيچية والقمم المسيطرة على الاقتصاد وضورة تأمين نهضة صناعية
وزراعية تكون هي الأساس في التنمية القابلة للاستمرار كما لابد من التخطيط
للتنسيق بين القرارات الاقتصادية حتى لا تترك الأمور لقوى السوق التي ثبت
فشلها.


وفي هذا الصدد فأننا نؤكد على أن دور الدولة ودور التخطيط
في التنمية لا يعني مناهضة القطاع الخاص أو استبعاد آليات السوق كلياً،
فثمة مجال للقطاع الخاص المنتج تحت رقابة الدولة وهناك مجال للجمع بين
آليات التخطيط وآليات السوق ولكن الأساس في هذه المرحلة هو أن تكون عملية
القيادة من الدولة وقطاعها العام وأن تكون الآلية الرئيسية للتنسيق بين
القرارات الاقتصادية هي التخطيط والآلية المساعدة هي قوى السوق.


والشرط
الضروري لاستقلالية التنمية الشاملة والخروج من دائرة التبعية هو زيادة
معدل الإدخار المحلي والاعتماد على القوى والموارد الذاتية حيث أن معدل
الإدخار الحالي في مصر (15%) وهو معدل يقل كثيراً عن معدل الإدخار في
العديد من دول العالم والذي يصل إلى ما بين 25 – 40%.


ولابد من
تعبئة المدخرات الوطنية لاستثمارها في الصناعة والزراعة أساساً بدلاً من
تبديدها في بناء القرى السياحية الفاخرة والإسكان المتميز في المدن الجديدة
والإنفاق الحكومي الترفي، كما لابد من تنظيم عملية الاستيراد والرقابة
عليها للحد من النزعة الاستهلاكية الترفية، ولابد أيضاً من إعادة توزيع
الدخل وفرض ضرائب تصاعدية، وتوجيه نتائج وثمار التنمية للطبقات والشرائح
الاجتماعية الأكثر حرماناً من محدودي الدخل والفقراء في المدينة والريف
وتحقيق التوازن بين المحافظات في المناطق المحرومة وذات التصنيف المحدود من
الصناعة والزراعة المتطورة.


على أن تبني الدول الرأسمالية الكبرى
لنهج الثورة العملية التكنولوچية وعولمتها قد فرض على مصر وغيرها من بلدان
العالم الثالث أن تتبنى هي الأخرى نهج هذه الثورة بما يتفق مع ظروفها وما
يحقق مصالحها بدلاً من الاندماج في العولمة الرأسمالية وفي اقتصادات
شركاتها المتعدية القوميات مما يفاقم من علاقات التبعية ولهذا لابد لقوى
اليسار والأحزاب الشيوعية أن تتخذ الخطوات التالية لمواجهة تفاقم هذه
العلاقات والعمل على تقويضها:


– رفض المشروع العربي لتسوية الصراع
العربي الصهيوني الذي تم إقراره في القمة العربية والذي يقضي بإقامة
علاقات طبيعية مع إسرائيل بعد انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية لأنه
وفقاً للخبرة السابقة فإن الكثير من الأنظمة العربية شرعت في تنظيم علاقات
مع إسرائيل عقب إبرام اتفاقية أوسلو، ولذلك فإن قسم كبير من الرأسمالية
العربية سوف يهرول لإقامة علاقات مع الشركات الإسرائيلية متذرعين بتوقيع أي
اتفاقية سعياً للربح وغالباً ستكون وكالات تمثل هذه الشركات لتسويق
منتجاتها مما يساهم في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الذي روجت له أمريكا
وإسرائيل.


– اتخاذ إجراءات واضحة لمناهضة ممارسات النهب التي
تمارسها الشركات المتعدية الجنسية حيث أدت العولمة الرأسمالية واستثمار
نتائج الثورة العلمية التكنولوچية إلى تشكيل وحدات تابعة للشركات المتعدية
القوميات في البلدان النامية مما فرض على هذه البلدان علاقات من التبعية
التكنولوچية والمعرفية والثقافية وأصبح ما يحوّل من البلدان النامية إلى
البلدان الرأسمالية الكبرى في صورة أرباح وفوائد وأقساط ديون وبراءات
الاختراع أكبر بكثير من رؤوس الأموال التي تصدرها هذه البلدان للدول
النامية.


– توفير الأمن الغذائي لمصر والبلدان العربية باعتباره
مسألة حيوية لمواجهة تفاقم التبعية في ظل العولمة الرأسمالية حيث استطاعت
الدول الرأسمالية الكبرى نتيجة استخدامها التكنولوچية الحيوية أن تتحول إلى
بلداناً مصدرة للسلع الزراعية بعد أن كانت مستوردة لها من بلدان العالم
الثالث، بل وتمكنت الرأسماليات المتطورة من خفض استيرادها من المواد الخام
بعد أن نجحت في تخليق مواد خام مصنعة أخف وزناً وأكثر صلابة أو مرونة حسب
الطلب وهو تطور يفرض على البلدان العربية أن تتعاون مع الدول النامية حتى
تتمكن من المنافسة في إنتاج تكنولوچيا المواد.


– السعي إلى إقامة
الصناعات كثيفة التكنولوچيا التي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة لتنمية أعمال
البحث والتطوير لإقامة الصناعات الحيوية والقطاعات القائدة في الاقتصاد
الحديث وهذا يتطلب ضرورة تدخل الدولة لتنمية هذه القطاعات وإقامتها أو
مشاركة القطاع الخاص في ملكيتها مع مراعاة أن هناك حاجة ضرورية أيضاً إلى
تطوير وإقامة المشروعات الكثيفة العمالة مثل صناعة الغزل والنسيج والملابس
الجاهزة والصناعات الغذائية وغيرها للحد من مشكلة البطالة مع العمل على
توفير الحماية لها لفترة كافية حتى تستطيع زيادة قدرتها التنافسية.



تطوير التعليم في كافة مراحله باعتباره الركيزة الأساسية في تحقيق
التنمية الشاملة المعتمدة على الذات والمسألة لم تعد فقط توفير حق المواطن
في التعليم على أهمية هذا الحق مع غيره من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية
والثقافية، ولكن في البحث عن كيفية أن يصبح هذا التعليم والعلم مدخلاً
حاسماً في نسيج عمليات الإنتاج الاقتصادي والمعرفي وما يتطلبه ذلك من ضرورة
تطوير البحث العلمي أيضاً لتوقير العلماء في كافة المعارف والعلوم لمواجهة
الحاجة الضرورية إلى مصادر آمنة ودائمة للطاقة وتنمية تكنولوچيا المعلومات
والتكنولوچيا الحيوية.


0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0

وفي
الختام، يتوجه الحزب الشيوعي المصري بالتحية والتقدير للرفاق في الحزب
الشيوعي اللبناني على ما بذلوه من جهد كبير في تنظيم واستضافة «اللقاء
اليساري العربي» في دورات انعقاده الثلاث وكذلك على متابعتهم لنتائج هذه
اللقاءات والتي نأمل من خلال جهدنا المشترك في تواصلها وتطويرها حتى يكون
هذا اللقاء أداة فاعلة لدعم القوى الاشتراكية العربية بفصائلها المتعددة
وتوحيد جهودها في هذه المرحلة الفاصلة لمواجهة التحديات الكبرى التي
تواجهها سواء على مستوى كل قطر عربي أو على مستوى العالم العربي ككل.


يناير 2012 الحزب الشيوعي المصري



اقرأ المزيد

الحراك السياسي في مصر بعد ثورة الربيع العربي

تلوَّن المشهد السياسي المصري منذ أيام بعدة ألوان وأطياف غاضبة من الشارع المصري تجاه ما يحدث في ظل الرئيس المنتخب محمد مرسي.

وقد
تكون المرحلة الانتقالية التي تشهدها الساحة المصرية تعكس استمرار الصراع
بين ثقافتي الديمقراطية والدكتاتورية، وأيضاً مدى إمكانية تفعيل
الديمقراطية عبر آليات تستمد قوتها من الشارع الذي جاء بثورة (25 يناير/
كانون الثاني 2011).

والسؤال الذي يرد إلى الأذهان في ظل أجواء مرحلة
الصحوة العربية… هو هل يتحقق المناخ الحر في مجتمعات عربية مازالت تعيش
عالماً يخلو من مبادئ تعزز المواطنة وليس مبادئ تعزز الخنوع والخوف
والتبعية؟ كثير من شباب ثورة الربيع المصرية؛ يرون اليوم أن الثورة اختُطفت
من جماعات ربما تحرص على مصالحها وتمهد لدكتاتورية من نوع ومقاس آخر يختلف
عما شهدته مصر في حقبها التاريخية السابقة.

ولقد كان الكثير منا
يأمل في وقت سابق «ماذا لو نهضت مصر بمرسي؟» وكنا نعول على تغيير حقيقي،
ونعتقد بأن ثورة الشباب وحماسهم نحو مستقبل أفضل تدعم صمود الشارع المصري
كغيره من الشعوب العربية حتى يحقق الحرية والنظام السياسي الذي يحفظ حقوقه
ومكتسباته.

الكاتب الصحافي المصري مصطفى بكري كتب مقالاً بعنوان:
«دكتاتورية الإخوان تحكم مصر» في (27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012) قال فيه
محذراً: « تطورات بالغة الخطورة تشهدها مصر، والتي خرجت من قبضة نظام
مستبد، إلى قبضة نظام أكثر استبداداً ودكتاتورية، وخاصة بعد أن انقضَّت
جماعة الإخوان المسلمين على المفاصل الأساسية للدولة، وراحت تمارس سياسة
قهر المعارضين، وتهديد الإعلاميين، والتعدي عليهم، وإطلاق التصريحات بذبح
المناوئين، سياسة الإخوان في تطور يعد الأخطر في تاريخ الحياة السياسية
المصرية منذ أمد بعيد، ويكشف عن النزعة الاستبدادية للجماعة، وميليشياتها
التي انطلقت في الأيام الماضية، تمارس حملات قمعية غير مسبوقة في مواجهة
الإعلاميين والمعارضين».

هذا الحوار بحد ذاته يُعبِّر عن بيئة جديدة،
وعن حراك مختلف عن الماضي… بكري أيضاً استشهد بما قاله رئيس مركز ابن
خلدون سعدالدين إبراهيم الذي أوضح أن «معظم أعضاء جبهة إنقاذ مصر التي تم
تشكيلها مؤخراً يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن الإخوان المسلمين «انتهازيون» و
«أنانيون» و «مستبدون»… من ذلك أنهم لم ينزلوا إلى ميدان التحرير
للمشاركة في ثورة يناير إلا في يومها الخامس وبعد أن تأكدوا أن الثورة
ستنجح بهم أو بدونهم، ثم كانوا أول من انصرفوا من ميدان التحرير استعداداً
لاختطاف الثورة، وهذه هي الانتهازية بعينها، وهم أنانيون من حيث أنهم لا
يرغبون في أن تشاركهم أطراف في جني أي عمل، على رغم أنهم قد يقولون غير ذلك
إلى أن يتمكنوا، فينحوا حديثهم عن المشاركة جانباً ويتحول سلوكهم إلى
المغالبة، وهم لا يؤمنون بالحوار والديمقراطية، حتى داخل جماعتهم، وإنما
بالسمع والطاعة، ألم يفصلوا أحد قيادتهم وهو عبد المنعم أبوالفتوح بمجرد
أنه أبدى رغبته في الترشح للمنصب الرئاسي دون الرجوع إلى مكتب الإرشاد؟».

هذه
الآراء وهذه الانتقادات التي تحيط بالمشهد السياسي في مصر تعطينا صورة عن
تبعات أي محاولة لإعادة نشر ممارسات يُنظر إليها بالشك وتُعتبر بعيدة عن
المطلب الديمقراطي الذي انتفض من أجله شعب مصر، أحد البلدان الرئيسية التي
شهدت ربيعاً عربيّاً من خلال ثورة الشباب.

إن الحراك في مصر بعد ثورة
الربيع العربي يبرهن على أن ثقافة الحرية والديمقراطية التي أسقطت
الدكتاتورية ستقاوم أي محاولة لإعادة الوضع إلى السابق. وبالتالي فإن الغضب
المتصاعد من قبل الشارع المصري هو نتيجة لثقافة جديدة ترفض الممارسات
التعسفية وترفض تكميم الأفواه.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

بين القاهرة وقندهار



في
زمنٍ قريب من ذاك الذي تأسست فيه حركة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز،
نشأت منظمة التضامن بين الشعوب الآسيوية والإفريقية . كان العالم آنذاك غير
العالم اليوم: حركة التحرر الوطني والقومي من الاستعمار والهيمنة الأجنبية
كانت موجة عارمة تجتاح بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكانت شعوب
هذه البلدان بحاجة للتآزر والتضامن في ما بينها .


وكان
قادةٌ من الوزن الثقيل برزوا كممثلين لتلك الشعوب التي نهضت بعد قهر طويل،
لذا لم تكن مصادفةً أن القاهرة بالذات، من بين كل العواصم، اختيرت مقراً
لتلك المنظمة، فقد كانت مصر الناصرية بسياستها الخارجية المستقلة، الموجهة
لنصرة الشعوب الطامحة للتحرر، وبسياستها الداخلية الموجهة نحو التنمية
والنهوض بأوضاع الناس، علامة للأهداف التي تبنتها منظمة التضامن في ميثاق
تأسيسها .


لم
يعد العالم كما كان، ولم يعد عالمنا العربي بالذات كذلك، ليس بالقياس لما
كان عليه يومها، وإنما أيضاً بالقياس لما كان عليه منذ عامين وحتى أقل، حيث
عصفت به ولا تزال موجة من التغييرات مازالت في حالٍ من السيولة بحيث يصعب
تحديد وجهتها النهائية .


في
هذا المناخ التأم ممثلو المنظمات الوطنية الأعضاء في المنظمة الأم في
مدينة مراكش المغربية منذ يومين أو ثلاثة، ليبحثوا في أمر هذه المتغيرات،
وفي جعبتهم الكثير من الأسئلة والقليل من الأجوبة وهم يجتهدون لبلورة رؤية
حول الدور الذين يمكن أن تؤديه المنظمة وأعضاؤها، وكان لافتاً أن ترى
الوجوه المخضرمة التي عرفناها وهي في ذروة عطائها، وقد بدت عليها، واضحة،
تجاعيد الزمن وآثاره .


قال
الحاضرون أشياء بعضها متشابه، وبعضها ينطوي على شيء من الاختلاف، ولكنهم
أجمعوا أن ثمة حاجة لخطاب جديد يلائم وضعاً مستجداً غير مسبوق، ومن النقاش
تبين أن ما كان يُعد بديهياً لم يعد كذلك، وأن ثمة أشياء كنا نظن أن الزمن
حسمها إيجابياً، فإذا به، ماكراً، يعيدنا إلى نقطة البدء . 


البيان
الختامي توقف طويلاً، وليس عبثاً، أمام السجال حول هوية الدولة الوطنية
العربية، أتكون مدنية أو دينية، ليعيد تعريف المُعرف، ربما لأن الدولة
ذاتها كبنية راسخة تواجه خطر التفكيك، فثمةَ من يريد أن تُحكم القاهرة أو
تونس أو سواهما، لا بمنهاج الدولة، وإنما بطريقة الإمارة “الإسلامية” في
قندهار .
اقرأ المزيد

الهروب للأمام

من الواضح تماماً أنه ما لم تكن هناك إرادة حقيقية للإصلاح، فإن محاولات
الهروب للأمام، وحملات العلاقات العامة الخارجية، وتثبيت الحل الأمني، لن
يفضي إلى أية نتيجة، سواء في الداخل أو الخارج، وخصوصاً إن صاحب كل ذلك،
تضييق على الحريات العامة والدينية وقمع حرية الرأي والتعبير، وسحب جنسيات
المواطنين.

فعلى المستوى الداخلي، فإن هذه الأمور لن تزيد الوضع إلا
احتقاناً سياسياً، وخسائر في الأرواح والممتلكات، وركوداً اقتصادياً، وهروب
الاستثمارات الأجنبية، وشقاقاً بين مكونات المجتمع البحريني، وكل ذلك يمثل
كلفة باهظة لا تستطيع البحرين احتمالها.

في حين أن محاولات تجميل
صورة الوضع البحريني في الخارج، سواء عن طريق شركات العلاقات العامة، أو
الوفود الرسمية، أثبتت حتى الآن فشلها في إقناع دول العالم والمنظمات
الحقوقية الدولية بوجهة النظر الرسمية من أن الحراك الشعبي في البحرين حراك
طائفي مدعوم من الخارج.

فحتى حكومة الولايات المتحدة الأميركية،
والتي تعتبر دول الخليج والبحرين شريكاً مهماً واستراتيجياً وصديقاً قديماً
لها، تؤكد على لسان المتحدثة الرسمية للخارجية الأميركية، فيكتوريا
نولاند، أن البحرين «مازالت متأخرة في تنفيذ كامل توصيات اللجنة البحرينية
المستقلة لتقصي الحقائق، لاسيما فيما يتعلق بمساءلة الرسميين عن الإساءات،
والقيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع، وإصلاحات ذات مغزى في قطاع
الأمن والبيئة السياسية، التي أصبحت قاسية على نحو متزايد فيما يخص
المصالحة».

فيما ترى بريطانيا، وعلى لسان وزير شئون الشرق الأوسط،
أليستر بيرت، أن «البحرين بطيئة في تنفيذ التوصيات، وأن هناك الكثير جداً
مما يتعين عمله بشأن تخفيف الرقابة والسماح بحرية أكبر للمعارضة للاتصال
بوسائل الإعلام، وشمول قوات الأمن أفراد من كل طوائف المجتمع، كما أن هناك
علامات استفهام بشأن المساءلة عن حالات الوفاة ومزاعم التعذيب عقب
الإضرابات في 2011».

وخذ على هذا المنوال، مجلس اللوردات البريطاني
والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والتي سترسل فريقاً
حقوقياً إلى البحرين بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول لمراجعة التدابير التي
اتخذتها الحكومة لتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق،
والتوصيات التي وافقت عليها البحرين خلال الاستعراض الدوري الشامل، الذي
جرى مؤخراً من قبل مجلس حقوق الإنسان في جنيف.

أما رئيس اللجنة
البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، محمود شريف بسيوني، والذي يمكن أن يقول
الكلمة الفصل في هذا الموضوع، فهو يؤكد «إن تنفيذ التوصيات يتسم بعدم
الكفاية، وإن هناك عدداً من التوصيات الخاصة بالمحاسبة التي لم تنفذ أو تم
تنفيذها على مضض، ولم تحقق النيابة العامة حتى الآن في أكثر من 300 قضية
تعذيب مزعوم ينطوي بعضها على حالات وفاة في أثناء الاحتجاز».

ويقول
«لا يمكنك القول بتحقيق العدالة حين تكون المطالبة بتحويل البحرين إلى
جمهورية هي السجن المؤبد، بينما يعاقب الضابط الذي أطلق النار مراراً على
رجل أعزل من مسافة قريبة بالسجن لمدة سبعة أعوام فقط».

إذن، فليس
المعارضة فقط هي من ترى أن البحرين لم تطبق التوصيات بشكل جدي، ولكن الجميع
يرى ذلك، ويرى أن الهروب إلى الأمام، لا يمكن أن يحل المشاكل، وأن من غير
المقبول أن يتم تقديم كلف وتضحيات باهظة، وخصوصاً إن كانت المطالب الشعبية
لا يمكن إلغاؤها، وسيتم تحقيقها، إن لم يكن الآن، ففي المستقبل القريب.

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

ديمقراطية المرة الواحدة



حتى
أكثر الناس تشاؤماً وخشية من إمساك الإخوان المسلمين بمفاصل الدولة
والمجتمع في مصر، لم يكونوا يتوقعون السرعة الفائقة في إنجاز ذلك من قبل
الإخوان، قبل قرارات الرئيس محمد مرسي التي جعل، بموجبها، من شخصه مصدراً
لكل السلطات، فيما وصفه مراقبون بالانقلاب على الشرعية، ورأى فيها آخرون
خطوة غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث، التي لم يبلغ بها الانفراد بالسلطة
حد ما ذهب إليه الإخوان بقرارات مرسي الأخيرة .


وهناك من هوَّن قبل “انقلاب” مرسي من مخاطر وصول الإخوان للسلطة في مصر وفي بلدان عربية أخرى لأنه  يرى
أن أقوى سند قُدم ويُقدم لبعض القوى غير الديمقراطية في بنيتها الفكرية
والسياسية، هو إبقاؤها في خانة المعارضة، وعدم الدفع بها لأن تضع ما تعد به
من برامج على محك الاختبار الفعلي، لأنه من السهل الذهاب بالمعارضة إلى
أقصى الاحتمالات، لكن المعضلة تنشأ حين يصبح المعارضون في السلطة، حيث
يتعين عليهم إثبات أنهم قادرون على تصحيح ما كانوا ينتقدونه .


وكان
هؤلاء المهونون يعولون على الآليات الديمقراطية ذاتها التي عبرها وصل
الأخوان إلى السلطة، حين رأوا أنها جديرة بتصحيح الخيارات الخاطئة، فما
يبدو نجاحاً قد يتحول مع الوقت إلى مأزق، حين تنتظر الناس التي منحت
أصواتها للأخوان تحسناً ملموساً في أوضاعها فلا تجده، ناهيك عن مصادرة
الحريات المدنية، ما يوفر فرصة عدم تجديد الثقة لهم في الانتخابات القادمة
أو التي بعدها، وتمكين الناس أنفسهم من إعادة توجيه المخرجات الانتخابية في
مدار آخر .


هل
يكون هذا ما وعاه الأخوان فأرادوا معاجلة التململ الشعبي والسياسي من
أدائهم بقرارات مرسي، تمهيداً لفرض دستور وفق مقاسهم، ومصادرة كامل الفضاء
السياسي في البلاد، وليثبتوا أن الإسلاميين يؤمنون بديمقراطية المرة
الواحدة  فقط التي تمكنهم من الوصول للسلطة، ليلغوها بعد ذلك؟


يبقى
سؤال: هل آنس الرئيس مرسي في نفسه اطمئناناً قبل إصدار قراراته الأخيرة،
إثر نشر الصحافة الأمريكية تقارير الثناء عليه التي تضمنت إشادة الرئيس
الأمريكي باراك أوباما بنظيره المصري، وبما أظهره من براغماتية، أثناء
التفاوض لإنهاء الحرب الأخيرة بين حماس و”إسرائيل”، الذي قادته كلينتون
بإشراف أوباما نفسه عبر التواصل المباشر بالهاتف مع مرسي؟ 
اقرأ المزيد

المثقف المذعور من الرأي الآخر



ما
من علاقة مملوءة بالالتباس والتعقيد والتشابك والغموض مثل علاقة المثقف
بالسلطة . تقليدياً كانت هذه العلاقة محاطة بما هو مدعاة للفضول وللنقاش
لأنها ملأى بالمفارقات، ربما لأن “سلطة” الثقافة، حين نعني بها المكانة
المعنوية أو الرمزية التي تمثلها هذه الثقافة، جعلت طرفي العلاقة في حالة
تجاذب، وراوحت هذه العلاقة بين القطيعة التي تجعل السلطة في خصام مع
المثقف، يصل إلى حد اضطهاد هذا المثقف أو عزله أو محاربته، وبين تماهٍ رخيص
يصبح معه المثقف أداة، ويصادر المساحة التي يجب أن تفصل بينه وبين هذه
السلطة، بصرف النظر عن طبيعة هذه السلطة، لأن حسابات السلطة، هي في الإجمال
مختلفة عن حسابات المثقف الذي يشتغل في حقل مختلف كلية عن الحقل السياسي
المباشر الذي تشغله السلطة . إنه معني بالرموز والمفاهيم والإشارات،
بالمعادل التخيلي للواقع الذي قد يفترق عنه، لا بل ويناقضه في العديد من
الحالات .


ليست
هذه الإشكالية ابنة اليوم، حتى تاريخنا العربي الإسلامي مملوء بالأمثلة
على العلاقة المعقدة بين المبدع والحاكم . إن مثال ابن خلدون على النحو
الدرامي الذي صاغه سعد الله ونوس في “منمنمات تاريخية”، أو مثال المتنبي،
لأدلة ساطعة على أن المبدع عرضة للتقلبات في هذه العلاقة، بالشكل الذي يجعل
سيرته الذاتية مثقلة باللحظات الصعبة التي عليه ان يختار في أثنائها أياً
من المواقع عليه أن يقف فيه، وهو اختيار نعلم أنه يتضمن محكاً عملياً لهذا
المبدع، ليس لأنه يتصل بمصداقيته فقط، ولكن لأن حساسية هذا المبدع ورهافته
هي التي تكون أولاً قيد الاختبار .


كان
سعد الدين إبراهيم قد صاغ منذ سنوات مفهوم تجسير الهوة بين المثقف والسلطة
في البلدان العربية، داعياً إلى إقامة جسر ينهي القطيعة بينهما، وهي دعوة
حمّالة أوجه، بسبب أنها تحتمل أكثر من تأويل، لأن الموضوع مادام يتصل
بتجسير الهوة، فمن هو المطالب أن يخطو نحو الآخر: السلطة أم المثقف؟ وإذا
ما انطلق المرء من معاينة للمشهد الثقافي العربي، فمن المنطقي أن يرى أن
السلطة هي المعنية بمثل هذه الخطوة، لأن نصيب المثقف من العزلة والتهميش،
لا بل والاضطهاد إنما يتم على أيادي السلطات، لكن هذا القول السديد إنما
ينطبق بدرجة أولى على تلك الشريحة من المثقفين والمبدعين الحقيقيين الذين
كان نصيبهم الإهمال والمحاربة، لأن ثمة شرائح أخرى وجدت عبر رادارات  قوية في رؤوسها الطريق الذي يجعلها دائماً في الموقع الملائم والمريح .


ثمة
جانب آخر كبير الأهمية في هذا السياق يتصل بنمط من المثقفين يصبحون في
علاقتهم مع زملائهم ومع الآراء والأفكار الأخرى أكثر تسلطاً من السلطة
نفسها التي تبدو في حالات معينة أكثر رحابة وتسامحاً من هؤلاء المثقفين،
ومرة كتب الناقد السعودي عبدالله الغذامي عن نموذج الطاغية حينما تصنعه
الثقافة، ملاحظاً أن المثقف نفسه قد يصبح طاغية . من جهته دعا الشاعر
العراقي نبيل ياسين إلى تفكيك صورة المثقف العربي الداعي إلى الديمقراطية
والمذعور منها في آن، ملاحظاً أن قسماً من المثقفين دعاة الديمقراطية ليسوا
هم أنفسهم بديمقراطيي التكوين في محيطهم الضيق، وفي علاقتهم مع الآراء
والأفكار المغايرة .


في
كلمات: إن المثقف العربي الذي يزعم مكافحة الطغيان قد يكون هو الآخر طاغية
إزاء من يختلف معه في الرأي أو الموقف . والأمثلة، قديمها وطازجها، أكثر
من أن تُحصى .
اقرأ المزيد

مشاركة البحرينيين في الربيع العربي وفي إغاثة غزة

تعيش بلدان المنطقة العربية أجواءً مفعمةً بالتوتر والدم، سواءً كانت مع الحرب الشعواء التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة دون رحمة، أو مع الأنظمة العربية التي تشن هي الأخرى حرباً قاسية دون رحمة ضد إرادة الشعوب في التغيير والحرية والكرامة، ضمن صحوة الشعوب التي تشهدها شوارع وميادين العواصم في بلدان الربيع العربي. ومن حق البحرينيين الشعور بالفخر والاعتزاز بأنه وعلى الرغم من صغر بلادهم الا انهم يشاركون الآخرين في الربيع العربي وفي إغاثة غزة.

ورغم تسارع وتيرة التغييرات في المنطقة، إلا أن تمسُّك الشعوب بالتغيير مازال مستمراً في مناهضة من يقاوم أو يزايد على ثورات الربيع، أو من خلال قمع المسيرات الشعبية لمجرد المطالبة بالحرية، وذلك عبر إصدار قرارت المنع والعقاب. وهو أسلوب متبع في ظل استخفاف الأنظمة بحقوق الإنسان، واستمرار لغة الدبلوماسية الناعمة من قبل المجتمع الدولي.

وما يُقرأ في المشهد السياسي العربي، يبدو جلياً أن دول المنطقة مشغولة في حياكة مؤامرات الفرقة في مجتمعاتها وبث سموم الطائفية من أجل استمرار القبضة التي لا تأبه بحرية وعدالة للآخر، لمقاومة الحراك الشعبي، لكن هذا لا يمكن صدّه أو المراهنة على الوقت، لأن ما تحمله سمات المرحلة الحالية يختلف كثيراًَ عما عاصرته هذه الأنظمة قبل أربعين عاماً.

ولهذا فإن ما يميز المرحلة التي جاءت بعد الربيع العربي، هو صمود الشعوب واستمرار حراك الشارع رغم كل الضغوط التي تصاحب هذه المرحلة، التي تشد أزرها في نشر مبادئ حقوق الإنسان العالمية. هذه المبادئ التي تعد جزءاً لا يتجزأ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ولقد عكست هذه المفاهيم ما يحدث في كل بلد عربي، لسبب بسيط وهو غياب الحرية والعدالة، ولذا فإن استغاثة الشعوب ببعضها البعض ليس أمراً غريباً ولا مستبعداً لأي فرد عربي يريد أن يدعم غزة التي تفتقد العدالة كلياً، والإنصاف الدولي أيضاً دون أية اعتبارات أخرى.

هذا الكلام يعكس تلك الروح السائدة لما قام به ثلاثة أطباء بحرينيين (نبيل تمام، طه الدرازي وعارف رجب) ودخولهم مع الأطباء المصريين (50 طبيباً) إلى خان يونس جنوبي قطاع غزة، مساء أمس الأول (الجمعة 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012)، وذلك تمهيداً للبدء في علاج الجرحى والمصابين جراء العدوان الإسرائيلي الذي تعرّض له القطاع خلال الأيام الماضية.

وهي ليست المرة الأولى لهذا الفريق البحريني، فقد سبق مشاركة أطباء بحرينيين على المستوى الأهلي في معالجة جرحى غزة في العام 2008 لكل من الطبيبين علي العكري ونبيل تمام.

أطباء البحرين الثلاثة التقوا بوزير الصحة الفلسطيني، قبل أن يصلوا إلى مقر الهلال الأحمر الفلسطيني في خان يونس. هذا ولم تتحدد المدة التي سيقضيها الأطباء الثلاثة، إذ يعتمد ذلك على الظروف الأمنية، ومدى الحاجة إليهم داخل القطاع. وهو ما يأتي أيضاً ضمن إطار المجموعات التي قدمت من قبل منظمة «أطباء بلا حدود» الذين تمكّنوا في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني من دخول غزة استجابة للطوارئ.

هؤلاء الأطباء الثلاثة الذين يُلاحَقُون يلاحقون في بلادهم كضريبة لمعالجتهم جرحى وقعوا أثناء الاحتجاجات، وهم من خيرة أبناء البحرين المخلصين، وكغيرهم من أصحاب المهن الإنسانية التي تمتلئ في عالمنا العربي، يحلمون بغدٍ إنساني أفضل تنتشر فيه العدالة لجميع البشر، تماماً مثل ما تحلم الشعوب العربية في زمن الربيع العربي.

إن أهل غزة كما هي شعوب المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط، جمعيهم يبحث عن لغة واحدة، وحراك إنساني واحد، يضم جميع أطياف المجتمعات العربية. ان شعوب المنطقة تناضل من أجل عدالة حقيقية لتنتشر في كل بلد عربي تتناصر وتقف مع بعضها البعض ضد الاستبداد والظلم.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

قرض الصندوق لمصر




فجأة
أصبح قرض صندوق النقد الدولي المزمع تقديمه لمصر مثار جدل ومحل تغطية
واسعة من جانب أجهزة الإعلام المحلية المصرية وبعض أجهزة الإعلام العربية .
واللافت أن تكثيف التغطيات الإخبارية لهذا القرض جاء مواكباً لزيارة وفد
الفنيين أو الخبراء من صندوق النقد إلى القاهرة لمناقشة تفاصيل الجوانب
الإجرائية والفنية/المالية المتصلة بفترة السداد وفترة السماح وسعر الفائدة
ومتطلبات أو اشتراطات تأهيل مصر للحصول على القرض .






راديو
بي .بي .سي . الناطق بالعربية أفرد لموضوع القرض مساحة واسعة من تغطياته
الإخبارية والتحليلية، واستضاف مصريين في حوارات لاستطلاع آرائهم والدلو
بدلوهم في مدى أهمية القرض لمصر . وقبل زيارة الوفد الفني لصندوق النقد
الدولي كانت رئيسة الصندوق كريستين لاغارد قد زارت مصر في شهر أغسطس/آب
الماضي واجتمعت مع الرئيس المصري محمد مرسي ورئيس الوزراء هشام قنديل
وناقشت معهما إجراءات تقديم واعتماد القرض وما اعتبرته رئيسة الصندوق حاجة
مصر العاجلة والطارئة لهذا القرض .






تعود
قصة هذا القرض الى نحو أكثر من عام حين تفاوضت حكومة رئيس الوزراء المصري
السابق كمال الجنزوري مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 2 .3
مليار دولار، والآن وبعد وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم رفعوا قيمة
القرض المطلوب الى 8 .4 مليار دولار بواقع 6 .1 مليار دولار الى 8 .4
مليار دولار بحسب استمارة تجديد الطلب وتصريح وزير المالية المصري ممتاز
السعيد .






الطريف
أن طلب القرض من جانب حكومة الجنزوري لم يستدع وقتها كل هذا الجدل الدائر
اليوم بشأنه، بل ان الكثيرين ومنهم الإخوان المسلمين انتقدوا خطوة
الاستدانة من صندوق النقد ليعودوا اليوم، وقد احتلوا موقع الجنزوري،
ليدافعوا عن أهمية القرض الملحة والعاجلة للاقتصاد المصري، حتى شبهة الربا
أُبعدت عن هذا القرض، بدعوى أن الفائدة المفروضة عليه لا تتجاوز 1% (إنها
في الواقع 1 .1% وفقاً لشروط التفاوض المبدئية بين الطرفين حتى الآن) .






فجأة
صار لهذا القرض مؤيدون ومدافعون كثر يظهرون على أثير الإذاعات والقنوات
التلفزيونية وصفحات الجرائد، ويسوقون في ذلك مبررات يسيئون بها من حيث لا
يدرون إلى طاقات الاقتصاد المصري وقدرته الداخلية على توليد وخلق التراكم
الرأسمالي، ويقللون من شأن إمكانية توقف مصر عن “إدمان” عادة الاستدانة
لتمويل إنفاقها الجاري، غير المكترث للإنفاق الرأسمالي على المشاريع .
وأطلق بعضهم فزاعات تهويلية من قبيل ان احتياطيات البنك المركزي المصري من
النقد الأجنبي لا تكاد تغطي فاتورة واردات مصر لمدة ثلاثة أشهر حتى مع
إضافة الوديعتين السعودية والقطرية (مليار دولار) التي انخفضت الى أدنى
مستوياتها (نحو 13 مليار دولار) بسبب تراجع إيرادات مصر من السياحة ومن
بقية مصادر إيراداتها التقليدية وتراجع الاستثمار الأجنبي، وان مصر، لهذا
السبب بحاجة إلى قرض الصندوق .






إنما
السؤال: هل تستطيع مصر إدارة أزمة عجوزات ماليتها العامة ومديونيتها
(الخارجية خصوصاً) وتصحيح أوضاعها المالية بما يشمل قدرتها على سداد هذا
القرض خلال 5 سنوات؟ . . وهل أخذت بعين اعتبارها انعكاسات ذلك على ارتفاع
مديونيتها الخارجية (8 .33 مليار دولار حاليا + 8 .4 مليار دولار قيمة قرض
الصندوق = 6 .38 مليار دولار) الذي سيجد ترجمته بالضرورة في تصنيف مصر
الائتماني؟






وبعيداً
عن الحماس الذي أظهره البعض في تأييده وتسويغه للحصول على قرض صندوق
النقد، دعونا نتساءل بهدوء وقد جرت العادة أن “تحف أرجل” الدول النامية وهي
تطرق أبواب الصندوق طلباً لقرض إسعافي تعالج به اختلالات موازين مدفوعاتها
فلا تحصل عليه إلا بعد معاناة من اجتماعات ماراثونية مع خبراء الصندوق
وبعد تكبيلها بشروط قاسية معروفة تفاصيلها مسبقاً، لماذا يحدث العكس في
الحالة التي نحن بصددها، حيث تذهب رئيسة الصندوق كريستين لاغارد بنفسها الى
القاهرة لتسويق القرض وبشروط يمكن اعتبارها ميسرة (في الظاهر حتى الآن)
قياسا ب”تقاليد” الصندوق في منح القروض؟






على
هذا التساؤل ربما يكون “التيار الشعبي المصري” الذي يقوده المرشح الرئاسي
السابق حمدين صباحي من خلال البيان الذي نشره التيار على صفحته بموقع
التواصل الاجتماعي “فيس بوك” السبت 3 نوفمبر/تشرين ثاني 2012 والذي دعا فيه
إلى اطلاق حملة ارسال رسالة الكترونية موحدة ضد موقع صندوق النقد الدولي
تعبيرا عن رفض المصريين لقرض الصندوق، معبرا عن رفضه الكامل لأي قروض
يمنحها صندوق النقد الدولي لمصر، لافتاً الى أن “هذا القرض يزيد من فقر مصر
وشروطه تتدخل في سياستنا الاقتصادية، وهذا أمر لا نقبله”، مشيراً إلى وجود
العديد من البدائل الاقتصادية الوطنية للقرض، وأن تاريخ صندوق النقد
الدولي في اقراضنا كانت له نتائج كارثية على اقتصادنا وتشريد عمالنا وافقار
أهالينا، وأن الشعب سيبذل قصارى جهده للضغط على القيادة السياسية للبلاد
لوقف هذا القرض مهما كان الثمن” .






أن
تتعهد مصر بعدم إبرام أى اتفاقات مالية أو الحصول على أى قروض دون موافقة
البنك الدولي، أحقية البنك الدولي في مراجعة ميزانية مصر، مراجعة ميزانية
مصر حتى لا يحدث تضخم، أن تتعهد مصر بتركيز تنميتها على مشروع السد العالي
فقط وتخصيص ثلث دخلها لمدة عشر سنوات لهذا الغرض .






بما
مؤداه تقييد قرارات مصر التنموية السيادية المستقلة . فهناك خشية من أن
يكون تهافت الصندوق على منح القرض لمصر يهدف لتأمين استمرار تقييد السياسة
الاقتصادية المصرية المستقلة . وهذا ما سنتوسع في عرضه في المبحث التالي في
هذا الموضوع البالغ الأهمية والحساسية .

اقرأ المزيد

يعود كطائر العنقاء . . ولكن!



كطائر العنقاء يخرج الرئيس الأمريكي باراك
أوباما من تحت الركام الذي هاله عليه غلاة اليمين الجمهوري المتطرف، بهدف قطع طريق
العودة عليه إلى البيت الأبيض، وإيصال “فارسهم الهمام” ميت رومني للحلول محله في
كرسي الرئاسة الأمريكية . . قاطعاً، في اللحظة الأخيرة الحاسمة، الشك باليقين، بعد
أن راحت الأنباء في الأسبوع الذي سبق يوم الحسم التاريخي في السادس من
نوفمبر/تشرين الثاني ،2012 تراهن على نتائج استطلاعات الرأي التي كانت تشير إلى
تقارب حظوظ المرشحين أوباما ورومني في الفوز بالكرسي “البيضاوي” . وهذا بالفعل ما
أسفرت عنه الانتخابات من نتائج، حيث لم يتجاوز عدد الأصوات التي تفوّق بها الرئيس
أوباما على رومني على المستوى الوطني سوى نحو 600 ألف صوت، أي أقل من واحد في
المئة من الأصوات . ولكن الواحد في المئة هي التي أمنت له الفوز المريح بحصوله على
أصوات 303 من إجمالي المجمع الانتخابي البالغ 538 صوتاً تمثّل أصوات جميع الولايات
الأمريكية الخمسين، أي بأكثر من عدد الأصوات المطلوبة لفوزه والبالغة 270 صوتاً . 
  
واللافت أنه برغم السجل البالغ السوء لأداء
الإدارة الجمهورية السابقة برئاسة جورج دبليو بوش في مجال الاقتصاد والسياسة
الخارجية، إلا أن الجمهوريين ومرشحهم ميت رومني لم يترددوا طوال الحملة الانتخابية
عن استخدام أبشع الوسائل لمحاولة النيل من خصمهم الرئيس باراك أوباما، سامحين
لأنفسهم في بعض الأحيان لتخطي الخطوط الحمر، بتهجمهم الشخصي المشين على الرئيس
أوباما، بإثارة مواضيع انتمائه الديني والعرقي والتشكيك في ولائه ل”إسرائيل” التي
هي “قدس الأقداس” بالنسبة للزمرة الليكودية في تيار اليمين المتطرف الذي صار يقترب
أكثر فأكثر من مواقع الفاشية الجديدة المتفشية في أوساط ميليشيات اليمين الأمريكي
المتطرف وحتى في أوساط ما يسمى بحزب الشاي “Tea Party”، الجناح الأكثر خطورة الذي صعد نجمه داخل
تيار الحزب الجمهوري، بعد خسارة مرشح الحزب جون ماكين أمام باراك أوباما في
انتخابات الرئاسة الماضية . 
  
اعتقد الجمهوريون للحظة أن الإعصار “ساندي”
الذي ضرب خصوصاً ولايتي نيويورك ونيوجيرسي وألحق بهما دماراً هائلاً قبل بضعة أيام
من موعد الانتخابات، بمثابة هدية من السماء يمكن أن تكون نقمة على أوباما وحظوظه
الانتخابية . لكن الرئيس أوباما، وعلى عكس منافسه رومني أظهر خصاله كقائد للأمة
حين تلم بها الشدائد، فأكسبته “انتفاضة” الطبيعة شعبية إضافية . 
  
ولما أعيتهم الحيلة عاد أفراد طاقم حملة
المرشح الجمهوري للعب بورقة التشهير والتسقيط ضد الرئيس أوباما، فقاموا بتسريب
شريط فيديو يزعمون فيه حصول أوباما على دعم من الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز . حيث
قام طاقم حملة المرشح رومني بنشر ثلاث فقرات إعلانية مدة كل منها 30 دقيقة يوم
الثلاثاء 30 أكتوبر/تشرين الأول 2012 في برنامج تلفزيوني شعبي، يبث باللغة
الإسبانية في ولاية فلوريدا الجنوبية، ثم أُعيد بث الفيلم في اليوم التالي أربع
مرات على محطة البث نفسها . 
  
كان القصد من وراء تسريب هذا الشريط الإساءة
للرئيس أوباما في أوساط الناخبين الأمريكيين من أصول لاتينية، خصوصاً في ولاية
فلوريدا القريبة من الشواطىء الكوبية، حيث تداوم أجهزة الميديا الأمريكية على مدار
الساعة على بث الدعاية السياسية في أوساط المهاجرين الكوبيين والمهاجرين
اللاتينيين بصفة عامة ضد كوبا والرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو ،وضد صديقه
الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز الذي تعده الولايات المتحدة عدواً لدوداً لها، ولا
تترك سانحة إلا واستغلتها في حملتها المعتادة لشيطنة الرئيس الفنزويلي في عيون
الرأي العام الأمريكي، وبالتالي التعريض والتشهير بكل من يرتبط به من قريب أو بعيد
ومنهم الرئيس باراك أوباما في هذه الحالة . 
  
وكل ذلك رغماً عن عدم صحة رواية الشريط
المزورة، من حيث عدم مسؤولية الرئيس أوباما عن تصريح منسوب للرئيس الفنزويلي شافيز
يقول فيه إنه يحبذ فوز الرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية . . ورغم
أن فنزويلا تزود الولايات المتحدة بنحو عُشر (واحد على عشرة) حاجتها من النفط (نحو
مليون برميل يومياً من اجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط البالغة نحو10
ملايين برميل يوميا) . 
  
أما الذي أضحى لافتاً فهو أن مفعول تلك
“المزحة” اليائسة كان معدوماً تقريباً، وذلك ناتج ربما عن ضعف حبكة التلفيق في
الرواية المزعومة . فقد جرت العادة في مثل هذه الحالات، حين يتبيّن الخيط الأبيض
من الخيط الأسود وينكشف البطلان المكذوب لمثل هذه التقولات والادعاءات وأغراضها
الماكرة والخبيثة، فان نتيجتها ترتد على أصحابها وتقوي المدعى عليهم . فذم الأشخص
بما ليس فيهم يقويهم لا يضعفهم . 
  
الآن . . صحيح أن الرئيس باراك أوباما خرج من
تحت الرماد كالعنقاء وخطف الفوز بالكرسي الرئاسي من منافسه الجمهوري رجل الأعمال
المليونير ميت رومني (قُدرت ثروته هذا العام بنحو ربع مليار دولار)، إلا أن أسئلة
جوهرية سوف تبقى معلقة تبحث عن إجابات ما برحت الطبقة الحاكمة الأمريكية تحتكر
السلطة وتنافس بعضها بعضاً . هذه الأسئلة هي: كيف قُيض للجمهوريين أن يجعلوا من
مرشحهم رومني منافساً ندياً حتى آخر لحظة من فرز أصوات الناخبين ولم يتفوق عليه
أوباما سوى بنسبة 1% فقط؟ . . ولماذا تمكنوا من الاحتفاظ بأغلبيتهم في مجلس النواب
رغم مسؤوليتهم الواضحة وضوح الشمس عن الخراب الذي ألحقوه باقتصاد بلادهم ورغم
توريطهم لها في حروب خارج الحدود استنزفت مواردهم وأزهقت أرواح أبنائهم؟! 
  
هذا يعني، ضمن ما يعنيه، أن محصلة الحراك
السياسي في الساحة الأمريكية بقيت كما هي حتى بعد مرور أربع سنوات على هزيمة
الديمقراطيين للجمهوريين في انتخابات الرئاسة، أي تعادل القوتين السياسيتين اللتين
تهيمنان على مقدرات البلاد (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي)، وأن البلاد مازالت
منقسمة إلى نصفين تقريباً . . نصف مع الحزب الديمقراطي والنصف الآخر مع الحزب
الجمهوري . . من الناحية الورقية على الأقل (المُدبجة في كشوفات الناخبين) . 
   وهذا يعني أيضاً أن نزعة
الهيمنة الأمريكية الداخلية ستبقى أحد “منتجات” الصادرات الأمريكية للخارج التي
تعتاش عليها التنافسية الأمريكية في تعظيم جاذبية سلعها وأسواقها، لتشكل على
الدوام حالة من عدم الاستقرار الدولي ما بقيت وما ظهرت حكومات تنزع نحو
الاستقلالية المتسقة مع مصالحها الوطنية
.
اقرأ المزيد