المنشور

تحقيق الاستقرار على المدى البعيد يحتاج إلى «السياسة»

البحرين تحتاج للاستقرار السياسي، والتحدي الأكبر يكمن في كيفية تحقيق
هذا الاستقرار. والخيار أمامنا هو إمّا تحقيق استقرار سياسي «قصير الأمد»
عبر القوة، وإمّا تحقيق استقرار سياسي «طويل الأمد» عبر السياسة. والتفاصيل
بين استخدام القوة أو استخدام السياسة كثيرة جداً. وفي واقع الحال، فإن
السياسة لم تعطَ فرصتها إلا لفترة أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر عندما
انفجرت الأحداث في منتصف فبراير/ شباط 2011. فيما عدا ذلك فإن المطروح على
الساحة هو استخدام القوة لتحقيق الاستقرار.

المشكلة في استخدام القوة
أنها تستطيع أن تحقق استقراراً قصير الأمد فقط، ولم تتمكن أية قوة على وجه
الأرض مهما عظمت أن تحقق استقراراً بعيد الأمد إلا من خلال السياسة.
وقريباً سنكمل عاماً على إصدار تقرير لجنة تقصّي الحقائق، وهذا التقرير
الذي أشرف عليه محمود شريف بسيوني اقترح توصيات تعتمد على الحل السياسي،
ولكن ذلك لم يتحقق كما طرحه التقرير لأن وجهة النظر السائدة مازالت تؤمن
بإمكانية تحقيق الاستقرار عبر استخدام القوة.

إن انعدام الاستقرار
السياسي ينشأ نتيجة لعدم القدرة على معالجة المظالم التي يشعر بها
المواطنون، أو عدد كبير منهم، ومع ترك المظالم من دون معالجة فإنها تتحول
إلى أنماط مختلفة من الصراع وتتفاعل مع الأحداث التي تطرأ على الساحة
المحلية أو الإقليمية أو الدولية لتخرج بصورة مفاجئة، تماماً كما حدث في
مطلع العام 2011.

عدم الالتفات إلى السخط المتزايد على مر السنين،
ومن ثم اتهام من يعبِّر عن رأيه بشتى التهم التقليدية، وتنفيذ مختلف أنواع
العقوبات، وإنزال المزيد من الآلام، وزيادة الانتهاكات لحقوق هذه الفئة من
المجتمع أو تلك، واستضعاف آخرين وتجريدهم من صفة المواطنة، كل ذلك لا يحقق
أمناً أو استقراراً. هذه هي الرسالة التي يوجهها تقرير بسيوني، وهي ذاتها
الرسالة التي توجهها توصيات جنيف لنا جميعاً.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

المشي الحر



ما من قيمة في الحياة في محل تقريظ وإشادة كقيمة الحرية، ولكن ما من قيمة مكبلة بالقيود وبالمحاذير وبالمحظورات مثلما هي الحرية.


إننا جميعاً نمشي بمحاذاة الحائط لأننا اعتدنا الاتكاء عليه ولم نتعلم بعد المشي الحر في الشوارع الفسيحة برجلين طليقتين، ونحن نمشي مطأطئي الرؤوس لأننا اعتدنا أن تكون السقوف واطئة، وأن رؤوسنا دقت بما فيه الكفاية بهذه السقوف حتى أصبنا بالدوار فلم نعد نعي مواقع الجهات الأربع.


ومع الوقت نشأت في دواخلنا سيكولوجيا العبد نحن الذين ولدتنا أمهاتنا أحراراً، وحين نتذكر تلك النصيحة الذهبية التي أطلقها أحد الكتاب “احذر الإنسان الذي يشعر أنه عبد، فلسوف يريد أن يجعل منك عبداً” حتى نشعر بأن ماءً بارداً صب على رؤوسنا، لأننا إذ ندرك في قرارات أنفسنا أننا لسنا أحراراً نمارس التسلط على من نظنهم أدنى مكانة منا. 


في كتابه الطريف “المستطرف الجديد” ينقل الباحث الراحل هادي العلوي أقوالاً وحكماً من التراث العربي الإسلامي تدلل على أن الوعي بهذا الأمر يمتد بعيداً وعميقاً، فينسب للخليفة الراشد عمر بن الخطاب قوله “ما وجد أحد في نفسه كبراً إلا من مهانة يجدها في نفسه”، أما أبو حيان التوحيدي فيقول “ما تعاظم أحد على من دونه، إلا بقدر ما تصاغر لمن فوقه”.


افتقادنا إلى الحرية كشعور بالانطلاق ينسل عميقاً إلى أدق تفاصيل حياتنا، إنه يمس على سبيل المثال قيمة نبيلة كقيمة الحب، من يقول إن عواطفنا حرة، أو إننا نعبر عن مشاعرنا حيال الآخرين بشكل حرٍ ومجرد وخالٍ من الحسابات والاعتبارات؟!
ليس في استطاعة المرء أن يحدد يقيناً إلى أي مدى تكون علاقاتنا بالغير نتيجة لعواطف، لحبنا أو للاحبنا، لعطفنا أو كرهنا، وإلى أي مدى هي محكومة سلفاً بموازين القوى بين الأفراد.


هذه الملاحظة إذا كانت تصح على البشر جميعاً بصرف النظر عن انتماءاتهم وجنسياتهم، فإنها تصح بمقدار مضاعف على مجتمعات مثل مجتمعاتنا العربية “تشيء” فيها حتى العواطف.


“إن طيب الإنسان الحقيقي لا يمكن أن يتجلى بكل صفاء وحرية إلا حيال أولئك الذين لا يمثلون أية قوة”، والقوة هنا مأخوذة بمعناها الشامل وتجلياتها المختلفة التي تتوغل في أصغر الخلايا وتندس في أدق الشرايين 


اقرأ المزيد

“أندلسات”جديدة



كان المستشرق الفرنسي جاك بيرك قريباً جداً من روح وجوهر الحضارة العربية الإسلامية وعاشقاً للغة العربية، ممسكاً بما فيها من جمال وهو القائل إنه حين ينطق العربية يستمتع بنوع خاص من اللذة الحسية والروحية معاً، فهي لغة ساحرة ومتفردة ومتألقة تمكن العرب من خلالها أن يخلقوا من الصحراء والفراغ قوة ذات إشعاع حضاري كبير، لذلك دعا إلى إقامة أندلس جديد، أو مجموعة أندلسات جديدة تلتقي فيها الحضارتان الأوروبية المسيحية والإسلام، أي التقاء الضفتين، ورأى وهو الرجل العلماني في الإسلام هوية للعرب، وفي الاستشراق حوار بين ثقافتين، لذلك أصرّ على التعامل مع الواقع الحي لا مع النصوص .


من يتأمل الواقع الراهن ستبدو له هذه دعوة طوباوية، فلا العرب ولا أوروبا في وارد تشييد مثل هذه الأندلسات من تعايش الأديان وتحاور وتفاعل الثقافات، فعلى ضفتنا العربية نبدو، أكثر ما كنا عليه، مسكونين بعقدة الآخر التي تتجلى في موقفين متعاكسين تماماً ولكنهما يؤديان إلى النتيجة نفسها: أوّلهما النظر إلى الآخر باستعلاء، بزعم أننا نمتلك كلّ الأجوبة عن كلّ الأسئلة، وكل ما هو خارج ثقافتنا فهو منبوذ وكافر ومادي، وثانيهما: هو الشعور بالدونية إزاء ثقافة الآخر وتطوره، حيث ينقصنا في علاقتنا مع هذا الآخر الشعور بالندّية، ناسين أن الحضارة العربية الإسلامية في مراحل ازدهارها لم تجد حرجاً من التعامل مع الثقافات الأخرى والتعلم منها، وإقامة التلاقح بينها وبين ثقافتهم على نحو ما فعلت مع ثقافات السريان والروم والفرس واليونان وغيرهم .


لقد أخذت فترة الفتوحات الإسلامية الكثير من الحضارات السابقة، واكتسبوا منها العلوم والفنون وحتى نمط المعيشة، ومن أسباب قدرة الثقافة والحضارة العربية الإسلامية على النجاح والبقاء طويلاً لقرون، هو قدرتها على الاندماج والتفاعل مع الثقافات الأخرى من دون عقدة، فلم ينظروا إليها على أنها عناصر دخيلة على الإسلام والثقافة العربية، على خلاف ما يجري الحديث عنه في زمن الردّة الراهن عن كلّ قادم من الخارج بصفته عنصراً دخيلاً .


لكن ليس العرب والمسلمون وحدهم مسؤولين عن هذه القطيعة الحضارية، فالغرب هو من يُروج اليوم لفكرة صراع الحضارات التي هي في الجوهر صناعة غربية، على خلاف المتوقع من الغرب “الليبرالي«، حيث تلتقي دعوات الانعزال عندنا مع نظيرتها في الغرب: تطرف في ثقافتنا يقابل تطرفاً آخر داخل الغرب الذي أضفى اللبوس الفكري والفلسفي على مثل هذه الدعوات عبر أفكار صراع الحضارات و”الإسلاموفوبيا”ونهاية التاريخ، وجرى التنكر لتراث التسامح والحرية وقبول الآخر التي عليها قامت النهضة الأوروبية الحديثة، وحين وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وجدت لها العدة النظرية الفلسفية الجاهزة لتفسيرها وتسويقها عن خطر الإرهاب الآتي من الشرق، ومن المسلمين بدرجة أولى، وهو ما مثل الخطاب الأيديولوجي للسياسيين والعسكر في الولايات المتحدة في تبرير حروبهم وتدخلاتهم . 


كان جاك بيرك في دعواته إلى “أندلسات”جديدة يعول على طاقة الثقافة في إعادة الاعتبار إلى مفهوم حوار الحضارات وتفاعل الثقافات والأديان، والتأكيد مجدداً أن الثقافة العالمية في النهاية هي ثقافة واحدة ولكن بروافد مختلفة، أي على نقيض الفهم الضيق للعولمة الثقافية التي تسعى إلى تنميط الثقافات في نسق ثقافي واحد، هدفه فرض الهيمنة، بديلاً للتنوع الذي لا يلغي الوحدة، والوحدة التي تستوعب التنوع .
اقرأ المزيد

الحكم ليس بالعصا فقط – محمد عبدالله محمد

دقِّقوا معي في هذه العبارة: «إن الإنسانية كالجيوش في المعركة،
تقدُّمها مُرتبطٌ بسرعة أبطأ أفرادها». كلمة قالها الأديب الكولومبي الكبير
غابرييل غارسيا ماركيز في روايته «الحب في زمن الكوليرا»، وهي تعبِّر عن
شكل التدافع البشري وتطور الإنسان. والحقيقة أنها تعبيرٌ دقيقٌ، استطاع
المترجم السوري المبدع صالح علماني، أن يُعرِّبها من الإسبانية بشكل بارع
جدّاً.

وعلى رغم أن ماركيز، عنى ما عناه فيها ضمن سياق حبِّ
فلورنتينوا إريزو لـ فيرمانا داثا في تلك الرواية؛ فإنها تصلح أن يُقارَب
بها على أشياء كثيرة. فالصحيح، أن هناك ارتباطاً عضويّاً، ما بين السرعة
والبطء، وما بين التقدم والتأخر. وهما أمران متقابلان، يحصلان في العديد من
المواقع بلا حصر. وبما أنهما كذلك؛ فلا غرابة إن وجدنا ذلك في الدول، إن
لم تكن هي أصل ميكانيزماتها.

فالدولة ليست حالة من التقدم المطلق،
ولا البطء المطلق ولا التقدم أو التأخر المطلقان. هي نِسَبٌ من كل ذلك
تتشارك فيما بينها، وهو ما يجعلها أكثر تعقيدًا من أيِّ شكل وإطار مادي.
وإذا ما تمَّ ضمُّ تركيباتها الثلاثة: الأرض، الشعب والنظام السياسي؛ يصبح
الأمر أكثر وضوحًا من حيث صعوبة عملها. صعوبةٌ تكمن في مراعاة كل تلك
التركيبات بطريقة صحيحة ومتوازنة.

وعندما نراجع أوضاع الدول في
العالم؛ فإننا نجد أن هناك مجموعة مختلفة من النماذج. فهناك نموذج الدولة
في جنوب أوروبا ووسطها وشمالها وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث
العالميْن الإنجلوساكسوني والفرانكفوني. وهناك نماذج نجدها عند اللاتينيين
أو في روسيا الاتحادية، أو في الشرق حيث اليابان والصين والهند ودول
النمور. وهناك أيضًا، نموذج الدولة في منطقة الشرق الأوسط، العربية منها أو
الأعجميَّة: تركيا، إيران، باكستان وغيرها من الدول الشبيهة.

ولأننا
رَبَينَا في المنطقة العربية، التي تعيش هزَّات سياسية عنيفة منذ السابع
عشر من ديسمبر/ كانون الأول من العام 2010 بعد حادثة سيدي بوزيد التونسية؛
فإنه يعنينا الحديث أكثر عن مفهوم الدولة في هذه المنطقة أكثر من غيرها.
والحقيقة، أن الدولة العربية، تشوَّهت كثيرًا منذ الاستقلال في منتصف القرن
المنصرف، وصولاً إلى هذه اللحظة، بفعل عدم التحديث في النظام السياسي.

عدم
التحديث المذكور وتداعياته جعلنا نؤمن بأن أكثر الأشياء سوءًا هو اعتماد
الدولة العربية على الحسِّ الأمني في تسيير شئونها، وأيضًا، على عدم تحرير
النقاش داخل العقل العام من هيمنة الدولة. هذان الأمران، أصبحا سِمة أصيلة
في الدولة العربية مع شديد الأسف. وربما ذكر ذلك الفيلسوف الفرنسي لويس
ألتوسير، عندما أشار إلى طبيعة الأجهزة التي تسَيّرها الدولة.

فـ
ألتوسير يذكر، أن هناك نوعين من الأجهزة داخل الدول: الأول: أجهزة القوة
المادية كالقوات العسكرية المسلحة (الجيش) والشرطة، والثاني: هي الأجهزة
الآيدلوجية، كالمؤسسات التعليمية (المدرسة/ الجامعة) والمؤسسات الدينية
(الكنيسة/ المسجد/ المعبد)، ووسائل الإعلام، التي من وظيفتها احتكار العنف
الرمزي الممارَس من السلطة الحاكمة تجاه المجتمع.

وبالإشارة إلى
الجهاز الأول، والمتعلق بالقوة المادية؛ سنلاحظ، أن اعتماد أي نظام سياسي
على هكذا أمر، سيضعه أمام معادلة قد لا يدركها في أوانها، لكنه سيكتشفها
على المدى البعيد، وهي «مقايضة الشرعية بالطاعة». فالنظم الأمنية، عادة ما
تسعى إلى الهيمنة وتحقيق الطاعة المجَابَة من الناس عبر الفرض، لكنها لا
تتحسس أنها بذلك؛ تقوم بخسارة الشرعية في سبيل طاعة وهميَّة كارتونية
مصنوعة الكَسْر، تتهاوَى أمام أي اختبار جِدِّي حتى ولو كان بسيطًا. حصل
ذلك في دول عدة بشكل مريع، سواء في أوروبا الشرقية أو حتى في عالمنا العربي
والإسلامي.

ليس ذلك فحسب، بل إن ثقافة الإرغام تؤدي آليًا إلى
استنبات بؤر على جسد الدولة والمجتمع، تسعى إلى المواجهة والصِدام، كَوْن
الثقافة الأمنية المتبعة، قد حوَّلتها إلى خصم حقيقي لكنه مكتوم، يتحيَّن
فرصة الوثوب والانقضاض على الحكم. بل ربما أن ذلك الفرض عبر العصا الأمنية
يجعل الدولة مكشوفة الغطاء، أمام أي استشراء سياسي وأمني وحتى فكري قد يأتي
من الخارج، كما حصل بالنسبة إلى الأيرلنديين مع الفرنسيين نكاية
بالانجليز، وكذلك الإيطاليين.

أتذكر، أن الفيلسوف الفرنسي الشهير
ميشيل فوكو (1926 – 1984) كان يتحدث عن ضرورة تحويل السلطة إلى خارج مفهوم
الإكراه الذي يُمارَس على غير الحاكِمين، أو الذين لا يملكونها مثلما كان
يقول. وإن السلطة الحقيقية هي التي تتحوّل إلى عملية استثمار واستناد
متبادل ما بين الحاكم والمحكوم في التصدي للمخاطر المشتركة سواء من الخارج
أو من ذاتيتهما حتى.

فمن غير المعقول، أن تتحوَّل السلطة إلى عصا
غليظة، وتضاعف من استخدامها للعنف المادي والرمزي الذي تملكه، ثم تسعى إلى
نيل شرعية شعبية! هذا الأمر محال. بل وحتى الدول التي سَعى حكامها إلى
الاستناد على هويات فرعية كالطائفة وصلوا إلى طريق، وجدوا فيه أنفسهم وقد
تآكلت من بين جوانحهم كلّ المساحات الجغرافية وحتى الفضاء، ولم يبقَ أمامهم
سوى الرحيل. حَدَث ذلك حتى في العصبيات القومية في مناطق البلقان وفي
منطقة الشام أيضًا.

أما الجهاز الثاني، المسمَّى بالآيديولوجي
(وتحديداً وسائل الإعلام)، فإن تركه عرضة للاستيلاء الرسمي، يُعرِّضه لخطر
داهِمْ. كيف؟ فهذا النوع من الأنشطة في كيان الدولة متروك بالأساس لإنتاج
حالة اجتماعية متقدمة، وتنفيس روحي منضبط، وأفكار رائدة، يقوم بإنتاجها
التدافع البشري الطبيعي. هذا التقدم والانضباط والريادة، لا يمكنه أن يتحقق
بطريقة صحيحة إلاَّ إذا تُرِكَ، وبقيت الدولة تراقبه بالنَّظَارَة فقط، من
دون أن تقحم نفسها في تفصيلاته.

ليس ذلك فحسب، بل لأن هذا الشطر من
القوة الرمزية، يبقى من الحقوق اللصيقة بالمجتمعات التي تميل فطرتها
وجموحها نحوها. وحين تجد من ينازعها على هذا الحق وهذه الفطرة، يصبح الأمر
وكأنه استيلاء غير شرعي تجب مقاومته بكل الوسائل. يضاف إلى كل ذلك، أن
القوة الرمزية التي من المهم أن تكون ضمن حقوق الناس الطبيعية تبقى مروحة
اجتماعية مهمة، تقوم بمقام التنفيس والمواجهة الناعمة مع القوة المادية
التي تستخدمها وتملكها الدولة، وهو جزء من التوازن الدقيق واللازم لصناعة
مجتمع آمن وسليم.

هذا الأمر غاية في الأهمية، بل هو الأصل في الكثير
من الأزمات التي يمر بها عالمنا العربي، الذي يجب أن يُصَان لكي ينال
مكانته الطبيعية أمام العالم.

محمد عبدالله محمد
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

«اللاعنف» منهج استراتيجي لتصحيح الأوضاع

تمرُّ البحرين بأزمة سياسية طال أمدها، وهي أزمة تشعبت وأصبحت لها جوانب
اقتصادية واجتماعية ومعنوية، وتداخلت الآمال بالآلام، وبرزت إلى السطح
مظاهر لم نعهدْها من التنابز والتقاذف والاتهامات والتشكيك، من دون أن نغفل
الآثار المادية، وما حدث في الوظائف، وامتلاء السجون وعودة الكثير من
الناشطين إلى المنافي، وازدحام الساحة بالأحداث المؤسفة التي تتخللها مظاهر
عنف لا نتمنى الاستمرار في رؤيتها.

وبغض النظر عن مختلف التنفسيرات
لما حدث في البحرين؛ فإن التحدي الأكبر الذي نواجهه جميعاً؛ يكمن في إيجاد
عملية سياسية سلمية تستجيب للتطلعات المشروعة لجميع فئات المجتمع، وتمكِّن
من طرح الحلول العملية؛ التي تحتاج إليها البحرين؛ لكي تنهض مرة أخرى.

ولقد
اتخذت ست جمعيات سياسية معارضة (وعد، الوفاق، المنبر التقدمي، التجمع
القومي، الإخاء الوطني، والوحدوي) خطوة استراتيجية في الاتجاه الصحيح؛ من
خلال إشهار «وثيقة اللاعنف» في (7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012) أكدت فيه عدم
انتهاجها في سلوكها أيّاً من أساليب العنف أو تجاوز حقوق الإنسان والآليات
الديمقراطية، معبرة عن إدانتها للعنف بكل أشكاله، ومصادره وأطرافه.

إننا،
في الوقت الذي نرحب فيه بوثيقة المعارضة؛ نعلم أن «اللاعنف» يعبِّر عن
التزام مبدئي في الحياة، وهذا يعني أن «اللاعنف» ليس قبعة يضعها المرء
يوماً ويرميها في يوم آخر، وإنما هو عمل شاق يتطلب جهوداً مضنية ومستمرة؛
لاستلهام أفكار العمل الديمقراطي السلمي، ويتطلب إفساح المجال للمخلصين من
جميع الأطراف لتصحيح الأوضاع.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

ربيع الشباب ووثيقة «اللاعنف» البحرينية

انطلق الربيع العربي بجهود شبابية قررت ممارسة دورها رغم عنف
الديكتاتوريات في المنطقة العربية، كما قررت أن تمارس هذا الدور عن طريق
«اللاعنف»، وهذه هي فلسفة النجاح للشعوب الساعية لتحقيق كرامتها والحصول
على حقوقها.

ولذا فإن أية محاولة لحرف مسار الربيع العربي عبر تجييره
لخدمة أجندات لا تؤمن بالديمقراطية، أو لإخضاعه لوسائل العنف والدمار،
فإنها واقعاً لا تنتمي للصحوة العربية الحالية.

من هنا، لابد من
ضرورة إتاحة الساحة السياسية للجماعات المعارضة والشباب والنساء عبر انتقال
السلطة إلى المؤسسات المنتخبة بإرادة شعبية خالصة، وهو ما يعوّل عليه شارع
الربيع العربي. وهذا لا يتم إلا من خلال استمرار نضال «اللاعنف» الذي يدعو
إلى تحقيق معايير تفعيل وإرساء العمل الديمقراطي ومؤسساته الشرعية، دعم
الحريات العامة والصحافية وحمايتها، استقلال القضاء، وعدم التدخل العسكري
في الشئون المدنية.

وتأتي «وثيقة اللاعنف» التي أصدرتها المعارضة
البحرينية (وعد، الوفاق، المنبر التقدمي، التجمع القومي، الإخاء الوطني،
والوحدوي) في (7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012) لتؤكد على مركزية فلسفة
«اللاعنف» في الحراك البحريني الوطني، وعدم انتهاجها في سلوكها لأيٍّ من
أساليب العنف أو تجاوز حقوق الإنسان والآليات الديمقراطية، معبّرةً عن
إدانتها للعنف بكل أشكاله ومصادره وأطرافه.

لقد جاء هذا الإعلان
ليمثل مبادئ المعارضة البحرينية ومنذ تأسيس كياناتها السياسية في المجتمع
البحريني، باعتبار أن السلمية هي النهج الاستراتيجي في عملها السياسي
سلوكاً وممارسةً، لتحقيق المطالب الوطنية من خلال المشاركة الحقيقية في
صياغة القرار السياسي ورسم مستقبل البلاد في الحرية والديمقراطية والعدالة
الاجتماعية والمواطنة المتساوية والأمن الاجتماعي والسلم الأهلي.

إن
الحراك السياسي والمجتمعي في البحرين له تاريخٌ عريقٌ يمتد قرابة قرنٍ من
الزمان. وما يحدث اليوم في الساحة البحرينية ما هو إلا امتداد لحراك الأمس
وانطلاقاً من الحرية الكاملة المكفولة إنسانياً ودولياً، ووفق المبادئ
الدستورية المتعارف عليها، في تحقيق المطالب السياسية والاجتماعية
والاقتصادية عبر انتهاج الحراك السلمي الحضاري والتمسك بالوحدة الوطنية
اللتين درجت عليهما نضالات الشعب البحريني عبر مراحل تاريخية تعود إلى
عشرينات القرن الماضي وحتى هذه اللحظة.

وهو ما ركزت عليه وثيقة
المعارضة البحرين وما نتج عنه هذا الحراك في مراحل سابقة «وبواسطتهما حقّقت
الاستقلال السياسي وأنتجت أول دستور وبرلمان للبلاد، نطلق نحن الموقّعون
على هذا الاعلان، مبادئ نؤمن ونلتزم بها، ونحفز الآخرين على الأخذ بها
لتكون الإطار الجامع لجميع قوى المجتمع ومكوناته مهما بلغت درجة خلافاتهم
في الرؤى والمواقف، ليبقى الإطار الوطني الجامع هو الانتماء الوطني النابع
من القيم السماوية والإنسانية التي لا تتجزأ ولا تتعارض ولا تصادر».

وتؤكد
الوثيقة أن «من حق الأفراد والمجتمعات اتخاذ كل الوسائل السلمية من حرية
تعبير وتجمع وتنظيم للمطالبة بهذه الحقوق الأساسية، ولا يجوز لأحدٍ معارضة
ذلك فضلاً عن منعهم خصوصاً بالقوة». وتضيف: «واضعين في اعتبارنا أننا نحن
اليوم بأمسّ الحاجة أكثر من أي وقت مضى، وبعمل وطني جماعي من جميع الأطراف
ومن كل المستويات، لترسيخ ثقافة اللاعنف وانتهاج أسلوب الحوار والقبول
بالرأي الآخر والتعددية في الآراء».

من هنا لابد من الإشارة إلى أن
الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية هي جزء لا يتجزأ من
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية،
وبالتالي فإن انتهاكها معناه أن العنف وسيلةٌ لإخماد صوت الشارع، ولكن
إخماده في وقتنا الراهن أصبح مكلفاً للغاية، لأن ربيع الشباب العربي أصبح
مفتوحاً ومتداولاً أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي لا يمكن له أن
يتجاهل ما يحدث في كل ساحة عربية تبحث عن مطالب مشروعة بطريقة سلمية،
بعيداً عن لغة العنف وأساليبه. وهذا ما بدأ به الربيع العربي وسينتهي به في
حال سار على الدرب الذي حلم وطمح به كل شاب عربي.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

التوافق الوطني البحريني المنشود – يعقوب سيادي

نترك سرد الوصف السياسي والحقوقي للديمقراطيات المتبعة في كثرة من
الدول، سواء المتقدمة منها أو دول العالم الثالث، في نواحيه الغربية
والشرقية، الشمالية والجنوبية، نترك ذلك للمتخصصين في علوم السياسة
والاقتصاد والاجتماع والتاريخ لينشروه من باب الثقافة التي يتوجب أن يهتم
بها المواطن. ولكننا سنصف إجراءً توافقياً ديمقراطياً بحرينياً، يغطي
بإيجاز الجوانب التشريعية والرقابية والإدارية (التنفيذية)، ولنحقق أن الحل
يتوجب أن يكون بحرينياً، ولا مرد له لأية دولة لا إقليمياً ولا دولياً ولا
حتى أممياً، إحقاقاً لتوجهات الدولة كسلطات، والشعب بجميع مكوناته من
موالاة ومعارضة، في مناداتهم كلاً من زاويته ومنظوره بعدم الارتهان للخارج.

لكي
يأتي هذا الإجراء بحرينياً يتوجب أولاً أن يشترك في صياغته فقط جميع
مكونات شعب البحرين، والسلطات الحالية من ضمنه، بأفرادهم، لا كأجهزة
ووزارات وجيش وقوات أمن، الشعب بكامله أفراداً، بمن فيهم من اكتسب الجنسية
عبر القانون الحقوقي، بالعيش على أرض الوطن 25 عاماً للأجنبي و15 عاماً
للعربي، ورغب في اكتساب الجنسية، ويكون قد قدم خدمات جليلة مميزة للبحرين،
وانسجم والسيكولوجية الحضارية والثقافية والاجتماعية البحرينية، (ومستثنى
أولئك المجنسون سياسياً…). هذه المكونات الشعبية في جهة، والمؤسسة
الملكية في جهة أخرى، هذه هي مكونات الشعب المستحقة أن تدير الوطن.

ولنا
في المبتدأ أن نتقبل مبدأ النظام السياسي في المملكة الدستورية، التي
تحكمها حالياً نصوص دستورية وقانونية، إلا أن النظام الدستوري والقانوني
الحالي في البحرين قد تنقصه بعض النصوص وقد يحتاج بعضها للمراجعة والتطوير،
ولكن حتماً ينقصها التفعيل الأمين.

ولكي تتهيأ الأرضية الصلبة،
لتوافق الشعب البحريني مع المؤسسة الملكية البحرينية، كطرفين قائمين، على
تفاصيل النظام السياسي المتوجب أن يحكم العلاقة بينهما والتوافق على مؤسسات
السلطات الأخرى من تشريعية ورقابية وتنفيذية وقضائية، لإدارة علاقات
السلطات والأفراد، وإدارة الثروة الوطنية، فلابد من إعادة تشكيل هذه
السلطات، وبعض الأجهزة كجهاز الإعلام، ولابد من تغيير بعض الأفكار
المستحوذة على عقول الأطراف ووجدانهم، أهمها أن الوطن يملكه أبناؤه
تساوياً، وأن جميع العوائل بأفرادها هم مواطنون بلا استثناء، وأن البحرين
وطن مشوه الولادة الحديثة في مواطنيه، وبالتالي ضرورة التصحيح باعتماد كل
من انتمى إليه بالمواطنة بالولادة، لما يعود إلى تاريخ 1 يناير/ كانون
الثاني 1968 وما سبق ذلك، فهو مواطن، ونسله كذلك، وكل من لا تمتد جذوره
لبدء تلك النشأة، أو اكتسب الجنسية بعدها بما ينتقص انتماؤه أو أصله، فهو
مؤجل البث في أمره حقوقياً من دون ضيم إنساني، ولكن لا يحق له المشاركة، في
تأسيس نظام البحرين السياسي الجديد. واعتمدنا هذا التاريخ لارتباطه ببداية
التداول في استقلال البحرين وانسحاب آخر أطراف الاستعمار.

ومن حيث
إن تلك الفترة وما قبلها لغاية يومنا هذا، أفرزت أن هناك حكماً للبلاد، فقد
اكتسب الشرعية التي لا خلاف عليها، إلا فيما يأتي به النظام السياسي
الجديد من سلطات له وصلاحيات. وتبدأ ترتيبات التوافق الوطني البحريني
المنشود، فلا أقل من الإقرار، بكل ما بدر من السلطات، قبلاً ولاحقاً لغاية
اليوم، فيما أسيئ للوطن، وللمواطنين في بعضهم وفي أفرادهم، جراء السياسات
السابقة والحالية، وإعلان النية الجادة الصادقة، لمعالجة الوضع بما يتم
التوافق عليه جراء الحوار الوطني الذي أساسه الثوابت الوطنية التي لا جدل
فيها، في الاستقلال، وأن الشعب مصدر السلطات، ينتخب ويراقب ويحاسب سلطاته
الثلاث، والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع أفراد الشعب، بما في ذلك
الحق السياسي، والصوت الانتخابي المتساوي، متمثلاً في الصوت المتكافئ لكل
فرد من دون توكيل، ومبدأ الحرية والكرامة الإنسانية، وحرية الرأي والتعبير،
التي تقف عند المس بسمعة وكرامة وحرية الأفراد والمؤسسات، والحق العام
لخلق مؤسسات المجتمع المدني، وفصل الدين عن السياسة، فلكل منهما مساحاته،
وعدالة توزيع الثروة، ونبذ التمييز واعتماد مبدأ تكافؤ الفرص، والمساواة في
الخدمات ما بين القرية والمدينة، ومحاربة الفساد الإداري والمالي،
واسترجاع الأملاك العامة، من كل من تعدى عليها، مع عدم جواز تملك الأفراد
والشركات، لمساحات شاسعة من الأراضي والجزر والشواطئ، العامة، ولا يمنع ذلك
جواز الاستثمار فيها لصالح الخزينة العامة، ومن دون تملكها.

وليتبعها
تبييض المعتقلات السياسية، سواء من ارتبطت تهمه السياسية بالجنح والجنايات
أو دونها، وتعويض أهالي من قضى نحبه، وأيضاً تعويض كل المعتقلين المطلق
سراحهم، وكذلك كل من تم تعذيبه ونال من المعاملة المهينة من قبل أجهزة
السلطات، وكل هذه الحالات موثقة بغض النظر عن أحكامها، ولا ننسى حتمية عودة
جميع المفصولين إلى أعمالهم، وإرجاع من تغيرت وظائفهم إلى أصل ما كانوا
فيه، وتعويضهم بدفع رواتبهم بأثر رجعي بدءاً من تاريخ الأثر. وكذلك
المتضررون من رجال الأمن، ممن أدّوا واجب الوظيفة، وتستمر تلك التعويضات
بدءاً من تاريخ الأثر، ولغاية البث في موضوعهم، والإعلان عن النية الصادقة
لمحاسبة كل من تعدى على حقوق الإنسان وأفرط في استخدام القوة، وكل من تجاوز
حدود القانون وتجاوز صلاحيات السلطة، ما يلبي رجوع الأوضاع إلى أصلها إبان
التصويت على الميثاق، لتكون نقطة الانطلاق. كل ذلك لقاء التوقف الفوري عن
ممارسة العنف في صفتيه الرسمية والشعبية، ليتسنى للمجتمع فرز أولئك
الممارسين عبر الاعتقاد الفكري، للعنف المبادر، من دون تفريق ما بينهم في
انتمائهم للسلطات ولأفراد من الشعب، وبالتالي عزلهم مجتمعياً.

لتبدأ
البحرين سباقة بتفردها عالمياً، وتكون أسوةً للعالم، في حل معضلاتها
الداخلية محلياً، من خلال ما ذكرناه وما سنتلوه، وهذا كله لا ينفي تاريخ
البحرين، قديمه وحديثه، ولا يفصل البحرين عن التجارب والتطورات الإنسانية،
وإنما يخلق لنا بداية انطلاق وطنية ممزوجة بما أنتجه الإرث الإنساني من
حداثة، ليتمكن شعب البحرين وحكمُهُ من صياغة نظامه السياسي الجديد، ومن
بعده تكون أحكام سلطاته، مُراجِعَة ومُحاسِبَة لأحداث وأطراف الأزمة.

وإني
سأفترض للتوافق، إبراز تاريخ 15 أغسطس/ آب 1971، تاريخ إعلان الاستقلال،
من بعد الإجماع الشعبي والأميري على عروبة واستقلال البحرين، لنبدأ من
هناك، في صياغة النظام السياسي الجديد، فتكون لدينا تجربة ومعطيات دستور
ومجلس تأسيسي، ومجلس شعب 1973، وتجربة ومعطيات الفترة اللاحقة، بدءاً من حل
مجلس الشعب في 15 أغسطس 1975، ولغاية 14 فبراير/ شباط 2001، يوم التصويت
على الميثاق، ثم العشر سنوات التي تلته، لتبدأ آخر المراحل في 14 فبراير
2011 ولغاية اليوم، لنستقي العبرة ممّا آل إليه الوضع البحريني في جميع
أوجهه، ونتبين دروب الإصلاح في شتى مجالاته.

وليأتي وجوب تشكيل
السلطات بناء على التوافق ما بين الشعب في ممثليه وبين المؤسسة الملكية، من
بعد التوافق بينهما على صياغة دستور جديد للمملكة الدستورية، عبر مراجعة
لدستوري 1973 و2002 من خلال مجلس تأسيسي أو مجلس لتنقيح الدستور، ويحدد هذا
الدستور العلاقة بين سلطات الحكم وسلطات الشعب، ومعيار تشكيل السلطات
التشريعية والقضائية والتنفيذية، والأجهزة التابعة لكل منها وبناء على روح
نصوص الدستور الجديد، الذي لابد أن يجعل تشكيل السلطات عبر الانتخاب
الشعبي، المتكافئ الصوت الانتخابي بحيث ينتخب كل مواطن إما العدد المطلوب
لكل سلطة، إنفاذاً للتمثيل الجمعي، وإما انتخاب عشر (1/10)؛ (10 في المئة)
من العدد المطلوب من بين المترشحين، تحقيقاً للتمثيل النسبي المتوازن، ويحق
له أن يحجب صوته عن بعضهم، لتأتي السلطات ممثلة واقعياً وحقوقياً، لإرادة
الشعب مصدر السلطات جميعها.

ومبدأ الفصل بين مهمات السلطات لا بينها،
مع تكاملها وتواصلها لخدمة الوطن، يوجب أن تقوم كل سلطة بمهمات محددة في
الدستور، بحيث لا تتدخل السلطة التشريعية والرقابية في تنفيذ القوانين
والخدمات، المنوطة أولاها بالسلطة القضائية وثانيتها بالسلطة التنفيذية،
ولا تتداخل مهمات الحكومة ولا المجلس التشريعي بمهمات المجالس المحلية من
مجالس بلدية ومحافظات، والتي يتوجب أن تكون مجالس منتخبة مهماتها مراقبة
الحكومة في عدالة توزيع جميع الخدمات من إسكانية وبلدية وتعليمية ومعيشية
وأمنية، على محافظات البحرين الخمس تساوياً أو بحسب الكفاية.

ولنصل
إلى مثل هذا التوافق، يتوجب على الجميع اعتماد معيار المواطنة، في الحقوق
والواجبات، والتي تجمع الأديان والطوائف في وطن للجميع، من دون مفاضلة لهذا
ولا تمييز ضد ذاك. فهل صعب على البحرين، حكماً وشعباً، خلق وطن يساوي بين
مواطنيه، لتكون سبّاقة؟

يعقوب سيادي
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

المغامرون



في 20 يوليو/تموز من عام 1971 افتتحت شركة البحرين
للسينما التي تأسست في عام 1967 برأسمال قدره 750,000 دينار، المباني الجديدة
لسينما أوال بشارع الزبارة الذي كان يعد آنذاك أحد مراكز الثقل الثقافي في
البحرين، حيث كان يضم بين جنباته اثنين من كبار الأندية التي تضم شريحة مهمة من
النخبة الثقافية البحرينية هما نادي العروبة ونادي الأهلي. وكانت الشركة قد افتتحت
قبل ذلك وتحديداً في 8 يونيه/حزيران 1968 مسرح سينما أوال كأول مسرح مكيف في
البحرين. وكان أول فيلم تعرضه سينما أوال في مبناها الجديد في عام 1971 فيلم “قصة
حب” (Love Story) الشـهير.
أما الفيلـم الثانـي الذي تـلاه مباشـرةً فقـد كـان فيـلم “المغامرون” (The
Adventurers) الذي أُنتج في عام 1969، وكان
يحكي “ملحمة” الانقلابات العسكرية الدموية في أمريكا اللاتينية، حيث
تدور قصة الفيلم حول دبلوماسي من إحدى جمهوريات الموز بأمريكا اللاتينية كان
منغمساً في ملذات حياة الليل في أوروبا حيث كان يفترض فيه تمثيل بلاده، فإذا به
يكتشف أن الصديق الحميم لوالده والذي وصل إلى السلطة أصلاً بمساعدة والده قد نفذ
مؤامرة اغتيال لوالده بطريقة وحشية، فيحدث أن يقرر الابن ترك حياته المترفة في
أوروبا والعودة إلى بلاده لقيادة ثورة ضد النظام ورئيسه ثأراً لأبيه، ليكتشف فيما
بعد أن الأمر ليس بتلك البساطة التي تصورها، حيث يلقى نفس الحتف الذي لقيه والده
قبله. 
  
قصة الفيلم لم تكن قصة مثيرة حافلة بالمغامرات
والغراميات خالصة، فلقد أراد مخرج روايته لويس جيلبيرت التي كان كتبها هارولد
روبنز، أن يبعث برسالة قصيرة “إلى من يهمه الأمر”، مفادها بأن الثورة
تأكل أبناءها. والطريف أن مخرج الفيلم اعترف في لقاء أجرته معه إذاعة بي.بي.سي في
25 يونيه 2010 بأنه فيلم فظيع وانه ما كان يجب عليه إخراجه وهو بالتالي غير فخور
به أبداً. 
  
بعيداً عن تخرصات مخرج الفيلم التي جاءت متأخرة جداً بعد
صناعته للفيلم (حوالي 40 عاماً)، فإن المغامرة (Adventure) التي هي
عبارة عن إتيان فعل غير محسوب العواقب بما ينطوي عليه من قدر معين من الخطر، يكبر
ويصغر بحسب نوع المغامرة، والتي تعج بها أشرطة الحياة اليومية لبني البشر على
المستويات الشخصية والاعتبارية (مغامرات أصحاب الرساميل من أفراد وشركات وصناديق
في أسواق المال والسلع والقطع الأجنبي العالمية)، فإن هذه المغامرة حين يتوسلها
الساسة فإنهم ينقلونها إلى أجواء أكثر خطورة وإثارةً ورعباً، ويعطونها أبعاداً
جديدة تتخطى الحيز المصلحي (الاقتصادي) الضيق إلى الجوانب الأخرى “الأكثر
رحابة” .. اجتماعياً وثقافياً ونفسياً. 
  
فهل في السياسة ما يمكن أن نعتبره مذهباً مغامراً. 
  
نعم هذا ما تُنبئنا به الوقائع التاريخية المتفرقة عبر
العصور، وهذا ما يعتقد به بعض مفكري المذهب البراغماتي وبعض مؤرخي العلاقات
الدولية والتاريخ البشري عموماً مثل نورمان باتريك بيريتور الذي يرى في مؤلفه
“المغامرات في النظرية السياسية” (Adventures in Political Theory) أن بعض الممارسات السياسية الصانعة لتاريخ المجتمعات البشرية،
ينطوي على قسط من المخاطرة والمغامرة. 
  
وبالفعل فهناك عدد لا يستهان به من الساسة الذين يحاولون
استعارة أسلوب بعض المسـتثمرين المغامـرين، من أفراد وصنـاديق اسـتثمار ومؤسسات
ماليـة، في أخـذ قسط من المخاطرة والمغامرة المالية لقاء رفع نسبة العائد على
الاستثمار (Return on Investment)، مع أن
المغامرة في السياسة تختلف عن المغامرة في أسواق المال من حيث أن الأولى تطاول
مصالح الناس ومصائرهم أما الثانية فتنحصر في دائرة صاحب أو أصحاب الحيازة المالية. 
  
على هذا الأساس ذهب بعض المحللين والمتابعين للشأن
التركي في الآونة الأخيرة لوصف توجهات السياسة الداخلية والخارجية لتركيا
بالمغامرة (بكسر الميم)، وتشبيه أداء رئيس حكومتها رجب طيب أردوغان النازع في
الآونة الأخيرة للرعونة والخفة في التعاطي مع التحولات الشرق أوسطية، بأداء بعض
القادة المغامرين الذين أفرزتهم أحداث السنوات الأخيرة في آسيا الوسطى وبعض أنحاء
أفريقيا وأمريكا اللاتينية. فقد كانت لافتة نقلته النوعية المفاجئة من زعيم حزب
حاكم ورئيس حكومة اتصف أداؤه بالهدوء والقوة والتوازن إلى زعيم ثائر يكاد يزج
ببلاده في توريطات مغامرة هي في غنى عنها .. على النحو الذي فعل جنرالات باكستان
حين وافقوا تحت إغراءات الأوهام على تحويل بلادهم إلى قاعدة انطلاق للحرب المقدسة
ضد السوفييت في أفغانستان، فإذا بها اليوم تتحول إلى قاعدة متقدمة لإنتاج وتصدير
الإرهاب المدمر. البعض شبه مغامرة أردوغان الشرق أوسطية بعد فشل مغامرته الأوروبية
(في الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي) بمغامرة الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي
حين قرر احتلال أوسيتيا الجنوبية في 23 مارس 2009، وذلك في إشارة إلى التساؤل حول
ما إذا كان “الناتو” قد دفع أردوغان لإجبار طائرة الأيرباص 320 التي كانت
قادمة من موسكو إلى سوريا وعلى متنها 30 راكباً، على الهبوط في أراضيها ومصادرة
حمولتها والاعتداء على طاقمها وركابها، بما في ذلك محاولة إجبار ركابها وطاقمها
على توقيع أوراق تفيد بأن الطائرة قد هبطت اضطرارياً، وعلى نحو الاستباحات
المتكررة التي يقوم بها الجيش التركي لمناطق الشمال العراقي. ويرى بعض المحللين
بأن تركيا ما كانت لتقدم على هذه المغامرة من دون تحريض من واشنطن والناتو.
اقرأ المزيد

وثيقة اللاعنف

أصدرت الجمعيات المعارضة في البحرين (ست جمعيات هي الوفاق، وعد، المنبر
التقدمي، التجمع الوحدوي، التجمع القومي، والإخاء) يوم الأربعاء الماضي
وثيقة إعلان مبادئ اللاعنف والتي شددت فيها على انتهاجها أسلوب العمل
السلمي في نضالها من أجل المزيد من الحريات الديمقراطية والعدالة
الاجتماعية، مؤكدةً «أن العنف لا يمكن أن يكون وسيلة لتحقيق مطالب مشروعة
أو يستخدم لمنع تحقيق مطالب مشروعة».

وأدانت الجمعيات في هذه الوثيقة
العنف بكل أشكاله ومصادره وأطرافه، متعهدةً أن تدعو في أدبياتها وخطابها
وبرامجها إلى ثقافة اللاعنف وانتهاج السبل السلمية والحضارية.

لا
يمكن إغفال أن هذه الوثيقة صدرت بعد تصاعد أعمال العنف والعنف المضاد في
الشارع والتي كانت ذروتها تفجير خمس عبوات ناسفة محلية الصنع يوم الاثنين
الماضي، ما أسفر عن سقوط ضحيتين آسيويتين وإصابة ضحية ثالثة بإصابات بليغة.
ورغم عدم وجود دليل واحد يربط هذه التفجيرات بالقوى المعارضة في الساحة،
وحتى قبل أن تبدأ وزارة الداخلية بجمع الأدلة، تم اتهام القوى المعارضة
بجميع فصائلها وتلاوينها بالقيام بهذا العمل عبر جميع وسائل الإعلام
الرسمية وشبه الرسمية.

لقد ظلت الاحتجاجات الشعبية في البحرين، حتى
النهاية، متمسكةً بسلميتها رغم الخسائر البشرية التي تكبدتها ورغم سقوط عدد
من القتلى والجرحى، ولم تنجر إلى العنف المضاد إلا بعد أن فقدت الجمعيات
السياسية سيطرتها على الشارع نتيجة التمادي في أشكال العقاب الجماعي
ومحاصرة القرى وإغراقها بالغازات المسيلة للدموع لعدة أشهر، واستخدام أسلحة
الشوزن ما أدى إلى سقوط المزيد من الضحايا.

في مرافعته أمام محكمة
الاستئناف العليا الجنائية قال الأمين العام لجمعية العمل الوطني
الديمقراطي (وعد) إبراهيم شريف «عندما يستخدم الطرفان القوة والعنف لفرض
إرادة كل منهما على الآخر، فإن الفوارق الأخلاقية والقيَمية بين الطرفين
تكاد تختفي ويصبح من الصعب إبعاد اهتمام قوى السلام العالمية للمنظمات
الحقوقية الدولية بعدالة قضيتنا، ونستنفد بذلك الرافعة المعنوية التي
يحتاجها شعبنا للاستمرار في نضاله من أجل دولة ديمقراطية عادلة. العنف
ثقافة ينشأ عليها المستبدون، وهي ثقافة مدمرة للمجتمعات إذا تبنتها الشعوب
وقواها السياسية المعارضة، أما إذا كان الهدف هو التحوّل الديمقراطي فإن
الوسيلة الطبيعية هي الاحتكام للإرادة الشعبية السلمية، إما عن طريق صناديق
الاقتراع، فإذا لم تتوفر، فعن طريق الاحتجاجات السلمية وربما العصيان
المدني».

تصاعد أعمال العنف لا يمكن أن يصب في مصلحة القوى المعارضة
وقضيتها، ولذلك كان لابد أن تصدر هذه الوثيقة قبل أن تدخل البحرين في وضع
أسوأ، ويستغل البعض أجندته لضرب أي تقدم يمكن إحرازه.

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

للبيروقراطيات عادات كالأفراد



“على
المدى الطويل سنكون كلنا أمواتاً«، قائل هذه العبارة هو رجل اقتصاد بارز،
وكان يرد بها على أنصار حرية السوق الذين كانوا يقولون، فيما العالم يغرق
في الأزمة الاقتصادية الكبرى في عشرينات القرن العشرين:”لا تقلقوا،
فالأسواق تضبط نفسها بنفسها، فلنترك لها الوقت، والازدهار سيعود”. وقد رد
الرجل بأن “الأسواق لا تصلح نفسها بنفسها، وعلى كل حال ليس ضمن مهل مناسبة،
على المدى الطويل سنكون كلنا أمواتاً”. وهو بهذه العبارة ينبه إلى أن
الذين يقولون هذا الكلام عن أن الأحوال “على المدى الطويل”ستكون أحسن مما
هي عليه، لا يحسبون الحيوات التي سيُقضى عليها بانتظار ذلك اليوم المزعوم .


والحق
أن هذا التفكير يطرح قضية أخلاقية مهمة، هي إلى أيّ مدى يبدو مقبولاً أن
تتحمل أجيال بعينها تبعات سياسات مؤلمة، تعويلاً على أن هذه السياسات ستعطي
أُكلها في حياة أجيال قادمة؟ فما ذنب جيل بذاته أن يتحمل الآلام، على أمل
أن الجيل القادم سيقطف ثمار هذه الآلام، وهو أمر غير مضمون بدوره، على نحو
ما برهنت تجارب بعض بلدان التوجه الاشتراكي في حقب سابقة؟ ويمكن أن يُقرأ
الأمر معكوساً أيضاً، فما ذنب الأجيال القادمة حين تفرط أجيال حاضرة في
ثروات هي ليست ملكها وحدها، وإنما ملك لأجيال عدة؟ وأكثر ما ينطبق هذا
القول على حال البلدان المصدرة للمعادن ومصادر الطاقة كالنفط مثلاً، كما هو
حال بلداننا الخليجية حيث على أجيال اليوم أن تطرح على ذاتها هذا السؤال
الأخلاقي عن نصيب أجيال المستقبل من الثروة؟


وعاد
اقتصادي بارز معاصر إلى قول رجل الاقتصاد المشار إليه أعلاه وهو يدعو إلى
ما يصفه ب”عولمة ذات وجه إنساني”. إنه جوزيف ستيغليتز الذي نال جائزة نوبل
في الاقتصاد، في معرض تحليله ل”خيبات العولمة”.


لقد
أمضى الرجل نحو سبع سنوات في واشنطن ليس بعيداً عن ولادة السياسة
الاقتصادية الشاملة بصفته عضواً في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون
ورئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين، لكنه بصفته رجل علم وفياً لإخلاصه
العلمي، أدرك أنه ما لم يجر استخلاص العبر الضرورية من الأخطاء، واستمرت
العولمة تُدار بالطريقة التي أديرت بها في الماضي، وتُدار بها الآن، فإنها
لن تؤدي إلى زيادة النمو فحسب، ولكنها في الآن ذاته، ستظل تنشر الفقر وعدم
الاستقرار، وإذا لم يكن هناك إصلاح، فإن العداء للعولمة سيتفاقم .


إن
العولمة في نظر الملايين من الناس زادت أحوالهم فقراً، لأن الكثيرين خسروا
أعمالهم، وباتت حياتهم أقل أماناً من ذي قبل، وأكبر الخاسرين من ذلك هم
سكان العالم النامي، لكن تداعيات سياسية أخرى أكثر شمولاً ستطال العالم
المتطور أيضاً .


وإذ
يدعو الرجل إلى عولمة ذات وجه إنساني، فإنه يعترف بأن تغيير النظام
الاقتصادي العالمي ليس أمراً سهلاً، “فالبيروقراطيات هي كالأفراد: تكتسب
عادات سيئة ونتألم عندما يتوجب تغييرها«، ولكنه يرى أن الإصلاحات ضرورية،
وممكنة أيضاً .


وهذه
الإصلاحات بحاجة إلى دولة فعالة، ذات سلطة قضائية قوية ومستقلة، وإلى دولة
ديمقراطية، متفتحة، شفافة، متحررة من الفساد الذي يقضي على الفاعلية في
القطاعين العام والخاص معاً، وهو هنا يشير إلى البلدان النامية تحديداً
التي يتعين عليها تدبر أمورها وسط غابة دولية من الكواسر .
اقرأ المزيد