المنشور

لماذا استبعاد التحايل والتراخي الضريبي؟



منذ اندلاع أزمة الرهن العقاري وتبعات تداعياتها المتمثلة في الأزمة المالية التي تطورت بدورها إلى أزمة اقتصادية في عام ،2008 وكل المقاربات العلاجية لها، بما فيها تلك التي تضمنتها صفقة الإنقاذ المالي الأخيرة التي توصل إليها الرئيس أوباما وحزبه الديمقراطي الحاكم مع قيادات الحزب الجمهوري في الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، عشية رأس السنة الجديدة، اختار واضعوها تجنب واستبعاد التحايل والتراخي الضريبي الذي يحرم الخزينة الأمريكية من إيرادات كفيلة بتعزيز موقفها المالي على أقل تقدير – استبعادهما من أية خطط وبرامج لمعالجة الأزمة المالية المركبة (أزمة عجز موازنة وأزمة مديونية عامة) .

والسبب يعود على الأرجح لتيقن السلطة السياسية في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وبصورة أعم، الطبقة السياسية التي تتقاسم كعكة هذه السلطة، من أن خطوة كهذه من شأنها تعريض “السيستم” القائم على تحالف قطاعات الأعمال مع الأطياف المختلفة لهذه الطبقة السياسية، لاهتزاز غير محمود .

أما التحايل فهو تلك الأساليب المختلفة والملتوية التي يلجأ إليها أرباب رأس المال للالتفاف على مصلحة الجباية الضريبية والتهرب من دفع كامل الضريبة المستحقة عليهم . ومن أمثلته قيام مليونيرات أمريكا بتحويل بعض أموالهم إلى حساب التقاعد “روث أي .آر .ايه” المُعفى من الضريبة تفادياً لإجراء رفع الضريبة الذي كان متوقعاً ضمن الصفقة المعقودة بين الجمهوريين والديمقراطيين عشية رأس السنة لتفادي الهاوية المالية، خصوصاً بعد إزالة حد المئة ألف دولار للدخل في يناير عام ،2010 ما فتح الباب أمام تدفقات ضخمة من أموال المليونيرات على هذا الصندوق التقاعدي المغري، على أن التهرب الضريبي يشكل المثال الأبرز للتحايل على القانون . حيث قدرت شبكة العدالة الضريبية

(
Tax Justice Network)
إجمالي قيمة التهرب الضريبي في الولايات المتحدة ب 337 مليار دولار في عام ،2010 وهو أقل من تقديرات دائرة خدمات الإيرادات الداخلية

(
Internal Revenue Service)
التي قدرت التهرب الضريبي في عام 2006 ب 385 مليار دولار على الرغم من أن إجمالي الناتج المحلي كان في عام 2010 أكبر بكثير مما كان في عام 2006 . أما الكونغرس الأمريكي فيقدر أن الولايات المتحدة تخسر حوالي 100 مليار دولار سنوياً بسبب تهرب الشركات والأفراد من دفع الضرائب المستحقة عليهم مقابل بضعة مليارات في الدول الأخرى . ويعزى معظم التهرب الضريبي إلى عدم الإدراج في التقارير الضريبية وعدم الوفاء بصورة تامة بدفع المستحقات الضريبية . وقد ارتفعت نسبة عدم الإدراج الضريبي (للأرباح المستحقة ضريبياً) بواقع 32% خلال الفترة من 2001 إلى 2006 ثلثها يعود إلى ضرائب مستحقة على الشركات، مع أن أرباح الشركات الأمريكية خلال نفس الفترة قد تضاعفت مرتين بينما لم ترتفع مداخيل الأفراد إلا بنسبة 15% ما يفسر اتساع الفجوة بين الغنى الفاحش وأصحاب الدخول المتواضعة .

ولا تشكل تلك الأرقام سوى نقطة في بحر الحجم الهائل للأموال المتحايلة على الاستحقاق الضريبي . قبل حوالي ثلاث سنوات، على سبيل المثال، أُجبر بنك يو .بي .إس . السويسري الذي يعتبر أكبر البنوك السويسرية على دفع غرامة مقدراها 780 مليون دولار لمساعدته أمريكيين على التهرب الضريبي، مع موافقته على تسليم السلطات الأمريكية أسماء أكثر من 4500 أمريكي لهم حسابات في البنك . وفي مطلع فبراير/شباط من العام الماضي وجه الادعاء العام الأمريكي اتهاماً لأقدم بنك سويسري هو وجلين وشركاه (
Wegelin & Company)
وثلاثة من موظفيه بمساعدة دافعي الضرائب الأمريكيين على إخفاء 2 .1 مليار دولار . وقد طالت التحقيقات التي أجرتها وزارة العدل الأمريكية في هذا الموضوع 11 مصرفاً سويسرياً .

في أوروبا قدرت المفوضية الأوروبية (للاتحاد الأوروبي) في شهر ديسمبر الماضي حجم التهرب الضريبي بحوالي 31 .1 تريليون دولار سنوياً .

المشكلة ضخمة جداً كما نرى، وبقيت من المشاكل المسكوت عنها . ولكن ربما تجبر الآن حالة الإعسار المالي لهذه البلدان على اتخاذ إجراءات تشريعية وشرطية صارمة للتصدي لهذه الظاهرة والاستفادة من استعادة الأموال المهربة والمتهربة من الضرائب في إعادة إطلاق موجة نمو إنعاشية طويلة المدى .

اقرأ المزيد

“الميديا” تُفكر بالنيابة عنا


“الميديا” المعاصرة لا تقول لنا، وهي تخاطبنا ليلاً ونهاراً، كيف يجب أن نفكر، وإنما تقول لنا تحديداً بماذا يجب علينا أن نفكر . هي تخترع لنا الموضوعات والاهتمامات، وهي قادرة بحكم ما لديها من سطوة على أفكارنا ومجمل نمط حياتنا أن تجعل هذه الموضوعات والاهتمامات شغلنا الشاغل، ليس بوسعنا أن نفرض نحن الحدث على هذه “الميديا”، بل بالعكس هي التي “تصنع” الحدث، ثم تجعله مقرراً علينا ولا فكاك لنا منه، لأننا حتى لو كنا في أبراج مشيدة فإن هذه الميديا قادرة على ملاحقتنا ونحن في غرف نومنا .

و”الميديا” لا تصنع ذلك لأنها تريده بالضبط، وإنما لأنها تشكل جزءاً من منظومة اختارت لها هذه المهمة، الإعلام حسب عالم الاجتماع الفرنسي بورديار، أصبح ضحية للنظام الإعلامي، فليس بوسع أداة إعلامية إذا أرادت أن تكون مغايرة أن تصبح كذلك بالسهولة التي يتوخاها القائمون عليها، لأنها لا يمكن أن تعمل خارج ال”سيستم” القائم الذي لايطيق أن يخرج أحد عن إجماعه .

مهمة هذا ال”سيستم” هو خلق الإجماع بين الأفراد والمؤسسات المنضوية تحته ثم فرض الإجماع على مجمل الفضاء العام الذي يغطي مساحة شاسعة هي مساحة المجتمع، أو مساحة ما يعرف بالرأي العام، لأن بوسع النظام الإعلامي أن يكيف هذا الرأي العام وفق ما يشتهي .

في مجتمعات هشّة مثل مجتمعنا العربي، تبدو فيها فكرة الرأي العام فكرة هلامية، رجراجة، على قدر كبير من السيولة والزئبقية، حيث لا يحتكم الرأي العام إلى مؤسسات حزبية حديثة، ولا إلى مؤسسات راسخة للمجتمع المدني قادرة على التأثير الذي يُعول عليه، يصبح هذا الرأي العام أسيراً للمتلاعبين به، خاصة مع هذا الالتباس الشديد في الولاءات التي ماتزال، في جوهرها، ولاءات تقليدية، تٌغلّب الانتساب إلى الطائفة والمذهب والعشيرة وسواها من “تنظيمات”، على أشكال التضامن الحديثة من نقابات وجمعيات وأحزاب وسواها .

لهذا السبب يبدو كثير من المفاهيم المتداولة كالمجتمع المدني مثلاً أو الرأي العام أو سواها في ظروفنا الملموسة مفاهيم مخاتلة، أو ملتبسة، أو فلنقل إنها لاتحمل المعنى نفسه الذي يمكن أن تعبر عنه عندما تستخدم في مجتمعات أخرى بلغت مدى أبعد وأعمق من الفرز السياسي والتبلور الاجتماعي، ومن شأن هذا أن يجعلنا، في تفكيرنا، رهناً للقوة السحرية ل”الميديا” التي تفكر بالنيابة عنا .

اقرأ المزيد

نحن والمسألة السورية – بسام الصالحي


لا يوجد شك في دعمنا اللامحدود لعملية تحول ديموقراطي عميق في سوريا ،عملية تمكن الدولة السورية من الحفاظ على عدد لا يستهان به من المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية من جهة ،ومن الحفاظ على وحدة الدولة واستقلاليتها وانحيازها السياسي بعيدا عن التبعية للولايات المتحدة وفي رفض الاحتلال الاسرائيلي ودعم مقاومته المشروعة من جهة اخرى ،بما في ذلك دفاعها عن حقها في استرداد اراضيها المحتلة ….

هذه المكونات جميعا تمثل المعيار على الحكم والانحياز في التعامل مع الوضع الناشيء في سوريا ،فلا يكفي الحديث عن رفض الاستبداد والتوق إلى الديموقراطية و-هو حديث صحيح ومشروع على اية حال – من اجل تبرير كل هذه التحالفات التي تمثل قوسا واسعا بين اسرائيل والولايات المتحدة وتركيا وقطر وبعض الدول الاوروبية ،والتي تستخدم فيها مجموعات مسلحة وممولة من بقاع مختلفة وبمظهر بارز من التطرف والتخلف ،من اجل بيع (المسألة السورية) كقضية نضال من اجل الديموقراطية .


ان ما يجري في سوريا هو عملية عسكرية واسعة النطاق تؤذن بان الحرب التي لوحت بها اسرائيل وامريكا خلال العامين الماضيين قد اندلعت ولكن باسلوب مختلف ،وهي حرب تهدف إلى تمزيق الدولة السورية ،والى اعادة انتاج الحرب الاهلية في لبنان ،والى الانتقال إلى ضرب ايران واعادة بناء خارطة جديدة جيوسياسية للمنطقة وللعالم ،وبضمن ذلك تمهيد الاجواء لفرض حل مجحف على الشعب الفلسطيني.

وليس صدفة ان (المسألة السورية) باتت موضع استقطاب متزايد اقليمي ودولي ،بالاضافة إلى الاستقطاب الداخلي الذي رافقها في صفوف الشعب السوري ،هذا الاستقطاب الذي يعني على الصعيد الدولي قطع الطريق على تحول النظام الدولي إلى نظام تعددي الاقطاب بمشاركة روسيا والصين ودول البريكس ،بعد ان كان نظاما قطبيا امريكيا مدعوما من اوروبا ،وهو كذلك من اجل تكريس هيمنة اسرائيل على منطقة الشرق الاوسط وشرعنة تحالفاتها على الصعيد الاقليمي مع تركيا وبعض الدول العربية بحجة مواجهة الخطر الايراني (والحرص) على الشعب السوري .

في خضم هذا الاستقطاب الحاد ،ورغم صحة الموقف الفلسطيني الرسمي بالتزام الحياد حماية لشعبنا ،الا اننا واضحي الانحياز ضد هذا التحالف غير المقدس ،الاسرائيلي ،الامريكي ،القطري، الرجعي ،الذي يستخدم التطرف وامراء الجهل ومرتزقي الحروب ،والمال ،لاستغلال معاناة الشعب السوري وقطع الطريق على حوار جاد من اجل تسوية تضمن التحول الديموقراطي في سوريا ،وتصون المكتسبات الاجتماعية ،ووحدة الدولة السورية .


هذا الانحياز لا يعني باي حال تبرير ممارسات النظام السوري و سياساته ولكن في المقابل نحن لا يمكن ان نشتري بضاعة الديموقراطية وحقوق الانسان من الولايات المتحدة واسرائيل وتابعيها من العرب .

7/5/2013

بقلم: بسام الصالحي
الأمين العام حزب الشعب الفلسطيني عضو المجلس التشريعي






 

اقرأ المزيد

الدعم الحكومي لمن لا يستحق

ربما ينقضي الشهر الخامس من السنة ومجلس النواب لم يتوافق بعد مع الحكومة لإقرار الميزانية العامة للدولة للسنتين الماليتين 2013 – 2014، بسبب اقتراح النواب زيادة رواتب القطاع العام والمتقاعدين، وتوسيع شريحة المستفيدين من علاوة الغلاء.

الحكومة رفضت بشكل قاطع زيادة رواتب القطاع العام، فيما اقترحت زيادة بسيطة على رواتب المتقاعدين، ولا يزال الجدال مستمراً بشأن علاوة الغلاء التي يمكن أن تساعد الغالبية العظمى من المواطنين البحرينيين الذين تقل رواتبهم عن 1000 دينار.

الحكومة اقترحت تخصيص 1.5 مليار دينار للدعم خلال العام 2013 و1.58 مليار دينار للدعم خلال العام 2014 ما يوحي بأن الحكومة كريمة جداً جداً في مساعدة المواطن البحريني للتغلب على ارتفاع الأسعار من خلال دعمها للمواد الاستهلاكية الأساسية، ولكن عند تفصيل مبلغ الدعم يتضح أن المواطن البسيط لا يستفيد من هذا المبلغ الضخم، إلا بمقدار بسيط جداً قد لا يتعدى الـ 10 في المئة في حين يذهب القسم الأعظم لدعم الشركات الكبرى في البلاد، والتي بعضها غير مملوكة للبحرين بالكامل ما يعني دعم الشركات الأجنبية على حساب المواطن البحريني.

في ميزانية العام 2012 بلغت نسبة دعم النفط 18 في المئة من مجمل مبلغ الدعم في حين بلغت نسبة دعم الغاز 41 في المئة والكهرباء والماء 23 في المئة فيما لم تتعدَّ نسبة الدعم للمواد الغذائية، وهي اللحوم والدواجن والدقيق الـ 5 في المئة فقط، أي أقل من 56 مليون دينار مقارنة بـ أكثر من 880 مليون دينار لدعم النفط والغاز الذي تستفيد منه شركة «ألبا» بشكل أساسي.

وبالرغم من أن مساهمة شركة «ألبا» لا تتعدى الـ 400 مليون دينار سنوياً في الناتج المحلي الإجمالي إلا أنها تستهلك أكثر من هذا المبلغ بكثير من خلال دعم الدولة للغاز المباع لها بأسعار مدعومة.

ويمكن قبول فكرة هذا الدعم السخي لو كانت الشركة مملوكة بالكامل لحكومة البحرين، ولكن البحرين تملك 77 في المئة فقط من أسهم الشركة فيما تمتلك شركة «سابك» السعودية 20 في المئة وشركة برنتون للاستثمارات الألمانية 3 في المئة، ما يعني أن شركتي سابك وبرنتون تحصلان على ما قيمته 23 في المئة من قيمة الغاز المدعوم والذي قد يفوق بكثير ما يحصل عليه جميع سكان البحرين من مواطنين وأجانب من دعم.

كتلة الأصالة تقدمت باقتراح قالت إنه يوفر مالاً يقل عن 200 مليون دينار سنوياً للدولة من خلال رفع قيمة الغاز المباع للشركات بدولار واحد لكل مليون وحدة حرارية لتتمكن الدولة ليس فقط من توفير المبالغ الخاصة بعلاوة الغلاء وإنما زيادة سلة السلع الأساسية المدعومة لتشمل الحليب والزيت والسكر والرز، وهو ما كان معمولاً به في البحرين سابقاً.


اقرأ المزيد

حرية الصحافة مطلب أساسي للمجتمعات الحرة

يحتفل العالم في الثالث من مايو/ أيار من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، إذ يخدم هذا اليوم كمناسبة لتعريف الجماهير في مختلف بلدان العالم بانتهاكات حق الحرية في التعبير، وكذلك كمناسبة لتذكيرهم بالعديد من الصحافيين الشجعان الذين آثروا الموت أو السجن أو التعذيب أو التشهير أو الملاحقات القضائية في سبيل تزويدهم بالأخبار اليومية.

والحدث اليومي هو الخبر الذي يصنعه الصحافي من أجل تزويد الرأي العام بكل ما يجري في الساحة اليومية، وهو الخبر الذي يثير جدلاً في المجتمع إما بالإيجاب أو بالسلب. أما الأخبار التي لا تخرج من إطار العلاقات العامة فهي فقط تدور في إطار العلاقات العامة مثلها مثل الإعلام الموجّه الذي يسوق للأنظمة السياسية التي لا تعترف على الإطلاق بحرية الصحافة ولا بالتعددية في الرأي.

من هنا لابد من الإشارة إلى أن الدعوات التي تطلقها حكومات المنطقة العربية لسن تشريعات وقوانين من أجل تكميم الأفواه من خلال المزيد من فرض السيطرة على أدوات الإعلام الجديد على غرار ما قامت به في مراحل سابقة مع الإعلام التقليدي، إضافةً إلى العمل على مضايقة الصحافيين، جميعها تؤكد أن مبدأ حرية الصحافة كفعل وتطبيق على أرض الواقع هو أمر مستبعد ولكن قائم للاستهلاك الإعلامي فقط.

إن تبني السياسات الممنهجة التي تسعى إلى قمع الحريات العامة وانتهاك صور مختلفة لحقوق الإنسان داخل المجتمعات العربية، يبرهن في أكثر من مرة، خصوصاً من بعد مرحلة الربيع العربي، أن الأنظمة المعمول بها في الدول التي نجحت فيها الثورات أو تلك التي مازالت تعيش احتجاجات يومية، أنها مازالت تسير في خط لا يخلو من انتهاك صارخ للمواثيق الدولية التي تدعو بشكل واضح وصريح إلى حرية الصحافة والرأي، وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. ولكن ما يحدث اليوم على أرض الواقع العربي ليس بعيداً من ممارسات الرقابة البوليسية والتهديد عبر التصريحات الرسمية أو مواد قانون لا تعترف أساساً بحرية الصحافي ولا حتى بحق تدفق المعلومة للجمهور.

ولهذا فإن حال الحريات الصحافية في المنطقة العربية يعكس مشكلة أساسية، وهي استمرار سياسة ثقافة الرأي الأوحد، وفي ذلك استخفاف واضح بحرية الصحافة والرأي من خلال المضمون وليس من خلال الإطار الخارجي. فلا يمكن أن يتم تغير ووضع رتوش ما يجب في هذا المجال وتجاهل المضمون الذي يجب أن يساهم في نشر ثقافة الإعلام التعددي المعني بحرية الرأي من مختلف التوجهات في صحف وتلفاز وإذاعة.

غير أن استمرار سياسة المنع والتهديد والملاحقات القضائية يدفع بالصحافي إلى اللجوء إلى أدوات الإعلام الجديد للتعبير أو نقل الخبر إن تم إقصاؤه تماماَ مثل من ليس له صوت فيصبح أمامه فقط خيار الميادين والشوارع ليعبّر ويصرخ بما في خلجات نفسه. وهذا ما حدث ويحدث تماماً في أكثر من شارع عربي من الخليج إلى المحيط.

إن حرية الصحافة تعد مطلباً أساسياً للمجتمعات الحرة ولا يمكن أن يخرج أي نظام سياسي يبحث عن التطوير في مجالات اقتصادية ويغض الطرف عن التعددية والحرية في مجال الصحافة، فذلك يعد أمراً ناقصاً لأن عجلة التطور لا يمكن أن تكتمل من دون السلطة الرابعة، وبشكل واضح وأساسي يسمح بالفضاء المفتوح من دون محاذير وليس بمرور مقص رقيب يقضي على كل فكرة ويحوّل الصحافي إلى بوق يكرّر عبارات وأفكار جماعة النظام السياسي من أجل إرهاب وتدمير المجتمع.

لقد تراجعت الحريات الصحافية في البحرين بشهادة التقارير الدولية ومنها تقرير «فريدوم هاوس» لتقبع في ذيل قائمة الدول العشر الأكثر محاربة لحرية الرأي والتعبير وتمنع الصحافة الحزبية حتى انحدرت إلى المرتبة 188 على المستوى العالمي – بحسب التقرير – ما يعكس تدهوراً حقيقياً للحريات الصحافية والإعلامية على مدار العامين الأخيرين شملت التعذيب والفصل من العمل والسجن والملاحقات القضائية واستمرار سياسة التضييق على الصحافيين المحليين ومنع الصحافة الدولية المستقلة.

والقائمة تطول والمغالطات في مجال الحريات الصحافية كثيرة وهي ليست وليدة اليوم، ولكنها امتداد لاستمرار سياسات خاطئة. ولهذا لا يمكن الانفتاح من دون الشروع في إطلاق فوري للتعددية في مجال الصحافة والإعلام، وذلك من خلال فتح فضاء الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب بالعمل من دون مضايقات للصحافيين ولمن لا يملك صوتاً عبر ما هو موجودٌ حالياً في الساحة. فالتعددية في الرأي وفي الخبر مطلب أساسي للشعوب لخلق فضاء حقيقي لحرية الصحافة بدلاً من التكميم أو التعتيم.

اقرأ المزيد

الصحافي: تهمةٌ سافرة تمشي بلا قَدم! – مريم الشروقي

قال الشاعر أحمد مطر:

جسَّ الطبيب خافقي

وقال لي: هل ها هنا الألم؟

قلت له: نعم

فشقَّ بالمشرط جيبَ معطفي

وأخرج القلم!

هزّ الطبيب رأسه… ومال وابتسم

وقال لي: ليس سوى قلم

فقلت: لا يا سيّدي

هذا يدٌ… وفم

رصاصة… ودم

وتهمة سافِرة… تمشي بلا قدَم!

أهنّئ جميع الصحافيين الشرفاء في الجسم الصحافي على العطاء غير المحدود، وعلى تحمّلهم الأوجاع وبلعهم السم والضيم، من أجل مناشدة الحرّية والديمقراطية، فإنّي أتذكّر دائماً خطورة القلم عندما تصيبني المطبّات ويُضيَّق عليّ الخناق، ومن خلال هذه الكلمات العظيمة لشاعر الأحرار أحمد مطر ارتأيت مشاركتكم في قلمي!

«ما تستحي تكتب في هذي الجريدة»، «انصكّت جريدتك وخلعوها»، «أنت خاين دامك تكتب في هذي الجريدة»، «وينك وين الكتابة»، «جوف الصحفيين الشرفاء اللي ضد الصفويين الروافض»، وكلمات بذيئة كنّت أسمعها إبان الأحداث هنا وهناك، فمنهم من أغلق بابه وشخصن الكتابة بعلاقتي معه، ومنهم من ظنّ فيّ ظنّ السوء والكره لوطني، ومنهم من لا يتكلّم وترك نظراته تعبّر عمّا بداخله.

وكنت حين أرى النظرات وأسمع الكلمات وأقرأ الحروف، أصمت وأبتسم، لعلمي أنّ خطورة قلمي أقوى من تلك الكلمات الصغيرة، ولعلمي أنّ صحيفةً يقرأها القاصي والداني، والمحب والكاره، تمثّل الجميع، وتتكلّم عن معاناة الجميع، ولذلك يُحاربها البعض، وهو مازال يقرأها.

ما أجملك يا قلم، وما أحلى الكلمات التي تضعها في ورقة بيضاء، فأحياناً ترفع من مقام وزير شريف، وأحياناً تُسقط وزيراً متورطاً في قضايا فساد.

وفي أحيان أخرى تحرّض لمصلحة النّاس، وفي كل الأحيان تنشر المحبّة، وما تقدّمه هو بضع كلمات يخشى منها الناس، ويتنرفزون ويصرخون.

إلا أنّك تقول الحقيقة يا قلم عندما تهز المشاعر، وتُبكي الرجال الأشاوس، فكلماتك تخترق الجسد وتدخل الفؤاد فتخاطب الروح، وتتكلّم عن الفقر والفساد والمفسدين وعن فئة المتمصلحين والحاقدين والكارهين وما أكثرهم في بلادي، فكيف لا أحبّك يا قلمي؟ في يوم من الأيام… فكّرت أن أكتب شعراً لا يهدر وقت الرقباء لا يتعب قلب الخلفاء لا تخشى من أن تنشره كل وكالات الأنباء ويكون بلا أدنى خوف في حوزة كلّ القراء هيّأت لذلك أقلامي ووضعت الأوراق أمامي وحشدت جميع الآراء ثم… بكلّ رباطة جأش أودعت الصفحة إمضائي وتركت الصفحة بيضاء!

راجعت النصّ بإمعان

فبدت لي عدّة أخطاء

فقمت بحك بياض الصفحة

واستغنيت عن الإمضاء!

ولكن في الكلمات التي أتراقص بها وجدتُ جنوداً لا خوف عليهم، وأسلحةً تمتلك كلّ القوة، فهي أسلحة نفّاثة تدخل القلوب قبل العقول، أسلحة قد يقرأها القارئ ويغيّر مسلكه، وقد لا تعجبه ولكنّها حتماً أثّرت فيه، بدليل المواجهات اللفظية والكتابية التي أتلقّاها ويتلقّاها بعض الصحافيين الشرفاء!

إنها الكتابة الصحافية التي أتكلّم عنها، تلك التي فهمتموها، وكسبتُ قرّائي بسببها، وهي التي أودتني إلى التحقيق والفصل والسجن و «ضياع الأوراق»، وإلى المحاكم الجنائية الكبرى، وإلى المنظّمات العالمية، لأنّ كلمة الحق تضرب وتجلجل دائماً.

يهابني الوزراء ويخضع لي الوجهاء، ويصوّر معي المعجبون، ويغتابني الكارهون والحاقدون، ولكنّهم في النهاية، يسقطون أو يرتفعون أمام قلمي وكلماتي، فهل أصبتُ بطن الحقيقة يا شعب؟

التوقيع: صحافي شريف!

اقرأ المزيد

العراقُ ومسيرتُهُ إلى الوراء


لم يستطع حزبُ البعث والحزبُ الشيوعي العراقي تكوين جبهة ديمقراطية تحولية كانت هي الجسر الموضوعي لنهضة العراق بعد المَلكية.


في رفضهما للتطور المَلكي الديمقراطي البطيء المتصاعد وتعبيرهما عن
دكتاتوريتين تمثلان البرجوازية الصغيرة النخبوية ومغامراتها وصراعاتها،
خلقا التآكل السياسي الاجتماعي الذي أزال نضالَ نصف قرن من التحديث الصعب
في العراق.


كان التنافس وطرح نموذجين شموليين: دكتاتورية البلوريتاريا
من جهة ودكتاتورية القومية العسكرية من جهة أخرى، مُهلكاً، وحتى في هذا
التنافس لم يستطع واحدٌ من الحزبين تنفيذ برنامجه.


المراهقة والحدة والعنف والخيال السياسي الجامح تجمع كله ليعصف بالقشرة التحديثية التي كسحها النظامُ الشمولي بمغامراته العسكرية.


فئاتُ البرجوازية الصغيرة الحادة هنا قامت بالتباعد وخلق الهوة بين العمال
والبرجوازية، بين القوى الشعبية المتعاونة لتأسيسِ نظامٍ ديمقراطي رأسمالي
حر، فيه التعددية والنهوض بمختلف الطبقات، واستثمار التراكم الاقتصادي
والثقافي للعراق، ولكن عصفت بها الإيديولوجيات الشمولية وأحلام القفزات
السريعة فكانت العودة المجددة الواسعة للإقطاع وقواه المختلفة.


السياسة
الأمريكية المعبرة عن اليمين المتطرف لم تقم بدرس وضعِ العراق وإعادتهِ
إلى مضمون المَلكية الديمقراطية السابقة، فهي ترفضُ التطورَ العلماني
المتصاعد، وتؤيد سيطرات القوى الدينية المتخلفة، وخلق فسيفساء سياسية تزول
منه الأعمدةُ الوطنية المترابطة كالقوى العلمانية الديقراطية التوحيدية،
والجيش، والأحزاب الوطنية الجماهيرية السابقة.


اليمين الأمريكي المتطرف
هو ذاته ضد التطور العلماني الديمقراطي الشعبي في أمريكا نفسها، حيث يتطلب
ذلك صعود قوى السلام والديقراطية واليسار لوضع حد لأزمة أمريكا الاقتصادية
الاجتماعية المتصاعدة.


هو ذاتُهُ ذو سياسةِ مغامراتٍ حادة مكلفة، وهو
نفسُهُ شكلٌ آخر للقاعدة، وظهور هذين الخصمين متصارعين موحدين هو نتاجُ
عملياتٍ سياسية اجتماعية عالمية متداخلة، إنه مصلحةٌ مشتركةٌ بين قوى
التطرف في العالمين الأمريكي والعربي.


تصعيدُ قوى اليمين الديني تعبيرٌ
عن مرحلة انهيار سياسي فكري وخلق قفزات لسرقة الأموال النفطية، ولهذا فإن
تصعيد القوى الشيعية والسنية المحافظة المعبرة عن أشكال الإقطاع المذهبي،
في مرحلة الاحتلال عودةٌ أكبر الى الوراء، عودةٌ أوسع من الانهيارات
الجمهورية السابقة إلى ما يشبه زمن تحللِ الامبراطورية العثمانية.


إن
تلاقي الإمبريالية في أكثر أشكالها المغامرة مع الإقطاع الطائفي المتحلل،
تعبيرٌ عن بلوغ الرأسمالية الأمريكية أزمةً عاصفة وتصدعاً عميقاً في
مكانتها ودورها القيادي بين الرأسماليات الغربية، تقوم بالحفاظ عليه عبر
المغامرات التي تدفق الأموال في المجمع الصناعي العسكري، وتريد تحريك
الاقتصاد المأزوم عبر هذه الأساليب الفوضوية، ولهذا لا يمكن أن تُصعدَ
القوى الليبرالية والديمقراطية والعلمانية لإنشاءِ مجتمع موحد، فهذا يتطلب
سياسة عقلانية بعيدة المدى وصبورة، ويتناقض ذلك مع جذور اليمين الأمريكي
المتطرف، ولهذا كان لا بد من التلاقي الأمريكي مع القوى التي طفحتْ أثناء
إنهيار المجتمع العراقي الوطني التحديثي.


وهكذا دخل العراق في ثنائية
الإقطاع الطائفي الفارسي والعربي، الذي يشدلا كلٌ منهما إلى جهة، وقد حاولا
خلق ثنائية فسيفسائية لا تستند إلى هيكل سياسي فكري توحيدي. وكان النموذج
الكردي غير ممكن في القسم العربي لكونه موحَّداً بشكل قومي عشائري ويتطلع
الى الانفصال عن العراق العربي.


إن القوى النهضوية التحديثية العلمانية
لا بد لها من مراجعة تاريخها الفكري السياسي الخاطئ ونقده وتصحيحه، ويظل
تحالفها رغم التناقضات الطبقية بينها، هو جسر العراق للعودة مجدداً للعصر
الحديث، لوضع حد لأشكال الإقطاع الطائفي المتخلفة، وتجاوزها في وثبة جديدة
لا مجال لغيرها ولا بديل عنها.


اقرأ المزيد

والصحافيون لم يعودوا إلى أعمالهم


مرَّ أكثر من عامين، والصحافيون البحرينيون المفصولون جرَاء أحداث الرابع عشر من فبراير لم يعودوا إلى أعمالهم، ولم يحصل كثير منهم على وظائف أخرى. وعلى الرغم من أن الإعلاميين من الموظفين الرسميين المفصولين من هيئة شئون الإعلام عادوا إلى أعمالهم بعد فصلهم، إلا أن الصحف مازالت تتبرأ من «عملتها»، وكأن شيئاً لم يحدث، ذلك لأن القضية لم تتخذ طابعاً عاماً، ولم تجد من يدافع عنها من المؤسسات الرسمية والأهلية إلا بعض الجهود الفردية التي يقوم بها بعض الصحافيين، وما تقوم به مجموعة «بحرين 19» التي أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن القضية في خطوات عملية جادة.
 
مجموعة «بحرين 19» أرسلت العديد من الرسائل إلى «جمعية الصحافيين» بناءً على تصريحات الأخيرة في وسائل الإعلام بخصوص عدم وجود صحافيين مفصولين عن العمل، وأرسلت لها قوائم بأسماء وهواتف المفصولين والمجبرين على الاستقالة وأرقامهم الشخصية؛ رغبةً في إغلاق ملف القضية بعد أن يعود جميع المفصولين إلى أعمالهم، ولكن لم نجد أي تحرك من الجمعية غير الاتصال بالقائمة للتأكد من الوضع الحالي للمفصولين.
 
مرّ اليوم العالمي لحرية الصحافة يوم أمس (الجمعة) ليكون ثالث احتفال بهذا اليوم خلال عامين، والمفصولون من الصحافيين ما زالوا في وضعهم السابق، بل بات الأمر أكثر سوءاً بالنسبة لكثير منهم باعتبارهم معيلين لأسر تتعدى في بعض الأحيان الأسرة الصغيرة لتصل إلى الأبوين أيضاً. وكغيرهم من المفصولين تراكمت عليهم الديون وخسروا عامين من التأمين الاجتماعي والكثير من لحظات الفرح حين يدخلون بيوتهم وفي أيديهم مفاجآت لأهلهم بعد كل راتب.
 
مشكلة الصحافي في الفصل لا تتوقف عند العقبات المادية التي قد تتفاقم مع مرور الوقت، بل تتعداها إلى مشكلة نسيان الاسم الصحافي الذي غالباً ما يكون المرء قد بذل جهداً كبيراً لإيصاله للناس، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بمحرّري الشئون المحلية والتحقيقات، ممن يسهمون بشكل ما في حل مشكلات الناس من أبناء الوطن عن طريق منحهم الفرصة في التحدث عن همومهم لصحافي قادرٍ على إيصال معاناتهم للمسئولين، إضافةً إلى مشكلة فقدان المرونة في الكتابة، وجفاف الحبر أحياناً؛ فهي مهنةٌ كغيرها من المهن، تعتمد على المران والممارسة، وكلما طالت مدة الانقطاع عنها، كلما شعر الصحافي بصعوبة في العودة إليها، ناهيك عن صعوبة التواصل مع المصادر التي تزوّده بالمعلومات والأخبار بعد انقطاعه عن عمله.
 
في كل عام ومع مرور اليوم العالمي لحرية الصحافة، ننتظر إنهاء هذا الملف من غير جدوى، وفي كل مرة يجتمع كبار المسئولون في الحكم برؤساء التحرير أو المسئولين في الصحف المحلية، ننتظر أمراً بإعادة المفصولين ومن أُجبِروا على تقديم استقالاتهم ليحصلوا على حقوقهم كاملة، ولكن من غير جدوى. وفي كلّ مرةٍ يصل أحدنا اتصالٌ من جهة ما تحاول حل القضية، ننتظر بعين المتفائل إنهاء الملف ولكن من غير جدوى، حتى صرنا على ثقةٍ أن هذا الملف لن يُحلّ وكأن العودة إلى العمل مجرد ترف وليس حقاً.
 
السؤال الملح في الأمر هو: ما هو الجرم الذي قام به الاعلاميون كي يُفصلوا من أعمالهم؟ وهل المطالبة بإعلامٍ حرٍّ مستقل حيادي، يعد جرماً يعاقب المطالب به بالفصل من عمله، إن قلنا إن بعضهم طالب بهذا المطلب في مسيرة سلمية؟


سوسن دهنيم
صحيفة الوسط البحرينية – 04 مايو 2013

اقرأ المزيد

البحرين في اليوم العالمي لحرية الصحافة


من المتوقع تماماً أن يخرج علينا من سيشكك في تقرير منظمة «فريدوم هاوس» السنوي بشأن حرية الصحافة في العالم خلال العام الماضي 2012، وخصوصاً أن هذا التقرير، قد وضع البحرين ضمن الدول غير الحرة، وصنفها ضمن أسوأ عشر دول في العالم من حيث حرية الصحافة بترتيب 188 عالمياً. 

وبالطبع هناك من سيهاجم المنظمة وسيتهمها بعدم الحيادية والانحياز، والسعي لتشويه سمعة البحرين، والاستماع لما تبثه القوى المعارضة من أكاذيب، وعدم الاهتمام بما تم تحقيقه من إنجازات وما تقوم به الدولة من إتاحة المجال واسعا لحرية الرأي والتعبير. فلقد تم وصف جميع التقارير الدولية بمثل هذه الأوصاف، بما في ذلك تقرير وزارة الخارجية الأميركية، وتقارير «هيومن رايتس ووتش»، والمفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ولجنة الشئون الخارجية في البرلمان البريطاني، والاتحاد الأوروبي، وغيرها الكثير الكثير من التقارير الدولية، وكأن جميع منظمات العالم لا همّ لها غير تشويه سمعة البحرين، والكذب عليها. 

ليس من الغريب أن تضع منظمة «فريدوم هاوس» أو «بيت الحرية» وهي مؤسسة دولية غير حكومية مقرها واشنطن، البحرين في هذه المرتبة، فلم يشهد تاريخ الصحافة في البحرين مثل هذه المرحلة، حيث لعبت الصحافة وبكل أسف الدور الأكبر في نشر الطائفية والكره بين الناس، وارتضت أن تكون مجرد مُخبر للسلطة، ومارست جميع أنواع التحريض على فئة من المجتمع، وتسابق الصحافيون والكتاب في ابتكار أشنع الصفات وأقذع كلمات السباب لمكون أساسي من مكونات الشعب البحريني، والغريب أن ذلك لم يقتصر على الصحافيين والكتاب البحرينيين وإنما أغرت العطايا والمزايا الكتاب ليطعنوا في شرف أبناء البحرين والافتراء عليهم ووصفهم بالخونة.

وليس من الغريب أن تمر الصحافة في البحرين بأسوأ مراحلها حتى وصل الأمر لخنق أي صوت أو قلم يتبنى وجهة نظر أخرى في جميع الصحف، وتم فصل أكثر من 120 صحافيا وفنيا وموظفا في المجال الصحافي لمجرد أنهم من فئة أخرى. 

وليس من الغريب أن تمر الصحافة بأسوأ مراحلها حين يتم صرف الملايين من الدولارات على شركات العلاقات العامة في الخارج لمجرد تلميع صورة السلطة، في حين يعتقل ويسفر أي مراسل أجنبي لمجرد كتابته تقريرا يصف فيه ما يراه في البحرين. 

الغريب أن يدعي البعض وجود حرية للصحافة في حين أنه يمنع نشر أي خبر في صحيفته عن فعالية أو مسيرة يشارك فيها الآلاف، أو أي تصريح لمن لا يتفق معه في الرأي.

صحيفة الوسط البحرينية – 03 مايو 2013م

اقرأ المزيد

تشرنوبل النووية الحدث المأساوي… ذكريات شاهد عيان

 

تشرنوبل النووية الحدث المأساوي الذي على الرغم من مضي فترة ليست بالقصيرة من تاريخ أحداثه المؤلمة، لايزال يطرح تساؤلاته العديدة على المجتمع الدولي، ويرسل نداءاته من قبور ضحاياه ومن طابور المرضى والمعاقين، بضرورة مراجعة السياسات العرجاء في تبني استراتيجية الردع النووي والتنمية غير المدركة لمخاطر هذا الشبح والجرثومة القاتلة. إنها نداءات إلى من يهمه أن يفهم أبعاد مخاطر السير في نفق عالم الأشباح النووية المظلم. 

تشرنوبل حكاية كان لها بداية، ويبدو أنه لن يكتب لها نهاية، فالأرض والأشجار ومكونات النظام البيئي لتلك البلدة البسيطة تسكنها الأشباح الشريرة للمخلفات الإشعاعية التي قذفها المفاعل الرابع في محطة تشرنوبل النووية، وتعيش حالة ألم متواصل، بيد أن علاجها وتأهيلها لتكون صالحة للمعيشة يبدو طموحاً بعيد المنال. فشبح الإشعاعات النووية الشريرة عالم غريب ومخيف وغير مرئي، ويخشى أي عاقل أن يقترب من محيط تلك الأرض وهو يعلم أنها مسكونةٌ بمخاطر شبح الإشعاعات، وهي المخاطر التي ليس في مقدور حتى أكثر البشر جرأةً وشجاعةً على المغامرة في الاقتراب من هناك ومواجهة مخاطر ذلك العالم الموبوء بتلك الأشباح التي لا تعرف للرحمة طريقاً. 

وعلى الرغم من المسافة التاريخية التي تفصلنا عن ذلك التاريخ المشئوم، والتي تمتد إلى نحو 27 عاماً، إلا أن المأساة التي دشّن بدايتها ذلك الانفجار المدوي في محطة تشرنوبل النووية في 26 أبريل/نيسان 1986 ونشر سموم إشعاعاته في فضاء محيط تلك البلدة الوادعة، لاتزال باقية وتؤكد حضورها في أزقة المباني الخالية من ساكنيها، وبين غابات أشجارها وحقولها المهجورة، التي صارت شبحاً يخيم بظلاله المأساوي على تفكير ومخيلة ضحاياه، وفي ذاكرة تاريخ تلك البلدة الجميلة التي صارت مدينة للأشباح. إنها المأساة المتجددة في حكايات مفاصلها الانسانية، التي تواصل مسارها مع ولادة طفل معاق ومع نبأ وفاة شخص تعرفه عن قرب أطاح به المرض الخبيث الذي صار علامةً مميّزةً لضحايا تشرنوبل النووية. 

الحديث عن كارثة تشرنوبل النووية يعيدنا إلى لحظات مخيفة ومؤلمة في ذلك المسلسل، وعلى الرغم من كل ذلك ينبغي أن نتمعن أبعاد معانيها، فهي حادثة أعطتنا دروساً في حياتنا، في كيفية التأمل والمراجعة والتروي في معالجة واتخاذ المواقف الصائبة للخروج بأقل الأضرار والخسائر. نعم في ذلك اليوم المشئوم كنا نعيش في دوامةٍ لم نكن ندري ماذا نعمل وإلى أين المفر للنجاة من هذا الخطر الذي يعيش بيننا ولا نشعر بوجوده. 

في ذلك اليوم كنت على موعد للقاء إحدى الموظفات في مركز قياس التلوث في مدينة كييف، لتسلّم بعض الدراسات الخاصة بالتلوث، للاستفادة منها في موضع البحث الخاص الذي كنت أعده لرسالة الماجستير في القانون الدولي لحماية مياه الخليج من التلوث، والتقيت في الطريق أحمد عبيدات من الأردن، وكان يتجوّل في شوارع المدينة الجامعية في الصباح الباكر، وكانت الشوارع شبه خالية حيث لايزال الطلبة العرب يغطون في سبات عميق. وكان صاحبنا يتجول بمفرده يبحث عن أحدٍ يبادله همومه ومخاوفه، وكانت علامات الخوف بادية على وجهه، ما أوحى لي بأن أمراً خطيراً قد حدث، وما لم يدر في خلدي أن هناك انفجاراً في محطة تشرنوبل النووية. توقفت لأتبيّن الأمر فبادرني بالسؤال: هل تصدق ما سمعته اليوم من خبرٍ بثّه راديو لندن؟ فقلت له: وما الذي سمعت؟ فقال: انفجار في محطة تشرنوبل النووية. صمت قليلاً ثم قلت له: لا أستطيع أن أقول أي شيء، وكل شيء قابل للوقوع في هذا الزمان! 

تركت صاحبنا ووليت مسرعاً لكي لا يدركني الوقت، وفي تلك الحديقة الجميلة الواقعة بجوار نهر الدنيبر، حيث موقع لقائنا انتظرت طويلاً، وأنا أنظر في مياه النهر الهادئة، وأرقب حركة القوارب، وأشاهد المارة المتجهين إلى ضفاف النهر، وكأن شيئاً لم يحدث. وعندما فقدت الأمل في اللقاء، اتصلت لمعرفة السبب وكان الرد حزيناً، واستقبلته بحزن عميق، وكانت وطأته على نفسي كالعاصفة المدمرة، جعلتني أعيش حالةً من الصمت والتفكير العميق، في انتظار المجهول، وما يخبئه ذلك المجهول من مفاجآت كارثية للإنسانية، يمكن أن تتسبب في الإخلال بتوازن نظام البيئة العالمية وتهدد الأمن البيئي لكوكبنا والجماعات البشرية في البقاع المختلفة من العالم. 

شبر إبراهيم الوداعي
صحيفة الوسط البحرينية
03 مايو 2013م

اقرأ المزيد