المنشور

اندماجات كبرى على وقع هبوط أسعار النفط

مجموعة
بريتش غاز BG Group ثالث أكبر شركة طاقة بريطانية . وجدت من يشتريها . بعد
تدهور عملياتها وإدارتها وتراجع سعر سهمها في السوق بنسبة 20% في الاثني
عشر شهراً الأخيرة . المشتري هو الشركة الإنجليزية الهولندية “شل” .Royal
Dutch Shell وقيمة الصفقة
تبلغ 47 مليار جنيه إسترليني (حوالي 70 مليار دولار) وفقاً لما أعلنت عنه
الشركتان في بيان مشترك في 8 إبريل/ نيسان 2015 . من أن شركة شل سوف تدفع
383 بنساً نقداً و4454 .0 سهم من الفئة (ب) في الشركة مقابل كل سهم من أسهم
مجموعة بي . جي . وإن هذا السعر يمثل علاوة بنحو 52% على متوسط سعر تداول
السهم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة . وبموجب الصفقة أيضاً سوف يتملك مساهمو
“بي . جي” نحو 19% من المجموعة الجديدة الناتجة عن الاندماج . ومجموعة “بي
. جي” هي شركة غاز طبيعي بريطانية عابرة للجنسية . تصنف ضمن 20 مجموعة
تعمل في مجالات النفط والغاز الطبيعي في العالم . ومقرها في مدينة ردينغ
بغرب لندن . أما المشتري “شل” فهي تعتبر حالياً ثاني أكبر شركة طاقة خاصة
في العالم بعد شركة أكسون موبيل الأمريكية . حيث ستبلغ القيمة السوقية
للشركة بعد الاندماج 248 مليار دولار (46 مليار دولار القيمة السوقية
لمجموعة بريتيش غاز و202 مليار دولار لشركة شل) . مقابل القيمة السوقية
لأكسون موبيل البالغة 360 مليار دولار . 



وستمكن هذه الصفقة المتوقع
الانتهاء من إجراءاتها خلال خمسة عشر شهراً شركة شل من الاستفادة من
مشروعات بي . جي في بعض مناطق العالم التي تقدر بمليارات الدولارات بما
فيها بعض مشروعات الغاز الطبيعي المسال الذي يشهد طلباً متنامياً في العالم
. كما أن عملية الدمج قد رفعت سعر سهم بي جي في بورصة لندن
بنسبة 42% صبيحة يوم إعلان صفقة الدمج إلى 13 جنيهاً إسترلينياً وتبغي
شركة شل من وراء إبرام هذه الصفقة تعويض تقلص احتياطياتها من النفط بضم
أنشطة صناعة الغاز إلى دائرة استهدافاتها . وكذلك تعويض إخفاقها لفترة
طويلة في إبرام صفقات اندماج ناجحة . 



الصفقة ستجعل من شركة “شل”
عملاقاً غازياً أكثر منه عملاقاً نفطياً كما كانت سابقاً . بفضل أصول
استثماراتها في مجال الغاز في شرقي إفريقيا وكازاخستان وأستراليا وترينيداد
. وستمكن شركة “شل” من توفير 5 .2 مليار دولار في النفقات . بدءاَ من
أعمال الشراء إلى عمليات التسويق
والاتجار . إنما هذا التحول الاستراتيجي لشركة “شل” باتجاه صناعة الغاز .
والتوجه نحو التفريعات الوسيطة Midstream الأكثر جاذبية راهناً مثل نقل
مصادر الطاقة (الغاز في حالة “شل”) والتفريعات الأفقية (أنشطة التكرير
والتوزيع) الأخفض مخاطرةً والأعلى لجهة الهوامش الربحية مقارنة باستكشاف
وتطوير حقول النفط والغاز . خصوصاً أن شركة بي . جي . التي اشترتها تتمتع
بعناصر قوة في مجالات تسييل ونقل وتخزين الغاز . فضلاً عن أسطولها الضخم من
ناقلات الغاز إن هذا التحول الاستراتيجي لشركة “شل” ليس مضمون النتائج في
الأمد القريب في ضوء ارتفاع كلفة إنتاج الغاز خصوصاً في مناطق الاستكشاف
الجديدة في القطب الشمالي وفي أعماق المحيطات . في مقابل انخفاض أسعاره
نتيجة لفورة الغاز الصخري في أمريكا الشمالية وكذلك تعثر استثماراتها في
مصر بسبب عدم الاستقرار وخيبة أملها في استثماراتها في مجال الغاز الصخري
في كل من الصين والولايات المتحدة وهو ما دفعها للانعطاف باتجاه أعمال
الاستكشاف عن الغاز في القواطع البحرية . 





إنه إذاً وقت الاندماجات الكبرى . فانخفاض أسعار النفط
بنسبة 50% تقريباً . يشكل أكبر محفز لهذا الخيار لتجاوز أزمة انهيار
إيرادات الشركات . إضافة إلى خيار خفض النفقات الذي نفذته “شل” بتسريحها
قبل حوالي أسبوعين من الصفقة . 250 من عمالتها في حقل بحر الشمال وإعلانها
خفض نفقاتها الرأسمالية (الاستثمارات الجديدة) بواقع 15 مليار دولار .
واعتزامها بيع بعض أصولها خلال الفترة من 2016 إلى 2018 للحصول على 30
مليار دولار . فضلاً عن محفز انخفاض أسعار أصول الطاقة بسبب انهيار أسعار
النفط ولسوف نشهد عمليات دمج أخرى قريباً . فهنالك صفقة شراء مرشحة للإبرام
لشركة التنقيب عن النفط والغاز البريطانية “تولو” Tullow التي فقدت نصف
قيمة أسهمها في السوق منذ الصيف الماضي على وقع انخفاض أسعار النفط لترتفع
بنسبة 9% على إثر وصول خبر شراء شركة بي . جي . من قبل شركة شل . علماً بأن
هذه الشركات النفطية الصغيرة بدت أكثر هشاشة وانكشافاً أمام انهيار أسعار
النفط . ولربما تصبح أيضاً بريتش بتروليوم BP نفسها والتي تبلغ القيمة
السوقية لأصولها في البورصة حوالي 83 مليار جنيه إسترليني . الهدف القادم
لشركة “شل” . ومن المحتمل أيضاً أن تستنفر خطوة “شل” بالاستحواذ على بي .
جي . إحدى الشركتين الأمريكيتين العملاقتين شيفرون وأكسون موبيل لشراء
بريتش بتروليوم . 







هو مناخ يقارب ذلكم الذي ساد أواخر تسعينات القرن
الماضي . حين استحوذت أكسون على شركة موبيل في ديسمبر/ كانون الأول 1998
لتشكلا معاً شركة أكسون موبيل . واستحوذت شركة بريتش بتروليوم في نفس العام
على شركة أموكو وعلى شركة آركو في عام 2000 . واستحوذت شركة شيفرون على
شركة تكساكو في أكتوبر من عام 2000 بصفقة بلغت قيمتها حينها 45 مليار دولار
. وكانت شركة هاليبيرتون التي تتخذ من هيوستن مقراً لها والمتخصصة في
الخدمات البترولية . قد اشترت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي
منافستها الأصغر شركة “بيكر هيوز” بقيمة 35 مليار دولار . 








والحال أن
كبريات شركات الطاقة في العالم تواجه اليوم مشاكل ارتفاع المديونيات
(ارتفعت هذا العام بواقع 31 مليار دولار بالنسبة لشركات الطاقة الأمريكية
والأوروبية الرئيسية) . وانحدار أسعار أسهمها بواقع السُدس منذ الصيف
الماضي ما أجبرها على بيع جزء من أصولها . 








وهكذا فإن كبريات شركات
النفط والغاز في العالم مدفوعة بالظروف الراهنة في سوق البترول الدولية
للقيام بما تمليه عليها هذه الظروف الاستثنائية . وهو التقشف في الإنفاق أو
إذا استدعى الأمر . وتوفرت الفرصة المناسبة الاندماج مع شركة أخرى لتوفير
رصيد أكبر من الإنفاق الجاري والحصول على ميزات تنافسية جديدة وفرص جديدة
للنفاذ إلى الأسواق . 








تحاول الشركات كما الدول التكيف مع متوسط سعر
لبرميل النفط عند حدود 60 دولاراً خلال هذا العام .









اقرأ المزيد

النفط أكثر كثافة من الدم

في ثلاثينات القرن الماضي كان الكاتب المسرحي الألماني برتولد بريخت في المنفى، لم يستطع تحمل هول النازية ففرّ إلى الدانمارك أولاً، ومنها إلى مدن أوروبية أخرى، قبل أن يضطر للذهاب بعيداً، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حين راحت العواصم الأوروبية التي تنقل بينها، تتساقط واحدة بعد الأخرى في يد هتلر.


وفي أمريكا أيضاً لم يسلم بريخت من الملاحقة، ولكن ليس على أيادي النازيين، إنما في نطاق الحملة المكارثية التي طالت رموز الإبداع في تلك الحقبة.


في هلسنكي، عاصمة فنلندا، التي كانت إحدى المدن التي لجأ إليها ،كتب بريخت مؤلفه: «حوارات المنفيين»، وهو ليس نصاً مسرحياً بالمعنى المألوف لكن روح المسرح حاضرة فيه.


تدور الحوارات بين رجلين ألمانيين فارين من النازية أحدهما سمين والآخر نحيف يلتقيان في محطة القطار حيث تدور بينهما حوارات معمقة هي أشبه بالتأملات حول أفكار وقيم إنسانية مختلفة، لكن فكرة نبذ الحرب التي كان هتلر يشنها حينها تستحوذ على تلك الحوارات.


الحرب في أحد تعبيراتها هي اقتصاد مكثف، أي أن صراع المصالح هو الباعث على الحروب، ولكن كان على هتلر أن يبتدع حكاية العرق الآري المتفوق كي يوهم أبناء شعبه بأنه يخوض حرباً من أجل مجد عرقهم الذي عليه أن يسود العالم حتى لو أدى الأمر إلى إبادة شعوب وجماعات بكاملها.


هذا النص كُتب في فترة لم يكن للنفط فيها الأهمية الاستراتيجية الراهنة، ولكن فيما يشبه النبوءة بحروب قادمة قال بريخت على لسان أحد المتحاورين في كتابه: «النفط أكثر كثافة من الدم»، ولكن لا يصح القول إن الحروب تشن من أجل الأسواق، فلو قيل ذلك فإنه سيكون أمراً سطحياً وساذجاً، لذلك زعم هتلر أنه بضمه أوروبا، عنوة، إلى الرايخ الألماني إنما يحقق حماية الأسياد للشعوب التي تحتاج اليها.


بعد أقل من قرن كان على جورج بوش الابن أن يحتل العراق ويدمره من أجل الاستحواذ على نفطه ونفط المنطقة كاملاً.


فعل ما فعله هتلر: لم يقل إنه يخوض الحرب من أجل النفط، وإنما لتخليص العراقيين من الاستبداد ودمقرطة المنطقة.


مضى أكثر منعقد على تلك الفعلة النكراء.





النفط العراقي في أيادي الأمريكان والشركات الغربية الأخرى الحليفة، أما أشلاء العراق فتتمزق، وتحصد الحروب الأهلية أو المُصدرة من الخارج أرواح العراقيين يومياً بالعشرات، وأحياناً بالمئات.
اقرأ المزيد

الكراهية صانعة الأعاجيب

في
حمأة الفوضى العارمة التي تجتاح العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، والتي
صبّ ما سمي بالربيع العربي زيته على نارها فزادها اشتعالًا على اشتعال منذ
مطلع عام 2011، في حمأة هذه الفوضى تتدافع الأسئلة في رأس المرء المتابع
تواتراً بصورة فوضوية هي الأخرى، ربما تحاكي الفوضى المادية الشاخصة أمامها
على الأرض العربية، فلا تترك مجالاً لالتقاط خيوطها كاملةً وتفكيك عقدها
واحدة تلو الأخرى، لفرز الجوهري منها وترتيب نسقها العام قبل «خوصصته»
وغربلته بغية تشكيل مرئية واضحة المعالم تسمح بالتفكر والتأمل فيها
لإكسابها الأبعاد التي تنتمي اليها.


فهي ذاتها – الأسئلة المثارة، برسم
الفوضى إياها – مرتبكة وغير متجانسة، ربما لأنها، وهو الأرجح، انعكاسٌ
«منطقي» لحالة الفوضى التي تنقلها لمركز المخ للتعامل معها، استقبالاً
وقراءةً وتمحيصاً وتحليلاً. فما نشهده اليوم، مصوراً ومبثوثاً بالصوت
والصورة، من مشاهد قتل ودمار عشوائي وعدمي على مدار الساعة، وعلى امتداد
أرضنا العربية من محيطها إلى خليجها، لهو نوع من التطاحن الذي يعيد إلى
الأذهان تطاحن الطوائف العربية في الأندلس في تلك الفترة التاريخية التي
بدأت حوالي عام 1021 حين أعلن الوزير أبو الحزم بن جهور سقوط الدولة
الأموية في الأندلس، ما حدا بكل أمير من أمراء الأندلس لإقامة دويلته
المنفصلة، وتأسيس أسرة حاكمة من أهله وذويه. وخلال عقدين اثنين (1020 و
1030)، وعلى إثر سقوط الخلافة نتيجة لثورة الأمازيغ وظهور ملوك الطوائف
الذين قسموا الدولة إلى 22 دويلة، منها غرناطة وإشبيلية وألمرية وبلنسية
وطليطلة وسرقسطة والبرازين والبداجوز ودانية والبليار ومورور- فلقد ورثت
تلك الدويلات ليس فقط ثراء الخلافة، وإنما ورثت إلى جانبها عدم استقرار
الحكم والتناحر المستمر بين بعضها بعضا، ما جعلها فريسة لمسيحيي الشمال
الإسباني، حتى وصل الأمر إلى أن يدفع ملوك الطوائف المسلمين الجزية للملك
ألفونسو السادس، والاستعانة به على بعضهم بعضا. والنتيجة هي تشظي هذه
الدويلات ال 22 وانهيارها جميعاً على وقع صخب تناحرها.


فمن أين قفز لنا وداهمنا، نعم ليس على حين غرة، مارد الكراهية العمياء
التي صارت تسم علاقات معظم القوى المجتمعية في العالم العربي، بطوائفها
المختلفة، متجسداً في كل هذا التضاد الصارخ في الأمزجة والأهواء والنزعات
التي كانت قبلاً إنسانية قبل أن يجرفها سيل الكراهية باندفاعته المجنونة؟


سوف نقرر بدايةً أن الخلافات بين مختلف القوى المجتمعية، بكافة
أطيافها العرقية والطائفية..إلخ، كانت دائماً قابعةً في كمونها الذي تبقى
«ساكنة» في كنفه، لا يوقظها ويخرجها من كمونها سوى بعض «الانفلاتات» التي
يفرزها لحظياً بعض الاحتقانات حين وصولها لأقصى درجة غليانها. ولذا فإن هذه
الخلافات كانت دائماً «مستقرة» في منزلتها الطبيعية المتوارية أمام التقدم
المحرز الذي ظلت تحققه عملية التحول في بناء الدولة المدنية الحديثة التي
راحت تقطع رويداً رويداً مع علاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية، قبل أن يوضع
حد لهذا المسار التقدمي ويتم القطع مع التحول التحديثي والتمديني المتواسق
مع مقتضيات واستحقاقات الانتماء للعالم المعاصر وإنجازاته الاقتصادية
والعلمية والاجتماعية والثقافية، في لحظة تاريخية فاصلة اعتباراً من مطلع
عقد ثمانينات القرن الماضي الذي شهد حدثين ضخمين كانا بمثابة زلزالين ضربا
المنطقة وما جاورها، ونعني الثورة الإيرانية في عام 1979 والتدخل العسكري
السوفييتي في أفغانستان في نفس العام. فلقد آذن ذلك بإدخال المنطقة وشعوبها
في «عش الدبابير» الذي لا يبدو أن بمقدورها الفكاك من آساره بعد أن
استجابت بحماس منقطع النظير لدعوات الفزعة المذهبية والعرقية والطائفية
والانخراط الكلي في خليط من الحروب الباردة والساخنة ملؤها استنفار ونفث
سموم مشاعر الكراهية والضغائن والأحقاد إلى الحدود القصوى المفضية إلى
التناحر الجنوني بين أبناء الأمة الواحدة والدين الواحد والحضارة الجامعة.
وإذا ما صدقت ادعاءات إدوارد سنودين العميل السابق في وكالة الأمن القومي
الأمريكية التي نشرها موقع «ذي انترسيبت» في يوليو(تموز) من العام الماضي
حول تعاون أجهزة مخابرات ثلاث دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا
و«إسرائيل» لخلق تنظيم إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء
العالم في مكان واحد في عملية يرمز لها ب«عش الدبابير»، وهي خطة بريطانية
قديمة تعرف ب«عش الدبابير» تقضي باستنبات مذهب شعاراته إسلامية مبنية على
مجموعة من الأحكام المتطرفة الرافضة لأي فكر آخر منافس وذلك بهدف توفير
الحماية ل «اسرائيل» (ذلك أنه وبموجب 

وثائق سنودين، فإن الحل الوحيد لحماية «إسرائيل» يكمن في خلق عدو قريب من حدودها، لكن سلاحه موجه نحو الدول 
الإسلامية الرافضة لوجوده، مثلما كشفت تسريبات الموقع أن زعيم «داعش»
أبوبكر البغدادي خضع لدورة تدريب عسكرية مكثفة استمرت عاماً كاملاً على
أيدي عناصر في الموساد «الإسرائيلي»، بالإضافة إلى تلقيه دورات في فن
الخطابة ودروساً في علم اللاهوت) ، نقول إذا ما صح كلام سنودين، فهذا يعني
أن خطة «عش الدبابير» قد حققت نجاحاً منقطع النظير، إذ أثبتت الكراهية أنها
صانعة الأعاجيب في مجتمعاتنا التي مازال الماضي يشدها كلما آنسها الحاضر
وجذبها المستقبل اليه.


إذاً مشاعر الكراهية استُثيرت، ووُظفت
كسلاح لا يقل خطورةً وتدميراً عن أسلحة الدمار الشامل الحديثة. وقد أثبت
هذا السلاح الفتاك أنه صناعة رائجة بالنظر لمفعوله السحري العجيب في سرعة
إيغال الصدور وإحماء الرؤوس بمبثوث أحقاده وضغائنه، ومراكمتها ثم صهرها في
بوتقة كراهية فئات المجتمع الواحد لبعضها بعضا، وإهدارها لما كان مستقراً
من خصوصيات لم تخترعها أيٌ منها وإنما ورثتها كأسمائها من أسلافها في نفس
الحاضنة والبيئة الاجتماعية التي شاءت ظروف المكان والزمان وتقلبات الدهر
أن تضعها جميعاً في مستقر واحد تتعايش وتتساكن فيه من دون أن تشكل هوياتها
الفرعية هذه أي معوق أو منغص لتعايشها وتساكنها لعقود مديدة في كنف الهوية
الكلية الجمعية.


الآن وقد جُرِّب سلاح الكراهية، وقد أثبت، بلا جدال، 
فاعليته كسلاح فتّاك صانع للعجائب،
لماذا لا يتم تجريب فضيلة الحب والتوادد، لإعادة بناء ما تم هدمه وتدميره
على أيدي الكراهية؟..فالأكيد أن مفعولها كصناعة، أقوى وأوسع وأكثر تأثيراً
من مفاعيل صناعة الكراهية. فضلاً عن أن فضيلة الحب والتوادد، هي صناعة بناء
وتعمير، على عكس صناعة الكراهية المكرسة للتخريب والتدمير.
اقرأ المزيد

ذروة التشدد

أسعار النفط
لها ذروتها في الصعود، أي أنها تصل الى ذروة صعودها التي يصبح من غير المتصور
تجاوز الحد الذي بلغته. كذلك الحال مثلا بالنسبة للحدود القصوى التي يمكن أن
يبلغها استهلاك الفحم أو الوقود الاحفوري بوجه عام قبل أن يبدآن منحناهما النزولي.
أيضا فإن الدول صارت تضع لنفسها سقفا لبلوغ ذروة انبعاثاتها من غازات الاحتباس
الحراري


(GHGs)

، بحيث لن يكون ممكنا
تجاوز هذه الذروة.

     بمعنى آخر
فإن لكل شيء تقريبا ذروته التي يرتقى قمتها قبل أن يفقد قدرته على الاستمرار في
منحناه الصعودي فيبدأ بالانعطاف هبوطا. فهل تنطبق هذه الحتمية التاريخية على موجة
التشدد التي ركب صهوتها مشايخ التكفير وتنظيمات الاسلام السياسي المتطرفة وفي
طليعتها تنظيم القاعدة وتنظيم “داعش” ونسليهما من مجموعات تسمت بأسماء
فرعية تابعة لهما؟

     هذا السؤال
يطرح نفسه في ضوء تصاعد وتسارع موجة الرعب الارهابي التي تضرب مناطق شاسعة من
الشرق الأوسط وبعض أجزاء من آسيا وافريقيا في الشهور القليلة الماضية. بالأمس (يوم
الخميس 2 ابريل/نيسان 2015) اقتحم مسلحون ملثمون حرم كلية جاريسا الجامعية في شمال
شرق كينيا ونفذوا تفجيرات واقتحموا غرف الطلاب والطالبات وقاموا بقتل غير المسلمين
بدم بارد، حيث راح ضحية هذا الهجوم البربري 150 من الطلبة وبعض رجال حرس الجامعة.
وأعلنت مليشيا الشباب الصومالية التابعة لتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن هذا الهجوم،
والذي كانت قد تبنت قبله هجوم دموي شنته في عام 2013 على مركز للتسوق في العاصمة
الكينية نيروبي.





     وقبل ذلك بوقت وجيز كان ارهابيو داعش يقيمون
طقس شلال الدم على ضفاف أحد سواحل البحر الليبية. حيث قام وحوش التنظيم ببث شريط
مصور يظهر عملية ذبح 21 قبطيا مصريا، كان التنظيم قد اختطفهم في وقت سابق.. وكانوا،
قبل عملية الذبح، قد ألبسوا الضحايا الزي البرتقالي وأجبروهم على أن يجثموا على
ركبهم مكتوفي الأيدي ومن خلفهم يقف الملثمون المكلفون بعملية الذبح التي أحالت لون
مياه البحر الى أحمر قاني!

     وقبلها،
وتحديدا في الثالث من يناير 2015 كان التنظيم قد استعرض ذروة توحشه في الفيلم الذي
بثه لعملية حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيا داخل قفص حديدي محكم الاغلاق.
وقبل هذا التاريخ أيضا، وتحديدا في السادس عشر من ديسمبر/كانون أول 2014، قام 8
ملثمون ينتمون الى حركة طالبان الباكستانية التي أعلنت، ولو بصورة مخاتلة،
مبايعتها لتنظيم داعش، قاموا بارتكاب مجزرة في مدرسة للأطفال بمدينة بيشاور
الباكستانية بعد أن اقتحموا صفوف التلاميذ وأطلقوا عليهم الرصاص فقتلوا 132 طفلا
و9 مدرسين.

     وقبل أيام فقط، وتحديدا يوم الثلاثاء 17
مارس الماضي

شهدت العاصمة التونسية مذبحة مروعة أسفرت عن مقتل 23
شخصاً، بينهم 17 سائحاً أجنبياً، في عملية نفذها إرهابيان اقتحما متحف باردو
الوطني الذي يقع على بعد أمتار من مقر البرلمان،

راح ضحيتها 23 قتيلاً، من بينهم 17
سائحاً أجنبيا



ينتمون إلى جنسيات بولونية وإيطالية وألمانية وإسبانية
، وقد كانوا
أثناءها يهمون بالنزول من حافلات سياحية نقلتهم من ميناء حلق الواد إلى باردو، وكان
الارهابيان اللذان ارتديا ملابس عسكرية، بانتظارهما. وعندما هم السياح للنزول من
الحافلات اندفع نحوهم الإرهابيان وأطلقا عليهم النار.

     هذا طبعا بخلاف الجرائم الأخرى التي يرتكبها
تنظيم “داعش” الذي يمثل ذروة التوحش التي بلغتها التنظيمات الارهابية
منذ أن دشن التنظيم الأم “تنظيم القاعدة” أولى عملياته الارهابية في عام
1998 بتفجيرات سفارات الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام وما تبعها من عمليات
ارهابية نفذها فرعه الشيشاني في روسيا، قبل أن يتوجها بـ”غزوة” 11
أيلول/سبتمبر 2001 الارهابية الشهيرة ضد برجي التجارة العالمية في نيويورك، والتي راح
ضحيتها نحو ثلاثة آلاف قتيل من شتى بلدان العالم، وتكبّد العالم بأسره جرائها خسائر
قدّرت بمليارات الدولارات. وهي جرائم لا يتوقف التنظيم عن ارتكابها على مدار الأربع
وعشرين ساعة، من تدمير المتاحف والآثار التاريخية التي يعود بعضها لآلاف السنين
قبل الميلاد، وحملة التجهيل التي تشنها مليشياته في المناطق الخاضعة لسيطرته (أكثر
من 670 ألف طفل في سوريا حرموا من التعليم بعد أن أمر التنظيم بإغلاق المدارس الى
حين تغيير المناهج)، وسبي واختطاف  النساء
وبيعهن في “سوق النخاسة” (من الوثائق التي عُرضت على مجلس حقوق الانسان
في جنيف وثيقة توثِّق قيام تنظيم داعش باختطاف أكثر من 5000 إيزيدية وبيعهن في سوق
النخاسين). بخلاف الروايات المرعبة التي سردها بعض النسوة الناجيات من جريمة غزو
قرى ونواحي قضاء سنجار الواقع شمال غرب الموصل، ومنها ما روته لقناة
“نيوز”  فتاة أيزيدية كانت تسكن
قرية “كوجة” بعد استيلاء الدواعش علىها.

     الآن للاجابة على التساؤل عما إذا كان شيوخ
التكفير ودعاة ورعاة الارهاب  ومشغلوه
التنفيذيون على الأرض، قد بلغوا ذروة تشددهم العقائدي وتطبيقاته على الأرض، نبادر
أولا الى القول: وهل ما عرضناه من “عينات” إجرامية يشكل ذروة


(Peak)


ما في
جعبة “داعش” وأخواتها من أهوال وفظائع لإرعاب البشرية أم أن جنونها لا
حدود له؟!


     الأرجح أن هذه التنظيمات الارهابية لن تتورع
عن اللجوء الى “ابتكار” أبشع الأساليب وأكثرها رعبا وفتكا في حال توفرت
لها الوسيلة والموارد، وفي حال أُعطيت لها الإشارة من قبل مُشغِّليها. وهي تسعى
على أية حال للوصول الى أنواع، ولو بدائية، من أسلحة الدمار الشامل لاستخدامها
بهدف إيقاع أكبر قدر من الضحايا والدمار وبث الرعب في نفوس المجتمعات. وما دام
الجهد الدولي في مواجهة هذه التنظيمات الارهابية، مشتتا ومتفرقا، وخاضعا لاعتبارات
المصالح والحسابات السياسية، الجيوبوليتيكية والوطنية، فلسوف يستمر دأب هذه
التنظيمات في البحث عن الوسائل التي توصلها الى مبتغاها.

     بمعنى آخر فإن لحظة وصول هذا الارهاب الأعمى
الى منتهاه..الى ذروته، هي نفس اللحظة التي يقرر فيها “كبار اللاعبين”
وضع حد للعبة تشغيل تنظيماته، على الصعيد الفكري قبل اللوجستي. ولا تبدو مثل هذه
الانعطافة النوعية نحو إنهاء ظاهرته، وشيكة في ضوء الموقف الدولي المعقد والمحيط
بكافة ملابساتها. 
اقرأ المزيد

ثقافة اللاعنف بين الواقع والمأمول



الرفيقات، الرفاق،،،


الحضور الكريم،،، أسعد الله مسائكم بكل خير.


 


        في البدء
أود أن أشكر المنبر التقدمي على إتاحته لي هذه الفرصة للتحدث حول موضوع مهم وهام،
ألا وهو ثقافة اللاعنف وأهمية ترسيخها في وجداننا لتصبح جزء لا يتجزأ من كياننا ومن نسيج حياتنا وعملنا وتفكيرنا وأهدافنا الآنية
والمستقبلية.


 


        مع إتساع
ونمو ظاهرة العنف إلى حدود ومجالات غير (مسبوقة) ومع بروز ظاهرة المواطن الإرهابي
العالمي صار اللاعنف محور وهدف إستراتيجي لعمل مختلف الدول والأحزاب لمحاصرة نيران التطرف أولوية وهدف.


 


        وفي ظل
موجة العنف التي تجتاح عالمنا العربي ورائحة الدم والأشلاء التي تملأ حياتنا،
لغتنا، إعلامنا، ثقافتنا، سلوكنا، يبدو الحديث عن لغة اللاعنف نوعاً من الترف أو
من الخيال.


 


        ولكن في
مقابل ذلك، هنالك أمثلة عديدة لدول ولشعوب إختطت طريق ونهج اللاعنف في سبيل تحقيق
أهدافها، وكما قال زعيم حركة “القوة السوداء” في جنوب أفريقيا ستيف بيكو،
الناشط ضد نظام الفصل العنصري “أبارتيد” في جنوب أفريقيا في ستينيات
وسبعينيان القرن الماضي والذي قتل على يد الشرطة في عام 1977، وكان يهدف لتغيير
الوعي الأسود بمقولته الشهيرة “أقوى سلاح في يد القاهرين هو عقل”
“وعي المقهورين”


 


        واليوم
يمكن للاعنف أن يشكل إستراتيجية كبرى سياسية أو فلسفية تنبذ إستخدام العنف أكان
إرهاب دولة أو جماعات أو أفراد حتى وذلك في سبيل أهداف سوسيولوجية تواكب عمليات
التغيير والإصلاح السياسي ومقاومة أشكال القهر والعنف والإحتلال.


 


        كتاب جين
شارب المقاومة اللاعنفية يدعو إلى وسائل أخرى وبدائل حقيقية من مثل كفاح اللاعنف
والإنتفاضة والنضال بلا عنف وبشكل مرادف للقوة ولكن بالمسالمة على نـحو يحتاجه
أكثر القرن الجديد أكثر من القرن العشرين لجهة التعقيد الحاصل في رسم الإستراتيجيات
الصغرى والكبرى وإختلاف العناصر وموازين القوى والرأي العالمي الذي صار جزءاً
رئيساً من هذه التحولات في دراسات النضال بوسائل اللاعنف.


 


        إذ
أن النضال اللاعنفي وفي زمن الثورات العربية يعطي المواطنين وسائل يستطيعون
إستخدامها للحصول على حرياتهم والدفاع عنها ضد حكام ديكتاتوريين حاليين وفي
المستقبل، في نوع من الإستراتيجية الكبرى المغايرة لإستراتيجيات سابقة إلى حد صار
يسمح للشعوب نفسها أن تضع أجندة مستقبلية لأوطانها ودولها، وللإنتقال من
الديكتاتورية إلى الديمقراطية.


 


        علينا
أن نتذكر أن هدف الإستراتيجية الرئيسية في مواجهة أنظمة الحكم الديكتاتورية لا
يتوقف ببساطة عند القضاء على الديكتاتورية، بل يستمر حتى يتم وضع نظام ديموقراطي،
ويجعل من نشوء ديكتاتورية جديدة أمراً مستحيلاً. كما يجب أن تكون أساليب النضال
المختارة قادرة على المساهمة في تغيير توزيع قوى المجتمع المؤثرة من أجل تحقيق
الأهداف والقضاء على الديكتاتورية وخلق نظام ديموقراطي عندها يصبح إستحالة ظهور
ديكتاتورية جديدة.


 


        من
المعروف أن الشعوب ومؤسسات المجتمع المدني تكون ضعيفة في ظل وجود أنظمة الحكم
الديكتاتورية، وتكون الحكومة في المقابل قوية جداً فإذا لم يحدث تغيير في موازين
القوى هذه فإن الحكام الجدد يستطيعون، إن أرادوا أن يكونوا حكام ديكتاتورين
كأسلافهم.


 


        قبل
عامين ونصف على وجه التقريب في07 نوفمبر 2012م، أقدمت الجمعيات

السياسية المعارضة على خطوة مهمة وتاريخية في إصدار وثيقة اللاعنف، وبذلك
فوتت الفرصة على كل من يدعي بأن هذه الجمعيات لها أجندات أخرى غير معلنة وبأنها
تدعم الإرهاب كما تروج له السلطة والصحف الصفراء من أجل حرف الأهداف الحقيقة للعمل
الوطني السلمي المطالب بالديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان.


 


        فالحكم
وعلى مدى أكثر من نصف قرن وهو يعمل على إشاعة فكرة بأن أي من المطالبين
بالديمقراطية هم إرهابيون أو يعملون لحساب دول تدعم الإرهاب، وفي الآونة الأخيرة
قد جند مجموعة من الإعلاميين في الإذاعة والتلفزيون وكل وسائل التواصل الإجتماعي
لترويج مثل هذه الأكاذيب، ودفع لهم مالاً سخياً من أجل إثبات هذه الأكذوبة.


 


        أما
الحركات السياسية فمنذ تاريخ نشوء تلك الحركات، وعلى الأخص منها جبهة التحرير
الوطني البحرانية، كان لبرنامج عملها وأهدافها والتربية الحزبية التي أنشأت
أعضائها ومناصريها حيزاً مهماًَ في هذه التربية القائمة على مفهوم اللاعنف والعمل
السياسي السلمي.


 


        فعندما
أصدرت الجمعيات المعارضة وثيقة اللاعنف وحددت أهداف عملها في المبادئ الواردة في الإعلان قطعت الطريق كليا ًعلى أي تقولات يقوم بها الحكم في إلصاق تهمة الإرهاب
بها.


فالمبادئ كانت واضحة
وتحددت في التالي:


 


فمثلاً أولاً: إحترام
الحقوق الأساسية والأفراد والقوى المجتمعية وأخذت على عاتقها الدفاع عنها.


 


        ومثلاً ثانياً:
الإلتزام بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية.


 


        ومثلاً ثالثاً:
أكدت على أن تلك القوى أي المعارضة أن تأخذ على عاتقها في نهجها السياسي أن لا
تلجأ إلى العنف أو تجاوز حقوق الإنسان والآليات الديمقراطية.


 


        ومثلاً رابعاً:
التأكيد على الإدانة الواضحة والصريحة للعنف بكل أشكاله ومصادره وأطرافه.


 


        ومثلاً خامساً:
أكدت قوى المعارضة على أهمية الدفاع عن حق المواطنين في حرية التعبير والتجمع
السلمي وتكوين الجمعيات.


 


        وأخذت
القوى السياسية المعارضة على عاتقها أن تكرس وتدعوا في أدبياتها وخطاباتها
وبرامجها إلى ثقافة اللاعنف وإنتهاج السبل السلمية والحضارية.


 


        وقد
أستمدت تلك المبادئ من المواثيق والإعلانات والقرارات الدولية كالقرار رقم 61/45
والخاص بالعقد الدولي لثقافة السلام واللاعنف من أجل أطفال العالم والصادر في 4
ديسمبر 2006م، والقرار رقم 61/271 والخاص باليوم الدولي اللاعنف والصادر في 15
يونيو 2007م.


 


        فكلا
القرارين يؤكدان على أهمية العمل السلمي وعدم اللجوء إلى أي نوع من أنواع العنف ويحثان
منظومة الدول على أهمية التسامح والإحترام الكامل لجميع حقوق الإنسان والحريات
السياسية للجميع والديمقراطية والتنمية والتفاهم المتبادل وإحترام التنوع وتأمين
ثقافة السلام ونشر رسالة اللاعنف عن طريق التعليم وتوعية الجمهور.


 


        وقد أشار
القرار رقم 61/45 والخاص بالعقد الدولي لثقافة السلام واللاعنف في ديباجته إلى
الميثاق التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم على أنه لما كانت الحروب
تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام.


 


        ومن هنا
تأتي أهمية هذه الوثيقة في ضرورة تربية الأجيال على التسامح والولوج إلى أفئدتهم
وعقولهم وقلوبهم حتى تصبح هذه الثقافة جزء من كيان تفكيرهم، كل ذلك يعزز من دور القوى
المطالبة بالتغيير في المجتمع ويعزز من مكانة الحركة الوطنية المطالبة
بالديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان وصولاً إلى التداول السلمي للسُطة.


 


        وعلى هذا
الأساس فإن المبدأ الأساسي لفلسفة العمل السياسي هو بناء مجتمع خال من العنف، وهذا
ليس بالإمكان تحقيقه في ظل الدول القمعية والتسلطية أو في ظل الديكتاتوريات.


 


        فالبيئة
الحاضنة للتفكير في اللاعنف والنهج السلمي في أي مجتمع لا يتأتى إلا من خلال وجود
الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان.


 


        في نظريته
عن العنف، قال الفيلسوف الفرنسي الماركسي “جورج لابيكا” “أن
الفروق القديمة بين العنف الشرعي والعنف اللاشرعي تم تحريفها بإستمرار عن طريق
مركزية الإرهاب في أنظمتنا التي تقود الحرب المعاصرة”
 


 


ونرى مصداقاً
لما قاله

الفيلسوف الفرنسي من أن الحكم يحاول إلصاق التهم
بالحركات السياسية المعارضة ويفبرك المسرحية تلو الأخرى للنيل من قوى المعارضة
وتصويرها بأنها إرهابية أو ترعى الإرهاب، بينما لو رجعنا إلى التاريخ سنجد بأن من
يقوم بالإرهاب هي الدولة ذاتها من خلال القيام بأعمال القتل والتعذيب والتعدي على
حقوق المواطنين وإنتهاك حرمات المنازل وإعتقال الأطفال والنساء وتدمير دور العبادة.


 


        وعلى خلاف
ذلك، فأن القوى السياسية كانت وما زالت وفي بياناتها المتتالية تدين أي أعمال تدعو
إلى العنف أو تحرض عليه أو تفكر بالقيام به من أي جهة كانت، ومع ذلك لم يشفع لها
من قبل الحكم أو الموالين أو الصحف الصفراء الذين يكيلون التهم ليل نهار إلى قوى
المعارضة ويوصمونها بالإرهابية.


 


        فثقافة
اللاعنف ترسخت وأصبحت تدرس في الجامعات كما هو حاصل في إحدى الجامعات اللبنانية،
حيث تأسس في العام 2009م  أكاديمية تدعى (أونور)
تقدم شهادات متخصصة في درجة الماجستير وتخرج سنوياً المئات من الخبراء في مناهضة
العنف من مختلف الدول العربية، وهي بذلك أي الجامعة تؤسس لمناهج رائدة في تعليم
اللاعنف وحقوق الإنسان واللاطائفية في المدارس والجامعات،


 


        فإذن،
اللاعنف قبل أن يكون منهاج عمل هو أولاً وأساساً موقف درجت عليه القوى السياسية
منذ أمد بعيد وما زالت مستمرة فيه من أجل نيل المطالب بالطرق السلمية والحضارية
إيماناً منها بأن العنف هو إنتهاك لحرمة الحياة بل بالعكس بأن القوى المعارضة،
وعلى الأخص منها المنبر التقدمي، قد تصدت في بياناتها ومواقفها إلى أي دعوة أو
دعوات تدعو إلى عدم السلمية في المطالبات.


 


        وفي هذا
الإطار فإن الجانب الأخلاقي الذي تستمد منه القوى السياسية في تبنيها لمبدأ
اللاعنف يكمن في إستفادتها من خبرات الشعوب الأخرى في مطالبتها بالحرية
والديمقراطية بالطرق السلمية إعتماداً على قوة الجماهير وكثرتها كما فعل قادة عظام
كالمهاتما غاندي في إستقلال الهند ومارتن لوثر كينغ في دفاعه عن السود ومن أجل
الحقوق المدنية للأفروأمريكيين ونيلسون مانديلا الزعيم الجنوب أفريقي.


 


        ومن هنا
نجد بأن كل هؤلاء العظام قد أخذوا عن نظرية اللاعنف من الفيلسوف الأمريكي هنري
ديفيد ثورو الداعي لإنهاء العبودية والمنظر الأول للمقاومة السلبية الذي تحدث عنها
في كتابه في عام 1849م “العصيان المدني”.


 


        فالمعارك
التي خاضها كلاً من، غاندي، كينغ، مانديلا، ضد الظلم الأبيض، كل واحد منهم يعتبر
مدرسة للنضال عبر اللاعنف والعصيان المدني في سبيل الحرية وحقوق الأنسان، حيث أصبح
هذا الفكر الأكثر إثارة في تاريخ النضال ضد الحكم الإستعماري.


 


        كما أنه
يمكن لنا القول بأن الأديان السماوية وغيرها من الأديان الوثنية كالهندوسية
والبوذية والسيخية كانت تدعو إلى اللاعنف.


 


        فالعمل
اللاعنفي هو أجدى وأنفع للقوى السياسية من أي عمل آخر والذي يدخل في إطاره التظاهر
السلمي وتسيير المظاهرات والتجمعات العامة وله أدوات مثل اللافتات، الشموع،
والزهور. كما أن له شكل آخر إذا إستدعت الحاجة وهو العصيان، الإمتناع أو عدم
الطاعة. ليتدرج حتى الإعتصام، إحتلال المواقع، الإضراب عن الطعام، والإضرابات، والتجمعات،
والعرائض، والتواقيع، والإمتناع عن دفع الضرائب، والإمتناع عن الخدمة العسكرية
والمظاهرات العامة كوسيلة من الوسائل التي إعتمدتها الحركات اللاعنفية.


 


        كل ذلك، يؤخذ
في الحسبان في العمل السياسي بإختلاف الظروف السياسية والثقافية للشعوب ومدى
ملائمة أي من تلك الوسائل للبلد المعني.


 


        من هنا
نجد من أن الشعوب في حركتها عبر التاريخ وفي كفاحها اللاعنفي لعبت دوراً وما زالت
في تقليل سلطة الأنظمة الديكتاتورية، ولذلك نجد في العام 1989م شهد ما يزيد على
مليار ونصف مليار من البشر ثورات لاعنفية حققت نجاحات تفوق التصور وعلى الأخص في
بلدان ما يعرف بالكتلة الشرقية السابقة، وإذا ما أضفنا (الفلبين، جنوب إفريقيا،
إيران، حركة التحرر في الهند) فإن الرقم سيزيد عن ثلاثة مليارات مما يعني نسبة
خمسين بالمائة من البشر، وتبع ذلك ما حدث في العام 2011م من ثورات الربيع العربي
وما حققته في كنس الأنظمة الديكتاتورية كتونس ومصر واليمن وليبيا.


 


        من هنا
يجب التنويه من أن العنف السياسي يحرم الإنسان من حقه في الحياة التي نصت عليه
جميع المواثيق الدولية، فقد ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إن “لكل
فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه”
ونجد الأمر عينه في الإتفاقية
الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، في المادة (6) الفقرة (1) ” لكل
إنسان الحق الطبيعي في الحياة ويحمي القانون هذا الحق ولا يجوز حرمان أي فرد من
حياته بشكل تعسفي”.


 


        فالعنف السياسي
في المجتمعات الحديثة وبسبب الطبيعة الفتاكة للسلاح الحديث وتأثيره الواسع النطاق
يؤدي إلى قتل وجرح أشخاص آخرين لا علاقة لهم بالخصم الذي يستخدم ضده العنف. ولذلك
فإن القوى السياسية في إنتهاجها لمبدأ اللاعنف بإمكانها التركيز على المطالب التي
تأمل تحقيقها لمواجهة عنف الحكم بالوسائل اللاعنفية وهي الأجدى والأقوى والأمضى في
المواجهة.


 


        وبناء
عليه، تم اللجوء إلى لغة تدعو إلى تبني تدوال السلطة بشكل سلمي، بعيداً عن وسائل
العنف والإكراه، وإجراء إنتخابات دورية، يشارك فيها الشعب ويؤخذ بنتائجها، وإعتبار
مبادئ الشفافية والعدالة والنزاهة هي الأساس لتحقيق رخاء سياسي وإقتصادي ومجتمعي.


 


        ومن هنا،
يأتي دور الإعلام السياسي الذي يستهدف من خلال ما يقدمه من أخبار وموضوعات
وتعليقات وتحليلات وصور خلق المناخ الذي يهيئ مساندة الرأي العام لتوجهات العمل
السياسي عبر تزويد الجماهير بالمعلومات والقرارات السياسية التي تساعد على تكوين
رأي عام موحد يدعم رؤية القوى السياسية والإرتفاع بمستوى وعيها وحشد طاقاتها في
بوتقة العمل السلمي اللاعنفي.


 


        وفي سبيل
تحقيق الأهداف، فإنه من الضرورة أن يكون هنالك سنداً دولياً لمتابعة ما يحدث على
أرض الواقع ولن يحدث ذلك إلا من خلال إدانة العنف بكل أشكاله وألوانه ومسبباته
ومبرراته من أي طرف كان، وهذا ما لمسناه في بيانات الدول كالموقف من الوثيقة
الصادرة عن الجمعيات السياسية المعارضة، حيث أفرد المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية
الأميركية بتاريخ 9 نوفمبر 2012م ترحيبه بـ (وثيقة اللاعنف) التي أصدرتها المعارضة
البحرينية، وكذلك فعلت الدول الأخرى وطالبوا حكومة البحرين بالكف عن ممارسة عنف
السُلطة في مقابل المطالبات المنادية بالديمقراطية.


 


        وفي
الختام، نود أن نؤكد على أن العمل السياسي يجب أن ينصب على أهداف قابلة للتحقيق من
خلال الترويج للأفكار اللاعنفية والعمل بالطرق السلمية وإدانة كل من يدعو إلى خلاف
ذلك ومن كل الأطراف حتى نستطيع أن نقدم درس كما هو حاصل لدول وشعوب أخرى سبقتنا في
هذا المجال وإستطاعت عن طريق العمل السلمي أن تتقدم وتخطو خطوات نـحو الديمقراطية
وإحترام حقوق الإنسان والتداول السلمي للسُلطة.


 


 



الأحد 10/05/2015م



المحامي/ حميد علي الملا



 



 




المصادر:-



1-                 
وثيقة
اللاعنف الصادرة عن الجمعيات السياسية المعارضة بتاريخ 07 نوفمبر 2012م.


2-                 
قرار
الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/45 – العقد الدولي لثقافة السلام واللاعنف من
أجل أطفال لعالم 2001،2010م .


3-                 
قرار
الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/271 – اليوم الدولي للاعنف/ 15 يونيو 2007م.


4-                 
موسوعة
ويكيبيديا.


5-                 
د.
السيد أحمد مصطفى عمر (الإعلام المتخصص دراسة وتطبيق).


6-                 
بيان
صحافي صادر عن المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأميركية.


7-                 
مدونات
التقرير – رقية الكمالي.


8-                 
جين
شارب (من الديكتاتورية إلى الديمقراطية)




اقرأ المزيد

المؤتمنون على أقوالهم..!

وحدهم الذين تابعوا على مر السنوات الماضية ردود فعل النواب على تقارير
ديوان الرقابة المالية والادارية، وحدهم يعرفون جيداً ان مخرجات ردود الفعل
هذه لاشيء، او لنقل ان جاز التعبير انها الأرخص بكل معنى ومعيار، وكأن
إرادة الفعل معطلة، والبصيرة كذلك..! 


لا نعرف، ولا احد يعرف بعد ما اذا
كان النواب هذه المرة سيمضون نحو تعاط غير مألوف مع التقرير الجديد الذى
امامهم، تعاط يتجاوز «بيزنطينيات» النصوص والشعارات والمعزوفات التى مل
الناس منها، والتى قد تلهب المشاعر ولكن لا تلامس الواقع، اي تعاط لا يكون
موضع شبهة لا فى ذاته ولا فى دلالاته، ام اننا نحلم..؟! 


ان يقف اكثر من
30 نائباً على موقف واحد، وان يتوافقوا ولأول مرة فى تاريخ مجلس النواب
على قيام المجلس بإبلاغ النيابة العامة رسمياً عن مخالفات ارتكبتها 14 جهة
حكومية ارتكبت 51 مخالفة تحوم حولها شبهات جنائية، هل يمكن ان يفتح للنواب
باباً، وللمعنيين بأمر المساءلة فى الجهاز التنفيذي والنيابة العامة
ابواباً لما يرضي الناس ويرتضون ويقتضيه الواجب والمسؤولية، بعدما فرط
النواب الذين قبلهم فى كل الذى فرطوا فيه من صلاحيات، هل الجدد منهم إتعظوا
على الأقل، وبدأو محاولة ما يمكن إنقاذه من دور للنواب، من دون ان ينشغل
او يشغل اي منهم فى ماذا يتم قبل ماذا، ومن يتوجه الى من، ومن يزايد على
من، ومن يمارس صلاحياته قبل من، ومن يقوم بالمبادرة والدور قبل من، الى آخر
ما بات معلوماً من النواب السابقين، الذين يدخر الناس لهم ذلك المشهد الذى
لا ينسى حين قلصوا وكبلوا صلاحياتهم، وكأنهم أرادوا محو البقية الباقية من
القدرة على تفعيل قيمة المحاسبة، وجعل جوهرها فى المجلس النيابي يتآكل فلا
يبقى منها سوى الاسم والشعار من غير معنى ولا قيمة ولا اعتبار، فعلوا ذلك
من دون ان يخسروا حتى ولا ماء الوجه..!!


أهلاً بالنواب الذين أكدوا خلال
اﻻيام الماضية بانهم لن يتقاعسوا، ولن يتخاذلوا ولن يجبنوا، وانهم لن
يرضوا الا بتعاط جاد غير مسبوق مع هذا التقرير الجديد المقدم لهم، وشددوا
على انه لا يزال فى وسعهم ان يفعلوا ذلك، وكأنهم يقولون لنا هللوا وكبروا
لأنهم لن يكونوا كغيرهم «ساحة « ومسرحاً، وممثلين، وان دورهم فى الرقابة
والمساءلة والاستجواب لن يخطف او يستخطف، او يقطع إرباً إرباً، وانه آن
لهذا الدور ان يستقيم..!!
حسناً من فهم ماجرى على ذلك النحو، وافترض فى
النواب انهم هذه المرة سيتحدون ويتوحدون – ولو بمن حضر – من اجل القيام
بدورهم كما يجب، وانهم سيفعلون ذلك، لا بالاستئذان والاستجداء، وإنما عبر
بلوغ هدف توازن السلطات، وإعادة تأهيل العمل والدور البرلماني الحقيقي، وما
يتفرع عن ذلك من تبعات ومسؤوليات مغيبة، وأداء نوعي لايهزه ريح..!!، من
فهم ماجرى، وما قيل وما كتب على ذلك النحو، ووجد بان تطمينات النواب هذه
المرة تنبئ بالخير ومجمعة على ان هؤلاء النواب رغم انهم من مشارب شتى، تعني
بأنهم لن يدخلوا فى اي بازار هنا او هناك، ولن يتهاونوا او يتساهلوا حيال
اي مواجهات حاسمة لبلوغ المعالجات الصائبة لمظاهر الخلل والخطأ والتجاوز
والفساد.. وما مشاريع الاستجوابات ولجان التحقيق الا بداية..!!


اذا
سايرنا هؤلاء المتفائلين، فإننا نظل نتطلع الى صحيح العمل البرلمانى وجوهره
والعميق فى أبعاده، ولذا يهمنا ان يكون واضحاً القول، ان المساءلات
الحقيقية المعتبرة ستظل برأينا مستحيلة الى ان تحدث، وليس ما يجعل فى قدرة
عاقل ان يجزم حتى الآن على الأقل بان النواب سيمضون بجدية وبثبات وبصدقية
وموثوقية وبحزم الى ما تبقى لهم من صلاحيات، نحو الطريق المأمول الذي يشفي
غليل الناس المتعطشة الى تفعيل تلتقي عنده جميع الإرادات لقيمة المساءلة
والمحاسبة من ألفها الى يائها، وهذا كلام يجب ان يقال مجدداً ولن نيأس من
التأكيد عليه، نقول ذلك لا تشكيكاً ً وان يكن للشك ما يبرره، ولا لتثبيط
الهمم او قتل الأمل، لكن من لاحظ وعاين وتابع وعايش كيف كانت تسير مجريات
الأمور، وكيف هى مآلات التعاطي مع التقارير السابقة لتقارير ديوان الرقابة،
ومعها أيضاً لجان التحقيق التى تشكلت، وأيضاً مشاريع استجوابات وئدت قبل
ان تولد، على مدى عشر سنوات مضت، سيجد كيف كان التخلف عن كل ذلك همة
واهتماماً، عملاً وفكراً وادراكاً والتزاماً، وماعليه الا ان يخشى الوقوع
فى اليأس، وكأنه كتب عليه ان يمضي من يأس الى يأس..!! 


 ليعذرنا النواب
ان لم نكن نبدي حتى الآن على الأقل، القدر المطلوب من التفاؤل، فتراكمات
الاحباطات والخيبات والانتكاسات فى العمل البرلماني فى السنوات الماضية
لاتزال حية فى الذهنية الحاضرة، وذا كان هناك من النواب من يريد اليوم ان
يفّ­عل دوره فى الرقابة والمساءلة والمحاسبة ويجعل هذا الدور شغله الشاغل،
بمقدورنا إذن القول، ان هؤلاء أمام امتحان فى إثبات الجدية والكفاءة
والقدرة، وان شئنا الدقة فإنهم أمام اكثر من امتحان، فبالإضافة الى امتحان
التعاطي مع تقرير ديوان الرقابة، هناك امتحان «التوافقات التى تمت حول
برنامج عمل الحكومة وعدم المساس بمكتسبات المواطنين»، وامتحان حول كيفية
التعامل مع الميزانية العامة والدين العام، ولا ننسى امتحان كيف ستستخدم
الصلاحيات المتاحة، وإمكانية انتزاع ما سلب من المجلس النيابي من صلاحيات
وإزالة ماكبل به من قيود بفضل نواب الفصل التشريعي السابق، كما انهم أمام
امتحان الكشف عن حقيقة هذا الذى قاله وزير المالية ونصه: «لقد تم تفعيل
مبادئ المحاسبة والشفافية والمسؤولية، وفق افضل نظم الادارة المالية
والرقابة الداخلية، وانه تم التعامل بفاعلية وحزم مع كافة ملاحظات ديوان
الرقابة، وتم تعزيز النزاهة فى العمل الحكومي تكريساً لمبدأ الحفاظ على
المال العام، وعليه انخفضت المخالفات الجنائية بنسبة 80%» هل يمكن تقبل هذا
الكلام من جهات اقل ما يمكن ان يقال بشأنها هى الخصم والحكم؟، من حاسب
من؟، وأين هى الشفافية التى شبعنا تصريحات صبت فى اتجاه التأكيد بانها
ستكون قاعدة أساسية فى تعامل الجهاز التنفيذي مع المواطنين، اين هي فى
«المعالجات» الفاعلة والحازمة التى قيل بانها تمت، ثم الا يفترض ان هناك
جهة محايدة كديوان الرقابة نفسه، او مجلس النواب، او النيابة العامة، جهة
هي التى تقرر ما اذا كانت مكامن الخلل والخطأ قد عولجت حقاً، وكيف، وعلى اي
أساس، وماذا تم حيال من اخطأ او انحرف..؟!، ومتى تسمى الأشياء
باسمائها..؟، قبل ان يسوق مثل ذلك الكلام، هذه ملاحظات على الهامش..!!


 نعود
الى النواب، هم أيضاً أمام امتحان ترجمة مبدأ المحاسبة السياسية، اي
محاسبة اي وزير حتى بعد خروجه من الوزارة طالما هناك مخالفات وتجاوزات
ارتكبت أثناء توليه المسؤولية فى هذه الوزارة او تلك، لأن «عفا الله عما
سلف» فى هذه الحالات التى تمس المال العام، وتمس مصلحة الشعب، سيكون أمرا
من الخطأ الفادح القبول به..!!، كما انهم أمام امتحان جعل قيمة المساءلة
حاضرة فى ساحة الأداء العام والوعي العام، وليس فى ساحة الخطب والتصريحات
والمناسبات، أما الامتحان الذي نحسب انه الأكبر، فهو حين ان ينجح مجلس
النواب فى طرق الابواب التى تجعل مجتمعنا يتجاوز كل آفات التقاطع ويرسي
ويعزز النسيج الوطني والوحدة الوطنية، وهذا هدف أرهقه التجوال وافهموا هذه
العبارة كيفما شئتم..!!


المطلوب الأن، ولعله امتحان أخير، ان يتمكن
النواب فى القضاء على التباعد الذي يصل الى حدود القطيعة بين القول والفعل،
فسهل جداً ما يقوله النواب، وإنما الأصعب، والمحك هو ان نجد الذين يؤتمنون
على ما يقولونه..!!
اقرأ المزيد

مهمة لا تعفي أحداً من المسؤولية..!!

فعلاً نحن نحتاج الى مثل هذا الكلام، والتأكيد عليه، والتشديد على الالتزام
به:
«لن ينجح من يلعب على وتر الطائفية والمذهبية»
هذا الكلام لجلالة الملك حين ترأس جلسة مجلس الوزراء في الأسبوع الماضي،
وهو كلام نفترض انه يضع الجميع أمام امتحان جاهز، يبسط لاختبار النيات، ولا
نظنه يحتاج الى اكثر من مراجعات من جانب أولئك الذين يريدون لنا ان نتقوقع
داخل الطائفة او المذهب، ويقفون وراء كل ما ينعش النفس الطائفي، والتطرف
الطائفي بكل أشكاله وألوانه وتجلياته، ووجدناهم يدفعون وبكرم فائض وجبات
متتالية من الانقسام، ومواد للنزاعات، من اجل ان نمضي في الاتجاه الأسوأ
دائماً، بل وجدناهم يتسابقون ويبرعون في استثمار كل المنابر وقنوات التواصل
وبسرعات أولمبية لافتة لإثارة الضغائن والانغماس في شرورها ولم يقصروا،
حتى التأويلات التي قد تتعدد وتختلف في كل شأن وأي شأن استثمرتها قوى جامحة
ومقاولون مختصون بإثارة الفتن يتكسبون منها، بل واستنبتوا كل ما يمكن ان
يضع النبل، ورفض العيش على وقع الصخب الطائفي المفتوح، موضع الشبهة والضعة،
خلقوا مبررات إضافية لما يصب النار على الزيت، وينسف الجسور، ويقطع
الاواصر، ويضرب القناعات التوافقية والقواسم المشتركة، والأدهى والأمر ان
من ضمنهم من هم بحسبة رجال دين، ودعاة وخطباء ومنظرين، وسياسيين وكتاب
ونشطاء، و«تويتريين» وجمعيات وقوى مذهبية أدمنت النوم في المخادع
الطائفية..!!
كل أولئك، ومنهم من تعاظموا او عظموا انفسهم، استصغروا عقولنا، وضربوا
بثوابتنا عرض الحائط، حتى التنوع الذي ميزنا وافتخرنا به ولا زلنا، والذي
كان وسيظل قيمة تحتسب للمجتمعات وانظمتها، يراد له ان يمس وان يشوه.. بل
ويضرب متجاهلين ان المجتمع البحريني منسوخ في الاصل بخيوط هذا التنوع
والاعتدال، وطالما ان هناك نواقيس خطر في المنطقة بدأت تدق هنا وهناك
وهنالك، فقد باتوا على وقعها يرفعون حمأة إثارة الغرائز والنزوات الطائفية
وتقويض أسس التعايش، وينساقون ويريدون ان ننساق وراء طيشهم الى ما نحن على
ثقة بانه لن يؤدي بنا إلا الى خيبات تلو خيبات.. وكأن ما فينا لا يكفينا
..!!
وكم هو أمر بالغ الحيرة والأسى والأسف والقلق، ان نجد من بين أولئك من
نفترض انهم أبعد ما يكونون عن الاستقطاب الطائفي – مبدأ وإيماناً وسلوكاً
وممارسة – ويتبنون شعارات الوطنية، ولكنها تظل شعارات لا تبتعد بعيداً عن
هوى ومصالح خاصة، خاصة جداً، ولا يتوانون عن ختم كل أمر وشأن وطني بختم
الطائفية، حتى المواطنة يريدون بلوغها عبر «الطائفة الوطنية»، أيعقل
هذا..؟! وهل يمكن ان تؤدي الطائفية الى المواطنة، ذلك نعده مستحيلاً، ورغم
قناعتنا بان الساعين الى المواطنة الحقة والمؤمنين بها والمدافعين عنها هم
كثر، لعلهم الأكثرية، ولكننا على قناعة أيضاً بان الطائفية لا تؤدي الى
المواطنة، هما ضدان، اي منهما يلغي الآخر، الطائفيون لا هم لهم إلا المزيد
من الطائفية، شهواتهم لا تتوقف عن طلب المزيد منها وإلحاق كل أمر وشأن
ملحقاً بالتمام والكمال بالطائفية، ونشر مفاعيل البنية الطائفية في كل مجال
وميدان، حتى الوفاق الذي قد يتجاسرون على الدعوة اليه، يريدونه وفاقاً
طوائفا، الذي تطيّف فيه الدولة والمؤسسات والمصالح، حتى مؤسسات المجتمع
المدني تم ختم بعضها بختم الطائفية ووشمت بوشم المذهبية، ووجدنا من حول ذلك
الى مزايا وإنجازات، بئس المزايا والإنجازات التي تفوح منها روائح النتانة
وتدمير الذات..!!
الداعون الى المواطنة، قلنا بانهم كثر، حقاً انهم كثر، هؤلاء لا يقبلون
التنازل عن رأيهم بان الطائفية مرض فتاك، ولا يتنازلون عن قناعتهم بان
الطائفية آفة تأكل الدين والوطن، يستفيد منها انتهازيون ومنافقون يسبِّحون
بحمدها في كل وقت، هؤلاء يرون بان ثقافة المواطنة لا تخرج عن كهف الطائفية،
ولذا فهم يريدوننا ان نكون محكومين بمناخات طائفية مستدامة، تفرق بين
المواطنين، وتعقم اي بارقة أمل في النهوض بالوطن، وتؤبد الفساد..!!
نعم الفساد، فالطائفية والفساد صنوان، كلاهما يكمل الآخر، وكلاهما يؤمن
للآخر حصصاً ومكافآت وامتيازات ومواقع وهيمنة ومنافع بالمخفي والمكشوف..
الطائفية تحمي مفسديها، وتوفر لهم ممراً حراً لفساد مستدام، والأسوأ
والأخطر حين يكون التمسك بالطائفية نتاجاً لروابط مصلحية يؤمنها الفساد،
والمعنى هنا واضح، انه يعني باختصار، ان الطائفية تحولت الى أداة لإدارة
الفساد، والاندماج والذوبان فيه، او على الأقل التفرج عليه وهو يتمدد في كل
شأن ومجال بقدرة فذة، مع عجز او عزف لا فرق عن محاربته والتصدي له، وحتى
الديمقراطية في ظل الطائفية لا قيمة لها ولا اعتبار.
نعم، الديمقراطية تكون في الأجواء والمناخات والتربصات غير قادرة على ان
تنهض بالوطن، بل انها في هذه الحالة أعجز ما تكون عن الاضطلاع بمهمة الخروج
من أسر المعادلات الطائفية والمذهبية، وقد يذهلنا كم الأغاليط والأكاذيب
والممارسات التي ترتكب بذريعة الديمقراطية التي يتقاذفها «القوالة»، هؤلاء
همهم ان يكون الشارع مسييساً طائفياً، او مطيفاً سياسياً، وكله باسم
الديمقراطية، وهي بالنهاية يجعلونها مجرد لعبة تخدم في الزوايا والخبايا
لمن هم منخرطون في مهرجان الفساد..!! وكأن ثمة غياب مقصود للوعي وللموضوعية
والعقلانية فيما يخص الديمقراطية، وحتى «الميني – ديمقراطية»..!!
العقلانية ، نعم ، هذه التي نبحث عنها، فالعقل كما يقول الفيلسوف الفرنسي
كارل بوير «هو الذي يجعلني أنعت نفسي انساناً»، والمطلوب الان وبإلحاح ان
نستخدم عقولنا، أليست العقلانية استخدام العقل، العقل الذي يجنبنا
الانحيازات والتفضيلات والممارسات التي تجعلنا مسترهنين لمن لا يريدون لنا
إلا ان نمضي في ضرب اي قناعات توافقية، وخلق انشطارات وعصبيات تقسم
مجتمعنا، وان نبقى نبيع او نشتري او نتداول كلام في كلام لا يقنع حتى صغار
العقول..!
العقل والمنطق والمصلحة والمواطنة والديمقراطية والحاضر والمستقبل، كل ذلك
يفرض ويفترض ان نقف ضد من يريد ان يلعب على وتر الطائفية في كل موقع كان،
يثير أجواء التشنج والتجاذب والتوتر، وعلينا ان نقتنع بانه لا خلاص لنا في
هذه المناخات والظروف المعقدة التي تجمعنا بمحيطنا من العمل بكثير من
الجدية والصدقية كي نكون مجتمعاً غير طائفي، وان تصير جميع قوى ومكونات
المجتمع وجمعياتنا ومؤسسات مجتمعنا المدني غير طائفية، نابذة للفرقة
والانشطار والتعصب الطائفي، لا تمارس شيئا ما «غلط» في المبادئ والتطبيق
عمداً او جهلاً، علينا ان نصمم ونتوافق على ان نسلك جميعاً السبيل الذي
يجعلنا لا نتقبل من يدق على وتر الطائفية في هذا الوقت، وفي كل وقت وظرف،
وان نتحرر من قبضة من يريدون لنا ان ننقض على بعضنا البعض، وقبل كل شيء على
كل منا ان يؤمن بان لا طريق أمامنا إلا الوحدة الوطنية، وأي خطوة لا تمر
عبر هذا الطريق إنما هو عبث خارج المنطق، وهرولة في الاتجاه المعاكس، وهذه
مهمة لا تعفي أحداً من المسؤولية، مسؤولية بناء وطن نعيش فيه لا نعتاش
منه.. فنحن في وقت نخضع فيه لأقسى امتحان في سلسلة الاختبارات القاسية التي
نتعرض لها، فدعونا نعمل من اجل ألا تنغلق القلوب والعقول.                                         
اقرأ المزيد

حزب الليبرالية الجديدة في أمريكا

من بين
المفارقات المثيرة للاهتمام في النظام السياسي الأمريكي بضلعيه الرئيسيين
المتناوبين على إدارة دفته، أن أفكار اليمين، الوسط والراديكالي، تبقى توجه
مسار الأجندة الوطنية الأمريكية، خصوصاً فيما خص السياسة الخارجية التي
يعتبرها النظام السياسي الأمريكي، تاريخياً، حجر الزاوية في تعظيم المصالح
الأمريكية في كافة أرجاء العالم، وتوفر وسادة الإسناد المريحة لتثوير معدل
نمو إجمالي الناتج المحلي الأمريكي، حتى في ظل حكم الديمقراطيين (الحزب
الديمقراطي) للبيت الأبيض . فما هو السبب يا تُرى؟


بالنسبة للحزب
الجمهوري، فإن الأمر محسومٌ تماماً . فهو وفيٌ أشد الوفاء لإيديولوجيته
اليمينية المتطرفة، سواءً فيما خص الأجندة الاجتماعية أو التوجهاب الحربية
التوسعية، العدوانية في مطلق الأحوال الخارجية . المشكلة في الضلع الآخر
الذي يشكل ثنائية النظام السياسي الأمريكي التي صممتها وأخرجتها طبقة
الأثرياء وكبار ملاك الشركات والبنوك ومختلف أنواع الأصول، وهو هنا الحزب
الديمقراطي الذي مازال يقدم نفسه للجمهور الأمريكي وللعالم بأنه حزب
الليبرالية المنفتحة . فلو بحثنا في أصول هذا الحزب سنجد أنها تعود إلى ما
كان يسمى بالحزب الجمهوري – الديمقراطي الذي تأسس عام 297ù على يد توماس
جيفرسون وجيمس ماديسون وغيرهما من معارضي النزعة “الفيدرالية” في السياسة
الأمريكية، قبل أن يُعاد تشكيله باسمه الحالي تحت قيادة الرئيس آندرو
جاكسون الذي ناصر مبادئ جيفرسون عند انقسام أعضاء الحزب في عهده (1829 –
1838) .


لم يُعرف عنه في ذلك الوقت سوى أنه الحزب المُؤسَّس على الفكر
المحافظ الذي ارتبط تاريخه بحماية مؤسسة العبودية حتى من قبل اندلاع الحرب
الأهلية الأمريكية في عام ،1862 حيث كان يحظى بشعبية كبيرة في الجنوب
المحافظ أو “الجنوب الصلب” كما كان يُكنّى، امتدت من نهاية الحرب الأهلية
إلى سبعينات القرن العشرين . ولم تحدث الانعطافة الحقيقية في فلسفة الحزب
إلا حين تقلّد الرئيس فرانكلين روزفلت منصبه رئيساً للبلاد في 4 مارس/آذار
1933 (حتى 2 إبريل/ نيسان 1945)، أي في ذروة أزمة الكساد العظيم، حيث صار
الحزب يعتبر نفسه ممثلاً لتيارات الليبرالية ومناصراً للطبقات الوسطى
والفقيرة وللتدخل الحكومي في الاقتصاد . 


اليوم لم يعد في وسع جهابذة
الحزب الديمقراطي الأمريكي الزعم بانتمائهم للسياسات الليبرالية التي
أدخلها على الحزب فرانكلين روزفلت، والتي اقتضتها على أي حال الظروف
الموضوعية ومصلحة الحزب آنذاك في مسايرة الطبقات التي طحنتها أزمة الكساد
العظيم كي لا تتحول الى سخط على الحزب الذي كان تسلم للتو السلطة في البيت
الأبيض . فالديمقراطيون اليوم يكادون يزايدون على الإيديولوجية اليمينية
الفاقعة للحزب الجمهوري . فمنذ ولاية الرئيس بيل كلينتون وهم يعملون على
وضع سياسات تزيد الأغنياء غنىً وتزيد نفوذ الطبقات في أعلى الهرم الاجتماعي
. فالمعروف أن ال”نيوليبراليزم” تقترن عادةً بسياسات الخصخصة، وتحرير
التجارة وأسواق المال وحركة رأس المال من القيود هذا صحيح في الإطار العام،
ولكن الدولة الأمريكية تسارع الى نبذ هذه السياسات حال تورط رأس المال
الكبير في أزمة كما حدث إبان انهيار وول ستريت في ،2008 وهذا ما يجعل الحزب
الديمقراطي في حالة حيص بيص، كما يقول المثل . فهو في الوقت الذي يعتمد
فيه على أصوات المجموعات الاجتماعية مثل النساء وأعضاء النقابات والسود
واللاتين وأنصار البيئة، المتطلعين للمساواة بين الجنسين ورفع الحد الأدنى
للأجور ورعاية صحية بتكلفة منخفضة وحماية أكبر للبيئة وحقوق أوسع وأمتن
للمهاجرين، فإن الحزب، من جهة أخرى، بحاجة الى مليارات الدولارات لتمويل
أنشطته وحملاته الانتخابية، ولذا فإن قياداته وكوادره يهرعون للشركات
لإغداق الوعود عليها بمنحها المزيد من التخفيضات والإعفاءات الضريبية
للحصول منها على هذا التمويل .


ولقد كان من الطبيعي أن يؤدي جنوح الحزب
الديمقراطي نحو مواقع اليمين الجمهوري، بما في ذلك إبان الولاية الرئاسية
الحالية فيما يتعلق بالأجندة الاجتماعية (مسايرة الجمهوريين في شطب مليارات
الدولارات من برامج الرعاية الاجتماعية الشاملة خصوصاً للتعليم والطبابة،
والهجوم على نقابات المعلمين، واللغو الخاوي عن زيادة الأجور، وقتل تشريع
إصلاح أوضاع المهاجرين، وإفشال مؤتمر أطراف تغير المناخ في كوبنهاغن في عام
،2009 وقبل أوباما كان كلينتون قد سار على نفس النهج) ” لقد كان من
الطبيعي أن يؤدي هذا الجنوح الى أن يُمنى الحزب في عهد أوباما بأكبر خسارة
في الانتخابات النصفية للكونغرس في تاريخ الرئاسات الأمريكية” .


فإذا
كان بيل كلينتون رائد الحزب الديمقراطي في إنفاذ “الثورة الريغانية”
بفاعلية بالغة، وذلك بقضم برامج الرعاية الاجتماعية، وبتمريره لاتفاقية
“نافتا” (اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية) وتحرير قطاع الاتصالات
والقطاع المالي، وتدشين نظام التجسس الحكومي والدولة البوليسية، وإساءة
معاملة المهاجرين، وإلقاء ملايين الفقراء من النساء خارج مظلة الرعاية
الاجتماعية إرضاءً لجناحه اليميني كعربون لحملته الانتخابية في عام 1996 ،
فإن الرئيس أوباما سوف يكتسب شهرته كرئيس أدار دفة السياسة الخارجية لبلاده
بعدوانية “ناطح” بها، مزايدةً، نزعات اليمين الجمهوري . فلقد أظهر الرئيس
أوباما أنه أكثر اندفاعاً حربياً من سلفه بوش، فقد قُصفت في عهده 7 دول
(أكثر من بوش الابن) . حتى إن غلن غرينوالد المؤلف والمحامي الدستوري
والكاتب الصحفي في “الغارديان” و”نيويورك تايمز” و”لوس أنجلوس تايمز”، لاحظ
في أحد آرائه المنشورة بأن “أوباما واصل السياسات الإرهابية للثنائي بوش/
تشيني، وهي ذات السياسات التي هاجمها الديمقراطيون، ومنها الاحتجاز لمدد
مفتوحة، وتسليم محتجزين لحكومات حليفة لانتزاع اعترافات منهم بالقوة،
والإبقاء على السجون السرية، والتوسع في العقائد المحاطة بستار من السرية” . 


ولعل هذا يطرح تساؤلاً مشروعاً عما إذا كانت إصلاحات الرئيس الراحل
المحسوب على الحزب الديمقراطي فرانكلين روزفلت، صادقة في نزعتها الليبرالية
على حساب نزعة الحزب اليمينية التقليدية؟ بما يعني أن من المفيد للمتابع
والمهتم، والآخر المشتغل بالشأن السياسي الدولي، وفي القلب منه الدور
القيادي الذي تضطلع به الولايات المتحدة في تشكيل وتقرير اتجاهاته ومصائره،
أن نفتح نافذة نطل منها على الحقبة الرئاسية الفارقة في الحياة الأمريكية
للرئيس فرانكلين روزفلت .
اقرأ المزيد

مجرد مقارنات..!!

سئمنا المقارنات، ونعلم انها قد تزعج البعض، ربما من باب انها تجعله ينشغل
عما لديه بما لدى غيره، وربما لأنها تبين له او تذكره بأوجه قصور عنده، او
لأنها على الأقل تحرجه حين تلفت الانتباه الى ان ثمة عظات وعبرا من الآخرين
يمكن ان تنبه الجميع وتلفت أنظارهم الى شيء ما، هذه المرة نتوقف عند
مقارنتين، الاولى ذات صلة بالشفافية فيما يخص المال العام، والثانية من
سغافورة وكيف نهضت وتطورت.
نبدأ بالنرويج، وتحديدا من صندوق الحكومة النرويجية للتقاعد، وهو أكبر
صندوق سيادي فى العالم من حيث الأصول، استثماراته تبلغ 843 مليار دولار،
منها 65٪ في سوق الأسهم، و5% في سوق السندات، و5% في العقارات، يستثمر فى
8213 شركة فى 58 دولة، له استثمارات في أسواق الأسهم الخليجية، وله حصص في
شركات كبرى بالمنطقة، منها حصة في شركة ألومنيوم البحرين « ألبا « تبلغ
3.91%.
اهم ما يعنينا من أمر هذا الصندوق هو التزامه الصارم بسياسة شفافة جداً في
كل مجريات عمله، في كيفية تعاطيه مع الاستثمارات الموزعة، ومع كل شأن يخص
الصندوق، وهو الالتزام الذي جعله لايقدم على خطوة استثمارية من دون جرعة
كافية من الشفافية، ومن دون ان يضمن الإشراف والرقابة من اي شركة يريد ان
يستثمر فيها او يحصل على حصة منها.
هذا في النرويج، الكل هناك مطمئن أشد الاطمئنان الى حسن ادارة أموال
المتقاعدين، وهنا فى البحرين تأسست قبل سنوات شركة لإدارة استثمارات الهيئة
العامة للتأمين الاجتماعي تقع تحت مظلتها عدة شركات أموال المتقاعدين،
وقيل ان خطوة تأسيس هذه الشركة جاءت بعد دراسة مكثفة أعدها احد بيوت
الخبرة، خلصت الى تطوير الممارسات ذات الصلة فى مجال ادارة الأصول
التقاعدية وتحقيق افضل العوائد على أموال المتقاعدين والمستحقين عنهم، وقيل
بانه ستكون هناك نسبة عالية من الشفافية فى هذا الموضوع. وذلك كلام موثق
ومنشور.
ولكن المثير للدهشة، وربما الانزعاج الا يعرف الناس، الرأي العام كيف تمضي،
وكيف تدير هذه الشركة الأصول التقاعدية لتحقيق هدف الأمن المالي لأموال
المتقاعدين..!!، حتى الجمعية العمومية لهذه الشركة انعقدت مؤخراً، ولا احد
يعلم عن ذلك شيئاً، حتى خبر مقتضب عن هذا الاجتماع استكثر على الناس ،مما
حدا بنائب إلى المطالبة بالزام الشركات الواقعة تحت مظلة الهئية العامة
للتأمين الاجتماعي بنشر جميع التقارير المالية، وكذا موازناتها السنوية
والحسابات الختامية في الصحف اليومية وعى الموقع الرسمي للهئية.. ونخشى ان
تكون صرخة في وادن..!
المقارنة الثانية، من سنغافورة، هذه الدولة التي مساحتها أصغر من البحرين،
فقد وجدنا بان هذه الدولة قد حددت أولوياتها، وكان الاختبار الحقيقي
لنجاحها هو الأداء وليس الوعود، الانجاز وليس الاستراتيجات التي لاتقدم
ولاتؤخر، المنطق والواقعية في كل سياسة ومشروع، اهتموا بالاقتصاد والتنمية
وركزوا على التعليم النوعي انطلاقا من رؤية ترى بانه كلما زاد عدد
المتعلمين ارتفعت التنمية وقل حجم البطالة، بنوا المدارس والجامعات التي
كانت لها إسهامات في نمو الإبداع والابتكار وريادة الاعمال، كان همهم صناعة
الإنسان المتعلم والفاعل والمنجز، عملوا على بناء مجتمع آمن ومستقر، لا
يجوع فيه احد، مجتمع لا يحتاج فيه المواطن الى الاستجداء او التسول في
الشارع، او المناشدة بطلب المعونة في الصحف، كانوا عندما يجدون متسولا
يضعونه في منزله ويطعمونه ويحولونه منتجا، اهتموا بالبحث العلمي، بالمعايير
وبالإنجاز والإدارة الفعالة التي تؤدي الى نتائج واضحة وحاسمة وتحدد
الأمور الأحق بالأولوية بدقة وتحويلها الى نتائج ملموسة دون الإسراف في
تبديد الثروات والموارد، أما السياسة فقد نظر إليها بحسب مؤسس الدولة
بصفتها فناً، فن فهم البشر وفن تلمس احتياجاتهم، فن الممكن في سنغافورة حقق
لها الكثير، وفكرة المواطنة كانت أساس انطلاقتهم للكثير من الطموحات
والإنجازات، المواطنة حققت العضوية الكاملة والمتساوية بين الجميع، في
الحقوق والواجبات، وهذا يعني ان كل ابناء الوطن السنغافوري سواسية دون أدنى
تمييز في الدين او العقيدة او الجنس او اللون او المستوى الاقتصادي، هناك
بالنسبة الى الفساد، لا ينظرون الى عملية السيطرة على الفساد على انها مجرد
قضية أخلاقية وفضيلة وإنما ضرورة وحاجة، لم يجعلوا القرار السياسي بمحاربة
الفساد مجرد خطب وشعارات، حاربوه بالفعل وبالقانون الذي يطبق على الجميع
من دون استثناء، ركزوا على الادارة وتأصيل معايير النجاح والمهارات للترقي
في العمل، ومنحوا المناصب لأهل الخبرة والمفهومية والذكاء والإبداع وافسحوا
المجال للاجيال الجديدة التي تضفي الى المسؤولية العامة مزيداً من الحيوية
والتألق واستقامة الأداء، وليس لأهل الثقة من الحمقى وعديمي الكفاءة
والوصوليين، ولم يترددوا في استبدال القوي الأمين بمن اعجزته كفاءته وجار
على امانته، ولم يفتحوا الباب لأنانيات تطغى او لبطولات وهمية لأي كان، او
لثقافة البهرجة والصخب وما يصّدر الإحباط..!!
أما لماذا التناول لهذه التجربة او تلك، فهي مسألة متروكة لكم، وإذا كنا
نعلم ان هناك إمكانات وموارد وفارقا كبيرا بيننا وبينهم، الا ان الشيء
المؤكد ان هناك أشياء غير مرتبطة تماماً بالإمكانيات، ولعلها مرتبطة بتعزيز
منظومة تكافؤ الفرص وبحصول المواطن على ما تؤهله له قدراته وكفاءته، بوجود
الضوابط التى تكفل محاربة الفساد وتعارض المصالح، وعدم جعل أوجاع الناس
سوقاً للمزايدات والمناشدات، او جعل حقوق الناس هبات ومكرمات، وجعلوا
سياسات العدالة الاجتماعية داعمة للنمو الاقتصادي، بإدراك عنصر الوقت وكثرة
الأفعال وقلة الكلام، واخضاع الجميع للقانون وعدم استثناء احد من احكامه
واوامره ونواهيه، القانون الذي يحترم المواطنة ويجعل كل التحالفات المدنية
والروئ والقيم المشتركة تبنى على أساسها، ويجعل الضمير هو الستار الذي يحمي
من شطط النزوات، وجبروت الرغبات، وعشوائية المطامع، وأنانية من يظنون انهم
يستطيعون انجاز شيء بدونه وعلى هذا الاساس يوضع الرجل المناسب في المكان
المناسب لصالح كل ماهو غير مناسب للنزاهة والمصلحة العامة..!
ما نريد ان نخلص اليه، انه لم يعد كافياً ان ننظر بإعجاب ممزوج بالدهشة
لما يحدث في اي من تلك الدول او غيرها، ولم يعد شافياً للغليل ان نشيد
بتجربة النرويج او سنغافورة او ماليزيا او اي من الدول، او نبعث وفوداً
رسمية للاطلاع على تجربة هذه الدولة او تلك، بل المطلوب ان نفهم ونستوعب
كيف ولماذا وعلى اي أسس حققت تلك الدول ما حققته وما أنجزته لمواطنيها..؟،
وقبل ذلك يقفز الى أذهاننا سؤال: هل نحن جادون حقاً فى الاستفادة من تجارب
تلك الدول ..؟!                                         
اقرأ المزيد

بين مطرقة البطالة و سندان العقود المؤقتة: تضيع كل الحقوق للعمال وسائر الشغيلة


فى ظل الصراع المستمر بين البرجوازية الرأسمالية و نظامها الاقتصادي
القائم على استغلال الانسان لأخيه الانسان, و بطرق تمارس فيها الرأسمالية  ابشع انواع إذلال الطبقة العاملة و سائر
الكادحين,  الذي فيه تسلب البرجوازية القوت
اليومي من اسر و اطفال الكادحين, ذلك من اجل ان تتكدس المليارات في خزائن التجار
الجشعين بما ان الملايين من العمال يصبحون عرضةً للفقر و الجوع و التشرد.  


و هكذا تعيش الطبقة العاملة  فى الوطن العربي من المحيط حتى الخليج حياة
مهمشة, في ظل أن  الانظمة العربية مأسورة بقوانين
 الاقتصاد الراسمالي العالمي, وعليه فأن
النظام  السياسي العربي مرتبط بسياسات
اقتصادية رأسمالية, بعيداً عن بناء اقتصاد وطني قومي مستقل ممكن من خلاله ان تنبثق
اقتصاديات عربية وطنية,  و التي من خلالها  ممكن ان تخلق طبقة عاملة و طنية تتمتع بمزايا و
حقوق افضل بصفة ان العمال وسائر الشغيلة هم القوى المنتجة و الفاعلة الاساسية في  مسالة التطور الاقتصادي و الصناعي  و الاجتماعي.


حقيقةً ان مسألة البطالة و العقود المؤقتة التي تنتشر فى ربوع الوطن
العربي و منها البحرين, تعتبر قضية اجتماعية غاية فى التدمير للملايين من الكادحين
خصوصاً عندما يرتبط ذلك بمسالة ان تسن قوانين جائرة لا تراع فيها حقوق المواطنة, و
لا حقوق العمال, او الفئات الكادحة, ذلك بفعل صدور تشريعات وسن قوانين غاية فى تأزيم
الحياة المعيشية للعمال, و مثل هذه الامور بدلاً من فتح قنوات من خلالها ان يعيش
الكادحون حياة فيها من المراعاة و تخفيف من المعاناة, و الظلم, و الاستغلال بجميع
اشكاله بحق الطبقة العاملة وسائر الشغيلة. الا انه في الواقع نحن  وصلنا لأمور معقدة فى مسألة البطالة فى البحرين,
وهذا نموذج مصغر لما يحدث فى الوطن العربي بحيث ان الطبقة العاملة اصبحت تعيش
مهمشة في ظل البطالة المقننة التي هي في ازدياد مضطرد, وقد اصبح طالبوا العمل بين
مطرقة البطالة و سندان العقود المؤقتة التي من خلالها تضيع كل الحقوق للكادحين,  و مثل هذه القضية فى البحرين اصبحت  كأنها قضية  ليست فى الحسبان, بالنسبة لصناع القرار, ذلك مع
تنامي و اتساع رقعة البطالة في صفوف الشباب البحراني من المؤهلين الجامعيين
القادرين على العمل و الوظيفة,  ولحد الان
هناك من يراهن على اخفاء النسبة الحقيقية لحجم البطالة لأسباب عديدة, لكن الواقع
يتحدث عن  ان في كل بيت هناك عاطلون عن
العمل وتزداد وتيرة الارتفاع لمنسوب البطالة 
ذلك  مع انتهاء كل فصل دراسي, و سوف
نسمع التصريحات من كل صوب على اهمية توظيف البحرينيين, لكن هي مجرد تصريحات لا
تخلو من العقاقير المسكنة لأنهم يدركون  تماماً خطورة البطالة فى كل المجتمعات  خصوصا العربية.


  حقيقةً  لقد
تحدثنا و اشرنا فى مواضيع سابقة و قلنا ان البطالة المزمنة فى البحرين لاتحل
بتصريحات صحفية, لكن هذا هو الحال المزري, وعليه ان في ظل اتساع لرقعة البطالة بين
الشباب و عدم الجدية فى حلحلة هدا الملف,  والحاجة الماسة للعمل فى صفوف الشباب, لقد اصبح
هناك من يستغلون الشباب العاطلون عن العمل, و من ثم  تشغيلهم بعقود مؤقته فى القطاعين العام و الخاص,
و كأنهم عمالة وافدة ذلك  ظناً من الذين
يقبلون بهذه العقود لربما  قد يحصلون على
فرص عمل بعقود دائمة ذلك بعد تجربة  لفترة
محدودة, لكن هناك من يعملون لسنوات طويلة بعقود تتجدد لهم سنوياً.


 هنا لا نخقي صعوبة الأمر للألوف
من الشباب الذين يقبلون العمل  بعقود مؤقته,
و لقد اصبحوا بين خيارين  احلاهم مر,  اما يعانون من البطالة او صعوبة العمل بعقد مؤقت,
ثم لابد وان نشير الى الاضرار  التي يعاني
منها من هم قبلوا بالعمل بعقود مؤقته للشباب  وهم مقبلون على حياة جديدة:


1_ الحرمان من الامتيازات التي يحصل عليها الموظفون بعقود دائمة.


2_ سوف يعانون طويلاً من عدم الاستقرار الوظيفي خصوصاً فى حالات ان
يتعرضوا لاستغلال بشع ولا يحركون ساكن كي تسير الامور و يرضى عنهم المسؤلون.


3_ عدم حصولهم على فرص التدريب و الترقية, و العلاوات السنوية, و
التأمين الصحي, و الحوافز, و علاوة المواصلات.


4_ انهم يعيشون دائما فى حالة من  القلق النفسي و الخوف من الاستغناء عن خدماتهم
في كل لحظة, وهذا قد حصل للألوف في القطاع الخاص.


5_ عدم قبول البنوك و الجهات الاخرى المالية اقراضهم وهم يعملون بعقود
مؤقتة, فكيف هنا يعيشون بدون قروض في حالات عديدة مثل شراء سيارة, او التفكير
بزواج او الحصول على فرص من الاسكان و الخ..


6_ لابد و ان هناك سوف يحصل  خلل
اسري و اجتماعي لمن يقبلون العمل بعقود مؤقتة,  ذلك نتيجة لهذا الخوف من مستقبل مجهول, و هذه
الهواجس و التي قد تصل  منها فى مثل هذه
الحالات  لاضطرابات نفسية لازدياد هذه
المعاناة.


حقيقةً ان المشكلة قد تزداد تعقيداً و السبب  ان هناك تشجيع و  بمباركة من قبل وزارة العمل و ايضا ديوان الخدمة
المدنية فى تجاهلهم عن حلحلة البطالة فى البحرين, خصوصاً مع التوجهات لمجلس النواب
و الشورى فى اعطاء  الاولوية للتوظيف
العمالة الوافذة وتفضيلها على العمالة الوطنية  بحجج لا تنم عن الاهتمام بهذه المسالة الوطنية  الخطيرة, و هي البطالة المتفشية فى البحرين منذ
عقود خصوصاً فى ظل ان قانون العمل الجديد لا يعطي الاولوية  فى التوظيف للمواطن, و هناك مباركه من قبل مجلس
النواب و الشورى في مثل هذه المسألة.


حقيقةً هنا يمكن القول ان ليس هناك فرق  في الاضرار للعمال واسرهم  بين من هم عاطلون عن العمل, و من هم الذين
يعملون بعقود مؤقتة لانهم مهددون بالتسريح فى أي  وقت,  ثم
و ان المعاناة لا تقل الواحدة عن الاخرى فأن البطالة و العمل بعقود مؤقتة  امر صعب للغاية للمواطنين بما ان اكثر من 200
الف من العمالة الوافدة يكتسحون الوظائف, بالاضافة لمسألة التجنيس العشوائي  وهذا حتماً يزيد من الاحتقان الاجتماعي و
السياسي, ومثل هذه الاوضاع حتماً  تزيد من
رقعة الفقر و الحرمان فى صفوف غالبية الناس, و حتما سوف يكون له انعكاس على خلق
فرص للانحراف و الفوضى و الكراهية, ذلك عندما 
تتسع الفهوة بين الكادحين  الفقراء
وهم الاكثرية, و بين  الاغنياء وهم الاقلية
مثلما هو الحاصل في كل المجتمعات الرأسمالية.


 


  فتحية لكل الكادحين في
العالم بمناسبة  الاول من  مايو ايار المجيد, عيد الطبقة العاملة العالمي  المجيد, و الى المزيد من التلاحم و النضال فى
صفوف العمال من اجل  الوحدة بين الكادحين
فى سبيل كسر القيود, و تحقيق المطالب فى سبيل بناء حياة كريمة يتمتع فيها الكادحون
بالحرية و المساواة و الكرامة.


 

اقرأ المزيد