المنشور

وضعنا الذي لا يحتاج إلى شرح يطول..!

الوضع لا يحتاج الى شرح يطول، ولا مزيد من التباري بالتفسيرات والتحليلات..
 14 شركة حكومية لا تدخل إيراداتها في ميزانية الدولة..!

التبرير.. هو ان هذه الجهات تحتفظ بإيرادتها لتغطية مصروفاتها التشغيلية، او تحتفظ بها استناداً لما تنص عليه قوانينها ولوائح تأسيسها..!! 

الجهات المعنية في كلام اكثر تفصيلاً هي: شركة ممتلكات التي تنضوي تحت مضلتها 32 شركة، وغرفة البحرين لتسوية المنازعات المالية والاستثمارية، هيئة الكهرباء والماء، ديوان الرقابة المالية والادارية، هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب، نادي راشد للفروسية وسباق الخيل، مستشفى الملك حمد، جامعة البحرين، كلية المعلمين، البلديات، بورصة البحرين، بنك الإبداع، بنك الأسرة، وبنك البحرين للتنمية..

ذلك الكلام الواضح والقطعي والباعث على الحيرة والتفكير والتأمل والكثير من التساؤلات منسوب لوزير المالية، وقد نشر في كل الصحف المحلية في الثلاثين من يناير، وهو لم يأتِ بغرض إحاطة المواطنين بما يفترض ان يحاطوا به بكل شفافية بشأن الحالة الاقتصادية الراهنة والمنهج المتبع في ادارة المالية العامة والاقتصاد الوطني في ظل الوضع الحرج الراهن، ولم يأتِ في سياق تشخيص مواطن الضعف في السياسات المتبعة والأداء المالي والاقتصادي للدولة، ولم يندرج من اجل توضيح ما اذا كانت هناك رؤية استراتيجية مدروسة وبرامج عملية ومجدية وخطط وإجراءات لضبط المالية العامة والاستخدام الرشيد للموارد، ولا لاعلامنا بتفاصيل الكيفية في اعادة النظر بالهيكل الانفاقي لموازنة الدولة وترشيد الانفاق وما اذا كانت هناك ضرائب ستفرض بشكليها المباشر وغير المباشر، ولا بتداعيات فلتان المديونية، وكلفتها، ولا بغرض بث الطمأنينة في نفوس المواطنين بان أساليب الدَّين العام تدار بشكل سليم، كما انه لم يأتِ من باب الاعلان عن تصميم جديد للأولويات في ظل هبوط اسعار النفط، او البرهنة على صوابية الأولويات الحالية، ولم يأتِ كذلك بنية التأكيد على ان هناك من يؤمن حقاً بالشفافية وبحق الناس في ان تعرف، ومؤمن ايماناً حقيقياً بأهمية توضيح كل عناصر التدفقات المالية وبكل عمليات الموازنة وأعلام الرأي العام بتطورات وضع المالية العامة عملاً بمبدأ الشفافية الذي هو عنصر لطمأنة المواطن، ومدرك بأنه اذا غابت المعلومات، او زينت او زيفت وتلونت الحقائق وشوهت او جاءت عبر الأبواب الخلفية، تكون النتائج باختصار غير مرضية وتفرز ما لا يخطر ببال!! ولكنه كلام جاء في اطار رد للوزير على اسئلة نيابية من جملة الاسئلة النيابية المتكررة والرتيبة، ويبدو ان الوزير تعمد هذه المرة ذلك، ولعله افضل ما فعل ربما لأنه طرح كلاماً ليس من النوع الذي نواظب على سماعه، ولا نعلم اذا كان من النوع الذي جاء نتيجة الاقتناع بانه آن الأوان لجرعة شفافية ومصارحة ومكاشفة، فالوزير أوضح ان هناك جهات حكومية مثل ممتلكات يسمح قانون تأسيسها بان تحتفظ بايراداتها، او بإدراج جزء من عوائدها في الميزانية العامة للدولة، الا ان الشركة لم تودع أية مبالغ في الميزانية..! وأوضح من جهة ثانية «ان وزارة المالية تواصل بعض الخطوات التي تضمن مبدأ الشفافية وتحسين الإيرادات العامة للدولة»..!! 

لا يستطيع المرء امام مضمون ذلك الكلام ان يكتم مشاعر الدهشة والاستغراب امام جهات حكومية ليست معنية بان تقدم اي شكل من أشكال الجردة الحسابية التي توضح للشعب والبرلمان – بافتراض انه يمثل الشعب – والجهات الرقابية اي معلومات حول كيف يدار المال العام، كيف تصرف وتنفق الأموال وعلى اي أساس، وهل كل الجهات المذكورة جميعها تجري تدويراً لإيراداتها لتغطية مصروفاتها التشغيلية، الا يحقق منها اي ربح او اي عائد، وأين تذهب الأرباح او العوائد وفي اي جهة تتجه، واذا كانت هناك خسائر محققة في اي من هذه الجهات أليس هناك من يتحمل واقعياً تبعات هذه الخسائر، ومن المعني باتخاذ القرار الحاسم فيما يخص مسار هذه الجهات، وقانونية أعمالها، ولماذا هذا الإصرار على ان يكون كل هذا الغموض غير البناء ماثلاً امام أعين الجميع يملأ الانتظارات المفتوحة على لا أفق..!!

صحيح انه تم التوافق في فترة ماضية بين الحكومة والنواب على إدراج إيرادات 5 جهات حكومية في الميزانية العامة للدولة لعامي 2015 – 2016، وهذه الجهات هي معهد الادارة العامة، وبوليتكنك البحرين، وهيئة الحكومية الاليكترونية، ومجلس التنمية الاقتصادية، والهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية، والتي بلغ مجموع إيراداتها جميعاً على مدى عامين 375، 6 ملايين دينار، ولكن الصحيح ايضا هناك 14 جهة حكومية لا زالت بمنأى عن رقابة اي جهة رقابية تتابعها وتراقبها وتحاسبها، وبالتالي يصعب على المواطنين فهم واستيعاب سبب استثناء هذه الجهات من اي رقابة، ولا أظنهم يتفهمون او يتقبلون اي تفسير لهذا الاستنكاف عن شق طريق الرقابة والمساءلة لهذه الجهات وعدم إدراج عوائدها وأرباحها في الميزانية العامة للدولة وفق الأصول المعروفة خاصة في ظل الوضع الراهن..!

صحيح ايضاً ان هذه ليست المرة الأولى، ففي مضي وعذراً لهذه العودات والاستعادات والتذكيرات، ولن نمضي في هذا السياق بعيداً بعيدا، بل سنكتفي بما هو قريب، ومحدد بشركة ممتلكات القابضة التي تأسست في عام 2006، فهذه الشركة تملك وتدير ما مجموعه 32 شركة، ست منها من الشركات الكبرى، وتملك جزءاً من أسهم 14 شركة اخرى، إضافة الى الشركات الخارجية التي تساهم فيها والتي تتجاوز قيمة موجوداتها المليارات من الدولارات، وقد شكل مجلس النواب لجنة تحقيق برلمانية للنظر في وضع هذه الشركة، واعلن رئيس هذه اللجنة النائب احمد قراطة في العاشر من نوفمبر الماضي بانها هذه اللجنة شكلت للنظر في تدهور الأوضاع المالية والادارية للشركة والشركات التابعة، وقال ان معظم ردود الشركة متناقضة وليست ذات قيمة ولا تمكن من الخروج برؤية واضحة وشاملة حول أوضاع الشركة، والمفارقة ان الناس لا تعلم حتى اسماء اعضاء مجالس هذه الشركات ولا قياداتها التنفيذية، لذا لم يكن غريباً ان يتوجه احد النواب في الاسبوع الماضي بالسؤال عن الوزير المسؤول عن طيران الخليج امام مجلس النواب، بعد ان اكتشف ان وزير المواصلات غير معني، مبدياً استغرابه بان النواب عندما يسألون عن شركات وقطاعات معينة يواجهون بالرد «ان السؤال الموجه ليس من اختصاص وزير ما»..!!

نأتي الى الكلام الذي مفاده «ان وزارة المالية تواصل بعض الخطوات التي تضمن مبدأ الشفافية وتحسين الإيرادات»، فهذا امر آخر يبعث على الحيرة، لأنه يفهم منه ان الوزير يعطي الاشارة الى ان الالتزام بالشفافية بكل مقتضياتها وموجباتها في شأن ادارة المال العام لم يأخذ مداه المفترض، او انه التزام لازال في اتجاه الى ان يصبح ممكناً..! وهذا يعطي في ابسط تحليل مبررا للظن بان ذلك الالتزام ليس التزاماً ثابتاً، ولا مؤكداً، ويبقى في المجرد، او لنقل بانه التزام شاحب حتى الذبول، رغم كل الكلام الطيب عن الشفافية والتمسك بها، وهو الكلام الذي وجدناه يتكرر على لسان كثر من الوزراء والمسؤولين ألفناهم يحرصون في كل مناسبة على التأكيد بان مبدأ الشفافية والمساءلة قد استقر في كل اعمال وتصرفات الجهات المعنية بإدارة المال العام.! ومن ضمن هؤلاء من خرج علينا بالقول الى ان التراجع في اسعار النفط لن يصل الى السعر المرصود في الميزانية، كما ان من بين هؤلاء من أطلق الكلام الشاعري بان قرارات التقشف وشد الأحزمة لن تمس المواطن، هل تذكرون، ثم فوجئ هذا المواطن وبين ليلة وضحاها كيف رفعت اسعار المشتقات النفطية بنسبة 60%، وتتوالى المفاجآت عن تحضيرات بفرض رسوم على خدمات الكهرباء والماء والصحة والمجاري ولا نعلم الى اين سيمضي هذا الاتجاه، المهم اننا لم نعد نسمع أحداً يردد نغمة «المواطن لن يمس»..!! وها هو مشروع قانون الدَّين العام يعاد الى مجلسي الشورى والنواب لكونه «سوف يؤدي الى عدم قدرة الحكومة على تنفيذ الميزانية العامة للدولة للسنتين 2015 – 2016 وإعاقة تمويل النفقات الخاصة بالخدمات الاجتماعية التي تمس المواطن بشكل مباشر»، وأحسب ان هذا أمر في حد ذاته يفرض على اصحاب سياسة تمويه او نفي المشكلات ان يباشروا عن اقتناع سحب «سياسة النعامة» من التداول، ومكاشفة الناس من باب الشفافية كيف تدرس المشكلات وعلى اي أساس توضع الحلول والمعالجات التي تمضي بنا في الاتجاه الصحيح من دون تخبط بل اعتماداً على خطط واستراتيجيات مدروسة لا تجعلنا ننزف باستمرار ولا تحصن اي جهات من الرقابة والمساءلة، ولا تجعل الفقراء يزيدون فقراً ولا تجعل المواطن مرهقاً بالهواجس المقلقة وبالتساؤلات القلقة عن وضعه وعن المستقبل.


 
الثلاثاء 9 فبراير 2016
 

اقرأ المزيد

غِرْبَال ميخائيل نعيمة


في اللهجة الخليجية، ولا أعلم إذا كان الأمر كذلك في لهجات عربية أخرى، فإن معنى كلمة غربال ينصرف نحو الأذى أو الابتلاء، فحين تقول عن أحدهم: غربلني، تقصد أنه جلب لك الأذى أو المتاعب. وحين تدعو على أحدهم بالقول: الله يغربله، فكأنك تقول: الله يحاسبه، أو أن يقع عليه أذى كذاك الذي أوقعه عليك. وفي بعض الحالات يمكن أن تقال هذه العبارة على غير محمل الدعاء بالعقاب، وإنما للتدلل أو المزاح، قريباً من التعبير الدارج في اللهجة المصرية: منك لله.
 
أما في القاموس فإن مفردة غربال، وجمعها غَرَابِيل تطلق على «أَدَاة دائِرِيَة يُغَرْبَلُ بِهَا الطَحِينُ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، تُشْبِهُ الدفَ، يَشُدُ مُحيطَها جِلْدٌ أَوْ مَعْدِنٌ بِهِ ثُقُوبٌ صَغِيرَةٌ تُنَقِي الْمَادَةَ الْمُغَرْبَلَةَ، وغربال هي أيضاً ما يفرِق به الرمل عن الحصى».
 
هناك بالطبع معانٍ أخرى للمفردة لا مجال لتعدادها كلها هنا، ولكننا على سبيل المجاز نقول: «غطَى الشَمسَ بالغربال»، في إشارة لمن يتجاهل الحقائق الواضحة التي لا يمكن إخفاؤها، ونقول عن الرجل سريع النسيان إن ذاكرته كالغربال.
 
لكننا هنا بصدد الوقوف على معنى آخر للغربال، هو ذاك الذي عناه ميخائيل نعيمة حين جعل من المفردة عنواناً لأحد كتبه المهمة، وضمنه مقالة مهمة بعنوان: «الغربلة»، وفي مطلعها يستشهد بالمثل العربي القائل: «من غربل الناس نخلوه». والغربلة التي يعنيها نعيمة هي قرينة ما نطلق عليه: النقد، أي نقد الأعمال الأدبية والفنية، وفيها أيضاً يشفق نعيمة على النقاد، أو الناقدين بتعبيره، قائلاً: «ويل للناقدين»، لأنهم إذ يغربلون الأعمال المكتوبة، لا ينجون هم أنفسهم من نقد المنقودين فيرون أنفسهم نخالة مرتعشة في ألوف من المناخل.
 
لكنه لا يقول ذلك داعياً لعدم النقد، أو الغربلة كما يطلق عليها، وإنما محرضاً عليها، فهي مهمة الناقد، لكنها ليست غربلة الناس بل غربلة ما يُدَونه قسم من الناس من أفكار وميول ومشاعر، أي ما تعودنا أن ندعوه أدباً، ومهمة الناقد هي غربلة الآثار الأدبية لا أصحابها، وإذا كان بين الكتاب والشعراء من لا يفصل بين كتابته المتاحة للجميع وفرديته التي لا تتعداه، فذاك الكاتب أو الشاعر لم ينضج بعد وليس أهلاً لأن يسمى كاتباً أو شاعراً.
 
غاية ميخائيل نعيمة هي التحريض على الغربلة، التي بدونها لن يستقيم أمر، وستصبح الساحات مستباحة من الزيف والادعاء على ما نراه اليوم.

 
حرر في:   15/02/2016

اقرأ المزيد

ثقافة المصالحة بدلاً عن تقاليد الخصومة والثأر


بمبادرة من مساعد وزير الداخلية مدير الأمن بمحافظة سوهاج المصرية اللواء أحمد أبوالفتوح، نظمت جمعية المصالحات وفض النزاعات في شهر يناير/كانون الثاني 2016 أول مؤتمر شعبي يقام في مدينة طهطا بمحافظة سوهاج يهدف لإشاعة ثقافة المصالحات ونبذ الخصومات وأعمال الثأر، وجعل محافظة سوهاج، وهي إحدى محافظات صعيد مصر الجنوبي (أسيوط، قنا، سوهاج، الأقصر، أسوان)، خالية من الثأر والدم طوال عام 2016، من خلال إنهاء الخصومات الثأرية التي مازالت عالقة عبر تنفيذ الأحكام الصادرة بشأنها وسرعة القبض على المطلوبين، وفحص الخصومة وتحديد وضعها القانوني والشرعي فيما إذا كانت تندرج ضمن القتل الخطأ أو شبه الخطأ أو العمد، والدفع بالعُمَد والمشايخ وعلماء الدين وأصحاب الرأي لإقناع الطرفين بقبول شرع الله الذي يبدأ بالعفو وينتهي بقبول الدية.

هذه قضية فرعية من مئات القضايا المتفرعة عن الاختلالات الأساسية، الجوهرية إن شئتم، التي تعتور هياكل المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية الحاكمة في عالمنا العربي، أي التي تحكم علاقاتنا الإنتاجية وعلاقاتنا المجتمعية، في اتصال ذلك خصوصاً بعلاقات الملكية والتموضعات الفئوية الاجتماعية، التاريخية والحداثية الجارية، بالنسبة للحيازات (الأصول الرأسمالية الثابتة والمتغيرة)، ولعملية التراكم الرأسمالي ومصادره.

من الواضح أن الذي دفع القوى الأمنية في إحدى أصعب مناطق الأطراف في مصر، وهي هنا مدينة طهطا الواقعة على الضفة الغربية لنهر النيل التي تعتبر من أكبر مدن محافظة سوهاج من حيث عدد السكان (يقارب المليون نسمة)، والتي تحل ثانيةً بعد دمياط في تصنيع الأثاث المنزلي – للقيام بهذه المبادرة «السلمية»، هو استشعارها لخطر داهم وحال متمثلة في تضخم فقاعة الشواهد الدالة على ارتفاع فرص تحول منسوب القضايا الثأرية المتزايدة في الإقليم الى حرب عائلات وعشائر وقبائل تنذر بانهيار المجتمع المحلي في المحافظة وفي محافظات الصعيد الأخرى المتصلة بوشائج القربى والنسب مع بعضها بعضا، وتدهور أحوال الأجيال الشابة الجديدة وضياع مستقبلها ومصيرها.

إنما الثأر، الشخصي والعائلي والعشائري والقبائلي، هو مكون أصيل مغروس في أنساق القيم والتقاليد الموروثة منذ أمد بعيد، جذوره غائرة ومترسخة في أعماق البنية الفيزيائية للوعي الفردي والوعي الجمعي ومخيالهما، واللذين يؤمنهما خزين تشكيلة العصبيات التي مازالت عصية على الذوبان في مجرى السياق العام للتطور الحضاري بالغ العِظَم للجنس البشري، فغدا من عاداته القديمة «المتآلفة» مع هذا التطور. وقد شب الأقدمون على قيام أولياء الدم «أقارب القتيل» بقتل القاتل نفسه أو قتل أحد أقاربه انتقاماً لأنفسهم دونما انتظار لقيام الدولة، قديمها وحديثها، بدورها الأمني والقضائي وأدواتها الزجرية. وقد يكون اليمن وصعيد مصر النموذجان الأكثر بروزا وتمظهراً لبقايا تلك العصبيات النافرة في الشرق العنيد، حيث مازال يُعمل ب«تقاليده ومدونات سلوكه» المتبعة. ولربما اكتسب صعيد مصر هذه العادة من القبائل اليمنية المهاجرة إبان عصر الفتوحات الإسلامية الأولى. ومن «تقاليده ومدونات سلوكه» تلك، السائدة حتى اليوم في صعيد مصر أن المطالبة بالثأر لها ضوابط معروفة، فالأبناء هم الأحق بالقصاص لدم أبيهم، يليهم الأخوة الأشقاء، فالأخوة غير الأشقاء. وإذا لم يكن للقتيل أبناء أو إخوة، فحق المطالبة بالدم ينتقل إلى أبناء العم الأشقاء، ومنهم إلى أبناء العمومة غير الأشقاء. والثأر في الصعيد لا يلزم سوى أقارب «الدم»، أي من ناحية الأب، ولا علاقة لأقارب الأم بعملية الثأر، وإن كان الأمر لا يخلو من الدعم والمساعدة. كما أن حق الثأر لا يسقط ب«التقادم»، حتى لو ظل القاتل سنوات طويلة مختفياً أو خلف القضبان. فالسجن لا يعتبر هنا بديلاً للثأر، فحق الدولة غير حق ذوي القتيل، والصعايدة كما اليمنيون لا يكادون يفارقون أسلحتهم الشخصية إلا حين يخلدون للنوم، ولا يفرطون فيها حتى حين تضيق عليهم سبل العيش، وهم يعلمون أبناءهم ما إن يبلغوا العاشرة كيفية استخدام السلاح، لأن «العز في أفواه البنادق»، كما يقولون.

وعلى ذلك فإن من الصعب القفز على معطيات هذا الواقع غير «الصديق» تماماً للثقافة الجديدة التي أشادتها المجتمعات البشرية عبر قرون من الصراعات المريرة وأثمانها الباهظة. فقضية بهذا الجذر العميق والتعقيد يصعب بالتأكيد معالجتها بمثل هذا الارتجال الاحتفالي، مهما خلُصت النوايا ومهما أُغدق على هذا التوجه، الحميد بالتأكيد، من فيض العواطف والحماس، الذي هو لحظي سرعان ما سيذروه الانصراف للانشغالات التي تفرضها التقافزات العشوائية لسلم أولويات العمل اليومي، ما لم يُرفد هذا العزم الظاهر بآلية تنفيذية ثابتة، جادة ومدروسة، من أُولى سمات جديتها تخصيص الموارد المالية والبشرية المناسبة لها، ومسطرة إجرائية لمتابعتها ومحاسبتها على حصاد أدائها الذي يجب أن يأخذ في الحسبان الوقائع الظاهرة، وغير الظاهرة، لمعوقات إنجاز خطة فريق العمل المكلف بإنفاذها، وفي مقدمها ضعف أداء جهاز القضاء فيما خص تحقيق الإنصاف والعدالة، والفساد والرشوة والمحسوبية، وضعف تطبيق سلطة القانون على الجميع دون أية استثناءات مهما كانت إلحاحات مراكز القوى التي تقف خلفها، والتسييس والتوظيف والاستغلال السياسي والديني والاجتماعي للنفرات العصبية، والإهمال التاريخي المتراكم لظاهرة حيازة وحمل السلاح.

ولكن وعلى أهمية مفاعيل تلك الخطة الإجرائية المقترحة، فإن الأهم من كل ذلك والذي يجب أن يواكب العمل الإجرائي، هو القيام بعمل تربوي يرد بقوة على تحدي ثقافة الثأر ويستثمر ويعيد بعث الجوانب المشرقة التي أنتجتها محافظات الصعيد المصري، مثل المعلم البارز رفاعة رافع الطهطاوي.

(1801-1873)، أحد رواد عصر النهضة العلمية والتعليمية والثقافية والإعلامية ومحو الأمية في مصر في عهد محمد علي باشا، ورجل الأعمال المعروف المهندس نجيب أنسي ساويرس (مواليد 1955) الذي تبرع بمبلغ 3 مليارات جنيه مصري لصالح «صندوق تحيا مصر»، وغيرهما على سبيل المثال لا الحصر، في حالة مدينة طهطا التي نحن بصددها كنموذج.
 
حرر في:    09/02/2016

اقرأ المزيد

رحيل أبي حيّان المغربي


ترتبط سيرة وإبداع المسرحي المغربي الطيب الصديقي الذي غادر الدنيا للتو بسيرة الحركة الثقافية والفنية والإبداعية عامة في المغرب.  من المسرح البلدي الذي أسسه الصديقي في الدار البيضاء انبثقت أنشطة ومجموعات مختلفة، بينها، على سبيل المثال، فرقة «ناس الغيوان» التي أسست لتجربة موسيقية وغنائية مهمة لم يقتصر صيتها على المغرب وحده، إنما بلغت أصداؤها العالم العربي كله، وسبق لها بالمناسبة، أن شاركت في البرنامج المصاحب لإحدى دورات معرض الشارقة للكتاب حين كان يقام في موقع «إكسبو الشارقة» القديم.

ولد ونشأ الصديقي في مدينة صويرة المغربية المطلة على المحيط، وهو في أحد اللقاءات معه تحدّث عن تعايش وتفاعل سكانها اليهود والعرب قبل قيام الكيان الصهيوني في فلسطين، ولكن الصديقي أحب كثيراً مدينة الدار البيضاء التي آثر العيش فيها، فهو يعتبرها، على خلاف الكثيرين، من أجمل مدن المغرب وأكثرها حيوية، وخص بالذكر منطقة الحبوس فيها التي يراها تحفة عمرانية، ومن أنظف أحياء المدينة.

ما من مسرحي عربي انشغل بالتراث العربي الإسلامي مثله، ومنه نهل موضوعات العديد من أعماله المسرحية، رغم أنه لم ينغلق على التراث المسرحي العالمي، هو الذي قصد باريس شاباً ليتأهل في مجال البريد، لكنه سرعان ما هجره إلى المسرح، حيث استلهم من موليير وغوغول وصاموييل بيكيت.

تجلت انشغالاته المسرحية المستوحاة من التراث العربي الإسلامي في أعمال لافتة مثل «مقامات بديع الزمان الهمداني»، التي نجح في تحويلها إلى عمل مسرحي متقن، ومسرحية «كان يا ما كان» التي اعتمدت على الرمز الحكائي لقصص وحكايا ألف ليلة وليلة. كما قدّم مسرحية «الغفران» المستوحاة من رسالة أبي العلاء المعري، وبرع أيضاً في تقديم «الإمتاع والمؤانسة» عن حياة أبي حيّان التوحيدي.

تعطينا العناوين أعلاه إشارات واضحة عن منهج الطيب الصديقي في التعامل مع أكثر النصوص إضاءة وعمقاً في تراثنا، في تجسيدها لقيم العقلانية وحرية التفكير، وتقاطعها مع قضايا الحاضر، في تحريضها العقل على الاستيقاظ من وهدته، والاستجابة لما يطرحه العصر من قيم كونية، على العرب تمثّلها في المنعطف التاريخي الذي يعيشونه.

من المفهوم أيضاً أن مبدعاً مثله وقف على التخوم المشتركة للفنون، وكان في القلب من الحراك الثقافي والفني ، لا بد أن يستلهم من مجتمعه المغربي، بما يعرف عنه من ديناميكية ثقافية واجتماعية عالية، أفكاراً وقضايا تتصل بقيم الحداثة والتسامح، وتحرير المجتمع من كوابح التقدم.
 
حرر في:  08/02/2016

اقرأ المزيد

انتقام الجغرافيا


ليست مقاومة الجيش والشعب في روسيا وحدها من هزم نابليون حين غزاها في القرن التاسع عشر في معركة حشد لها أكثر من نصف مليون جندي. ثمة عامل آخر لا يقل حسماً، إن لم يكن الأكثر حسماً. إنه الثلج.

جنرالات نابليون حذروه من مغامرة غزو روسيا الشاسعة مترامية الأطراف، لكنه كان مأخوذاً بفكرة المجد التي جعلته في وضع لا يبدو معه مستعداً للإصغاء لمثل هذه التحذيرات التي بدت له تخاذلاً، فدفع بجيشه نحو المدن الروسية معتقداً أنه بذلك سيغير وجهة التاريخ كلية، وهذا ما كان سيحدث فعلاً لو أن الحظ حالفه.

لكن لم يكن بوسع الحظ أن يحالفه. للحروب، كما للسياسة، حسابات معقدة أشبه بالمعادلات الرياضية. وقد يكون نابليون، وهو الداهية العسكري، قد حسب كل شيء، لكنه نسي أن يحسب حساب الثلج عندما ينهمر ويتراكم طبقات فوق طبقات، وحين تنخفض الحرارة فتبلغ العشرين درجة تحت الصفر أو حتى ما هو دونها، وأثر ذلك في كفاءة ومعنويات جيشه الذي لم يعتد الحروب في مناخ قاس مثل هذا.

تحضر هذه الواقعة من التاريخ في الذهن ونحن نطالع كتاب «انتقام الجغرافيا» لمؤلفه روبرت كابلان الصادر ضمن سلسلة «عالم المعرفة» في دولة الكويت، الذي يقدم لنا دليلاً شائقاً في قراءة خريطة العالم الجيو سياسية متنبئاً بمصير الصراعات بين القوى الدولية النافدة، على خلفية قراءة ما عرفه التاريخ من صراعات واستقطابات.

هل غدا العالم بالفعل قرية كونية حسب التوصيف الذي قدمه الكندي مارشال ماكلوهان ؟

ربما يكون هذا صحيحاً في بعض الأوجه، لكن الكون شاسع، شاسع للغاية، والقرية، عادةً، صغيرة، صغيرة جداً. وإن وحدت الطائرات النفاثة فائقة السرعة وشبكة الإنترنت وثورتا الاتصالات والمواصلات هذا العالم وقربت المسافات بين أطرافه، وأنهت عزلة النائي من هذه الأطراف، فإنها، جميعها، لم تفلح، ولا يبدو أنها ستفلح، في إلغاء حقيقة كبرى هي الجغرافيا، تلك التضاريس التي لا يد للإنسان فيها، ولا طاقة له على تغييرها.

هذه الجغرافيا هي من يتحكم في توزيع الثروات الطبيعية بين أرجاء العالم، هي من يجعل بلداً غنياً بالنفط أو الغاز أو المعادن أو بالزراعة، وهي من يجعل من بلد فقيراً، حتى لو كبرت مساحته، وهي من يجعل السكان يكتظون في رقعة محددة تضيق بهم، فيما مساحات شاسعة من حواليهم صحراء مقفرة. وعلى هذا تنشأ عواقب كبرى.


حرر في:   07/02/2016
 

اقرأ المزيد

النفط بعد الفحم


في المقال السابق «الفحم أول ضحايا سياسات الكربون في الولايات المتحدة»، الذي عرضنا فيه كيف اختير الفحم من قبل فريق إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووكالة البيئة الأمريكية (EPA)، ليقدم كأول أكباش الفداء للحملة التي يقودها فريق حزب الرئيس أوباما الحاكم، الحزب الديمقراطي، ضد مصادر الانبعاثات الرئيسية لغازات الاحتباس الحراري المسؤولة عن التغيرات المناخية الحادة في الولايات المتحدة والعالم. وعرضنا للتشريعات التي سنها الكونغرس للتقييد على استخراج وإنتاج واستهلاك الفحم، والتي ستؤدي إلى تراجع حصته بين مصادر الطاقة المستخدمة في توليد الطاقة الكهربائية.
 
الآن لو أزلنا الفحم من الصورة ووضعنا مكانه النفط، هل نتوقع أن يحل بالنفط ما هو حاصل حتى الآن مع الفحم؟ سؤال كبير من المؤكد أن صناعة النفط في العالم وشركاتها العاملة في مختلف مجالاتها، لا يرغبون في طرحه والتداول بشأنه. ولكنه سؤال ينطوي على فرضية لم تعد بعيدة التحقق، خصوصا بعد اتفاق باريس لتغير المناخ (Paris Agreement on Climate Change). الاتفاق بحد ذاته لا يحمل أية إشارة في مواده وفي القرارات الملحقة به، تنطوي على استهداف مباشر للنفط (أو الوقود الأحفوري الذي يشمل النفط والفحم والغاز). ولكن التمعن في دراسة مواد الاتفاق والقرارات الملحقة به، يفيد بأن كل ما هو مطلوب من كافة الدول الأعضاء الأطراف في الاتفاق، دول متقدمة ودول نامية على السواء، خصوصاً في مجال التخفيف (Mintigation)، يقود إلى اتخاذ إجراءات تتصل بالصناعة النفطية وتستهدف خفض انبعاثاتها. فالاتفاق الجديد، على خلاف بروتوكول كيوتو الذي حصر الإلزام بخفض الانبعاثات في 37 دولة متقدمة، ملزم قانونياً (Legally-binding) لكافة الدول الأعضاء بموافاة سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ كل 5 سنوات بما أنجزته كمياً ونوعياً في مجال التخفيف (خفض الانبعاثات) والتكيف (Adaptation) والتي ستحيلها إلى لجنة خبراء نصت على إنشائها المادة (15) في الاتفاق، ستقوم بفحص وتدقيق مصداقية وشفافية المعلومات الواردة في البلاغات الوطنية الدورية لكل دولة.
 
 
في شهر سبتمبر/‏أيلول الماضي، نشرت منظمة «مشروع الإفصاح عن الكربون ( Carbon Disclosure Project)، وهي منظمة مقرها بريطانيا تقوم بمهمة جمع المعلومات من حَمَلَة الأسهم والشركات حول غازات الاحتباس الحراري في العالم، نشرت قائمة بأسماء الشركات العالمية التي أجابت عن السؤال الذي وجهته لها ومفاده: هل يؤيد مجلس إدارتكم اتفاقاً دولياً حول تغير المناخ يهدف إلى ألا يزيد ارتفاع درجة الحرارة عن أقل من درجتين مئويتين عن مستوى ما قبل الصناعة (1850). المنظمة تلقت ردوداً من أكثر من 2000 شركة عالمية مدرجة في البورصات العالمية، من بينها 28 من كبريات شركات الطاقة في العالم (استنادا إلى رسملتها السوقية)، التي تضطلع بنسبة 26% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم. ومن بين الشركات التي أجابت بالإيجاب، أي بموافقتها على المشاركة الإيجابية في الجهد العالمي لجعل ارتفاع درجة الحرارة أقل من درجتين بنهاية القرن، شركة غاز بروم الروسية وشركة بريتش غاز البريطانية وشركة كونوكو فيليبس الأمريكية وشركة إيني الإيطالية وشركة ريبسول الإسبانية وشركة رويال داتش شل الهولندية البريطانية (تتخذ من هولندا مقراً لها) وشركة ستات أويل النرويجية وشركة توتال الفرنسية. بيد أن شركات نفط كبرى رئيسية رفضت إعطاء إجابة عن السؤال، من بينها شركة اكسون موبيل الأمريكية وشركة أباتشي كوربوريشن الأمريكية وبريتش بتروليوم البريطانية وشركة شيفرون الأمريكية وشركة النفط والبتروكيماويات الصينية وشركة هس الأمريكية وشركة لوك أويل الروسية وشركة أوكسيدنتال الأمريكية وشركة بتروتشاينا الصينية وشركة بتروبراس البرازيلية.
 
يضاف إلى ذلك، تزايد الضغط الواقع على الوقود الأحفوري بوجه عام ومن ضمنه النفط بهدف تجريده من «الرعاية» التي يحظى بها والمتمثلة في الدعم (Subsidies) الذي يقدم له والمقدر بحوالي 600 مليار دولار سنويا، بدعوى مساهمة قطاع الطاقة بنسبة 62% من إجمالي غازات الاحتباس الحراري في العالم، والوقود الأحفوري يضطلع بحصة 81% من مزيج الطاقة العالمي (Energy Mix). وهناك مطالبات بوضع ضرائب على الفحم باعتباره مصدر الانبعاثات الرئيسي، وأن السياسات التي عُوّل عليها في الحد من انبعاثاته، قد فشلت، ذلك أن 85% من الفحم المستخدم في التصنيع والتدفئة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) وبلدان الاقتصادات الناشئة، غير خاضعة للضريبة، وأن متوسط الضريبة المفروض على الفحم هو أقل من 2 يورو للطن .
 
ومن الفحم إلى النفط، فهناك ضغط مركز على قطاع النقل والمواصلات، باعتباره مسؤولاً عن نحو 23% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وحوالي 14% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ويتوقع بموجب وتيرة الاستهلاك الحالية، أن تبلغ مساهمته في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون نحو 40% بحلول عام 2035. وهناك دعوات صادرة من عدة جهات تطالب بالتخلص من 90% من السيارات من المدن في المستقبل، واستبدالها بوسائل مواصلات عامة وبخدمات النقل المشترك. ويمكن القول بأن مؤتمر باريس للمناخ قد قرع جرس الإنذار للوقود الأحفوري، للفحم منه على وجه الخصوص يتلوه النفط من حيث الاستهداف في قادم الأيام بإجراءات سوف يجري اتخاذها تباعاً بصورة متدرجة وهادئة .هذا ما نخشاه من التوجهات والسياسات، الأوروبية خصوصاً، والأمريكية جزئياً، والعالمية بوجه عام، الآخذة في التجاسر على النفط، والعاملة -ليس فقط الاكتفاء بالمطالبة – على سرعة إحلال مصادر الطاقات المتجددة محل مصادر الطاقات الأحفورية ومنها النفط، من خلال وضع أهداف كمية (Quantitative targets) ومتابعة عملية الوفاء بها. الحديث لا يتعلق بأثر ومفاعيل هذه السياسات والتوجهات في المدى القصير أو المتوسط. لن تستطيع هذه السياسات والتوجهات استبعاد النفط من معادلة الطاقة العالمية، على الأقل حتى عام 2030، وهي السنة التي حددها معظم الدول للوفاء بالتزاماتها المتعلقة بخفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري. هذا طبعاً كابوس يؤرق منتجي ومصدري النفط في العالم قاطبة. ما الذي يتعين عليهم فعله؟ ليس في وسعهم سوى مجاراة السياسات التي تستهدف النفط من خلال إخراجه التدريجي من ميزان الطاقة، بسياسات موازية وفورية.
 
 
حرر في:   07/02/2016

اقرأ المزيد

كتاب ورغيف


تزامناً مع انطلاق فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال 47 أطلقت مؤسسة ثقافية مصرية مبادرة أثارت نقاشاً بعنوان «كتاب ورغيف»، هدفها تشجيع الشباب والسكان عامة على القراءة. وحسب تقرير نشره الموقع الإلكتروني لهيئة «بي بي سي»، فإن مؤسسة «بتانة» الثقافية، مطلقة المشروع، لقيت دعماً وتشجيعاً من من وزارتي الثقافة والتموين في دعم مشروعها.

وفكرة المشروع هي استخدام البطاقة التموينية للمواطن لشراء الكتب بأسعار مخفضة، تماماً كما هي الحال مع السلع الغذائية الضرورية، وتصل نسبة التخفيض على أسعار الكتب إلى 90%. واتخذت المؤسسة المذكورة من شعار: «تشجيع القراءة ومكافحة الإرهاب» عنواناً لحملتها .

وتشمل المبادرة، فيما تشمل، إطلاق سيارات تجوب محافظات مصر «بهدف نشر التوعية الثقافية في المناطق النائية التي تعاني فقراً ثقافياً»، كما جاء في بيان إطلاقها، وتحمل المبادرة عنوان «تشجيع القراءة ومواجهة الإرهاب»، وهو عنوان يتسق مع الشعار الذي تنعقد تحته الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو «الثقافة في المواجهة»، والقصد هنا مواجهة التطرف والإرهاب الذي تعانيه المنطقة العربية، ويطال مصر أيضاً، في إشارة إلى أنه حيث يعم الجهل يتفشى الإرهاب.

ومع أن المبادرة واجهت تحفظات ومآخذ من قبيل أنه «لا ينبغي للدولة أن تجعل من الكتاب سلعة تموينية لتشجيع القراءة، فهناك العديد من الطرق الراقية التي تليق بالكتاب دون الحاجة إلى اللجوء لاستخدام بطاقة التموين لتقديم خصم على سعر الكتب أسوة بمشروعات ثقافية أخرى»، إلا أن التوجه للتعامل مع الكتاب على أنه في أهمية الرغيف، من حيث دوره في تغذية العقول وتنمية الوعي فكرة نبيلة. وهو ما عبر عنه بيان المبادرة الذي أوضح أن الهدف هو«بناء صورة ذهنية مشتركة بين الرغيف والكتاب بوصفهما مكونين أساسيين لأي تنمية مرتقبة، ونشر الثقافة ورفع معدلات الإفادة من المنتج الثقافي المصري».

وأمام العزوف عن القراءة وانصراف الناس إلى تدبّر أمورهم الحياتية الكثيرة، فإن الأسعار المرتفعة للكتب تبدو بالفعل عائقاً بوجه شرائح كبيرة منهم، لا في مصر وحدها، وإنما في البلدان العربية الأخرى أيضاً أمور مؤدية إلى الانصراف عن الاهتمام بالقراءة والثقافة عامة.

أية مبادرة تحمل هذه الأهداف يجب أن تقترن باستراتيجيات شاملة، توحّد التعليم والثقافة، في تنمية الإعداد الذهني للأجيال كي تكون منفتحة على كنوز الثقافة والفنون، وتنأى بأصحابها عن التعصب والتطرف والعنف.
 
حرر في:   04/02/2016

اقرأ المزيد

لتجنب مخاضات الدم


حين يعقد الواحد منا مقارنة بين الهبات والانتفاضات التي شهدها عالمنا العربي قبل خمس سنوات سيجد أن بعضها اعتمد طابع المقاومة المدنية والاحتجاجات السلمية، فيما جنح البعض الآخر إلى اعتماد العنف والسلاح وسيلة، بسبب الوهم بأن ذاك سيسرع النصر ويحقق الهدف في الإطاحة بالأنظمة القائمة.

سيحملنا ذلك على المقارنة بين النتائج، فحيث كان العمل السلمي منهاجاً وجدنا تلك الانتفاضات تبلغ ما سعت إليه أو بعضه، على نحو ما حدث في تونس ومصر، ولم تفلح آلة القمع التي تملكها الأنظمة في القضاء على الحشود الهائلة من المواطنين الذين هبوا إلى الساحات والميادين بصدور وقبضات عارية.

وحصل العكس تماماً في الحالات التي تم فيها الجنوح نحو عسكرة الانتفاضات، كما حدث في ليبيا وسوريا وربما غيرهما أيضاً من البلدان. صحيح أن نظام معمر القذافي تمت الإطاحة به، ولكن ذلك لم يكن لأن من أطلق عليهم يومها بالثوار من القوة والالتفاف والشعبي حولهم ما مكنهم من ذلك، وإنما لأن تدخل قوات «الناتو»، هو من أدى إلى ذلك، حين دكت الطائرات الآتية من حاملاتها قبالة السواحل الليبية في البحر المتوسط العاصمة، ولاحقت القذافي بعد فراره منها لتوقع به.

في سوريا حصل شيء مشابه، فقد خرجت المطالبات الشعبية المشروعة بالديمقراطية والحقوق السياسية عن نطاقها السلمي، لتنحو منحى العسكرة والعنف الذي فتح الأبواب على مصاريعها لتدخل القوى الإقليمية والدولية والميليشيات المدعومة منها في الشأن السوري، ولتدخل البلد في حرب أهلية طاحنة مدمرة، ما من رابح فيها.

لن يجدي كثيراً هنا السجال حول من كان البادئ في استخدام العنف، النظام أو المعارضة، لأن واجب المعارضة خاصة في مجتمعات منقسمة عمودياً على أسس مذهبية أو عرقية ألا تُستدرج لاستخدام العنف، وهذا ما تنبه له التوانسة والمصريون، فجنبوا شعبيهما وبلديهما مخاضات الدم والقتل والدمار والخراب، التي لا تكون إلا مخاضات طويلة على ما نراه اليوم في ليبيا وفي سوريا.

يحضرنا هنا ما كان مفكر عربي لامع هو الراحل هشام شرابي قد تنبه إليه، حين تساءل: «كيف يمكننا تحويل العلاقة بين الدولة ومواطنيها من علاقة مبنية على العنف إلى علاقة مبنية على القانون»؟

ولم يترك الرجل سؤاله معلقاً، بل أجاب، بأن «الالتزام بالوسائل القانونية القائمة على اللاعنف في العمل السياسي قد يؤدي إلى نتائج عملية كوضع حد لعنف الدولة وطبع العلاقات الاجتماعية بطابع إنساني».
 
 
حرر في:  03/02/2016
 

اقرأ المزيد

هـــل مــن يشبــه نوابنـا…!


لأنه لا يوجد نواب يشبهون نوابنا، يسعنا الاطمئنان إلى أنهم سيبقون يشبهون أنفسهم، وهذا كلام واضح لا أظنه حمال أوجه، وحين يصل تفرد نوابنا الى هذا المستوى من الوهن الذي هم عليه اليوم، من غير تصنع، أو زيادة أو نقصان، عنذئذ يصبح من حق كل بحريني ان يخلص إلى قناعة بأن ثمة خطيئة ترتكب فى حق هذه البلاد، وفى حق ناسها، وحق الأجيال المقبلة، وحق المستقبل، وهو أمر يستحق عليه النواب أعسر حساب..!! 

لا يكتمل المشهد على ذلك النحو الذى شهدناه فيما يخص الاستجوابين، دون التذكير بالكيفية التى فرط وتنازل نواب الفصل التشريعي السابق، وفى أواخر ايام ذلك الفصل، عن الصلاحيات الممنوحة للبرلمان حين أقروا وهم بكامل قواهم العقلية قيودًا وضوابط وملوثات أوصلت أدوات المساءلة ومنها الاستجواب الى تيه لا يظهر عليه أفق، أدوات نص عليها الدستور ولكن وجدنا من يريد التخلص منها، ونقلها على وجه السرعة الى «الجبانة» لتتلى على روحها آي من الذكر الحكيم، دون الحاجة لمعرفة، هل انتقلت الى رحمته تعالى بالوفاة ام قتلا..؟، الناس تتابع وتتذكر ولا تنسى..

من تابع ورصد وتأمل كل ماقيل ويقال وسيظل يقال وذلك الكم من التعليقات التى تم تداولها فى الأيام الماضية، فى الفضاء الإليكتروني، وفى المجالس والمنتديات والصحافة على خلفية إسقاط الاستجوابين، وحالة الصخب التى سبقتها والمقرونة بكثير من التهديد والوعيد والمراهنات والمزادات والمزايدات وكل ما بات شائعًا عند النواب، نواب البحرين وليس غيرهم، من فعل ذلك يدرك إلى أي مدى هى حالة إحباط الناس من النواب، وكيف أن الجميع سلموا، أو هم على طريق التسليم، بانه لم يعد بمقدورهم التعويل على النواب فى أي شيء، وكل شيء، وفي المقدمة دورهم في المساءلة والمحاسبة، تخيلوا لو ان النواب قادرون على تفعيل دورهم في هذا المجال بالكامل، تخيلوا، ولكن لا تذهب بكم الظنون بعيدا، فقد وجدنا ومن دون التوغل فى الماضي القريب كيف فوت النواب على انفسهم في ان يصبحوا نوابا بجد، وكيف انهم عجزوا ان يأخذوا الدرس والعظة والعبرة من الغير، من القريب والبعيد من برلمانات العالم لعلهم يرتقوا بأدائهم، ومن اجل ان ينتزعوا صلاحياتهم المسلوبة، ومن اجل الا يزجوا بالاستجوابات كأداة مساءلة بين الحواجز والمتاريس، او فى صراعات الكواليس والمساومات، او إخضاعها للأوامر والتعليمات والتوجيهات، ومن اجل الا يقتصر العمل الأساسي للنواب على الاقتراحات برغبة، لا يشرعون، ولا يحاسبون، ولا يراقبون، ولا يسألون، ولا يقررون، من اجل الا تبدو لنا التجربة البرلمانية كأنها مزيج من مأساة عظيمة، مهزوزة البيان والكيان، يزدحم فيها النواب الذين يتنافسون على ان يمثلوا فيها علينا دور البطل، او دور المنادين بالديمقراطية، او دور دعاة حريات الرأي، ولعلها مفارقة ان نقرأ فى هذه الأيام عن بلاغات الى النيابة العامة ترفع من أمانة النواب ضد مغردين فى مواقع التواصل وبعض الشخصيات بذريعة انهم تجاوزوا الحدود والخط الفاصل بين نقد وسب النواب على وقع إسقاط الاستجوابين، وكأن ثمة من يستكثر على الناس حتى ردود الفعل التعبير عن خيبتهم من النواب إجمالا، ويصر على جرجرتهم الى المحاكم..!!، ولا نعلم ماذا سيكون موقف امانة النواب من طرد احد النواب من مجلسين شعبيين فى المحرق على ذات الخلفية، او من معظم المواطنين الذين لا يواصلون دون كلل من إبداء امتعاظهم من النواب وكيف ان مخرجات أدائهم لم تثمر سوى الخيبات تلو الخيبات وبأعداد غفيرة، يقابلها حسرة الملتاعين لتجربة برلمانية معتبرة تفرض دورها ووقارها واحترامها وهيبتها.. 

أسوأ ما فى المشهد البرلماني الأخير هو محاولة بعض النواب إيهام الناس بأن تخليهم عن الاستجوابين جاء من منطلق الواجب الوطني، وبأن صرف النظر عن الاستجوابين امر استوجبته المصلحة العامة فى هذا الظرف الدقيق، وبأن تغليب المصلحة العليا للبلاد فوق اي مزايدات وان الوطن بحاجة الى التلاحم، ذلك كلام قيل وموثق ومنشور، واذا كان علينا أيضا ان نلاحظ باستغراب شديد ذلك الخبر عن تشكيل لوبي نيابي لإسقاط طلبي الاستجواب، رغم انه بات معروفًا ان هناك نوابا يتربصون باي مشروع استجواب، يستميتون فى تشويه قانونيته وقصقصة أجنحته وإسقاطه، ويكتمل المشهد العبثي حين نعلم أولا بان نائبين من اصل ثلاثة هم اللجنة المعنية بالنظر فى جدية الاستجوابين قررا عدم توافر الجدية المطلوبة، وحين نعلم ثانيا ان تمرير طلب الاستجواب يحتاج الى أغلبية الثلثين من اعضاء المجلس، اي 27 صوتا، ورغم ان 32 نائبا وقعوا على طلبي الاستجواب، الا ان المطاف انتهى بالطلبين الى موافقة 23 نائبًا مؤيدًا، و3 رافضين، و9 بين صامت وممتنع، ليسقط مشروع الاستجواب كقطع الدومينو تمامًا كما هو الحال لمشاريع استجوابات سابقة، صاحبها الكثير من الضجيج والتهريج والتراجعات الفجة المقرونة بتبريرات لا تقنع أحدا تجعل العمل البرلماني المفرغ من مضمونه يراوح في مكانه، وتجعل الناس على قناعة اكثر بان واقع الحال البرلماني يستدعى استجواب النواب انفسهم..!!، وهذه فكرة احسب انها جديرة بالنظر، خاصة من جانب العديد من الجمعيات السياسية والحقوقية، وكذلك الرابطة الأهلية لمراقبة اداء النواب، وغيرها من الجهات ذات العلاقة والاهتمام، وتلك التي في طور التشكل والتي يقودها عدد من الشباب يعتزمون إطلاق موقع اليكتروني تحت مظلة «راقب النائب». 

لا نطالب بتحقيق المعجزات، بل باحترام عقول الناس، بإيجاد عمل برلماني حقيقي بأدق معاني الكلمة، عمل قادر على الوصول بالقياس الى المبادئ والى المسؤوليات، ونواب لائقين تجاه هذا العمل وتجاه انفسهم وتجاه من يفترض انهم يمثلونهم، نواب لا يعوزهم الجد ولا الكفاءة، وقادرين على التوفيق بين أقوالهم وأفعالهم فلا يكون ما ينتقدونه وما ينكرونه هو على وجه الدقة ما يفعلونه، نواب جديرين بصفتهم، لا يمارسون التسطيح، ولا يتزلفون، ولا يمتهنون بدعة تخليص المعاملات لشراء ولاءات او أصوات ناخبين، ولا يجرون لأنفسهم السخرية او الهجاء، ولا يستقيلون من واجب المحاسبة والرقابة ولو فى حدها الأدنى.. ولا يجعلوننا مضطرين من بعد الى تبديد طاقاتنا فى إثبات البديهيات فيما يخص الأساس الذى يستقيم به ميزان العمل البرلماني الحقيقي، وأداء نواب وفق أكثر الشروط قربا الى المعقول.. هل هذا مستحيل..؟!
 


الثلاثاء 2 فبراير 2016

اقرأ المزيد

المعادلة السورية


ليس ستيفان دي ميستورا هو المبعوث الأول للأمم المتحدة إلى سوريا منذ اندلاع الأزمة فيها، فقد سبقه في تلك المهمة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، والدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي، وانتهى الرجلان، على ما يتمتعان به من كفاءة وخبرة إلى الاستقالة، بعد أن عجزا من الدفع بأطراف الأزمة إلى منطقة التسوية.

لعلنا نتذكر عبارة الأخضر الإبراهيمي لحظة تسلمه مهمته حين قال إن نجاحها مرتبط بدعم الدول الكبرى لها. وحدَد هدفه الأول يومها في التغلب على انقسامات مجلس الأمن، وهو ما لم يتحقق، فآثر الرجل الانسحاب من مهمة بدت له مستحيلة.

على خلاف عنان والإبراهيمي، يبدو المبعوث الحالي دي مستورا متفائلاً، لا بل وواثق من نجاحه في أن تؤدي مفاوضات جنيف الجديدة بين ممثلي النظام والمعارضة، إلى مخرج: «لقد شهدتم الكثير من المؤتمرات الفاشلة، ولكن هذه المفاوضات لن تفشل».

مصدر هذه الثقة آتٍ بالتحديد من توفر إرادة دولية مشتركة في بلوغ تسوية من نوع ما، وأساس هذه الإرادة المشتركة هو التفاهمات التي تمت بين وزيري الخارجية الأمريكي والروسي، كيري ولا فروف، وهو العامل الذي لم يتح للأخضر الإبراهيمي ولا لسلفه عنان.

هذا ما على أطراف النزاع الداخلية وكذلك المحيط الإقليمي المعني بالأزمة السورية الوقوف عنده. لقد انقضت خمس سنوات من حرب أهلية طاحنة، قتل فيها عشرات الآلاف وهجر أضعافهم، ودمرت المدن والبلدات السورية، ولم يظهر أي من طرفي النزاع مقدرته على حسم الصراع لمصلحته، لا النظام قادر على إنهاء المعارضة، حتى لو نجح في إضعافها، ولا المعارضة قادرة على إسقاط النظام حتى لو نجحت في تقليص حدود سيطرته على الأرض.

الأكثر من ذلك خرج الأمر من دائرة النزاع الداخلي، ليتحول إلى أزمة إقليمية شاملة، وتحولت أجزاء شاسعة من الأراضي السورية إلى مناطق نفوذ لتنظيمات إرهابية لا علاقة لها بالأهداف التي من أجلها انتفض الشعب السوري في البداية، وكلها أمور تجعل من العبث استمرار هذا النزاع إلى ما لانهاية.

المؤكد أن النظام لن يعود بوسعه، في حال بلوغ تسوية، أن يحكم البلد بالطريقة التي كان يحكمها بها قبل اندلاع الأزمة، والمؤكد أيضاَ أن على المعارضة أن تعيد النظر في الكثير من شعاراتها وتكتيكاتها، ما دامت وجدت نفسها محمولة على الانخراط في مفاوضات حاسمة، لن تنال في نهايتها إلا بعض ما تطمح إليه، لا كله.
 
حرر في:  02/02/2016
 

اقرأ المزيد