المنشور

أرِه ما لم يره

كعدد الأيام التي تجسّستم فيها الأرض، تحملون ذنوبكم أربعين سنة.. أنا الرب قد تكلّمت، لأفعلنّ هذا بكل هذه الجماعة الشريرة، في هذا القفر يفنون، وفيه يموتون. في هذا القفر تسقط جُثثكم، لن تدخلوا الأرض التي رفعت يدي لأسكننّكم فيها، وأما أطفالكم الذين قلتم يكونون غنيمة، فإني سأُدخلهم، فيعرفون الأرض التي احتقرتموها. جثثكم أنتم تسقط في هذا القفر، وبنوكم يكونون رعاةً في القفر أربعين سنة.

من سفر العدد

ضَعُوا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَمُرُّوا وَارْجِعُوا مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ فِي الْمَحَلَّةِ، وَاقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ.

من سفر الخروج

أربعون عاماً وأكثر مضت منذ كامب ديفد، أربعون عاماً، وهذه الأمة ما تزال في قفرِها، وفقرها، وتيهها، أربعون عاماً، يقتلُ بعضها بعضاً، وتستغرق في التيه أكثر، أربعون ولمّا تهتدِ بعد، أو تجد بوصلتها للخروج. أربعون، وأكثر، كأنما كلما انتهى تيه، عوقبت بتيه جديد!


1.

إننا في تيهنا من أربعين،
جفّ هذا القفر، لا ماءَ ولا مرعى،
ولا شكَّ بأنا ها هنا فيه مقيمون،
وما ثمّ يقين.

ربما كنا هنا، أو أننا في شاشة العرض
رصاصٌ كالغبار،
ربما كان الذي نعبرهُ منفى،
طريقاً لوصولٍ طائشٍ
أو ربما كان انتحارْ

لم نعد نذكرُ موسى،
بهتت صورته في أعين العميان
في هذا الظلام المحض
لم يبق لنا من ذكريات عنه إلا خيط أوهام
ومن أحلامنا عنه سوى خيط اصفرار

صاعداً للرب كان
حينما جاء بهذا الجسد العجل،
بهذي اللعناتِ السامريّ
قال يا يوشع ما هذا؟ فقال:
«ربما صوت قتال!»
ربما شعبك يا موسى
يعد العدة الآن لساحات النزال
قال: يا يوشع، لا
إنه ليس صياح الغالبين
أو أنين الخاسرين
إنني أسمعُ أصوات غناء

هكذا كنا نغني، حول هذا الجسد، الرب الجديد
حول هذا الجسد العجل، رقصنا وشربنا
ولعبنا، وذبحنا الوطن القربان
نمنا ثم لم نصح سوى في قفرنا هذا
فيا رجع النشيد
قل لنا أين أريحا؟
فلقد أنهكنا الترحال عاماً بعد عام
ولقد تهنا بهذا القفر بيداً بعد بيد
إننا في تيهنا من أربعين
حين عاد السامريّ
يصنع العجل لكي نعبده
مرة أخرى، فيا ربّ ألم ينته هذا التيه؟
أم أنك قد أدخلتنا تيهاً جديد..

إننا في تيهنا من أربعين،
صهرتنا شمسُ هذي الصَحَراء
صهرتنا ظُلمة الخوفِ، ومسمومٌ هنا
من حولنا هذا الهواء

كلما نسهو رأينا خوذاً مصنوعة
من أعين القتلى، وقتلى، ودماء
كلما نسهو رأينا السامريّ
ماشياً قُدّامنا في أمةٍ مجذومةٍ
يدعو، ينادي (لا مِساس)
كلما نسهو سمعنا صوته
يومضُ كالبرق..
شفاهٌ يبست، مزّقنا هذا اليباس
يا إلهي فمتى ننجو من التيه
متى نبلغ يا ربُّ أريحا؟
أمةٌ مدّت يداً نحو الصدى
وارتدّ من خلفٍ لها، لا شيء ينجيها
توهّمنا وأخطأنا، فسامحنا وأنقذنا
الصدى من خلفنا، والوهم في أعيننا
يا ربُّ أنقذنا، أو امنحنا تراباً لم تشقّقه الخيانات
وأنقذنا أو امنحنا يداً تُرشدنا كي نستريحا

مزّقتنا طعنات الأهل، من أين اتجهنا
لم نجد إلا سيوف الإخوةِ/ الأبناءِ في الصدر
وأرباباً خوارا
مزّقتنا هذه الغربة
هذي أوجه تشبهنا
لكنها غاضبةً تأكل من أذرعنا
كضباعٍ تلحق الجثة أحياناً، وحيناً تتوارى
هذه الأوجه منا، فلماذا نهشت من لحمنا؟
ولماذا قتلتنا، ولماذا شربت من دمنا؟
ولماذا رقصت في معبد العجلِ
لماذا حينما قدّمت القربان
لم تذبح إلا وطنا؟!

ليتنا قلنا أريحا
حينما قال لنا موسى، أريحا
يا إلهي ليت هذا السامريّ
لم يصغ عجلَ (السلام)،
ليتهُ لم يبصر الوحش الرسولا
ليته لم يرَ في قبضته إلا السراب

2.
يا إلهي أرِه ما لم يرَه،
أره الموت الذي جاء به،
الوحشةَ في التيه،
وشعباً ضائعاً، يحتزّ كلٌ منهم رأسَ أخيه
خاشعاً فليصغِ للصيحات
تنسلُّ من الحلق إلى الحلقِ
وللطعنة من خلفٍ، وللنارِ التي تشتعلُ
أرهِ القفرَ وقد سوّده هذا الدمُ اليابسُ
فلتحصد رؤوساً فغرت أفواهها واستسلمت يا منجلُ
أرهِ ماذا سيبقى من بنيه
ذاكَ ماضيه، وهذا دون شكٍّ قدره.

قُل له: يا سامريّ..
إنه ليس رسولاً،
إنه الشيطان
فانظر كفّك المدميَّ
إذ تقبضُ فيها أثره

إرهِ ما لم يره
جسداً عجلاً وفي قرنيه نار
قرنه الأول شقّ الأرض فاهراقت دما أسود
من باطنها الأرضُ البوار
قرنه الآخر رمحٌ راكز في مقبرة
رأسه يخرج من «خيمة داوود»
ولا نعرف إن كنا وصلنا آخره

أره ما لم يره،
أمةً تأكل من أحشائها
وخوارَ الأنظمة
ودمَ القتلى الذي يصطكّ في الأقداح،
ليلاً معتماً يمتصُّ روحَ الكَلِمة

مدناً تسقطُ في عتمتها
موتاً بلا عينين،
بحراً يطردُ الأزرقَ نحو الطمي،
قتلى يفتحون الباب في يأسٍ
ويأساً يتحرّى حذرَه

أرِه (في لحظة الإعلان عن صفقتهم)
طفلاً على معناه شدّ القدر الرخو
وطفلاً لم يجد معنى، وحرباً دونما رأسٍ
بكفّين من العدوى، وقلبٍ يابسٍ،
تحضنُ حرباً مثلها
– «هذا شتاءٌ للصدى» قالت
وضمّتها إليها
أره حرباً من النفطِ يسيل الدمُ من أطرافِها
تحضنُ حرباً قَذرة.

إنه ليس رسولاً
إنه الشيطان
فانظر كفّك المدميَّ
إذ تقبضُ فيها أثره

سترى يا سامريّ
أن كفاً صافَحَت قاتلها جاءت بهذا الموت
فاصنع عجلك الفتنةَ من هذي البيوت
خذ إذن من أوجه الأطفال،
من فضة أحلام النساء، من دم الفتية،
خذ من ذهب الضحكات..
واصنع عجلك الملعون،
واصنع ألف موت
خذ إذن من خبزة المحتاج، من دمعةِ أم،
من دعاء مهملٍ.. خذ ما تريد
خذ من الدفء الذي في يد فلّاح
وخذ من رنة المفتاح في الباب
ومن حرية الساق التي جرّحها قيد العبيد
خذ من الأعمار، من آجال أجيال،
ومن شوق المريد..
خذ من الطين، من البحرِ،
وخُذ من أرضنا ما شئت، خذ،
ماذا تريد؟
كي تصوغ الجسد العجل
وكي ترسلنا في تيهنا
مرة أخرى، وأخرى.. من جديد

إننا في تيهنا من أربعين
أمةٌ لم تحيَ لم تُبعث ولم يودِ بها الموت
ولم يُولد لها من وُعدوا أن يسكنوا أرض أريحا
فاقض يا ربُّ إذا شئت
أو امنحنا يداً تُمسكُ بالسيف
ولكن هذه المرة لا كي يطعنَ الابنُ أباه
وجهّي سيفك يا أمتنا
لو مرةً واحدةً،
لو مرّةً واحدةً
لو مرّةً واحدةً
يا أمّتي الوجهَ الصحيحا.

اقرأ المزيد

هؤلاء يرفضون اللقاح

لعلّ الخوف من المرض والموت هو الذي جعل الناس تسارع إلى تلقي اللقاح المضاد لكوورنا، ما مكّن بلدنا من بلوغ أرقام قياسية في نسب المطعمومين قياساً ببقية دول العالم، لكن ثمة خوفاً من نوع آخر جعل البعض يحجم ويمتنع تماما عن الاقتراب من أي لقاح.
وهذا المقال يتطرق إلى نوعية هؤلاء المعارضين لمبدأ التلقيح وفكرته من الأساس، وقد لفت انتباهي كيف ان هذه النماذج على جانب كبير من الاختلاف في التعليم والوعي والطبقة الاجتماعية والمهنية وغيره، والجامع الوحيد بينهم هو رفض اللقاح.
أحد هؤلاء طبيبة عائلة متقاعدة ظلت تمطرني على مدى عام كامل بالمقالات وافلام الفيديو حول المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد العالم وضد البشر، وأن المستفيدين من ذلك ما هم إلا مجموعة من الاشرار الذين صنّعوا الفيروس، واطلقوه لهدف معين كتقليل سكان المعمورة ثم خرج من سيطرتهم، ثم اشتغلوا لاحقاً على تصنيع اللقاحات لجني الأرباح، وظلّت تردد أن كورونا فيروس معتاد مثل كل الفيروسات التي عرفتها البشرية، يصيب الناس ولا يقتل إلا الضعاف والمرضى، وعلى الناس ان يحموا أنفسهم ويصبروا قليلاً، وأتذكر جملتها الدائمة “أفضل الموت بكوفيد أو الإصابة به ولا تعريض نفسي لهذه اللقاحات”.
النموذج الثاني فلاح آسيوي كان يعمل في حديقتي، خيّرته بين تلقي اللقاح أو الانصراف وترك العمل، قلت له: إنك تدخل البيوت يومياً، وثمة احتمال كبير أن تصاب بالمرض وتنقله لنا، سوف أعيدك الى العمل حين تحضر شهادة التطعيم الصفراء، أجاب: “الله هو الحافظ ” وخرج غاضباً.
النموذج الثالث استاذ جامعي يرفض اللقاح لأن ثمة شكوكاً لديه حول جدواه، هو يقول إنه تعرض لمرضى ومصابون وأشكال متعددة من الناس ونجى من الإصابة مراراً، يقي نفسه يوميا بارتداء كمامتين والابتعاد عن التجمعات، ويتساءل: “لمَ أعرّض نفسي للقاحات لم تخضع للدراسات الكافية” ؟
النموذج الرابع عاملة المنزل الإثيوبية في بيتي. رفضت اللقاح مراراً ولم استطع إقناعها، وقد جرّبت معها بوسائل إقناع عديدة، وظللت ألحّ عليها، بينما تمسكت هي بالقول: “أنا شابة وصغيرة وقوية وأخشى على نفسي من الإعاقة الإنجابية مستقبلا إذا تلقيتُ اللقاح”.
النموذج الرابع رجل ستيني نشط سياسيا واجتماعيا، يتحرك وسط الناس بثقة وحيوية من اجل العمل الخيري السنوي المعتاد في شهر رمضان، تلقّح جميع افراد عائلته الصغيرة والكبيرة وأصدقاءه ،لا يشك في التلقيح إلا أنه يتكاسل عنه، يرى أن الفيروس سيزول سريعا ولا ضرورة لأن يتلقح الجميع، كان يهمّ بدخول احد المساجد بعد إعادة فتحها، فاستوقفه أحدهم مطالبا بابراز شهادة التطعيم، أزعجه الأمر كثيراً باعتبار أن هذا المنع وغيره يشكل ضغطاً أو نوعاً من الإجبار على التلقيح، مع انه امر اختياري.
النموذج الخامس؛ سيدة في الخمسين من عمرها تلقّح جميع الموظفين في عملها باستثناءها، خيَرها رئيسها بين التلقيح أو أخذ اجازة طويلة تعود بعدها بشهادة التلقيح إن أرادت الاستمرار في العمل، لكنها ترى أن المرض والفيروس والإعلام المنصب عليه “مؤامرة في مؤامرة”، وفضلت الاستقالة تاركة خلفها وظيفة جيدة ومربحة.
النموذج السادس، شاب ثلاثيني اصيب بالمرض مرتين دون ظهور الأعراض، عرف الحجر وذاق ويلاته وتعطّل عمله، يرفض اللقاح كونه يفضل المناعة الذاتية عن تلك المصنعة خارج الجسد .
النموذج السابع طبيب أسنان في الستين من عمره يمتنع عن اللقاح، لان الطعوم برأيه لم تنل حقها من الدراسة الكافية، كما أن الأنواع المتعددة من الطعوم تتبدى أخطاءها مع تجربتها على البشر المختلفين في أجسادهم وأمراضهم.
لست من هؤلاء الممتنعين، وأرى أن اللقاح حقق، ويحقق، حماية صحية بنسبة كبيرة، وأتمنى أن تصل البحرين إلى المرتبة الأولى في تعاطي اللقاح، لكن أجد العذر للممتنعين، فلو تأملنا جميع النماذج السالفة لوجدنا أن الخوف من مؤامرة ما هو العامل المشرك والسبب الكامن والمتواري في الإمتناع عن اللقاح.
وكنت قد اشرت في عدد من مقالاتي السابقة حول جائحة كورونا إلى أننا نعيش في عالم غير جدير بالثقة في انظمته السياسية والاقتصادية والصحية وغيرها، وأن شيطان الربح يقف خلف مؤامرات كثيرة، اما الضرر الذي تعرضت له بيئة الكون فيكاد يكون كارثياً، ويقول علماء بيئة مختصون إنه إذا استمر السلوك الإنساني على مستواه الحالي، فسوف يحتاج البشر عام 2030 إلى كوكب آخر لاستيعابهم، لا شيئ يبدد مخاوف الناس إلا استعادة الثقة في الخطابات السائدة التي يتلقاها الناس من صناع حضارتنا الراهنة على جميع المستويات، والبدء بالإصلاح الحقيقي الشامل في شتى مناحي الحياة. ان كوفيد ليس إلا جرس انذار مبكر، ولعلنا نفيق.

اقرأ المزيد

كبوة المستقلين

عيسى الدرازي
إدانة سبع جمعيات سياسية تقليص صلاحيات المجلس النيابي، على اختلاف مرجعياتها الفكرية وتبايناتها السياسية، تعطي إشارة واضحة حول مدى اتساع الهوة بين ما يذهب إليه المجلس وبين ما يرنو إليه الساسة ومعهم الرأي العام من المجلس وأعضاءه، إلا أنه يمكن للمجلس الحالي استيعاب ما تمّ قضمه من هامش صلاحيات المجلس كون عمر الفصل التشريعي الحالي أزف وقته.
الغريب في المجلس الحالي، انه في بداياته تعالت أصوات غالبية أعضاءه بلوم الأعضاء السابقين،من أنهم مرروا تعديلات تنال من صلاحيات المجلس وأدواته الرقابية والتشريعية، حيث تمّ في العام 2014 الموافقة على إضافة “تعديل” على أداة الاستجواب حيث اشترط التعديل موافقة ثلثي أعضاء المجلس على الاستجواب بدلاً من غالبية الأعضاء، وفي هذا تشديد غير مبرر وتحصين لمساءلة الوزراء برلمانياً وتأمينهم عن منصة الاستجوابات، وهو توجه جانب الحصافة، والأجدى تمكين المجلس النيابي من استخدام مثل هذه الأدوات الرقابية الفاعلة، ومع تزايد توجيه أعضاء المجلس الحالي لملاحظات وتصريحات تشي بضرورة إعادة وضع أداة الاستجواب كما كانت عليه قبل تعديلها، كانت الكبوة في إقرار تعديل جديد على اللائحة الداخلية ينال من أداة السؤال البرلماني ويحدّ منه.
مرّت على عمر المجلس منذ 2002، أربعة تعديلات على اللائحة الداخلية والخامس هو ما تمّ اقراره مؤخراً بشأن “منع توجيه النقد أو اللوم أو الاتهام، وأي أقوال تتضمن ما يخالف الدستور والقانون أو تشكل مساساً بكرامة الأشخاص أو الهيئات أو إضراراً بالمصلحة العليا للبلاد، وتحديد 10 نواب كحد أقصى للمشاركة في المناقشة العامة مع تحديد 5 دقائق لحديث النائب الواحد”.
تعديل اللائحة الداخلية للمجلس نحو الأفضل يحتم وجود غالبية من غير المستقلين من الأعضاء الذين تتفاوت مآربهم ومقاصدهم من العمل التشريعي، فلم يجن الشارع من مجلس المستقلين إلا إبطاء العجلة البرلمانية، ولا بد من إعادة الثقة للسلطة التشريعية والعملية الديمقراطية ككل.
أدبيا لا يصحّ للحكومة أن تقترح تعديل شأن برلماني خالص، خصوصا إذا كان ينتقص من العملية البرلمانية في الوقت الذي كان من الأجدى دعم التجربة واثرائها وتعزيز تلكم المفاهيم وصولاً لصورة ناصعة من الديمقراطية البرلمانية التي تستحق ثقة الناس.

اقرأ المزيد

قل لها يا رمل.. لعبة الغميضة ضاقت على قلب الصبية

قلْ لها يا رمل
لعبة الغميضة ضاقت على قلب الصبية..
أتهرم الروح في لحد الذكريات
وتقول نازفةً: ما فات فات؟

الحزينات اللاتي يتجنبنَ الكحل
حتى لا تُفسده الدموع
لا يفوتُهن تمرير بعضه في الحمامات العامة
يغسلْن به فناجين الكلام..
يصمتْن وفي أعيُنِهن حناجر مجروحة
يحفُرنَ في صدورهن ثُقبين
واحد للغدرِ
وواحد للفقْد..
الحزينات اللاتي أيديهن على قلوبِهِن دائماً
لا يملكن معاطف دافئة في عزِ الصقيع
يُلبسن الليل قفطانه الأسود الطويل
ويُعلنَ الحدادَ على موت النهار
يعيدُهن للحياة عناق واحد من الخلف!

أشتهي أن أبكي لأن ذلك يروق لي
ليس لأنني امرأة حزينة
أو وردة تتحيّن الذبول..
أنا دمعة صامتة تقلب وسادتها إلى الجانب الآخر

ماذا تريدُ أيها الحزن؟
نمدد أرواحنا على بساط الأمل
فتنفخُ في ريح الوهمِ ونسقط.. ؟
هذا يحدث غالباً..
نقطف نجوم الدهشة ولا تنطفئ؟
هذا لا يحدث دائماً..
ننساكَ والفقدُ يسلُخُ أرواحنا..؟
هذا لا يحدُثُ أبداً..
خُذْنا على قدرِ صدورِنا ولا تبالغ
لا تدُسُ سكينَ غدرِك بغتةً
تكفينا منك رتابة الاعتياد..

كلُ شيءٍ يخُصُك
يتوهجُ في ذاكرتي
يلمع في عينيّ
كبيتٍ مظلم يرقُبه غريب
ويتأكدُ من نافذتيه العلويتين
بأنه مضاءٌ بشمعة واحدة!

لماذا نُعطر ياقة الحلم..
والواقع ينحرُ عنق الحياة؟

اقرأ المزيد

تقييد المناقشة العامة مصادرة أخرى لدور البرلمان الرقابي

ناقش مجلس النواب في جلسته التي عقدت بتاريخ 20 ابريل المنصرم مرسوما ملكيا ساميا يتعلق بقضية مهمة تتعلق بتعديلات أدخلها هذا المرسوم على اللائحة الداخلية لمجلس النواب، مضمونها الأساس وضع ضوابط وقيود على آلية المناقشة العامة التي حددتها اللائحة ذاتها وتمت على أساسها اكثر من 18 مناقشة عامة على مدار عمر التجربة النيابية الوليدة منذ العام 2002 حتي تاريخه.

بطبيعة الحال فإن تغيير وتعديل لوائح المجلس أمر طبيعي يخضع في العادة لعدة أمور جلها تتعلق بتقادم عمر التجربة وما تستدعيه الممارسة البرلمانية ذاتها، وما يترافق معها من طموحات وتوجهات نيابية وسياسية تستوجب ضرورة اجراء تعديلات محددة، من شأنها ان تساعد على تحسين الأداء العام للمجلس والنواب علي حد سواء.

الا ان الملاحظ من خلال ما تابعه الشارع البحريني اثناء مناقشة المرسوم المذكور ان مواقف الكتل والنواب جاءت متباينة الى حد كبير حيال تلك التعديلات، واللافت فيها أن الرأي الموافق علي تلك التعديلات المقيدة لآلية المناقشة العامة كان ربما هو الأكثر غموضاً، وبدى وكأنه وافق على تمرير تلك التعديلات من دون أسباب مقنعة سواء للنواب الرافضين لتلك التعديلات او حتى للشارع في البحرين..وتلك مسألة ربما تحتاج من الشارع والمعنيين بحثها بشكل اكثر وضوحا ومكاشفة، فالنائب بغض النظر عن كتلته او حتى انتماءه السياسي وشريحته الاجتماعية، هو في الأساس ممثل الشعب، منه وإليه يعود ومن حق الناس أن تفهم مغزى كل هذا الغموض أولاً وقبل كل شيء حتى تقتنع بأسبابه.

ما يهمنا في هذا الشأن هو اسباب ومبررات الموقف الرافض لتلك التعديلات التي أدخلت على اللائحة والتي مررها المجلس في نهاية المطاف بموافقة 13 نائبا ورفض 12 نائبا وامتناع 9 وغياب 6 نواب عن الجلسة لأسباب بعضها غير مبرر، في الوقت الذي كان رفض تلك التعديلات يحتاج الى تصويت 21 نائبا رافضا، بحسب ما تشترطه المادتان ( 78) و(124) من لائحة المجلس.

الموقف الرافض الذي قادته كتلة “تقدّم” النيابية كان واضحاً إلى أبعد الحدود، حيث قابل حجج الحكومة بحجج ومبررات لم تجد لها إجابات مقنعة، وهذا ما عبر عنه أعضاء الكتلة ومعهم عدد مهم من أعضاء المجلس والذي تلخص في ان تطور التجربة الديمقراطية الذي وعد به ميثاق العمل الوطني وتعزيز الدور الرقابي لمجلس النواب، يفترض بطبيعة الحال ان يكون هناك تقدم ومراجعة تقود العمل البرلماني عبر مسار تدريجي نحو الأمام وليس الى الخلف وباتجاه النكوص، وملخص ماجاء في مداخلاتنا الواضحة مع بقية زملائنا الرافضين لتلك التعديلات، أن مجلس النواب في دورته السابقة صوّت على اعاقات واضحة تسببت فيها التعديلات التي أدخلت من قبل اربع سنوات تقريبا على أداة الاستجواب، ليصبح معها الاستجواب كأداة رقابية شبه مستحيل في ظل المعطيات القائمة، وبالمثل أعاقت فتوى المحكمة الدستورية منذ أشهر دور لجان التحقيق بتقليص فترة التمديد التي كانت مسموحة لأربعة اشهر إضافية، كما حصل في فصول تشريعية متتالية، مع اعتبار توصيات تلك اللجان غير ملزمة للحكومة!

في اعتقادي أنه لا توجد مبررات مقنعة لدى الجانب الرسمي للمطالبة بإدخال تلك التعديلات، والتي أرى من موقعي وكما ذكرت في مداخلاتي اثناء النقاش أن ذلك حصل على خلفية المناقشات العامة التي قام به المجلس الحالي في ملفين مهمين هما الملف التعليمي وملف إصلاحات سوق العمل وقضية البحرنة، التي اولاها المجلس الحالي جهداً استثنائياً بشهادة الجميع، حيث اتسمت تلك النقاشات حينها بالجدية والواقعية، كما شخصت أوضاع التعليم وسوق العمل بشكل واضح وشفاف ووضعت لها الحلول المناسبة، لكن كل ذلك لا يبدو بكل اسف انه مقبول من الطرف الرسمي، رغم أنه يؤسس لتفاعل خلاق ومثمر بين السلطتين،، ويخلق تكاملا في الأدوار طالما تمنيناه لتجربتنا الديمقراطية الوليدة التي علينا أن نحرص باستمرار على دعمها وإسنادها بكل السبل لترتقي، ولو بالتدرج البطيء، وعدم السماح بعودتها تحت أي مبررات الى الوراء، فالديمقراطيات الحديثة والناشئة منها تحديداً لم ترتق إلا بالصبر والتحمل والمكابدة من قبل جميع الأطراف.

تلك امنيات سنظل مدافعين عنها ونحن نمارس دورنا في رفد التجربة البرلمانية بخبراتنا المتواضعة مع بقية المخلصين للتجربة رغم كل التحديات، وتلك مهمات يجب ان لا تنتقص أو أن يسمح لها بأن تصيبنا باليأس والقنوط مهما عظمت تلك التحديات فتلك هي طبيعة العمل السياسي على أية حال.

اقرأ المزيد

دفتر أحوال “جنة”

تتبوَّأ الرقابة مكانة عفى عليها الزمن، منذ أن أصبح العالم الافتراضي خالياً من حراسه، وصار بالإمكان الحصول على كل المعلومات بضغطة زر واحدة. صحيح أن هناك ثوابت مجتمعية يجب المحافظة عليها، ولو في أطر شكلية، لكن هل من هذه الثوابت رفض نص مسرحي لمجرد أنه عُنون بـ”السرير”؟ ما الموحي في عنوان يشكل – مجازاً – قطعة أثاث عادية؟
هل كان نص بعنوان الكرسي، أو السجادة، سيثير القلق، وعليه سيجبر المؤلف أن يُغيّر العنوان، كما فعلت الكاتبة المصرية صفاء البيلي، وتحول النص إلى “جنة هنا”؟ برغم التأكيد على ألّا تماسّ مخالف بين العنوان وبين المعنى داخل النص، وبرغم المعاني المترادفة أيضاً، مثل أن يكون للسرير و /ظائفه الكثيرة المعروفة: التي تمثل الراحة/ السكينة/ الطمأنينة، وماذا أيضاً؟ هو مكان معتاد للعلاقة الزوجية، وغالباً هو نفسه ما رفضته الرقابة لأجله! القلق حتى ولو بإشارة تلميح من بعيد! بينما سرير البيلي هنا مغاير ومراوغ بين معنى الأمان بأوجهه، وبين ما قالته جنة لوالدتها: “رغبة قديمة جواكي في إنك تحتفظي بذكرى تولّد عندك الرغبة في الحياة..الحياة اللي فاتتك من زمان، من غير ما تنتبهي!”
و”جنة هنا” محنة بين أم وابنة تنتميان إلى فصيلين مختلفين، تناقشان فكرة الأب الغائب للعمل منذ فترة طويلة، بحيث إن الابنة تبلغ من العمر ثلاثين سنة، ولم تلتقِ قط به! لذا، أي مشاهد لا بد أن يستغرب طريقة الحوار بين جنة وهنا – الأم والابنة – هل هذا حوار خليق وملائم أن يقدم على الخشبة؟ حواسنا تتأمل – بحذر- الهجوم من البنت لوالدتها، نأمل أن تكون مبالغة في الأداء – رغم واقعيته في الحياة الراهنة وذوبان مسافة الاحترام بين الوالدين والأبناء – ونراهن أن ينتهي هذا سريعاً، لكننا – كمتلقين – نفاجأ بأن هذا هو السياق العام لكامل الحوار، لأنه يعبر عن حالة داخلية ستكشف عن نفسها رويداً رويداً، والصورة ذات البرواز الظاهر على يسار الخشبة، لرجل في مقتبل العمر هو محور الحدث، هو سبب لأن تمر جنة بالتجربة الصعبة الرئيسية في حياتها، بحيث يختل ميزانها وتصرح بأنها “مليش جدار أستند عليه”، أو أن والدها الغائب “حطمني، خلاني مخلوق مرتبك”، وغيرها من الجمل الكفيلة بنقل إحساسها للمتلقي بأنها الشخص الذي هي عليه.
الأم التي تحملت كثيراً في سبيل ابنتها، كانت تعبر عن شكل من أشكال القهر المجتمعي للأنثى تحديداً؛ هي أرملة دون أن تخبر أحداً، فضّلت أن يكون لها أب/زوج غائب موعود بالرجعة في أي وقت، تحسب له هيبة من كل دائرة الأهل والمعارف؛ كل الأمور معلقة حتى يعود، لأنه حال اكتشاف الأمر سيكون لوضعها الجديد إيقاع حياة مختلف، إذ سيتدخل الأهل في إعادة جدولة حياتها – كما حاول خال جنة تطليق أخته بعد أن طال غيابه رغم تمسكها به- حسب عرف المجتمع البائس الذي يرى من الأم العازبة (المطلقة/الأرملة) عبئاً وخطأ لا بد من تصحيحه عبر الزواج بأي خاطب، حتى لو كان أخا الزوج -على سبيل الإمعان في البؤس-، ومن باب “الستر” الذي لا يُرى مجتمعياً إلا من عين أن المرأة عورة لا بد أن تدارى في أسرع وقت، مهملين ومتناسين أن لها حاجات إنسانية أكثر منها جسدية، والأنثى هي الشخص الأمثل لتحديد هذه الحاجات حسب أولويتها في حياتها “هي”، لا عبر حسابات تقترب من التعامل معها كــ”مقتنيات”، خصوصاً من قبل أهل الزوج، إذا كان لديها أبناء “تخص” ابنهم الراحل.
لذلك فإن تعريف الرجل بالنسبة لجنة هو ذاك الكائن الذي يتحرش بها في الأتوبيس، أو زميل العمل الذي يلقي بالأعباء لمجرد كونها موظفة جديدة في المكان، رئيسها في العمل الذي لابد أن ينال منها لأنها المطلقة “المتوفرة” حتى تأخذ بالمقابل حقوقها في العمل، أو الجار العازب الذي أحبها ورغب في الارتباط بها، لكنه عزف عن الموضوع بهمسة من والدته: لا زواج من مطلقة! وهو أيضاً “ظل الراجل” الذي خضعت له تحت مسمى الزواج، لكن حتى هذا الرباط المقدس لم يستمر لسبب سخيف، وهو عودتها المتأخرة بالليل، بينما هو يقضي وقته أمام التلفزيون بدونها وحيداً!
لا يبدو أن البيلي اخترعت هذه الحالات المذكورة، بل هي مستقاة من حكايات الإناث اليومية التي يتداولنها فيما بينهن، والمجتمع يعرفها، وعلى يقين من عدم صحتها، ينادي بها أفراده حين تكون القضية عامة، أما في وقت اقتراب هذه الحالات من حياة نفس هذا الفرد الذي يصنف نفسه مثقفاً، وحراً، وربما ليبرالياً، وخارج منظومة التفكير الجمعي، ستظهر –غالباً- الطبيعة الأولى لهذا الفرد والمكونة من مجموعة العقد -محكمة الربط-، أعراف بائدة لا يمكن التخلي عنها، والكثير من القلق فيما لو خالف و”اختلف” عن بقية القطيع المسالم.
وليس من المستغرب أن تختلف جنة وهنا على أبسط المفاهيم القريبة لبيئتهما. على سبيل المثال: ترى الأولى أن الشرف يساوي منديل دم البكارة، بينما ترى الثانية أنها “شكليات عقيمة” ليست لها قيمة. مفهومان متناقضان، لا توجد منطقة وسطى تجمع بينهما. الحديث أيضاًعن تجربة الختان المؤثرة كما ترويها جنة، في تجسيد موفق بصرياً، وعميق حسياً، عن الغفلة التي شعرت بها، والألم والخيبة اللذين شعرت بهما حين سلمتها والدتها لمجموعة من النساء اللاتي قطعن جزءاً منها، ثم أعطوها قطعة حلوى لم تفلح في إلهائها عن ما شعرت به هي وأخريات كن معها في نفس المذبحة المشروعة: “كل ما وحدة تخرج أمها بتزغرد..احنا نصرخ وأنتوبتزغردوا..”!
أما عن تبعات هذا الفعل، فتأتي لاحقاً حين باحت جنة لوالدتها:”جوزي ده أنا مش حاساه..تقولي لي عيب..أقولك أنا رحت للدكتورة يمكن ألاقي حل..تقولي لي عيب..وهو كان بيقوليأنتي زيك زي لوح الثلج..”، حتى مع تبرير الأم أنه فعل عادي، وحدث ولازال -في المجتمعات الضيقة طبعاً- لم تقنع البنت التي تشربت من التمرد وجعلها تنظر لكل الأشياء من حولها بعلياء وترفع، وأحياناً بتطرف، لأنها لا تستطيع رؤية الأشياء إلا بالروح التي كبرت معها.
وجنة لم تحكِ إلا عن جزء هين من تبعات الختان المتعلق بكيفيته -حسب تجربتها المرة-، ولاحقاً عن الأثر الذي تركته هذه العملية في جسدها، ورغبتها في الحياة الزوجية الطبيعية، وهو اختصار لكل الآلام الجسدية والنفسية التي لا تزال تمارس ضد الإناث الصغيرات بالعمر، في سن ما قبل التمييز وتكوين رأي أو موقف، وتبدأ التبعات من ضعف التجاوب الجنسي، ولا تنتهي بالأورام السرطانية والصدمات النفسية الوشيكة التي يتم التهاون بها والتقليل من شأن حصولها. لم تحكِ عن عدم الثقة في الآخر، وعدم الإحساس بالأمان بوجه عام، بل جسَّدته مباشرة على الخشبة.
والملفت في نص “السرير” أنه تعمّق بهدوء داخل قضية تبدو لآخرين عادية وواردة الحدوث، وأعني بذلك مفهوم “الأسرة المستقرة”، والمكونة من أم وأب وأولاد. غياب أحد هذه المكونات يخلق شعوراً بالنقص أو الفراغ الذي يجب أن يعبأ – وبماذا يعبأ؟ فتلك مسألة أخرى-، وغياب الأولاد/ عدم الإنجاب يخلق ضغطاً اجتماعياً على الزوجين. أما غياب أحد الوالدين، أو كلاهما، فيخلق أثراً كبيراً سيئاً على شخصيات الأبناء، قد لا يلاحظ بسهولة، لكنه يتبين مع التعامل القريب، في اختلال الميزان، كما في مثال جنة بتعاملها مع الذكور في محيطها.
على مستوى الرؤية، خدمت السينوغرافيا جزءاً من العرض في قطعة الديكور الرئيسية، المتمثلة في السرير، واستعمالاته المتعددة التي دار عليها الحدث كله، مدمجاً بالإضاءة المختلفة التي صنعت من السرير ضريحاً لولي من أولياء الله الصالحين تارة، أو إلى غرفة الولادة/ غرفة الختان، وغيرها. ومن باب التكثيف، كان المتأمل أن تكون القطعة الوحيدة على الخشبة مع صورة الأب، من حيث تأكيد المعنى للسرير؛ وجوداً ومعنى، ويمكن إضافة الكرسي الهزاز من باب التنويع في الحركة. أما بقية القطع، فشكلت عبئاً ثقيلاً على الخشبة، لعدم الحاجة المادية والدلالية لها، حيث حجّمت من حركة فتاتي الاستعراض اللتين تظهران في بعض المقاطع كخيال ظل، أو تدعمان الفعل القائم على الخشبة من خلال أداء حركي معزز، لكسر الحوارات “الديو” المتتالية بين جنة وهنا.
وحتى الأزياء المتطابقة الألوان بين الشخصيتين الرئيستين وفتاتي الاستعراض، كانت موفقة إلى حد كبير في تأكيد فكرة انتمائهم الواحد للفكرة/ للمجتمع/ للمكان/ للمصير، بحيث إنه لما زادت حدة التوتر بين جنة وهنا، تخلت الأولى عن جزء من أكمام الزي الذي ترتديه، كان بمثابة إعلان انفجار وتمرد رسمي على كل ما هو بائد من وجهة نظرها.
عرض لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن تتماهى معه، في مباراة الأداء الصادق بين عبير الطوخي وهالة سرور، ترقب تراكيب الجمل وصياغتها بشكل أقرب للحوار الواقعي بين أم وابنة وقعتا في المسافة الضائعة بين علاقة الاحترام الطبيعية في هكذا أحوال، وبين فارق السن الذي يتلاشى مع الاحتكاك اليومي والأسئلة الملحة التي لا يوجد لها إلا إجابات نموذجية جاهزة، روح التمرد التي تعلو يوماً بعد يوم، تقابلها هزيمة وانكسار وقلب يمتلئ شجناً وألماً وخوفاً من الاستسلام وكشف المخبوء، تكتشف لاحقاً أنه لا يناقش قضايا الإناث وحسب، بل يجر كل المجتمع الذي غرّب العائل الوحيد للأسرة، وحكم على أسرته بالوضع الذي رأيناه، مع التبعات الكثيرة التي تُحكى ولا تُرى.
كُتب هذا النص بروح أنثوية عالية، تستوعب معاناة الأنثى بكل التفاصيل التي تصعب على ذكر التعبير عنها، إلا بعض الاستثناءات. فبدءاً من إهداء النص إلى سعاد عمران، والدة المؤلفة البيلي،حتى التسلسل الذي ظهرت به القضايا التي قدمها العرض بتتابع مترابط لا يستشعر فيه المتلقي بإقحام أو تكرار، بالإضافة إلى المنطقية والواقعية “الجارحة” إلى حد ما، للمفعول به مثل جنة وهنا، والفاعل الذي يمكن أن يأتي على أشكال مختلفة لا يمكن حصرها. فليست المصادفة التي جعلت “عنوان” نص السرير غير مقبول رقابياً. فالأفراد في الرقابة هم هم الأفراد في المجتمع الذين تواجدوا في “جنة هنا”، حتى ولو كان هذا بين السطور.

اقرأ المزيد

الجولاني في البذلة

رغم مرور أسابيع على الحوار الذي أجراه الصحفي الأمريكي مارتن سميث مع زعيم “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً)، أبو محمد الجولاني، ما زال هذا الحوار مثار نقاش وجدل، من عدة جوانب.
أكثر ما لفت الأنظار في أمر هذا الحوار هو الصورة التي نشرها سميث وتجمعه مع الجولاني، حيث ظهر فيها الأخير مرتدياً بذلة وصفها البعض بالأنيقة، حاسر الرأس، محاولاً لفت الأنظار إلى مظهره الجديد، المخالف للمظهر الذي عرفه العالم به أول مرة، مرتدياً سروالاً من ذاك الذي عرف به مقاتلو “القاعدة و”طالبان” في أفغانستان، وواضعاً على رأسه عمامة كتلك التي كان أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري زعيما القاعدة يضعانها على رأسيهما.
المراقبون راوا في الأمر رسالة سياسية المحتوى، وبالمناسبة فإن الجولاني الذي سبق له أن استبدل العمامة “الأفغانية”، بغطاء رأس عربي منذ أن اعلن قطع ارتباط تنظيمه ب”القاعدة”، وغيّر اسمه إلى “هيئة تحرير الشام” بديلاً ل”النصرة”، أراد بمظهره الجديد في صورته مع سميث، أن يقدّم نفسه بوصفه رجلاُ منفتحاً، راغباً في الوصول إلى تفاهمات مع الأمريكان والغرب، بشأن الملف السوري الشائك، يُمكّن تنظيمه، في أي تسوية محتملة.
ما أثار الانتباه أيضاً في أمر هذه المقابلة هي أنها أجريت في إدلب، معقل الجولاني، والتي يسيطر تنظيمه عليها وعلى محيطها، ولم يمنع ذلك كون الجولاني مصنفاً في قوائم الإرهاب، ومطلوب القبض عليه، بل إن مكافأة مالية مجزية رصدت لكل من يدّل على طريقة للوصول إليه، ما يطرح سؤالاً عما إذا كان هناك ضوء أخضر أعطي لمارتن سميث من جهات أمريكية مسؤولة بإجراء الحوار، برغبة “تسويق” الجولاني سياسياً، كزعيم له نفوذ على الأرض، بالتزامن مع مجيء إدارة بايدن، التي سيكون لها نهج مختلف في إدارة الملف السوري، سيؤدي إلى إطالة الأزمة وزيادتها تعقيداً.
ثمة مؤشرات، إن في محتوى الحوار المذكور، أو في ظروف ومكان إجرائه،على أن الجولاني التقط الرسالة، وأنه يجهد لتبديد الصورة المأخوذة عنه كزعيم لتنظيم إرهابي عنيف ودموي، أصولي التفكير، لتحل معها صورة بديلة كزعيم سياسي، وحتى مدني، براجماتي المنهج، قابل لأن يكون طرفاً في مساومات وتسويات، تمنحه دوراً مقبلاً يتجاوز دور زعيم تنظيم مسلح منبوذ دولياً.
واشنطن خير العالمين أن خلع العمامة واتداء البذلة غربيّة الطراز، لا يجعل من تفكير من قام ذلك مدنياً، ولا يغير من جوهر وطبيعة البرنامج السياسي – الفكري الذي يتبناه، وإن الجولاني سيظل هو نفسه، لكنها حسابات السياسة وألاعيبها، فالأمر لا يعدو كونه “إعادة تأهيل” للجولاني كي يكون جاهزاً لأي دور محتمل في المرحلة القادمة، و”إعادة التأهيل” هذه لا تشمل طبعاً “غسل دماغ” الجولاني المتطرف والأصولي والمصنف بالإرهابي، إنما تنحصر في إلباسه البذلة الغربية، وخلع العمامة، أمام الكاميرا على الأقل، وإفهامه أن يُظهر ما هو مطلوب من “مرونة” فقد تكون “رجلنا” القادم، أو “تعشيمه” بدور ينتظره إن هو أحسن الأداء المطلوب عنه.
هل يطابق حساب الحقل حساب البيدر هذه المرة؟ . علينا أن ننتظر ونراقب، فلعلّ الإجابة قادمة بعد حين قد يطول وقد يقصر تبعاً للمسار الذي ستسير عليه الأمور، وهي لا تسير بالإرادة الأمريكية والغربية وحدها، فعلى الأرض السورية تتبارى الإرادات وتتصارع، والتوازنات هناك شديدة الدقة والحساسية بحيث لا تجعل من الأمريكان وحلفائهم هم اللاعب الوحيد، وبالتأكيد لن يكون الحاسم.

اقرأ المزيد

الخطأ ليس في الفلسفة بل في التنفيذ

التشابه هو الشرط الأساسي لحياة جيدة، أي طاعة نفس القواعد والرغبة في نفس الأشياء مثل أي شخص آخر، أما “جون كيتنغ” فيرى أن التشابه هو الشرط الأساسي للموت، أي شيء يجب محاربته ضد، لذلك كما يقول، يجب أن تقاوم الحياة الجيدة التماثل والتوافق الأعمى، نظرًا لأن الحياة قصيرة جدًا، ويجب على الطلاب الاستفادة القصوى من وقتهم على الأرض، أو ما يدعوه ب “اغتنام اليوم”.

وأفضل طريقة لتحقيق أقصى استفادة من الحياة هي أن تكون مبدعًا وأصلياً – لاغتنام اليوم – وليس مجرد تكرار حياة الوالدين والأجداد. باختصار هدف كيتنغ كمعلم هو تعليم طلابه التفكير بأنفسهم واستكشاف شغفهم والعيش وفقًا لذلك.

مأساة مجتمع الشعراء الميتين هي أنّ بعض طلاب كيتنغ يسيئون تفسير احتفاله بالحياة والأصالة. وعقلية ” Carpe Diem” تعني أنّ الحياة بدون الإبداع والأصالة لا قيمة لها ولا تستحق العيش.

بدأ “نيل بيري”، أحد أكثر تلاميذ كيتنغ حماسة مسيرته المهنيّة كممثل، متأثراً من تشجيع معلمه “كيتنغ” على فكرة “اغتنام اليوم”. ولكن عندما اكتشف والده السيد بيري أنّ نيل كان يهمل دراسته بسبب انغماسه في المسرح، منعه من الأداء،، فأصيب نيل بالذهول من ذلك ، لدرجة أنّه قتل نفسه.

ماذا يعني هذا؟ هل هو خطأ نيل المأساوي الذي هو تحريف فكرة كيتنغ، “لأننا سنموت، فلنعش الحياة على أكمل وجه” إلى فكرة أكثر كآبة: “لأننا لا نستطيع أن نعيش الحياة على أكمل وجه، يجب أن نموت”؟

فلسفة “جون كيتنغ” هي، قبل كل شيء الاحتفاء والاحتفال بالحياة على الموت. بينما أدى سوء تفسير نيل لنظرية أستاذه إلى وفاته. بالرغم من أن كيتنغ قد ألهم العديد من طلابه لعيشوا حياة مبنية على شغفهم الفريد، متجاهلاً إملاءات والديهم ومعلمي ويلتون الآخرين.

إذا، الخطأ ليس في الفلسفة بذاتها، بل في طريقة تنفيذها، أو مدى استيعابها من قبل مريديها.

اقرأ المزيد

السيدة نخلة

بدء حكمتي وانتهاؤها
لي قد تجلّيا :ماالذي سمعته؟
رنينه الآن مختلف تماما
لا أسمع غير آه وأوّاه!
غير اجترار شبابي القديم
نيتشه
لا أعرف لماذا تسحبني المقاهي لحكاياها، رغم أني لست ممن يطوف بها كثيراً، لكنها تتربص بي لتسقيني شاياتها المبتكرة، كان يوما شاقا أشعل في جسدي فتيل التعب حين حدثتني لتدعوني للخروج ،أخبرتني بحاجتها الملحة للتغيير، غريبة هي، تحاصرها وحدة قاتلة، كان للاعتذار طعم الخيبة. سار بنا الوقت وسرنا به حتى استقرّ بنا في مقهى شعبي. أخذتني رائحة السمك المشوي لطفولة يزخر بها البحر قبل أن يقرر الرحيل تاركا زرقته تجلدنا كل يوم ربما مل قنانينا التي كنا نحشوها ألما وخيبة، حزناً نتفرد به، استغاثات لا تسمع، مواويل نحفظها لنرددها عنده وبين آه وآه كان يتسرب منا، فاض به الحزن وامتصّ ما تبقى من مياهه فأصبحنا ننوء بحزننا حيث لا معبر له، لا بحر نخبئ الحزن في ماءه، ولا طبيعة نتكئ على لونها لتخضر قلوبنا من جديد،كنت أغوص بهمومي فأشرد عن حديثها كثيرا،لكنها سحبتني لصوتها وهي تردد كلمة سر نحن النساء كم نحب هذه الكلمة ، أقسمت بأغلظ الإيمان أن لا أخبر أحداً. كنت صادقة جداً وأنا أردد اسم الله. ضحكنا حين علقتُ على طرق القسم التي كنا نقولها ونحن صغار.
(والله العظيم، في ذمتي، في صلاة أمي وأبوي)…هي ثقافتنا ياعزيزتي تاريخنا الذي تجهلين، براءة قلوبنا الندية، أفياء النخل المزروع بعروقنا،حتى تعرفي ذلك لابد أن تشربي ملح البحر، لابد أن ترتسم الخرائط على جسدك وأنت تغازلين بحرا كان جارا لك،
قولي …. فللأسرار لذة لذيذة فبوحي بما لديك، أخبرتني حينها أنها تحب هكذا بكل بساطة لولا الناس لصرخت من فرحتي، سعدت كثيراً بهذا الخبر، خاصة وأنا أعرف كم تحتاج لهذا الحب، كان الفضول يبعثر ألوانه على ملامحي وأنا أسألها عمن يكون ……… كانت الإجابة (…..) صارخة، مميتة، قاتلة، إنه هو حبيبي كدت أصرخ بها، لكني تعقلت ورددت بيني وبين نفسي هذا حبيبي يا عزيزتي، هذا الذي يبعث الهواء في الهواء كي أتنفس حين تمر بي أزمة الربو أو حين تنفث مصانعنا سمومها على صدري فأقبل الأرض من أجل نسمة هواء لولاه لكنت اختنقت يا صديقتي، عذرك أنك لا تعرفين، كنتِ كثيرا ما تسألينني عما إذا كنت أحب فأخبرك كذبا بأن قلبي يغرد وحيداً لا لسبب سوى أنه كان يحب أن أبقي علاقتي به سرية حتى لا تسلط علينا العيون فنسعد بحبنا، كانت تكمل حديثها بينما عقلي يفكر بسرعة أية قدرة هذه التي تمتلكها عقولنا على التفكير في ثواني بسيطة كنت أمر بكل محطاتنا، كل البساتين التي زرعنا نخيل مشاعرنا عليها، كلما رسمت لوحة كنت أستمدها من شموخ عينيه كان يحب النخيل كثيرا وكنت أسرف في رسمها حتى أن أحد أصدقائي يسميني بالسيدة نخلة، أكان يستمد شموخه منها أم انه سرق الخضرة وخبأها بقلبه، أم من العناقيد كان عطاءه ودفء مشاعره إنه حبيبي يا صديقتي فلا تدمي قلبك وقلبي، تقولين يحبك ؟
نعم أخبرني منذ ثلاثة شهور أنه يحبني، قال بأنه يجهل كيف تسرب الحب لقلبه هو البتول الذي ماعرف الحب، يبدو أنني حللت عقدته، هل كان يحتاج لحب مستورد كي يتقن فعل الرجولة، قولي لي هل أنا جميلة؟ نعم ياحبيبتي جميلة جدا والدليل أنك أوقعتي به …. يعود عقلي لتفكيره السريع تطوحني الأسئلة قلبه بتول لابد أنها كاذبة، كم يحتوي ضميرك من كذب لايطاق بدأت أضيق بكلي وبك وبالسمك والناس ، لكن لا هي لاتكذب كأني سمعت هذه الجملة من قبل
( أجهل كيف تسرب الحب لقلبي، إنها أنتِ وعيناكِ التي انطقت شراييني). هي قالت تسرب الحب لقلبه هذا كلامه، هذا ماقاله لي ذات بوح، لا هي حتماً كاذبة، كانت ابتسامتها تشرق بالمكان لتبوح بسعادتها، ياربي أي ارض تلك التي تحتملني، سأريك شيئا اختبأت داخل حقيبة يدها الكبيرة، تفتش عن سكين أخرى لتطعنني بها، أخرجت هاتفها النقال، وراحت تبحث في رسائلها وبدأت تقرب شاشته من عيني، هذه رسالة منه (…………………..) إنها الرسالة التي أرسلها لي البارحة، يا إلهي .. رسالة أخرى.. وأخرى كلها ياعزيزتي تسكن صندوق الوارد في هاتفي.
ست سنوات مضت على ما أظن، ست سنوات وأنا….. بماذا أصف نفسي ؟ أمشي على الجليد فتتجمد أطرافي لا… هي نار تحرقني، صوتك ياصديقتي تحول لنقيق ضفادع، هل تسكتين، دقائق فقط لألملم أطراف الحزن الخانق، هل أخبرها وأقضي على هذا الفرح، هل أصمت، كدت أكسر أصابعي من الطرقعة كحالي كلما استبد بي قلق ما، أيتها السماء ألن تمطريني برحمتك، لماذا أفقد السيطرة، أنا عاجزة تماماً، كان خالي يقول أنت لاتشبهين النساء، راقية كشمس، شامخة كنخلة، متلألئة كنجمة أفسدتني ياخالي بتكرار كلامك، أمي…. لماذا أحسنت تربيتي؟ لماذا أرضعتني قيمك؟ أريد أن أخبرها وأمزق سعادتها أجمع أشواك السمك وأغرسها في جسدها أو جسده، أخنقها بشالها ، أسلط عليه من يوسعه ضربا، أرمي عليه كل الشتائم ، قلت له يوما أني سأقتله لو خانني ،سأقتله إذن، عيناها وهذا البريق أعرفه تماما كان يرافقني وأنا أنظر لعينيه أو حين أخلو بألواني أبعثرها على نخلاته، مرة رسمت النخلة بلون برتقالي ومرة أخرى كانت سطوة الأحمر تخترق سعفات نخلاتي أما حين جربت أن ألون السعفات بألوان مختلفة كنت متيمة حينها بدت السعفات مزهوة بألوانها كقلبي وهو يزهو بصدقك،عدت للبيت وإخطبوط الحقيقة يعتصرني، ربما أحبها فعلا، حملت هاتفي وكلمته، سأرمي عليه شرر حقدي، وتخونين صديقتك تلقين بسرها إليه …. جاء صوته يقطع ماتبقى ..
ضحكت فشر البلية مايضحك، حبيبتي قال فابتلعتني السابعة، ربي لماذا لم تجعلهن مئة أرض كي يحتوي عمقها ألمي ، أحبك بعثرها كشظايا اخترقت ظهر معارض وهو يسقط غضبه على شارع مرصوف ليتعرج كحياته التي قرعت عليها طبول الجوع والبطالة، يصله صوتي مبحوحا، أحقا تحبني،ألم تحب غيري، قبلني عبر الهاتف تلك الليلة أكثر مما يجب كأنه يعرف أنه لن يسمع صوتي بعدها …. أغلقت الهاتف كان الهواء يتناقص، ناديته كي يمرر لي نسمة من هواء، صورته بقرب سريري يخرج من إطارها يتغير لون وجهه، يسقط على الأرض، يتحلل، رائحة العفن تملأ الغرفة، أسعل بشده، يسرع والدي بجهاز التنفس، تقرأ والدتي ماتبقى من سورة الوطن فينكسر جناح الطير الذي حام بين عيني وأتحول فراشة تحمل نخلات بلا سعف لوادٍ بذاكرة معطوبة أحرقتها كي أنام بلا أسئلة .

اقرأ المزيد

خطوات تعيدنا إلى الوراء

حين يُكشف عن مظاهر الفساد في دوائر الشركات الكبرى التي تمتلك حصصاً شبيهة بالحصص الحكومية لا تمس بشفافية من قبل دوائر التفتيش، فإن البعض من المسؤولين يعتبرون ذلك مساساً بالديموقراطية، وهو تناقض غير طبيعي نسعى جاهدين في حركتنا الوطنية والتقدمية، وكذلك الوجوه الجادة في المجلس النيابي لإبرازه، لأنه يصب في الفساد ذاته.
إن التقارير التي تخرج في المجلس النيابي عن دوائر الفساد لا تجد طريقاً جدياً وصريحاً في الأخذ بمحتوياتها بصدقية، بل يتم التبرير والتستر عليها ومحاولة التهرب في الرد بطرق ملتوية، لكنها مكشوفة.
إن النواب الوطنيين في المجلس النيابي في نقدهم للسلبيات لا يهدفون تصيد الأخطاء كما تروج بعض الدوائر التي تتهرب من مسؤوليتها عن الفساد الذي يجري كشفه من النواب، بل إن هؤلاء النواب كثيراً ما يقفون إلى جانب الإيجابيات، ويشيدون بما يصدر من مواقف تدفع الأمور نحو الإصلاح والتطور.
لا يتم النجاح الديمقراطي في ظل تهرب القوى المتنفذة من المسؤولية وتخليها عن الجدية في الوقوف إلى جانب المجلس النيابي ونوابه الحريصيين كل الحرص على الثوابت الوطنية والدفاع عن حقوق من انتخبوهم، أما المواقف المتناقضة المكشوفة ومطاطية القوانين فما هي إلا خدمة للجشع والايتزاز بذرائع واهية لنهب المواطن بصورة سافرة متبعين مبدأ (ترك الحبل على الغارب).
إن عدم الوقوف إلى جانب الديموقراطية وقواها هو تعدّ على حقوق الناخبين الذين ينتظرون تلبية مطالبهم المعيشية لبناء مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، وهذا ما دعا إليه المشروع الإصلاحي وميثاق العمل الوطني، وهو نفسه الذي يعزز ثقة الشعب بكافة شرائحه في المؤسسات الديمقراطية والتي بدونها لا يمكن التطور الاقتصادي والسياسي.
اخيراً نقول إن عدم الالتفات لهذا التهرب يرجع ديمقراطيتنا إلى الوراء بعد أن حققنا خطوات مهمة من التطور على طريق إرساء مجتمع متطور يسير إلى الأمام، ما يتطلب الحفاظ على ما تحقق من منجزات والسعي إلى تطويرها، خاصة في الظروف الصعبة التي سببها وباء (كوفيد 19).

اقرأ المزيد