المنشور

ليسدد الأثرياء الضريبة!

ملاحظة:
[أنبه القارئ لمسألة نظرية جد مهمة: إن في النظرية الاقتصادية العلمية دائماً ما تكون العلاقات الإنتاجية هي منطلق التحليل، وأساس فهم أي بنية اجتماعية ممكنة؛ هذا لا خلاف عليه. أما في التحليل الملموس اليومي لا بد أن تكون المطالب الاقتصادية قائمة على السبل الملموسة في ضرب رأس المال، مما يعني بأن علينا نشمل علاقات التبادل وعلاقات التوزيع (مثلاً، هذه العلاقة التي نتناولها هنا في ضريبة القيمة المضافة)، بالإضافة إلى الوجود الملموس لرساميل غير إنتاجية؛ مثل رأس المال التجاري، والخدماتي، والبيروقراطي، إلخ. هذا غير تحليل علاقات وتناقضات الطبقات التي لا تنتمي لا إلى البروليتاريا ولا إلى البورجوازية، مثل البورجوازية الصغيرة التقليدية والمتجددة.

إنني على وعي، إذن، بأن كلمة “غني” أو “الأغنياء” لا تنتمي إلى حقل الإنتاج بل التوزيع، ايّ المداخيل، وبالتالي لم استعمل عبارة “أغنياء” بفعل الإهمال أو الإنتقائية، بل من أجل التحليل الملموس لضريبة القيمة المضافة إذ إنها بطبيعتها تتمحور حول المداخيل لا الإنتاج (رغم أنها متحددة به). سيكون في مقدور القارئ، إذن، أن يفترض بأنني آخذ كل هذا كتحصيل حاصل دون أن أُفصل بشكل نظري بموقع كل مفهوم في كل مستوى نظري؛ وفي مقدوره ايضاً – كنتيجة لذلك – أن يعذر التمفصل ما- قبلي لهذه المفاهيم، كأمر واقع، دون أن أقدم له مقدمات نظرية، وبإمكانه أن يعود إلى مقالاتي السابقة ليفهم منظوري العام حول طبيعة العلاقات الإنتاجية في البحرين (1).

أضيف إلى ذلك نقطة أخرى ذكرتها في أحد الهوامش: الأرقام المستعملة تعبر عن محاولة استعراضية وتقريبية لعلاقات التوزيع، إنها ليست إمبريقية بالمعنى الفعلي للكلمة. وسبب ذلك هو أنه في البحرين لا تتوفر هذه المعلومات الإمبريقية الفعلية التي تعبر عن الأوضاع الفعلية للشعب العامل؛ اللهم دراسات فردية يشكر عليها الباحثين والجمعيات السياسية المعارضة. إن استعمال المعلومات لأغراض استعراضية، بدلاً من امبريقية، ليس جديداً على التحليل المادي التاريخي؛ والقارئ الجاد سيفهم ما ينبغي عرضه: لا الأرقام البورجوازية، بل حقيقة الصراع الطبقي.]

بلا شك، القارئ قد مرّ بتحليلات أو آراء تقول شيئاً من هذا القبيل: “صحيح تمّ تطبيق ضريبة القيمة المضافة (VAT)، ولكن كان ذلك من أجل مصلحة الوطن ككل. نحن في وضع اقتصادي عام يجعل الحكومة تنزع نحو معالجة العجز عبر الاقتراض وتطبيق ضريبة القيمة المضافة”. قد يبدو بأن هذا النوع من المنطق، في الوهلة الأولى، تأسس على تفكير عقلاني سليم. فبين ليلة وضحاها، وجدت البورجوازية البحرينية نفسها، وهي لم تكن قط حاملة للتفكير الفلسفي ولا التنوير الفكري (على العكس عما تصوره لنا الجوقة الانتهازية اليوم)، أمام (نقد العقل العملي) لكانط، وبالأخص عند فصله الأول (الفقرة 70): “تصرف بطريقة يكون فيها نهج إرادتك الخاصة في ذات الوقت متوافقاً مع المبدأ التشريعي الكوني.”. ولم يتبقَ لا إنساناً، ولا حيواناً، ولا طيراً، ولا حتى حجارة، في البحرين لم تلوح البورجوازية هذا المبدأ في وجهه.

باختصار كان نداؤهم: “اقبلوا برفع الدعم، وضريبة القيمة المضافة، وبانحسار الوضع المعيشي، إذ إن ذلك واجبكم الأخلاقي!”. ثانياً، حالما ابدى أي شخص في البحرين انزعاجه من الأمر، وفي لحظة تفكير قال لنفسه بإن الضريبة المفروضة علي لا يمكن أن تكون هي هي تلك المفروضة على البورجوازية، قالوا له: “كيف يعقل ذلك؟ هذه 5% تنطبق علينا قبل أن تنطبق عليكم! نحن من يعاني بشكل مباشر من استيراد السلع من الخارج هذا بالإضافة إلى استهلاكنا اليومي!“.

لكن الأمور ليست كما يصورها لنا البورجوازيون، ولا سيما محللوهم وصحافيوهم التوابع. يقولون لنا بإن ضريبة القيمة المضافة هي موحدة، وبأنها تنطبق أساساً على أي سلعة أو خدمة خاضعة لهذه الضريبة، وبالتالي الكل بلا أي استثناء خاضع لها (هذا بجانب من الضريبة الانتقائية). ولا طائل من تلويح كتاب (ما هي الملكية؟) لبرودون أمامهم بإجابة صريحة “إنها سرقة!”، إذ أن برودون نفسه قدّم إجابة خاطئة مهما كانت راديكالية؛ بل أسمحوا لي أن أقول بأنها إجابة مبسطة لا تفسر لنا شيئاً مهما أجبرتنا عواطفنا أن نتفوه بها. لذا من الأفضل أن نلحق بهم حتى أعتاب منازلهم.

بأرقام تقديرية بسيطة سيكون بإمكاننا أن نحل هذه المشكلة.

تقول الأرقام بأن المعدل العام للأجير البحريني هو 530 ديناراً في الشهر، بينما المعدل العام للأجير غير البحريني هو 240 ديناراً في الشهر. كما تقول التقارير العالمية (وأهمها تلك المنشورة من قِبل مجموعة بوستن الاستشارية) (2) بأن البحرين تعتبر البلد ذا أعلى كثافة للمليونيرات من بعد سويسرا، حيث من أصل كل 1000 عائلة في البحرين تكون 123 منها ذات دخل يزيد أو يساوي لمليون دولار أمريكي (ايّ 370 ألف دينار وما فوق). هذا يعني بأن 12% من الأسر البحرينية فقط كلها تتحكم بـ 70% من الثروة الخاصة في البحرين؛ وهذه المجموعة بحد ذاتها تتخالف من مجموعة تمتلك مليون دولاراً إلى آخرى تتأرجح ما بين 20 مليون دولار إلى 100 مليون (ايّ، ما بين 7 مليون ونصف دينار إلى ما يقارب 38 مليون دينار بحريني).

أما باقي هذه الأسر، إذا استثنينا منهم صغار الأثرياء (أولئك الذين يمتلكون دخلاً أقل من 370 ألف دينار)، فإنهم على الأرجح لا يتحكمون إلا بما هو أقل من 15% (رغم أنه ليس لدينا أي سبيل للتحقق من ذلك أكيداً). هذه الأرقام هي مهذبة رغم هولها، فهي في تفسيرها الأعمق لا تعني سوى شيئاً واحداً: الأثرياء (الكبار، والمتوسطين، والصغار) يتحكمون بـ 85% من الثروات، بينما الشعب العامل (العمال، والموظفين الصغار، وأصحاب المحلات الصغيرة، والأسر المنتجة، والعاطلون، وأصحاب الحرف بشتى أشكالها، والمزارعون) يتحكم بما هو أقل من 15% (3). هذه هي الحقيقة.

نحن نعلم بأن الحكومة تقدّر الإيراد السنوي لضريبة القيمة المضافة بما يقارب 483 مليون دينار، ولما كان كل الناس سواسية حسب البورجوازية حيث إنها جميعها تساهم في تشكيل هذه الإيرادات السنوية فأننا سنجد بأن نصيب الفرد في المساهمة يقارب 322 دينار في السنة لمجموع إيرادات ضريبة القيمة المضافة.

الآن دعنا نضع أنفسنا في مشهد خيالي: “أنا وأنت نتنزه في الشارع؛ لنقل في سوقٍ ما. هذا المسرح جامع لكل الشخصيات، والطبقات، والإثنيات، إلخ؛ هذه السوق التي كتب عنها مثقفونا الكثير من الهراء التاريخي. وقد تستذكر ما كتبه العظيم هولدرلِن يوماً تأليهاً لليل:

“الأرباح والخسائر تعدها العقولُ المشغولة
ثم تهدأ تنام السوق المكتظة
بلا ورود، بلا عنب، بلا حرف.. “

لكننا لسنا أمام جمالية فلسفية – شعرية مثل هذه، حاشا الله! في بحريننا بلغ السقم كل الأرجاء فلا شعر، ولا جمال، ولا فلسفة بقت. إننا أمام سوق عادية غير ملهمة مكتظة بكل أنواع البشر. وبدلاً من الموت، انتشلنا أربعة منها: أحدهما عامل أو موظف بحريني يعيل نفسه وأسرته بمجموع 6360 دينار سنوياً. ثانيهما عامل أو موظف غير بحريني، وقد يكون عاملاً آسيوياً، يعيل نفسه وأسرته الصغيرة (التي قد تكون خارج أو داخل البحرين) بمقدار 2880 دينار سنوياً. وإن سألناهما بكل ساذجة: أيكفيكم هذا المرتب؟ لأجابنا البحريني (وأنتم تعلمون جيداً معنى هذه الإجابة، إذ للشعب ”شفرات“ لا يفهمها إلا الشعب): “خلها على الله. الحمد لله على كل حال”، ولعل الأجنبي سيقول: “على الأقل في البحرين لا نموت جوعاً”. هل أيهما حر من الدّين، والاقتراض، والقلق الدائم، والخيبة؟

بعد ذلك نصادف الثالث. لعله تاجراً أم صناعياً أم مصرفياً، لا أدري، يزاول السوق إما ليبيع وإما ليشتري. يقول أانه يستطيع أن يتحكم (أقول يتحكم لئلا نخلط ما بين ما يسميه ماركس مداخيل الرأسمالي ورأسماله)، بما يقارب 7 مليون ونصف دينار بشكل سنوي ليصرفها على نفسه وأسرته وعلى الوسائل الاستهلاكية المترفة والضرورية. لكنه سرعان ما سيشعر بهول الفرق بينه وبين الاثنين اللذين سبقاه وقد يقول: “لكن لي مصاريفي الخاصة ايضاً! فعلاً إنها 7 مليون ونصف؛ لكن ألم يعلمنا كانط بأن 100 دولار في اليد ليست هي هي 100 دولار كمفهوم؟ أنتم تجردون هذه ال 7 ملايين ونصف عن مضامينها الحقيقية! أنظروا إلى الرابع من بعدي أنه يحصل على أضعاف ما أحصل عليه!”.

هنا نصادف الرابع الذي يتحكم بدوره بما يقارب 38 مليون ديناراً. إنه أكثر هدوءاً، علينا أن نقرّ، أكثر عقلانية متجاوزاً كانطية صديقه فيقول: “7 ملايين أو 38 مليون، إنها أرقامٌ تجريدية! ألم يعلمنا هيغل بأن التجريد النظري هو ألا ترى في المجرم سوى أنه مجرم؟ أليست ثمة تحديدات أكثر عمقاً وراء ملكيتي لهكذا ثروة؟ ألم أعمل واشقى واسعى ليلاً نهاراً من أجل هكذا ثروة؟”.

نقدّر التدخل الفلسفي لصديقنا الرأسمالي! لكن الجماهير نبضها الحياة لا الأفكار الجامدة هذه. أنتم تعلمون سلفاً بأن نصيب كل فرد في المساهمة الضريبية هو 322، ايّ نصيب متساوٍ؛ ولكن ليس لكل فرد دخلٍ متساوٍ. ستشكل، إذن، في هذا المشهد، نسبة الضرائب غير المباشرة بالنسبة إلى مدخول العامل البحريني 5%؛ بينما على العامل الأجنبي 14%؛ الرأسمالي الأول 0.004%؛ الرأسمالي الثاني 0.0008%. هذا يعني بأنه بينما يساهم العامل أو الموظف البحريني 5% من مدخوله السنوي، والعامل أو الموظف غير- البحريني 14%، للإيرادات الكلية لضريبة القيمة المضافة، فأن مليونيراتنا لا تساهم إلا بما هو أقل من 1% مقارنة بما تملكه من ثروات.

لنسأل أنفسنا: لماذا يتحمل أولئك الذين يتحكمون بأقل أو بما يساوي 15% من الثروة الخاصة في البحرين العبء الأكبر من الضريبة، بينما أولئك الذين يتحكمون بما يقارب 85% من هذه الثروة يتحملون العبء الأقل منها؟ مهما حاول الصحافيون التغني بالأخوة الوطنية، إلا إن الواقع يثبت بأن الرأسماليين أنفسهم لا يعترفون بهذه الأخوة فإنها لا تعدو كونها شعاراً واهياً. إن العامل البحريني، بهذا المعنى، أقرب في أخوته للعامل الوافد والأجنبي مما في أخوته للرأسمالي البحريني؛ إذ الأخير يستغلهما كلاهما معاً.

هكذا، إذا طالبنا بتقديم ضريبة تصاعدية على الدخل سنكون قد حملنا الرأسماليين عبء ضريبة القيمة المضافة بدلاً من الطبقات الشعبية. تخيّلوا لو رجعنا إلى المشهد الخيالي وفرضنا، على العكس، على الرأسمالي الثاني (بمدخول 38 مليون دينار) ضريبة على الدخل تصل إلى 14%، فأنه بذلك سيكون قد ساهم بما يقارب 5.3 مليون دينار لإيرادات القيمة المضافة. وإذا فرضنا على الرأسمالي الأول (صاحب 7 مليون ونصف دينار) ضريبة تصل إلى 10% فإنه سيكون قد ساهم بـ 750 ألف دينار لإيرادات القيمة المضافة. بينما العامل البحريني والأجنبي قد يدفعان ضريبة تصل إلى 1-2% فقط، ايّ 22 إلى 27 دينار سنوياً فقط (أو ما يقارب 2 دينار شهرياً فقط، مقارنة بـ 27 دينار شهرياً كما هو الحال الآن).

تعني الضريبة التصاعدية بأنه كلما ارتفع مدخول الفرد ارتفعت معه قيمة الضريبة التي عليه أن يسددها للدولة. أنا لا أغضّ النظر هنا عن الشرائح الأخرى من الطبقات الشعبية التي لها مدخول ميسور، لنقل 800 إلى 1000 دينار، ولا اتغاضى عن حقيقة أن هذه الشرائح أيضاً تعاني من القروض، والديون، والمصروفات الهائلة، إلخ. لنفترض بأن ضريبة الدخل المفروضة على هذه الشريحة هي 5%، سيعني ذلك بأن عليها أن تسدد ضريبة سنوية بمقدار 600 دينار (أو 50 دينار شهرياً)؛ وهذا لا يعدّ شيئاً يذكر أمام المدخول السنوي، إذ إنه بالإمكان تسديد هكذا مبلغ. دعنا لا ننسى بأنه على الرغم من أن هذه الشرائح ستدفع ضرائب أعلى بقليل، إلا إنها ستكون أمام سلع أرخص من قبل (حيث أن إلغاء القيمة المضافة سيعني إلغاء كل أشكال الضرائب غير المباشرة). كما الفائدة الاجتماعية وراء تطبيق الضرائب على المليونيريات سيرجع لمثل هذه الشرائح إذ إن المجتمع أصبح يغطي عجزه لنفسه. طبعاً هذا في الحالة المثالية التي تخلو مما نسمعه يومياً من “اختفاء” مفاجئ لأموال صناديق التأمينات الاجتماعية والتقارير المخيفة للرقابة المالية!

لماذا علينا معارضة الضريبة غير المباشرة، مثل ضريبة القيمة المضافة؟ الضريبة غير المباشرة لا تبين للطبقات الشعبية كيف تُدفع الضريبة سوى بأنها مفروضة بشكل تجريدي؛ إذ أنها متضمنة في سعر السلعة كما هي معروضة في السوق. فالسلعة حين تنتج، ايّ قبل أن تدخل السوق، تختزن قيمة معينة لا تظهر إلا بشكل سعر- الإنتاج (وهذا السعر هو نتاج سعر- التكلفة زائداً المعدل العام للربح). بعدها يدخل في قيمة مثل سعر-الإنتاج جزءاً من سعر- التكلفة التجارية (البيع بالجملة، البيع بالتجزئة، ايّ أسعار التخزين والنقل؛ في حدود أن هذه “الخدمات” لا تعدّ ضمن عملية-الإنتاج). بعدها تخضع السلعة إلى تقلبات العرض والطلب في السوق، وهكذا يكتسب سعر الإنتاج شكله الملموس اليومي كقيمة – السوق وكسعر- السوق. لكن مع الضريبة غير المباشرة، نجد بأن المجموع الكلي للضريبة يتوزع في كل مرحلة من هذه المراحل (4).

حين يدفع المستهلك قيمة السلعة زائداً قيمة الضريبة المضافة، فإنه لا يسدد 5% المفروضة على السعر النهائي للسلعة وحسب، بل تلك المفروضة على كل مراحل الإنتاج والتدوير. زد إلى ذلك حقيقة أنه يسدد ايضاً هذا الهامش الذي يؤمن الرأسماليون لنفسهم إياه (وهو يتفاقم مع الضريبة). يسدد المستهلك قيمة التغيرات التي تفرضها تحدثها ضريبة القيمة المضافة في سعر- الإنتاج وسعر- السوق في مثل الوقت؛ دون أن يدري متى تؤثر الأولى على الثانية، والعكس بالعكس.

لهذا السبب على الطبقات الشعبية أن تتوحد في ندائها: “دعوا الأثرياء يسددوا الضريبة!”.

إن الضريبة المباشرة تعظم من قدرتها على التحكم بأوضاعها مقارنة بالضريبة غير المباشرة التي تساهم في تجهيل وتلغيز الأمور وتفقير الطبقات الشعبية (5). إن هذا المطلب يقوي من وحدتها الطبقية، رغم أنه – أي هذا المطلب – بحد ذاته ليس اشتراكياً، بل بورجوازي. لكن الفرق يكمن: يطالب به البورجوازيون الصغار في حدود أنهم يطالبون بتحقيق “التوزيع العادل للثروات” (عبارة ليست لها أي صلة بالمبادئ الاشتراكية العلمية)، أما إذا حمله الاشتراكيون فإنهم لا يفصلوه عن استنتاجاته النهائية إذ حتماً سيصلون إلى التجريد الكلي للرأسماليين من وسائل إنتاجهم. لا يستطيع أن يتقدم الاشتراكيون بهذا المطلب في برنامجهم دون ربطه بضرورة تقويض الرأسمالية. أما البورجوازيون فإنهم يقفون عنده في حدود “إصلاحيته”، ناقصاً كل استنتاجاته النهائية.

إذن، يحمل هذا المطلب المصغر الذي يعمل ضمن إطار بورجوازي المطلب النهائي الأعظم وهو: تشريك الوسائل الإنتاجية عبر تجريد الرأسماليين من الوسائل الإنتاجية.

لهذا السبب على الاشتراكيين أن يتبنوا هذا المطلب في دعوتهم الاشتراكية، ايّ نحو: “إلغاء كل شكل من الضرائب غير المباشرة على الشعب وتحميل الأثرياء العبء الضريبي، وذلك عبر تطبيق صارم لسياسة الضريبة التصاعدية على الدخل وإلغاء ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية.”

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:

((1): مثلاً كتبتُ في مقالي (العمالة الوافدة في أزمة كورونا) بشكل نسقي جداً: “افترضُ بأن شكل إقتران عناصر نمط الإنتاج الرأسمالي في البلدان الكولونيالية … هو مميز نوعياً عن شكل إقتران نمط الإنتاج الرأسمالي في البلدان التي أصبحت امبريالية. إقتران مميز سمح لتسيد العلاقات الإنتاجية الرأسمالية فيها في حقبة مميزة جداً من الرأسمالية؛ مرحلة الصناعة التبعية، ولما كنت افرق، تبعاً لماركس، ما بين الافتراضات-المسبقة المنطقية [voraussetzung] والافتراضات-المسبقة التاريخية [historische Bedingungen]، فإنني بطبيعة الحالة لا افترض الظروف التاريخية العرضية في المفهوم المنطقي لمفهوم رأس المال الكولونيالي؛ أنه يتضمن هذه الظروف، أو الافتراضات، التاريخية كأمر واقع في مفهومه. على ذلك أفهمُ بأن رأس المال الكولونيالي يتميز مفهومياً بأنه يتضمن إتجاهين متعارضين ذا معدلين تراكمين… غير متكافئين: إتجاه كومبرادوري (وفي ذلك أعني رأس المال التبعي الذي تكون دورة إنتاجه، وبالتالي قيمته الزائدة، تابعة بشكل مذيل لرأس المال الامبريالي) وإتجاه محلي (وفي ذلك أعني رأس المال الذي تكون دورة إنتاجه، وبالتالي قيمته الزائدة، محلية). ولأن هذا التعارض الداخلي دائماً حاضراً، بمعزل عن الظروف التاريخية الملموسة، فإنني افترض بأن رأس المال الكولونيالي يتميز بالتوسع المحدود داخل بنيته الاجتماعية وخارجها (على العكس من توسع رأس المال الامبريالي غير المحدود)”.

عقيل، هشام. العمالة الوافدة في أزمة كورونا. المنبر التقدمي
: https://www.altaqadomi.org/?p=8837

(2): الثروة العالمية 2020: أصحاب الملايين يستحوذون على 68.8% من الثروة في البحرين في عام 2019. صحيفة الأيام
: https://www.alayam.com/online/Economy/865131/News.html

(3): بلا شك الأرقام ليست دقيقة بالمطلق بل تقريبية واستعراضية. الأرقام تقدّر بأن مجموع الثروات الخاصة في البحرين يبلغ 20 مليار دينار، وإذا جابهنا هذا الرقم بما يُمكن تقديره بشكل عام وتجريدي لمداخيل الشعب العامل (ايّ، إذا ضربنا الأجر السنوي العام للعامل الأجنبي بعدد العمال الأجانب، وضربنا الأجر السنوي العام للعامل البحريني بعدد العمال البحرينيين وجمعنا العددين معاً) بـ 2.7 مليار دينار. أنا متأكد بأنه ما إذا توفرت أرقام حقيقية ونزيهة لأوضاع الناس، سنجد بأن ما يتحكم به الشعب العامل فعلاً يقل عن 10%. لكن هذه الحدود التقريبية التي يُمكنني عرضها لأغراض استعراضية بحتة لا إمبريقية.

(4): مثلاً، جزءٌ منها يحسب على سعر- الإنتاج وجزءٌ آخر على سعر- الإنتاج زائداً السعر- التجاري. لنفترض بأن سعر- الإنتاج، ايّ قيمة السلعة مباشرة بعد إنتاجها في المصنع، يساوي 40 ديناراً. تباع هذه السلعة للموزع الذي في العادة سيسدد 40 ديناراً، ولكن مع تطبيق الضريبة سيكون عليه أن يسدد 5% إضافية، ايّ ما قيمته 42. هذه الأخيرة تكون سعر البيع. سيكون على الرأسمالي الصناعي أن يسلم الدينارين إلى الحكومة لتدخل ضمن إيرادات القيمة المضافة. الآن ليؤمن الموزع لنفسه هامش ربح لنقل إنه وضع هامشاً بنسبة 100%، ايّ سيكون سعر السلعة 80 ديناراً. هكذا، حين يبيع السلعة لبائع بالتجزئة سيضيف إليها القيمة المضافة، ايّ سيبيعها بمقدار 84 ديناراً. دعنا لا ننسى بأن الضريبة المفروضة على الموزع يمكن حسبها عبر خصم الضريبة التي دفعها حين اشترى السلعة من المصنع، ايّ دينارين، والضريبة التي سيتحصلها من بيعه مثل السلعة لبائع التجزئة، ايّ 4 دينانير. إذن، يكون نصيب الحكومة هو ديناران. أخيراً، تكون السلعة الآن في يد بائع التجزئة، وهو بدوره بحاجة ليؤمن لنفسه هامشاً للربح، ولنقل بإن هذا الهامش هو 50% من قيمة السلعة التي اشتراها، بالتالي سيكون سعر السلعة 120 ديناراً. ولكي يعرضها للسوق للمستهلك العادي سيضطر أن يبيعها بـ 126، ويسدد للحكومة دينارين. إذن، مجموع إيرادات الحكومة 6 دنانير من العملية كلها.

(5): كتب ماركس في (إرشادات لممثلي المجلس العام الانتقالي لجمعية العمال الأممية): “مهما أصلحنا الشكل الضريبي فإنه لن يحدث أي تغيير مهم في علاقة رأس المال بالعمل. لكن إن كنا مخيرين بين نظامين من الضريبة فنحن نقترح الإلغاء الكلي للضرائب غير المباشرة واستبدالها بالضرائب المباشرة. وذلك لأن الضرائب غير المباشرة تعظم من أسعار السلع؛ حيث سيضطر التجار أن يضيفوا الفائدة والربح على رأس المال بالإضافة إلى مقدار الضريبة غير المباشرة. كما أن الضرائب غير المباشرة تصبح مصدر تلغيز إذ إن الفرد يجهل ما يسدده بالضبط للدولة، بينما الضريبة المباشرة غير ملغزة، غير مبهمة، يُمكن للكل أن يفهمها بلا صعوبة. تساهم الضريبة المباشرة في تمكين الأفراد من التحكم بالسلطة بينما الضريبة غير المباشرة تدمر كل نزعة نحو الحكم-الذاتي.”
Marx, Karl. Instructions for the Delegates of the Provisional General Council. Marxists Internet Archive.