المنشور

جولة بايدن الأوروبية

تبدو جولة بايدن الأوروبية ليست مجرد محاولة لإعادة الدفء إلى العلاقات الأمريكية الأوروبية، بل هي محاولة لإقناع الأوروبيين وغيرهم من الحلفاء بالإنضمام بشكل فعال للولايات المتحدة في الحرب الباردة الجديدة التي تنوي خوضها.
وإذا كانت الحرب الباردة القديمة كانت ضد عدو واحد هو الاتحاد السوفيتي فإن الحرب الباردة الجديدة التي يستعد لها الرئيس الأمريكي ستكون مع عدويين: الصين وبصورة أقل روسيا.
الغرض المعلن من جولة بايدن الأوروبية هو تعزيز هذا الأمر. في مقالٍ نُشر في صحيفة “واشنطن بوست” عشيّة رحلته، تحدث الرئيس عن التزام “متجدد” و”ثابت” بالعلاقة عبر الأطلسي، تقوم على “القيم الديمقراطية المشتركة”.
في الواقع، ترى واشنطن أن موسكو قوة متراجعة تعوض عن نفوذها للتقلص من خلال توجيه الضربات حيثما أمكن، والتسبب في الأذى وبث الفتنة، يُنظر إلى بوتين على أنه مصدر ازعاج وليس منافساً، هذا ما ذكره موقع “Arabic post” ولكن لا ينظر الأوربيون إلى الصين باعتبارها المنافس الند مثلما تُنظر إليها واشنطن، ولا يزالون أكثر اعتماداً على الصين وروسيا في التجارة والطاقة، مقارنة بالولايات.
ويشعر البعض بالقلق من أن مسعي بايدن لتعريف العالم باعتبارها منافسة بين الديمقراطية والسلطوية، هو نظرة ترى العالم من منظور أبيض وأسود أكثر من اللازم حسبما ورد في تقرير صحيفة The New York Times. تعلق صحيفة “الغاردين” البريطانية قائلة “لا ينبغي للدول الأوربية أن تتوقف فترة طويلة إذا كان الخيار هو الإنحياز إلى واشنطن أو بكين، من السهل حشد الاستياء من التبجح العالمي للولايات المتحدة والإشارة إلى النفاق في ادعائها بأنها منارة للحرية السياسية لكن البديل هو دولة ضد الديمقراطية”.
لو كانت الصين دولة فقيرة لكانت مهمة بايدن أسهل، لكن الفجوة الاقتصادية بين القوة العظمى القائمة والمنافس تتضاءل بالنسبة للفرد لايزال الأمريكيون في وضع أفضل ، لكن الصين يمكن أن تتفوق على الولايات المتحدة في الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية هذا العقد.
مع هذا الثقل الاقتصادي تأتي القدرة التكنولوجية الرائدة عالمياً عبر التطبيقات العسكرية المتقاطعة مع الحياة المدنية التي تجعل البنتاغون لا ينام.
عندما تمّ إنشاء مجموعة السبع في السبعينيات كانت عضويتها مجتمعة – الولايات المتحدة – كندا – بريطانيا – وفرنسا – المانيا – إيطاليا – واليابان- تمثل بشكل مريح حصة كبيرة من الثروة العالمية، كان هناك ارتباط طبيعي للمؤسسات الديمقراطية الليبرالية والنجاح الاقتصادي، اليوم انخفض الناتج الإجمالي المحلي. لايزال الغرب ثرياً لكنه لم يكن القائد الوحيد.
تمنح الأموال الصينية أوروبا حوافز تجارية، الصين هي أكبر سوق تصدير لألمانيا، رحب أعضاء الاتحاد الأوربي بالاستثمار الصيني في البنية التحتية والشركات على الرغم من أن المخاوف تتزايد بشأن الخيوط السياسية الداخلية والأبواب الأمنية. تمّ تجميد اتفاق تجاري ضخم بين يروكسل وبكين تمّ توقيعه العام الماضي (الأمر الذي اثار استياء واشنطن)، في الوقت الحالي كجزء من نزاع متبادل بشأن الانتقادات الأوروبية لحقوق الإنسان في الصين.
لكن حكومات الاتحاد الأوروبي ببساطة لا تشعر بأن الولايات المتحدة مُلحّة لاحتواء الصين، هناك اختلاف مفاهيمي ايضاً على حد تعبير أحد الدبلوماسيين، فإن أوروبا لا تحب ما تفعله الصين، لكن الولايات المتحدة لا تحب ما أصبحت عليه الصين، ففكرة استبدال الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى في القرن الحالي هي فكرة مروعة ممن الناحية الوجودية لواشنطن.
تضاعف ظاهرة دونالد ترامب القلق في الغرب، وتلقى بضلالها على جولة بايدن الأوروبية حتى بعد خروج ترامب من البيت الأبيض، لقد كانت تجربة ترامب قريبة من الموت للنظام الدستوري في أمريكا، وتلميح لنموذج سياسي واقتصادي بدأ وكأنه لا يقهر في فجر القرن الحادي والعشرين.
يقول توماس كلاين نائب رئيس مركز “صندق مارشال الألماني” انهم يخشون من إمكانية تكرار الأمر، ومن أنّ أمريكا تغيرت، ومن أن بايدن هو مجرد “فاصل بين رئيسين أكثر شعبوية وقومية، ويضيف: “إنهم يعلمون أن سياسات بايدن ستكون مرفقة سراً بفواتير التزامه ب “سياسة خارجية لأجل الطبقة الوسطى”. وأشار مختصون في السياسة الخارجية إلى أنّ عقيدة بايدن عن وضع حدّ “للحروب اللانهائية” وحماية العمال الأمريكين من المنافسة ستتطلب التزامات اقتصادية وعسكرية جماعية من دول الاتحاد الأوروبي.
في جولته الأوروبية حثّ بايدن الاتحاد الأوروبي على اظهار القوة في التضامن، لأن احتمالية الإنقسام والتراجع وتشوية سمعة الديمقراطية أصبحت أكثر واقعية مما كانت عليه في أي وقت في حياته المهنية التي استمرت خمسة عقود في واشنطن.
نجح بايدن بالصبر والدبلوماسية والحديث اللطيف في أن يكسب جمهوراً ممتناً في أوروبا، ولكن هذا لا يعني أنه نجح في تحقيق هدفه. إنه لا يطير عبر المحيط الأطلسي لينغمس في الحنين إلى التحالفات التي انتصرت في الحرب الباردة الأولى، وأنه يقوم بتجنيد المجندين للحرب الباردة الجديدة من خلال تأسيس تحالف ضد الصين وروسيا.