المنشور

جواد العكري .. شمعة الجِيّل “السجن”

لم يكن يوم الأربعاء 23 يونيو 2021٢٣ كأي يوم، فقد حملت رسائل الهاتف وقت الظهيرة رسالة تقول “جواد العكري في ذمة الله”.. نزل الخبر عليّ كالصاعقة بالرغم أنني كنت مُتابعاً لوضع المرحوم جواد طوال فترة مرضه.

استعدتُ شريط الذكريات ومن أين أبدأ، فالعلاقة مع أبوالجود كما يحلو لنا تسميته ليست علاقة نسب عائلي فحسب، ففضلاً عن إنه إبن الخال وإبن العمة، فهو الصديق والرفيق.

نهاية عام 1973، عاد جواد العكري من سوريا بعد تخرجه من جامعة دمشق، كلية التجارة – قسم المحاسبة التي التحق بها عام 1969، عاد إلى لوطن مُحملاً بآمال واحلام، بيت، عائلة، فضلاً عن خدمة الوطن وقريته الديه وأبناء قريته من خلال النادي، فترشّح لمجلس إدارة النادي ونال ثقة الأعضاء وتبوأ منصب أمين السر العام (السكرتير).

شرع مع الأخوة في مجلس الإدارة واللجان العاملة في تنظيم الدورات الثقافية والنقابية للأعضاء لتطوير العمل بالنادي، كما تمّ تشكيل لجنة خاصة لإعداد دستور متطور للنادي وجرى إقراره والتصديق عليه من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وقد استعانت الكثير من الأندية في البحرين بهذا الدستور كنموذج يُحتذى به.

وقتها كان نادي الديه شعلة على الصعيد الثقافي والفني فضلاً عن الجانب الرياضي ونشاط صيفي للأطفال، حيث قدّمت المسرحيات الهادفة وتمّ إصدار مجلة دورية حملت عنوان” الطريق الجديد” استقطبت الكثير من الأقلام في البحرين، بينما كان الوطن يعيش حالة من النهوض السياسي مع بدء الحياة السياسية وانتخاب المجلس الوطني (البرلمان) في ديسمبر 1973.

ولكن كما يقول الشاعر، “ما كل ما يتمنى المرء يُدركه، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنُ”، ففي 23 أغسطس 1975، ومع تدهور الأوضاع السياسية على إثر صدور قانون أمن الدولة، جرت حملة اعتقالات طالت كوادر من الحركة السياسية وكان جواد العكري من ضمن الذين تم اعتقالهم، وقد تلاها حل المجلس الوطني بتاريخ 26 أغسطس ، أي بعد أيام من الاعتقالات.

ظلّ جواد وبعض الأخوة رهن الاعتقال حتى أفرج عنهم حتى 16 يونيو 1976. وبين نوفمبر وديسمبر من السنة نفسها جرت حملة اعتقالات جديدة طالت ناشطين من الحركة الوطنية، ويُعاد اعتقال جواد ضمن الحملة في العاشر من ديسمبر من تلك السنة ديسمبر، ويستمر الاعتقال هذه المرة سبع سنوات عجاف حتى ديسمبر 1983.

أتذكر حين التقيته في 10 ديسمبر 1976، قال لي “حملة الاعتقالات امتدت لتشمل عباس هلال وأحمد مطر والدكتور جعفر طريف وآخرين..”وأردف: “إن دورنا في الطريق..لقد جهزتُ حقيبة اليد بالحاجات الضرورية”..وتوادعنا.. وبالفعل ففي اليوم التالي وما أن حلّ الصباح وإذا بالخبر يتناقل في القرية. لقد تمّ اعتقال جواد العكري، بعد يومين من اعتقاله جرى اعتقالي والتقينا معا في سجن سافرة الصحراوي.
بعد اطلاق سراح الرفيق المناضل أحمد الذوادي في ديسمبر1979، زرته للسلام عليه، سألته كيف أمور الأخوة؟، أجابني: كلهم بخير ويبلغونكم السلام، بادرته وكيف أمور أبو الجود، فردّ أبو الجود شمعة “الجِيّل” ويعني بها السجن.

من جهته يقول الدكتور عباس هلال صديق المرحوم جواد ورفيق دربه مرحلة الدراسة الجامعية والإعتقال وبعدهما: “جواد مُناضل أشعل عتمة السجون بالنور والبهجة”، أما الأخ عادل العسيري في نعيه للمرحوم فيقول: “الراحل بومحمد رفيق النضال الطلابي في أهمّ مراحله، رفيق المعاناة في زنازن القلعة وجدا وجو، رفيق درب تعجز الكلمات عن الحديث عن المشترك معه”.

الأخت نوال عبدالله غرّدت على تويتر”: “بالأمس ودعنا أخينا العزيز جواد العكري الذي عرفناه نقابياً طلابياً له اسهامات كبيرة في مسيرة الحركة الطلابية البحرينية وظل مخلصاً للقيم النضالية التي رافقت مسيرته الوطنية الزاخرة بالعطاء ودفع ضريبة ذلك اعتقالاً وسجناً لسنوات طويلة”.

بدوره نعى فيصل العرشي زميل الدراسة الراحل الرفيق جواد العكري بالقول “ببالغ الحزن أنعي الأخ الغالي جواد العكري (أبومحمد) الإنسان الذي فاقت العلاقة بيننا مستوى الصداقة، بل فاقت مستوى الأخوة، لقد كنّا رفاق درب، وهذا النوع من العلاقات الإنسانية بالذات له طعم آخر لا يعرفه إلا من يُجربه، لقد فقدنا اليوم الصديق والأخ والرفيق الذي لن ننساه ما حيينا”.

الدكتور عباس هلال في مقال نُشر بمجلة ” ديلمون بوست” الالكترونية، يذكر “جواد العكري من مؤسسي رابطة طلبة البحرين في دمشق ومِن مؤسسي فرع اتحاد الطلبة وشارك في المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني لطلبة البحرين الذي عُقد في دمشق في فيراير 1972، وانتخب عضواً في المجلس الإداري وعضواً في الهيئة التنفيذية عام 1973 لمنصب شؤون الثقافة والإعلام. مثلّ الاتحاد في عدة مؤتمرات طلابية وشارك في مهرجان الشبيبة العالمي، برلين، صيف 1973. نعم هكذا هو جواد، يشعرك بالأمل والتفاؤل في أحلك الظرووف”.

من المواقف المؤثرة والمحزنة في حياة المرحوم جواد أثناء فترة الاعتقال، حادث حريق تتعرض له العمة أم عبدالنبي وتتعرض لحروق بليغة، يُسمح لجواد بزيارة والدته في المستشفى ولكن بعد أن توفت لم يُسمح له حضور مراسم التشييع والعزاء..

العزيز أبوالجود، ستظلّ في الذاكرة. كلماتك التي كانت تخلق المرح والفرح ستظل تُذكرنا بك، أصدقاؤك ومحبوك صاغوا كلمات تعكس حجم المحبة التي يحفظونها لك. أبو الجواد أنت عنوان للطيبة.

نم قرير العين.. ولروحك الطمأنينة والسلام.