المنشور

“فرجان لوّل” *

نعيمة السماك
كنت أمنى نفسي بأن اشتري منها مجموعة جديدة من البهارات، التي اعجبتني وأحببتها. وقلت سوف أشتري كميّة، لأني أريد ان اهدى اخواتي شيئاً من بهاراتها الطيبة. اترقب بين حين وآخر وأعاود ارسال طلبي عبر “واتس اب”، ولا اتلقى أي رد. ساورتني الشكوك. همس صوتٌ داخلي، ماذا بها؟، لماذا لا ترد على رسائلي؟، ولا حتى على الهاتف! أتراها مصابة أم في حجر! فكأني بهذا الداء لم يوفر أحدأً من شرّه. وبعد مدة انتظار تجاوزت الأسبوع عاودتُ الاتصال. أيضا لم اتلق أي رد.
لم أيّأس. اعدت ارسال “مسج” جديد. وهنا جاءني الرد حاسما قاصما فاجعا: لم نعد نعمل توقفنا. الوالدة في ذمّة الله، انا ابنها. أسقط في يدي. وهنا فقط عرفت لماذا تأخرت وتعطلت كل الردود المرتقبة منها. لا يمكنني أن أصدّق ان بهذه القسوة والسرعة يمكن ان تنتهي حياة إنسان؛ كيف؟ متى؟ لا أعرف.
كل ما أعرفه الآن أنك أمام حقيقة واحدة هي حقيقة الموت الفاجع أياً كانت الأسباب. “كورونا” تنمر واستشرس على مدى شهر ونصف تقريبا في خطف الأرواح، وأفجع عوائل كثيرة في البحرين وبخاصة خلال شهري مايو ويونيو الماضيين.
في العام الماضي، 2020، لم يكن عدد الإصابات فاجعاً كما حدث قبل شهور قليلة، وكان عدد الوفيّات محدوداً. اما ما حدث بعد ذلك فهو خارق للتوقع، قاصم للروح. اما متى سينتهي هذا الوباء اللعين من العالم فالعلم عند الله وحده.
آخر مرة التقيتها كانت في رمضان الماضي عندما ذهبت لاستلام “طلبيتي”. من أمام باب بيتها كانت هاشة باشة وفي منتهى الحيوي. ولم يخطر ببالي أنها ستتوفى بعد شهر. وهذا كان حال الكثيرين من شباب هذه الأرض الذين غادرونا سريعاً بل سريعاً جداً بدون أي مقدمات.
ما شهدناه في مايو ويونيو الماضيين لا يمكن لعقل أو قلب أن يُصدّقه. فجعنا في أحبة كثيرين وفجع اهاليهم فيهم. كان الموت أحيانا يخطف أكثر من فرد في العائلة في فترة وجيزة أو متقاربة. لا تسمع نبأ موت أحدهم الا ويكون سبب الوفاة: كورونا. يعجزون عن التنفس، فيطلقون صرخاتهم الأخيرة من غرف العناية المركزة (لا أستطيع التنفس)، ويغادرون.
كيف يصبح أرخص شيء في هذا الكون هو أغلى شيء في هذه الحياة. الهواء الذي يوجد مجاناً في الطبيعة يصبح أغلى شيء، حين يجهز “كورونا” على قدرة الإنسان على التنفس!

*”فرجان لول” اسم حساب الإنستجرام للمتوفية