المنشور

تجليات الوهن.. !!

تجليات الوهن.. !!

 

-1-

ها قد عدنا مجددًا إلى تقليب صفحة نكدٍ وتقليب المواجع بمجرد الإعلان عن فحوى التقرير الجديد لديوان الرقابة المالية والإدارية..!! وهو التقرير الذي لو صدر مثله في أي بلد آخر لفجَّر العديد من الأصداء والتداعيات ولما خرج مسؤولون كثر بسلام، وهذا كلام نكرره على خلفية كل تقرير يصدر..!!

لذلك نقول إننا لا نعلم، ولا أحد يعلم متى يحين أوان الجدية اللازمة في مسألة التعاطي مع هذا التقرير..؟ ولا متى ندرك تبعات هذه المراوحة التي استحكمت الى درجة مذهلة، وهو أمر سيئ ومقلق ومخجل ومؤسف في آنٍ واحد، سيئ لأن ما يحدث يمثل هتكًا لأبسط قواعد المسؤولية العامة خاصة تلك التي تكررت واتسمت بجرأة غير معهودة، ومقلق لأنه يهز ثقة المواطن في أمور كثيرة حين يشعر بأن ثمة سكوت على أسباب ومصادر ما يكشف عنه ديوان الرقابة في تقاريره، ومخجل حيال هذه السلبية للمدى الذي بلغه التسيب والإهمال وسوء الإدارة والهدر في المال العام وكل العلل التي لم تُجابه بالحسم والردع اللازمين، ومؤسف حين نجد من يفترض في المواطن الغباء والبلاهة حين يراد له أن يصدق هذه المعزوفة من الكلام الجميل والوعود البراقة التي تعد تارة بالنظر والمتابعة لـ «الملاحظات» الواردة في التقرير، وتارة أخرى ومن طرف النواب بالمساءلة وبمشاريع لجان تحقيق لا تُشَكَّل وإن تشكلت لا تؤدي الى نتيجة،، وكأننا أمام حرب أشباح..!! وخطير لأن الفترة الحساسة الراهنة تضع السلطتين التنفيذية والتشريعية أمام امتحان جدية ومصداقية في آنٍ واحد..!!

اللغط حول التقرير الجديد بدأ، وقد يستمر أسبوعًا أو اثنين وربما أكثر في أوساط الناس ومواقع التواصل، أما النواب فقد ألفناهم شخصيات استثنائية يمتلكون فائض قوة في التلطي وراء مقولات مكررة يرددونها وشعارات سئمنا منها، بل وجدناهم حتى في مواقف متناقضة، فقد نشرت بعض الصحف المحلية بعد أيام من صدور التقرير تصريحات لنواب، منهم من أكد أن الخيارات مفتوحة أمام النواب للتعامل مع المخالفات، وهناك من لوَّح بمساءلات واستجوابات وبإحالات للنيابة العامة، وآخرون دعوا الى وقفة جادة إزاء هذا الملف، وباسترجاع الأموال المهدرة ومحاسبة المسؤولين، ووجدنا أحدهم يعلن أن ما جاء في التقرير الجديد من مخالفات يشكل صدمة، ولكننا في الوقت نفسه وجدنا من اختلف معهم وامتلك جرعة من الصراحة ليعلن أن مجلس النواب غير قادر على التحقيق في المخالفات وهو من الضعف بحيث لا يستطيع أن يفعل شيئًا، وإجمالاً فإن كل ردود فعل النواب متوقعة ومألوفة ولا تخرج بالنهاية عن كونها ظاهرة صوتية ليس فيها ما يستهوي الناس ولا ما يثير انتباه أحد او اهتمامه، ولا يؤدي الى نتيجة تشفي غليل الناس الذين يجدون أنفسهم وعلى الدوام بأنهم أمام منظومة من الوعود والتعهدات لا نعرف لها سقفًا ولا حدودًا والتي لا يتحقق منها شيء، أما مؤسسات المجتمع المدني فهي عاجزة عن القيام بفعل شيء معتبر وكأنها راضية بالمقسوم.

إن ذاكرة المرء لا تستطيع أن تنسى كيف كانت أصداء وردود أفعال الوزارات والجهات الرسمية الوارد ذكرها في تقارير سابقة لديوان الرقابة على مدى سنوات مضت، حيث كانت تتسابق وعلى وجه السرعة لنشر ما يفند او يصحح ما جاء بشأنها في كل تقرير، أما اليوم فما عادت هذه الوزارات والجهات تعير أدنى اهتمام بالرد والتوضيح، باتت تلتزم الصمت المطبق، في موقف لا يمكن تفسيره إلا بأنه استهانة بالغة بالرأي العام واستفزاز مدهش له..!! وهما يتعاضمان – الاستهانة والاستفزاز – حين تتكرر الأخطاء والتجاوزات الفجة، وحين نظل نتحدث عن أخطاء دون مخطئين، وتجاوزات دون متجاوزين، وفساد دون فاسدين..!! هل علينا أن نذكر بأننا أمام ملف يتصل بمصلحة وطن وخير شعب..

-2-

أخيرًا، ظهر نائب، نائب واحد فقط لا غير، ليوجه سؤالاً عن الاستراتيجية المتبعة للحفاظ على اللحمة الوطنية، وتجنيب البحرين آثار الصراعات والفتنة الطائفية..

ها قد وجدنا نائبًا بعد أن لعبت بنا الهواجس والظنون – رغم أن بعض الظن إثم – وبعد أن وجدنا المجلس النيابي وقد ضنعلينا وضع هذا الملف في صدارة أولوياته واهتماماته، وكأن الفخاخ والمخاطر التي واجهناها ولانزال، فخاخ ومخاطر الشقاق والانشطار والتفرقة والنعرات، وتلويث واقعنا بملوثات الطائفية والمذهبية وتسهيل الانخراط فيها وتكريسها لا نبذها وتجاوزها، لا تستحق أن توضع في صدارة الأولويات..!!

لعله قدرنا أن نجد من يفترض أنهم يمثلوننا وهم يتلكؤون في القيام بواجبهم كما يجب في التصدي لهذه المخاطر، لم يتبنوا المبادرات والمشاريع والتشريعات التي تحافظ على الوحدة الوطنية، وتجعل المساس بها خطًا أحمر، وأحسب أن هذا أمر وضح للجميع، بقدر ما وضح للجميع أن كلمة الوحدة الوطنية، والمصلحة العامة، والتسامح، وغيرها من الكلمات تكاد تفقد مضامينها لكثرة ما تدولناها وأسأنا استغلالها في غير مواضعها الصحيحة، وصارت كلمات، كلمات، كلمات، ولذلك لم يكن غريبًا في هذه الأجواء والمناخات أن نجد من يتحدث عن الوحدة الوطنية وهو يضربها في الصميم، ونجد من يرفض الطائفية وهو يمارسها من الباطن، ونجد من يحدثنا عن المصلحة العامة وهو لا يعرفها إلا حين تحقق مصالحه.. كلهم بشكل او بآخر يوجهون شديد الازدراء ويعملون على تضييق أفق كل ما يزعمون الدفاع عنه..!!

هل ندرك أن هؤلاء مكمن خطر وأحد منابع الداء والبلاء ونصب الكمائن لنا جميعًا..

 

-3-

ربما لم يسمع البعض بمناسبة اليوم الدولي للتسامح الذي يصادف غدًا الأربعاء، السادس عشر من كل عام، للعلم والإحاطة، هي مناسبة دعت اليها الأمم المتحدة في 1996 وتبنته اليونسكو في 1995 وأعلنت حينها المبادئ المتعلقة بالتسامح وتمثلت في نشر ثقافة التسامح عبر إرساء المبادئ والممارسات التي تخدم نمو هذه الثقافة في المجتمعات والدول، من خلال نشر التسامح والوسطية والاعتدال ونبذ العنف والعنصرية والفردية الضيقة والكراهية والطائفية واحترام حقوق الإنسان وحرية الفكر والعقيدة والديانة والانفتاح على الآخرين وتشجيع التفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات والشعوب.

لسنا في وارد التذكير بالمناسبة الدولية، ولا بتلك القيم والمبادئ التي تحملها، ولكن المطلوب قبل أي شيء آخر الأخذ بتلك القيم والمبادئ والالتزام بها، سلوكًا وعملاً وقيمة أكثر من أي وقت مضى أمام تنامي كل صور التطرف والتعصب واتساع الصراعات والحروب التي لا تعطي أي اعتبار او قيمة لمعنى الإنسان والإنسانية، مع قناعتنا أن فكرة التسامح لا تحتاج الى قرار من الأمم المتحدة، بل هي قبل كل شيء تربية وتعليم وسلوك والتزام وطني..