المنشور

اللغز الاقتصادي في «ربيع» ليبيا

بعد 14 سنة من مماطلة في التمويل لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أصبح لدى الأفارقة نظام اتصالاتهم الذي يربط القارة بالهاتف والبث التلفزيوني وتطبيقات تكنولوجية أخرى مثل التعليم عن بعد والصيدلة الدوائية السلكية .

سعت إفريقيا لإنشاء نظامها القاري الخاص بها في مجال الاتصالات بشراء قمر صناعي للاتصالات في 26 ديسمبر/كانون الأول 2007، فساهم البنك الإفريقي للتنمية ب 50 مليون دولار من اجمالي قيمته البالغة حوالي 400 مليون دولار وبنك التنمية لغرب إفريقيا ب 27 مليون دولار، وساهمت ليبيا التي وقفت وراء المشروع ب 300 مليون دولار.
وبعد 14 سنة من مماطلة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتمويل هذا المشروع، أصبح لدى الأفارقة نظام اتصالاتهم الذي يربط القارة بالهاتف والبث التلفزيوني والإذاعي وتطبيقات تكنولوجية أخرى مثل التعليم عن بعد والصيدلة الدوائية السلكية.
وقد وفر هذا المشروع على إفريقيا 500 مليون دولار كانت تدفعها سنويا لشركات البث الفضائي الأوروبية، وحرم البنوك الأوروبية من تمويلات هذه القروض وفوائدها.
بالتوازي كان الرئيس الليبي الراحل يسعى لإنشاء نظام مصرفي عابر للقارة الإفريقية قائم على قاعدة الذهب وعملته الدينار الذهبي الليبي مسنوداً، بالإضافة إلى احتياطيات ليبيا من النقد الأجنبي البالغة آنذاك 150 مليار دولار، ب 143 طناً من الذهب ومثلها تقريباً من الفضة، بغية تحرير اقتصادات القارة من التبعية للفرنك الفرنسي والدولار الأمريكي. وكان قد مهد لتلك الخطوات منذ عام 2003 باتخاذ سياسات لترميم صورته وصورة نظامه في الغرب بالمشاركة في جهود مكافحة الإرهاب والتخلي طوعاً عن مخزون سلاحه الكيماوي وإنشاء صندوق لتعويض ضحايا رحلة طائرة بان آم الأمريكية رقم 722 التي اتهمت ليبيا بإسقاطها. وفي ديسمبر 2007 سافر إلى باريس والتقى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حيث منح فرنسا عقوداً بقيمة 15 مليار دولار في صورة مفاعلات لإنتاج الطاقة النووية ومعدات عسكرية وصفقات تجارية. كما كشف النقاب في عام 2012 عن أن القذافي مول جزئياً (50 مليون يورو) حملة انتخاب ساركوزي في عام 2007. وهو ما كشفت عنه تحقيقات مجموعة «ميديا بارت» الإعلامية في 12 مارس/آذار 2012 ونفاه ساركوزي بشدة لأن هذه التهمة كفيلة بإرساله إلى السجن.
لم يكتف القذافي بشراء سكوت ساركوزي عن مشروعيه الطموحين، وإنما استقبل وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في طرابلس في سبتمبر/أيلول من عام 2008 والتي صرحت من هناك بأن علاقات البلدين دخلت «مرحلة جديدة».
ولكن في فبراير 2009 انتخب القذافي رئيساً للاتحاد الإفريقي ولمح لمشروع النظام المالي الإقليمي للقارة. وفي نفس العام أبرم صفقة أسلحة مع روسيا بقيمة 1.8 مليار دولار. وفي ذات العام، وتحديداً في 12 مارس آذار 2009 أعاد ساركوزي فرنسا إلى عضوية الناتو.
وكما صار معلوماً، ففي أعقاب «ربيع تونس» مباشرة، اندلعت في ليبيا احتجاجات تطالب برحيل القذافي. وفي 20 منه اتهمت الحكومات الغربية القذافي باستخدام الطيران لقتل 300 مدني في طرابلس، فوجد ساركوزي في ذلك فرصته لمحو أي أثر لفضيحة الرشاوي الانتخابية التي تلقاها من القذافي. وفي العاشر من مارس اعترف ساركوزي بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي عملت تحت مظلته الميليشيات التي تم تجهيزها وتسليحاها. وفي 19 مارس 2011 بدأت الطائرات الفرنسية حربها الجوية ضد ليبيا، وسبقتها إلى ذلك الطائرات الحربية الأمريكية في 15 من الشهر نفسه. وقد استهدف القصف عن عمد مشاريع البنية الأساسية وعلى رأسها النهر الصناعي الذي ينقل مياه الري إلى آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، وكذلك المصنع الوحيد الذي ينتج الأنابيب المخصصة لأعمال صيانة وإصلاح الأعطال فيها.
السؤال الآن، ما هو مصير مخزون الذهب الليبي؟ آخر مرة عُرف فيها مصيره كان عندما جرى نقله من البنك المركزي الليبي بعد قصف الناتو للعاصمة طرابلس إلى مدينة سرت أواخر شهر مارس بحسب ما نقل مايكل بلومنثال مساعد وزيرة الخارجية الأمريكي إلى هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك بموجب رسالة إلكترونية مؤرخة في 2 أبريل/نيسان 2011 أماط عنها اللثام موقع ويكيليكس.
وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول 2001 خرج القذافي ومرافقوه في رتل من 75 سيارة من سرت، إلا أن قوات الناتو قصفت الرتل، ولا يعرف منذ ذلك الوقت مصير الذهب الليبي واحتياطيات ليبيا النقدية في المصارف الأمريكية والأوروبية.