المنشور

موســــم صيــــد الحيتــــان..!

أسوأ ما في البلدان التي يحتل فيها الفساد مواقع متقدمة، حين تجد السلطات التنفيذية والقضائية والبرلمانية تتقاذف الكرة وكل منها يلقيها في ملعب الآخر، الأمر الذي يجعل الكل مشبوهًا والكل متهمًا الى ان تثبت.. التهمة..!!

وأسوأ ما في المشهد حين يُقدم الفاسدون والمفسدون أنفسهم او يروّج لهم في صورة المنزهين عن الهوى، والصالحين والمصلحين، وأرباب المشاعر الوطنية والمواقف النبيلة، فيما الكل يأخذ بدل أتعاب من حساب الشعب، ومن حساب الوطن، ومستقبل الوطن..!

في المنطقة العربية وجدنا مطالبات شعبية لا تتوقف تدعو الى محاربة الفساد على أوسع نطاق، ولكنها ظلت في إطار محدد، إطار لا يخرج عن المطالبات العقيمة والشعارات المفرغة من مضمونها، الأمر الذي أدى الى تنامي الفساد بشكل تجعل مكافحته تغدو عصية وشديدة التعقيد، وكم هو بالغ السوء حين يصبح الفساد في صلب ثقافة المجتمع، أي مجتمع، وهي الثقافة التي تحول دون جعل المرتكب للفساد مداناً في أوساط المجتمع، وتغدو الاخلاقيات السائدة متقبلة ومتسامحة حيال المخالفات والتجاوزات والممارسات التي تدخل ضمن تعريف الفساد، وتجعل الرشوة إكرامية حين إنجاز او تمرير معاملة استثنائية او غير قانونية، وليس غريباً ان تؤكد منظمة الشفافية الدولية في تقرير لها بأن غالبية الدول العربية لم تستطع تحقيق نتائج حقيقية تعكس إرادة الشعوب في أنظمة ديمقراطية فعالة تعطي المساحة اللازمة للمساءلة والمحاسبة، وجاء مؤشر مدركات الفساد لعام 2017 ليؤكد في خلاصاته بأن الفساد في المنطقة العربية باقٍ ويتمدد، وان إقامته في هذه المنطقة ستطول.

في العراق حيث الانتخابات البرلمانية قريبة، تابعنا الحديث الرائج هذه الأيام والذي محوره موضوع الفساد، وفي غمرة ذلك وجدنا أجواء ساخنة وزاخرة بالكشف عن ملفات فساد نواب وسياسيين ورؤوس كبيرة، فساد بجميع أشكاله، مالي وإداري وسياسي، ووجدنا من يتبنى القول بأن الحرب على الفساد لا تقل أهمية عن الحرب على الارهاب، وهناك من رأى ان الحرب على الفساد أشرس من الحرب على داعش، ووجدنا من عبّر عن قناعته بأن داعش ولدت من رحم الفساد، ولم يكن غريباً ان نجد شعارات بهذا المعنى رفعت في مظاهرات العراقيين ضد الفساد، أحدهم قال إن الفساد في العراق كان نملة وأصبح ديناصوراً، فيما نشر أحد الناشطين العراقيين على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لنخلة يتسلقها عدد كبير من الأشخاص، وكتب عبارة «هكذا تسلق ساسة الفساد ينهبون ثمرات وخيرات بلدي، فمنهم من سرق ولا يزال يسرق، ومنهم سرق وهرب، ومنهم من ينتظر دوره»..!.

المعضلة أن الفساد في العراق وصف وعلى لسان ساسة عراقيين بأنه فاق التصورات، منهم من قال بأن الفساد كان نملة وأصبح ديناصوراً، ومنظمة الشفافية الدولية اعتبرت هذا البلد العزيز بأنه في صدارة الدول المنكوبة بالفساد، ليس لهذا السبب وحده نتحدث عن العراق، بل يضاف الى ذلك ان ثمة حراك قد بدأ أطلق عليه «موسم صيد الحيتان»، استهل بعمليات اعتقال محافظين ومسؤولين حكوميين، منهم من تمكن من الهروب خارج البلاد، هذا أولاً، ولأن بعض قادة الحراك

المدني ضد الفساد أكدوا بأن جهود محاربة الفساد لا ترتقي الى الحد الأدنى من الطموح، وان أقدام الفاسدين ترسخت في الكثير من المواقع والمراكز، هذا ثانياً، ولأن ساسة فاسدين كثر وحلفاءهم من التجار والسماسرة والنواب ومنظمي الصفقات والمشاريع الوهمية والذين شيعوا ضمائرهم الى مثواها الأخير جعلوا الفساد وسيلة للمحافظة على المحاصصة والتوازن في تقاسم السلطة والملفات بين بعض الأحزاب والتسويات السياسية التي في الغالب ما تكون غطاء لحماية الفاسدين، وأخيراً لأن هناك وعياً شعبياً متنامياً بعدم إعطاء الفرصة للمترشحين كذباً بالدين، والذين يجيدون مخاطبة العامة والبسطاء ويدغدغون مشاعرهم باسم الدين وهم أول من يعرف ان شعاراتهم الدينية لا تطابق التزامهم الحقيقي بالدين، ولا توافق مسعاهم في دنيا السياسة..!!.

ولأن الانتخابات قريبة في العراق فقد وجدنا حرب شائعات وتشهير غير مسبوقة وغير أخلاقية على حد وصف سياسيين عراقيين بين مرشحين وقوائم، وفي الوقت ذاته وجدنا من يرفع شعارات رافضة للجوقة التي تسيل أفواهها بلعاب الامتيازات والمناصب والمناهب، والتي لا تجيد سوى التلون والتلوين، على هذا الأساس وجدنا شعارات ترفع «مثلي لا ينتخب مثله»، و«لا نريد نواباً يلعبون دور الكومبارس في سيناريو عبثي»، و«لا نريد نواباً ينهبون ويعظون»، و«لا نريدها مهزلة»، شعارات تستحق ان نستنسخها، وان نرفعها في انتخاباتنا البرلمانية المقبلة التي تتزاحم بشأنها علامات الاستفهام، وهنا لابد ان نقول للمعنيين بشأنها لا تجعلوها نسخة مكررة من الانتخابات الفلكلورية السابقة، لم يعدْ من الجائز ان تتجاذبنا شعارات التقدم ووقائع التخلف في الممارسة الديمقراطية ومسار التجربة البرلمانية، باختصار نريده مسار انفراج لا مسار فرجة، والبرلمان إما ان يكون برلماناً او لا يكون..!!.