المنشور

الجُزر الصغيرة للثقافة

في الفيلم الأمريكي الشهير «you,ve got mail» بطولة توم هانكس وميج راين، نتعرف إلى المرأة الشابة، التي ورثت عن أمها مكتبة لبيع كتب الأطفال، تعود لأربعين سنة؛ بحيث باتت معروفة لدى سكان المنطقة، الذين يقصدونها؛ لشراء الكتب لأطفالهم مستعينين، أيضاً، بخبرة الأم، ومن بعدها ابنتها الوريثة، في معرفة الكتب المناسبة لمختلف الأعمار.

في لحظة فارقة، يتقدم رجل أعمال طموح بمشروع لبناء مجمع كبير في المنطقة ذاتها، لا يكتفي ببيع الكتب وحدها، وإنما الهدايا والتحف وبضائع أخرى، فضلاً عن أنه سيضم مقهى، ورغم أن الأهالي قاموا باحتجاجات ضد إقامة المُجمع؛ لأنه يشوه الطابع المعماري للحي؛ لكن صاحب المشروع ينجح في إقامته، في النهاية، فلا تقوى مكتبة كتب الأطفال المعمرة الصغيرة، على الصمود في وجه جاذبية المجمع الجديد للزبائن، بما هو عليه من فخامة وأناقة.

من شاهدوا الفيلم، الذي يعود إلى تسعينات القرن الماضي، يتذكرون أن الفتاة التي ورثت المكتبة عن أمها المتوفاة، ورجل الأعمال صاحب المشروع الجديد، كانا يتراسلان عبر الإنترنت، دون أن يعرفا بعضهما بعضاً، وكانت المرأة تشكو في رسائلها للرجل من المصير البائس، الذي ينتظر مكتبتها في حال أُقيم المجمع الكبير، فيرد عليها الرجل: «لا تعتبري المشروع استهدافاً شخصياً لك. إنه بزنس، وحين يجد رجل الأعمال فرصة لتوسيع أعماله، سيكون خطأ منه أن يُضيّعها».

نستحضر حكاية هذا الفيلم على خلفية نقاشات ينشغل بها الوسط الثقافي في البحرين في الأسابيع الماضية، أشعلتها ثلاثة إعلانات بانتهاء مشاريع ثقافية معروفة، ابتدأت بإعلان الشاعر الكبير قاسم حداد عن إغلاقه لموقع «جهة الشعر» الإلكتروني، بعد أن عجز عن تأمين الدعم المالي اللازم لاستمراره؛ بسبب ظروف الداعمين، الذين أمَّنوا للموقع البقاء نحو ثلاثة عقود. تلى ذلك إعلان جاليري «رواق الفنون» الشهير في إحدى ضواحي العاصمة المنامة عن إغلاق مقره، الذي كان مقصد أنشطة فنية وثقافية عديدة؛ لأن مالك العقار تلقى عرضاً مجزياً من أحد المستثمرين بفتح مطعم فيه، فوافق عليه. وأخيراً، أيضاً أعلنت «مكتبة البحرين»، عن إقامة تصفيات على محتوياتها من الكتب؛ لأنها تستعد للإغلاق نهاية هذا الشهر. وهي مكتبة صغيرة المساحة، وفي مكان منزوٍ نسبياً في المنامة؛ لكنها تتميز بتوفر نسخ نادرة من الكتب، بطبعات قديمة، لم تعد متوفرة لا في المكتبات الأخرى، ولا حتى في معارض الكتب؛ لذلك كان المهتمون بالقراءة، حتى من زوار البحرين، يقصدونها لهذه الغاية.

صاحبا المكتبة أوضحا أن السبب يعود، أيضاً، لرفع إيجارها من قبل مالك العمارة، التي تقع فيها منذ نحو عشرين عاماً، ولا تسمح مداخيل المكتبة المتواضعة من بيع الكتب بتأمين الإيجار الشهري الجديد، فاضطرا لإغلاقها، فلا طاقة ل «جزر» الثقافة الصغيرة بمقاومة طوفان المال.