المنشور

قرار أم قرارات؟‮!‬

كان متوقعاً‮ ‬كل هذا الجدل الذي‮ ‬أثارته،‮ ‬وستثيره،‮ ‬الرسالة التي‮ ‬بعثها سمو ولي‮ ‬العهد،‮ ‬رئيس مجلس التنمية الاقتصادية إلى جلالة الملك حول العلاقة بين المجلس وبين بعض الاجهزة في‮ ‬الحكومة‮.‬ ولي‮ ‬العهد تحدث في‮ ‬رسالته عن أن عمل المجلس لم‮ ‬يجد له صدى لدى بعض المسؤولين الحكوميين،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬أدى إلى تحقيق صعوبات جمة في‮ ‬تنفيذ مشروعات وخطط وبرامج المجلس‮.‬ وهو أمر بات متداولاً‮ ‬منذ سنوات في‮ ‬الأوساط السياسية والاقتصادية في‮ ‬البلد،‮ ‬التي‮ ‬تتحدث عن ازدواجية في‮ ‬القرار الرسمي‮ ‬حيال عدد من الملفات،‮ ‬من أبرزها الملف الاقتصادي‮.‬ وكشفت الورش وحلقات الحوار التي‮ ‬دعا إليها ديوان ولي‮ ‬العهد ومجلس التنمية الاقتصادية لمناقشة خطط المجلس في‮ ‬الإصلاح الاقتصادي‮ ‬والتعليمي‮ ‬وسوق العمل عن وجود رؤى مختلفة،‮ ‬بين ما‮ ‬يراه مجلس التنمية وبين ما تراه‮  ‬بعض أجهزتها المؤثرة وصاحبة القرار‮.‬ وهو اختلاف تبلغ‮ ‬درجته حد التعارض والتناقض في‮ ‬أغلب الحالات بالطريقة التي‮ ‬تجعل الحديث عن وجود رؤية موحدة للدولة حول الإصلاح الاقتصادي‮ ‬حديثا متعذرا‮.‬ وهو أمر لا‮ ‬يصح الاستمرار فيه والسكوت عنه،‮ ‬لأن وجود أجندات متعارضةٍ‮ ‬ومتناقضةٍ‮ ‬في‮ ‬الدولة تجاه واحد من أهم ملفات الإصلاح،‮ ‬أي‮ ‬الإصلاح الاقتصادي،‮ ‬لا‮ ‬يعني‮ ‬استمرار حال المراوحة فقط،‮ ‬وإنما تكوّن الظروف التي‮ ‬تدفع بهذا الحال إلى الوراء أيضاً‮.‬ وهذا‮ ‬يدفعنا إلى تكرار ما قيل مرارا عن أن الإصلاح لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتحقق إلا من خلال مسؤولين وأجهزة وعناصر وكفاءات مؤمنة به،‮ ‬وقادرة على التعاطي‮ ‬مع آلياته،‮ ‬وتفعيلها للمضي‮ ‬بأهداف هذا الإصلاح نحو المرامي‮ ‬المتوخاة منه‮.‬ لا‮ ‬يمكن توقع من أجهزة إدارية تشكلت وعملت في‮ ‬الظروف السابقة،‮ ‬واعتادت على أساليب معينة في‮ ‬الأداء،‮ ‬خاصة في‮ ‬ظل الغياب المطلق للرقابة الشعبية والبرلمانية،‮ ‬أن تصبح هي‮ ‬ذاتها من سيعمل على تنفيذ مشاريع الإصلاح‮.‬ والأمور هنا لا تقاس بالكلمات أو بالخطاب الإعلامي،‮ ‬وإنما بالممارسة الفعلية التي‮ ‬تتجسد على شكل خطوات وتدابير،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬حملت ولي‮ ‬العهد على الحديث عن عدم تعاون بعض الأجهزة الحكومية مع مشروعات وبرامج مجلس التنمية‮.‬ في‮ ‬كلمات،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن نقوم بالشيء أو نقيضه في‮ ‬الآن ذاته،‮ ‬ومن هنا مسؤولية الدولة،‮ ‬ممثلة بأجهزتها المختلفة ومواقع اتخاذ القرار فيها،‮ ‬أن تحسم أمرها حول ما تريده بالضبط،‮ ‬وأن تقدم رؤيتها الموحدة التي‮ ‬على المجتمع أن‮ ‬يعرفها ويتعاطى معها،‮ ‬سواء بالنقد البناء أو التفاعل الايجابي‮.‬ إن كلمات ولي‮ ‬العهد تشير إلى جوهر مشكلة أوسع،‮ ‬لا سبيل إلى التغاضي‮ ‬عنها،‮ ‬فطالما كانت أجهزة رسمية،‮ ‬من وزن مجلس التنمية الاقتصادية،‮ ‬تتوفر على مقدار من النفوذ والصلاحيات والإمكانيات المادية تشكو من عرقلة الحكومة لخطواتها،‮ ‬فما الذي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقوله البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني‮ ‬المختلفة عن طريقة تعامل بعض الاجهزة في‮ ‬الحكومة معها؟‮!‬

صحيفة الايام
16 يناير 2008