المنشور

البريد مجمع وزارات

إنه عمل جيد أن تجد في إدارة البريد الخدمات الحكومية كافة من دفع فواتير الكهرباء والهاتف وخدمة المرور والسجلات المختلفة، ومدفوعات خدمات أخرى سوف تتراكم ولا شك، ولكن كل هذه الخدمات يؤديها الطاقم نفسه من الموظفين في أجهزة البريد المختلفة، فالموظف سوف يأخذ الرسائل الخاصة العادية والمسجلة وسوف يضع على كل منها طوابعها المختلفة، ويتأكد من وزنها، وسوف يحتفظ بالرسائل المسجلة لديه، سواء أكانت رسائل عادية أم علبا ثقيلة، كما سوف يستقبل أصحاب فواتير الكهرباء ويتسلم النقود وسيدقق هل الفاتورة عادية أم وصلت إلى الدرجة الحمراء، وهل هي للشهر الحالي أم لشهور سابقة؟ كما سوف يتسلم بيانات المرور الخاصة بالتسجيل ويتسلم المبالغ المتحصلة من ذلك، بما فيها لتدقيق في الصور الشخصية والبيانات! كذلك سوف يتسلم فواتير الهاتف ويجمع مبالغها ويتأكد من بياناتها، إضافة إلى الخدمات التجارية الجديدة التي تـُضاف إلى سجل أعماله المتزايدة. ومع تضخم هذه الوظائف والمهام فإن أعداد موظفي البريد في كل دائرة ومنطقة يظلون كما هم، في حين تتراكم أعمالهم، ومن هنا ظهرت طوابير البريد التي لم نكن نعرفها في السابق. فالعمال المهاجرون لديهم رسائل ورقية كثيرة وقليل منهم يتوجه للخدمات الإلكترونية، ويرسل رسائله المكتوبة أو الصوتية، وقد زادت هذه المراكز لكن من دون تطور يذكر، فهي كبائن صغيرة بالكاد تكفي لجهاز واحد، وهي أجهزة قديمة وذات خلل ومشاكل، فتغدو الرسائل البريدية هي أكبر الوسائل للاتصال بالأهل فيما وراء البحار لمئات الآلاف من البشر! فهذه الرسائل الورقية غالباً ما تحمل هدايا مهمة، وهذه كلها تسقط فوق رأس موظف البريد الذي يستقبل هذه الحشود، خاصة في أوائل الشهر حيث تتدفق الأموال والطلبات والتحويلات! كذلك هناك تسلم الرسائل القادمة وتوزيعها على صناديق البريد الخاصة أو تجشم عناء توصيلها للمنازل إذا ما كانت غير موجهة للصناديق البريدية. وهناك إيصال الفواتير لأصحابها في غابة البيوت والشقق، وهذا ما يدعو موظفي البريد إلى إلقاء هذه الرسائل في دهاليز العمارات وترك السكان يفرزون رسائلهم بأنفسهم، سواء كانت رسالة تحمل إنذاراً أو معلومات مهمة! ومع كل هذا الجمود في أعداد موظفي البريد فإن المطلوب منهم عمل كثيف مستمر يومي، ومتزايد، وهو أمر يؤدي إلى التخفيف من الضغط على بقية الوزارات الخدمية ولكنه يحول أجهزة البريد كما لو كانت مجمع وزارات تــُلقى عليها أثقال كثيرة. ومع كل هذه الخدمات فإن التفكير في خصصخة البريد وجلب شركة تقوم بالتدقيق في عمل مراكز البريد، وتحسب كمية الأرباح المتزايدة من خدماتها، هو أمرٌ محفوف بالمخاطر خاصة أن أي شركة سوف تتسلم البريد فإنها أول ما تفكر هو في تقليص أعداد العاملين لزيادة الربح! وهو طمع حدث بسبب زيادة رسوم الخدمات البريدية فلم تعد أي رسالة تقل رسومها عن دينار، وهي متوجهة لأقرب بلد، أما إذا وضعت معها أي شيء آخر ككتاب صغير أو بطاقة أو هدية غير ثقيلة فإن المبلغ لن يقل عن ثلاثة دنانير، وإذا قمت بهذا الارسال عدة مرات في الشهر فإن مبلغاً كبيراً يتحصل من ذلك، ولهذا يحاول موظف البريد مساعدة المرسل كذلك عبر تفهيمه أنواع البريد وكيفية اختصار المبالغ. أما تغيير حياة موظفي البريد ورواتبهم ودرجاتهم فهي مسألة تتحقق في عقود من السنين، وهم من العمال وليسوا من الموظفين فأجورهم زهيدة ومكاسبهم قليلة!