المنشور

عندما‮ ‬يصبح الاستجواب موضة


الاستجواب في الدول الديمقراطية العريقة يأخذ وقتاً طويلاً قد يمتد إلى عدة سنوات من عمر الوزير المستجوب، لأن في الاستجواب إشكالية كبيرة يترتب عليها عدد من المسائل ليس بالنسبة للوزير المستجوَب فحسب بل بالنسبة لمن استجوبه أيضا، وإن الفشل في الاستجواب يعني الفشل في الأداء البرلماني.
والاستجواب ليس فقط للكشف عن الفساد، وإنما أيضا في ذات الشخص الذي يسأل وهو النائب المستجوب (بكسر الواو)، ولأن الاستجواب فيه ادعاء قد ينجح أو ينتابه الفشل، لهذا فالحذر والحيطة واجبة في اتخاد أي قرار من هذا النوع، فلصق التهم جزافاً هو في حد ذاته فساد برلماني، الاستجواب ليس فقط من أجل الاستجواب نفسه أو الحصول على وجاهة انتخابية أو اتخاذ موقف شخصي للإيذاء وإثارة البلبلة، بل هو من أجل الوصول إلى الحقيقة المبتغاة والمنشودة، وهو فن وفلسفة واختصار لعمل النائب ووصوله إلى موطن الفساد بأداة برلمانية، إذن نحن بصدد دراسة للواقع وتمحيص لما يجري في الساحة والأمر يتطلب اكتمال جميع الحيثيات المبتغاة، لطرح أي موضوع  كان صغيراً أم كبيراً.
فحسب مانرى ونسمع، ومن خلال المرئيات المطروحة في هذه السطور، نجد أن هناك قصوراً ثقافياً في مسألة الاستجواب في برلماننا، وكأن النواب يتدربون على الوزراء، ففي بعض الأحيان توجه التهم على شكل فقاعة سرعان ما تتبدد!! بحيث أن قيمة الاستجواب تصبح ليست ذات معنى وكأننا بصدد تضليل، أو لعبة أو إشاعة وكل ذلك يعتبر ضياع وقت دون فائدة للمواطن، والاستجواب أصبح وسيلة لإزاحة أي شخص لا يتفق معهم في الرأي، لأنه شخص حداثي متطور لا يتماشى مع ما يريدون أو كونها امرأة سافرة، أو شخص منفتح مثل وزير الإعلام، وهكذا يتم التجاوب مع الإشاعة المطروحة ويؤخذ قرار على أثرها، وكأن المسألة كاريكاتورية أو فلم هندي، وعلى هذا النهج يتعرض بعض الأبرياء إلى ظلم دون حساب لمكانة الشخص الاعتبارية، حتى أصبحت الوزارات الخدمية غير مرغوبة في حقائبها. 
من ناحية أخرى فالاستجواب في بلادنا خاضع إلى المزاج والتقلبات الشخصية، فمثلاً سمعنا عن استجواب وزير البلديات منصور بن رجب، وفي اليوم الثاني ردت وزارة البلديات التهم برسالة مطولة، ثم أطبق سكوت تام ولم يرد أحد عليها، وسمعنا أن النواب لا زالوا على موقفهم السابق، ثم صرح خليل المرزوق: ‘ليس لدى الكتلة محاور واضحة بشأن رغبة أحد النواب لاستجواب وزير شؤون البلديات والزراعة، وإن وجدت سيكون للكتلة موقف واضح من الاستجواب’. وبعدها قرأنا أن الوزير منصور بن رجب يصرف في رحلاته خارج البحرين 1600 دينار في الليلة الواحدة هو والطاقم الذي يرافقه.
إذاً هناك تصريحات نارية متضاربة وكأنها دعاية انتخابية أو أمور شخصية يراد منها الابتزاز فقط.. إذاً على وزير البلديات أن يتبع طريقتي في السفر، ففي سفراتي لا أصرف شيئاً حيث أسكن مع ابنتي التي تعمل في الولايات المتحدة مع زوجها وأستخدم سيارتها لقضاء حاجاتي، وأقترح على الوزير أن يسكن مع ابنه الذي ربما يدرس في الخارج ويسكن الوفد في أي مكان قريب ويمشي على رجليه أو يركب القطار، وبالتالي ستقل مصاريف سفره بدلاً من أن يسكن في فندق 5 نجوم وينافس النواب البحرينيين وأعضاء المجالس البلدية أثناء سفرياتهم.
المثل البحريني الذي يقول ‘أبوي لايقدر إلا على أمي’، ينطبق على وزراء الخدمة ويتعدى الوزراء الآخرين، وكأن وزراء الخدمة حيطة واطية.  
ماذا تريدون من وزراء الخدمة؟ أتريدون أن ينصبوا لكم وزيراً في كل يوم؟ إنه إرهاق لميزانية الدولة، وللعلم فإن الوزير إذا أقيل من منصبه يبقى محتفظاً بمكانته الوزارية طيلة حياته وكذلك الطاقم الذي معه.. لماذا لا تزنون الأمور؟ إن تكاليف الدولة في إزاحة وزير وطاقمه ووضع وزير جديد يكلف الملايين. فبدلاً من أن تخسر الدولة كل أربع سنوات أو ثمان أصبحت الخسارة كل سنة!!.
إن منصور بن رجب لم يمض على توزيره سوى سنة؟ اتركوه حتى يثبت وجوده مدة أكثر، وأعطوه الأمان والثقة، وإلا كيف يستطيع إنسان أن ينجز عملاً ما وهو في تهديد مستمر والعيون تحدق حوله؟
الوزارات الخدمية بشكل عام صعبة، وإرضاء الناس فيه شيء مستحيل، وهذه الوزارات لها علاقة شديدة بالمواطنين ومرتبطة بمصالحهم، فهي وزارات حساسة، والناس تعودت النقد المفرط دون الرجوع إلى المحاسن والإنجازات، وهذا أيضا ضار بالمواطن والوطن. 
   
صحيفة الوطن
 18 يناير 2008