المنشور

تناسـل الأسـئلة اليائسـة

ما زلت أذكر وقائع ندوة علمية عقدت في‮ ‬المغرب كان عنوانها‮ “أسئلة المغرب المعاصر‮”‬،‮ ‬وهو عنوان جاذب لكل معني‮ ‬أو مهتم بقضايا التحول السياسي‮ – ‬الاجتماعي‮ ‬والثقافي‮ ‬في‮ ‬البلدان العربية جميعها‮. ‬
والمغرب وإن كان بعيدا عنا جغرافيا،‮ ‬فإنه قريب إلينا في‮ ‬كونه مجتمعا عربيا متحولا،‮ ‬شأنه في‮ ‬ذلك شأن أي‮ ‬بلد عربي‮ ‬آخر في‮ ‬المشرق أو المغرب‮. ‬وتدعو للاهتمام المحاور التي‮ ‬ناقشتها الندوة المذكورة والمشاركون فيها،‮ ‬وهي‮ ‬محاور تلامس قضايا من نوع‮ “‬الهوية،‮ ‬والمواطنة،‮ ‬والديمقراطية،‮ ‬والحداثة‮”‬،‮ ‬وهي‮ ‬كما نرى أشبه بالمظلة الواسعة التي‮ ‬تطرح أكثر القضايا إشكالية وإلحاحاً‮ ‬في‮ ‬واقعنا العربي‮ ‬على إطلاقه‮.‬
وفي‮ ‬مجتمع‮ ‬يتمتع بهامش معقول من حرية التعبير،‮ ‬كما هو حال المغرب اليوم،‮ ‬فإن مناقشة تذهب بهذه المسائل نحو العمق‮ ‬يمكن أن تفضي‮ ‬إلى نتائج تستحق الدراسة والتمحيص،‮ ‬بل إن مناقشة مثل هذه‮ ‬يمكن أن تسفر عن توصيات ونتائج وخلاصات تمثل قدراً‮ ‬من التعميم على بلدان أخرى،‮ ‬أو على الأقل تتيح إمكانية الاسترشاد بها أو استيحاء أفكار منها،‮ ‬خاصة حين نقرأ أن الندوة طالبت الحكومة بالنظر في‮ ‬عمق إلى القضايا المطروحة وسن مشاريع قوانين إصلاحية بعيدة المدى وفق استراتيجية واضحة وإرادة ممنهجة وذلك بغية الحد من تناسل الأسئلة اليائسة من قبيل‮ “ما جدوى الثقافة،‮ ‬وما جدوى التعليم؟‮”. ‬
ومثل هذه الأسئلة اليائسة تخصنا جميعا،‮ ‬وتخصنا هنا في‮ ‬بلدان الخليج العربية بصورة عميقة،‮ ‬أخذا بعين الاعتبار أننا ما زلنا نعد مجتمعات فتية في‮ ‬انفتاحها على العصر وعلى العالم،‮ ‬وهي‮ ‬بالكاد تؤسس لتقاليد ثقافية وتربوية متينة وراسخة،‮ ‬فإذا بنا نداهم بطوفان الثقافة الاستهلاكية التي‮ “‬تحتفل بالمظاهر وتفصل بين الوسيلة والهدف،‮ ‬وبين الذات وموضوعها،‮ ‬وتعيد إنتاج الأزمات وتعمقها،‮ ‬وتشجع ثقافة التهميش والإقصاء‮”.‬
نود في‮ ‬هذا السياق أن نشير إلى بعض عناوين الأبحاث التي‮ ‬قدمت في‮ ‬الندوة المذكورة‮ “‬نحو ميثاق للإصلاح الثقافي‮”‬،‮ “‬أبعاد ورهانات الإصلاح التربوي‮ ‬بالمغرب‮”‬،‮ “الثقافة المغربية في‮ ‬أفق القرن الحادي‮ ‬والعشرين‮”.‬
مثل هذا النوع من المناقشات،‮ ‬في‮ ‬صورة مؤتمرات وطنية موسعة ومعمقة،‮ ‬وفي‮ ‬صورة مناقشات في‮ ‬الصحافة ووسائل الإعلام،‮ ‬هو حاجة لمجتمعات الخليج عامة حين تنطرح أمامنا قضايا قد تكون أكثر دقة وحساسية في‮ ‬أشكال تجليها عندنا منها في‮ ‬البلدان العربية الأخرى‮.‬
إن جزءاً‮ ‬كبيراً‮ ‬من هذه القضايا مغيب أو مسكوت عنه،‮ ‬وليس مطروحا حتى على شكل أسئلة‮. ‬وطرح الأمور والظواهر للنقاش لا‮ ‬يعني‮ ‬بالضرورة إمكانية حلها الفوري،‮ ‬لأن قضايا من هذا النوع هي‮ ‬أكثر عمقا وتعقيدا وتشابكا من أن تحل بين عشية وضحاها،‮ ‬ولكن مجرد إثارة الأسئلة،‮ ‬وجعلها مدار بحث دائم،‮ ‬مما‮ ‬يفضي‮ ‬إلى تفريعات جديدة ومعالجات متنوعة،‮ ‬هو المدخل السليم لوعي‮ ‬المجتمع بمشاكله،‮ ‬والوعي‮ ‬بالمشكلة هو نصف حلها‮.

صحيفة الأيام
21 يناير 2008‬