المنشور

قراءة متأنية في الأحداث الأخيرة… الأسباب… قبل… النتائج

كيف نقرأ الأحداث الأخيرة التي جرت في بلادنا، هل فقط في أبعادها السياسية والأمنية، أم هناك ترابط وتداخل في العوامل والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربية الدينية وأخيراً الوضع المعيشي المتدهور للسواد الأعظم من أبناء شعبنا؟، علينا أن نقيم الواقع الملموس للناس، ونفكك العناصر المتشابكة في منظومة البؤس والفقر والحرمان من ابسط متطلبات الحياة، بعدها نعرف لماذا تستقطب شعارات التطرف والغلو الشباب والمراهقين، ولماذا يشكلون وقوداً للصدامات والمواجهات مع قوات الأمن المدججة بالسلاح، والتي في أغلبها من المجنسين وغيرهم؟ علينا أن نبحث عن الأسباب قبل النتائج، دعونا نتفق أولاً، بأن العنف بكل أشكاله وتنوعاته مرفوض ومدان من أي جهة أتى، ولا يجوز الاستمرار فيه ، أن الاعتداءات والمداهمات على البيوت الآمنة وترويع النساء والأطفال وتهديدهم بالسلاح، والتلفظ بالعبارات النابية، والاعتداء على البيوت عند التفتيش يشكل تحولاً خطيراً في تعاطي جهاز الأمن مع المتظاهرين ويعيدنا للوراء ( حقبة قانون أمن الدولة السيئة). ومن الأساليب المنافية لحقوق الإنسان ما قاله أحدهم في ندوة ” وعد ” لم يكتفوا بالاعتداء عليه بالضرب ولكنهم سرقوا ذهب زوجة شقيقه التي لم تكن موجودة في الشقة، والذي هز جميع الحضور في تلك الندوة ما قالته الشابة صديقة هارون قريبة أحد المعتقلين، كانت تتوسل للضابط “ع” للدخول في قاعة النيابة العامة، لإسعاف والدتها التي أغمى عليها بعد الضرب الذي تعرض له النساء اللواتي كن في القاعة من قبل الشرطة، والتي كانت مصابة بمرض هشاشة العظام وسبق أن أجريت لها عملية ” دسك ” حيث طلب منها الضابط بأن تقبل رجليه لكي يسمح لها بالدخول للقاعة، وفعلت ذلك من أجل والدتها، ولم تعِ في تلك اللحظة، ماذا كانت تفعل ، بعد أن أفاقت من الصدمة في اليوم الثاني، كانت تبكي بقوة وهي تتحدث للحضور، أنها بحق إهانة لكرامة الإنسان في هذا الوطن، تقول المادة (17) من الدستور الباب الثالث الحقوق والواجبات العامة (د) ( لا يعرض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي أو للإغراء أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويحدد القانون  عقاب من يفعل ذلك).
كانت هناك شهادات متعددة، نكتفي بهذا القدر ليطلع القارئ على صورة من صور انتهاكات حقوق الإنسان في بلد عاش حقبة سوداء لأكثر من ربع قرن من الترهيب والترغيب ضد المعارضين. 
فرح الجميع مع بداية الانفراج السياسي في فبراير 2007، بأن عهداً قد ولى، وبدأت صفحة جديدة ومشرقة مع ميثاق العمل الوطني ولكنها تبدو الآن مظلمة وبالمقابل لا نتفق مع استخدام العنف من خلال قذف الشرطة بالحجارة أو حرق الإطارات وبراميل “القمامات” والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، أننا نقف مع التظاهرات والاحتجاجات والمسيرات السلمية والتي هي حق ينص عليه الدستور وميثاق العمل الوطني وكل المواثيق والمعاهدات الدولية التي كفلت ذلك باحترام القانون وتطبيقه على الجميع، ولا بد من البحث الحقيقي عن الأسباب التي تؤدي بجيل الشباب بالالتحاق بالمشاريع والبرامج الصدامية وتبني الأفكار الطائفية والتكفيرية بدل من أفكار الاعتدال والتسامح والتعايش، ويتحمل مسئوليتها النظام السياسي في بلادنا، الذي مارس طوال ثلاثة عقود من العدوانية والممارسات القمعية ضد مناضلي الحركة الوطنية الديمقراطية ومع المعارضين الآخرين، ولكنني هنا، أتوقف بأنه عمل على إضعاف القوى الديمقراطية والتقدمية في بلادنا، والسماح للآخرين ، وتحديداً لبعض القوى الدينية بان تمارس أنشطتها التعبوية والتحريضية لنشر أفكارها وبرامجها من خلال المنابر المتوفرة لها، وضيق الخناق على الأفكار التقدمية، فهو المسئول الأول عما لحق من ضرر وانحسار في نفوذ الحركة الوطنية الديمقراطية وظل يستميل القوى الدينية ويقوي نفوذها من خلال الإغداق عليها بالأموال والسماح لها بالقيام بالفعاليات والأنشطة، ولا زال ذلك مستمراً حتى هذه اللحظة، وبالتأكيد توجد معوقات عديدة ساهمت في الوضع المتردي الذي لا زلنا كمعارضة وطنية تقدمية نعاني منه، لا نريد الدخول في موضوع كيفية النهوض بأوضاع القوى الديمقراطية ، فهذا المقام لا يتسع، هذا جزء من الأسباب لانتشار أفكار التعصب والتطرف الديني، وأصبحت مواضيع الثقافة التعددية واحترام الرأي والرأي الآخر، لا تجدي، في مجتمع بدأ وكأنه يعود بنا للماضي المحافظ والرجعي في الطرح والرأي، على سبيل المثال،  دون الحصر، الوقوف ضد حقوق المرأة والطفولة والمساواة، وهناك شرائح وفئات واسعة ترفض الإقرار بها، ويدخل معها في هذا النسق نساء من أعضاء جمعيات إسلامية، يبررن ما يعلن عنه بعض رجال الدين من مواقف معاديه لحقوق المرأة. أن البعد الاقتصادي وتحديداً الوضع المعيشي يزداد سوءاً وتدهوراً فكل المسكنات لا تفيد، فهي مؤقتة ، ففي بلد نفطي وتزداد إيراداته من الأرباح والفوائد المالية نتيجة الارتفاع المستمر لبرميل النفط والذي فاق المائة دولار، يعيش قطاع واسع من شعبنا في فقر وحرمان والعاطلون عن العمل في ازدياد، هل هذه نتائج تحولات الرأسمالية البدائية، لأنها غير متطورة صناعياً وإنتاجياً، بلد تتسع فيه الهوة  بين الفقير والغني ، هكذا تبشرنا سياسة العولمة والخصخصة، في بلد كل المؤشرات تؤكد على انحداره نحو درجات متدنية في التقييم العالمي وللتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية للتنمية الاقتصادية – الشفافية وغيرها ، بان التراجع مستمر في النمو الاقتصادي ، وازدياد في التضخم ، وغدت القيمة الفعلية  للدينار البحريني تتدهور، إذا لم تبدأ عملية فك الارتباط بالدولار الأمريكي المتدهور عالمياً. 
تزداد أرقام مقدمي طلبات الحصول على قسائم ووحدات سكنية، وقروض من وزارة الإسكان وبالآلاف ، فالمجنسون الجدد أول المشوار يبدؤا في تقديم الطلبات للحصول على قسائم وقروض، ناهيك عن تدني في مستويات مخرجات التعليم وهي بعيدة عن متطلبات واقع السوق وما يحتاجه من خريجين مؤهلين ومتدربين على معرفة احتياجاته، أما الخدمات الصحية فلا زالت ضعيفة وان ازداد القطاع الخاص في بناء المستشفيات والعيادات المكلفة لذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى أن وجدت ، الوعي الاجتماعي متخلف في البلاد، الطائفية تزداد وبعناوين مختلفة ، توزع المسئوليات في الوزارات والدوائر الحكومية على أساس طائفي ومذهبي وعرقي، لا وجود لمعايير الكفاءات العملية والمؤهلة، وتعمل أطراف مسئولة في الدولة على تأجيج ذلك التمييز الطائفي في المجتمع وديمومته، من خلال صب الزيت على الحطب لتشتعل تلك النيران من تحت الجذوة ، مجلس النواب مريح للسلطة التنفيذية معاون لها ويعمل الطائفيون فيه بالرمونت كنترول ، حسب ما يريد منهم يفعلوا في المجتمع ومساءلة هذا الوزير أو ذاك لا يمس البعض من الوزراء والمسئولين الكبار في الدولة،  هناك أكثر من خطوط حمراء حولهم، والدولة لا تشجع المعتدلين في التيار الإسلامي الشيعي، وتحديداً تيار الوفاق ، تعمل على تأليب الناس ضده طالما دخل اللعبة السياسية، عليه أن يقدم فاتورة مقاطعته لانتخابات مجلس النواب في عام 2002، تريد نواب خدمات تنفذ لهم بعض الطلبات لا تريد الدولة ممارسة حقيقية للرقابة والتشريع إن وجد.  وبعض أطراف السلطة الحاكمة تعمل على إفراغ مشروع الملك الإصلاحي من التحول الديمقراطي النسبي في البلاد من مضامنيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا يريد له بأن يحدث تغيير يذكر في إرساء مقومات حقيقية للتغيير والإصلاح في البلاد، ربما يقول قال بأنه لا يوجد صراع بل هنا توزيع للأدوار بين الأطراف، فانظروا ماذا يجري في الأراضي والبحار من سرقات مكشوفة، يحاسب فيها من مرة ثانية علينا ان نقرأ الأسباب وأن تتحمل الدولة المسئولية وتوضع الحلول الجذرية لكل الملفات العالقة، وأهمها ملف ضحايا التعذيب والشهداء لكي يطوي هذا الملف للأبد، ويبدأ حوار جدي بين الدولة والمعارضة، وما هي الأولويات وأن تعزز الثقة بين الناس والسلطة، فهل نرى في الأفق، بصيصاً من الأمل نحو بناء الدولة المؤسساتية الديمقراطية العادلة التي تحتضن أبناءها وترعاهم وتقدم لهم اليد، وهم يعطوها كل ما لديهم.

نشرة التقدمي
يناير 2008