المنشور

ما مدى حُرية التنظيم السياسي في قانون الجمعيات السياسية رقم (26 ) لسنة 2005 !!

 

المحامي / حسن علي إسماعيل
المنبر الديمقراطي التقدمي




مؤتمر الحوار الوطني – 26 يناير 2006



 
المقدمة :


يتميز قانون الجمعيات السياسية الذي شرع لتنظيم عمل الجمعيات السياسية في مملكة البحرين عن التشريعات الأخرى المتعلقة بالحريات  والمعروضة على جدول  أعمال هذا المؤتمر بأنه ينظم واحدة من أهم الخطوات الإجرائية في عملية التحول الديمقراطي ، هي التعددية الحزبية ، وبأنه  قانون  صدر عن السلطة التشريعية القائمة المكونة من المجلسين وجلالة الملك ، إذ كان في البدء اقتراحا تقدم به عدد من أعضاء مجلس النواب كبديل لاقتراح بقانون الأحزاب السياسية المقدم من الكتلة الديمقراطية والذي استبعدته تشريعية النواب لأسباب غير واقعية سبق وان أشرنا إليها بالنقد في مقال نشر في صحيفة الوسط بعنوان الأحزاب السياسية قفزة أم خطوة أولى تجدونه من ضمن مرفقات هذه الورقة * ، وكما تعلمون ان هذا الاقتراح أحيل من مجلس النواب إلى الحكومة لوضعه في صيغة مشروع  قانون ولم يـتأخر لديها كثيرا كما هو الحال في الاقتراحات الأخرى التي لا تروق لها ، فأعادته إلى  مجلس النواب فأقره في جلستين استثنائيتين ، وأحاله للشورى  الذي وافق عليه  على عجل في جلسة استثنائية واحدة   ، وصدق عليه الملك واصدره في 22 يوليو 2005، بينما التشريعات الأخرى المعروضة على المؤتمر ، مازال بعضها مشروع بقانون كالتجمعات ، وبعضها الآخر صدر  بموجب مشروع بقانون كالصحافة والطباعة والنشر عن السلطة التنفيذية دون ان يتوافر لها ركن الضرورة أو الاستعجال اللازم لإصداره بهذه الأداة شأنه شأن معظم حزمة القوانين التي صدرت بعد صدور الدستور في 14 فبراير 2002  وقبل تاريخ  انعقاد المجلس الوطني في 14 ديسمبر 2002 ، وعلى الرغم من هذا التمايز الشكلي بين هذه التشريعات إلا إنها تشترك في النص على أحكام مقيدة للحرية وجاءت على خلاف أحكام الدستور والمعايير الدولية .
 





فما هي القيود التي أشتمل عليها قانون الجمعيات السياسية
 وما مدى حرية التنظيم السياسي في ظل أحكامه ؟؟


 
أولا ً: أسم يتعارض مع المضمون:



 
     على الرغم ان تسمية الشخص الاعتباري الذي يمارس العمل السياسي ليس أمرا جوهريا ، قد نسميه جمعية سياسية أو تنظيم سياسي أو حزب سياسي ، غير انه كان يجب أن تكون تسمية القانون متناسبة مع مضمون نصوصه وأن يسمى بقانون الأحزاب  أو التنظيمات السياسية  كما جاء في الاقتراح البديل المقدم من القوى السياسية  ، ذلك أن مفردة (التنظيمات) قد وردت في نصوص القانون نفسه حين عرف الجمعية السياسية على إنها (كل جماعة منظمة ) ، وإنها ( تعمل باعتبارها تنظيمات وطنية ) ، ( وتعمل على تنظيم المواطنين وتمثيلهم  ) ، فما هو الحرج إذن فى  نسمي  القانون بقانون التنظيمات أو الأحزاب السياسية بدلا من قانون الجمعيات السياسية كما هو الحال عند معظم الدول العربية التي قننت العمل السياسي ؟؟  فهي تسمية الصحيحة لا تتجاهل ولا تتجاوز واقعا يؤكد أن  الجمعيات السياسية كانت وما تزال  تعمل  كتنظيمات سياسية ، وهي امتداد لتنظيمات سابقة ، وقد صاغ معظم هذه القوى  نظامها الأساسي الجديد على هذا الأساس  ، خذوا مثلا ما جاء في أول سطر من مقدمة النظام الأساسي لحزبنا – المنبر التقدمي – ( المنبر الديمقراطي التقدمي تنظيم سياسي حزبي )  .
      قد اتفق مع من  يراوده الآن هاجس عدم اهمية إثارة  مثل هذه المسألة الشكلية ، فسيان أن نسميه حزب أو جمعية طالما ان القانون لا يمنع الجمعيات أن  تعمل كأحزاب سياسية ، وأن الأنظمة الداخلية قد نصت بوضوح على ذلك ،  ألا إنني أردت من إثارة هذه المسالة الشكلية كمثال واضح في بيان كيف تعاملت الأغلبية في المجلس الوطني بجناحيه النواب والشورى مع قانون الجمعيات السياسية وكيف كانت تفسر روح النصوص الدستورية ، إذ يستند الرافضون من أعضاء السلطة التشريعية  لمسمى الأحزاب أو التنظيمات السياسية على الدستور وعلى وجه التحديد  مخالفة هذه التسمية  لحكم المادة (27) منه ، فيقولون بأن هذه المادة  تنص على حق تكوين الجمعيات والنقابات فقط دون ان تنص على تكوين التنظيمات والأحزاب ، وقد سايرت اللجنة التشريعية والقانونية في كل من المجلسين هذا الرأي فأبقت التسمية كما هي- قانون الجمعيات السياسية -  ، والحقيقة ان هذا الرأي يكشف عن افتقار غالبية أعضاء  المجلسين ليس إلى الفهم العميق بل الفهم البسيط  بماهية الحقوق التي اشتملت عليها الوثيقة الدستورية ، وان تواجد الخبير الدستوري في اجتماعات المجلسين يشرح للأعضاء نصوص الدستور وأحكام اللائحة الداخلية لا يحل المشكلة وبل ان وجوده هو نظام غريب قد يؤدي لرأي مخالف للدستور ويؤثر في القرارات التي يتخذها المجلس .
 
    ان الركون إلي نص المادة 27 من الدستور في رفض تسمية القانون بقانون الأحزاب السياسية ، يتعارض مع روح النص و يخالف ما هو مستقر لمعنى الحق فى تكوين الجمعيات ذلك  ان دستور مملكة البحرين حين نص فى المادة (27) على ان ( حرية تكوين الجمعيات والنقابات ، على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التى يبنها القانون .. ) دون ان يشتمل هذا النص على مفردة الأحزاب أو التنظيم شأنه في ذلك شأن الدستور المصري مثلا  ، قد جاء منسجما تماما مع ذات الصياغة التى وردت فى المواثيق الدولية ، على ان  حرية  تكوين الأحزاب أو التنظيمات السياسية هو حق متفرع من حق تكوين الجمعيات وينبثق  من الحقوق والحريات العامة التى قررها الدستور.
 
    ان هناك منظومة هائلة من المواثيق الدولية تكفل حرية التنظيم كأحد الحريات الجوهرية وأحد حقوق الإنسان الأساسية الضرورية من اجل حركة المجتمعات الديمقراطية الحقيقية والمفعمة بالحيوية .فهي  تحمي الأحزاب السياسية عن طريق ضمان حقوق وحريات واسعة فى الرأي والتعبير والتنظيم والتجمع والمشاركة السياسية ، وهذه الحقوق والحريات سواء أخذت مجتمعه أو كل على حدة ، توفر حماية واسعة للحق في تكوين الأحزاب السياسية . وهذه  المواثيق الدولية ،  تتشابه تماما فى حمايتها لهذه الحقوق والحريات ، فجميعها تكفل حرية التنظيم مهما كان الغرض منه ، سياسيا ، أو اي غرض أخر، وان صياغة مواد معظم هذه الاتفاقيات والمواثيق الدولية  لا تشتمل على عبارة الحزب السياسي كأن تقول ( لكل شخص الحق فى تكوين الأحزاب السياسية ) بل تأتى الصياغة  هكذا : ( لكل شخص الحق فى تكوين الجمعيات ) . مثال  فالمادة  20 فقرة1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، تنص  على انه ( لكل شخص حق فى حرية الاشتراك فى الاجتماعات و الجمعيات السلمية ، ولا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما. ) والمادة 22 فقرة 1  من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، تنص على انه ( لكل فرد الحق فى حرية تكوين الجمعيات مع آخرين ، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من اجل حماية مصالحه . 
 
 
ثانياً:  تعريف ناقص للتنظيم السياسي :
   
    وضعت القوي السياسية في الاقتراح البديل المقدم منها باسم قانون التنظيمات السياسية  تعريفا للتنظيم السياسي اشتمل على عبارة ( المشاركة في إدارة الشئون العامة ومسئوليات الحكم ) وهو حكم هام  وضروري للتعريف بالجمعية السياسية أو التنظيم السياسي وفارق جوهري للتمييز بين التنظيم السياسي والتنظيم المدني ( المنظمات الأهلية ) غير ان الأغلبية في السلطة التشريعية تجاهلته رغم ان الدستور وميثاق العمل الوطني ، والمواثيق الدولية قد نصت عليه ، فالدستور ينص بوضوح في مادته الأولى البند ( 5) إن ( للمواطنين حق المشاركة في الشئون العامة ) ، ونص  ميثاق العمل الوطني في -  شخصية البحرين التاريخية – على ان قاعدة مستقبل البحرين المشرق هو ( المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب في مسئوليات الحكم ) ، وتنص المادة 25 بند أ  من العهد  الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية الذي وافق مجلس الوزراء علي انضمام مملكة البحرين إليه ، على حق كل مواطن دون أي وجه من وجوه لتمييز والتمتع به دون قيود في ( ان يشارك في إدارة الشئون العامة )  .
 
ثالثاً: يتجاهل حق التنظيم السياسي فى
عقد  اجتماعاته دون تدخل من السلطة :
 
      تجاهلت الأغلبية في السلطة التشريعية التي أقرت قانون الجمعيات السياسية  ما نص عليه مقترح التنظيمات السياسية في المادة ( 16 ) على حق التنظيم السياسي فى عقد الاجتماعات العامة والمؤتمرات التنظيمية دون تدخل من السلطة ، وهذا يعنى خضوع هذه الاجتماعات إلى قانون  الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات ، وهو الأمر الذي يجعل مجمل العمل التنظيمي رهنا بمزاج القائمين على السلطة ويعطيهم هامشا رحبا من العمل ضد أي جمعية عبر حرمانها من الموافقة على عقد اجتماعاتها كلما تعارضت مع توجهات الحكم .
 
      فكيف يمكن فى ظل ذلك ، ان نشرع قانون ينص على حق الجمعيات السياسية كتنظيمات فى المشاركة السياسية وبصورة علنية وبوسائل ديمقراطية مشروعة و من اجل تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، وتعمل على تجميع الموطنين وتمثيلهم سياسيا ، ويلزمها بالتقيد بمبدأ التعددية السياسية فى الفكر والرأي والتنظيم ، وفى الوقت ذاته يتجاهل حقها فى الاجتماعات والمؤتمرات غير المشروطة ، إذ لا يعقل ان تتدخل السلطة بمنع اجتماع سياسي تعقده الجمعية السياسية بحجة عدم حصول المنظمين على إذن مسبق ، طالما ان الاجتماع لا يمس الأمن الوطني ، أو السلامة العامة ، أو الآداب  العامة ، ولا ينال من حقوق الآخرين  وحرياتهم .
 
   ان حق التجمع السلمي هو حق أساسي يتعين ان يكفله القانون ويتمتع به الأفراد والجماعات فى مجتمع ديمقراطي ، وقد كفلته المواثيق الدولية وعلى وجه خاص المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 
 
رابعاً : يتجاهل حق التنظيم السياسي
 في إصدار الصحف بدون ترخيص :
 
     رغم كفاح النائب السيد عبد النبي سلمان امام المجلس وتبنيه المادة (15 ) من مقترح التنظيمات التى تنص على حق التنظيم السياسي  في إصدار الصحف والمجلات والمطبوعات وغيرها دون التقيد بالحصول على ترخيص ، ورغم تأكيدنا امام تشريعية الشورى والنواب على اهمية إصدار مثل هذه الصحف والمطبوعات بلا ترخيص  ، فقد اقر القانون دون هذا الحق ودون سبب مقنع سوى  القول بأن ذلك متروك لقانون الصحافة ، وهو يعني قبول السلطة التشريعية بتقييد صحافة الجمعية السياسية بما ينص عليه المرسوم بقانون الصحافة والطباعة والنشر المعمول به من اشتراطات في إصدار الصحف ، وهو يتناقض تماما مع  طبيعة الصحافة الحزبية واختلافها عن الصحافة العادية ، ويشد عما تنص عليه  معظم قوانين دول العالم ومنها  بعض الدول العربية على حق التنظيم السياسي فى إصدار الصحف الخاصة به بدون ترخيص، منها مثلاً قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية فى اليمن ، والذي يضيف إلى هذا الحق ، حق كل حزب فى استخدام كل وسائل التعبير عن الرأي وفقا للدستور والقوانين النافذة ( م 30) ، بل ويلزم أجهزة الإعلام الرسمية بان تمكن جميع الأحزاب والتنظيمات بالسوية من استخدام هذه الأجهزة لنقل وجهات نظرها إلى المواطنين ( م 31 ) ، والمادة 15 من قانون الأحزاب المصري   التي تنص على حق الحزب السياسي في إصدار صحيفة أو اكثر للتعبير عن آرائه  وذلك دون التقيد بالحصول على الترخيص المشار إليها فى قانون الصحافة .
 
    ومما زاد الطين بله وأكد صحة هواجس القوي السياسية تجاه نوايا الحكم بتقييد نشاط الجمعيات السياسية الإعلامي هو صدور قرار وزارة الإعلام  رقم 2 لسنة 2006 بشأن نظام التراخيص بإصدار وتداول النشرات الصحفية والتي نصت عليها المواد 3، 12 ، 17 ، و90 من المرسوم بقانون رقم 47 لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر ، إذ لا يجيز هذا القرار للشخص الاعتباري ومنه بالطبع الجمعية السياسية إصدار أو تداول أية نشرة صحفية للترويج  لأغراضه في المملكة دون الحصول على إذن كتابي مسبق من إدارة المطبوعات والنشر في وزارة الإعلام .
 
خامساً: ينال من حرية التأسيس:
 
       يستفاد من أحكام المواد ( 7 ، 8 ، 9 ، 10 ، 11 ) من قانون الجمعيات السياسية وهي المواد المتعلقة بالتأسيس  ، ان الجمعية حتى تتأسس لابد لها ان تتقدم بطلب لوزير العدل ضمن إجراءات عديدة حددتها هذه المواد ، وهذه الجمعية  لا يجوز لها الإعلان عن نفسها  ولا تتمتع بالشخصية الاعتبارية وليس لها أن تمارس أي نشاط سياسي أو جراء أي تصرف باسم الجمعية قبل إعلان سعادة الوزير بالموافقة على الـتأسيس  وهذا يعنى  ان اي جمعية سياسية حتى تتأسس لابد من موافقة مسبقة على التأسيس ، ويشكل وصاية إدارية صارمة  ويتعارض مع  مبدأ حرية  التأسيس   باعتبار ان هذه الحرية هي الركن الأساسي لحرية الجمعيات والأحزاب ويشكل إحدى الضمانات الضرورية للحيلولة دون تدخل الإدارة فى تأسيس الجمعيات مما يكون من شأنه تعطيل مدى هذه الحرية والحد من فاعليتها .
     ان مبدأ الترخيص الإداري  المسبق يمثل تعارضا جوهريا مع مبدأ الحرية فى إبداء الرأي وحرية التعبير. 


  إن الجمعيات السياسية التي توافقت على مقترح التنظيمات السياسية حين وضعت نصا يقضي بعدم حاجة تأسيس التنظيم السياسي إلى أذن مسبق من الجهة الإدارية ، والاكتفاء بالإخطار ، فإنها لم تغفل على  ضرورة إخطار وزير العدل بتأسيس التنظيم وبالبيانات و الوثائق اللازمة التي يتطلبها القانون ، بل ان مقترح التنظيمات  يلزم  التنظيم ان يخطر وزير العدل  بأي قرار يصدره بتغيير رئيسه أو قيادته أو بحله أو اندماجه أو بأي تعديل في نظامه الأساسي . وفوق ذلك فأن القانون المقترح من الجمعيات يعطي الوزير الحق في ان يلجأ إلى القضاء إذا لم يتبع التنظيم إجراءات التأسيس ، وهذا يعني ان حق الجهة الإدارية فى الرقابة والإشراف على عمل التنظيمات السياسية مكفول ومضمون بموجب  مقترح التنظيمات السياسية  فلماذا أذن نقيد حرية تأسيسها باشتراط  ان يعلن الوزير عن هذا التأسيس ؟

       إننا  نعتقد عملا بمبدأ حرية التنظيم وتكوين الجمعيات سياسية أم أهلية  ،  بأن أحكام المواد سالفة الذكر ،تشكل قيدا على تأسيس الجمعيات وعلى وجودها على الأقل من تاريخ الإخطار وحتى صدور حكم القضاء ، ويتعارض مع ما تقرره المواثيق  والإعلانات ، ومنها إعلان حرية الجمعيات فى الدول العربية الصادر عن ورشة العمل المنعقدة فى عمان مايو 1999 من قبل الخبراء القانونيين ونشطاء  في مجال العمل المدني العربي .  إذ جاء فى الإعلان المذكور فيما يتعلق بالتأسيس ما يلي ( المبدأ القانوني الأساسي الذي ترتكز علية حرية الجمعيات ، هو حق التأسيس دون حاجة إلى ترخيص أو إذن مسبق ، فالجمعيات تتأسس بمجرد اتفاق إرادة مؤسسيها ويجوز الإعلان عنها بمجرد الإعلام / الإخطار المسبق ولا يمكن إخضاع التأسيس لأي تدخل مسبق من السلطة الإدارية أو من السلطة القضائية ) . **
 
     والذي نراه هوان يكون تأسيس التنظيم السياسي فى البحرين بمجرد الإخطار اي بمجرد التقاء مشيئة أو إرادة المؤسسين على النظام الداخلي دون حاجة إلى إعلان من الوزير أو ترخيص منه ، وان كل ما يتوجب على التنظيم السياسي هو إعلام وزارة العدل بذلك وفقا لأحكام مقترح قانون التنظيمات ، ومقابل هذا البيان تعطى وزارة العدل التنظيم إيصال يثبت أن الجهة الإدارية قد أخذت علما بتأسيس التنظيم ، وذلك حتى لا يعتبر من التنظيمات السرية أو غير المشروعة ، وابتداء من تاريخ إيداع الأوراق يكتسب التنظيم الشخصية الاعتبارية ، تماما مثل ما نصت عليه المادة (4) من قانون النقابات ( تتمتع المنظمات النقابية العمالية المنصوص عليها في هذا القانون بالشخصية الاعتبارية المستقلة وذلك من تاريخ إيداع أوراق تكوينها لدى الوزارة ) .
 
     إن ذلك يشكل ضمانة للحيلولة دون تدخل الجهة الرسمية فى تأسيس التنظيم مما يكون من شأنه تعطيل نشاطه .
 
     وتجدر الإشارة هنا إلى ان اللجنة التشريعية والقانونية حين كان مشروع القانون لديها  لدراسته أدخلت بعض التعديلات المحدودة على المادة 9 من القانون بجعل مدة إعلان الوزير عن التأسيس  ثلاثين يوما بدلا من ستين يوما ، واعتبار عدم الإعلان عن التأسيس خلال هذه المدة  بمثابة إقرار بالموافقة  على التأسيس بدلا من اعتباره قرارا بالرفض )  إلا ان المجلس رفض حتى هذا التعديل وأبقى على النص الأصلي  ، بل حذف كلمة ( إخطار ) واستبدلوها بكلمة ( طلب ) أينما وجدت فى النصوص  المتعلقة بالتأسيس ، و إذا كانت هناك ثمة حسنه فأن الحسنة الوحيدة التى وافقوا عليها فيما يتعلق بالتأسيس هو جعل المحكمة الكبرى المدنية المختصة فى النزاع المتعلق بالتأسيس بدلا من محكمة التمييز كما كان يقضي به النص الأصلي ( م 10 )   
 
سادساً: يتوسع ويتعسف في حالات إيقاف نشاط التنظيم وحله:
 
     لم يكتف المشرع بالنص على حق الوزير في الإعلان عن تأسيس الجمعية على نحو ما رأينا  بل أعطاه الحق في إيقاف نشاط وحل الجمعية السياسية فى حالات واسعة للغاية وان كان ذلك بحكم من القضاء ، إذ على الرغم من الحكم الهام  والإيجابي الذي  نص عليه القانون في المادة (21 )  بعدم جواز  حل أو وقف نشاط الجمعية السياسية أو( إقالة قيادة الجمعية )،  إلا وفق أحكام النظام الداخلي لها أو بحكم من المحكمة  ، إلا ان هذه الإيجابية ما تلبث ان تزول حين نعرف ان المادة 22   تجيز للوزير أن يلجأ إلى القضاء فى حالات تتصف بالعمومية والشمول لوقف نشاط الجمعية السياسية إذا :
خالفت دستور المملكة
أو هذا القانون ( قانون الجمعيات السياسية )
أو اي قانون آخر من قوانين المملكة
ويحظر على الأعضاء والإدارة والموظفين خلال مدة الوقف التى تقضي بها المحكمة ، مواصلة النشاط أو التصرف فى أموال الجمعية ، ويحظر على اي شخص ان يشترك فى نشاط الجمعية بعد نشر قرار الإيقاف فى الجريدة الرسمية .
 
       وكما تجيز المادة 23 للوزير ان يحل الجمعية إذا :
ارتكبت مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة
أو هذا القانون ( قانون الجمعيات )
أو اي قانون آخر من قوانين المملكة .
وإذا لم تقم الجمعية بإيقاف نشاطها خلال الفترة التى يحددها الحكم الصادر وفقا للمادة السابقة بإزالة المخالفة.
ولا يجوز للجمعية التى صدر حكم بوقف نشاطها ممارسة اي نشاط خلال نظر طلب الحل امام هذه المحكمة .
 
       وقد كان الأجدر بالسلطة التشريعية ان لا تقر هذه الحالات لأنها تجعل كل  فعل أو تصرف أو قرار يصدر عن الجمعية يعتقد سعادة وزير العدل بأنه مخالف للدستور أو هذا القانون أو اي قانون من قوانين البحرين مدعاة أو ذريعة له لان يطلب من المحكمة  وقف نشاط الجمعية أو حلها فى حالة المخالفة الجسمية ، وان تقدير الجسامة فى الفعل وان كانت  مسألة تقديرية تخضع لتقدير القاضي،  إلا أن النص عليها بهذه العمومية والشمول دون تحديد واضح لماهية المخالفة الجسيمة يجعل من صغار الأفعال عند سعادة الوزير جساما تدفع بالجمعية إلى ساحة القضاء ويعرضها للحل .
 
     ان الوضع الطبيعي الذي يتفق مع مبدأ حرية التنظيمات السياسية ، هو ان يوضع تحديدا منضبطا للأسباب الخاصة بحل أو وقف نشاط الجمعية وفى حالات محددة صراحة وحصرا .
 
      ولعله من المفيد  ان نشير إلى ما جاء في إعلان حرية الجمعيات فى الدول العربية  بهذا الصدد  إذ نص على ( انه لا يحق للإدارة العامة حل الجمعيات ، ولا يمكن ان تخضع الجمعيات للحل إلا بقرار صادر عن هيئاتها الخاصة ، أو بحكم قضائي نهائي بات ، وبعد ان تكون قد استفادت الجمعية من حق الدفاع فى محاكمة علنية وعادلة ، وفى حالات يجب ان يحددها القانون صراحة وحصرا )  .
     وإذا كانت من ثمة حسنه قام بها مجلس النواب بهذا الصدد وبناء على توصيه من لجنته التشريعية بهذا الشأن بأن جعل المحكمة المختصة بنظر نزاع الإيقاف والحل للمحكمة الكبرى بدلا من محكمة التمييز ، وجعل عقوبة الإيقاف ثلاثة اشهر بدلا من ستة اشهر، إلا ان هذا التعديل  لا يشفع إلى السلطة التشريعية  موافقتها على حالات الإيقاف والحل . 
 
سابعاً: يقيد حرية اتصال التنظيم بالخارج  :
 
      يفرض مشروع القانون بشأن تنظيم الجمعيات السياسية  قيودا من شأنها المساس بقدرة الجمعية أو التنظيم السياسي على نسج علاقات لها مع اي جهة خارج مملكة البحرين ، ويتمثل ذلك فى نص المادة 20 الذي لا يجيز لأية جمعية سياسية الاتصال بالأحزاب والتنظيمات الأجنبية  أو التعاون والتحالف  معها إلا  في إطار القواعد التي يحددها وزير العدل .
 
    وعلى الرغم ان قرار وزير العدل رقم 4 لسنة 2005 بهذا الشأن قد أوجب في المادة الثالثة منه على التنظيم السياسي إخطار الوزير باسم وجنسية الحزب أو التنظيم السياسي الأجنبي قبل الاتصال به في مدة لا تقل عن ثلاثة أيام عمل ، اي ان هذا القرار لا  يوجب الموافقة المسبقة ، غير ان المادة الثانية منه نصت على قواعد تتسع لتفسير واسع تحد من اتصال الجمعية السياسية بالحزب الأجنبي وتعرضه في حالة الإخلال بها والإخلال بالقوانين ذات الصلة  للعقوبة المنصوص عليها في هذه القوانين وفي قانون الجمعيات السياسية ، ما هي هذه القوانين ذات الصلة ؟ لم يحددها القرار !!! ، فإذا اتصلت الجمعية السياسية مثلا حسب البند 1 من هذه القواعد المنصوص عليها في هذا القرار بحزب أو تنظيم أجنبي مناهض للمبادئ والقواعد أو الأحكام المنصوص عليها في الدستور وميثاق العمل الوطني  فان الجمعية تكون قد أخلت بهذه القاعدة وربما قواعد أخرى منصوص عليها في القوانين ذات الصلة و تعاقب فضلا عن العقوبات المنصوص عليها في قانون الجمعيات السياسية بالعقوبات المنصوص عليها في القوانين ذات الصلة ولكم أن تتصوروا كيف يمكن ان تفسر ( مناهضة المبادئ الدستورية ) !!! إذ يمكن ان يفسر اتصال جمعية سياسية بمنظمة من منظمات حقوق الإنسان التي تنتقد التعديلات الدستورية مثلا يمكن ان يفسر  على ان هذه المنظمة  تناهض أحكام ومبادئ الدستور .   
 
     والحقيقة ان تخويل وزير تابع للسلطة التنفيذية بصياغة ووضع هذه القواعد على نحو ما رأينا سينال بدون شك من حرية الجمعيات السياسية فى الاتصال بالقوى والأحزاب الصديقة لها فى خارج البحرين . علما انه من الطبيعي فى مثل وضع الحركة الوطنية البحرينية بمختلف تياراتها لها تاريخ وتراث نضالي وسياسي ان ترتبط بعلاقات مع أحزاب أو تنظيمات سياسية عربية وعالمية لاعتبارات قومية وأيديولوجية ولتبادل الخبرات ، وهي تسعى بكل تأكيد إلى ترسيخ أواصر الصلة مع هذه الأحزاب ، وتتطلع إلى نهج أممي يقوى أواصر الصداقة بين الشعوب والقوى المحبة للسلام والتقدم فى العالم ، ويكسب للبحرين سمعة حسنة ،  ان المادة 20 المشار إليها والقرار الوزاري الصادر وفقا لها تأتي متعارضة مع هذه التطلعات  .
 
     ويمكن الإشارة  هنا إلي أن تشريعية النواب وهى تدرس القانون قد أوصت في تقريرها إلى المجلس  بحذف  المادة (13) منه  والتي تنص على انه ( يحظر على الجمعيات السياسية أو اي من أعضاء مجالس أدارتها التدخل في الشئون الداخلية للدول أو القيام بأي نشاط من شأنه الإساءة إلى علاقة المملكة بهذه الدول ) وقد سببت اللجنة ذلك بوجود نص المادة (215 ) من قانون العقوبات التى تغطي ذات الجوانب التى وردت في المادة والتي قد يساء استخدامها لو أقرت ، إلا ان المجلس لم يأخذ بهذه التوصية ، واقر نص المادة المذكورة ، وهو في الحقيقة نص خطير يعرض الجمعية السياسية إلى التعجيل بموتها دون ان يتسنى لنا حتى قراءة الفاتحة عليها .
 
     وقد تم وضع حكم المادة المشار إليه من ضمن قواعد القرار الوزاري المتعلق بالاتصال بالخارج سالف الإشارة إليه.  
 
ثامناً : حرمان فئة الشباب من الانضمام للتنظيم السياسي:
 
    ان فئة الشباب الذين  يبلغون من العمر ما بين 18 إلى 20 عاما هم  اكثر فئات المجتمع نشاطا وحيوية ، وهو العمر المناسب ، للانخراط في العمل السياسي ،  فابن الثامنة عشر قادرا على اختيار أو انتخاب أعضاء المجالس البلدية والنيابية ، فلماذا نمنعه من الانخراط فى العمل السياسي ، طالما ان الوظيفة الأساسية للتنظيم السياسي هي تربية وتوعية المواطنين سياسيا ، وتدريب كوادر قادرة على قيادة العمل الوطني من خلال برامج اجتماعية واقتصادية وقيادة الجماهير لتنفيذها .حسب نص مشروع القانون ، وإذا كنا نتفق نسبيا ان ذلك يتعارض مع شرط آخر في القانون وهوان يكون متمتعا بكافة حقوقه المدنية والسياسية ، فانه كان بالإمكان التغلب على هذا التعارض بالنص على استثناء هذه الفئة من الشرط المذكور أو باقتصار هذا الشرط على المؤسس فقط . 
 
تاسعاً: المبالغة في الرقابة المالية :
 
      إذا كان هناك من إيجابية تستحق الإشادة بها في قانون الجمعيات السياسية بالمقارنة مع النص الأصلي المقترح ، فهي تتمثل في أن القانون قد خفف لدرجة كبيرة من شروط قبول الجمعية السياسية التبرعات والهبات ، إذا كان النص الأصلي يقضي مثلا بعدم قبول التبرع من الشخص الاعتباري حتى وان كان يحمل الجنسية البحرينية ، فجاء القانون ونص على قبولها من المؤسسات الوطنية العاملة في المملكة ، كما ان القانون قد اخذ بما جاء في مقترح الجمعيات السياسية بالنص في المادة 14 ( وتساهم الدولة بتقديم الدعم المادي للجمعيات السياسية وفق معايير محددة وعادلة ، وفي حدود الاعتماد المدرج في الميزانية العامة للدولة ) ، وتعكف الوزارة حاليا على وضع هذه المعايير ، ويمكنكم الاطلاع على النتائج التي توصلت إليها الحلقة الحوارية التي أقامتها الجمعية البحرينية للشفافية وNDI في 5 يناير 2006 حول آلية تمويل الجمعيات  السياسية والحملات الانتخابية في مملكة البحرين  ، من أجل الوصول إلى رؤية مشتركة يتم تقدميها لوزارة العدل .***
 
 ويمكن القول بأنه رغم الإيجابية المشارة إليها إلا ان النص في  المادة 15  من القانون على التزام  الجمعية السياسية بإبلاغ  وزير العدل بنسخة من الموازنة السنوية للجمعية خلال الربع الأول من السنة ، وبيان الموارد المالية ، ومصادر التمويل ، والوضع المالي للجمعية ، وان يتولى ديوان الرقابة المالية بصفة دورية ، أو بناء على طلب من وزير العدل ، مراجعة دفاتر ومستندات حسابات إيرادات ومصروفات الجمعية ، وغير ذلك من شئونها المالية ، وذلك للتحقق من سلامة موارد الجمعية ومشروعية اوجه صرف أموالها ، وعلى الجمعية ان تمكن الديوان من ذلك ، وعلى الديوان إعداد تقرير سنوي عن كافة الأوضاع والشئون المالية للجمعية وإخطار وزير العدل بهذه التقارير . هو تدخل مبالغ فيه من الجهة الرسمية فى المصادر المالية والشئون المالية للجمعيات السياسية ، ويجعل أمورها المالية مسيرة من قبل وزارة العدل ، وكأنها جزء من الجسم الرسمي الحكومي .
 
     وكان يكفى ان ينص القانون على ان  تقوم الجمعيات السياسية بتبليغ وأشعار الوزارة عن مصادر التمويل ، اي تكون هذه المصادر علنية وواضحة ..
 
      صحيح ان مبدأ الشفافية ، خاصة فى الجوانب المالية ، هو مطلب ملح وأساسي يتعين ان يسود عند الجمعيات السياسية، لضمان ان يكون هناك  عملا حزبيا نزيها يرتكز على المساءلة ، غير ان وضع مبدأ الشفافية موضع التنفيذ لا يتطلب تلك الرقابة الرسمية الصارمة التى نص عليها قانون الجمعيات السياسية ، بل يتطلب ان تكون مصادر التمويل علنية وواضحة للجهة الإدارية ، وان تكون تحت بصر ومساءلة  المؤتمر العام للتنظيم السياسي . 
  
 
عاشراً: رقابة وزارية صارمة  في توفيق الأوضاع : 
 
    لأن القانون قد اشتمل أحكام عديدة مقيدة لحرية التنظيم السياسي على النحو الذي أشرنا إليه ، فأنه من الطبيعي أن تأتي القرارات التي أصدرتها وزارة العدل بذات النهج المقيد للحرية ، ومن الطبيعي أيضاً ان تكون رقابة وزارة العدل على التأسيس أو توفيق الأوضاع ، أو ممارسة النشاط ، رقابة واسعة صارمة ، وقد اتضح ذلك حين تقدمت الجمعيات السياسية القائمة للوزارة بأنظمتها الأساسية بطلب توفيق أوضاعها ، إذ أصرت الوزارة  على إلزام هذه الجمعيات بالنص في النظام الأساسي على حرفية  بعض النصوص القانونية كما وردت في القانون ، وفسرت بعض النصوص القانونية على نحو يفرغ العمل السياسي والتنظيمي  للجمعيات السياسية من محتواه الذي نص عليه القانون . **** 
 
الخاتمة :
 
لقد مثل التصويت على ميثاق العمل الوطني حجر الأساس لتكريس واقع جديد سعيا نحو إقامة النظام الدستوري الديمقراطي ، وإقامة دولة القانون ، وقد لعبت القوى السياسية التي تعمل الآن في إطار قانون الجمعيات السياسية الدور البارز  والمؤثر في نسبة التصويت الكبيرة التي حصل عليها ميثاق العمل الوطني ، وعلى الرغم  من تفاوت الاجتهادات السياسية لهذه القوى السياسية في البرامج وآليات العمل ، وفي طريقة المحافظة على المكاسب التي تحققت ، وفي أسلوب إدارة الصراع مع الحكم ، إلا إنها ومعها الغالبية العظمى من شعب البحرين تتفق على رؤية محددة لطبيعة النظام السياسي وهي  كما جاءت في الميثاق  نظام ملكي وراثي دستوري وديمقراطي  ، يرسي هيكلا متوازنا يؤكد
 
الشراكة  السياسية الدستورية بين الشعب والحكومة والفصل بين السلطات الثلاث ، ويوسع دائرة المشاركة الشعبية في تحمل أعباء الحكم و الإدارة ، من خلال  انتخابات دورية ونزيهة  ،  ويكفل حرية التعبير وحرية تشكيل الأحزاب السياسية ، والتداول السلمي للسلطة ،   ويقوم على مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة في ظل دستور يؤمن سيادة القانون واستقلال السلطة القضائية ، والالتزام  بمبادئ وأهداف  الأمم المتحدة والمواثيق والاتفاقات الدولية .
 
 ان إقامة مثل هذا النظام السياسي الديمقراطي بالمواصفات التي يتحدث عنها ميثاق العمل الوطني تتطلب إزالة ارث القوانين والتشريعات الثقيل الذي ورثناه من الحقبة السابقة ، ويتطلب أيضاً وضع تشريعات وقوانين جديدة تساعد على تطور المجتمع نحو الديمقراطية المنشودة تمكنه من خلق مؤسسات المجتمع المدني المختلفة التي تتلاءم والنظام الديمقراطي .
 
 وأن ترجمة النهج الديمقراطي  على مستوى الأحزاب السياسية  يتمثل في وجود  قانون عصري وديمقراطي  ينظم عمل التنظيمات السياسية ، ذلك ان  ممارسة النشاط السياسي العلني والإقرار بالتعددية الحزبية، تعد من السمات الرئيسية البارزة لأي تحول ديمقراطي في مكان ،  وان هذه  التعددية الحزبية لو توفر لها الإطار القانوني الصحيح في مملكة البحرين ، يتفق وأحكام الدستور، ويستجيب لمبادئ الإعلان  العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والمواثيق الدولية المرتبطة به، لكانت من أهم الخطوات التشريعية اللازمة
 
 
لمرحلة التحول الديمقراطي، ومؤشر هام على مصداقية المسيرة الإصلاحية التي يرعاها جلالة الملك، ومصدراً ضرورياً للخلق والإبداع، خلق مجتمع يرتكز على العدالة والديمقراطية، ويسود فيه احترام مبدأ سيادة القانون. وسيجعل من الأحزاب السياسية قوة فاعلة في تنمية المجتمع البحريني، وفي المشاركة في رسم وبناء التحول الديمقراطي، وفي تطوير وتعميق المسيرة الإصلاحية التي يراعاها جلالة الملك.
 
  أن تقنين العمل السياسي ووجود الأحزاب السياسية في البحرين على هذا النحو لن يشكل أي خطورة على النظام السياسي كما يتوهم الحكم ، بل سيشكل إحدى الضرورات المعبرة عن ديمقراطية الحكم، وأحد أبرز المؤشرات على مصداقية الإصلاح فلا يمكن تصور وجود الديمقراطية دون تنظيم العمل السياسي، إذ يقول أستاذ الفقه الفرنسي (إزمن) بهذا الصدد ( لا حرية سياسية بدون أحزاب) ،  فالأحزاب السياسية فضلاً عن دورها الهام والأساسي في بناء الديمقراطية ، فهي تعد من أهم مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم من خلال برنامجها السياسي بتحديد الأهداف وتنظيم وترتيب الأفكار والمبادئ السياسية و الاقتصادية والاجتماعية التي تسعى إلى تحقيقها ، فتعمل على مساعدة الناخبين في تكوين آرائهم السياسية. وفي إعادة صياغة وعي المواطنين باتجاه أهمية حرية الرأي وأهمية الأطر التنظيمية التي تعبر عن هذه الحرية ، وهي بذلك – أي الأحزاب السياسية – تشكل مع يقظة المعارضة النيابية حائلاً دون استبداد الحكومة في استعمال السلطة أو إساءة استعمالها ، فتسهم بالتالي في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع ، فتكافح البطالة والفقر والفساد
 
 
وتجعل من مشاركة المواطن في ممارسة حقوقه وفي الحياة السياسية، مشاركة فاعلة وواعية. وقد أكد المنبر الديمقراطي التقدمي –أكثر من مرة في إصدارته وبياناته على هذه الأهمية، ففي بيانه الصادر في 19مايو 2003، أوضح   ( بأن تضافر الجهود الوطنية مطلوب للمساهمة في بناء دولة المؤسسات والقانون القائمة على مبدأ فصل السلطات…والاعتراف بالدور الطبيعي للأحزاب وأهميتها في الحياة السياسية للمملكة وصيانة الحريات السياسية بما في ذلك حرية النشر والتعبير والصحافة).
 
ان المواثيق الدولية والفقه القانوني الخاص بها ، أكدت على أن حرية التنظيم السياسي هي إحدى الحريات الأساسية التي يجب كفالتها من أجل الحركة السلمية للمجتمع الديمقراطي ، وعلى أن هذه الحرية – حرية التنظيم وتكوين الأحزاب – لا تنفصل عن غيرها من الحقوق والحريات الأخرى ، كحرية التعبير والحق في المشاركة السياسية وفي التجمع السلمي ، وفي مخاطبة السلطات العامة ، إذ ترتبط بها ارتباطاً وثيقاً وتتداخل معها بشدة ، بحيث يكفي النص في الدستور على مثل هذه الحقوق والحريات لتكون أساساً أو مبرراً لتأسيس الحزب السياسي وفقاً للأوضاع التي يبنيها القانون ، هذا القانون ، حين يقرر مبدأ حرية لأحزاب السياسية عند تأسيسها ، وفي كافة مراحل حياتها ، وفي مختلف جوانب نشاطاتها دون قيود غير التي يقررها ، وتقتضيها الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن الوطني أو السلامة العامة ، أو النظام العام أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم ، فأنه – أي قانون الأحزاب – ، سيغير بالضرورة تغييراً حيوياً في مجموعة القيم السياسية والاجتماعية ، قيم العطاء والتعددية والاختلاف وقبول الرأي الآخر معاً واحترام سيادة القانون.
 
  لقد تابع المجتمع البحريني  الدور الموحد النشط الذي قامت به القوى السياسية الفاعلة  فى البحرين من اجل صدور تشريع ديمقراطي ينظم العمل السياسي في البحرين  ويضمن لهذه القوى  حرية العمل طبقا لأحكام  الدستور والمواثيق والاتفاقات الدولية ، فعقدت الندوات ، وروش العمل ، كتبت فى الصحافة ، ناشد بعضها الملك ، والتقى بعضها الأخر الكتل النيابية والمجلسين برؤية موحدة لتنظيم العمل السياسي  أطلق عليها الاقتراح البديل  ، وقد كان هذا الاقتراح  تحت بصر المجلسين النواب والشورى ، وكان  يمكن ان يكون لهذا  النشاط الموحد للقوى السياسية تأثير أكبر لو رافقه معارضة برلمانية يقظة تدرك اهمية ان يكون في البحرين حرية حزبية حقيقية لا حرية مكبلة . إلا ان القانون قد  صدر  بقيود نالت من جوهر الحق والحرية ، لا نجد لها من أساس سوى هاجس الخوف – خوف الحكم ونوابه من الحرية – حرية التنظيمات السياسة – ونعنى  بها الحرية المسؤولة ، التي تأتي في إطار الواجبات التي نص عليها الدستور . ، فالقانون – قانون الجمعيات السياسية -  كما رأينا  يكرس تسمية خاطئة للعمل السياسي و ينتقص من مبدأ حرية تأسيس التنظيم السياسي ويتجاهل حقه في إصدار الصحف  والمطبوعات بدون ترخيص ، وحقه في عقد اجتماعاته ومؤتمراته دون تدخل من السلطة، ويتعسف ويتوسع في حالات وقف نشاط التنظيم وحله ، ويبالغ في الرقابة على مصادره المالية وأوجه صرفها  ، انه باختصار يتعارض مع الحريات التي نص عليها الدستور ، وهو بهذا الوصف يعد قاصرا عن وضعه ضمن العناصر الإجرائية اللازمة لعملية التحول الديمقراطي ما لم تعدل أحكامه المقيدة لحرية التنظيم .  وما لم  يتخلى الحكم عن تعنته وتعسفه ضد المبادرات التى تقوم بها الجمعيات السياسية ، ويتخلى الحكم أيضا عن سعيه لتحجيم منظمات المجتمع المدني .
 
وإذا كنا نطالب الحكم بالتخلي عن التعنت والتعسف ضد المبادرات التي تقوم بها الجمعيات السياسية وان يشجع المشاركة الشعبية ويدرك اهمية هذه المشاركة في صنع السياسات والقرارات ، وأن لا يقف حجر عثرة امام سن التشريعات والقوانين المتعلقة بالحريات وان يتخلى عن الوصاية الصارمة تجاه العمل السياسي والعمل الأهلي ، فانه في المقابل يتعين على المعارضة حتى تكون مؤثرة في تجاه ما هو مطلوب من الحكم ، ان تدرك فن إدارة الصراع مع الحكم وان تتعاطى مع الأحداث والقضايا الوطنية برؤية واقعية  ، ويتم ذلك بتعزيز ثقافة المشاركة ، واحترام الحقوق الفردية وقبول الآخر ، وان تكون المعارضة على استعداد للوصول لحلول وسط ، وقادرة على حل الصراعات بطريقة سلمية ، فان ذلك نحسبه شرطا لازما من شروط أخرى لازمة لأي تحول ديمقراطي ، ولأي نظام دستوري ديمقراطي حقيقي يوفر مستلزمات بناء وطن حر وشعب سعيد  ، وان وذلك بالطبع يتطلب من المقاطعة أن تعيد النظر في معالجتها للمسألة الدستورية،  وان تتعاطى مع دستور 2002 ، ومع  كافة المؤسسات التي ترتبت عليه بما فيها المؤسسة التشريعية القائمة ، ومع حزمة  المراسيم بقوانين ، والقوانين التي صدرت قبل وبعد تاريخ انعقاد المجلس الوطني ، بما فيها قانون الجمعيات السياسية ، تعاطيا يسهم في إلغاءها  أو تعديلها ، تعاطيا لا يؤدي كما يقول المناضل والشخصية الوطنية  المرموقة أحمد الذوادي  إلى ( اعتباره واقع ساكن لا مفر منه بل واقع متحرك يخلق واقعا افضل منه .) ونحسب ان هذه الرؤية في التعاطي مع الأحداث  هي  التي ستمهد الطريق لتوافق وطني يوحد المعارضة ليس فقط في سبيل تعديلات دستورية تحقق الفصل بين السلطات الثلاث بل سيوحدها في سبيل تشريعات تضمن الحق والحرية ، وفي سبيل عدالة اجتماعية تضمن المساواة وعدم التمييز ، ونحسب أيضا بأن هذا التوافق الوطني بين فصائل المعارضة هو الذي سيخلق أرضية قوية للحوار مع الحكم .*****
 
المصادر:
 
إعلان حرية الجمعيات فى الدول العربية الصادر عن الخبراء القانونيين والنشطاء فى مجال العمل المدني العربي المجتمعين فى ورشة العمل المنعقدة فى عمان فى مايو 1999 .
 
 تنظيم الجمعيات فى لبنان : بين الحرية والقانون والممارسة ، للمحامي غسان مخيبر .( دراسة ) . 
  
دراسة الأحزاب السياسية الصادرة عن مركز هشام مبارك للقانون . 
  
   
واقع حرية الجمعيات وتنظيمها القانوني فى فلسطين للباحث شقيرات خضر .( دراسة )
 
دروس فى القانون الدستوري ( ميكانيكية العلاقة بين السلطات فى النظام السياسي الكويتي) ، للدكتور عثمان عبد الملك الصالح .
 
الأطر القانونية والأنظمة الداخلية المتعلقة بنشاط الجمعيات الأهلية فى الأردن للمحامية أسمى خضر ( دراسة ) .
 
الإطار القانوني للهيئات الأهلية – حالة مصر – دراسة للمحامى أمير سالم .
 
 مداولات ورشة العمل حول أزمة العمل الأهلي فى مصر المنعقدة فى أكتوبر 2000 .
 
مجموعة من قوانين الدول العربية المتعلقة بالجمعيات والأحزاب السياسية ، والمواثيق والاتفاقات الدولية .
 
هوامش :
 
* انظر مقالنا ( الأحزاب السياسية العلنية : قفزة أم خطوة أولى ) المنشور في صحيفة الوسط العدد 746 الثلثاء 21 سبتمبر 2004 .
 
** انظر مقال الأستاذ عبد الرحمن النعيمي  ( ما هي المعايير الدولية المعتمدة في قانون الجمعيات السياسية وغيرها ) المنشور 
 
في صحيفة أخبار الخليج  العدد 9675 السبت 18 سبتمبر 2004 .
 
*** انظر أعمال ونتائج الحلقة الحوارية التي أقامتها الجمعية البحرينية للشفافية  وNDI في 5 يناير 2006 حول ( آلية تمويل الجمعيات السياسية والحملات الانتخابية في مملكة البحرين ).
 
**** أنظر مذكرات وزارة العدل بشأن  ملاحظاتها على الأنظمة الأساسية لمعظم الجمعيات السياسية التي تقدمت بطلب توفيق أوضاعها .
 
***** أنظر مقالنا المنشور على موقع المنبر الديمقراطي التقدمي الإلكتروني

www. altaqadomi.com  ( المسألة الدستورية بين الإشكالية والحل ) .