المنشور

حكــــم القانــون

ما الذي نحتاجه في البحرين، وينتظره المواطن لحل المشكلات التي يزخر بهـا واقعنا؟
في رأيي إن تطبيق القانون، وتفعيل دولة القانون هو من أهم ما نحتاجه وننتظره، ويمكن أن نجتهد بالقول بان ذلك يمثل نقطة ارتكاز أو مفتاح تغيير حقيقي لحل الكثير من مشاكلنا، شرط أن يتم التطبيق بحسم دون إبطاء ومباشرة دون التفاف ودون تفرقة أو استثناء مهما علا بشأن ومقام من هم المعنيين بالانصياع لحكم القانون.
وأرجو أن يتسع صدر من يجد نفسه معنياً حينما نجتهد مرة أخرى ونشير إلى حقيقة رغم انه ليس هناك أكثر مرارة أحياناً من الحقيقة، بل أن بعض الحقائق تتجاوز طعم المرارة لتصبح صاعقة. الحقيقة، أننا لا نطبق القانون كما يجب وعلى الجميع، ولم يكن الالتزام بالقانون ومبدأ سيادة القانون مفعلاً على ارض الواقع، بل إننا حتى لم نخلق المناخ الذي يساعد على الالتزام بالقانون طالما أن هناك محترفين في الخروج على القانون، وهناك من يفترض أنهم المثل والقدوة للناس يلزمون أنفسهم ومن حولهم بالقانون هم أول من يخرقون القانون وحكم القانون.
لو كنا نطبق القانون لما حدثت تجاوزات واعتداءات سافرة على البحر والسواحل، ولما توافقت القوى النيابية قبل أيام على تشكيل لجنة تحقيق في مخالفات الدفان البحري. لو كنا نطبق القانون لما تكررت الخروقات والتجاوزات والانحرافات التي يرصدها ديوان الرقابة المالية في تقاريره والتي لا تزال السلطة التنفيذية تنظر وتتعامل معها على أنها مجرد ملاحظات…!!! لو كنا نطبق القانون ونحترم أحكام القضاء لفرضنا التزام  »بعض الشركات« بإعادة النقابيين المفصولين إلى أعمالهم بعد أن حسم القضاء حتى الآن الأمر لصالح ثلاثة منهم. لو كنا نطبق القانون لما احتاجت المجالس البلدية إلى الانتظار غير المسبوق لانفراج أزمة مناقصة النظافة التي دخلت عامها الثاني في واحدة من أطول المناقصات في تاريخ البحرين. لو كنا نطبق القانون لما احتاجت جمعية حقوقية، هي جمعية حقوق الإنسان لتعلن بان أهم عائق يواجهها هو علاقتها بالمسئولين والجهات الرسمية، لأنهم يريدون أن تكون الجمعية تحت الطلب ويتباهون بها في المحافل الدولية ولكنهم يصمون آذانهم عن سماعها، بل ويقاطعونها قطيعة تامة في سبيل الاستمرارية في خرق القانون. لو كنا نطبق القانون لما ظهر لنا من يصر من مسئولين ونواب على وصم أي عمل أو نشاط يحتج أو يكشف أي فساد أو تجاوز أو انحراف في المنصب والسلطة بأنه عمل مسيس، أو طائفي، أو حاقد أو استهداف شخصي فقط، ليعيقوا أي محاولة تستهدف انصياعهم للقانون. لو كنا نطبق القانون لما حصل على منصب أو وظيفة من ليس مؤهلاً لها في وجود معايير الكفاءة، ووجود من هو أفضل أو أحق منه. لو كنا نطبق القانون بحسم ومباشرة وعلى الجميع لسقطت أو تعطلت على الأقل شبكة المصالح التي تمتد وتتسع كل يوم وتمهد طريقها للزحف على كل المواقع على حساب الوطن والمواطن.
تلك عينات… مجرد عينات نوردها ومنها ومثلها الكثير، أوردناه هو من ضمن ما هو معلوم ومتداول ومنشور، هي تعبر عن أوجه خلل تتعدد اتجاهاته وتوجهاته وتتنوع. وكل عينه هي في الغالب تخبئ جراحات غائرة، ومرارات دفينة، وان كان بعضها يعبر عن شطط غير محسوب أو انزلاق غير مسئول من قبل عناصر غير مسئولة المتابعة والتعمق قي تصرفاتها وإخضاعها للمسؤولية والمحاسبة ولحكم القانون، قد تظهر لنا ما قد يفاجئنا، أو بما لم يكن في الحسبان، أو يكشف لنا مستوراً لا يخطر على بال تغلب فيه الهوى على المصلحة.
ربما لا تنقصنا القوانين، فلدينا ترسانة منها، ولكن المشكلة دائماً عدم التطبيق، أو سوء التطبيق… وغيار ثقافة احترام القانون وما نحتاجه مناخا عاما يساعد على تطبيق القانون بحسم ومباشرة دون تفرقة أو استثناء… وعناصر مسؤولة ورجال شرفاء في مواقع المسؤولية يقدمون القدوة للناس، ويلزمون أنفسهم ومن حولهم بالقانون. ولا نهاية لمثل هذا الحديث عن القانون فان تطبيقه يخدم الرؤية الاقتصادية المستقبلية المنشودة ويلبي تطور اقتصادنا ويعزز الثقة في مناخ الأعمار والاستثمار ويدعم جهود مكافحة الفساد إذا كنا جادين في ذلك، وهو أيضا مفتاح لحل الكثير من المشاكل والمعضلات وهو قبل كل شي نقطة ارتكاز للحكم على أي تغيير وتطوير في الأشخاص وأساليب ومناهج العمل والأداء. 
   
صحيفة الأيام

8 فبراير 2008