المنشور

الاختلاط صفة مدنية مفعمة بالسمة الحضارية

جاء إعلان نواب التحالف الوطني الديمقراطي (علي الراشد ومحمد الصقر وفيصل الشايع) تبني مقترح بإلغاء قانون منع الاختلاط في الجامعات والمعاهد في دولة الكويت، متسما بالموضوعية والعقلانية.. منسجما والرغبة الشعبية والمجتمعية.. متفاعلا ومطالب وطموحات الطلاب والطالبات على حد سواء.. بقدر ما اقترنت مبادرة النائب علي الراشد صاحب هذا الاقتراح، بالشجاعة الأدبية التي تستحق الدعم والمؤازرة والإشادة والثناء. وبحسب ما برزت تداعيات هذه المبادرة “الجريئة” الى دائرة الضوء وحيز الواقع والوجود، فقد قابلها بالاتجاه المعاكس تداعيات تلك المواقف الاستعدائية المتعجرفة والمتشددة، بحيث جاءت بحجم جبن أصحابها من تيار الإسلام السياسي، الذين تبنوا أساليب الترهيب والتخويف عند إقدامهم على تهديد النائب علي الراشد صاحب الاقتراح بإلغاء قانون منع الاختلاط، بالقتل وبالاغتيال، إذ كشف هذا (التهديد الإسلامي) عن جبن أصحابه ورعونتهم.. طالما تطبع هؤلاء المتعجرفون من الإسلام السياسي، العمل تحت جنح الظلام، وعبر حياكة الدسائس بين جدران مؤسساتهم وجمعياتهم، ضد كوادر تيارات الانتماءات التقدمية والديمقراطية في كل المناسبات وفي كل الأحوال. ولكن وعلى الرغم من قمع تيار الإسلام السياسي لكل ما يمت إلى عجلة التقدم والتطور بصلة، وما يتمخض عن تهديداته الدائمة والمستمرة بإنزال سيف التسلط على رقاب من اختلف مع أجندة خطابه الديني سواء أكانوا نوابا أم نساء أم مثقفين أم حزبيين في مختلف أقطار الوطن العربي، والكويت على وجه الخصوص، فإن ما حدث للنائب علي الراشد من ترهيب وتهديد، فإنه حادث كأنه لم يكن.. لكون النائب علي الراشد، قد صمم بمقترحه والمدعوم بإرادته أنه على الدرب سائر.. وانه بأفكاره المستنيرة قد عقد العزم هو ونواب التحالف الوطني الديمقراطي، على النهوض بالقوانين والتشريعات وتحديثها وتطويرها، وفي مقدمتها سعيهم في إلغاء القانون الذي يمنع الاختلاط في الجامعات.. وذلك إيمانا بمهماتهم النيابية والتشريعية، وانطلاقا من حقهم المشروع.. من حق النائب في تقديم أي مقترحات وإدخال أي تعديلات أو ملاحظات على القوانين والتشريعات. ويبقى القول صحيحا: ان اقتراح النائب علي الراشد بإلغاء قانون عدم الاختلاط، جاءت حقائقه منسجمة ومفاهيم الحياة وطبيعة المجتمع ومدنية الإنسان، وما يترتب على معالم الحياة العامة للمجتمع رجالا ونساء من دون استثناء.. فليس ثمة من قانون يمنع الاختلاط في الأسواق أو في الشوارع أو في المجمعات أو في العمل.. والأهم من ذلك كله ان النصوص والشرائع السماوية لم تحرم الاختلاط وخير شاهد على ذلك انها لم تمنع الاختلاط في موسم الحج وفي مواسم العمرة.. هذه الحقائق وهذه الوقائع وهذه الثوابت قد أكدت وتؤكد صحة عملية الاختلاط ما بين الجنسين بشكل عام.. فما بالنا إذًا بعملية الاختلاط بالمعاهد والجامعات؟ فإنها تظل مهمة.. بل أكثر أهمية اذا ما قورنت بالأماكن والمواقع الأخرى في أوساطها وبين أروقتها.. لأسباب محورية تطرق إليها النائب الكويتي علي الراشد بكل شجاعة وجلاء مشفوعة بالمبررات الموضوعية، اقترنت بالنتائج الميدانية، القائمة على دقة الحسابات العلمية والعقلانية التي ما يجهلها أو يتجاهلها عناصر ونواب تيار الإسلام السياسي وذلك بحسب ما جاء على لسان النائب علي الراشد بقوله “فشل قانون منع الاختلاط والفصل ما بين الجنسين في الجامعات بآثار سلبية انعكست على الطلاب والطالبات.. وإغلاق الكثير من المقررات أمم الطلاب بسبب قلة عددهم التي تمثل حجر عثرة بتأخير تخرجهم.. فضلا عن هدر الأموال الطائلة من أجل توفير مقار ومباني الجامعات والمعاهد الأخرى للطالبات بفعل الفصل ما بين الجنسين”. ونحن بدورنا نستطيع القول: ان منع الاختلاط في الجامعات والمعاهد قد يؤدي، بجانب (ما تطرق إليه النائب علي الراشد بهذا الصدد) الى الاضطرابات النفسية ما بين الطلاب المعزولين في جامعاتهم الذكورية، وما بين الطالبات المنكفئات في جامعاتهم الأنثوية.. بقدر ما يسبب لهم هذا الفصل المتاهات بخطواتهم المتعثرة، وزرع اليأس والإحباطات في نفوسهم وفي أغوارهم، بل يؤدي الى تمزيق شخصياتهم (عقليا وسيكولوجيا ووجدانيا) للطالب والطالبة على حد سواء، مما يؤدي الى تشويه مغازي ودلالات (التركيبة الإنسانية والمجتمعية والنفسية) التي تطرق اليها الفيلسوف اليوناني (أرسطو) بالقول: “الإنسان مدني بطبعه” ما معناه ان الإنسان لا يستطيع ان يعيش بمعزل عن الآخرين سواء أكان رجلا أم امرأة.. طالبا أم طالبة. وهكذا نستطيع القول: ان عملية الاختلاط في المعاهد والجامعات ما بين الجنسين قد تؤدي الى نتائج إيجابية ينشدها الطلاب والطالبات بقدر ما يسعى الى تحقيقها ذووهم وأولياء أمورهم، بل المجتمع بشكل عام، وما يتمخض عن تلك النتائج الإيجابية من العوامل الأساسية تعود أسبابها الى زرع الثقة في النفوس وترسيخها لدى الطلاب والطالبات وفي ارتقائهم وجدانيا وعاطفيا أولا.. وتمكينهم من تأدية رسالتهم التعليمية والثقافية والأدبية بنضج عقولهم ومداركهم ثانيا.. واستطاعتهم التكيف بمسئولياتهم المجتمعية والتأقلم بمهماتهم الإنسانية بتوطر أفكارهم ونهج حياتهم ثالثا.. وقدرتهم على تمثيل تاريخ شعبهم وحضارة بلدهم بمستوى الأبناء والبنات المتعلمين والمثقفين الذين ربطوا علومهم وتخصصاتهم بالثقافات التراكمية النوعية التي هي محور الحضارات الإنسانية رابعا.. هذه الأسباب الأربعة مجتمعة هي كفيلة بالرد على النواب الاسلاميين في مجلس الأمة الكويتي وعلى عناصر تيار الإسلام السياسي في الكويت، الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، ونزلوا الحد على رقاب النائب علي الراشد بتهديده بالقتل.. ولكن ستظل المواقف الوطنية والمبدئية لنواب التحالف الوطني الديمقراطي ماثلة في تاريخ مجلس الأمة الكويتي عبر الأعوام وتعاقب الأجيال.. بحسب ما تمثل أفكارهم المستنيرة قبسا يضيء بإشعاعاته درب الشعب الكويتي العاشق للحرية من دون أي وصايا وفتاوى إسلامية.
 
صحيفة اخبار الخليج
29 فبراير 2008