المنشور

الغلاء و تدهور مستوى معيشة المواطن

هناك الكثير من القضايا و الأمور التي لا يكترث لها المواطن العادي أو يتأثر بها والتي لا تمس حياته اليومية بشكل مباشر بقدر تأثيرها وارتباطها بتدني الحياة المعيشية سواء أن كان ذلك بما يتعلق بدخله الشهري أو ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية.  وباتت قضية اليوم والتي تمس حياة شعوب العالم قاطبة هي الارتفاع الحاد والمتواصل في أسعار السلع الأساسية وحتى الغير الأساسية، وما نحن بصدده هو رصد ظاهرة الغلاء الآخذة في الصعود بوتيرة لم يسبق أن مرت بها غي تاريخ الشعوب مع الانخفاض الحاد للقوة الشرائية. 
نحن هنا لسنا بصدد تحديد الأسباب أو جذور القضية من الناحية الاقتصادية وبشكل أكاديمي بل لإلقاء الضوء على بعض جوانبها قدر ما أمكن وترك ذلك لكي يستنبط المواطن هذه الأسباب والعوائق التي تحول دون التوصل إلى حلول ايجابية تخفف عن كاهله هذه المعاناة. فالملايين من الأفراد حول العالم يواجهون مستقبل مجهول غير مضمون مهدد بالمجاعة وسوء التغذية. 
في الآونة الأخيرة كتب الكثير والكثير حول هذا الموضوع حتى بات المواطن لا يكترث بما يكتب، بل ربما احدث له بعض البلبلة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن وبإلحاح وفي هذا الوقت هو هل هذه الظاهرة تختلف عن سابقيها أم هي مجرد تكرار لما حدث في نفس الدورات السابقة؟ .والشيء المثير هو الارتفاع المستمر في أسعار النفط دون أن يؤثر ذلك على مستوى معيشة المواطن!!! ويتساءل البعض فيما إذا كانت هذه الارتفاعات في الأسعار مقدمة لما هو أسوأ أو ما يعرف بقمة الجبل الجليدي. من وجهة نظر اقتصادية، يمكن تفسير ذالك بجملة من الأمور والقضايا المتداخلة وذات طابع كلاسيكي بشكل مباشر أو غير مباشر وهي كالتالي:  
1. كساد أو فتور اقتصادي مقترن بالبطالة (DEPRESSION) .
2. فترة ركود أو فتور مؤقت في النشاط الاقتصادي (RECESSION) وهنا يجب أن يتبادر إلى الذهن فقدان الوظائف  وإغلاق المصانع وأوقات عصيبة للعائلات والأفراد .
3. تضخم مالي (INFLATION)  بسبب إصدار الأوراق النقدية من غير غطاء ذهبي أو ما إلا ذالك، والتضخم المالي هو بمثابة حركة تصاعدية في معدل مستوى الأسعار وعكس ذلك هو ما يعرف بالانكماش DEFLATION)) الذي هو بمثابة حركة تنازلية في معدل مستوى الأسعار. والحدود بينهما هو استقرار الأسعار. 
4. إحدى أزمات الرأسمالية بتطورها الحالي هي العولمة والخصخصة واتفاقيات التجارة الحرة ونسبة الصادرات البحرينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومع تدهور قيمة الدولار حيث تزداد المدفوعات. 
 
وكذلك وجب التنويه بفترات تجربة الدول الاشتراكية، فهل ما حدث خلال الـ70 عاما وما نشاهده الآن وعلى هذا الشكل المدمر، فبالرغم من أن مركزية الدولة كانت لها بعض التبعات السلبية ولم تكن قادرة على إيصال التقنية الحديثة في الإنتاج على ما هو عليه الآن حيث أن ذلك يعد بمثابة قمة التطور الرأسمالي. وإن علل بعض منظري الرأسمالية ذالك بحتمية حدوثه بالنظر لزيادة عدد سكان العالم فإن الابتكارات العلمية قد أدت إلى زيادة الإنتاج العالمي بشكل لم يسبق له مثيل جنبا إلى جنب مع افتقار الشعوب والمجاعة والدمار الاقتصادي لشعوب كثيرة. 
وعليه فقد لاحظ الفيلسوف الاشتراكي الثوري “كارل ماركس” بشكل ثاقب تلك الجدلية عندما أعلن قبل 150عاما بأن الرأسمالية سوف توفر لأول مرة في تاريخ البشرية  إمكانية اتساع رقعة الإنتاج لأجل تلبية الحاجات الأساسية لسكان العالم لكنه لاحظ أيضا انه على الرغم من أن الرأسمالية سوف تضاعف الإنتاج ولحد معين، وفي النهاية فإن النظام سيضع زيادة الأرباح فوق جميع الاعتبارات، وهذا بنفسه سوف يكون عقبة لأي تطور آخر.
وهذا ما نتوقع أن نواجهه مستقبلا، أن الملايين من البشر سيعانون من الجوع وملايين أخرى سوف يعانون سوء التغذية وهذا لأن النظام معد لجني الأرباح فقط، بدلاً من تلبية حاجات الأفراد الأساسية. 
هذا من منظور فلسفي، أما من منظور واقعي وبعد الحرب الباردة فيمكن تلخيص العوامل المؤثرة كالآتي:
1. سيطرة وتحكم الدول الصناعية “الاستعمارية سبقاً” على مقدرات الشعوب.
2. تنامي وتضخم الصناعة الحربية لتلك الدول، الأمر الذي أدى بدوره إلى خلق مناطق التوتر الدائم والحروب والنزاعات و”احتلال” الدول الغنية بالخيرات المادية وعسكرة الاقتصاد، الأمر الذي أدى إلى القضاء على التنمية في الكثير من الدول النامية التي كانت مصدر المواد الأساسية إبان الحقبة الاستعمارية. حيث أصبحت هذه الدول تعتمد كلياً على إمدادات الدول الصناعية الكبرى والذي أدى بدوره إلى دورة مديونية بشكل تراكمي، وبهذا أصبحت الشعوب تدفع فواتير الغلاء ويئن تحت وطئتها الفقراء في العالم كله.
3. إن حكومات الدول الصناعية تلجئ إلى شتى الوسائل لجعل الأسعار في ارتفاع دائم، وتاريخيا لا يمكن نسيان تدمير المنتجات من قبل الدول الصناعية للحفاظ على ارتفاع الأسعار.
4. الاتجاه إلى زراعة ما يسمى بالوقود الحيوي (BIOFUELS) والذي بدوره أصبح تجارة مربحة جدا على حساب إنتاج الضروريات مثل القمح والأرز. فالولايات المتحدة وحدها قد حولت أكثر من 40 مليون طن من إنتاج الذرة إلى “إيثانول” كوقود حيوي. 
وما نستنتج مما سلف ذكره أن سبب الغلاء بالأساس هو سياسة العرض والطلب وسياسات الدول الصناعية الكبرى. فما العمل إذا؟؟!! 
للجواب على هذا السؤال يجب الرجوع إلى الشأن المحلي، ففي الوقت الحالي لا يمكن الدفاع عن الكادحين والفقراء خارج الإطار القانوني أي خارج البرلمان، ولكن بإيصال أشخاص يمثلون كافة أفراد الشعب ولا يمثلون طوائف بحد عينها. فإن الوضع الحالي للبرلمان لا يمكن أن يؤدي إلى إجراءات عملية للحد من تدهور الحالة المعيشية للمواطنين، والجميع آخذ في دفع ضريبة إيصال هؤلاء النواب إلى قبة البرلمان . وعلى هذا الأساس يتطلب الأمر تواجد الممثلين الحقيقيين للشعب في سدة العمل النقابي والنيابي، والذين بإمكانهم الدفاع عن حقوق الشعب وبالأخص الفئات الكادحة والفقيرة منه. 
  
خاص بالتقدمي