المنشور

أحوالنا المائلة‮..!‬


فوجئنا وخفنا وانزعجنا من هذا الذي تابعناه وشاهدناه وسمعناه وقرأناه لنواب كثر غلب عليه الطابع الكاريكاتوري وعبر عن المدى الذي بلغت فيه أحوالنا المائلة التي بات واقعنا يزخر بها.
هؤلاء النواب يصرون على أن يفاقموا من غلواء الحالية الراهنة بكثير من المزعجات، وأن يفتحوا أبواباً للتأويل وسوء الفهم، والانسياق وراء المشاعر المفرطة في الحيرة، وأن يثيروا لدينا كل ما يمكن حشده من علامات التعجب والاستفهام، وشعوراً لدى المواطن بازدراء ذكائه حينما يصر هؤلاء النواب بأن يظهروا لنا في صورة أنهم أعقل العقلاء في البلاد، وأحكم حكمائها، وأخلص المواطنين فيها، وأنهم وحدهم المفوضون نيابة عنا بحلول هموم ومشاكل الحاضر والمستقبل، وما علينا إلا أن نذهب بكل اطمئنان إلى حال سبيلنا..!
وإذا كنا نحسب أن أي كلام في شأن هذا الذي أزعجنا وأخافنا من تفاصيل وحيثيات ومواقف كثيرة أصبحت موثقة جميعها في سجل هؤلاء النواب، ولأن هناك أموراً كثيرة جديرة بالتوقف والتنبه، فإننا نكتفي هذه المرة بالإشارة إلى أمرين:                 
الأمر الأول، هو المدى المتدني والمستفز الذي بلغته العلاقات واللغة الخطابية للنواب الذين اختلفوا وتجادلوا وتقارعوا وتطاولوا على بعضهم البعض، وتبادلوا الافتراءات والاتهامات والتخوين، وخرجوا عن حدود اللباقة واللياقة والرزانة وفي بعض الحالات الأدب..!
هؤلاء النواب – هداهم الله – يتحول كل حديث لهم إلى مشكلة، وكل رأي أو تصريح أو خطبة أو موقف إلى خلاف يعقبه خلاف، وذهبوا إلى أبعد مما ينبغي حينما جعلونا مسكونين بأجواء ملوثة اختلط فيها الحابل بالنابل، والحق بالباطل، وما برحوا يخوضون هذا الخلط في كل مناسبة، ومنهم من تفوق بامتياز، رغم أن كل واحد منهم يدعي أنه الذي يمتلك ناصية الحق، وأنه على الصراط المستقيم.
المحزن والمثير والغريب والمتكرر أن النواب المعنيين الذي أصبحوا يعرفون بنواب التأزيم والأزمات ولدوا لدينا شعوراً بالأسى، وهو أسى مركب، مرة لتصرفاتهم وأقوالهم ومواقفهم وغوغائيتهم، ومرة ثانية لأن هذا الذي يحدث يأتي تحت مظلة الممارسة النيابية، والتجربة الديمقراطية وتمثيل الشعب، ومرة ثالثة لأنهم يظهرون لنا بصورة المدافعين عن الدين والوطن والأعراف النيابية.
المشهد النيابي بلغ حد العبث ليس بسبب الانقسام إلى فريقين ومدى التنافر خاصة في المحطات السياسية الحساسة، أو محاولة فرض منطق الغلبة العددية في كل ما يعرض ويثار بالمجلس النيابي، وليس بسبب تصنيف النواب بين موالاة ومعارضة، كما إنه ليس بسبب حرب الفتاوى القانونية وبيانات الكتل النيابية الباعثة على الاستفزاز، وليس بمحاولة فرض الإرادة والرأي والموقف من طرف على الآخر، وإنما بسبب تمييع وطأفنة قضايا الناس والوطن، وما التصعيد الأخير في الآراء والمواقف واللغة الخطابية الفجة بين النائب المثير حقاً جاسم السعيدي الذي يبدو مسروراً أن يوصف برجل الخطابات النارية والتصريحات الملتهبة، وبين نواب وبلديين من كتلة الوفاق من جهة، وبين هذه الكتلة والكتل النيابية الأخرى، لا سيما تلك التي جاءت على خلفية الاستجوابين المعروفين، هذه اللغة الفجة تعكس فجاجتها صور كثيرة، منها على سبيل المثال تلك اللغة التي بلغت إلى حد قيام السعيدي باللمز إلى “الأصول الفارسية” لبعض النواب، واتهام أعضاء كتلة الوفاق بالعجز والفشل والاصطفاف الطائفي وبأنهم لا يفقهون ما يحدث وليس لهم من العقل شيء.. وجاء رد النائب د. جاسم حسين ليكمل هذه الصورة حينما اتهم السعيدي بأنه أبو جهل البحرين وأنه الذي يتكلم دوماً بفكر عنصري ونفس طائفي، ومن العار أن يكون مثله في مجلس النواب.
ذلك المستوى ما هو إلا مثال ونموذج للتدني في لغة الخلاف والاختلاف بين النواب، وهذا هو الأمر الأول الذي فاجأنا وأخافنا وأزعجنا، لأنها لغة ساخنة تبنت خطابات مراوغة وملغومة تسوّغ المخاوف والهواجس وتحرض وتؤجج وتدفع إلى شحن طائفي بغيض غير مسبوق، وهذا أخطر ما في الأمر، حتى وإن ظهر من ظهر من النواب متشبثاً حينما يتحدث باستخفافه لنا عن الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية.
ذلك بالنسبة للأمر الأول..
أما الأمر الثاني الذي فاجأنا وأخافنا وأزعجنا، فهو ردة الفعل التي جاءت على خلفية الجريمة التي راح ضحيتها مواطن على يد عامل بنغالي، هذه الجريمة هزت المجتمع لبشاعتها، ولكن لم يكن من الحكمة، ولا من المنطق أن نكون محكومين بردود فعل انفعالية إلى الدرجة التي نطالب فيها بعقاب جماعي على كل العمالة البنغالية، والأدهى والأمر أن يقع بعض النواب في فخ التعميم ويصفون العمالة البنغالية بالمجرمة، في موقف عنصري واضح، ويعلنون عن تبنيهم في مجلس النواب ما يمنع من استقدام هذه العمالة..!
البحرين شهدت جرائم كثيرة من عمال ينتسبون إلى جنسيات آسيوية عديدة، فهل على إثر كل جريمة نذعن إلى ردود الفعل الانفعالية العنصرية واستهداف عمالة بعينها في كل مرة، في وقت فازت فيه البحرين بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتؤكد فيه الدولة التزامها بالقوانين والأعراف الدولية وصيانة الحقوق.
يعنينا من هذا الذي جرى موقف النواب تحديداً، لأنهم وبفضلهم يسجلون شهادات تاريخية تشين المرحلة، وكل ما هو مطلوب الآن على الأقل إعادة الاعتبار للعمل النيابي والسياسي حتى يكون هذا العمل كما هو في الدول الراقية مسؤولية بناء وطن ومشاركة راقية في الحكم وحتى في المعارضة، وبذلك سنقف للنواب تقديراً واحتراماً.
 
الأيام 6 يونيو 2008