المنشور

هيبة القضاء وتعميم ديوان الخدمة


من أهم شروط البناء الديمقراطي في أي مجتمع انجاز الفصل بين السلطات الثلاث، ومنع تداخل الصلاحيات بينها، وضمان استقلالية أن تؤدي كل واحدة من هذه السلطات مهامها بعيداً عن تأثير وضغوط سلطة أخرى. ومؤخراً أكد جلالة الملك على ضرورة احترام قرارات القضاء، وهو أمر ينسجم مع الحرص على أن تكون السلطة القضائية في البحرين مستقلة عن كافة تأثيرات السلطة التنفيذية، وكذلك عن الأهواء والضغوط الأخرى التي يمكن أن تؤثر على قراراتها. وفي كل الأحوال نحن مطالبون بالتأكيد على هيبة القضاء وعلى استقلاليته، مع ما يترتب على ذلك من تأمين لشروط وضمانات هذه الاستقلالية في كافة مراحل نظر القضايا المعروضة عليه، بما في ذلك في مراحل التحقيق الأولى التي تلي القبض على المتهمين، وضمان حضور محامين عنهم منذ البداية. ومن ذلك أيضاً الإصغاء لمطالبات الدفاع في التيقن من أن أقوال المتهمين أثناء التحقيق أو أمام المحكمة لم تفرض تحت تأثير أي صورة من صور الإكراه والتعذيب.  وكلما حرصت الهيئة القضائية في بلادنا على التيقن من استيفاء مثل هذه الشروط، وهي تؤدي عملها، كلما عززت مناخ الثقة في أدائها، وكرست صدقيتها في أعين الماثلين أمامها من متهمين، وفي أعين المحامين وكذلك الهيئات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بقضايا حقوق الإنسان، وأشاعت اطمئناناً إلى سلامة قراراتها، بما يحقق دعوة جلالة الملك في أن تكون كلمة القضاء مهابة ومصانة في المجتمع. ومن موقع الحرص على مهابة القضاء في بلادنا، وثقتنا في أنه يمكن أن يكون ضامناً للحريات ولحقوق الإنسان، بودنا التوقف أمام التعميم  رقم ٤ لعام ٨٠٠٢ »بشأن الإجراءات التي سيتم اتخاذها ضد العاملين في الجهات الحكومية في حالة قيامهم بأعمال من شأنها أن تزعزع الأمن والاستقرار« الذي أصدره ديوان الخدمة المدنية للوزراء ولرؤساء الهيئات الحكومية في العشرين من يوليو / تموز الجاري، داعياً إياهم لاتخاذ إجراءات صارمة ضد من يثبت اشتراكهم في أعمال تخريب أو تجمعات غير مرخصة. ولسنا في وارد الدفاع، بأي صورة من الصور، عن أي شكل من أعمال  التخريب أو الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة، ولا عن التجمعات غير المرخصة، لكننا بالمقابل، لا نرى أن مهمة معاقبة من يشترك في مثل هذه الأعمال هي من مهام جهاز تنفيذي كديوان الخدمة المدنية أو سواه، وإنما هي تحديدا مهمة السلطة القضائية المعنية بتقرير شكل وحجم العقوبة عن أية مخالفة للقانون. إن الخشية مشروعة، من واقع تجارب سابقة، بأن يجري التعسف في استخدام محتوى هذا التعميم للتضييق على حرية التعبير وأشكال الاحتجاج السلمي الراقي التي أكد على احترامها جلالة الملك في توجيهاته الأخيرة، خاصة وان تعميم ديوان الخدمة المدنية ينص صراحة على أن الديوان سيقوم بتعديل تعليمات الخدمة المدنية رقم ٢١ لعام ٧٠٠٢ بشأن جدول المخالفات والجزاءات بما يتماشى مع تعميمه الأخير، وهو أمر يثير مخاوف شديدة من توسيع نطاق هذه الإجراءات والتعسف في استخدامها. إن أي عقوبة يجب أن يُنص عليها صراحة في القانون، وأن يكون القضاء هو المعني بتقرير إيقاعها على من يثبت له انه خالفها، ففي ذلك تعزيز لمبدأ فصل السلطات وتوكيد لهيبة القضاء ومكانته التي ننشدها.

 
الأيام 30 يوليو 2008