المنشور

من وحي‮ ‬قمة التعاون


لو قورن وضع مجلس التعاون لدول الخليج العربية بأطر تعاون إقليمية عربية مشابهة كتلك التي في المغرب العربي أو تلك التي كانت في المشرق فإنه أحسن حالاً بالتأكيد، على الأقل من حيث إستمراريته كإطار تنسيقي استطاع التغلب على الصعوبات المختلفة التي اعترضت مسيرته على مدار السنوات التي انقضت منذ تأسيسه، رغم التطورات العاصفة التي شهدتها هذه المنطقة خلال هذين العقدين وربما بسببها أيضاً.   
ولا يمكن كذلك إغفال أن وجود المجلس ساهم في تكريس حقيقة سابقة له، هي التقارب السياسي والتاريخي والتكوين النفسي والثقافي لأهالي المنطقة، وأقام فضلاً عن ذلك، بعض أشكال التنسيق والتعاون في أكثر من مجال، تصب بهذه الصورة أو تلك في مصلحة دول وشعوب المنطقة، وتسهم موضوعياً، في إرساء أسس التكامل والوحدة الخليجية التي تظل طموحاً مشروعاً نصبو إليه، وربما لا يكون لدولنا مفر منه في عالم لا يأبه إلا بالأقوياء.
هذا كلام لا بد أن يقال من منظور المقارنات مع حالات عربية مشابهة في واقع عربي اتسم بتردي العلاقات فيما بين أطرافه كما لم تترد في السابق، ولكن هذا يجب ألا يصرف الأنظار عن كون أداء المجلس ما زال أقل بكثير من تطلعات شعوب بلدانه، وأن كثيراً من الأهداف والغايات التي وعد بها قادة المجلس هذه الشعوب لخطة تأسيسه لم تتحقق.  ومن يعود لاستطلاعات الرأي التي تقوم بها أجهزة الإعلام، خاصة الصحافة كل سنة لمعرفة نظرة أوساط الرأي العام الخليجي تجاه الأهداف المنشودة من المجلس سيلاحظ أن هذه النظرة لم تتغير منذ سنوات طويلة، وأن الآمال ما زالت معقودة على الأهداف نفسها التي لم تنجز. ومن أمثلة ذلك التكامل الاقتصادي والعملة الموحدة وتفعيل الهيئات الخليجية المشتركة في حقول التجارة أو الاقتصاد عامة، وحقول التعاون الثقافي والاجتماعي وتطوير حجم وأشكال المشاركة السياسية وبلورة كيان خليجي موحد ومتماسك. وهي جميعاً تحديات حقيقية في مجالات الأمن والتنمية والتطور السياسي في عالمٍ لا يمكن أن يتصرف بلا مبالاة أو استخفاف تجاه ما يجري في المنطقة أو حولها بسبب الثروات التي يضخها جوفها يومياً لهذا العالم، وسيظل يضخها لسنوات طويلة قادمة . لقد شهدت منطقتنا منذ تأسيس الكيان الخليجي الموحد ثلاث حروب اكتسبت كلها طابع التدويل الواسع، وطبيعي إن كل ذلك ضاعف من حجم الإحساس بالهاجس الأمني، بيد أن هذا الهاجس خاصةً بالنسبة لدول صغيرة محدودة السكان بحاجة إلى تطوير صيغة التعبير عنه، عبر إدراك أن الأمن مفهوم شامل ينطوي على عناصر اقتصادية تنموية واجتماعية وسياسية مما يتطلب المزيد من تطوير المشاركة الأهلية وتحديث البنى الإدارية وترسيخ الشعور بالهوية الوطنية الموحدة. وهذه أمور تقتضي سلسلة من التدابير تزداد الحاجة إليها إلحاحا في ظروف الأزمة المالية العاصفة التي تجتاح العالم، والتي طالنا وسيطالنا من نتائجها المدمرة الشيء الكثير، بسبب انكشاف الإقليم الخليجي على الخارج، وهو انكشاف لبعض عناصره طابع موضوعي لا فكاك منه بفعل تدويل الاقتصاد والسياسة، لكن هذا لا يجب أن يحول دون التبصر في مستقبلنا باستقلالية أكبر تنطلق من حساب مصالحنا، لا مصالح الآخرين.
 
الأيام 31 ديسمبر 2008