المنشور

المصالحة والعدالة الانتقالية


شهد فندق «كراون بلازا» أمس تأسيس «فريق عمل عربي حول المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية»، وهي فكرة كانت قد طرحت في اجتماع لنخبة من الحقوقيين والباحثين منذ العام 2007 في المغرب، ولكنها انطلقت أمس من البحرين.

“العدالة الانتقالية” مفهوم ينطلق من فكرة أساسية تقول بأنه وعلى رغم اختلاف الأزمات السياسية في خلفياتها ومسبباتها وطرق انتهائها من النواحي الاقتصادية والسياسية والثقافية، إلا أنها جميعاً تشترك في موضوع يرتبط بكيفية التعامل مع أثقال الماضي المصحوب بذاكرة المعاناة وتعرّض مختلف الأطراف لانتهاكات تبقى معهم طوال حياتهم ويورّثونها لغيرهم… ولذلك فإن هناك حاجة لمعالجة هذا الموضوع، وهو محور مفهوم «العدالة الانتقالية»ذلك لأن الديمقراطية لا يمكن تأسيسها على تاريخ كاذب.

إن التجارب الإنسانية جاءت بفكرة لتجاوز آلام حقب سالفة من خلال «المصارحة» و«المكاشفة»، وقول «الحقيقة» عن الماضي، ومن ثم «التسامح» و«التصالح» بحيث يتحرك الوطن من دون أعباء لها علاقة بالماضي الذي لا يمكن مسحه من الذاكرة، ولكن يمكن التعامل معه من خلال «العدالة الانتقالية». العدالة الانتقالية تعني تشكيل “هيئة مؤقتة”  بمشاركة رسمية وأهلية وتستند إلى البحث والتحري لكشف حقيقة ماضي الانتهاكات، ومن ثم «جبر خاطر» الضحايا، وبعد ذلك وضع السياسات والآليات لمنع تكرار الماضي… وبالتالي فإنها تساعد على الانتقال إلى الديمقراطية. والعدالة الانتقالية تعبر عن تشغيل العقل والحوار ومد الجسور بين الدولة والمجتمع، وهي أساساً دعوة إلى “إصلاح ذات البين”.

وقد كانت الأمم المتحدة قد اعتبرت في 2004 أن «العدالة والسلام والديمقراطية» تستند إلى بعضها بعضاً، وأن «السلم» يتطلب «توثيق الثقة بالمستقبل»… ومن هذا المنطلق فإن فكرة العدالة الانتقالية تسعى إلى «توثيق ثقة الناس بالمستقبل» وتحقيق السلم الأهلي من خلال مداواة جروح الماضي واعتماد آليات تضمن عدم تكرار الماضي.

بالأمس احتضنت المنامة نخبة من أفضل الخبراء الذين شاركوا في إنجاح فكرة العدالة الانتقالية في بلدان أخرى، وهؤلاء شرعوا في تأسيس «فريق عمل عربي» لتفعيل المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية في الدول العربية التي تشهد انتقالاً نحو الديمقراطية… والبحرين تستحق أن تكون المكان الذي انطلق منه هذا الفريق العربي المتخصص، ولكننا أيضاً بأمسّ الحاجة إلى تفعيل هذه الفكرة بمشاركة مسئولين رفيعي المستوى وأصحاب قرار مؤثر مباشرةً في الوضع المحلي… فالبحرين حالياً تشهد عودة لأحداث كنا نتصور أنها أصبحت من التاريخ، ولعل أحد أسباب ذلك أننا لم نشرع في تفعيل برنامج للعدالة الانتقالية بعد العام 2001. إن الوقت والفرص مازالت متاحة أمامنا، وما على أولئك الذين يهمهم أن نعيش مستقبلاً هانئاً إلا الاستماع إلى هذه الأفكار المستنيرة وتنفيذها بما يناسب بيئتنا البحرينية.
 
الوسط 29 فبراير 2009