المنشور

من سيدفع الفاتورة؟

أبسط وأوضح وربما أدق تحليل عن الأزمة الاقتصادية المالية العالمية قرأته مؤخراً في دراسة للمناضل المغربي علي فقير. والدراسة والتي جاءت على شكل أسئلة وأجوبة تقدم مادة تعريفية مناسبة لمختلف مستويات القراء، ويتتبع فيها كاتبها الملابسات التي أحاطت بظروف تشكل الأزمة، بدءا من معقل الاقتصاد الرأسمالي العالمي، أي الولايات المتحدة الأمريكية. طبقاً لما يذهب إليه علي فقير في دراسته فإن نحو 34% من العائلات الأمريكية لا تملك مسكناً، وهذه النسبة تشكل الشرائح الأكثر فقراً في المجتمع الأمريكي. هذه الشرائح كانت المادة التي نصبت عليها البنوك والمضاربون في سوق العقار، وأدت في ما بعد إلى ما عرف بأزمة انهيار سوق العقار الأمريكي، وهي الأزمة التي انداحت دوائرها، دائرة عن دائرة، حتى بلغنا الأزمة المالية العالمية الحالية. بدأ الأمر بحملة إعلامية واسعة، في سوق إعلان معروفة بفعاليتها وتأثيرها السيكولوجي الكبير، فحواها شعار مليء بالوعد، ولكنه الوعد الزائف، فحواها:»لكل مواطن مسكن». ثم انطلقت حملة منح القروض للمحتاجين، ولكن على أساس شرطين: الأول هو رهن العقار المُشترى للبنك الذي يحتفظ بملكيته، ولا يسلم أوراقها قبل سداد ما في ذمة صاحب المسكن من قروض وفوائد. أما الثاني فهو تسديد القروض على أساس سعر فائدة متحرك، مما كان يمنح البنوك حرية تغيير القسط وفق ما تقرره من ارتفاع أو هبوط نسبة الفائدة. هنا مربط الفرس، فالبنوك سلمت الأموال لأناس تعرف سلفاً صعوبة وفائهم بالقروض والفوائد المترتبة عليها، معولة على ارتفاع نسبة الفائدة، التي تقول بعض الدراسات إنها ارتفعت إلى نحو400%. بعد سنتين أو ثلاث من التسديد يعجز المقترِض عن مواصلة سداد الأقساط، فيضع البنك يده على العقار ويطرحه للبيع بمبلغ أكبر، فيما تجد العائلة العاجزة عن السداد نفسها في الشارع بلا سكن. كما هي العادة في النظام الرأسمالي، كانت الفئات الكادحة والوسطى هي المتضرر الأكبر من الذي حدث، بعد أن فاق العرض الطلب، حيث تقلص هذا الأخير نتيجة الهلع الذي أصاب المواطنين بعدما أفاقوا على عملية الاحتيال الكبيرة التي وجدوا أنفسهم ضحايا لها. صار طواغيت المال في العالم بعد ما بلغت دورة الاحتيال نهايتها يجأرون بالشكوى، محذرين من الخراب الكبير الذي سيواجه الاقتصاد إذا لم يجر تدارك الأمر. فجأة تذكر هؤلاء الطواغيت أن هناك شيئاً اسمه الدولة، وهي مطالبة بحمايتهم، فتداعت حكومات العالم لضخ الأموال، ولكن مرة أخرى إلى جيوب سادة الاحتيال. أما كيف سيحدث ذلك، فالدراسة تؤكد أن الزيادة في الضرائب قد أصبحت حتمية لا مفر منها، وبما أن اغلب الشركات الكبرى تعاني من الأزمة فان مختلف الضرائب ستمس بالأساس المواطنين في مداخلهم، ومن المنتظر كذلك تعميق سياسة النهب الامبريالي لخيرات الشعوب عبر العالم، لذا فان الطبقة العاملة والشعوب عامة هي من سيدفع في نهاية المطاف فاتورات الأزمة. أما المضاربون الكبار الذين نسجوا منذ سنين شبكات استخباراتية داخل العالم المالي وداخل الشركات العملاقة ، فإنهم جعلوا رهاناتهم في الأسواق المالية مربحة رغم الأزمة، ومثلهم سيفعل الموظفون السامون الساهرون على توزيع المليارات.
 
صحيفة الايام
29 ابريل 2009