المنشور

سنوات القاهرة وما فعلته الحياة بنا

في التفاتة جميلة تداعى عدد من خريجي وخريجات جامعات القاهرة البحرينيين إلى تنظيم حفل جمع أولئك الذين درسوا هناك في الفترة بين 1970 – 1980 وأنا بالمناسبة واحد من هؤلاء. الأخت الفنانة لبنى الأمين التي كانت ضمن فريق التنظيم طلبت مني أن ألقي كلمة في الحفل، ورغم أن مكوثي في القاهرة لم يبلغ العامين، وحال إبعادي منها بسبب نشاطي الطلابي يومها دون إكمال دراستي في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، إلا أني اشعر بانتماء عميق لتلك المرحلة بكل ما فيها من تفاصيل إنسانية حميمة، ومن نشاط طلابي ووطني أعتز به كثيراً كما يعتز به كل المخلصين من أبناء وبنات تلك المرحلة. في مطالع السبعينات، وبسبب انخراطي في أنشطة مطلبية لطلبة الثانويات، وجدت نفسي، وخمسة من رفاقي في مدرسة الحورة الثانوية للبنين، مفصولين من المدرسة، فكان أن انتظمت في العمل في أسبوعية «صدى الأسبوع»، التي كنت قد التحقت بها قبل ذلك بنظام الدوام الجزئي، فيما أكملت دراستي الثانوية عن طريق الانتساب. حملت رسالة إلى أحمد خليفة السويدي وكان يومها وزيراً لخارجية دولة الإمارات، قدمني فيها له على أني أحد الصحافيين الشباب الواعدين، وطلب مساعدته على تأمين منحة دراسية لي لدراسة الإعلام في القاهرة. طرت إلى أبوظبي ومعي الرسالة، ولكن الأستاذ السويدي كان وقتها مسافراً، فرتب لي مدير مكتبه موعداً مع المرحوم سيف غباش وزير الدولة للشؤون الخارجية، الذي رحب بي، وأوعز بتحويل أوراقي للجهات المختصة لعمل اللازم. لم أحظ بمقعد في كلية الإعلام، فكان أن التحقت بكلية الحقوق في جامعة القاهرة، وللحكاية تتمة تطول ليس هنا مقامها. حفل البحرينيين من خريجي وخريجات القاهرة أعادنا إلى مطلع شبابنا المبكر، إلى تلك السنوات الرائعة المفعمة بالحب والنشاط والحيوية والآمال الكبرى التي كانت بحجم الدنيا. وحين نحنّ إلى القاهرة، لا نَحنّ فقط إلى فيلا رقم 24 بشارع الدكتور السبكي بمنطقة الدقي حيث مقر الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، التي كانت قبل ذلك مقراً لرابطة طلبة البحرين والتي تعاقب عليها ممثلو تيارات سياسية مختلفة، ولا نحنّ فقط إلى نيل القاهرة ومقاهيها وحدائقها وكليات جامعاتها ودور السينما والمسرح فيها. وإنما نحنّ أيضاً، وربما أساساً، إلى ذلك الزمن الجميل الذي عشناه، زمن الانفتاح والتسامح والأفق الوطني الواسع. ولعل حلم الكثيرين والكثيرات منا في وطنٍ أجمل إنما تشكل هناك، وان كان من جذوةٍ بقيت في النفوس فهي عائدة إلى تلك النار العظيمة التي أضاءت دروبنا قبل ثلاثين عاماً أو أكثر. وللقاهرة هذه المدينة العظيمة، الساحرة بنيلها وليلها وعوالمها الثرية وناسها الطيبين، كل المحبة والتقدير على ما علمتنا اياه، سواء في مدرجات جامعاتها، أو في كتب وروايات كتابها ومبدعيها، أو في موسيقى وسينما ومسرح فنانيها العظام، وعلى ما وهبتنا من بهجة تشربت بها نفوسنا.
 
صحيفة الايام
28 مايو 2009