المنشور

نوابنا ودورهم الرقابي.. !


لا يحتاج المرء إلى وقت ومجهود كبيرين ليكتشف أن ثمة خللاً كان ومازال قائماً في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، رغم الكم الكبير من العناوين التي تؤكد على وجود علاقة تعاون مثلي بين الطرفين.

ولكن إذا ما تفحصنا مجريات هذه العلاقة، فسوف نجد كماً من التجاذبات والمماحكات والمشاحنات والمناكفات بين الطرفين، تجلت في أكثر من صورة لعل منها ما جاء على خلفية امتناع الوزراء عن حضور جلسات مجلس النواب واتهام الحكومة بعدم التعاون، وحول إعانة الغلاء، وكذلك حول مسألة تأخير ردود الوزراء والجهات الرسمية على أسئلة النواب، وامتد الأمر إلى ما يتصل باستجوابات بعض الوزراء بصرف النظر عما آلت إليه هذه الاستجوابات ومشاريع الاستجوابات، وجاء الرفض الأخير لمجلس النواب بعدم إفراز الحساب الختامي الموحد للسنة المالية المنتهية في 2006 – 2007 ليشكل أحدث صورة من الصور التي تستدعي التأمل في العلاقة بين مجلس النواب والسلطة التنفيذية.

يعلم -خصوصاً- المتابعون لمجريات الأمور في مجلس النواب إلى أي مدى ذهب بعض النواب في اتهام السلطة التنفيذية بأنها تخالف الأعراف الدستورية والأعراف البرلمانية، فيما ذهب البعض الآخر إلى القول بأن الحكومة تستأسد على مجلس النواب وأن تقلب النصوص الدستورية والقانونية لتصبح هي الجهة المسؤولة عن الرقابة السياسية والقانونية وتتولى دور مجلس النواب، وأن الحكومة نصبت نفسها حكماً وأخذت دور السلطة القضائية في الحكم على تفسير النصوص وصحة تطبيقها، كل ذلك وأكثر، قاله نواب كثر وهو كلام موثق ومعلوم ومنشور. في نفس الوقت، فإن ما هو موثق ومعلوم ومنشور ما ردده سمو رئيس الوزراء في شأن علاقة الحكومة بمجلس النواب، فسموه شدد في أكثر من مناسبة على حرص الحكومة على إنجاح دور مجلس النواب تشريعياً ورقابياً، وأنها –الحكومـــــــة– «لا تتردد في لحظة عن دفع هذا التوجه وتحقيقه واقعاً، وأن التعاون المشترك باق ولن يتأخر بل سينطلق إلى خطوات متقدمة ولن يسمح بحدوث ما يعكر صفو هذا التعاون».

لا شك أن ذلك الاستعداد طيب، ولكن واقع ممارسة بعض الوزراء والنواب على حد سواء خلقت في كثير من الأحيان أجواءً هي أبعد ما تكون عن الصفاء وأقرب ما تكون إلى البلبلة، فإذا بإشكالية جديدة تحتل مركزها على صعيد العلاقة بين الطرفين توجت برفض مجلس النواب ولأول مرة للحساب الختامي الموحد للسنة المالية المذكورة، وأهم ما في حيثيات هذا الرفض ليس الجدل القانوني الذي قد يثار حول آلية التعامل مع هذا الرفض، وإنما في عدم تحمل بعض الوزارات لمسؤولياتها بالرد على استفسارات اللجنة المالية بمجلس النواب والتي استلمــــــت 6 ردود فقط من 36 رسالة من الجهات الحكومية للاستفسار عن بعض الأمور ذات الطبيعة المالية والرقابية. ليس معروفاً اذا كان هذا الموقف البرلماني من الحساب الختامي سيؤدي بالنهاية إلى نتيجة ما، إلا أنه لا مناص من التأكيد على أهمية تحقيق الرقابة البرلمانية الفعالة على إيرادات الدولة ونفقاتها سواء في اعتماد الميزانية العامة أو في اعتماد حسابها الختامي، ولكن هل يمكن القول إن مجلس النواب قام بدوره الفعال في تفعيل دوره الرقابي ضمن الحدود المرسومة له دستورياً؟ وهل استطاع أن يرسخ في الأذهان قدرته وتمسكه بهذا الدور؟ وهل هو في أحسن الحالات التي تمكنه حقاً من القيام بهذا الدور؟ تلك تساؤلات نتركها للمتابعين لمجريات عمل مجلس النواب خاصة على صعيد الدور الرقابي، ولكننا كاجتهاد من جانبنا نرى بأن دور مجلس النواب في محاسبة المقصرين والمفسدين لم يفعّل كما يجب، وهناك الكثير مما ينبغي التوقف عنده اذا أردنا تقييماً موضوعياً لهذا الدور، وحيال المنحى الذي قد يعكس حقيقة الدور الرقابي الذي قام به مجلس النواب الحالي، فإن الأمر يقتضي أن نعود إلى الكيفية التي استخدمت فيها الأدوات أو الآليات الدستورية الرقابية الممنوحة للنواب، من استجوابات، واسئلة برلمانية، ولجان تحقيق، فهي عليها من المآخذ الكثير مما يستحق أن يؤخذ في الحسبان والتقييم والمراجعة، فهي أدوات أما أنها استخدمت في غير الأغراض التي شرعت من أجلها في بعض الأحيان، أو أن هناك انحرافاً في استخدام هذه الأداة أو تلك، خاصة الاستجوابات التي ذهبت نحو اتجاه يتسم بالعرقلة أو الطأفنة وبمستوى فج لا يملك المرء حياله سوى الوقوف حائراً يتجاذبه الذهول والأسى، كما وجدنا افراطاًً ومغالاة غير مبررة في استخدام هذه الأدوات بشكل أدى إلى افراغها من مضمونها، وفي كل الحالات توالت العثرات التي ارتكبت في حق هذه الأدوات الرقابية، وما تجاهل تقارير ديوان الرقابة المالية على سبيل المثال، والمتراكمة في مجلس النواب والتي فيها من التجاوزات والانحرافات وأوجه فساد مختلفة إلا ترجمة فعلية للقصور على الدور الرقابي للمجلس النيابي، ناهيك عما دار في شأن قضايا فساد عديدة أثيرت في الساحة المحلية. ليكن معلوماً أن الدور الرقابي للنواب مهما كانت محدودية المساحات المتاحة له، يجب أن يكون فعالاً ومؤثراً وهذا ما ينشده كل مواطن يتعطش إلى إزالة الشوائب التي تعتري واقعنا والتي مازالت تحد من الدور الرقابي الفاعل والمؤثر واللازم لمجلس النواب، وتحول أيضاً دون البدء في مواجهة حقيقية لاجتثاث الفساد وتطهير المجتمع.